بسم الله الرحمن الرحیم

جريان سقيفة

جريان سقيفة

سقيفه در حديث هشام مفصل



المؤلف: هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان السُّلمي، ويقال: الظفري، أبو الوليد الدمشقي المقرئ (المتوفى: 245هـ)
المحقق: د. عبد الله بن وكيل الشيخ
الناشر: دار إشبيليا - السعودية

حديث هشام بن عمار (ص: 122)
47 - حدثنا سعيد بن يحيى، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قال: " أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الذي مات فيه أمثل ما كان من وجعه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أي رسول الله، أصبحت اليوم صالحا، واليوم يوم بنت خارجة، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى أهله، ووثب الموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع الناس في المسجد، وقام عمر عند المنبر يوعد ويتكلم، ويقول: إن الرجال من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فوالذي نفس محمد بيده ليخرجن، وليقطعن أيديهم وأرجلهم من خلاف، فجاء أبو بكر حتى دخل بيت عائشة حين بلغه الخبر، يتخلص الناس حتى دخل بيت عائشة، ومحمد صلى الله عليه وسلم قد أوضح، فكشف عن وجهه، ثم انكب عليه يقبله، فقال: بأبي وأمي، ما كان الله ليجمع عليك الميتتين، ميتة الدنيا، وميتة الآخرة، ثم خرج فقام بالباب، فقال لعمر رضي الله عنه: أنصت، فأبى عمر، فقال له: أنصت، فأبى، فحمد الله وأثنى عليه - وكان من أبلغ الناس - ثم قال: أيها الناس، من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له، فإنه حي لا يموت، وقرأ أبو بكر: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144] قال الناس: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، تلقوها من أبي بكر، فقال عمر: لقد كنت أقرأ هذه السورة،فما فهمت هذا فيها [ص:123] حتى سمعت من ابن أبي قحافة، فجاءهم آت فقال: إن سعد بن عبادة قد جلس على سريره في سقيفة بني ساعدة، وحف به ناس من قومه، فقال أبو بكر: ألا نأتي هؤلاء، فننظر ما عندهم، فخرج يمشي بين عمر بن الخطاب وبين أبي عبيدة بن الجراح، حتى إذا كانوا عند أحجار الزيت من سوق المدينة، ذكر الزهري أن رجلين من الأنصار: عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي لقياهم، فقالا: يا أصحاب محمد من المهاجرين الأولين اجتمعوا فاقضوا أمركم، فإنه ليس وراءنا خير، قال الزهري: وقد كان سبق لهما من الله ما لا أعلم، كان أحدهما من الذين قال الله عز وجل فيه: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} [التوبة: 108] ، وكانوا يتوضئون المبطنة، يعني [ص:124] الاستجمار، وقال عن الآخر شيئا ما أدري ما هو، فمضى أبو بكر رضي الله عنه ومن معه حتى جاء سقيفة بني ساعدة، فإذا سعد بن عبادة على سرير، وعنده ناس من قومه، فقال حباب بن المنذر بن الجموح أخو بني سلمة: أنا الذي لا يصطلى بناري، ولا ينام الناس في شعاري، نحن أهل الحلقة، وأهل الحصون، منا أمير ومنكم أمير، فذهب ليتكلم، فضرب أبو بكر في صدره، فقال: أنصت، قال: لا أعصيك في يوم مرتين، فتكلم أبو بكر رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الأنصار وما هم له أهل من السابقة والفضيلة، ثم قال: إنا أوسط العرب دارا، وأكبرها أنسابا، وإن العرب لن تعرف هذا الأمر لأحد سوانا، ولا أحد أولى منا برسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب منا، فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء، فقال سعد: صدقت، فابسط يدك نبايعك، فبسط يده فبايعه، وبايعه الناس، وازدحم الناس على البيعة، فقال قائل من الناس: قتل سعد، فقال عمر: قتله الله، فرجع أبو بكر فجلس على المنبر، وبايعه الناس يوم الاثنين، ودخل علي والزبير بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر فقال: اخرجوا للبيعة، والله لتخرجن، أو لأحرقنه عليكم، فخرج الزبير صلتا بالسيف، فاعتنقه [ص:125] زياد بن لبيد الأنصاري من بياضة فدق به، وبدر السيف من يده منه، فأخذه زياد قال: لا، ولكن اضرب به الحجر، قال محمد بن عمرو: فحدثني أبو عمرو بن حماس من الليثيين قال: أدركت ذلك الحجر الذي فيه ضرب السيف، فقال أبو بكر رضي الله عنه: دعوهم فسيأتي الله بهم، فخرجوا بعد ذلك فبايعوه، قالوا: ما كان أحد أحق بها، ولا أولى بها منك، ولكنا قد عهدنا من عمر يبتزنا أمرنا، فبايعه الناس يوم الاثنين، حتى إذا أصبح الغد قال: أين ترون أن ندفنه صلى الله عليه وسلم؟ قال قائل من الناس: ندفنه في مصلاه الذي كان يصلي فيه، وقال آخرون: ادفنه عند المنبر، قال قائل: بل ندفنه حيث توفى الله عز وجل نفسه، فأخروا الفراش، ثم أرسل إلى الحفارين، رجل من أهل مكة، ورجل من أهل المدينة، فجاء أبو طلحة فحفر له ولحد، وكان أهل مكة يشقون، وكان أهل المدينة يلحدون "











سقيفه در مسند بزاز







مسند البزار = البحر الزخار (1/ 299)
194 - حدثنا أحمد بن عبدة، وأبو بكر بن خلاد، واللفظ لأبي بكر، وأكثر كلام هذا الحديث لأبي بكر بن خلاد قالا: نا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف في آخر خلافة عمر آخر حجة حجها ونحن بمنى أتانا عبد الرحمن بن عوف فقال: لو شهدت أمير المؤمنين اليوم وأتاه رجل فقال [ص:300]: إني سمعت فلانا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا، فقال عمر: لأقومن العشية في الناس فلأحذرنهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمورهم، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وهم الذين يغلبون على مجلسك فلو أخرت ذلك حتى تقدم المدينة فتقول ما تقول وأنت متمكنا فيعونها عنك ويضعونها موضعها، قال: فقدمنا المدينة وجاءت الجمعة وذكرت ما حدثني به عبد الرحمن بن عوف فهجرت إلى المسجد فوجدت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد سبقني بالتهجير فجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته فلما زالت الشمس ودخل عمر، قلت لسعيد بن زيد: ليقولن أمير المؤمنين اليوم مقالة لم تقل قبله، فغضب سعيد وقال: وأي مقالة يقولها لم تقل قبله؟ فلما صعد عمر المنبر أخذ المؤذن في أذانه فلما فرغ قام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما بعد فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها ولا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن حفظها ووعاها فليتحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن لم يحفظها ولم يعها فإني لا أحل لأحد أن يكذب علي، إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا وأنزل عليه الكتاب وأنزل عليه آية الرجم ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده، ألا وإني قد خشيت أن يطول بالناس الزمان فيقولون: لا نعرف آية الرجم فيضلون بترك فريضة أنزلها الله عز وجل، ألا وإن الرجم حق على من زنى وكان محصنا وقامت بينة أو كان حملا أو اعترافا، ألا وإنا كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده، ولكن قولوا: عبده ورسوله، ألا وإنه قد كان من خبرنا [ص:301] لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنا علي والعباس، ومن معهم في بيت فاطمة فاجتمعت المهاجرون إلى أبي بكر واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فخرجنا فلقينا منهم رجلين صالحين، قال الزهري: هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي، فقالا: أين تريدون يا معشر قريش؟ فقلنا: نريد إخواننا من الأنصار، فقال: أمهلوا حتى تقضوا أمركم بينكم فقلنا لنأتينهم، فأتيناهم وإذا هم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة، وإذا رجل مزمل فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد، قلت: وما شأنه؟ قالوا: وعك، وقام خطيبا للأنصار فقال: إنه قد دف إلينا منكم دافة يا معشر قريش وأنتم إخواننا ونحن كتيبة الإسلام تريدون أن تختزلونا وتختصمون بالأمر أو تستأثرون بالأمر دوننا، وقد كنت رويت مقالة أقولها بين يدي كلام أبي بكر، فلما ذهبت أن أتكلم بها قال لي: على رسلك فوالله ما ترك شيئا مما أردت أن أتكلم به إلا جاء به وبأحسن منه، فقال: يا معشر الأنصار مهما قلتم من خير فيكم فأنتم له أهل ولكن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فكنت لأن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أتأمر، أو أتولى على قوم فيهم أبو بكر، فقام حباب بن المنذر فقال: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير وإلا أعدنا الحرب بيننا وبينكم جذعة، فقلت: إنه لا يصلح سيفان في غمد واحد ولكن منا الأمراء ومنكم الوزراء، ابسط يدك يا أبا بكر أبايعك، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون والأنصار وارتفعت الأصوات وكثر اللغط ونزوا [ص:302] على سعد فقالوا: قتلتم سعدا، فقلت: قتل الله سعدا فمن زعم أن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت فلتة، ولكن وقى الله شرها، فمن كان فيكم تمد الأعناق إليه مثل أبي بكر رضي الله عنه إلا من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع لا هو ولا من بويع له تغرة أن يقتل " [ص:303] وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر، بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، ورواه عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمر غير واحد، وابن عيينة حسن السياق له




مسند البزار = البحر الزخار (1/ 407)
286 - حدثنا زهير بن محمد بن قمير قال: نا حسين بن محمد قال: نا أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن عمر بن عبد الله مولى غفرة قالا: قدم على أبي بكر مال من البحرين فقال: من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليأت فليأخذه، قال: فجاء [ص:408] جابر بن عبد الله فقال: قد وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إذا جاءني من البحرين مال أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ثلاث مرات ملء كفيه» قال: خذ بيديك، فأخذ بيديه فوجده خمسمائة، قال: عد إليها ثم أعطاه مثلها، ثم قسم بين الناس ما بقي فأصاب عشرة الدراهم يعني: لكل واحد، فلما كان العام المقبل جاءه مال أكثر من ذلك فقسم بينهم فأصاب كل إنسان عشرين درهما، وفضل من المال فضل، فقال للناس: أيها الناس قد فضل من هذا المال فضل ولكم خدم يعالجون لكم، ويعملون لكم إن شئتم رضخنا لهم فرضخ لهم خمسة الدراهم خمسة الدراهم، فقالوا: يا خليفة رسول الله لو فضلت المهاجرين قال: أجر أولئك على الله إنما هذه معايش، الأسوة فيها خير من الأثرة، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه استخلف عمر رضي الله عنه، ففتح الله عليه الفتوح فجاءه أكثر من ذلك المال فقال قد كان لأبي بكر في هذا المال رأي ولي رأي آخر، لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه، ففضل المهاجرين والأنصار، ففرض لمن شهد بدرا منهم خمسة آلاف خمسة آلاف، ومن كان إسلامه قبل إسلام أهل بدر فرض له أربعة آلاف أربعة آلاف، وفرض لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفا، لكل امرأة إلا صفية وجويرية فرض لكل واحدة ستة آلاف ستة آلاف فأبين أن يأخذنها، فقال: إنما فرضت لهن بالهجرة، قلن ما فرضت لهن من أجل الهجرة إنما فرضت لهن من مكانهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا مثل مكانهن [ص:409]، فأبصر ذلك فجعلهن سواء مثلهن، وفرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألفا لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرض للحسن والحسين خمسة آلاف خمسة آلاف فألحقهما بأبيهما لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف، فقال: يا أبة فرضت لأسامة بن زيد أربعة آلاف وفرضت لي ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك، وما كان له من الفضل ما لم يكن لي، فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وهو كان أحب إلى رسول الله منك، وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا ألفين ألفين، فمر به عمر بن أبي سلمة فقال: زيدوه ألفا أو قال: زده ألفا يا غلام، فقال محمد بن عبد الله بن جحش لأي شيء تزيده علينا؟ ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لآبائنا، قال: فرضت له بأبي سلمة ألفين وزدته بأم سلمة ألفا، فإن كانت لك أم مثل أم سلمة زدتك ألفا، وفرض لأهل مكة ثمانمائة، وفرض لعثمان بن عبد الله بن عثمان وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله يعني: عثمان بن عبد الله ثمانمائة، وفرض لابن النضر بن أنس ألفي درهم، فقال له طلحة بن عبيد الله: جاءك ابن عثمان مثله ففرضت له ثمانمائة، وجاءك غلام من الأنصار ففرضت له في ألفين، فقال: إني لقيت أبا هذا يوم أحد فسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أراه إلا قد قتل فسل سيفه وكشر زنده وقال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت، فقاتل حتى قتل، وهذا يرعى الغنم فتريدون أجعلهما سواء؟ فعمل عمر عمره بهذا حتى إذا كان من آخر السنة التي حج فيها قال ناس من الناس: لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا، يعنون [ص:410]: طلحة بن عبيد الله وقالوا، كانت بيعة أبي بكر فلتة فأراد أن يتكلم في أوسط أيام التشريق بمنى فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين إن هذا المجلس يغلب عليه غوغاء الناس وهم لا يحتملون كلامك، فأمهل أو أخر حتى تأتي أرض الهجرة حيث أصحابك ودار الإيمان والمهاجرون والأنصار فتكلم بكلامك أو فتتكلم فيحتمل كلامك، قال: فأسرع السير حتى قدم المدينة فخرج يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال قد بلغني مقالة قائلكم: لو قد مات عمر أو لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا فبايعناه، وكانت إمارة أبي بكر فلتة، أجل والله لقد كانت فلتة، ومن أين لنا مثل أبي بكر نمد أعناقنا إليه كما نمد أعناقنا إلى أبي بكر، وإن أبا بكر رأى رأيا فرأيت أنا رأيا ورأى أبو بكر أن يقسم بالسوية ورأيت أنا أن أفضل فإن أعش إلى هذه السنة فسأرجع إلى رأي أبي بكر فرأيه خير من رأيي، إني قد رأيت رؤيا وما أرى ذاك إلا عند اقتراب أجلي، رأيت كأن ديكا أحمر نقرني ثلاث نقرات - فاستعبرت أسماء فقالت: يقتلك عبد أعجمي -، فإن أهلك فإن أمركم إلى هؤلاء الستة الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن مالك، وإن عشت فسأعهد عهدا لا تهلكوا، ألا ثم إن الرجم قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ولولا أن تقولوا كتب عمر ما ليس في كتاب الله لكتبته قد قرأنا في كتاب الله: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم [ص:411]. ثم نظرت إلى العمة وابنة الأخ فما جعلتهما وارثين ولا يرثا، وإن أعش فسأفتح لكم منه طريقا تعرفونه وإن أهلك فالله خليفتي وتختارون رأيكم، إني قد دونت الديوان ومصرت الأمصار وإنما أتخوف عليكم أحد رجلين رجل تأول القرآن على غير تأويله فيقاتل عليه، ورجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتل عليه. تكلم بهذا الكلام يوم الجمعة ومات رضي الله عنه يوم الأربعاء " وهذا الحديث قد روي نحو كلامه عن عمر في صفة مقتله من وجوه، ولا روي عن زيد بن أسلم، عن أبيه بهذا التمام إلا من حديث أبي معشر، عن زيد، عن أبيه


مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 6)
قلت: في الصحيح طرف منه.
رواه البزار، وفيه أبو معشر نجيح ضعيف يعتبر بحديثه.















سقيفه در مصنف ابن ابي شيبه



مصنف ابن أبي شيبة (6/ 452)
32868 - حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني أبو معشر، قال: حدثني عمر مولى غفرة وغيره قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءه مال من البحرين، فقال أبو بكر: من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيء أو عدة فليقم فليأخذ، فقام جابر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جاءني مال من البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا ثلاث مرار وحثى بيده»، فقال له أبو بكر: قم فخذ [ص:453] بيدك، فأخذ فإذا هي خمسمائة درهم، فقال: عدوا له ألفا، وقسم بين الناس عشرة دراهم عشرة دراهم، وقال: إنما هذه مواعيد وعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، حتى إذا كان عام مقبل، جاءه مال أكثر من ذلك المال، فقسم بين الناس عشرين درهما عشرين درهما، وفضلت منه فضلة، فقسم للخدم خمسة دراهم خمسة دراهم، وقال: إن لكم خداما يخدمونكم ويعالجون لكم، فرضخنا لهم، فقالوا: لو فضلت المهاجرين والأنصار لسابقتهم، ولمكانهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أجر أولئك على الله، إن هذا المعاش الأسوة فيه خير من الأثرة»، قال: فعمل بهذا ولايته حتى إذا كانت سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة من ليال بقين منه مات رضي الله عنه، فعمل عمر بن الخطاب ففتح الفتوح وجاءته الأموال، فقال: إن أبا بكر رأى في هذا الأمر رأيا، ولي فيه رأي آخر، لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه، ففرض للمهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف، وفرض لمن كان له الإسلام كإسلام أهل بدر ولم يشهد بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا إلا صفية وجويرية، فرض لهما ستة آلاف ستة آلاف، فأبتا أن تقبلا، فقال لهما: إنما فرضت لهن للهجرة، فقالتا: إنما فرضت لهن لمكانهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لنا مثله ; فعرف ذلك عمر ففرض لهما اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا، وفرض للعباس اثني عشر ألفا، وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت، لم زدته علي ألفا؟ ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لأبي، وما كان له لم يكن لي، فقال: إن أبا أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وفرض لحسن وحسين خمسة آلاف خمسة آلاف، وألحقهما بأبيهما لمكانهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ألفين ألفين، فمر به عمر بن أبي سلمة فقال: زيدوه ألفا، فقال له محمد بن عبد الله بن جحش: ما كان لأبيه ما لم يكن لآبائنا، وما كان له ما لم يكن لنا، فقال: إني فرضت له بأبيه أبي سلمة ألفين، وزدته بأمه أم سلمة ألفا، فإن كانت لك أم مثل أمه زدتك ألفا، وفرض لأهل مكة وللناس ثمانمائة ثمانمائة، فجاءه طلحة بن عبيد الله بأخيه عثمان، ففرض له ثمانمائة، فمر به النضر بن أنس فقال عمر: افرضوا له في ألفين، فقال طلحة: جئتك بمثله ففرضت له ثمانمائة درهم وفرضت لهذا ألفين؟ فقال: إن أبا هذا لقيني يوم أحد فقال لي: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: ما أراه إلا قد قتل، فسل سيفه فكسر غمده وقال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت، فقاتل حتى قتل، وهذا يرعى الشاء في مكان كذا وكذا، فعمل عمر بدأ خلافته حتى كانت سنة ثلاث وعشرين حج تلك السنة فبلغه أن الناس يقولون: لو مات أمير المؤمنين قمنا إلى فلان فبايعناه، وإن كانت بيعة أبي بكر فلتة، فأراد أن يتكلم في أوسط أيام التشريق، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، إن هذا مكان يغلب عليه غوغاء الناس ودهمهم ومن لا يحمل كلامك محمله، فارجع إلى دار الهجرة والإيمان، فتكلم فيستمع كلامك، فأسرع فقدم المدينة فخطب الناس وقال: يا أيها الناس، أما بعد، فقد بلغني ما قاله قائلكم: لو مات أمير المؤمنين قمنا إلى فلان فبايعناه، وإن كانت بيعة أبي بكر فلتة، وايم الله، إن كانت [ص:454] لفلتة وقانا الله شرها، فمن أين لنا مثل أبي بكر نمد أعناقنا إليه كمدنا إلى أبي بكر، إنما ذاك تفرة ليفتل، من بايع أمير أمور المسلمين من غير مشورة فلا بيعة له، ألا وإني رأيت رؤيا ولا أظن ذاك إلا عند اقتراب أجلي، رأيت ديكا يرى لي فنقرني ثلاث نقرات، فتأولت لي أسماء بنت عميس، قالت: يقتلك رجل من أهل هذه الحمراء، فإن أمت فأمركم إلى هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: إلى عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، فإن اختلفوا فأمرهم إلى علي، وإن أعش فسأوصي، ونظرت في العمة وبنت الأخ ما لهما، يورثان ولا يرثان، وإن أعش فسأفتح لكم أمرا تأخذون به، وإن أمت فسترون رأيكم، والله خليفتي فيكم، وقد دونت لكم دواوين، ومصرت لكم الأمصار، وأجريت لكم الطعام إلى الخان، وتركتكم على واضحة، وإنما أتخوف عليكم رجلين: رجلا قاتل على تأويل هذا القرآن يقتل، ورجلا رأى أنه أحق بهذا المال من أخيه فقاتل عليه حتى قتل، فخطب نهار الجمعة وطعن يوم الأربعاء "






سقيفه در سنن نسائي


السنن الكبرى للنسائي (6/ 395)
7081 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سلمة بن نبيط، عن نعيم، عن نبيط، عن سالم بن عبيد، قال: وكان من أهل الصفة قال: أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق فقال: «أحضرت الصلاة؟» قالوا: نعم قال: «مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس» ثم أغمي عليه فأفاق فقال: «أحضرت الصلاة» فقلن: نعم فقال: «مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس» قالت عائشة: إن أبي رجل أسيف، فقال: «إنكن صواحبات يوسف مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس» فأمرن بلالا، أن يؤذن وأمرن أبا بكر أن يصلي بالناس فلما أقيمت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقيمت الصلاة؟» قلن: نعم، قال: «ادعوا لي إنسانا أعتمد عليه» فجاءت بريرة وآخر معها فاعتمد عليها فجاء وأبو بكر، يصلي فجلس إلى جنبه فذهب أبو بكر، يتأخر فحبسه حتى فرغ من الصلاة فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمر: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا فسكتوا وكانوا قوما اميين، لم يكن فيهم نبي قبله قالوا: يا سالم اذهب إلى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فادعه [ص:396] قال: فخرجت فوجدت أبا بكر، قائما في المسجد قال أبو بكر: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إن عمر يقول: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا فوضع يده على ساعدي ثم أقبل يمشي حتى دخل قال: فوسعوا له حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأكب عليه حتى كاد أن يمس وجهه وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى استبان له أنه قد مات فقال أبو بكر: {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 30] قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: فعلموا أنه كما قال قالوا: يا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: هل نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: وكيف يصلى عليه؟ قال: يدخل قوم فيكبرون ويدعون ثم يخرجون ويجيء آخرون قالوا: يا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، هل يدفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم قالوا: وأين يدفن؟ قال: في المكان التي قبض الله فيها روحه فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيبة قال: فعلموا أنه كما قال: ثم قال أبو بكر: عندكم صاحبكم وخرج أبو بكر، واجتمع المهاجرون فجعلوا يتشاورون بينهم ثم قالوا: انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم من هذا الحق نصيبا فأتوا الأنصار، فقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر: سيفان في غمد واحد إذا لا يصلحان، ثم أخذ بيد أبي بكر، فقال: من له هذه الثلاث؟ {إذ يقول لصاحبه} [التوبة: 40] من صاحبه {إذ هما في الغار} [التوبة: 40] من هما {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] مع من؟ ثم بايعه، ثم قال: «بايعوا فبايع الناس أحسن بيعة وأجملها»





السنن الكبرى للنسائي (1/ 417)
855 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، وهناد بن السري، عن حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: " ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمر أبا بكر، أن يصلي بالناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر "






السنن الكبرى للنسائي (7/ 295)
8055 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سلمة بن نبيط، عن نعيم، عن نبيط، عن سالم بن عبيد قال: وكان من أصحاب الصفة قال: قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير قال عمر: «سيفان في غمد واحد، إذا لا يصلحان، ثم أخذ بيد أبي بكر» فقال: " من له هذه الثلاث: {إذ يقول لصاحبه} [التوبة: 40]: من صاحبه؟ {إذ هما في الغار} [التوبة: 40] من هما؟ {إن الله معنا} [التوبة: 40] مع من؟ ثم بايعه " ثم قال: «بايعوا، فبايع الناس أحسن بيعة وأجملها»






السنن الكبرى للنسائي (10/ 114)
11155 - أخبرنا نصر بن علي، حدثنا عبد الله بن داود، قال سلمة بن نبيط: أخبرنا نعيم بن أبي هند، عن نبيط بن شريط، عن سالم بن عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبض قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر: " من له مثل هذه الثلاث {إذ هما في الغار} [التوبة: 40] من هما؟ {إذ يقول لصاحبه} [التوبة: 40] من هو؟ {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] من هما؟ ثم بسط يده وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة "




سقيفه در صحيح ابن حبان




صحيح ابن حبان - محققا (2/ 145)
ذكر الزجر عن أن يرغب المرء عن آبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر
413 - أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا سريج بن يونس قال حدثنا هشيم قال سمعت الزهري يحدث عن عبيد الله بن عبد الله قال: ذكر الزجر عن أن يرغب المرء عن آبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر
[413] أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا سريج بن يونس قال حدثنا هشيم قال سمعت الزهري يحدث عن عبيد الله بن عبد الله قال: حدثني ابن عباس قال انقلب عبد الرحمن بن عوف إلى منزله بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب فقال إن فلانا يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا.
قال عمر إني قائم العشية في الناس وأحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.
قال عبد الرحمن فقلت لا تفعل يا أمير المؤمنين فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإن أولئك الذين يغلبون على مجلسك إذا أقمت في الناس فيطيروا بمقالتك ولا يضعوها مواضعها أمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة فتخلص بعلماء الناس وأشرافهم وتقول ما قلت متمكنا ويعون مقالتك ويضعونها مواضعها.
فقال عمر لئن قدمت المدينة سالما إن شاء الله لأ تكلمن في أول مقام أقومه.
فقدم المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح في شدة الحر فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني فجلس إلى ركن المنبر الأيمن وجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن طلع عمر فقلت لسعيد أما إنه سيقول اليوم على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف قال وما عسى أن يقول فجلس عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن لم يعقلها فلا يحل لمسلم أن يكذب علي إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأ بها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده وأخاف إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزله الله والرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف وايم الله لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها.
ألا وإنا كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" 1.
ألا وإنه بلغني أن فلانا قال لو قد مات عمر بايعت فلانا فمن بايع امرأ من غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له ولا للذي بايعه فلا يغترن أحد فيقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ألا وإنها كانت فلتة إلا أن الله وقى شرها1 وليس منكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر2 ألا وإنه كان من خيرنا يوم توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن المهاجرين اجتمعوا إلى أبي بكر وتخلف عنا الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ننظر ما صنعوا فخرجنا نؤمهم فلقينا رجلان صالحان منهم فقالا أين تذهبون يا معشر المهاجرين فقلت نريد إخواننا من الأنصار قال فلا عليكم أن لا تأتوهم اقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت والله لا نرجع حتى نأتيهم فجئناهم فإذا هم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة وإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا فقالوا سعد بن عبادة قلت ما له قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وقد دفت إلينا يا معشر المسلمين1 منكم دافة2 وإذا هم قد أرادوا أن يختصوا بالأمر ويخرجونا من أصلنا.
قال عمر فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زورت3 مقالة قد أعجبتني أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد4 وكان أحلم مني وأوقر فأخذ بيدي وقال اجلس فكرهت أن أغضبه فتكلم فوالله ما ترك مما زورته في مقالتي إلا قال مثله في بديهته أو أفضل، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ولن يعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب دارا ونسبا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره شيئا من مقالته غيرها كان والله لأن أقدم فتضرب عنقي في أمر لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر فقال فتى الأنصار أنا جذيلها1 المحكك وعذيقها المرجب2 منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وخشيت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسطها فبايعته وبايعه المهاجرون والأنصار ونزونا على سعد فقال قائل قتلتم سعدا فقلت قتل الله سعدا فلم نجد شيئا هو أفضل من مبايعة أبي بكر خشيت إن فارقنا القوم أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فسادا واختلافا فبايعنا أبا بكر جميعا ورضينا به"1.
قال أبو حاتم قول عمر قتل الله سعدا يريد به في سبيل الله1. [2: 43]
__________
1 إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه بطوله ابن أبي شيبة 14/563- 567 عن عبد الأعلى، عن ابن إسحاق، عن عبد الملك بن أبي بكر، والبخاري "6830" في الحدود: باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، كلاهما عن الزهري، بهذا الإسناد. وسيرد بعده من طريق مالك، عن الزهري.
وأخرجه مختصرا ابن أبي شيبة 14/563 عن غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عبد الله، بهذا الإسناد.
وقسم حديث الرجم أخرجه أبو داود "4418" في الحدود: باب في الرجم، عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن هشيم، بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق "13329"، ومن طريقه الترمذي "1432" في الحدود: باب ما جاء في تحقيق الرجم، وأحمد 1/47، عن معمر، وأخرجه ابن أبي شيبة 10/75، 76، والبخاري "6829" في الحدود: باب الاعتراف بالزنا، ومسلم "1691" في الحدود: باب رجم الثيب في الزنى، والبيهقي في "السنن" 8/21 من طريق سفيان بن عيينة، كلاهما عن الزهري، بهذا الإسناد.
وقوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم" سيورده المؤلف في كتاب التاريخ: باب بدء الخلق، برقم "6218".
وقوله: "لا ترغبوا عن آبائكم، فإن من رغب عن أبيه فقد كفر" سيورده المؤلف برقم "1466" من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
1 لكن رواية مالك التالية، وهي: "وقلت وأنا مغضب: قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة وشر" ترد ما ذهب إليه المؤلف، ولذا إليه المؤلف، ولذا قال الحافظ في شرح الحديث: فيه جواز الدعاء على من يخشى في بقائه فتنة.





سقيفه در موفقيان زبير بن بكار


الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار (ص: 219، بترقيم الشاملة آليا)
قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: " دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتما، فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني جئت من أكفر الناس وأخبثهم، قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره، وثوابه؟ فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك، حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر.
ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر.
وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله فأي عمل يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟ لا والله إلا دفنا دفنا ".
لما بايع بشير بن سعد أبا بكر، وازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه، مر أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب عليه السلام، فوقف وأنشد:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ... ولا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلا فيكم وإليكم ... وليس لها إلا أبو حسن علي
أبا حسن فاشدد بها كف حازم ... فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي
وأي امرئ يرمي قصيا ورأيها ... منيع الحمى والناس من غالب قصي
فقال علي لأبي سفيان: " إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه، وقد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا فأنا له.
فتركه أبو سفيان، وعدل إلى العباس بن عبد المطلب في منزله، فقال: يا أبا الفضل، أنت أحق بميراث أخيك، امدد يدك لأبايعك، فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك.
فضحك العباس، وقال: يا أبا سفيان، يدفعها علي ويطلبها العباس! فرجع أبو سفيان خائبا.
وذكر محمد بن إسحاق: أن الأوس تزعم أن أول من بايع أبا بكر بشير بن سعد.
، وتزعم الخزرج أن أول من بايع أسيد بن حضير.
فلما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم، فاجتمع قوم من الأنصار، وقوم من المهاجرين، فتعاتبوا فيما بينهم فقال عبد الرحمن بن عوف: «يا معشر الأنصار، إنكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة، ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا علي ولا أبي عبيدة» .
فقال زيد بن أرقم: " إنا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن، وإن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة، ومن أمر الله رسوله أن يقرئه السلام، وأن يأخذ عنه القرآن أبي بن كعب، ومن يجيء يوم القيامة إمام العلماء معاذ بن جبل، ومن أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، وإنا لنعلم أن ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد: علي بن أبي طالب ".
فلما كان من الغد، قام أبو بكر فخطب الناس، وقال: «أيها الناس، إني وليت أمركم ولست بخيركم، فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.
إن لي شيطانا يعتريني، فإياكم وإياي إذا غضبت، لا أوثر في أشعاركم، وأبشاركم.
الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي حتى أرد إليه حقه، والقوي ضعيف حتى آخذ الحق منه.
إنه لا يدع قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع في قوم الفاحشة إلا عمهم البلاء.
أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله» .
قال ابن أبي عزة القرشي:
شكرا لمن هو بالثناء حقيق ... ذهب اللجاج وبويع الصديق
من بعد ما زلت بسعد نعله ... ورجا رجاء دونه العيوق
حفت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للقاء تتوق
كنا نقول لها علي والرضا ... عمر وأولاهم بذاك عتيق
فدعت قريش باسمه فأجابها ... إن المنوه باسمه الموثوق
قل للألى طلبوا الخلافة زلة ... لم يخط مثل خطاهم مخلوق
إن الخلافة في قريش مالكم ... فيها ورب محمد معروق
روى محمد بن إسحاق: أن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرة.
قال: وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال الفضل بن العباس: يا معشر قريش، وخصوصا يا بني تيم، إنكم، إنما أخذتم الخلافة بالنبوة.
ونحن أهلها دونكم، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسدا منهم لنا وحقدا علينا، وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه.
وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم شعرا:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف ... عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم ... وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن ... جبريل عون له في الغسل والكفن
ما فيه ما فيهم لا يمترون به ... وليس في القوم ما فيه من الحسن
ماذا الذي ردهم عنه فتعلمه ... ها إن ذا غبننا من أعظم الغبن
قال الزبير: فبعث إليه علي فنهاه وأمره ألا يعود، وقال: «سلامة الدين أحب إلينا من غيره» .
وكان خالد بن الوليد شيعة لأبي بكر، ومن المنحرفين عن علي فقام خطيبا، فقال: أيها الناس، إنا رمينا في بدء هذا الدين بأمر، ثقل علينا والله محمله، وصعب علينا مرتقاه، وكنا كأنا فيه على أوتار، ثم والله ما لبثنا أن خف علينا ثقله، وذل لنا صعبه، وعجبنا ممن شكك فيه بعد عجبنا ممن آمن به حتى أمرنا بما كنا ننهى عنه، ونهينا عما كنا نأمر به، ولا والله ما سبقنا إليه بالعقول، ولكنه التوفيق.
ألا وإن الوحي لم ينقطع حتى أحكم، ولم يذهب النبي صلى الله عليه وسلم، فنستبدل بعده نبيا ولا بعد الوحي وحيا، ونحن اليوم أكثر منا أمس، ونحن أمس خير منا اليوم.
من دخل في هذا الدين كان ثوابه على حسب عمله، ومن تركه رددناه إليه، وإنه والله ما صاحب الأمر يعني أبا بكر، بالمسئول عنه، ولا ليختلف فيه، ولا الخفي الشخص، ولا المغموز القناة، فعجب الناس من كلامه.
ومدحه حزن بن أبي وهب المخزومي، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله «سهلا» وهو جد سعيد بن المسيب الفقيه، وقال:
وقامت رجال من قريش كثيرة ... فلم يك منهم في الرجال كخالد
ترقى فلم يزلق به صدر نعله ... وكف فلم يعرض لتلك الأوابد
فجاء به غراء كالبدر ضوءها ... فسميتها في الحسن أم القلائد
أخالد لا تعدم لؤي بن غالب ... قيامك فيها عند قذف الجلامد
كساك الوليد بن المغيرة مجده ... وعلمك الأشياخ ضرب القماحد
تقارع في الإسلام عن صلب دينه ... وفي الشرك عن أحساب جد ووالد
وكنت لمخزوم بن يقظة جنة ... يعدك فيها ماجدا وابن ماجد
إذا ما سما في حربها ألف فارس ... عدلت بألف عند تلك الشدائد
ومن يك في الحرب المثيرة واحدا ... فما أنت في الحرب العوان بواحد
إذا ناب أمر في قريش مخلج ... تشيب له رءوس العذارى النواهد
توليت منه ما يخاف وإن تغب ... يقولوا جميعا حظنا غير شاهد
382 - وحدثنا محمد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة، قال: حدثني إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، قال: " لما بويع أبو بكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضا، وذكروا علي بن أبي طالب وهتفوا باسمه، وإنه في داره فلم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون، وكثر في ذلك الكلام، وكان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم، وهم: سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل المخزوميان، وهؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وآله، ثم دخلوا في الإسلام، وكلهم موتور قد وتره الأنصار.
أما سهيل بن عمرو فأسره مالك بن الدخشم يوم بدر، وأما الحارث بن هشام فضربه عروة بن عمرو فجرحه يوم بدر، وهو فار عن أخيه، وأما عكرمة بن أبي جهل فقتل أباه ابنا عفراء، وسلبه درعه يوم بدر زياد بن لبيد، وفي أنفسهم ذلك.
فلما اعتزلت الأنصار تجمع هؤلاء فقام سهيل بن عمرو، فقال: يا معشر قريش، إن هؤلاء القوم قد سماهم الله الأنصار، أثنى عليهم في القرآن فلهم بذلك حظ عظيم وشأن غالب، وقد دعوا إلى أنفسهم وإلى علي بن أبي طالب، وعلي في بيته لو شاء لردهم، فادعوهم إلى صاحبكم وإلى تجديد بيعته، فإن أجابوكم وإلا قاتلوهم، فوالله إني لأرجو الله أن ينصركم عليهم كما نصرتم به.
ثم قام الحارث بن هشام، فقال: إن يكن الأنصار تبوأت الدار والإيمان من قبل، ونقلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دورهم من دورنا، فآووا ونصروا، ثم ما رضوا حتى قاسمونا الأموال، وكفونا العمل، فإنهم قد لهجوا بأمر، إن ثبتوا عليه، فإنهم قد خرجوا مما وسموا به، وليس بيننا وبينهم معاتبة إلا السيف، وإن نزعوا عنه فقد فعلوا الأولى بهم، والمظنون معهم.
ثم قام عكرمة بن أبي جهل، فقال: والله لولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش» ، ما أنكرنا إمرة الأنصار، ولكانوا لها أهلا، ولكنه قول لا شك فيه ولا خيار، وقد عجلت الأنصار علينا، والله ما قبضنا عليهم الأمر ولا أخرجناهم من الشورى، وإن الذي هم فيه من فلتات الأمور ونزغات الشيطان، وما لا يبلغه المنى ولا يحمله الأمل، أعذروا إلى القوم فإن أبوا قاتلوهم، فوالله لو لم يبق من قريش كلها إلا رجل واحد لصير الله هذا الأمر فيه.
قال: وحضر أبو سفيان بن حرب، فقال: يا معشر قريش، إنه ليس للأنصار أن يتفضلوا على الناس حتى يقروا بفضلنا عليهم، فإن تفضلوا، فحسبنا حيث انتهى بها، وإلا فحسبهم حيث انتهى بهم، وايم الله لئن بطروا المعيشة وكفروا النعمة، لنضربنهم على الإسلام كما ضربوا عليه، فأما علي بن أبي طالب فأهل والله أن يسود على قريش وتطيعه الأنصار.
فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط، قام خطيبهم ثابت بن قيس بن شماس، فقال: يا معشر الأنصار، إنما يكبر عليكم هذا القول لو قاله أهل الدين من قريش، فأما إذا كان من أهل الدنيا لا سيما من أقوام كلهم موتور فلا يكبرن عليهم، إنما الرأي والقول مع الأخيار المهاجرين، فإن تكلمت رجال قريش الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء، فعند ذلك قولوا ما أحببتم وإلا فأمسكوا.
وقال حسان بن ثابت يذكر ذلك:
تنادى سهيل وابن حرب وحارث ... وعكرمة الشاني لنا ابن أبي جهل
قتلنا أباه وانتزعنا سلاحه ... فأصبح بالبطحاء أذل من النعل
فأما سهيل فاحتواه ابن دخشم ... أسيرا ذليلا لا يمر ولا يحلي
وصخر بن حرب قد قلتنا رجاله ... غداة لوا بدر فمرجله يغلي
وراكضنا تحت العجاجة حارث ... على ظهر جرداء كباسقة النخل
يقبلها طورا وطورا يحثها ... ويعدلها بالنفس والمال والأهل
أولئك رهط من قريش تبايعوا ... على خطة ليست من الخطط الفضل
وأعجب منهم قابلوا ذاك منهم ... كأنا اشتملنا من قريش على ذحل
وكلهم ثان عن الحق عطفه ... يقول اقتلوا الأنصار بئس من فعل
نصرنا وآوينا النبي ولم نخف ... صروف الليالي والبلاء على رجل
بذلنا لهم أنصاف مال أكفنا ... كقسمة أيسار الجذور من الفضل
ومن بعد ذاك المال أنصاف دورنا ... وكنا أناسا لا نعير بالبخل
ونحمي ذمار الحي فهر بن مالك ... ونوقد نار الحرب بالحطب الجزل
فكان جزاء الفضل منا عليهم ... جهالتهم حمقا وما ذاك بالعدل
فبلغ شعر حسان قريشا، وأمروا ابن أبي عزة شاعرهم أن يجيبهم، فقال:
معشر الأنصار خافوا ربكم ... واستجيروا الله من شر الفتن
إنني أرهب حربا لاقحا ... يشرق المرضع فيها باللبن
جرها سعد وسعد فتنة ... ليت سعد بن عبادة لم يكن
خلف برهوت خفيا شخصه ... بين بصرى ذي رعين وجدن
ليس ما قدر سعد كائنا ... ما جرى البحر وما دام حضن
ليس بالقاطع منا شعرة ... كيف يرجى خير أمر لم يحن
ليس بالمدرك منها أبدا ... غير أضغاث أماني الوسن
لما اجتمع جمهور الناس لأبي بكر أكرمت قريش معن بن عدي، وعويم بن ساعدة، وكان لهما فضل قديم في الإسلام.
فاجتمعت الأنصار لهما في مجلس ودعوهما، فلما أحضرا أقبلت الأنصار عليهما، فعيروهما بانطلاقهما إلى المهاجرين، وأكبروا فعلهما في ذلك.
فتكلم معن، فقال: يا معشر الأنصار، إن الذي أراد الله بكم خير مما أردتم بأنفسكم، وقد كان منكم أمر عظيم البلاء، وصغرته العاقبة، فلو كان لكم على قريش ما لقريش عليكم ثم أردتموهم لما أرادوكم به، لم آمن عليهم منكم مثل ما آمن عليكم منهم، فإن تعرفوا الخطأ فقد خرجتم منه وإلا فأنتم فيه.
ثم تكلم عويم بن ساعدة، فقال: يا معشر الأنصار، إن من نعم الله عليكم أنه تعالى لم يرد ما أردتم بأنفسكم، فاحمدوا الله على حسن البلاء وطول العافية، وصرف هذه البلية عنكم، وقد نظرت في أول فتنتكم، وآخرها فوجدتها جاءت من الأماني، والحسد، واحذروا النعم، فوددت أن الله صير إليكم هذا الأمر بحقه فكنا نعيش فيه.
فوثبت عليهما الأنصار، فأغلظوا لهما وفحشوا عليهما، وانبرى لهم فروة بن عمرو، فقال: أنسيتما قولكما لقريش: إنا قد خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم، هذا والله ما لا يغفر ولا ينسى، وقد تصرف الحية على وجهها وسمها في نابها.
فقال معن في ذلك:
وقالت لي الأنصار إنك لم تصب ... فقلت: أما لي في الكلام نصيب
فقالوا: بلى قل ما بدا لك راشدا ... فقلت: ومثلي بالجواب طبيب
تركتكم والله لما رأيتكم ... تيوسا لها بالحرتين نبيب
تنادون بالأمر الذي النجم دونه ... ألا كل شيء ما سواه قريب
فقلت لكم قول الشفيق عليكم ... وللقلب من خوف البلاء وجيب
دعوا الركض واثنوا من أعنة بغيكم ... ودبوا فسير القاصدين دبيب
وخلوا قريشا والأمور وبايعوا ... لمن بايعوه ترشدوا وتصيبوا
أراكم أخذتم حقكم بأكفكم ... وما الناس إلا مخطئ ومصيب
فلما أبيتم زلت عنكم إليهم ... فلي فيكم بعد الذنوب ذنوب
فلا تبعثوا مني الكلام فإنني ... إذا شئت يوما شاعر وخطيب
وإني لحلو تعتريني مرارة ... وملح أجاج تارة وشروب
لكل امرئ عندي الذي هو أهله ... أفانين شتى والرجال ضروب
وقال عويم بن ساعدة في ذلك:
وقالت لي الأنصار أضعاف قولهم ... لمعن وذاك القول جهل من الجهل
فقلت: دعوني لا أبا لأبيكم ... فإني أخوكم صاحب الخطر الفصل
أنا صاحب القول الذي تعرفونه ... أقطع أنفاس الرجال على مهل
فإن تسكتوا أسكت وفي الصمت راحة ... وإن تنطقوا أصمت مقالتكم تبلي
وما لمت نفسي في الخلاف عليكم ... وإن كنتم مستجمعين على عذلي
أريد بذاك الله لا شيء غيره ... وما عند رب الناس من درج الفضل
وما لي رحم في قريش قريبة ... ولا دارها داري ولا أصلها أصلي
ولكنهم قوم علينا أئمة ... أدين لهم ما أنفذت قدمي نعلي
وكان أحق الناس أن تقنعوا به ... ويحتملوا من جاء في قوله مثلي
لأني أخف الناس فيما يسركم ... وفيما يسؤكم لا أمر ولا أحلي
وقال فروة بن عمرو وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاد فرسين في سبيل الله، وكان يتصدق من نخله بألف وسق في كل عام، وكان سيدا، وهو من أصحاب علي، وممن شهد معه يوم الجمل، قال: فذكر معنا وعويما وعاتبهما على قولهما:
ألا قل لمعن إذا جئته ... وذاك الذي شيخه ساعدة
بأن المقال الذي قلتما ... خفيف علينا سوى واحدة
مقالكم إن من خلفنا ... مراض قلوبهم فاسدة
حلال الدماء على فتنة ... فيا بئسما ربت الوالدة
فلم تأخذا قدر أثمانها ... ولم تستفيدا بها فائدة
لقد كذب الله ما قلتما ... وقد يكذب الرائد الواعدة
ثم إن الأنصار أصلحوا بين هذين الرجلين وبين أصحابهما، ثم اجتمعت جماعة من قريش يوما وفيهم ناس من الأنصار، وأخلاط من المهاجرين، وذلك بعد انصراف الأنصار عن رأيها وسكون الفتنة.
فاتفق ذلك عند قدوم عمرو بن العاص من سفر كان فيه، فجاء إليهم فأفاضوا في ذكر يوم السقيفة وسعد ودعواه الأمر، فقال عمرو بن العاص: والله لقد دفع الله عنا من الأنصار عظيمة، ولما دفع الله عنهم أعظم، كادوا والله أن يحلوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه، ويخرجوا منه من أدخلوا فيه.
والله لئن كانوا سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش» .
ثم ادعوها لقد هلكوا وأهلكوا، وإن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين، ولا سعد كأبي بكر، ولا المدينة كمكة، ولقد قاتلونا أمس فغلبونا على البدء، ولو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة.
فلم يجبه أحد وانصرف إلى منزله وقد ظفر، فقال:
ألا قل لأوس إذا جئتها ... وقل ما إذا جئت للخزرج
تمنيتم الملك في يثرب ... فأنزلت القدر لم تنضج
وأخدجتم الأمر قبل التمام ... وأعجب بذا المعجل المخدج
تريدون نتج الحيال العشار ... ولم تلقحوه فلم ينتج
عجبت لسعد وأصحابه ... ولو لم يهيجوه لم يهتج
رجا الخزرجي رجاء السراب ... وقد يخلف المرء ما يرتجي
فكان كمنح على كفه ... بكف يقطعها أهوج
فلما بلغ الأنصار مقالته وشعره بعثوا إليه لسانهم وشاعرهم النعمان بن العجلان، وكان رجلا أحمر قصيرا تزدريه العيون، وكان سيدا فخما، فأتى عمرا وهو في جماعة من قريش فقال: والله يا عمرو ما كرهتم من حربنا إلا ما كرهنا من حربكم، وما كان الله ليخرجكم من الإسلام بمن أدخلكم فيه، إن كان النبي صلى الله عليه وآله، قال: «الأئمة من قريش» ، فقد قال: «لو سلك الناس شعبا، وسلك الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار» ، والله ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا: منا أمير ومنكم أمير.
وأما من ذكرت، فأبو بكر لعمري خير من سعد، لكن سعدا في الأنصار أطوع من أبي بكر في قريش.
فأما المهاجرون والأنصار فلا فرق بينهم أبدا، ولكنك يا ابن العاص، وترت بني عبد مناف بمسيرك إلى الحبشة لقتل جعفر وأصحابه، ووترت بني مخزوم بإهلاك عمارة بن الوليد، ثم انصرف، فقال:
فقل لقريش: نحن أصحاب مكة ... ويوم حنين والفوارس في بدر
وأصحاب أحد والنضير وخيبر ... ونحن رجعنا من قريظة بالذكر
ويوم بأرض الشام أدخل جعفر ... وزيد وعبد الله في علق يجري
وفي كل يوم ينكر الكلب أهله ... نطاعن فيه بالمثقفة السمر
ونضرب في نقع العجاجة أرؤسا ... ببيض كأمثال البروق إذا تسري
نصرنا وآوينا النبي ولم نخف ... صروف الليالي والعظيم من الأمر
وقلنا لقوم هاجروا قبل: مرحبا ... وأهلا وسهلا قد أمنتم من الفقر
نقاسمكم أموالنا وبيوتنا ... كقسمة أيسار الجزور على الشطر
ونكفيكم الأمر الذي تكرهونه ... وكنا أناسا نذهب العسر باليسر
وقلتم: حرام نصب سعد ونصبكم ... عتيق بن عثمان حلال أبا بكر
وأهل أبو بكر لها خير قائم ... وإن عليا كان أخلق بالأمر
وكان هوانا في علي وإنه ... لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى ... وينهى عن الفحشاء والبغي والنكر
وصي النبي المصطفى وابن عمه ... وقاتل فرسان الضلالة والكفر
وهذا بحمد الله يهدي من العمى ... ويفتح آذانا ثقلن من الوقر
نجي رسول الله في الغار وحده ... وصاحبه الصديق في سالف الدهر
فلولا اتقاء الله لم تذهبوا بها ... ولكن هذا الخير أجمع للصبر
ولم نرض إلا بالرضا ولربما ... ضربنا بأيدينا إلى أسفل القدر
فلما انتهى شعر النعمان وكلامه إلى قريش غضب كثير منها، وألفى ذلك قدوم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عليها، وكان له ولأخيه أثر عظيم في الإسلام، وهما أول من أسلم من قريش، ولهما عبادة وفضل.
فغضب للأنصار، وشتم عمرو بن العاص، وقال: يا معشر قريش إن عمرا دخل في الإسلام حين لم يجد بدا من الدخول فيه، فلما لم يستطع أن يكيده بيده كاده بلسانه، وإن من كيده الإسلام تفريقه وقطعه بين المهاجرين والأنصار.
والله ما حاربناهم للدين ولا للدنيا، لقد بذلوا دماءهم لله تعالى فينا وما بذلنا دماءنا لله فيهم، وقاسمونا ديارهم وأموالهم وما فعلنا مثل ذلك بهم، وآثرونا على الفقر، وحرمناهم على الغنى، ولقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، وعزاهم عن جفوة السلطان، فأعوذ بالله أن أكون وإياكم الخلف المضيع، والسلطان الجاني.
وقال خالد بن سعيد بن العاص في ذلك:
تفوه عمرو بالذي لا نريده ... وصرح للأنصار عن شنأة البغض
فإن تكن الأنصار زلت فإننا ... نقيل ولا نجزيهم القرض بالقرض
فلا تقطعن يا عمرو ما كان بيننا ... ولا تحملن يا عمرو بعضا على بعض
أتنسى لهم يا عمرو ما كان منهم ... ليالي جئناهم من النفل والفرض
وقسمتنا الأموال كاللحم بالمدى ... وقسمتنا الأوطان كل به يقضي
ليالي كل الناس بالكفر جهرة ... ثقال علينا مجمعون على البغض
فساووا وآووا وانتهينا إلى المنى ... وقر قرارنا من الأمن والخفض
ثم إن رجالا من سفهاء قريش ومثيري الفتن منهم اجتمعوا إلى عمرو بن العاص، فقالوا له: إنك لسان قريش ورجلها في الجاهلية والإسلام، فلا تدع الأنصار وما قالت، وأكثروا عليه من ذلك، فراح إلى المسجد، وفيه ناس من قريش وغيرهم، فتكلم، وقال: إن الأنصار ترى لنفسها ما ليس لها، وايم الله لوددت أن الله خلى عنا وعنهم، وقضى فيهم وفينا بما أحب، ولنحن الذين أفسدنا على أنفسنا، أحرزناهم عن كل مكروه، وقدمناهم إلى كل محبوب، حتى أمنوا المخوف، فلما جاز لهم ذلك صغروا حقنا، ولم يراعوا ما أعظمنا من حقوقهم.
ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب، وندم على قوله، للخئولة التي بين ولد عبد المطلب وبين الأنصار، ولأن الأنصار كانت تعظم عليا، وتهتف باسمه حينئذ، فقال الفضل: يا عمرو، إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك، وليس لنا أن نجيبك وأبو الحسن شاهد بالمدينة إلا أن يأمرنا فنفعل.
ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه، فغضب وشتم عمرا، وقال: آذى الله ورسوله، ثم قام فأتى المسجد، فاجتمع إليه كثير من قريش وتكلم مغضبا، فقال: " يا معشر قريش، إن حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق، وقد قضوا ما عليهم وبقي ما عليكم.
واذكروا أن الله رغب لنبيكم عن مكة فنقله إلى المدينة، وكره له قريشا فنقله إلى الأنصار، ثم قدمنا عليهم دارهم، فقاسمونا الأموال وكفونا العمل، فصرنا منهم بين بذل الغني وإيثار الفقير، ثم حاربنا الناس فوقونا بأنفسهم، وقد أنزل الله تعالى فيهم آية من القرآن، جمع لهم فيها بين خمسة نعم، فقال: والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون { [الحشر: 9] .
ألا وإن عمرو بن العاص قد قام مقاما آذى فيه الميت والحي، ساء به الواتر، وسر به الموتور، فاستحق من المستمع الجواب، ومن الغائب المقت، وإنه من أحب الله ورسوله أحب الأنصار، فليكفف عمرو عنا نفسه ".
فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص، فقالوا: أيها الرجل، أما إذ غضب علي فاكفف.
وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري يخاطب قريشا
أيال قريش أصلحوا ذات بيننا ... وبينكم قد طال حبل التماحك
فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا ... ولا خير فينا بعد فهر بن مالك
كلانا على الأعداء كف طويلة ... إذا كان يوم فيه جب الحوارك
فلا تذكروا ما كان منا ومنكم ... ففي ذكر ما كان مشي التساوك
وقال علي للفضل: «يا فضل، انصر الأنصار بلسانك ويدك، فإنهم منك وإنك منهم» ، فقال الفضل:
قلت يا عمرو مقالا فاحشا ... إن تعد يا عمرو والله فلك
إنما الأنصار سيف قاطع ... من تصبه ظبة السيف هلك
وسيوف قاطع مضربها ... وسهام الله في يوم الحلك
نصروا الدين وآووا أهله ... منزل رحب ورزق مشترك
وإذا الحرب تلظت نارها ... بركوا فيها إذا الموت برك
ودخل الفضل على علي فأسمعه شعره، ففرح به وقال: وريت بك زنادي يا فضل، أنت شاعر قريش وفتاها، فأظهر شعرك، وابعث به إلى الأنصار.
فلما بلغ ذلك الأنصار، قالت: لا أحد يجيب إلا حسان الحسام.
فبعثوا إلى حسان بن ثابت، فعرضوا عليه شعر الفضل، فقال: كيف أصنع بجوابه! إن لم أتحر قوافيه فضحني، فرويدا حتى أقفوا أثره في القوافي.
فقال له خزيمة بن ثابت: اذكر عليا ويكفك عن كل شيء، فقال:
جزى الله عنا والجزاء بكفه ... أبا حسن عنا ومن كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله ... فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
تمنت رجال من قريش أعزة ... مكانك، هيهات الهزال من السمن
وأنت من الإسلام في كل موطن ... بمنزلة الدلو البطين من الرسن
غضبت لنا إذ قام عمرو بخطبة ... أمات بها التقوى وأحيا بها الإحن
فكنت المرجى من لؤي بن غالب ... لما كان منهم والذي كان لم يكن
حفظت رسول الله فينا وعهده ... إليك ومن أولى به منك من ومن
ألست أخاه في الهدى ووصيه ... وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن
فحقك ما دامت بنجد وشيجة ... عظيم علينا ثم بعد على اليمن
قال الزبير: وبعثت الأنصار بهذا الشعر إلى علي بن أبي طالب، فخرج إلى المسجد، وقال لمن به من قريش وغيرهم: يا معشر قريش، إن الله جعل الأنصار أنصارا، فأثنى عليهم في الكتاب، فلا خير فيكم بعدهم، إنه لا يزال سفيه من سفهاء قريش وتره الإسلام، ودفعه عن الحق، وأطفأ شرفه، وفضل غيره عليه، يقوم مقاما فاحشا فيذكر الأنصار، فاتقوا الله وارعوا حقهم، فوالله لو زالوا لزلت معهم لأن رسول الله قال لهم: «أزول معكم حيثما زلتم» ، فقال: المسلمون جميعا: رحمك الله يا أبا الحسن، قلت قولا صادقا.
وترك عمرو بن العاص المدينة وخرج منها حتى رضي عنه علي والمهاجرون.











سقيفه در انساب الاشراف بلاذري


أنساب الأشراف للبلاذري (1/ 579)
أمر السقيفة:
1172- حدثنا وهب بن بقية، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي قال:
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح فقال له: ابسط يدك نبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمر، ما رأيت لك تهمة [1] منذ أسلمت/ 279/ قبلها، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟
حدثنا عفان، ثنا معاذ بن معاذ، أنبأ ابن عون، أن محمد بن سيرين حدثهم قال:
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتوا أبا عبيدة بن الجراح. فقال:
أتأتوني وفيكم ثالث ثلاثة؟ قال ابن عون: فقلت لمحمد: وما ثالث ثلاثة؟
قال: ألم تقرأ هذه الآية: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا؟ [2] 1173- حدثنا محمد بن سعد، ثنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال:
سمعت عمر بن الخطاب وذكر بيعة أبى بكر، فقال: وليس فيكم من تمد إليه الأعناق- أو قال: تقطع إليه الأعناق- مثل أبي بكر.
1174- حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، ثنا حماد بن زيد، أنبأ يحيى بن سعيد، عن القاسم ابن محمد قال:
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فأتاهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح. فقام حباب بن المنذر، وكان بدريا، فقال:
منا أمير ومنكم أمير، فإنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط، ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم. قال: فقال عمر: إذا كان ذاك، قمت إن استطعت. فتكلم أبو بكر فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كشق الأبلمة [1]- قال حماد: يعني الخوصة.
فبايع أول الناس بشير بن سعد، أبو «النعمان بن بشير» . قال: فلما اجتمع الناس على أبي بكر، قسم بينهم قسما، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار يقسمها مع زيد بن ثابت. فقال: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر.
فقالت: أترشوني عن ديني؟ قال: لا. قالت: أتخافوني أن أدع ما أنا عليه؟
قال: لا. قالت: فو الله لا آخذ منه شيئا. فرجع زيد إلى أبي بكر، فأخبره بما قالت. فقال: ونحن والله لا نأخذ مما أعطيناها شيئا أبدا.
1175- حدثني عمرو بن محمد الناقد، أنبأ الحسين الجعفي، عن زائدة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر ابن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال:
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير.
قال: فأتاهم عمر، فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: بلى. قال: فأيكم يطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر بعد ذلك؟ قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم [2] أبا بكر.
1176- حدثني بكر بن الهيثم، عن هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
بلغني أن عمر بن الخطاب أراد الخطبة يوم الجمعة، فعجلت الرواح حين صارت الشمس صكة [1] عمي. فلما سكت المؤذنون، خطب فقال: إني قائل مقالة لا أدري لعلها قدام أجلي. فمن وعاها، فليتحدث بها حيث انتهت به راحلته.
ومن خشي أن لا يعقلها شيء، فإني لا أحل لأحد أن يكذب علي. ثم قال:
بلغني أن الزبير قال: «لو قد مات عمر، بايعنا عليا، وإنما كانت بيعة أبي بكر فلتة» ، فكذب والله. لقد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامه، واختاره لعماد الدين على غيره، وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، فهل منكم من تمد إليه الأعناق مثله؟
1177- وحدثني محمد بن سعد، ثنا محمد بن عمر الواقدى، عن أبى معمر، عن المقبري، ويزيد ابن رومان مولى آل الزبير، عن ابن شهاب قال:
بينا المهاجرون في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد/ 280/ قبضه الله إليه، وعلي بن أبي طالب والعباس متشاغلان به، إذ جاء معن بن عدي، وعويم ابن ساعدة فقالا لأبي بكر: «باب فتنة، إن لم يغلقه الله بك فلن يغلق أبدا.
هذا سعد بن عبادة الأنصاري في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يبايعوه» .
فمضى أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح حتى جاءوا السقيفة، وإذا سعد على طنفسة متكئا على وسادة وعليه الحمى. فقال له أبو بكر، ما ترى يا أبا ثابت؟ فقال: أنا رجل منكم. فقال الحباب بن المنذر: منا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجري شيئا في الأنصار، رد عليه الأنصارى، وإن عمل الأنصاري شيئا في المهاجرين، رد عليه المهاجري، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، إن شئتم فرزنا، فرددناها جذعة، من ينازعني؟ فأراد عمر أن يتكلم.
فقال له أبو بكر: على رسلك، ثم قال أبو بكر: «نحن أول الناس إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرمهم أنسابا، وأمسهم برسول الله صلى الله عليه وسلم رحما.
وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين. نصرتم، وآويتم، وآسيتم، فجزاكم الله خيرا. فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء. ولن تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش. فقد يعلم ملأ منكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[الأئمة من قريش.] فأنتم أحقاء أن لا تنفسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم» . فقال الحباب: «ما نحسدك ولا أصحابك. ولكنا نخشى أن يكون الأمر في أيدي قوم قتلناهم، فحقدوا علينا» . فقال أبو بكر: إن تطيعوا أمري، تبايعوا أحد هذين الرجلين: أبا عبيدة- وكان عن يمينه- أو عمر ابن الخطاب، وكان عن يساره. فقال عمر: «وأنت حي؟ ما كان لأحد أن يؤخرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فابسط يدك» . فبسط يده، فبايعه عمر، وبايعه أسيد بن حضير، وبايع الناس وازدحموا على أبي بكر. فقالت الأنصار: قتلتم سعدا. وقد كادوا يطئونه.
فقال عمر: اقتلوه، فإنه صاحب فتنة. فبايع الناس أبا بكر. قال، وقال ابن رومان: وقد يقال إن أول من بايع من الأنصار بشير بن سعد، وأتي بأبي بكر المسجد فبايعوه. وسمع العباس وعلي التكبير في المسجد، ولم يفرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي: [ما هذا؟ فقال العباس:
«ما رده مثل هذا قط. لهذا ما قلت لك الذي قلت» . قال: فخرج علي، فقال: يا با بكر، ألم تر لنا حقا في هذا الأمر؟ قال: بلى، ولكني خشيت الفتنة، وقد قلدت أمرا عظيما. فقال علي: وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بالصلاة، وأنك ثاني اثنين في الغار، وكان لنا حق ولم نستشر، والله يغفر لك. وبايعه.]
1178- وقال أحمد بن محمد بن أيوب، ثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق [1] ، عن الزهري قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، انحاز الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي والزبير وطلحة في بيت فاطمة، وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره. فأتى أبا بكر آت، فقال:
أدرك الناس قبل أن يتفاقم الأمر.
1179- حدثنا محمد بن مصفى الحمصي، ثنا بقية بن الوليد، عن الزبيري، عن الزهري قال:
خطب عمر الناس يوما، فقال: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فوقى الله شرها: اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة لتبايع سعد بن عبادة.
فقال الحباب بن المنذر: نحن كتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين منا أمير ومنكم أمير/ 281/ حتى يكون الأمر بيننا كشق الأبلمة. فتكلم أبو بكر، وكان رشيدا، فقال: نحن قريش، والأئمة منا، وأنتم إخواننا ووزراؤنا قد آويتم ونصرتم فجزاكم الله خيرا. فبايعوه إلا سعدا، فإنه راغ ثم أتى الشام.
1180- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد الله قال: قال العباس لعلي: «ما قدمتك إلى شيء إلا تأخرت [2] عنه» .
وكان قال له: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج حتى أبايعك على أعين الناس، فلا يختلف عليك اثنان. فأبى وقال: [أو منهم من ينكر حقنا ويستبد علينا؟] فقال العباس: سترى أن ذلك سيكون. فلما بويع أبو بكر، قال له العباس: ألم أقل لك يا علي؟
1181- علي بن محمد المدائني، عن ابن جعدبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب خطب خطبة، قال فيها: إن فلانا وفلانا قالا: «لو قد مات عمر، بايعنا عليا فتمت بيعته، فإنما كانت معه إلى أبي بكر فلتة وقى الله شرها» ، وكذبا. والله ما كانت بيعة أبي بكر فلتة، ولقد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامه واختاره لدينهم على غيره، وقال: « [يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر] » . فهل منكم أحد تقطع إليه الأعناق [1] كما تقطع إلى أبي بكر؟ فمن بايع رجلا على غير مشورة، فإنهما [2] أهل أن يقتلا. وإني أقسم بالله، ليكفن الرجال أو ليقطعن أيديهم وأرجلهم وليصلبن في جذوع النخل. وإني أخبركم أن الله لما قبض رسوله، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. وتكلم خطيب الأنصار فقال: نحن الأنصار، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط هنا، وإذا هم يريدون أن يخرجونا من أصلنا ويغصبونا أمرنا. فأردت أن أتكلم، وكنت قد زورت [3] مقالة أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر. فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر. وتكلم أبو بكر فما ترك كلمة أعجبتني إلا قالها مع أمثالها حتى سكت. فقال: ما كان من خبر فأنتم له أهل. ونحن، بعد، ممن نحن منه. ولن تعرف العرب الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « [هذا الشأن بعدي في قريش] » .
فقال الحباب بن المنذر، أحد بني سلمة: قد نعرف لكم فضلكم، ولكنا منا أمير ومنكم أمير [4] ، فذلك أحرى ألا يخالف أحد منا صاحبه، فإلا تفعلوا فأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. ثم قال بشير بن سعد: الأمر بيننا وبينكم كشق الأبلمة. فقلت [5] : وأنت أيضا يا أعور؟ نشدتك بالله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « [الأئمة من قريش] » ؟ قال: اللهم نعم، فرغم أنفي. قلت ففيم الكلام؟ وقال أبو بكر: أدعوكم إلى أي المهاجرين شئتم: عمر، أو غيره. فهي التي كرهت من كلام أبي بكر، ولأن أقدم فيضرب [6] عنقي أحب إلي من أن أزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال أبو بكر: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء وإخواننا في الدين، وأحب الناس إلينا. فأذهب الله عنهم نزغ الشيطان.
وقال الزهري: كان معن يقول: إني أحب أن لا أموت حتى أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا كما صدقته حيا. واستشهد يوم اليمامة.
حدثنى ابن عباس، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن محمد بن إسحاق [1] بنحوه.
1182- وحدثني محمد بن سعد/ 282/ ثنا عفان، ثنا شعبة، أنبأ الجريري، عن أبي نضرة قال:
أبطأ أناس عن بيعة أبى بكر، (ف) قال: من أحق بهذا الأمر مني؟
ألست أول من صلى؟ ألست، ألست، وذكر خصالا فعلها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
1183- حدثني هدبة بن خالد، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ الجريري [2] ، عن أبي نضرة قال:
لما بايع الناس أبا بكر، اعتزل علي والزبير. فبعث إليهما عمر ابن الخطاب، وزيد بن ثابت. فأتيا منزل علي، فقرعا الباب، فنظر الزبير من قترة [3] ثم رجع إلى علي فقال: هذان رجلان من أهل الجنة، وليس لنا أن نقاتلهما. قال: [افتح لهما. ثم خرجا معهما حتى أتيا أبا بكر، فقال أبو بكر: يا علي أنت ابن عم رسول الله وصهره، فتقول: إني أحق بهذا الأمر، لاها الله لأنا أحق به منك. قال: لا تثريب، يا خليفة رسول الله، ابسط يدك أبايعك.] فبسط يده فبايعه. ثم قال للزبير: تقول أنا ابن عمة رسول الله وحواريه وفارسه وأنا أحق بالأمر، لاها الله لأنا أحق به منك. فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، ابسط يدك. فبسط يده فبايعه.
1184- المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمى، وعى ابن عون أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع. فجاء عمر، ومعه فتيلة [1] .
فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: [يا ابن الخطاب، أتراك محرقا علي بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء علي، فبايع وقال:
كنت عزمت أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع القرآن] .
1185- وقال أبو مخنف: لما استخلف عثمان، دخل العباس على على، فقال:
ما قدمتك قط إلا تأخرت. قلت لك وقد احتضر النبي صلى الله عليه وسلم:
تعال، فاسأله عن هذا الأمر لمن هو بعده، فقلت: [أكره أن لا يقول لكم، فلا نستخلف أبدا.] ثم توفي، فقلت: أبايعك، فلا يختلف عليك اثنان.
فأبيت. ثم توفي عمر، فقلت: قد أطلق الله يدك، وليس عليك تبعة فلا تدخل في الشورى. فأبيت، فما الحيلة؟
1186- المدائني، عن أبى جرى [2] ، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:
لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة أشهر. فلما ماتت، ضرع إلى صلح أبي بكر، فأرسل إليه أن يأتيه. فقال له عمر:
لا تأته وحدك. فقال: وماذا يصنعون بي؟ فأتاه أبو بكر. فقال علي: [والله ما نفسنا عليك ما ساق الله إليك من فضل وخير، ولكنا نرى أن لنا في الأمر نصيبا استبد به علينا.] فقال أبو بكر: والله لقرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي. فلم يزل علي يذكر حقه وقرابته، حتى بكى أبو بكر. فقال ميعادك العشية.
فلما صلى أبو بكر الظهر، خطب فذكر عليا وبيعته. فقال علي: [إني لم يحبسني عن بيعة أبي بكر ألا أكون عارفا بحقه، ولكنا كنا نرى أن لنا في الأمر نصيبا استبد به علينا. ثم بايع أبا بكر.] فقال المسلمون: أصبت وأحسنت.
المدائني، عن أبى جرى [3] ، عن الجريري، عن أبي نضرة أن عليا قعد عن بيعة أبى بكر (فقال:) ما يمنعك من بيعة وأنا كنت في هذا الأمر قبلك؟
1187- حدثنا سلمة بن الصقر، وروح بن عبد المؤمن قالا، ثنا عبد الوهاب الثقفي، أنبأ أيوب، عن ابن سيرين قال:
قال أبو بكر لعلي رضي الله تعالى عنهما: أكرهت إمارة؟ قال:
[لا ولكنى حلفت أن لا أرتدى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم برداء حتى أجمع القرآن كما أنزل] .
1188- وحدثنى بكر بن الهيثم، ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي رضي الله عنهم حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف. فلما أتاه، جرى بينهما كلام. فقال [1] :
احلب حلبا لك شطره. والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك [2] غدا/ 283/ (فقال على: [وما ننفس [3] على أبي بكر هذا الأمر ولكنا أنكرنا ترككم مشاورتنا، وقلنا: إن لنا حقا لا يجهلونه.] ثم أتاه فبايعه.
1189- وحدثت عن الحسن بن عرفة، عن علي بن هشام [4] بن البريد، عن أبيه، عن أبي الجحاف قال: لما بويع أبو بكر وبايعه الناس، قام ينادي ثلاثا: أيها الناس قد أقلتكم بيعتكم. فقال علي: [والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فماذا يؤخرك؟] 1190- المدائني، عن عبد الله بن جعفر، عن أبي عون قال:
لما ارتدت العرب، مشى عثمان إلى على. فقال: [يا ابن عم، إنه لا يخرج أحد إلي.] فقال: هذا العدو، وأنت لم تبايع. فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر. فقام أبو بكر إليه، فاعتنقا، وبكى كل واحد إلى صاحبه. فبايعه فسر المسلمون، وجد الناس في القتال، وقطعت البعوث.
1191- المدائني، عن أبي زكريا العجلاني، عن صالح بن كيسان قال:
قدم خالد بن سعيد بن العاص من ناحية اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى عليا وعثمان فقال: أنتما الشعار دون الدثار [1] ، أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي أمركم عليكم غيركم؟ فقال علي: [أو غلبة تراها؟ إنما هو أمر الله يضعه حيث يشاء.] قال: فلم يحتملها عليه أبو بكر واضطغنها عمر.
المدائني، عن عوانة وابن جعدبة قالا:
لم يبايع خالد بن سعيد أبا بكر إلا بعد ستة أشهر. فمر به أبو بكر وهو قاعد في سقيفة، فقال له: يا خالد ما رأيك في البيعة؟ قال: أبايع يا أبا بكر. فأتاه أبو بكر. فأدخله خالد الدار وبايعه. وقال غير المدائني:
بايع خالد أبا بكر بعد شهرين.
حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن يزيد بن عياض، عن ابن جعدبة، عن محمد بن المنكدر قال: جاء أبو سفيان إلى علي فقال: «أترضون أن يلي أمركم ابن أبي قحافة؟ أما والله، لئن شئتم لأملأنها عليه خيلا ورجلا» . فقال: « [لست أشاء ذلك، ويحك يا با سفيان إن المسلمين نصحة بعضهم لبعض وإن نأت دارهم وأرحامهم وإن المنافقين غششة بعضهم لبعض وإن قربت ديارهم وأرحامهم. ولولا أنا رأينا أبا بكر لها أهلا، ما خليناه وإياها] » .
المدائني، عن الربيع بن صبيح، عمن حدثه، عن الحسين، عن أبيه أن أبا سفيان جاء إلى علي عليه السلام، فقال يا علي، بايعتم رجلا من أذل قبيلة من قريش، أما والله لئن شئت لأضر منها عليه من أقطارها ولأملأنها عليه خيلا ورجالا. فقال له علي: [إنك طال ما غششت الله ورسوله، والإسلام، فلم ينقصه ذلك شيئا، إن المؤمنين وإن نأت ديارهم وأبدانهم نصحة بعضهم لبعض وإنا قد بايعنا أبا بكر وكان والله لها أهلا] .
1192- المدائني، عن أبي زكريا العجلاني عن أبي حازم، عن أبي هريرة أن أبا سفيان كان حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم غائبا، بعث به مصدقا.
فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من قام بالأمر بعده؟ قيل:
أبو بكر. قال: «أبو الفصيل؟ أنى لا أرى فتقا لا يرتقه إلا الدم» . وقال الواقدي: أجمع أصحابنا أن أبا سفيان كان حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا.
1193- حدثني روح بن عبد المؤمن، حدثني علي بن المدائني، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح أن سعد بن عبادة خرج إلى الشام فقتل بها.
المدائني، عن ابن جعدبة، عن صالح بن كيسان، وعن أبي مخنف، عن الكلبي وغيرهما أن سعد بن عبادة لم يبايع أبا بكر، وخرج إلى الشام. فبعث عمر [1] رجلا وقال: ادعه إلى البيعة واختل له، وإن أبى فاستعن بالله عليه. فقدم الرجل الشام، فوجد سعدا في حائط بحوارين، فدعاه إلى البيعة، فقال: لا أبايع قرشيا أبدا. قال: فإني أقاتلك. قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟ قال: أما من البيعة فإني/ 284/ خارج. فرماه بسهم فقتله. وروي أن سعدا رمي في حمام. وقيل:
كان جالسا يبول، فرمته الجن فقتلته. وقال قائلهم [2] :
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ... رميناه بسهمين فلم تخط فؤاده
1194- حدثني محمد بن سعد، عن عبد الله الحميدي المكي، ثنا سفيان بن عيينه، عن الوليد بن كثير عن سعيد بن المسيب قال:
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ارتجت مكة. فقال أبو قحافة:
ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال [3] : فمن ولي أمر الناس بعده؟ قالوا: ابنك. فقال: أرضي بذلك بنو هاشم، وبنو عبد شمس، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: فإنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع. ثم ارتجت مكة حين مات أبو بكر رجة دون الأولى، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: مات أبو بكر. قال: رزء جليل.
1195- حدثني الحسين بن علي بن الأسود، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال:
لما ولي أبو بكر رضي الله تعالى عنه، خطب [1] الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فقد وليتكم ولست بخير (كم) [2] ، ولكن القرآن نزل، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنن، فعلمنا. اعلموا أن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور. وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له حقه. وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه. أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدع. فإذا أحسنت فأعينوني [3] وإن زغت فقوموني.
حدثني الحسين بن علي بن الأسود، ثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثت أن الحسن كان يقول:
قد علم أنه خيرهم، ولكن المؤمن يغض نفسه.
1196- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله ويزيد بن عياض، عن الزهري قال:
خطب أبو بكر حين بويع واستخلف، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه على الأمر كله علانيته وسره، ونعوذ بالله من شر ما يأتي في الليل والنهار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا [4] قدام الساعة. فمن أطاعه رشد، ومن عصاه هلك. ألا وإني قد وليتكم ولست بخيركم. ألا [5] وقد كانت بيعتي فلتة وذلك أنى خشيت فتنة. وايم الله ما حرصت عليها يوما قط ولا ليلة، ولا طلبتها، ولا سألت الله إياها سرا ولا علانية، وما لي فيها راحة. ولقد قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا بد أن. ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني.
فعليكم بتقوى الله. وإن أكيس الكيس التقى، وإن أحمق الحمق الفجور.
وإني متبع ولست بمبتدع. وإن أضعف الناس عندي الشديد حتى آخذ منه الحق، وإن أشد الناس عندي الضعيف حتى آخذ له الحق. وإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني. واعلموا أيها الناس أنه لم يدع قوم الجهاد قط إلا ضربهم الله بذل. ولم تشع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم البلاء. أيها الناس ابتغوا كتاب الله واقبلوا نصيحته فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. واحذروا يوما ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع. فليعمل اليوم عامل ما استطاع من عمل يقربه إلى الله عز وجل قبل ألا يقدر على ذلك.
أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله ورسوله. فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم.
1197- المدائني، عن جعفر بن سليمان الضبعي [1] ، عن أبى عمران الجوني قال، قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر: «كرداذ وناكرداذ [2] » ، أي عملتم وما عملتم، لو بايعوا عليا لأكلوا من فوقهم/ 285/ ومن تحت أرجلهم.
1198- محمد بن سعد، عن الواقدي، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة قال: لما بلغ عمر في حجته التي رجع منها فطعن، أن رجالا يقولون إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقال: إن كانت فلتة فقد وقى الله شرها، وإن حدث بي حدث فالأمر إلى الستة الذين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.


















ساير كتب


تاريخ الطبري، ج 3، ص: 202

سنه 11 فقالوا: منا امير ومنكم امير، فقال ابو بكر: منا الأمراء ومنكم الوزراء.

ثم قال ابو بكر: انى قد رضيت لكم احد هذين الرجلين: عمر او أبا عبيده، ان النبي ص جاءه قوم فقالوا: ابعث معنا أمينا فقال:

لأبعثن معكم أمينا حق أمين، فبعث معهم أبا عبيده بن الجراح، وانا ارضى لكم أبا عبيده فقام عمر، فقال: ايكم تطيب نفسه ان يخلف قدمين قدمهما النبي ص! فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الانصار- او بعض الانصار، لا نبايع الا عليا.

الكامل، ج 2، ص: 325

الباقي. فامتنع النّاس من الردّة. وهذا المقام الّذي قاله رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لما أسر سهيل بن عمرو في بدر لعمر بن الخطّاب، وقد ذكر هناك.

حديث السقيفة وخلافة أبي بكر، رضي الله عنه وأرضاه

لما توفّي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: منّا الأمراء ومنكم الوزراء. ثمّ قال أبو بكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبا عبيدة أمين [1] هذه الأمّة. فقال عمر: أيّكم يطيب نفسا أن يخلف قدمين قدّمهما النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم؟ فبايعه عمر وبايعه النّاس. فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلّا عليّا. قال:

وتخلّف عليّ وبنو هاشم والزّبير وطلحة عن البيعة. وقال الزبير: لا أغمد سيفا حتى يبايع عليّ. فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر، ثمّ أتاهم عمر [2] فأخذهم للبيعة.

وقيل: لما سمع عليّ بيعة أبي بكر خرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا حتى بايعه، ثمّ استدعى إزاره ورداءه فتجلّله.

والصحيح: أنّ أمير المؤمنين ما بايع إلّا بعد ستّة أشهر، والله أعلم.

تاريخ ابن خلدون، ج 2، ص: 488

وكادوا يطئون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحابه اتقوا سعدا لا تقتلوه. فقال عمر: اقتلوه قتله الله. وتماسكا فقال أبو بكر: مهلا يا عمر الرّفق هنا أبلغ. فأعرض عمر

تاريخ الطبري، ج 3، ص: 222

سنه 11 أبا بكر فقاموا اليه فبايعوه، فانكسر على سعد بن عباده وعلى الخزرج ما كانوا اجمعوا له من امرهم.

قال هشام: قال ابو مخنف: فحدثني ابو بكر بن محمد الخزاعي، ان اسلم اقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك، فبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو الا ان رايت اسلم، فايقنت بالنصر.

قال هشام، عن ابى مخنف: قال عبد الله بن عبد الرحمن: فاقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطئون سعد بن عباده، فقال ناس من اصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطئوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله! ثم قام على راسه، فقال: لقد هممت ان اطاك حتى تندر عضدك، فاخذ سعد بلحيه عمر، فقال: والله لو حصصت منه شعره ما رجعت وفي فيك واضحه، فقال ابو بكر: مهلا يا عمر! الرفق هاهنا ابلغ فاعرض عنه عمر وقال سعد: اما والله لو ان بي قوه ما، اقوى على النهوض، لسمعت منى في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك، اما والله إذا لالحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع! احملونى من هذا المكان، فحملوه فادخلوه في داره، وترك أياما ثم بعث اليه ان اقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك، فقال: اما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلى، واخضب سنان رمحى، واضربكم بسيفي ما ملكته يدي، واقاتلكم باهل بيتى ومن أطاعني من قومى، فلا افعل، وايم الله لو ان الجن اجتمعت لكم مع الانس ما بايعتكم، حتى اعرض على ربى، واعلم ما حسابى.





أنساب الأشراف للبلاذري (1/ 583)
1181- علي بن محمد المدائني، عن ابن جعدبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب خطب خطبة، قال فيها: إن فلانا وفلانا قالا: «لو قد مات عمر، بايعنا عليا فتمت بيعته، فإنما كانت معه إلى أبي بكر فلتة وقى الله شرها» ، وكذبا. والله ما كانت بيعة أبي بكر فلتة، ولقد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامه واختاره لدينهم على غيره، وقال: « [يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر] » . فهل منكم أحد تقطع إليه الأعناق [1] كما تقطع إلى أبي بكر؟ فمن بايع رجلا على غير مشورة، فإنهما [2] أهل أن يقتلا. وإني أقسم بالله، ليكفن الرجال أو ليقطعن أيديهم وأرجلهم وليصلبن في جذوع النخل. وإني أخبركم أن الله لما قبض رسوله، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. وتكلم خطيب الأنصار فقال: نحن الأنصار، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط هنا، وإذا هم يريدون أن يخرجونا من أصلنا ويغصبونا أمرنا. فأردت أن أتكلم، وكنت قد زورت [3] مقالة أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر. فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر. وتكلم أبو بكر فما ترك كلمة أعجبتني إلا قالها مع أمثالها حتى سكت. فقال: ما كان من خبر فأنتم له أهل. ونحن، بعد، ممن نحن منه. ولن تعرف العرب الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « [هذا الشأن بعدي في قريش] » .
فقال الحباب بن المنذر، أحد بني سلمة: قد نعرف لكم فضلكم، ولكنا منا أمير ومنكم أمير [4] ، فذلك أحرى ألا يخالف أحد منا صاحبه، فإلا تفعلوا فأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. ثم قال بشير بن سعد: الأمر بيننا وبينكم كشق الأبلمة. فقلت [5] : وأنت أيضا يا أعور؟ نشدتك بالله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « [الأئمة من قريش] » ؟ قال: اللهم نعم، فرغم أنفي. قلت ففيم الكلام؟ وقال أبو بكر: أدعوكم إلى أي المهاجرين شئتم: عمر، أو غيره. فهي التي كرهت من كلام أبي بكر، ولأن أقدم فيضرب [6] عنقي أحب إلي من أن أزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال أبو بكر: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء وإخواننا في الدين، وأحب الناس إلينا. فأذهب الله عنهم نزغ الشيطان.
__________
[1] خ: يقطع إليه الاعتاق.
[2] أى البائع وهذا الخليفة.
[3] خ: زودت.
[4] خ: أمين ومنكم أمين. (ولكن راجع ابن هشام، ص 1016) .
[5] خ: فعلت.
[6] خ. فتضرب.





أنساب الأشراف للبلاذري (5/ 500)
أمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله تعالى عنه:
1288- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم (927) عن أبيه أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: أن رجالا يقولون إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، وإن بيعة عمر كانت عن غير مشورة، والأمر بعدي شورى، فإذا اجتمع رأى أربعة فليتبع الاثنان الأربعة وإذا اجتمع رأى ثلاثة وثلاثة فاتبعوا رأى عبد الرحمن «5» ، فاسمعوا وأطيعوا، وإن صفق عبد الرحمن بإحدى يديه علي الأخرى فاتبعوه.





تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 222)
أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم.
قال هشام: قال أبو مخنف: فحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي، أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك، فبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلا أن رأيت أسلم، فأيقنت بالنصر.
قال هشام، عن أبي مخنف: قال عبد الله بن عبد الرحمن: فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطئون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطئوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله! ثم قام على رأسه، فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك، فأخذ سعد بلحية عمر، فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة، فقال أبو بكر: مهلا يا عمر! الرفق هاهنا أبلغ فأعرض عنه عمر وقال سعد: أما والله لو أن بي قوة ما، أقوى على النهوض، لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك وأصحابك، أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع! احملوني من هذا المكان، فحملوه فأدخلوه في داره، وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي، فلا أفعل، وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم، حتى أعرض على ربي، وأعلم ما حسابي.
فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع فقال له بشير بن سعد: إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضاركم، إنما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه،
فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه الله.
حدثنا عبيد الله بن سعد، قال: حدثنا عمى، قال: أخبرنا سيف ابن عمر، عن سهل وأبي عثمان، عن الضحاك بن خليفه، قال: لما قام الحباب ابن المنذر انتضى سيفه، وقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، انا ابو شبل في عريسة الأسد، يعزى إلى الأسد فحامله عمر فضرب يده، فندر السيف، فأخذه ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد، وتتابع القوم على البيعة، وبايع سعد، وكانت فلتة كفلتات الجاهلية، قام أبو بكر دونها وقال قائل حين أوطئ سعد: قتلتم سعدا، فقال عمر: قتله الله! إنه منافق، واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه.
حدثنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثني عمي يعقوب، قال: حدثنا سيف، عن مبشر، عن جابر، قال: قال سعد بن عبادة يومئذ لأبي بكر:
إنكم يا معشر المهاجرين حسدتموني على الإمارة، وإنك وقومي أجبرتموني على البيعة، فقالوا: إنا لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت في سعه، ولكنا اجبرنا على الجماعة، فلا إقالة فيها، لئن نزعت يدا من طاعة، أو فرقت جماعة، لنضربن الذى فيه عيناك



نهاية الأرب في فنون الأدب (19/ 36)
المؤلف: أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التيمي البكري، شهاب الدين النويري (المتوفى: 733هـ)
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه: فروى عن أبى بكر بن محمد الخزاعىّ: إنّ أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بها السكك ليبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلّا أن رأيت أسلم، فأيقنت بالنّصر.
قال عبد الله بن عبد الرحمن: فأقبل النّاس من كلّ جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطئون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد:
اتقوا سعدا لا تطئوه، فقال عمر: اقتلوه، اقتلوه، قتله الله! ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك [1] ؛ فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر، ثم قال: والله لو حصصت منها شعرة ما رجعت وفى فيك واضحة [2] .
فقال أبو بكر: مهلا يا عمر، الرفق هاهنا أبلغ! فأعرض عنه عمر؛ وقال سعد: أما والله لو أنّ بى من قوتى ما أقوى على النهوض لسمعتم منى فى أقطارها وسككها زئيرا يجحرك [3] وأصحابك.
أما والله إذا لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع. احملونى عن هذا المكان، فحملوه فأدخلوه داره، وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع؛ فقد بايع الناس وبايع قومك؛ فقال: أما والله حتّى أرميكم بما فى كنانتى من نبل، وأخضب منكم سنان رمحى، وأضربكم بسيفى ما ملكته يدى، وأقاتلكم بأهل بيتى ومن أطاعنى من قومى، فلا أفعل وايم الله: لو أن الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربى وأعلم ما حسابى.
فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع؛ فقال له بشير بن سعد: إنه قد لجّ [وأبى] [4] وإنه ليس يبايعكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته. فاتركوه، فليس تركه يضارّكم، إنما هو رجل واحد. فتركوه، وقبلوا مشورة بشير بن سعد، واستنصحوه لما بدا لهم منه؛ فكان سعد بن عبادة لا يصلّى بصلاتهم، ولا يجمع معهم، ويحجّ ولا يفيض معهم بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر الصديق رضى الله عنه.
وعن الضّحاك بن خليفة، أنّ سعد بن عبادة بايع.
وعن جابر، قال: قال سعد بن عبادة يومئذ لأبى بكر: إنّكم يا معشر المهاجرين حسدتمونى على الإمارة، وإنّك وقومى أجبرتمونى على البيعة؛ فقال أبو بكر: إنّا لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت فى سعة، ولكنّا أجبرناك على الجماعة فلا إقالة فيها؛ لئن نزعت يدا من طاعة، أو فرّقت جماعة لأضربنّ الذى فيه عيناك.
__________
[1] أى تزال عن موضعها، وفى الطبرى: «عضدك» .
[2] الواضحة من الأسنان: التى تبدو عند الضحك.
[3] يجحرك وأصحابك، أى يدخلكم المضايق.
[4] زيادة من تاريخ الطبرى.


السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (3/ 507)
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله: فأنكروا على سعد أمره، وكادوا يطؤون سعدا فقال ناس من أصحابه: اتقوا سعدا لا تطؤوه، فقال عمر رضي الله عنه: اقتلوا سعدا قتله الله، ثم قام عمر رضي الله عنه على رأس سعد وقال: قد هممت أن أطأك حتى تنذر عيونك، فأخذ قيس بن سعد رضي الله عنهما بلحية عمر رضي الله عنه وقال: والله لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارحة، فقال أبو بكر: مهلا يا عمر، الرفق الرفق، ما هنا أبلغ، فقال عاد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى محلهما أرسلا له بايع فقد بايع الناس، فقال: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل، وأخضب من دمائكم سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يداي.


الحور العين (ص: 213)
فكسر بشير على سعد، وكان بشير أول من بايع أبا بكر من جميع الناس، ثم تبعته الأنصار، فازدحموا على بيعة أبي بكر، ورفضوا بيعة سعد، وكان سعد بن عبادة مريضاً يوم السقيفة: فقال قائل: لا تطأوا سعد، لا تقتلوا سعداً؛ فقال عمر بن الخطاب: اقتلوا سعداً، قتله الله؛ فقام قيس بن سعد بن عبادة فلزم بلحية عمر، وقال: والله لو قذذت منه شعرة لأخذت ما فيه عيناك.
فقال سعد: والله لولا المرض لتسمعن لسعد بين لابنيها زئير كزئير الأسد يخرجك منها وأصحابك إلى حيث كنتم أذلة صاغرين! ولم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر، وخرج إلى الشام غاضباً من قومه في خذلانهم إياه، فمات بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر بن الخطاب.

موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية (5/ 231، بترقيم الشاملة آليا)
لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك، فأخذ يعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة،

تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 221)
فقال عمر: إذا يقتلك الله! قال: بل إياك يقتل!


تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 202)
فقالت الأنصار- أو بعض الأنصار، لا نبايع إلا عليا.



تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 202)
قال: ثم انطلق إلى المنبر، فوجد عمر ابن الخطاب قائما يوعد الناس، ويقول: إن رسول الله ص حي لم يمت، وإنه خارج إلى من أرجف به، وقاطع أيديهم، وضارب أعناقهم، وصالبهم قال: فتكلم أبو بكر، وقال: أنصت قال: فأبى عمر أن ينصت، فتكلم أبو بكر، وقال: ان الله قال لنبيه ص:
«إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون




أنساب الأشراف للبلاذري (1/ 587)
1188- وحدثنى بكر بن الهيثم، ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي رضي الله عنهم حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف. فلما أتاه، جرى بينهما كلام. فقال [1] :
احلب حلبا لك شطره. والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك [2] غدا/ 283/ (فقال على: [وما ننفس [3] على أبي بكر هذا الأمر ولكنا أنكرنا ترككم مشاورتنا، وقلنا: إن لنا حقا لا يجهلونه.] ثم أتاه فبايعه.



شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏6، ص: 5

ع أمثاله‏






نحو قوله‏ إذا احتج عليهم المهاجرون بالقرب من رسول الله ص كانت الحجة لنا على المهاجرين بذلك قائمة فإن فلجت حجتهم كانت لنا دونهم و إلا فالأنصار على دعوتهم‏

. و نحو هذا المعنى قول العباس لأبي بكر و أما قولك نحن شجرة رسول الله ص فإنكم جيرانها و نحن أغصانها

يوم السقيفة

و نحن نذكر خبر السقيفة «1»

روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال أخبرني أحمد بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري‏ أن النبي ص لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا إن رسول الله ص قد قبض فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه إني لا أستطيع أن أسمع الناس كلامي لمرضي و لكن تلق مني قولي فأسمعهم فكان سعد يتكلم و يستمع ابنه و يرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله بعد حمد الله و الثناء عليه أن قال إن لكم سابقة إلى الدين و فضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب أن رسول الله ص لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن و خلع الأوثان فما آمن به من قومه إلا قليل و الله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله‏



الكامل في التاريخ (2/ 192)
وجاءت أسلم فبايعت، فقوي أبو بكر بهم، وبايع الناس بعد.



أسد الغابة ط العلمية (3/ 329)
وكان عمر بن الخطاب أول من بايعه، وكانت بيعته في السقيفة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كانت بيعة العامة في الغد، وتخلف عن بيعته: علي، وبنو هاشم، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وسعد بن عبادة الأنصاري، ثم إن الجميع [ص:330] بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سعد بن عبادة، فإنه لم يبايع أحدا إلى أن مات، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح، وقيل غير ذلك،
وقام في قتال أهل الردة مقاما عظيما، ذكرناه في الكامل في التاريخ.




منهاج السنة النبوية (8/ 330)
وأما الذين عدهم هذا الرافضي أنهم تخلفوا عن بيعة الصديق من أكابر الصحابة فذلك كذب عليهم إلا على سعد بن عبادة، فإن مبايعة هؤلاء لأبي بكر وعمر أشهر من أن تنكر، وهذا مما اتفق عليه أهل العلم بالحديث والسير والمنقولات وسائر أصناف أهل العلم خلفا عن سلف.
وأسامة بن زيد ما خرج في السرية حتى بايعه، ولهذا يقول له: " يا خليفة رسول الله ".
وكذلك جميع من ذكره بايعه، لكن خالد بن سعيد كان نائبا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا أكون نائبا لغيره» " فترك الولاية، وإلا فهو من المقرين بخلافة الصديق، وقد علم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة.
وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له.
لكن قيل: [علي] (2) تأخرت بيعته ستة أشهر، وقيل: بل بايعه ثاني يوم، وبكل حال فقد بايعوه من غير إكراه.





مختصر منهاج السنة (ص: 503)
وكذلك جميع من ذكره بايعه. لكن خالد بن سعيد كان نائبا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا أكون نائبا لغيره)) فترك الولاية، وإلا فهو من المقرين بخلافة الصديق. وقد علم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة.
وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس، لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له.
لكن قيل: علي تأخرت بيعته ستة أشهر. وقيل: بل بايعه ثاني يوم. وبكل حال فقد بايعوه من غير إكراه.
ثم جميع الناس بايعوا عمر، إلا سعدا، ولم يتخلف عن بيعة عمر أحد: لا بنو هاشم ولا غيرهم.
وأما بيعة عثمان فاتفق الناس كلهم عليها.




الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (1/ 35)
وأخرج ابن سعد عن إبراهيم التيمي أن عمر أتى أبا عبيدة أولا ليبايعه وقال إنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما رأيت لك فهة أي ضعف رأي قبلها منذ أسلمت أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين
وأخرج أيضا أن أبا بكر قال لعمر ابسط يدك لأبايعك فقال له أنت أفضل مني فأجابه بأنت أقوى مني ثم كرر ذلك فقال عمر فإن قوتي لك مع فضلك فبايعه
وأخرج أحمد أن أبا بكر لما خطب يوم السقيفة لم يترك شيئا أنزل في الأنصار وذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم إلا ذكره وقال لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار) ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم فقال له سعد صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء
ويؤخذ منه ضعف ما حكاه ابن عبد البر أن سعدا أبى أن يبايع أبا بكر حتى لقي الله
وأخرج أحمد عن أبي بكر أنه اعتذر عن قبوله البيعة خشية فتنة يكون بعدها ردة وفي رواية عند ابن إسحاق وغيره أن سائله قال له ما حملك على أن تلي أمر الناس وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين فقال لم أجد من ذلك بدا خشيت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرقة







تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 202)
حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير، قال: حدثنا أبو عوانة، قال:
حدثنا داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، قال: توفى رسول الله ص وأبو بكر في طائفة من المدينة، فجاء فكشف الثوب عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي! ما أطيبك حيا وميتا! مات محمد ورب الكعبة! قال: ثم انطلق إلى المنبر، فوجد عمر ابن الخطاب قائما يوعد الناس، ويقول: إن رسول الله ص حي لم يمت، وإنه خارج إلى من أرجف به، وقاطع أيديهم، وضارب أعناقهم، وصالبهم قال: فتكلم أبو بكر، وقال: أنصت قال: فأبى عمر أن ينصت، فتكلم أبو بكر، وقال: ان الله قال لنبيه ص:
«إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون» «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» ، حتى ختم الآية، فمن كان يعبد محمدا فقد مات إلهه الذي كان يعبده، ومن كان يعبد الله لا شريك له، فإن الله حي لا يموت.
قال: فحلف رجال أدركناهم من أصحاب محمد ص:
ما علمنا ان هاتين الآيتين نزلتا حتى قرأهما أبو بكر يومئذ، إذ جاء رجل يسعى فقال: هاتيك الأنصار قد اجتمعت في ظلة بني ساعدة، يبايعون رجلا منهم، يقولون: منا أمير ومن قريش أمير، قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتياهم، فأراد عمر أن يتكلم، فنهاه أبو بكر، فقال:
لا اعصى خليفه النبي ص في يوم مرتين.
قال: فتكلم أبو بكر، فلم يترك شيئا نزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله ص من شانهم الا وذكره [وقال: لقد علمتم أن رسول الله قال: لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار،] [ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم قال: فقال سعد: صدقت، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء] قال: فقال عمر: ابسط يدك يا أبا بكر فلا بايعك، فقال أبو بكر: بل أنت يا عمر، فأنت أقوى لها مني قال: وكان عمر أشد الرجلين، قال: وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها، ففتح عمر يد أبي بكر وقال: إن لك قوتي مع قوتك قال: فبايع الناس واستثبتوا للبيعة، وتخلف علي والزبير، واخترط الزبير سيفه، وقال: لا أغمده حتى يبايع علي، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقال عمر: خذوا سيف الزبير، فاضربوا به الحجر قال: فانطلق إليهم عمر، فجاء بهما تعبا، وقال:
لتبايعان وأنتما طائعان، أو لتبايعان وأنتما كارهان! فبايعا






تاريخ ابن خلدون (2/ 488)
لا والله ولكن كرهت أن أنازع قوما حقهم. فأشار أبو بكر إلى عمر وأبي عبيدة فامتنعا وبايعا أبا بكر وسبقهما إليه بشير بن سعد، ثم تناجي الأوس فيما بينهم وكان فيهم أسيد بن حضير أحد النقباء وكرهوا إمارة الخزرج عليهم وذهبوا إلى بيعة أبي بكر فبايعوه، وأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطئون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحابه اتقوا سعدا لا تقتلوه. فقال عمر: اقتلوه قتله الله. وتماسكا فقال أبو بكر: مهلا يا عمر الرّفق هنا أبلغ. فأعرض عمر ثم طلب سعد في البيعة فأبى وأشار بشير بن سعد بتركه، وفقال: إنما هو رجل واحد، فأقام سعد لا يجتمع معهم في الصلاة ولا يفيض معهم في الحديث [7] حتى هلك أبو بكر. ونقل الطبري أن سعدا بايع يومئذ، وفي أخبارهم أنه لحق بالشام فلم يزل هنالك حتى مات وأن الجن قتلته وينشدون البيتين الشهرين وهما
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ... فرميناه بسهمين فلم نخط فؤاده






موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية (5/ 231، بترقيم الشاملة آليا)
كما يلاحظ رائحة التشيع التي تفوح من الرواية وأبو مخنف يبرز عليا وحده مهتما بجهاز رسول الله، وغيره من أمثال أبي بكر في داره وعمر لا يعلم حتى يأتيه الخبر؟
وليت شعري أيليق بنبلاء الرجال الذين جمع الله قلوبهم على التقى، وآخى الرسول بينهم حتى كان الرجل منهم يرث أخاه بعد موته - حتى نسخ ذلك - هل يليق بهؤلاء أن تصدر منهم لإخوانهم عبارات الجلاء عن بلادهم؟ " فإن أبو عليكم ما سألتم فأجلوهم عن هذه البلاد ".
أما إعادة نعرات الجاهلية، فتلك قد اندثرت في نفوس أولئك الأخيار، لكنها حية في نفوس الشعوبيين وأصحاب النزعات المذهبية المنحرفة، وبالتالي يحاولون إسقاطها على أولئك القرون الظاهرة وهم منها براء.
وهكذا تمتلئ الرواية بألفاظ المهاترة والكلمات البذيئة، بل ربما وصلت إلى الاعتداء والضرب بين الصحابة! وتلك آفة الروايات المختلقة، وهي أثر من آثار معتقد الشيعة في سب الصحابة والنيل منهم، فهل ينتبه قرّاء التاريخ لمثل هذه المرويات الساقطة، وهل يستتبع ذلك همم عالية لنقدها سنداً ومتناً؟!
خاصة إذا علم أن هناك مرويات أخرى في مصادر أخرى، وعن طريق رواة موثقين في هذه الحادثة أو غيرها (3).
الرواية الثانية: في قصة الشورى:
وقد ساقها الطبري في تاريخه بسند فيه" أبو مخنف " وبمتن طويل أقتبس منه الفقرات التالية:
_________
(1) [9740] انظر: ((تاريخ الطبري)) (3/ 219).
(2) [9741] انظر ((تاريخ الطبري)) (3/ 222).
(3) [9742] ذكر الأستاذ يحيى اليحيى أن البخاري أخرج في صحيحه ثلاث روايات في السقيفة، وأخرج الإمام أحمد في مسنده خمس روايات، والنسائي رواية واحدة، وابن أبي شيبة أربع روايات، وابن سعد ثلاث روايات، هذا فضلا عن روايات المؤرخين كالبلاذري، والذهبي وابن كثير، وغيرهم، بل أن الطبري نفسه ساق روايات آخرى لا ينتهي سندها إلى أبي مخنف (انظر ((مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري)) (ص 112، 126) وقد استقصى، وقارن اليحيى بين هذه الروايات ورواية أبي مخنف فليرجع إليه.





الكامل في التاريخ (2/ 187)
[حديث السقيفة وخلافة أبي بكر - رضي الله عنه وأرضاه]
لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منا أمير، ومنكم أمير. فقال أبو بكر: منا الأمراء، ومنكم الوزراء. ثم قال أبو بكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبي عبيدة أمين هذه الأمة. فقال عمر: أيكم يطيب نفسا أن يخلف قدمين قدمهما النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فبايعه عمر وبايعه الناس. فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا. قال: وتخلف علي، وبنو هاشم، والزبير، وطلحة - عن البيعة. وقال الزبير: لا أغمد سيفا حتى يبايع علي. فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر، ثم أتاهم عمر، فأخذهم للبيعة.
وقيل: لما سمع علي بيعة أبي بكر خرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا، حتى بايعه، ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلله.
والصحيح: أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر. والله أعلم.


الطبقات الكبرى ط دار صادر (3/ 182)
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، قال: فقام حباب بن المنذر وكان بدريا، فقال: منا أمير ومنكم أمير، فإنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط، ولكنا نخاف أن يليها، أو قال: يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم، قال: فقال له عمر: إذا كان ذلك فمت إن استطعت، فتكلم أبو بكر فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقد الأبلمة، يعني الخوصة، فبايع أول الناس بشير بن سعد أبو النعمان. قال: فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم بين الناس قسما، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه، فقالوا: لا، قالت: فوالله لا آخذ منه شيئا أبدا، فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت، فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئا أبدا "


الطبقات الكبرى ط العلمية (2/ 205)
أخبرنا يزيد بن هارون. أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة قالت: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن عمر والمغيرة بن شعبة فدخلا عليه فكشفا الثوب عن وجهه فقال عمر: وا غشيا! ما أشد غشي رسول الله. ص! ثم قاما فلما انتهيا إلى الباب قال المغيرة: يا عمر مات والله رسول الله. ص! فقال عمر: كذبت! ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنك رجل تحوشك فتنة ولن يموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يفني المنافقين. ثم جاء أبو بكر وعمر يخطب الناس فقال له أبو بكر: اسكت! فسكت فصعد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ: إنك ميت وإنهم ميتون. ثم قرأ: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» آل عمران:
144. حتى فرغ من الآية ثم قال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات.
ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت! قال فقال عمر: هذا في كتاب الله؟ قال:
نعم! فقال: أيها الناس هذا أبو بكر وذو شيبة المسلمين فبايعوه! فبايعه الناس.
أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس. حدثني سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق التيمي عن ابن شهاب الزهري. حدثني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: دخل أبو بكر المسجد وعمر بن الخطاب يكلم الناس. فمضى حتى دخل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي توفي فيه وهو في بيت عائشة فكشف عن وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - برد حبرة كان مسجى به فنظر إلى وجهه ثم أكب عليه فقبله فقال:
بأبي أنت! والله لا يجمع الله عليك الموتتين. لقد مت الموتة التي لا تموت بعدها! ثم خرج أبو بكر إلى الناس في المسجد وعمر يكلمهم فقال أبو بكر:
اجلس يا عمر! فأبى عمر أن يجلس. فكلمه أبو بكر مرتين أو ثلاثا. فلما أبى عمر أن يجلس قام أبو بكر فتشهد. فأقبل الناس إليه وتركوا عمر. فلما قضى أبو بكر تشهده قال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت! قال الله تبارك وتعالى: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين» آل عمران: 144. فلما تلاها أبو بكر أيقن الناس بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقاها الناس من أبي بكر حين تلاها أو كثير منهم حتى قال قائل من الناس: والله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية أنزلت حتى تلاها أبو بكر. فزعم سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت وأنا قائم حتى خررت إلى الأرض وأيقنت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات.
أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس. حدثني سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات وأبو بكر بالسنح فقام عمر فجعل يقول: والله ما مات رسول الله. ص! قالت: قال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبله وقال: بأبي أنت وأمي! طبت حيا وميتا.
والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا! ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك! فلم يكلم أبا بكر وجلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال: ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال: إنك ميت وإنهم ميتون. وقال: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين»
آل عمران: 144. فنشج الناس يبكون واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح. فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر فكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبلغ الناس فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء! فقال الحباب بن المنذر السلمي: لا والله لا نفعل أبدا. منا أمير ومنكم أمير! قال: فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا وأكرمهم أحسابا. يعني قريشا. فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر:
بل نبايعك أنت. فأنت سيدنا وأنت خيرنا وأحبنا إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - فأخذ عمر بيده فبايعه. فبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة! فقال عمر: قتله الله! أخبرنا أحمد بن الحجاج. أخبرنا عبد الله بن المبارك. أخبرني معمر ويونس عن الزهري. أخبرني أنس بن مالك: أنه لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عمر في الناس خطيبا فقال: ألا لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا مات فإن محمدا لم يمت ولكنه أرسل إليه ربه كما أرسل إلى موسى فلبث عن قومه أربعين ليلة. قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال في خطبته تلك:
إني لأرجو أن يقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات! قال الزهري: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد. فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مسجى فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت! والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا. أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. قال أبو سلمة: أخبرني ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس. فأبى عمر أن يجلس. فقال: اجلس. فأبى أن يجلس. فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
قال الله: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين» آل عمران: 144. قال: والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية إلا حين تلاها أبو بكر. قال: فتلقاها منه الناس كلهم فما تسمع بشرا إلا يتلوها. قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى والله ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات. قال الزهري:
أخبرني أنس بن مالك: أنه سمع عمر بن الخطاب الغد حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستوى أبو بكر على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشهد قبل أبي بكر ثم قال: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة لم تكن كما قلت. وإني والله ما وجدتها في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال كلمة يريد حتى يكون آخرنا. فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم. وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدون لما هدي له رسول الله.





الحور العين (ص: 213)
المؤلف: نشوان بن سعيد الحميرى اليمني (المتوفى: 573 هـ)
ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
فكسر بشير على سعد، وكان بشير أول من بايع أبا بكر من جميع الناس، ثم تبعته الأنصار، فازدحموا على بيعة أبي بكر، ورفضوا بيعة سعد، وكان سعد بن عبادة مريضاً يوم السقيفة: فقال قائل: لا تطأوا سعد، لا تقتلوا سعداً؛ فقال عمر بن الخطاب: اقتلوا سعداً، قتله الله؛ فقام قيس بن سعد بن عبادة فلزم بلحية عمر، وقال: والله لو قذذت منه شعرة لأخذت ما فيه عيناك.
فقال سعد: والله لولا المرض لتسمعن لسعد بين لابنيها زئير كزئير الأسد يخرجك منها وأصحابك إلى حيث كنتم أذلة صاغرين! ولم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر، وخرج إلى الشام غاضباً من قومه في خذلانهم إياه، فمات بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر بن الخطاب.
وللأنصار أشعارٌ كثيرة في يوم السقيفة، يلوم فيها بعضهم بعضاً على خذلانهم سعد بن عبادة، ويعنفون بشير بن سعد، وابن الحصين، ومن تبعهما منهم في ميلهم إلى قريش وكسرهم على سعد.
فمن أشعار الأنصار: قول الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري:
سعى بن الحصين في العناد لحاجةٍ ... وأسرع منه في الفساد بشير
يظنان أنا قد أتينا عظيمةً ... وخطبهما فيما تراه صغير
وما صغر إلا بما كان منهما ... وخطبهما لولا الفساد كبير
ولكنه من لا يراقب قومه ... قليلٌ ذليلٌ فاعلمن وحقير
فيا ابن الحصين وابن سعد كلاكما ... بتلك التي تعنى الرجال خبير
ألم تعلما لله در أبيكما ... وما الناس لا أكمهٌ وبصير
بأنا ذا ما سار منا كتائبٌ ... أسودٌ لها بالغايتين زئير


الحور العين (ص: 215)
وكان المهاجرون والأنصار مجمعين على الشورى غير مختلفين في ذلك، يدل على ذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهج البلاغة في كتاب كتبه إلى معاوية: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً، كان ذلك لله رضي، وإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة، ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على ابتاعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى.