بسم الله الرحمن الرحیم

جريان سقيفة

جريان سقيفة


ابوبكر بن ابي قحافة

عمر بن الخطاب

عثمان بن عفان
خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس(000 - 14 هـ = 000 - 635 م)


قبل از امیرالمؤمنین ع احدی از بنی هاشم بیعت نکردند
شرح حال ابوبكر احمد بن عبد العزيز الجوهري صاحب السقيفة(000 - 323)
كتاب السقيفة ابوبكر الجوهري

مناظره جالب ابن عباس و عمر در اینکه خلافت از طرف خداست
ابوهريرة-نقل حدیث-کشته شدن-قطع بلعوم-شج رأسي
آتش زدن ابوبكر احادیث را-پانصد حدیث

سقيفة در بخاري
ترجمه خطبه عمر راجع به سقيفه در صحيح بخاري
سقيفه در صحيح مسلم
سقيفة در مسند احمد
سقيفه در حديث هشام مفصل
سقيفه در مسند بزاز
سقيفه در مصنف ابن ابي شيبه
سقيفه در سنن نسائي
سقيفه در صحيح ابن حبان
سقيفه در موفقيان زبير بن بكار
سقيفه در انساب الاشراف بلاذري
ساير كتب
اگر سقیفه انصار نمیشد اصحاب صحیفه ملعونه چه نقشه‌ای داشتند؟
متن صحیفة ملعونة
صحیفه ملعونة-پیمان نامه-اصحاب عقدة
صحيفة عمر مثل عمل عمر
تعبیر ابن عباس به لفظ عمل
تعبیر به لفظ صحیفة
تعبیر أبيّ به اصحاب عقدة
با وجود روایت کنا نفضل، اما عمر میگوید ابوعبیده و سالم و معاذ را خلیفه میکردم
تعبیر أمین این امت راجع به ابوعبیده
روایات شیعه راجع به صحیفه ملعونة
قبل از امیرالمؤمنین ع احدی از بنی هاشم بیعت نکردند
يك بيعت يا دو بيعت


لو أن الناس اعتزلوهم



جيش اسامة


لعن از تخلف از جيش اسامة
بودن ابوبكر وعمر در جيش اسامة

تجاهل الباني در شناخت جوهري

حذف لفظ ابوبکر از مغازی واقدی
حذف وصیت سوم انفاذ جیش اسامه در روایت صحیح بخاری

أسامة بن زيد بن حارثة(7 ق هـ - 54 هـ = 615 - 674 م)



نماز خواندن ابوبکر به جای رسول الله ص


صلاة أبي بكر---السيد مرتضى العسكري






چه كسي نماز خواند بر بدن حضرت؟
سعد در سقيفة
سه نفر متهم قتل سعد بن عباده
اقتلوا سعدا
هواي انصار در علي ع بود
ابن حبان- عمر نفرين سعد نكر دعا كرد شهيد شود!
فلتة بودن مدح است نه ذم!
بودن ابوبكر درسنح
ضرب به سيف عمر
كارگزاران سقيفة
عذر آوردن به اشتغال به تجهيز
سوار كردن بر دابة و سراغ انصار رفتن
احتجاج به اربعة مواطن بيعت گرفتن از مسلمين
فيه دعابة مزاح فكاهية
راجع الامر المعروف
رمز كراهية محضر عمر!
شكايت از سقيفة
عهد الي
ستغدر بك الامة بعدي
احتجاج به غدير در بيعت با ابوبكر
لنا حق - نركب اعجاز الابل
مقاله سايت باشگاه جوانان راجع به اعجاز الابل
اشکال تفتازانی در بیعت اول
كسر سيف زبير در مغازي موسي بن عقبة
موقع الإسلام سؤال وجواب
اخبار به فتنه وافتراق امت
ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي
هذا الحی من قریش
حديث هفتاد و دو فرقه و فرقه ناجيه
عمر باب مغلق مكسور
ارتداد صحابة والعرب واهل الردة
خلافت و فتن و خلفاء ثلاثة و سائرین
خطبة شقشقية
ستغدر بك الامة بعدي
سبّ شيخين كفر است:
مناظره جالب ابن عباس و عمر در اینکه خلافت از طرف خداست
يهجر عرف فأمسك
حدیث عباس و خلافت
لا یجتمع لکم النبوة و الخلافة
جواب كنا نفضل و ثم نسكت
ابوسفیان و احساس شرف نسبت به خلفاء
نسل کشي شيعه
نزول آية لا ترفعوا اصواتكم راجع به نزاع ابوبكر و عمر
امام حسين ع قوم ما جاي ما را گرفتند
قتل منكر شيخين
سقيفه ناراحتي عمر از ابوبكر
چرا خوف از فشي خلافت ابوبكر
لا تعلمهما بذلك
اقتدوا بالذين من بعدي
ابوبکر و عمر وزیرای فی الارض!
الخلافة ثلاثون حديث سفينة
دو نوع خلفاء
خلفاء راويان حديث هستند
عائشه ميگويد خلفاء سه نفر به گذاشتن سنگ مسجد
عايشه اگر استخلاف ميكردند ابوعبيده بود!
فایل اضافه----تامير ابن مسعود
تامير و استخلاف ابن مسعود
وما وجدتها في كتاب الله
فرار شيخين در جنگ خيبر
كانديداهاي عمر براي خلافت
امیرالمؤمنین ع احق به خلافت از ابوبکر
اسناد كودتاي ابوبكر براي غصب خلافت؟؟
استخلاف پيامبر ص ابوعبيدة
فاولتها قبورهم - ابوبکر و عمر وعثمان
هذا اوردني الموارد
قبل از امیرالمؤمنین ع احدی از بنی هاشم بیعت نکردند



ارذل بيت في قريش

ابوسفیان و احساس شرف نسبت به خلفاء



وصي و وصایت و عهد در موفقیات زبیر بن بکار به نحو اعجاب انگیز







تهذيب الأسماء واللغات (1/ 212)
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
203 - سعد بن عائذ:
بالذال المعجمة، هو سعد القرظ المؤذن. مذكور فى الوسيط فى الأذان للصبح، هو مولى عمار بن ياسر، هو بإضافة سعد إلى القرظ، بفتح القاف، وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بهذا الفن، ويقع فى بعض نسخ الوسيط: القرظى، وهو خطأ فاحش بلا شك، وإنما هو سعد القرظ كما سبق. قال العلماء: أضيف إلى القرظ الذى يدبع به؛ لأنه كان كلما اتجر فى شىء خسر فيه، فاتجر فى القرظ فربح فيه، فلزم التجارة فيه، فأضيف إليه، جعله النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنًا بقباء، فلما ولى أبو بكر، رضى الله عنه، الخلافة وترك بلال الأذان، نقله أبو بكر، رضى الله عنه، إلى مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليؤذن فيه، فلم يزل يؤذن فيه حتى مات فى أيام الحجاج بن يوسف، وتوارث بنوه الأذان، وقيل: الذى نقله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.





تهذيب الكمال في أسماء الرجال (4/ 289)
المؤلف: يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزي (المتوفى: 742هـ)
ويقال: إنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا مرة واحدة، في قدمة قدمها المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب إليه الصحابة ذلك فأذن، ولم يتم الأذان، وقيل: إنه أذن لأبي بكر الصديق خلافته.













الآثار لأبي يوسف (ص: 214)
المؤلف: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري (المتوفى: 182هـ)
951 - قال: ثنا يوسف عن أبيه عن أبي حنيفة، عن يزيد بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، " أن أبا بكر رضي الله عنه، رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة، فاستأذنه إلى ابنة خارجة، وكانت في حوائط الأنصار، وكان ذلك راحة الموت ولا يشعر، فأذن له، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، فأصبح أبو بكر رضي الله عنه فجعل يرى الناس يترامسون فأمر أبو بكر غلاما يتسمع ثم يخبره، فقال: سمعتهم يقولون: مات محمد صلى الله عليه وسلم، فأسند أبو بكر ظهره وهو يقول: واقطع ظهراه، قال: فلما بلغ أبو بكر المسجد حتى ظنوا أنه لا يبلغ، قال: فأرجف المنافقون، فقالوا: لو كان محمد نبيا لم يمت، فقال عمر: لا أسمع أحدا يقول: مات محمد، إلا ضربته بالسيف، فكفوا لذلك، فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم مسجى كشف الثوب وجعل يلثمه، ويقول [ص:215]: بأبي أنت وأمي، ما كان الله ليذيقك الموت مرتين، أنت أكرم على الله من ذلك، ثم خرج أبو بكر، فقال: يا أيها الناس من كان يعبد محمدا فقد مات محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان يعبد رب محمد صلى الله عليه وسلم فإن رب محمد حي لا يموت، ثم قرأ {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144] قال عمر رضي الله عنه: والله لكأنا لم نقرأها قبلها قط، فقال الناس مثل مقالة أبي بكر من كلامه وقراءته، قال: ومات ليلة الإثنين فمكث ليلتئذ ويومئذ وليلة الثلاثاء ودفن يوم الثلاثاء، قال: وكان أسامة بن زيد وأوس بن خولي الأنصاري رضي الله عنهم يصبان الماء، وعلي والفضل رضي الله عنهما يغسلانه " وقال أبو حنيفة: بلغني أنهم صلوا عليه أفواجا بغير إمام








الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا (ص: 250)
أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا (المتوفى: 281هـ)
310 - حدثنا يوسف بن موسى، قال: سمعت جريرا، يقول: أخبرني بعض البصريين، قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال المغيرة بن شعبة لعلي: قم فاصعد المنبر فإنك إن لم تصعد صعد غيرك قال: فقال علي: والله إني لأستحي أن أصعد المنبر ولم أدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:251]. قال: فصعد غيره. قال: وقال له المغيرة بن شعبة حين كانت الشورى: انزع نفسك منهم فإنهم لن يبايعوا غيرك


الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا (ص: 251)
311 - وحدثنا يوسف، قال: حدثنا جرير، عن المغيرة بن شعبة، قال: قال المغيرة بن شعبة لعلي حين قتل عثمان: اقعد في بيتك ولا تدع الناس إلى نفسك فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايع الناس غيرك. قال: وقال المغيرة بن شعبة: لئن لم تطعني في هذه الرابعة لأعتزلنك، ابعث إلى معاوية عهده ثم اخلعه بعد ذلك، فلم يفعل، فاعتزله المغيرة بن شعبة باليمن فلما أشغل علي ومعاوية فلم يبعثوا إلى الموسم أحدا جاء المغيرة بن شعبة فصلى بالناس ودعا لمعاوية




تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 207)
حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: أخبرني عمي، قال: أخبرني سيف، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كان علي في بيته إذ أتي فقيل له: قد جلس أبو بكر للبيعة، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء، عجلا، كراهية أن يبطئ عنها، حتى بايعه ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلله، ولزم مجلسه.



مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (4/ 263)
شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله المعروف بـ «سبط ابن الجوزي» (581 - 654 هـ)
الباب التاسع (1) في حديث السقيفة
قال الزهري: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله بن حضير في بني عبد الأشهل من بين الأنصار [فأتى آتٍ إلى] أبي بكر وعمر فقال: إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة قد انحازوا إليه، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل تفاقم أمرهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته لم يفرغ من أمره بعد أن أُغلق دونه الباب.
فقال عمر لأبي بكر رضوان الله عليهم: انطلق بنا إلى إخواننا الأنصار لننظر ما هم عليه.
وقال هشام بن محمد: بلغ العباس أن سعد بن عبادة قد جمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وأنهم قد بايعوه بالخلافة، فدخل العباس والمهاجرون من ذلك وحشة، فخرج العباس على الناس وأبو بكر لا يشعر، فقال: أيها الناس بلغني أن [سعد بن عبادة بنيت له وسادة ودعا إلى نفسه وأجابه من أجابه نقضًا لعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (2)، انهض يا أبا بكر إلى هؤلاء القوم يعني الأنصار. فقال له المهاجرون: إنه ليدلنا على صدقك يا أبا الفضل أنه لم يصل الظهر اليوم منهم أحد معنا، فنهض أبو بكر إلى الأنصار.

طرف من حديث السقيفة:
قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: وإنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عليًا والزبير ومن كان معهما تخلَّفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت عنا الأنصار بأجمعها، واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا رجلان صالحان منهم ممن قد شهد بدرًا، فقالا: أين تريدون يا معاشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليك ألا تقربوهم، وأمضوا أمركم، وارجعوا، فقلت: لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة وإذا [بين ظهرانيهم رجلٌ مزمل، فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: ] توعك، فلما جلسنا قليلًا، قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت دافة منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت في نفسي مقالة أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أرى منه بعض الجد، وكان أعلم مني وأوقر، فلما أردت أن أتكلم قال: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، فما ترك شيئًا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إلا وقد جاء به أحسن منه، فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا وقد قال في بديهته مثلها وأفضل منها حتى سكت، فقال:
أما بعد يا معشر الأنصار، فإنكم ما تذكرون منكم فضلًا إلا كنتم له أهلًا، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا في هذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا، ولقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا [أيّهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قاله غيرها، وكان] (1) والله لأن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهمَّ إلا أن تسول لي نفسي شيئًا عند الموت لا أجده الآن، فلما قضى كلامه قال قائل من الأنصار: أنا جُذَيلها المحَكَّك، وعذيقها المرجَّب، منا أمير ومنكم أمير، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، وبايعه المهاجرون ثم الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعدًا، فقلت: قتل الله سعدًا، وقال عمر - رضوان الله عليه -: أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرًا هو أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم يكن لهم بيعة أن يبايعوا رجلًا منهم بعدنا، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فسادًا، فمن بايع أميرًا عن غير مشورة من المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرَّة (1) أن يقتلا.
والرجلان اللذان لقياهم: عويم بن ساعدة، ومعن بن معدي، والذي قال: أنا جُذيلها المحكَّك وعذيقها المرجَّب الحبابُ بن المنذر (2).
وقال أنس بن مالك: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وقالوا: نولي هذا الأمر سعد بن عبادة، فأخرجوه، وهو مريض، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا معاشر الأنصار، إن لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن، فما آمن له إلا قليل، والله ما كان من آمن له يستطيعون أن يمنعوه ولا أن يدفعوا عنه ولا عن أنفسهم ضيمًا حتى أراد الله بكم الفضيلة، وساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، فرزقكم الإيمان بالله ورسوله، وأنتم أحق بهذا الأمر، وإن لم ترض قريش فمنهم أمير ومنا أمير، فقال سعد: هذا والله أول الوهن.
وبلغ أبا بكر وعمر الخبر فجاءا إلى السقيفة، وذكر بمعنى ما تقدم، قال: وخطب أبو بكر، فقال: نحن المهاجرون الأولون أول الناس إسلامًا، وأكرمهم إحسانًا، وأوسطهم دارًا، وأحسنهم وجوهًا، وأمسهم رحمًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدمنا الله عليكم فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100] وأنتم شركاؤنا في الفيء وأنصارنا على عدونا، فلا تنفسوا علينا ما منحنا الله به دونكم، ولا ننكر سابقتكم، ألا نحن الواسطة من القلادة وعِتْرَةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصله، وذكر كلامًا طويلًا.
فقال الحُباب: دعوا هذا، منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر: هيهات، لا يجتمع فحلان في شرك، ولا ترضى العرب أن تنافروا عليها وبينها حكم من غيركم، ونحن أولياؤه وعترته.
فقال الحُباب: يا معاشر الأنصار، لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم فأجلوهم من بلادكم وتَولَّوه، فأنتم أحق به منهم، لأن ناسًا منكم (1) فأما والله لئن شئتم لنعيدنها جَذعة، فقال له عمر: إذًا يقتلك الله، فقال: بل إياك يقتل.
فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير، فقال: يا معاشر الأنصار، لئن كنا أول من سبق إلى هذا الدين وجهاد المشركين فما قصدنا إلا رضى الله ورسوله، فلا ينبغي لنا أن نستطيل على الناس، ولا نطلب عرض الدنيا، وإن قريشًا أولى بهذا الأمر منا، فلا ننازعهم.
فقال له الحباب: أنفست على ابن عمك، يعني سعد بن عبادة، فقال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قومًا حقًّا جعله الله لهم، ثم قام أسيد بن حضير، فقال هو وبشير: يا أبا بكر مد يدك، فبسطها، فبايعاه، وتبايع الناس، فانكسر على سعد أمره، وكادوا يطؤون سعدًا، فقال ناس من أصحابه: اتقوا سعدًا لا تطؤوه، فقال عمر: اقتلوا سعدًا قتله الله، ثم قام عمر على رأس سعد، وقال: لقد هممت أن أطأك حتى يندر عضوك، فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر، وقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيكَ جارحة، فقال أبو بكر: مهلًا يا عمر الرفق الرفق فهو ههنا أبلغ، فقال سعد: أما والله لو كان لي قوة على النهوض لسمعتم مني في أقطارها وسككها [زئيرًا يُجحرك وأصحابك] حتى ألحقك بقوم كنت فيهم تابعًا غير متبوع، ثم عاد أبو بكر وعمر إلى مكانهما، وبعثا إلى سعد بن عبادة: بايع فقد بايع الناس، فقال للرسول: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب من دمائكم سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يداي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي، والله لو اجتمع لكم الجن والإنس لما بايعتكم، فلما عاد الرسول فأخبرهم بما قال، قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال بشير بن سعد: دعه فقد لج، وليس بمبايعكم حتى يقتل ويقتل معه قيس ولده وأهله ومن أطاعه من قومه، فاتركوه، فتركوه، فكان سعد لا يحضر معهم، ولا يصلي في المسجد، ولا يسلم على من لقيه منهم، فلم يزل مجانبًا لهم حتى خرج إلى الشام بعد وفاة أبي بكر رضوان الله عليه (1).
وذكر الطبري أن سعدًا بايع مكرهًا، وهو وهم (2).
ولما بويع أبو بكر رضوان الله عليه في السقيفة قال رجل من قريش كنيته أبو عمرو (3): [من الكامل]
شكرًا لمن هو بالثناءِ حقيقُ ... ذهَب الحجاجُ وبويعَ الصديقُ
من بعد ما دحضَت بسعد نعلُه ... ورجى رجاءً دونَه العيوقُ
حفَّت به الأنصارُ عاصب رأسهِ ... فأتاهُم الصديقُ والفاروقُ
وأبو عبيدةَ والذين إليهمُ ... نفسُ المؤمل للصلاح تتوقُ
بالحقِّ إذ طلبوا الخلافةَ زلَّة ... لم يُخْطِ مثل خطائهم مخلوقُ
إن الخلافةَ في قريشٍ ما لكم ... فيها وربِّ محمد ثُفروقُ
الثفروق: قمع البسرة.
وروى ابن سعد، عن ابن عباس أنه قال أرسل العباس إلى بني هاشم فجمعهم عنده، وكان علي عنده بمنزلة لم يكن أحد بها، فقال: يا ابن أخي إني قد رأيت رأيًا لم أقطع به حتى أستشيرك فيه، قال: وما هو؟ قال: ندخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسأله عن هذا الأمر، فإن كان فينا بعده لم نسلمه إلى أحد ما بقي فينا عين تطرف، وإن كان في غيرنا لم نطلبه أبدًا، فقال له علي: يا عم، وهل هذا الأمر [إلا] إليك، وهل ينازعك فيه أحد؟ فقال له العباس: والله إني أظن أنه سيكون، فمد يدك حتى أبايعك، فهذا أمر لم يرد مثله، وسمع العباس التكبير في المسجد، فقيل: ما هذا؟ فقيل: بايع الناس أبا بكر، فقال العباس: هذا ما دعوتك إليه فأبيت عليَّ (4).
وذكر ابن سعد: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لقي أبا عبيدة بن الجراح، فقال له: ابسط يدك لأبايعك فأنت أمين لهذه الأمة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو عبيدة: ما رأيت لك فهَّة قبلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق (1)؟
وقال الزهري: سألت سعيد بن المسيب، فقلت له: أشهدت وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، قلت: فمتى بويع أبو بكر؟ فقال: في اليوم الذي توفي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كرهوا أن يبقوا بعض يوم بغير إمام وليسوا في جماعة.
وذكر في كتاب "بيت العلوم" أنه قيل للعباس: بايع، فقال: لا أبايع إلا ابن أخي عليًا.
وقال سلمان الفارسي: كردي بكردي، أي فعلتموها، فوجئ عنقه.
وقال المغيرة بن شعبة لعلي - رضي الله عنه -: اصعد المنبر لنبايعك، فإنك إن لم تصعد صعده غيرك، فقال علي: والله إني لأستحيي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أصعد منبره ولم أدفنه احترامًا له (2).
وقال الشريف في "نهج البلاغة": لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو سفيان بن حرب والعباس لعلي: هلم لنبايعك بالخلافة، فقال أمير المؤمنين: أيها الناس، شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا من تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، ماء آجن، ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه، فإن أقُلْ شيئًا يقولوا: حَرِصَ على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا والتي، والله لابن أبي طالب آنَسُ بالموت من الطفل بثدي أمه، ولقد اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة (3).
قال المصنف رحمه الله: وقوله: إن أبا سفيان قال لعلي - رضي الله عنه -: أبايعك بالخلافة، فيه نظر، لأنهم اختلفوا في حضوره، فذكروا أن أبا سفيان قال لعلي: ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش، والله إن شئت لأملأنَّها عليهم خيلًا ورجلًا، فقال له علي - رضي الله عنه -: طال ما عاديت الإسلام وأهله فلم يضره ذلك شيئًا، ولقد رُمْتَ هذا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يتم لك ذلك، وأتم الله نوره (1).
وقال عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان عامله على نجران ولم يكن بالمدينة (2).
وقال صاحب "العقد": توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان في مسعاة، أخرجه فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما انصرف لقي رجلًا في طريقه مقبلًا من المدينة، فقال له: ما الخبر، أمات محمد؟ قال: نعم، قال: فمن قام بعده بالأمر؟ قال: أبو بكر، قال: فما فعل المستضعفان علي والعباس؟ قال: جالسان في بيت فاطمة، فقال: أما والله إن بقيت لهما لأرفعن من أعقابهما، ثم قال: إني لأرى غيرة لا يُطفئها إلا دم، فلما قدم المدينة جعل يطوف أسواقها وأزقتها، ويقول: [من الطويل]
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ... ولا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلا فيكم وإليكم ... وليس لها إلا أبو حسن علي
وبلغ عمر قوله فقال لأبي بكر: إن هذا قد قدم وهو فاعل شرًا، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستألفه (3) على الإسلام، فدع له ما بيده من الصدقة، ففعل، فرضي أبو سفيان، وبايعه.
وذكر صاحب "العقد" أن عليًا والعباس والزبير قعدوا في بيت فاطمة - عليها السلام -، فبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال: إن أبوا قاتلهم، فأقبل عمر وفي يده قبس من نار ليضرم عليهم البيت، فخرجت إليه فاطمة، وقالت: ويحك يا ابن الخطاب جئت لتحرق بيتي؟ قال: نعم، أريد أن تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة، فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه، فقال له أبو بكر: أكرهت إمارتي؟ قال: لا، ولكن آليت أن لا أرتدي بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أجمع القرآن، فعليه حبست نفسي (1).
والصحيح: أن عليًا رضوان الله عليه إنما بايع بعد مدة لما نذكر، والله أعلم.
وقال أنس: جلس عمر على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك من الغد في اليوم الذي توفي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتشهد وأبو بكر صامت، ثم قال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت تلك المقالة في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يَدْبُرَنا، فإن يك قد مات فإن الله قد جعل لكم نورًا تهتدون به هَدي محمد - صلى الله عليه وسلم - فاعتصموا به تهتدوا، وإنما هدى الله به بما هدى الله به رسوله، وإن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثاني اثنين، وإنه أولى الناس بأموركم، فقوموا، فبايعوه، قال: وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة عند المنبر، قال أنس: فرأيت عمر يزعج أبا بكر إلى البيعة إزعاجًا (2).
ولم يبايع علي أبا بكر - رضي الله عنهما - إلا بعد ستة أشهر.
وقال المسعودي: لما جددت البيعة لأبي بكر يوم الثلاثاء على العامة خرج علي بن أبي طالب فقال: أيفتأت علينا في أمرنا ولم نستشر فيه؟ فقال أبو بكر: بلى، خشينا الفتنة، قال: ولم يبايع أبا بكر أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة - عليها السلام - (3).
وذكر الطبري: أن عليًا رضوان الله عليه كان في بيته، فقيل له: قد بايع الناس أبا بكر، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلًا كراهية أن يبطئ عنها، فبايع أبا بكر، وجلس إليه، وبعث إلى بيته فأتي بثوبه، فتجلله (4). وهو وهم من الطبري.
قال المصنف رحمه الله: وقد ذكر ابن إسحاق قصة البيعة مطولًا، فاختصرته، قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحباب بن المنذر: يا معاشر الأنصار، أمِّروا عليكم رجلًا منكم، فكره معن بن عدي وعويم بن ساعدة ما قال، ومضيا إلى أبي بكر، وأخبراه الخبر، وقالا: هم في سقيفة بني ساعدة، وذكر مجيء أبي بكر وعمر إليهما، فلما سمع المغيرة بن شعبة قول عويم ومعن، قال لأبي بكر وعمر: أيها الشيخان إن الناس إنما ينظرون إليكما وليس يرون لهذا الأمر أحدًا غيركما، فليضرب أحدكما على يد صاحبه قبل أن يحدث ما يتفاقم له الأمر، فأخذ عمر بيد أبي بكر ليبايعه، فكره ذلك أبو بكر، ونظر إلى الناس، وأراد البيعة بمحضر من المهاجرين والأنصار، وقال لعمر: قم بنا إلى إخواننا الأنصار، فإنه كان من آخر عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أوصانا بهم، فقام أبو بكر وعمر، وتبعهما المهاجرون، قال عمر: فانتهينا إليهم وهم في سقيفة بني ساعدة قد عصبوا سعدًا وهو يوعك، فذهبت لأتكلم، فقال أبو بكر: اسكت يا عمر حتى أتكلم، ثم قل ما أحببتَ، ثم خطب أبو بكر في السقيفة، فقال: الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونشهد به، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سراج الظلمة، ونبي الرحمة، بعثه الله بالحق نورًا وهدىً للعالمين، وذكر خطبة طويلة، وقال: وإن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، وقد سمعتم ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران لئلا يقع الاختلاف، وتتفرق الجماعات، وتترك السنة وتظهر البدعة، وأنا أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو عمر بن الخطاب، وذكر بمعنى ما تقدم، فقال عمر: ما ينبغي لأحد من المسلمين أن يكون فوقك، أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المواطن كلها، واختياره لك في الصلاة دليل على أنك أحق بهذا الأمر، فقام خطيب الأنصار ثابت بن قيس بن شماس فقال: نعم أنتم أول من آمن به وصدقه، وأنتم أقرباؤه وقومه، وأفضل الناس حَسَبًا ونسبًا، لا يحسدكم والله على ما آتاكم الله، ولا خلق الله أحدًا أحب إلينا وأكرم منكم، فلو جعلتم رجلًا منا ورجلًا منكم كان أشفق للقرشي إذا زاغ مخافة أن ينقض عليه الأنصاري، [وكان أشفق للأنصاري] إذا زاغ مخافة أن ينقض عليه القرشي، وقد كانت منا فيكم دماء، ولا نأمن الوالي منكم أن يميل على السيد منا فيقتله أو يصرفه.
فقام عمر، فخطب، وذكر خطبة طويلة، وفيها: وأن العرب لا ترضى بهذا، ولا تقرُّ به إلا لقريش، وأنا أنشد الله رجلًا سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الأمراء من قريش" قالوا: بلى الآن ذكرنا، فقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92]، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، ثم أخذ بيد أبي بكر، فبايعه، وبايع الناس، واجتمع أمر المسلمين، وصاروا يدًا واحدة، ولم يغب عن تلك البيعة أحد ممن يُؤْبَه له إلا علي بن أبي طالب، والزبير، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، فرجع الناس على ذلك يومهم، حتى إذا كان من الغد خرج أبو بكر، وذلك يوم الجمعة، فقال: اجمعوا لي المهاجرين والأنصار، فاجتمعوا، ثم أرسل إلى علي بن أبي طالب فأتاه والنفر الذين كانوا تخلفوا معه، فقال: ما خلفك يا علي عن أمر الناس؟ فقال: خلفني عظم المصيبة، ورأيتكم استغنيتم برأيكم، فاعتذر إليه أبو بكر لخوف الفتنة وتفاقم الحدثان، وإن كنت والله لها كارهًا وما شَهِدَها أحد أحب إلي أن يشهدها [منك]، ثم أشرف على الناس، وقال: أيها الناس، هذا علي بن أبي طالب، فلا بيعة لي في عنقه، وهو بالخيار من أمره، ألا وأنتم بالخيار جميعًا في بيعتكم، فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من أبايعه، فلما سمع ذلك علي تحلل عنه ما كان قد دخله، فقال: أجل لا نرى لها غيرك، مد يدك، فبايعه هو والنفر الذين كانوا معه (1).
وهذا دليل على أن عليًا بايع أبا بكر بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أيام، ودل عليه أيضًا ما ذكره ابن سعد فإنه قال:
حدثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: لما قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرنا في أمرنا، فوجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قدَّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا بأمر رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا، فبايعنا أبا بكر (2).
ولما بلغ أبا قحافة بمكة وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو قحافة: من ولي بعده؟ قالوا: ابنك، قال: أرضيت بذلك بنو عبد شمس وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع (3).
وقيل: إن بيعة علي - رضوان الله عليه - أبا بكر رضوان الله عليه تأخرت إلى وفاة فاطمة - عليها السلام -.










مقدمة المقابسات، ص: 25
مقدمه از حسن السندوبي
رواية السقيفة
قال أبو حيان: سمرنا عند القاضى أبى حامد «1» ليلة ببغداد بدار ابن جيشان فى شارع الماديان، فتصرف الحديث بنا كل متصرّف، و كان و اللّه معنّا «2» مزيلا «3» مخلطا «4» غزير الرواية، لطيف الدراية [له‏] «5» فى كل جو متنفّس، و فى كل نار مقتبس، فجرى حديث السقيفة، و تنازع القوم الخلافة، فركب كلّ فنا، و قال قولا، و عرّض بشي‏ء، فقال أبو حامد: هل فيكم من يحفظ رسالة أبى بكر إلى على و جواب على له، و مبايعته إياه عقيب تلك الرسالة؟ فقال الجماعة: لا و اللّه؛ فقال: هى و اللّه من درر الحقائق المصونة، و مخبآت الصناديق فى الخزائن المحوطة، و منذ حفظتها ما رويتها إلا للمهلبى فى وزارته، فكتبها عنى فى خلوة بيده، و قال:
لا أعرف فى الأرض رسالة أعقل منها و لا أبين، و إنها لتدل على علم و حلم، و فصاحة و فقاهة فى دين، و دهاء و بعد غور، و شدة غوص. فقال له واحد من القوم: أيها القاضى، فلو أتممت المنة علينا بروايتها سمعناها و رويناها عنك؟ فنحن أوعى لها من المهلبىّ و أوجب ذماما عليك. فقال:
هذه الرسالة رواها عيسى بن دأب «6» عن صالح بن كيسان «7» عن‏



المقابسات، ص: 26
هشام بن عروة «1» عن ابيه عروة بن الزبير عن ابى عبيدة بن الجراح.
قال ابو عبيدة:
لما استقامت الخلافة لأبى بكر بين المهاجرين و الانصار، و لحظ بعين الهيبة و الوقار، بعد هنة «2» كاد الشيطان بها يسر، فدفع اللّه شرها، و أدحض عسرها، فركد كيدها، و تيسر خيرها، و قصم ظهر النفاق و الفسق بين اهلها بلغ أبا بكر عن على تلكؤ و شماس «3»، و تهمهم و نفاس «4»، فكره أن يتمادى الحال و تبدو العورة، [و تشتعل الجمرة] و تنفرج ذات البين، و يصير ذلك دربة لجاهل مغرور، أو عاقل ذى دهاء، أو صاحب سلامة ضعيف القلب خوّار العنان، فدعانى فى خلوة فحضرته و عنده عمر وحده، و كان عمر قبسا له، و ظهيرا معه، يستضي‏ء بناره، و يستملى من لسانه، فقال لى:
يا أبا عبيدة، ما أيمن ناصيتك، و أبين الخير بين عينيك «5»، لقد كنت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، بالمكان المحوط، و المحل المغبوط؛ و لقد قال فيك فى يوم مشهود: «أبو عبيدة أمين هذه الأمة» «6» و طالما أعز اللّه الإسلام بك، و أصلح ثلمه على يديك، و لم تزل للدين ملتجأ، و للمؤمنين مرتجى، و لا هلك ركنا، و لا خوانك ردءا «7» قد أردتك لأمر ما بعده‏



المقابسات، ص: 27
خطر مخوف، و صلاحه من أعظم المعروف «1»، و لئن لم يندمل جرحه بسبارك «2» و رفقك، و لم تجب حيته برقيتك «3»، فقد وقع الياس، و أعضل الباس، و احتيج بعدك الى ما هو أمر من ذلك و أعلق، و أعسر منه و أغلق، و اللّه أسأل تمامه بك، و نظامه على يديك. فتأت له يا أبا عبيدة و تلطف فيه، و انصح للّه و لرسوله و لهذه العصابة غير آل جهدا، و لا قال جدا؛ و اللّه كالئك و ناصرك، و هاديك و مبصّرك، إن شاء اللّه. امض إلى على و اخفض جناحك له، و غض من صوتك عنده، و اعلم أنه سلالة أبى طالب، و مكانه ممن فقدناه بالامس (صلى اللّه عليه و سلم) مكانه، و قل له:
البحر مغرقة، و البر مفرقة، و الجو أكلف، و الليل أغدف «4»، و السماء جلواء «5»، و الارض صلعاء «6»، و الصعود متعذر، و الهبوط متعسر، و الحق عطوف رؤف، و الباطل نسوف «7» عصوف، و العجب مقدحة الشر، و الضغن رائد البوار، و التعريض شجار الفتنة، و القحة مفتاح «8» العداوة، [و هذا] الشيطان متكئ على شماله، باسط ليمينه، نافخ حضنيه «9» لاهله، ينتظر الشتات و الفرقة، و يدب بين الامة بالشحناء و العداوة، عنادا للّه و لرسوله و لدينه، يوسوس بالفجور، و يدلى بالغرور، و يمنّى أهل الشرور، و يوحى إلى أوليائه [زخرف القول غرورا] بالباطل، دأبا له منذ كان على عهد أبينا آدم، و عادة منه منذ أهانه اللّه فى سالف الدهر، لا منجى منه إلا بعضّ‏



المقابسات، ص: 28
الناجذ على الحق، و غض الطرف عن الباطل، و وطء هامة عدو اللّه و الدين بالأشدّ فالأشد، و الأحدّ فالأحد، و إسلام النفس للّه فيما حاز رضاه و جانب سخطه، و لا بد من قول ينفع إذ قد أضر السكوت و خيف غبّه؛ و لقد أرشدك من أفاء «1» ضالتك، و صافاك من أحيا مودته لك بعتابك، و أراد [لك‏] الخير من آثر البقاء معك؛ ما هذا الذي تسول لك نفسك، و يدوى به قلبك، و يلتوى عليه رأيك، و يتخاوص «2» دونه طرفك، و يستشرى «3» به ضغنك، و يتردّد معه نفسك، و تكثر لأجله صعداؤك، و لا يفيض به لسانك؟ أ عجمة بعد إفصاح؟ ألبس بعد إيضاح؟ أدين غير دين اللّه؟
اخلق غير خلق القرآن؟ أهدي غير هدي محمد؟ (صلى اللّه عليه و سلم)، امثلى تمشى له الضرّاء و يدبّ له الخمر «4»؟ أم مثلك يغص له الفضاء و يكسف فى عينه القمر! ما هذه القعقعة بالشّنان «5»؟ [ما هذه‏] الوعوة باللسان! إنك [و اللّه‏] لجد عارف باستجابتنا للّه و لرسوله، و خروجنا من أوطاننا و [أموالنا] و أولادنا و أحبتنا، هجرة إلى اللّه، و نصرة لدينه فى زمان أنت فيه فى كن الصّبا، و خدر الغرارة، [و عنفوان الشبيبة] غافل عما يشيب و يريب، لا تعى ما يشاد و يراذ، و لا تحصل ما يساق و يقاد، سوى ما أنت جار عليه من أخلاق الصبيان أمثالك، و سجايا الفتيان أشكالك، حتى بلغت إلى غايتك هذه التي اليها أجريت، و عندها حط رحلك، غير مجهول القدر، و لا مجحود الفضل، و نحن فى أثناء ذلك نعانى أحوالا تزيل الرواسى، و نقاسى أهوالا تشيب النواصى، خائضين غمارها، راكبين تيارها، نتجرع صلبها،



المقابسات، ص: 29
و نشرج عيابها «1»، و نحكم أساسها، و نبرم أمراسها «2»، و العيون تحدج بالحسد، و الأنوف تعطس بالكبر، و الصدور تستعر بالغيظ، و الأعناق تتطاول بالفخر، و الالسنة تشحذ بالمكر، و الارض تميد بالخوف؛ لا ننتظر عند المساء صباحا، و لا عند الصباح مساء، و لا ندفع فى نحر أمر إلا بعد أن نحسو الموت دونه «3»، و لا نبلغ الى شى‏ء إلا بعد تجرع العذاب قبله، و لا نقوم بناد إلا بعد اليأس من الحياة عنده؛ فادين فى كل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، بالأب و الأم، و الخال و العم، و المال و النشب، و السبد و اللبد «4»، و الهلّة و البلّة «5»، بطيب أنفس، و قرة أعين، و رحب أعطان، و ثبات عزائم، و صحة عقود، و طلاقة أوجه، و ذلاقة ألسن؛ هذا إلى خبيئات أسرار، و مكنونات أخبار، كنت عنها غافلا، و لو لا سنك لم تكن عن شى‏ء منها ناكلا، كيف و فؤادك مشهوم «6»، و عودك معجوم، و غيبك مخبور، و الخير منك كثير. و الآن قد بلغ اللّه بك؛ و أرهص «7» الخير لك، [و جعل مرادك بين يديك‏] فاسمع ما أقول لك، و اقبل ما يعود قبوله عليك، [و عن علم أقول ما تسمع: فارتقب زمانك، و قلّص أردانك‏] ودع التجسس و التعسس لمن لا يظلع «8» لك إذا خطا، و لا يتزحزح عنك إذا عطا «9»؛ فالامر غض، و فى النفوس مض، و أنت أديم هذه الأمة فلا تحلم «10» لجاجا، و سيفها العضب فلا تنب اعوجاجا، و ماؤها العذب‏



المقابسات، ص: 30
فلا تحل أجاجا. و اللّه لقد سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، عن هذا [الأمر] لمن هو؟ فقال [لى يا أبا بكر] «هو لمن يرغب عنه لا لمن يجاحش «1» عليه، و لمن يتضاءل له لا لمن يشمخ إليه، و هو لمن يقال له: هو لك لا لمن يقول: هو لى» و لقد شاورنى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) فى الصهر، فذكر فتيانا من قريش، فقلت له: أين أنت من على؟ فقال: إنى لأكره لفاطمة ميعة شبابه، و حداثة سنه. فقلت: متى كنفته يدك، و رعته عينك، حفت بهما البركة، و أسبغت عليهما النعمة؛ مع كلام كثير خطبت به رغبته فيك، و ما كنت عرفت منك فى ذلك حوجاء و لا لوجاء «2»، و لكنى قلت ما قلت و أنا أرى مكان غيرك، و أجد ريح سواك؛ و كنت لك إذ ذاك خيرا منك الآن لى. و لئن كان عرّض بك رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) في هذا الأمر، فقد كنّى عن غيرك، و إن (كان) قال فيك فما سكت عن سواك؛ و إن اختلج في نفسك شى‏ء، فالحكم مرضىّ، و الصواب مسموع، و الحق مطاع. و لقد نقل رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) الى ما عند اللّه، و هو عن هذه العصابة راض، و عليها حدب، يسرّه ما يسرها، [و يسوءه ما ساءها] و يكيده ما كادها، و يرضيه ما أرضاها، و يسخطه ما أسخطها.
أ لم تعلم أنه لم يدع أحدا من اصحابه و خلطائه، و أقاربه و سجرائه «3»، إلا أبانه بفضيلة، و خصه بمزية، و أفرده بحالة لو أصفقت «4» الأمة عليه لأجلها لكان عنده إيالتها و كفالتها! أ تظن أنه (صلى اللّه عليه و سلم) ترك الأمة سدى بددا، عباهل مباهل، طلاحى «5» مفتونة بالباطل، ملوية عن الحق،



المقابسات، ص: 31
لا زائد و لا رائد، و لا ضابط [و لا حائط] و لا خابط و لا رابط، و لا ساقى و لا واقى، و لا حادى و لا هادى؟ كلا! و اللّه ما اشتاق الى ربه و لا سأله المصير الى رضوانه [و قربه‏] إلا بعد أن [ضرب المدى، و] أقام الصّوى «1»، و أوضح الهدى، و أمن المسالك و المهالك، و حمى المطارح و المبارك، و سهل [المشارع و المهايع «2»] و إلا بعد أن شدخ يافوخ الشرك باذن اللّه، و شرم وجه النفاق لوجه اللّه، و جدع أنف الفتنة فى دين اللّه، و تفل فى عين الشيطان بعون اللّه، و صدع بمل‏ء فيه و يده بأمر اللّه؟
و بعد، فهؤلاء المهاجرون و الانصار عندك و معك فى بقعة واحدة، و دار جامعة، ان استقادوا لك، و أشاروا بك، فأنا واضع يدى فى يدك، و صائر إلى رأيهم فيك، و إن تكن الأخرى فادخل في صالح ما دخل فيه المسلمون، و كن العون على مصالحهم، و الفاتح لمغالقهم، و المرشد لضالهم، و الرادع لغاويهم؛ فقد أمر اللّه بالتعاون على البر، و التناصر على الحق. و دعنا نقضى هذه الحياة الدنيا بصدور بريئة من الغل، و نلقى اللّه بقلوب سليمة من الضّغن، و إنما الناس ثمامة فارفق بهم و احن عليهم و لن لهم، و لا تسول لك نفسك فرقتهم، و اختلاف كلمتهم، [و لا تشق نفسك بنا خاصة فيهم‏] و اترك ناجم الشر حصيدا، و طائر الحقد واقعا، و باب الفتنة مغلقا، [ف] لا قال و لا قيل، و لا لوم و لا تعنيف، و لا عتاب و لا تثريب، و اللّه على ما أقول وكيل، و بما نحن عليه بصير قال أبو عبيدة: فلما تهيأت للنهوض قال لى عمر: كن على الباب هنيهة فلى معك درّ «3» من الكلام؛ فوقفت و ما أدرى ما كان بعدى، إلا انه لحقنى بوجه يندى تهللا و قال لى: قل لعلىّ:



المقابسات، ص: 32
الرقاد محلمة، و الهوى مقحمة، و ما منا أحد إلا له مقام معلوم، و حق مشاع أو مقسوم، و نبأ ظاهر أو مكتوم؛ و إن أكيس الكيسى «1» من منح الشارد تألفا، و قارب البعيد تلطفا، و وزن كل أمر بميزانه، و لم يخلط خبره بعيانه، و لا قاس فتره بشبره، دينا كان أو دنيا، و ضلالا كان او هدى. و لا خير فى علم معتمل فى جهل، و لا فى معرفة مشوبة بنكر:
و لسنا كجلدة رفغ البعير بين العجان و بين الذّنب «2»
كل صال فبناره يصلى، و كل سيل فالى قراره يجرى، و ما كان سكوت هذه العصابة الى هذه الغاية لعىّ و حصر، و لا كلامها اليوم لفرق و حذر. فقد جدع اللّه بمحمد (صلى اللّه عليه و سلم) أنف كل متكبر، و قصم به ظهر كل جبار، و سل لسان كل كذوب، فما ذا بعد الحق إلا الضلال؟ ما هذه الخنزوانة «3» [التي‏] فى فراش رأسك! و ما هذا الشجا المعترض فى مدارج أنفاسك [ما هذه القذاة التي تغشت ناظرك‏] و ما هذه الوحرة التي أكلت شراسيفك «4»! و ما هذا الجرجس و الدكس «5» اللذان يدلان على ضيق الباع و خور الطباع؟ و ما هذا الذي لبست بسببه جلد النمر، و اشتملت عليه بالشحناء و النكر؟ لشدّ ما استسعيت لها و سريت سرى ابن أنقد «6» إليها؟ إنّ العوان لا تعلم الخمرة «7»



المقابسات، ص: 33
ما أحوج الفرعاء «1» إلى فاليه، و ما أفقر الصلعاء الى حالية؛ و لقد قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) و الأمر مقيد محبس، ليس لأحد فيه ملمس لم يسيّر فيك قولا، و لم يستنزل لك قرآنا، و لم يجزم فى شأنك حكما. لسنا فى كسروية كسرى، و لا [فى‏] قيصرية قيصر؟ [تأمل لاخوان فارس و أبناء الأصفر! قد جعلهم اللّه جزرا لسيوفنا، و دريئة لرماحنا، و مرمى لطعاننا، و تبعا لسلطاننا؛ بل‏] نحن في نور نبوة، و ضياء رسالة، و ثمرة حكمة، و أثرة رحمة، و عنوان نعمة، و ظل عصمة، بين أمة مهدية بالحق و الصدق، مأمونة على الرتق و الفتق، لها من اللّه قلب أبىّ، و ساعد قوى، و يد ناصرة، و عين باصرة! أ تظن ظنا [يا على‏] أن أبا بكر وثب على هذا الأمر مفتاتا على الأمة خادعا لها متسلطا عليها؟ أ تراه امتلخ «2» أحلامها، و أزاغ أبصارها، و حل عقودها، و أحال عقولها، و استل من صدورها حميتها، و نكث رشاءها «3»، وصب ماءها، و أضلها عن هداها، و ساقها إلى رداها؟ [أ تراه‏] جعل نهارها ليلا، و وزنها كيلا، و يقظتها رقادا، و صلاحها فسادا؟ إن كان هكذا إن سحره لمبين، و إن كيده لمتين! كلا و اللّه. بأي خيل و رجل، و بأي سنان و نصل، و بأي منّة و قوة، و بأي مال و عدة، و بأي أيد و شدة، و بأي عشيرة و أسرة، و بأي قدرة و مكنة، و بأي تدرع و بسطة؟ لقد أصبح بما و سمته منيع الرقبة، رفيع العتبة. لا و اللّه! سلا عنها فولهت له، و تطامن لها فالتفت به، و مال عنها فمالت إليه، و استمر دونها فاشتملت عليه؛ حبوة حباه اللّه بها، و غاية بلغه اللّه إليها، و نعمة سربله جمالها، و يد أوجب اللّه عليه شكرها، و أمة نظر اللّه به إليها، و طالما حلقت فوقه أيام النبي (صلى اللّه عليه و سلم) و هو لا يلتفت إليها،



المقابسات، ص: 34
و لا يترصد وقتها. و اللّه أعلم بخلقه، و أرأف بعباده، يختار ما كان لهم الخبرة و إنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوة، و معدن الرسالة، و كهف الحكمة، و لا يجحد حقك فيما أتاك ربك من العلم، و منحك من الفقه و الدين، هذا إلى مزايا خصصت بها، و فضائل اشتملت عليها؛ و لكن [لك‏] من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك. و قربى أمسّ من قرباك، و سن أعلى من سنك، و شيبة أروع من شيبتك، و سيادة معروفة فى الجاهلية و الإسلام و مواقف ليس لك فيها جمل و لا ناقة، و لا تذكر منها فى مقدمة و لا ساقة، و لا تضرب فيها بذراع و لا إصبع، و لا تعد منها ببازل و لا هبع «1» إن أبا بكر كان حبة قلب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم)، و علاقة نفسه، و عية سره [و مفزع رأيه و مشورته‏] و مثوي حزنه، و راحة باله، و مرمق طرفه [و ذلك بمحضر الصادر و الوارد من المهاجرين و الانصار] شهرته مغنية عن الدلالة عليه. و لعمرى إنك أقرب منه إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) قرابة، و لكنه أقرب منك قربة، و القرابة لحم و دم، و القربة روح و نفس، و هذا فرق عرفه المؤمنون، و لذلك صاروا اليه أجمعون، و مهما شككت فلا تشك فى أن يد اللّه مع الجماعة، و رضوانه لأهل الطاعة، فادخل فيما هو خير لك اليوم و أنفع [لك‏] غدا، و الفظ من فيك ما هو عالق بلهاتك و انفث سخيمة صدرك [عن تقاتك‏] فإن يكن فى الأمد طول، و فى الأجل فسحة، فستأكله مريّا أو غير مرى، و ستشربه هنيئا أو غير هنى، حين لا راد لقولك إلا من كان آيسا منك و لا تابع لك إلا من كان طامعا فيك، حين يمضّ إهابك، و يعرك أديمك، و يزرى على هدبك، هنالك تقرع السن من ندم، و تشرب الماء ممزوجا بدم، حين تأس على ما مضى من عمرك، و انقضى (من فوتك) و انقرض من دارج قومك، و تود أن‏



المقابسات، ص: 35
لو سقيت بالكأس التي سقيتها غيرك، و رددت إلى الحال التي كنت تكرهها فى أمسك، و للّه فينا و فيك أمر هو بالغه، [و غيب هو شاهده‏] و عاقبة هو المرجو لسرائها و ضرائها، و هو الولى الحميد، الغفور و الودود قال أبو عبيدة: فمشيت إلى على [متزملا] متباطئا كانما أخطو على أم رأسى فرقا من الفتنة، و إشفاقا على الأمة، و حذرا من الفرقة، حتى وصلت إليه فى خلاء، فأبثثته بثى كله، و برئت إليه منه، و دفعته له، [و رفقت به‏] فلما سمعها و وعاها، و سرت فى أوصاله حمياها، قال: حلت معلوطة، و ولت مخروطة «1» ثم قال:
إحدى لياليك فهيسى هيسى لا تنعمى اللّيلة بالتّعريس‏
يا أبا عبيدة، أ هذا كله فى أنفس القوم يستبطنونه [و يحسون به‏] و يضطغنون عليه؟ فقلت: لا جواب عندى، إنما جئتك قاضيا حق الدين، و راتقا فتق المسلمين، و سادا ثلمة الأمة، يعلم اللّه ذلك من جلجلان قلبى و قرارة نفسى فقال [على: و اللّه‏] ما كان قعودى فى كسر هذا البيت قصدا لخلاف، و لا إنكارا لمعروف، و لا زراية على مسلم، بل لما وقذنى به رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم). من فراقه، و أودعنى من الحزن لفقده. فإنى لم أشهد بعده مشهدا إلا جدد على حزنا، و ذكرنى شجنا، و إن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع فى غيره، و قد عكفت على عهد اللّه أنظر فيه، و أجمع ما تفرق منه، رجاء ثواب معد لمن أخلص للّه عمله، و سلم لعلمه و مشيئته أمره على أنى ما علمت أن التظاهر على واقع، ولى عن الحق الذي سيق إلىّ دافع و إذ قد أفعم الوادى بى، و حشد النادى على، فلا مرحبا بما ساء أحدا من المسلمين، و فى النفس كلام لو لا سابق [عقد و سالف‏] عهد، لشفيت‏



المقابسات، ص: 36
غيظى بخنصرى و بنصرى، و خضت لجته بأخمصى و مفرقى، و لكننى ملجم الى أن ألقى اللّه ربى، و عنده أحتسب ما نزل بى، و إنى غاد إن شاء اللّه إلى جماعتكم و مبايع لصاحبكم، و صابر على ما ساءنى و سركم، ليقضى اللّه أمرا كان مفعولا، و كان اللّه على كل شى‏ء شهيدا قال أبو عبيدة: فعدت إلى أبى بكر و عمر فقصصت [عليهما] القول على غرّه، و لم أترك شيئا من حلوه و مره، و بكرت غدوة إلى المسجد، فلما كان صباح يومئذ وافى على فخرق الجماعة إلى أبى بكر و بايعه، و قال خيرا، و وصف جميلا، و جلس زميتا «1»، و أستأذن للقيام و نهض فتبعه عمر! كراما له، و اجلالا لموضعه، و استنباطا لما فى نفسه. و قام أبو بكر إليه فأخذ بيده و قال:
إن عصابة أنت منها يا أبا الحسن لمعصومة، و إن أمة أنت فيها لمرحومة، و لقد أصبحت عزيزا علينا، كريما لدينا، نخاف اللّه إذا سخطت، و نرجوه إذا رضيت؛ و لو لا أنى شدهت «2» لما اجبت إلى ما دعيت إليه و لكنى خفت الفرقة و استئثار الانصار بالأمر على قريش، و اعجلت عن حضورك و مشاورتك، و لو كنت حاضرا لبايعتك، و لم أعدل بك، و لقد حط اللّه عن ظهرك ما أثقل كاهلى به، و ما أسعد من ينظر اللّه إليه بالكفاية؛ و إنا اليك لمحتاجون، و بفضلك عالمون، و إلى رأيك و هديك فى جميع الاحوال راغبون، و على حمايتك و حفيظتك معوّلون ثم انصرف و تركه مع عمر، فالتفت على الى عمر فقال:
يا أبا حفص، و اللّه ما قعدت عن صاحبك جزعا على ما صار اليه، و لا أتيته فرقا منه، و لا أقول ما أقول تعلّة، و إنى لأعرف مسمى طرفى،



المقابسات، ص: 37
و مخطى قدمى، و منزع قوسى، و موقع سهمى؛ و لكنى تخلفت إعذارا إلى اللّه و إلى من يعلم الامر الذي جعله لى رسول اللّه [و قد أزمت على فأسى «1» ثقة بربى فى الدنيا و الآخرة] و اتيت فبايعت حفظا للدين و خوفا من انتشار أمر اللّه فقال له عمر: يا أبا الحسن، كفكف من غربك، و نهنه من سربك، و دع العصا بلحائها، و الدلو برشائها، فإنا من خلفها و ورائها، إن قد حنا أورينا، و إن قرحنا أدمينا [و إن متحنا أروينا] و قد سمعت أمثالك التي ألغزت بها صادرة عن صدر أكله الجوى، و قلب جزوع، [و لو شئت لقلت على مقالتك ما إن سمعته ندمت على ما قلت. زعمت‏] أنك قعدت فى كسر بيتك لما وقذك به فراق رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) أ فراق رسول اللّه وقذك وحدك و لم يقذ سواك؟ إن مصابه لأعز و أعظم [و أعم‏] من ذاك و إن من حق مصابه أن لا يصدع شمل الجماعة بكلمة لا عصام لها، [و لا يؤمن كيد الشيطان فى بقائها] فانك لترى الأعراب حول المدينة [و اللّه‏] لو تداعت علينا في مصبح يوم لم نلتق فى ممساه. و زعمت أن الشوق الى اللحاق به كاف عن الطمع فى غيره؟ فمن [علامة] الشوق إليه نصرة دينه، و موازرة المسلمين عليه، و معاونتهم فيه. و زعمت أنك عكفت على عهد اللّه تجمع ما تفرق منه؟ فمن العكوف على عهد اللّه النصيحة لعباده، و الرأفة على خلقه و أن تبذل من نفسك ما يصلحون به، و يجتمعون عليه. و زعمت أن التظاهر عليك واقع! أى تظاهر عليك؟ و أى حق استؤثر به دونك! لقد علمت [و سمعت‏] ما قال الانصار بالامس سرا و جهرا، و ما تقلبت عليه بطنا و ظهرا فهل ذكرتك أو أشارت بك أو طلبت رضاها من عندك؟ و هؤلاء المهاجرون‏



المقابسات، ص: 38
من الذي قال منهم أنك صاحب هذا الأمر، أو أومأ إليك [بعينه‏] أوهمهم بك فى نفسه؟ أ تظن أن الناس ضلوا من أجلك، و عادوا كفارا زهدا فيك أو باعوا اللّه تعالى بهواهم بغضا لك [و تحاملا عليك؟ لا و اللّه!] و لقد جاءنى [عقيل بن زياد الخزرجى فى نفر من أصحابه و معهم شرحبيل بن يعقوب الخزرجى فى‏] قوم من الانصار فقالوا: إن عليا ينتظر الإمامة، و يزعم أنه أولى بها من أبى بكر [و ينكر على من يعقد الخلافة] فأنكرت عليهم، و رددت القول فى نحورهم حتى قالوا: إنه ينتظر الوحى و يتوكف «1» مناجاة الملك. فقلت ذاك أمر طواه اللّه بعد محمد (صلى اللّه عليه و سلم) [أ كان الأمر معقودا بأنشوطة، أو مشدودا بأطراف ليطه «2»؟ كلا؟ و اللّه لا عجماء بحمد اللّه إلا افصحت، و لا شوكاء «3» إلا و قد تفتحت‏] و من أعجب [شأنك‏] قولك:
لو لا سابق [عقد و سالف عهد] لشفيت غيظى بخنصرى و بنصرى؟ و هل ترك الدين لأحد أن يشفى غيظه بيده أو لسانه؟ تلك جاهلية استأصل اللّه شأفتها، و اقتلع جرثومتها، و نور ليلها، و غور سيلها، و أبدل منها الروح و الريحان، و الهدى و البرهان. و زعمت أنك ملجم؛ فلعمرى إن من اتقى اللّه و آثر رضاه، و طلب ما عنده، أمسك لسانه، و أطبق فاه، و غلب عقله و دينه على هواه [و جعل سعيه لما واراه‏] و أما قولك: إنى لأعرف منزع قوسى، فإذا عرفت منزع قوسك، عرف غيرك مضرب سيفه، و مطعن رمحه.
و أما ما تزعمه من الامر الذي جعله رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) لك فتخلفت إعذار إلى اللّه و إلى العارفة به من المسلمين! فلو عرفه المسلمون لجنحوا إليه، و أصفقوا عليه، و ما كان اللّه ليجمعهم على العمى، و لا ليضربهم بالضلال بعد الهدى، و لو كان لرسول اللّه فيك رأي و عليك عزم ثم بعثه اللّه فرأى‏



المقابسات، ص: 39
اجتماع أمته على أبى بكر لما سفه آراءهم، و لا ضلل أحلامهم، و لا آثرك عليهم، و لا أرضاك بسخطهم، و لأمرك باتباعهم و الدخول معهم فيما ارتضوه لدينهم فقال على: مهلا أبا حفص أرشدك اللّه، خفض عليك [و اللّه‏] ما بذلت [ما بذلت‏] و أنا أريد [نكثه، و لا أقررت ما أقررت و أنا أبتغى‏] عنه حولا و إن أخسر الناس صفقة عند اللّه من استبطن النفاق، و احتضن الشقاق؛ و فى اللّه خلف عن كل فائت، و عوض من كل ذاهب، و سلوة عن كل حادث و عليه التوكل في جميع الحوادث؛ ارجع أبا حفص إلى مجلسك ناقع القلب مبرود الغليل، فصيح اللسان [فسيح اللّبان‏] رحب الصدر، متهلل الوجه فليس وراء ما سمعته منى إلا ما يشد الأزر، و يحط الوزر، و يضع الإصر، و يجمع الألفة، و يرفع الكلفة، إن شاء اللّه. فانصرف عمر إلى مجلسه قال أبو عبيدة: فلم أسمع، و لم أر كلاما و لا مجلسا، كان أصعب [علي‏] من ذلك الكلام و المجلس‏
***
قال أبو حيان فى كتابه البصائر: روى لنا هذا كله أبو حامد ثم أخرج لنا أصله فقابلناه به فما كان غادر منه إلا ما لا بال له. فاما ما رواه لنا أبو منصور الكاتب فإنه خالف فى أحرف فى حواشى الكتاب كل حرف بازاء نظيره الذي هو مبدل منه، و قد كان أبو منصور بلغة العرب أبصر، و فى غرائبها أنفذ، و إنما قدمت رواية ابى حامد لأنه بشأن الشريعة اعلم، و لأعاجيبها أحفظ، و فيما أشكل منها افقه.


المقابسات، ص: 40
تعقيب و تعليق‏
كان أول ما وقفت على هذه الرسالة فى سنة 1909 فقد قرأتها فى الكتاب الذي وضعه محمد بك دياب رحمه اللّه فى أدب اللغة العربية، فشككت فى صحة نسبتها إلى العزوة إليهم، ثم قرأتها فى كتاب المسامرات المنسوب لمحيى الدين ابن عربى، ثم فى كتاب صبح الأعشى، فتزايد الشك فى نفسى، ثم أخذ هذا الشك فى المزيد كلما فكرت فيها حتى أفضى بى إلى الجزم بوضعها و صنعها، و أنها ما خطرت لأبى عبيدة و أبى بكر و عمر و على، رضى اللّه عنهم، ببال. لأننى رأيت أسلوبها الكتابي، و منهجها الخطابى، و ما زخرت به من المذاهب البلاغية، و أنواع المجازات و صنوف الاستعارات البديعية لا يتفق مع المعروف من رسائلهم و خطبهم؛ و ليست فى إجمالها و تفصيلها من جنس كلامهم. و مما رابنى فى صحة نسبتها إليهم تلك العبارات الواردة فيها و التي لا تتناسب مع آدابهم العالية، و أخلاقهم السامية، و مع ما هو مشهور عنهم، و مشهود به لهم، من حسن الصّحابة، و جميل المواخاة، و خالص الود و الولاء فيما بينهم فى السراء و الضراء، و لهذا حينما وضعت كتابى «أعيان البيان» فى سنة 1913 أشرت فى مقدمته إلى أن هذه الرواية مفتراة على من نسبت إليهم من هؤلاء الأئمة الراشدين. كما أشرت إلى غيرها مما وضعه لرواة و عزوه إلى القدماء. و مما قلته فى ذلك الصدد:
«و مهما بالغ الرواة فى توثيق ما جاءونا به من منثور الكلام المسند إلى أهل ذلك العصر القديم، و أنى تعددت مصادره، و وفرت مراجعه، فلا تسخو نفسى بأن تؤمن بخلوه من بضاعتهم المزجاة، أو بسلامته من صناعتهم المتعملة؛ فقد كان جل ما تصبو إليه نفس أحدهم أن يحضر مجلس صاحب السلطان فيعرض بين يديه من مغربة الأخبار، و جائبة الأنباء و الآثار،



المقابسات، ص: 41
ما يكون زلفى إلى بسط اليد له بالنوال، غير حامل نفسه من العناء إلا على ما يسبك به حكايته فى الغريب من قوالب الإعراب، و ما يسند به روايته إلى بعض جفاة الأعراب، نفيا لدغله، و توصلا إلى امله. و رواتنا رحمهم اللّه و إن لم يستطيعوا أن يخدموا التاريخ بصدق الرواية، و تمحيص الحقيقة، فقد أهدوا الى الأدب العربى بما ابتدعوه فيه من الأساليب، و ما اخترعوه من المناحى و التراكيب- طرفا حلت من نفوس المتأدبين محلا عجيبا، و إن كانت فى عيون النبلاء من أهل الأدب و أولى التحقيق، قذى حال بينهم و بين ما يشتهون من الوقوف على ما اعتور الانشاء العربى فى أطواره، من اصول نشئه و أسرار ارتقائه. أدر طرفك فى مناظرة النعمان و أصحابه لكسرى أنوشروان، و وصف الجارية التي زعموا أن المنذر بن ماء السماء أهداها ملك الفرس. و غير ذلك مما طغت به كتب الأدب، و نسب إلى جاهلية العرب.
بل انظر الرسالة المعزوة إلى أبى عبيدة التي افتروها على أبى بكر و عمر فى حق على كرم اللّه وجهه. و نعت الأسد فى حضرة عثمان بن عفان و ما قاله لواصفه. و اعرض ذلك و امثاله على ميزان عقلك و محك رويتك، و بعد أن تجرد نفسك من ثياب الهوى، و تطلقها من قيود التقليد، قفنى على واضعها:
أ بدوي هو أم حضرى؟ و سليقى أم صناعى؟ و فى أى طور من أطوار الكتابة أنشئت؟ و لأى قصد صنعت؟ هذا قليل من كثير، و ثمد من غزير من منثور الكلام؛ أما منظومه فحدث فى دخيله عن البحر و لا حرج» هذا ما بلغ إليه تفكيرى فى شأن هذه الرسالة منذ سبعة عشر عاما. و مع هذا فقد كنت و ما أزال كثير الحث لإخوانى على قراءتها و الانتفاع بأسلوبها العالى، و موضوعها الراقى، و معانيها الفريدة، و عباراتها البليغة، و ألفاظها المنتقاة، و كلماتها المصطفاة؛ لأنها من أفضل الرسائل التي يحذوها الكاتب، و يقفوها الأديب. ثم ما زلت مولعا بها إلى أن وقع فى يدى كتاب نهج البلاغة بشرح‏



المقابسات، ص: 42
ابن أبى الحديد، فعثرت فيه على هذه الرسالة فقرأتها و إذا بها أتم و أكمل و أجل و أفضل، مما هى فى غيره من سائر الكتب. فاعتمدت رواية ابن أبى الحديد و جعلتها الأصل الذي يجب ان يعول عليه فى إثباتها هاهنا، و لما كنت أراجعها على ما نشر منها فى الكتب الأخرى عثرت على كلمات و جمل و فقرات غير واردة فيها، رأيت إتماما لها و تكميلا لما تفردت بها عن غيرها من المزايا و الصفات أن اضع ما عثرت عليه من هذه الزيادات فى أماكنها و أن أميزها بأن جعلتها بين هاتين العلامتين [] كما صححت ما فيها من تحريف، و أقمت منها معوج التصحيف، و شرحتها شرحا مقاربا، لا موجزا و لا مسهبا، حتى جاءت روايتنا هذه أكمل ما روى من هذه الرسالة و أتمها، و أفضلها و أجلها*** و قد كان سرورى عظيما حينما وقفت لابن أبى الحديد على قول له و تعقيب منه يؤيد به ما ذهبت إليه من وضعها. غير أنه غلّب الظن فى أنها من وضع أبى حيان. و أنت ترى أبا حيان يقول انه سمعها و نقلها عن أبى حامد المروروذى. فالظاهر أن الواضع لها غيره و ليس له فيها إلا الرواية على طريقته و أسلوبه. و لا سيما و فيمن أسندت إليهم عيسى بن داب و صالح بن كيسان و هشام بن عروة بن الزبير، و لكل من هؤلاء مذهب معروف فى شأن ما يروى عن أخبار على كرم اللّه وجهه. و إليك ما ذهب إليه ابن أبي الحديد فى وضعها، و ما اعتمده من الأدلة فى ذلك:
قال عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة اللّه المدائنى الشهير بابن أبى الحديد:
الذي يغلب على ظنى أن هذه المراسلات و المحاورات و الكلام، كله مصنوع موضوع، و أنه من كلام أبى حيان التوحيدى، لأنه بكلامه و مذهبه فى الخطابة و البلاغة أشبه؛ و قد حفظنا كلام عمر و رسائله، و كلام أبى بكر و خطبه، فلم نجدهما يذهبان هذا المذهب و لا يسلكان هذا السبيل فى كلامهما. و هذا كلام عليه أثر التوليد ليس يخفى. و أين أبو بكر و عمر من البديع و صناعة المحدثين!



المقابسات، ص: 43
و من تأمل كلام أبى حيان عرف أن هذا الكلام من ذلك المعدن خرج. و يدل عليه:
(1) أنه أسنده إلى القاضى أبى حامد المروروذى. و هذه عادته فى كتاب البصائر، يسند الى القاضى أبى حامد كل ما يريد أن يقوله هو من تلقاء نفسه، إذا كان كارها لأن ينسب إليه و إنما ذكرناه نحن فى هذا الكتاب لأنه، و إن كان عندنا موضوعا منحولا، فإنه صورة ما جرت عليه حال القوم؛ فهم و إن لم ينطقوا به بلسان المقال، فقد نطقوا به بلسان الحال.
و مما يوضح لك أنه مصنوع:
(2) أن المتكلمين على اختلاف مقالاتهم من: المعتزلة، و الشيعة، و الاشعرية، و أصحاب الحديث، و كل من صنف فى علم الكلام و الامامة، لم يذكر أحد منهم كلمة واحدة من هذه الحكاية (3) و لقد كان الرضى «1» رحمه اللّه، يلتقط من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، اللفظة الشاردة، و الكلمة المفردة، الصادرة عنه، عليه السلام، فى معرض التألم و التظلم، فيحتج بها، و يعتمد عليها، نحو قوله «ما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه حتى يوم الناس» هذا و قوله «لقد ظلمت عدد الحجر و المدر» و قوله «إن لنا حقا إن نعطه نأخذه، و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى» و قوله «فصبرت و فى الحلق شجا، و في العين قذى» و قوله «اللهم إنى أستعديك على قريش فإنهم ظلمونى حقى، و غصبونى إرثى». و كان الرضى إذا ظفر بكلمة من هذه [الكلمات‏] فكأنما ظفر بملك الدنيا، و يودعها كتبه و تصانيفه. فأين كان الرضى عن هذا الحديث!



المقابسات، ص: 44
و هلا ذكر فى كتاب «الشافى فى الامامة» «1» كلام أمير المؤمنين عليه السلام هذا؟
(4) و كذلك من جاء بعده (يعنى المرتضى) من متأخرى متكلمى الشيعة و أصحاب الأخبار و الحديث منهم الى وقتنا هذا؟
(5) و أين كان أصحابنا (يعنى المعتزلة) عن كلام أبى بكر و عمر له عليه السلام؟
(6) و هلا ذكره قاضى القضاة «2» فى «المغنى» مع احتوائه على كل ما جرى بينهم حتى انه يمكن أن يجمع منه تاريخ كبير مفرد فى أخبار السقيفة؟
(7) و هلا ذكره من كان قبل قاضى القضاة من مشايخنا و أصحابنا، و من جاء بعده من متكلمينا و رجالنا؟
(8) و كذلك القول فى متكلمى الاشعرية و أصحاب الحديث، كابن الباقلانى «3» و غيره، و كان ابن الباقلانى شديدا على الشيعة، عظيم العصبية على أمير المؤمنين عليه السلام، فلو ظفر بكلمة من كلام أبى بكر و عمر فى هذا الحديث لملأ الكتب و التصانيف بها، و جعلها هجّيراه و دأبه! (9) و الأمر فيما ذكرناه من وضع هذه القصة ظاهر لمن عنده أدنى ذوق من علم البيان و معرفة كلام الرجال (10) و لمن عنده أدنى معرفة بعلم السير و أقل أنس بالتواريخ‏