بسم الله الرحمن الرحیم

نقد بسیار تند ابن جزری سخن ابوشامه در المرشد الوجیز-عدول زرقانی از همراهی ابوشامه

فهرست مباحث علوم قرآنی
تواتر قراءات سبع
التمهيد في علوم القرآن-هفوة من عظيم‏
التمهيد في علوم القرآن-تحمسات عاطفية فارغة‏
نقد تند نویری از عدول ابن جزری از اشتراط تواتر به کفایت صحت سند‏
عبد الرحمن بن إسماعيل شهاب الدين أبو شامة(599 - 665 هـ = 1202 - 1267 م)
تعارض بین نحو و قرائات
كلمات سيبويه در باره قراءات
کلمات زمخشري در باره قراءات
کلمات شیخ رضی الدین نجم الأئمة قده در باره قراءات
عرض قرائت حمزة الزیات محضر امام صادق ع و موارد مخالفت حضرت با او
قول ابوبکر ابن عیاش قراءة حمزة بدعة-ابن حنبل یکره
إن ورشا لما تعمق في النحو اتخذ لنفسه مقرأ يسمى مقرأ ورش
دفاع بی نظیر صاحب مجمع البیان از ابوعمرو بصری و اینکه به هیچ وجه اجتهاد در قرائت نمیکند
کلمات فراء در باره قراءات-لست أشتهی-لست أجترئ أن اخالف الکتاب
اعتراضات به قراء
اشکالات تواتر قراءات سبع و عشر
کلمات سیوطي در باره قراءات


کلام زرقانی-اتساع افق اطلاعی


به متن مناهل زرقانی مراجعه شود که میگوید در چاپ قبلی با ابوشامه همراه بوده اما پس از وسعت اطلاعتش فهمیده که ابوشامه اشتباه کرده، و نیز عبارت ابن جزری را نقل میکند که یا این مطلب از ابوشامه نیست و یا اوائل کارش بوده، فراجع ذیل همین صفحه


ابوشامه در المرشد اشاره به ابراز المعانی میکند و کذا در ابراز المعانی اشاره به المرشد الوجیز میکند:

المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 146)
وقد قدمت في أول "إبراز المعاني" المختصر قولا موجزًا في ذلك

المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 161)
قلت: ووقع في "كتاب البيان" لأبي طاهر بن أبي هاشم كلام لأبي جعفر الطبري، ظن منه أنه طعن على قراءة ابن عامر، وإنما حاصله أنه استبعد قراءته على عثمان بن عفان رضي الله عنه على ما جاء في بعض الروايات عنه على ما نقلناه في "الكتاب الكبير من إبراز المعاني"، وذلك غير ضائر.

المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 176)
وغير ذلك على ما نقلناه وبيناه بعون الله تعالى وتوفيقه في شرح (4) قصيدة الشيخ الشاطبي رحمه الله.
__________
(4) هو "إبراز المعاني من حرز الأماني "للمؤلف".


إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 713)
قلت: القرآن العربي فيه من جميع لغات العرب؛ لأنه أنزل عليهم كافة وأبيح لهم أن يقرءوه على لغاتهم المختلفة فاختلفت القراءات فيه لذلك، فلما كتبت المصاحف هجرت تلك القراءات كلها إلا ما كان منها موافقا لخط المصحف؛ فإنه بقي كقراءة: {إِنْ هَذَانِ} كما سبق ومثل هذا التنوين فإن كتابة الألف في آخر الاسم المنصوب يشعر بالتنوين وقد بينا هذه القاعدة وقررناها في كتاب الأحرف السبعة الملقب بالمرشد الوجيز، وقد وجهت هذه اللغة بأنه أصل الكلام و....



إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 70)
أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة (المتوفى: 665هـ)
أي قرأ مالك بالمد الكسائي وعاصم وقراءة الباقين بالقصر؛ لأنه ضد المد والمد هنا هو إثبات الألف والقصر حذفها، وكان التقييد ممكنا له لو قال: ومالك ممدودا نصير رواته والقراءتان صحيحتان ثابتتان وكلا اللفظين من مالك وملك صفة لله تعالى.
وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الكلام في الترجيح بين هاتين القراءتين حتى إن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، وصحة اتصاف الرب سبحانه وتعالى بهما فهما صفتان لله تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط ولا ينبغي أن يتجاوز ذلك.
وممن اختار قراءة "مالك" بالألف عيسى بن عمر وأبو حاتم وأبو بكر بن مجاهد وصاحبه أبو طاهر بن أبي هاشم وهي قراءة قتادة والأعمش وأبي المنذر وخلف ويعقوب، ورويت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبي هريرة ومعاوية، ثم عن الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود وسعيد بن جبير وأبي رجاء والنخعي وأبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وغيرهم.
واختلف فيه عن علي وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهم- أجمعين.
وأما قراءة ملك بغير ألف فرويت أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقرأ بها جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم أبو الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، ومروان بن الحكم، ومجاهد، ويحيى بن، وثاب، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وابن جريج، والجحدري، وابن جندب، وابن محيصن، وخمسة من الأئمة السبعة، وهي اختيار أبي عبيد، وأبي بكر بن السراج النحوي، ومكي المقري، وقد بينت كلامهم في ذلك في الشرح الكبير، وأنا أستحب القراءة بهما؛ هذه تارة، وهذه تارة، حتى إني في الصلاة أقرأ بهذه في ركعة، وهذه في ركعة، ونسأل الله تعالى اتباع كل ما صح نقله والعمل به،



الإتقان في علوم القرآن (1/ 262)
قال: وهذا مما لا يخفى ما فيه: فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم لا وإذا شرطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن السبعة. وقد قال أبو شامة: شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن السبع كلها متواترة أي كل فرد فيما روي عنهم.

***************
المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 173)
فصل:
واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرة المجمع عليها، قد انتهت إلى السبعة القراء المقدم ذكرهم، واشتهر نقلها عنهم لتصديهم لذلك وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر في كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدي بهم وعول فيها عليهم.
ونحن فإن قلنا: إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت، فلسنا ممن يقول: إن جميع ما روي عنهم يكون بهذه الصفة، بل قد روي عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف وشاذ بخروجه عن الضابط المذكور باختلال بعض الأركان الثلاثة، ولهذا ترى كتب المصنفين في القراءات السبع مختلفة في ذلك، ففي بعضها ذكر ما سقط في غيرها، والصحيح بالاعتبار الذي ذكرناه موجود في جميعها إن شاء الله تعالى.


المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 174)
فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة، وإن هكذا أنزلت إلا إذا دخلت في ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم، بل إن نقلت عن غيرهم من القراء، فذلك لا يخرجها عن الصحة. فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف، لا عمن تنسب إليه.
فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة [69 و] لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم، فوق ما ينقل عن غيرهم.
فمما نسب إليهم وفيه إنكار لأهل اللغة وغيرهم:
الجمع بين الساكنين في تاءات البزي (1) ، إدغام (2) أبي عمرو، وقراءة حمزة "فما اسطّاعوا" (3) ، وتسكين من أسكن "بارِئْكم" و"يأمُرْكم" (4)
__________
(1) والمراد من تاءاته أنه يشدد التاء التي تكون في أوائل الأفعال المستقبلة في حال الوصل في إحدى وثلاثين موضعا، نحو {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث} "البقرة: 267"، انظر: التيسير ص83، والنشر 2/ 232، والبزي هو أحمد بن محمد بن عبد الله المكي، صاحب قراءة ابن كثير من السبعة، توفي سنة 250هـ "غاية النهاية: 1/ 119، لسان الميزان 1/ 283".
(2) المثلان إذا كانا من كلمتين فإن أبا عمرو كان يدغم الأول في الثاني منهما، سواء سكن ما قبله أو تحرك في جميع القرآن، نحو قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَان} "البقرة: 185" جمعا بين الساكنين، و {ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُون} "الأنفال: 7". انظر: التيسير، ص20.
(3) الكهف: 97، قرأ حمزة في هذه الكلمة بتشديد الطاء، يريد {فَمَا اسْتَطَاعُوا} فأدغم التاء في الطاء وجمع بين ساكنين وصلا "انظر: التيسير ص146، والنشر 2/ 316".
(4) يشير المؤلف فيهما إلى قراءة أبي عمرو في سورة البقرة: 54 {بَارِئِكُم} باختلاس كسرة الهمزة وإسكانها، وكذلك باختلاس ضمة الراء من "يأمركم و"تأمرهم" و"يأمرهم" و"ينصركم" و"يشعركم" حيث وقع في القرآن "انظر: التيسير ص73، والنشر 2/ 212".


المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 175)
ونحوه و"سبأْ" (1) و"يا بُنَيْ" (2) و"مَكْر السيئْ"" (3) ، وإشباع الياء في "نرتعي" (4) و"يتقي ويصبرْ" (5) و"أفئدة من الناس" (6) وقراءة "ليكة" (7) بفتح الهاء، وهمز "سَأْقيها" (8) ، وخفض
__________
(1) والذي سكن الهمزة في "في سبأ" في سورة النمل: 22 و"في سبأ" في سورة سبأ: 15، هو قنبل بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي راوي ابن كثير المتوفى سنة 291 "انظر: التيسير ص167".
(2) والمقصود منه قراءة ابن كثير "يا بني لا تشرك" في سورة لقمان: 13، بإسكان الياء، وقراءة قنبل "يا بنيْ أقم الصلاة" في سورة لقمان: 17، بإسكان الياء أيضا "انظر: التيسير ص176".
(3) فاطر: 43، والمقصود منه قراءة حمزة، بإسكان الهمزة في الوصل "انظر: التيسير ص182".
(4) يوسف: 12، بإثبات الياء بعد العين، وهي قراءة قنبل صاحب قراءة ابن كثير، مخالفا الباقين من الأئمة المشهورين "انظر: التيسير ص131".
(5) يوسف: 90، بإثبات الياء بعد القاف، وهي قراءة قنبل صاحب قراءة ابن كثير أيضا كما سبق "انظر: التيسير ص131".
(6) إبراهيم: 37، بإثبات الياء بعد الهمزة من "أفئيدة"، وهي قراءة هشام -صاحب قراءة ابن عامر- المتوفى سنة 245، مخالفا الباقين من القراء المشهورين "انظر: التيسير ص135".
(7) في سورة الشعراء: 176 وفي ص13، بلام مفتوحة من غير همزة بعدها ولا ألف قبلها، وفتح التاء كما قرأ نافع وابن كثير وابن عامر، وقرأ الباقون من السبعة "الأيكة" بالألف واللام مع الهمزة وخفض التاء "انظر: التيسير ص166، والنشر 2/ 336، وإتحاف فضلاء البشر ص333". وكتبوا في كل المصاحف "أصحب ليكة" في هاتين السورتين بلام من غير ألف قبلها ولا بعدها "انظر: المقنع ص21".
(8) النمل: 44، والمقصود منه قراءة قنبل -راوي قراءة ابن كثير- بهمزة ساكنة بعد السين مكان الألف "انظر: النشر 2/ 338".


المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 176)
"والأرحامِ" (1) ، ونصب "كن فيكونَ" (2) ، والفصل بين المضافين في "الأنعام" (3) ، وغير ذلك على ما نقلناه وبيناه بعون الله تعالى وتوفيقه في شرح (4) قصيدة الشيخ الشاطبي رحمه الله.
فكل هذا محمول على قلة ضبط الرواة فيه على ما أشار إليه كلام ابن مجاهد المنقول في أول هذا الباب (5) .
وإن صح فيه النقل فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة مباحة عليها، على ما هو جائز في العربية، فصيحا كان أو دون ذلك.
وأما بعد كتابة المصاحف على اللفظ المنزل، فلا ينبغي قراءة ذلك اللفظ إلا على اللغة الفصحى من لغة قريش وما ناسبها، حملا لقراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسادة من أصحابه على ما هو اللائق بهم، فإنهم كما كتبوه على لسان قريش، فكذا قراءتهم له.
وقد شاع [69 ظ] على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم
__________
(1) النساء: 1، هي قراءة حمزة، والباقون قرءوا بنصبها "انظر: التيسير ص93".
(2) والذي قرأها بالنصب "في البقرة: 117، وفي آل عمران: 47، وفي النحل: 40، وفي مريم: 35، وفي يس: 82، وفي غافر: 78" هو ابن عامر من السبعة، تابعه الكسائي في النحل ويس فقط "انظر: التيسير ص76".
(3) يشير المؤلف هنا إلى قراءة ابن عامر أيضا في الآية: {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} "الأنعام: 137"، لأنه قرأ فيها بضم الزاي وكسر الياء من "زين"، ورفع لام "قتل"، ونصب دال "أولادهم"، وخفض همزة "شركائهم" بإضافة "قتل" إليه، وقد فصل بين المضاف -وهو "قتل"- والمضاف إليه -وهو "شركائهم"- "انظر: النشر 2/ 263".
(4) هو "إبراز المعاني من حرز الأماني "للمؤلف".
(5) انظر ص168-169.


المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 177)
من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي كل فرد فرد مما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب.
ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
فإن القراءات السبع المراد بها ما روي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق.
فالمصنفون لكتب القراءات يختلفون في ذلك اختلافا كثيرًا، ومن تصفح كتبهم في ذلك ووقف على كلامهم فيه عرف صحة ما ذكرناه.
وأما من يهول في عبارته قائلا: إن القراءات السبع متواترة، لـ"أن القرآن أنزل على سبعة أحرف" فخطؤه ظاهر؛ لأن الأحرف السبعة المراد بها غير القراءات السبع على ما سبق تقريره في الأبواب المتقدمة.
ولو سئل هذا القائل عن القراءات السبع التي ذكرها لم يعرفها ولم يهتد [70 و] إلى حصرها، وإنما هي شيء طرق سمعه فقاله غير مفكر في صحته، وغايته -إن كان من أهل هذا العلم- أن يجيب بما في الكتاب الذي حفظه.
والكتب في ذلك -كما ذكرنا- مختلفة، ولا سيما كتب المغاربة والمشارقة، فبين كتب الفريقين تباين في مواضع كثيرة، فكم في كتابه من قراءة قد أنكرت، وكم فات كتابه من قراءة صحيحة فيه ما سطرت، على أنه لو عرف شروط التواتر لم يجسر على إطلاق هذه العبارة في كل حرف من حروف القراءة.


المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 178)
فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تكسب العبرات، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادًا، إلا اليسير منها.
وقد حققنا هذا [70 ظ] الفصل أيضا في "كتاب البسملة الكبير" ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنعين، وبالله التوفيق.
فليس الأقرب في ضبط هذا الفصل إلا ما ذكرناه مرارًا من أن كل قراءة اشتهرت بعد صحة إسنادها وموافقتها خط المصحف ولم تنكر من جهة العربية فهي القراءة المعتمد عليها، وما عدا ذلك فهو داخل في حيز الشاذ والضعيف، وبعض ذلك أقوى من بعض.
والمأمور باجتنابه من ذلك ما خالف الإجماع لا ما خالف شيئا من هذه الكتب المشهورة عند من لا خبرة له.
قال أبو القاسم الهذلي في كتابه "الكامل":
"وليس لأحد أن يقول: لا تكثروا من الروايات، ويسمي ما لم يصل من القراءات الشاذ؛ لأن ما من قراءة قرئت ولا رواية رويت إلا وهي صحيحة إذا وافقت رسم الإمام ولم تخالف الإجماع".


المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 179)
فإن قلت: قراءة من لم يبسمل بين السورتين ينبغي أن يكون ضعيفة لمخالفتها الرسم.
قلت: لا، فإنه يبسمل إذا ابتدأ كل سورة، فهو يرى أن البسملة إنما رسمت في أوائل السور لذلك على أنا نقول الترجيح مع من بسمل مطلقا بين السورتين وعند الابتداء، وذلك على وفق مذهب إمامنا الشافعي (1) رحمه الله، وفي كل ذلك مباحث حسنة ذكرناها في "كتاب البسملة الكبير"، وبالله التوفيق.
__________
(1) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي الشافعي أبو عبد الله المكي، أحد الفقهاء الأربعة عند أهل السنة، له تصانيف كثيرة، أشهرها كتابه "الأم" في الفقه، توفي سنة 204هـ "تاريخ بغداد 2/ 56، معجم الأدباء 6/ 367، وفيات الأعيان 1/ 565، تذكرة الحفاظ 1/ 329، طبقات السبكي 1/ 100، غاية النهاية 2/ 95".





إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 412)
وأما رد بعض أئمة العربية ذلك فقد سبق جوابه، وحكى أبو نصر بن القشيري -رحمه الله- في تفسيره كلام أبي إسحاق الزجاج الذي حكيناه، ثم قال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين؛ لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تواترًا يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن رد ذلك فقد رد على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه؛ فإنا لا ندعي أن كل القراءات على أرفع الدرجات في الفصاحة قلت: وهذا كلام حسن صحيح والله أعلم.



إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 150)
ولكن الأصح عنه أنه كان يختلس الحركة في ذلك فتوهم بعض الرواة أنها سكون.
__________
1 قوله والأصح عنه أنه كان يختلس: غريب، ووجه غرابته أنه لا يتصور مثله في الرواية المتواترة اهـ.



إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 549)
أي: اكسر غير طاعن على هذه القراءة كما فعل من أنكرها من النحاة ثم ذكر وجهها فقال:

إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 550)
ويحيى بن وثاب جميعا. حدثني بذلك القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب، ولعلها من وهم القراء طبقة يحيى؛ فإنه قل من سلم منهم من الوهم، ولعله ظن أن الياء في "مصرخي" حافظة للفظ كله والياء للمتكلم خارجة من ذلك قال: ومما نرى أنهم أوهموا فيه: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ} بالجزم ظنوا أن الجزم في الهاء، ثم ذكر غير ذلك مما لم يثبت قراءة، وقد تقدم وجه الإسكان في "نوله" ونحوه، وسنقرر كسر ياء "بمصرخي"، وقال أبو عبيد: أما الخفض فإنا نراه غلطا؛ لأنهم ظنوا أن الياء التي في قوله: "بمصرخي" تكسر كل ما بعدها قال: وقد كان في القراء من يجعله لحنا، ولا أحب أن أبلغ به هذا كله، ولكن وجه القراءة عندنا غيرها، قال الزجاج: هذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة، ولا وجه لها إلا وجيه ضعيف ذكر وبعض النحويين يعني: القراءة، فذكر ما سنذكره في الحركة لالتقاء الساكنين.
وقال ابن النحاس: قال الأخفش سعيد: ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من أحد من النحويين، قال أبو جعفر: قد صار هذا بإجماع لا يجوز، ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله تعالى على الشذوذ، قال أبو نصر بن القشيري في تفسيره: ما ثبت بالتواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز أن يقال هو خطأ أو قبيح أو ردي بل في القرآن فصيح وفيه ما هو أفصح فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ حمزة أفصح.
قلت: يستفاد من كلام أهل اللغة في هذا ضعف هذه القراءة، وشذوذها على ما قررنا في ضبط القراءة القوية والشاذة، أما عدم الجواز فلا فقد نقل جماعة من أهل اللغة أن هذه لغة وإن شذت وقل استعمالها، قال أبو علي: قال الفراء في كتابه في التصريف: زعم القاسم بن معن أنه صواب قال: وكان ثقة بصيرا، وزعم



المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 172)
وقد ذكره أيضا شيخنا أبو الحسن رحمه الله في كتابه "جمال القراء" في باب مراتب الأصول وغرائب الفصول فقال: [68 و] .
"وقد اختار قوم قراءة عاصم ونافع فيما اتفقا عليه وقالوا: قراءة هذين الإمامين أصح القراءات سندًا وأفصحها في العربية، وبعدهما في الفصاحة قراءة أبي عمرو والكسائي".
"وإذا اجتمع للحرف قوته في العربية وموافقة المصحف واجتماع العامة عليه فهو المختار عند أكثرهم. وإذا قالوا: قراءة العامة، فإنما يريدون ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة. فهو عندهم سبب قوي يوجب الاختيار. وربما اختاروا ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وسموه أيضا بالعامة" (3) .
قلت: ولعل مرادهم بموافقة خط المصحف ما يرجع إلى زيادة الكلم ونقصانها




المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 176)
كل هذا محمول على قلة ضبط الرواة فيه على ما أشار إليه كلام ابن مجاهد المنقول في أول هذا الباب (5) .
وإن صح فيه النقل فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة مباحة عليها، على ما هو جائز في العربية، فصيحا كان أو دون ذلك.
وأما بعد كتابة المصاحف على اللفظ المنزل، فلا ينبغي قراءة ذلك اللفظ إلا على اللغة الفصحى من لغة قريش وما ناسبها، حملا لقراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسادة من أصحابه على ما هو اللائق بهم، فإنهم كما كتبوه على لسان قريش، فكذا قراءتهم له.
وقد شاع [69 ظ] على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي كل فرد فرد مما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب.
ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
فإن القراءات السبع المراد بها ما روي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق.
فالمصنفون لكتب القراءات يختلفون في ذلك اختلافا كثيرًا، ومن تصفح كتبهم في ذلك ووقف على كلامهم فيه عرف صحة ما ذكرناه.
وأما من يهول في عبارته قائلا: إن القراءات السبع متواترة، لـ"أن القرآن أنزل على سبعة أحرف" فخطؤه ظاهر؛ لأن الأحرف السبعة المراد بها غير القراءات السبع على ما سبق تقريره في الأبواب المتقدمة.
ولو سئل هذا القائل عن القراءات السبع التي ذكرها لم يعرفها ولم يهتد [70 و] إلى حصرها، وإنما هي شيء طرق سمعه فقاله غير مفكر في صحته، وغايته -إن كان من أهل هذا العلم- أن يجيب بما في الكتاب الذي حفظه.
والكتب في ذلك -كما ذكرنا- مختلفة، ولا سيما كتب المغاربة والمشارقة، فبين كتب الفريقين تباين في مواضع كثيرة، فكم في كتابه من قراءة قد أنكرت، وكم فات كتابه من قراءة صحيحة فيه ما سطرت، على أنه لو عرف شروط التواتر لم يجسر على إطلاق هذه العبارة في كل حرف من حروف القراءة.
فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تكسب العبرات، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادًا، إلا اليسير منها.
وقد حققنا هذا [70 ظ] الفصل أيضا في "كتاب البسملة الكبير" ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنعين، وبالله التوفيق.






********************
منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: 76)
أما من قال إن القراءات متواترة حال اجتمع القراء لا حال افتراقهم فأبو شامة قال في المرشد الوجيز في الباب الخامس منه: فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح في قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما نقل عن غيرهم، فمما نسب إليهم وفيه إنكار أهل اللغة وغيرهم الجمع بين الساكنين في تاءات البزي وإدغام أبي عمرو وقراءة حمزة "فما اسطاعوا" [الكهف: 97] وتسكين من أسكن "بارئكم" ونحوه و"سبأ" و"يا بني" و"مكر السيء" وإشباع الياء في "نرتعي" و"يتقي" و"يبصر" و"أفئدة من الناس" وقراءة "ملئكة" بفتح الهمزة وهمز "ساقها" وخفض "والأرحام" في أول النساء ونصب "كن فيكون" والفصل بين المتضايفين في "الأنعام" وغير ذلك إلى أن قال: فكل ذلك محمول على قلة ضبط الرواة فيه ثم قال: وإن صح النقل فيه فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة المباحة عليه على ما هو جائز في العربية فصيحا كان أو بدون ذلك. وأما بعد كتابة المصاحف على اللفظ المنزل فلا ينبغي قراءة ذلك اللفظ إلا على اللغة الفصحى من لغة قريش وما ناسبها حملا لقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- والسادة من أصحابه على ما هو اللائق فإنهم إنما كتبوه على لغة قريش فكذا قراءتهم به. قال: وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي في كل فرد فرد ممن روى عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله تعالى واجب. قال: ونحن بهذا نقول لكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
فانظر يا أخي إلى هذا الكلام الساقط الذي خرج من غير تأمل المتناقض في غير موضع في هذه الكلمات اليسيرة أوقفت عليها شيخنا الإمام ولي الله تعالى أبا محمد محمد بن محمد بن محمد الجمالي رضي الله عنه فقال: ينبغي أن يعدم هذا الكتاب من الوجود ولا يظهر البتة وأنه طعن في الدين. قلت: ونحن -يشهد الله- أنا لا نقصد إسقاط الإمام أبي شامة -إذ الجواد قد يعثر، ولا نجهل قدره بل الحق أحق أن يتبع- ولكن نقصد التنبيه على هذه الزلة المزلة ليحذر منها من لا معرفة له بأقوال الناس ولا

منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: 77)
اطلاع له على أحوال الأئمة. أما قوله: "فمما نسب إليهم وفيه إنكار أهل اللغة إلخ" فغير لائق بمثله أن يجعل ما ذكره منكرا عند أهل اللغة وعلماء اللغة والإعراب الذي عليهم الاعتماد سلفا وخلفا يوجهونها ويستدلون بها وأنى يسعهم إنكار قراءات تواترت أو استفاضت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنويس لا اعتبار بهم لا معرفة لهم بالقراءات ولا بالآثار جمدوا على ما علموا من القياسات وظنوا أنهم أحاطوا بجميع لغات العرب أفصحها وفصيحها حتى لو قيل لأحدهم شيء من القرآن على غير النحو الذي أنزله الله يوافق قياسا ظاهرا عنده لم يقرأ بذلك أحد لقطع له بالصحة كما أنه لو سئل عن قراءة متواترة لا يعرف لها قياسا لأنكرها ولقطع بشذوذها حتى إن بعضهم قطع في قوله عز وجل: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} [يوسف: 11] بأن الإدغام الذي أجمع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- والمسلمون لحن وأنه لا يجوز عند العرب لأن الفعل الذي هو "تأمن" مرفوع فلا وجه لسكونه حتى أدغم في النون التي تليه، فانظر يا أخي إلى قلة حياء هؤلاء من الله تعالى يجعلون ما عرفوه من القياس أصلا والقرآن العظيم فرعا حاشا العلماء المقتدى بهم من أئمة اللغة والإعراب من ذلك، بل يجيئون إلى كل حرف مما تقدم ونحوه يبالغون في توجيهه والإنكار على من أنكره حتى إن إمام اللغة والنحو أبا عبد الله محمد بن مالك قال في منظومته الكافية الشافية في الفصل بين المتضايفين:
وعمدتي قراءة ابن عامر ... فكم لها من عاضد وناصر
ولولا خوف الطول وخروج الكتاب عن مقصوده لأوردت ما زعم أن أهل اللغة أنكروه وذكرت أقوالهم فيها ولكن إن مد الله في الأجل لأضعن كتابا مستقلا في ذلك يشفي القلب ويشرح الصدر أذكر فيه جميع ما أنكره من لا معرفة له بقراءة السبعة والعشرة ولله در الإمام أبي نصر الشيرازي حيث حكى في تفسيره عند قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] كلام الزجاجي في تضعيف قراءة الخفض ثم قال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن رد ذلك فقد رد على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبح ما قرأ به وهذا مقام محظور لا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان أفصح منه فإنا لا ندعي أن كل ما في القراءات على أرفع الدرجات من الفصحاة. وقال الإمام الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان" عند ذكره إسكان "بارئكم" و"يأمركم" لأبي عمرو بن العلاء وأئمة القراء: لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل

منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: 78)
والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة فلزم قبولها والمصير إليها.
قلت: ثم لم يكف الإمام أبا شامة حتى قال: فكل ذلك -يعني ما تقدم- محمول على قلة ضبط الرواة. لا والله بل كله محمول على كثرة الجهل ممن لا يعرف لها أوجها وشواهد صحيحة تخرج عليها كما سنبينه إن شاء الله تعالى في الكتاب الذي وعدنا به آنفا إذ هي ثابتة مستفاضة ورواتها أئمة ثقات، وإن كان ذلك محمولا على قلة ضبطهم فليت شعري أكان الدين قد هان على أهله حتى يجيء شخص في ذلك الصدر يدخل في القراءة بقلة ضبطه ما ليس منها فيسمع منه ويؤخذ عنه ويقرأ به في الصلوات وغيرها ويذكره الأئمة في كتبهم ويقرءون به ويستفاض ولم يزل كذلك إلى زماننا هذا لا يمنع أحد من أئمة الدين القراءة به مع أن الإجماع منعقد على أن من زاد حركة أو حرفا في القرآن أو نقص من تلقاء نفسه مصرا على ذلك يكفر والله جل وعلا تولى حفظه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] وأعظم من ذلك تنزله إذ قال: وعلى تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة لا ينبغي قراءتها حملا لقراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه على ما هو اللائق بهم. فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة رضوان الله عليهم لم يقرءوا بها مع تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة فمن أوصلها إلى هؤلاء الذين قرءوا بها. ثم يقول: فلا أقل من اشتراط يعني من اشتراط الشهرة والاستفاضة. قلت: ألا تنظرون إلى هذا القول ثم أحد في الدنيا يقول إن قراءة ابن عامر وحمزة وأبي عمرو ومن اجتمع عليه أهل الحرمين والشام أبي جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وفي قراءة البزي وقنبل وهشام إن تلك غير مشهورة ولا مستفاضة إن لم تكن متواترة؟ هذا كلام من لم يدر ما يقول حاشا الإمام أبا شامة منه وأنا من فرط اعتقادي فيه أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شيء، ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه أو أنه إنما ألف هذا الكتاب أول مرة كما يقع لكثير من المصنفين وإلا فهو في غيره من مصنفاته كشرحه للشاطبية بالغ في الانتصار والتوجيه لقراءة حمزة و"الأرحام" بالخفض والفصل بين المتضايقين ثم قال في الفصل: ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام مثله لأنه ناف ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بالإجماع. قال: ولو نقل إلى هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله، فما باله ما يكتفي بناقلي القراءة من التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم ثم أخذ في تقرير ذلك.

منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: 79)
قلت: هذا الكلام مباين لما تقدم وليس منه في شيء وهو الأليق بمثله رحمه الله. ثم قال أبو شامة في المرشد بعد ذلك القول: فالحاصل أنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها قلت: ونحن كذلك لكن في القليل منها كما تقدم في الباب الثاني. قال: وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل فرد فرد من ذلك وهنالك تسكب العبرات فإنها من ثم لم ينقلها إلا آحاد إلا اليسير منها. قلت: هذا من جنس ذلك الكلام المتقدم أوقفت عليه شيخنا الإمام واحد زمانه شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب بيبرود الشافعي فقال لي: معذور أبو شامة حيث إن القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية وخفي عليه أنها نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا وإلا فكل أهل بلدة كانوا يقرؤنها أخذوها أمما عن أمم ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل بلده لم يوافقه على ذلك أحد بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها.
قلت: صدق ومما يدل على هذا ما قال ابن مجاهد قال لي قنبل قال لي القواس في سنة سبع وثلاثين ومائتين: الق هذا الرجل -يعني البزي- فقل له: هذا الحرف ليس من قراءتنا يعني "وما هو بميت" [إبراهيم: 17] مخففا وإنما يخفف من الميت من قد مات ومن لم يمت فهو مشدد, فلقيت البزي فأخبرته فقال لي: قد رجعت عنه. وقال محمد بن صالح؛ سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: كيف تقرأ {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 26] فقال: لا يعذب بالكسر. فقال له الرجل: كيف وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا يعذب" بالفتح؟ فقال له أبو عمرو: لو سمعت الرجل الذي قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أخذته عنه، وتدري ما ذاك؟ لأني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة. قال الشيخ أبو الحسن السخاوي: وقراءة الفتح أيضا ثابتة بالتواتر. قلت: صدق لأنها قراءة الكسائي. قال السخاوي: وقد تواتر الخبر عند قوم دون قوم وإنما أنكرها أبو عمرو لأنها لم تبلغه على وجه التواتر. قلت: وهذا كان من شأنهم على أن تعيين هؤلاء القراء ليس بلازم ولو عين غير هؤلاء لجاز، وتعيينهم إما لكونهم تصدوا للإقراء أكثر من غيرهم أو لأنهم شيوخ المعين كما تقدم ومن ثم كره من كره من السلف أن تنسب القراءة إلى أحد، روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخغي قال: كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان.

منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: 80)
قلت: وذلك خوفا مما توهمه أبو شامة من أن القراءة إذا نسبت إلى شخص تكون آحادية ولم يدر أن كل قراءة نسبت إلى قارئ من هؤلاء كان قراؤها زمن قارئها وقبله أكثر من قرائها في هذا الزمان وأضعافهم، ولو لم يكن انفراد القراء متواترا لكان بعض القرآن غير متواتر لأنا نجد في القرآن أحرفا تحتلف القراء فيها ولك واحد منهم على قراءة لا توافق الآخر كـ {أَرْجِهْ} [الأعراف: 111، الشعراء: 36] وغيرها فلا يكون شيء منها متواترا. وأيضا قراءة من قرأ "مالك" و"يخادعون" فكثير من القرآن غير متواتر لأن التواتر لا يثبت باثنين ولا بثلاثة. قال الإمام الجعبري في رسالته: وكل وجه من وجوه قراءته كذلك يعني متواترا إلا أنها أبعاضه ثم قال: فظهر من هذا فساد قول من قال هو متواتر دونها إذ هو عبارة عن مجموعها، فإذا قرأ نحو الصراط فلا أعني عن واحد منهما. قال: فلزم من عدم تواترها عدم تواتره والكلام منتفٍ. قلت: أشار بها إلى قول أبي شامة والله أعلم. ومما يحقق لك أن قراءة أهل كل بلد متواترة بالنسبة إليهم أن الإمام الشافعي رضي الله عنه جعل البسملة من القرآن مع أن روايته عن شيخه مالك تقتضي عدم كونها من القرآن لأنه من أهل مكة وهم يثبتون البسملة بين السورتين ويعدونها من أول الفاتحة آية وهو قرأ قراءة ابن كثير على إسماعيل القسط عن ابن كثير فلم يعتمد على روايته عن مالك في عدم البسملة لأنها آحاد واعتمد على قراءة ابن كثير لأنها متواترة، وهذا لطيف فتأمله فإنني كنت أجد في كتب أصحابنا يقولون: إن الشافعي رضي الله عنه روى حديث عدم البسملة عن مالك ولم يعول عليه. فدل على أنه ظهرت له عله فيه وإلا لما ترك العمل به.
قلت: ولم أر أحدا من أصحابنا بيَّن العلة، فبينا أنا ليلة مفكر إذ فتح الله تعالى بما تقدم -والله تعالى أعلم- إنها هي العلة مع أني قرأت القرآن برواية إمامنا الشافعي عن ابن كثير كالبزي وقنبل، ولما علم ذلك بعض أصحابنا من كبار الأئمة الشافعية قال لي: أريد أن أقرأ عليك القرآن بها. ومما يزيدك تحقيقا ما قاله أبو حاتم السجستاني قال: أول من تتبع بالبصرة وجوه القراءة وألفها وتتبع الشاذ منها هارون بن موسى الأهور قال: وكان من القراء فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء حين ألفها وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرون وأمة عن أفواه أمة ولا يلتفت منها إلى ما جاء من راوٍ عن راوٍ. قلت: يعني أحادا عن آحاد.
وقال الحافظ العلامة أبو سعيد خليل كيكلدي العلائي في كتابه "المجموع المذهب": وللشيخ شهاب الدين أبي شامة في كتابه "المرشد الوجيز" وغيره كلام في

منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص: 81)
الفرق بين القراءات السبع والشاذة منها وكلام غيره من متقدمي القراء ما يوهم أن القراءات السبع ليست متواترة كلها وأن أعلاها ما اجتمع فيه صحة السند وموافقة خط المصحف الإمام والفصيح من لغة العرب وأنه يكفي فيها الاستفاضة وليس الأمر كما ذكر هؤلاء، والشبهة دخلت عليهم من انحصار أسانيدها في رجال معروفين وظنوها كاجتهاد الآحاد. قلت: وقد سألت شيخنا إمام الأئمة أبا المعالي رحمه الله تعالى عن هذا الموضع فقال: انحصار الأسانيد في طائفة لا يمنع مجيء القرآن عن غيرهم فلقد كان يتلقاه أهل كل بلد يقرؤه منهم الجم الغفير عن مثلهم وكذلك دائما والتواتر حاصل لهم، ولكن الأئمة الذين تصدوا لضبط الحروف وحفظوا شيوخهم منها وجاء السند من جهتهم وهذه الأخبار الواردة في حجة الوداع ونحوها أجلي ولم تزل حجة الوداع منقولة عمن يحصل بهم التواتر عن مثلهم في كل عصر فهذه كذلك وقال: هذا موضع ينبغي التنبيه له. ا. هـ. والله أعلم.




****************

کلام زرقانی-اتساع افق اطلاعی

مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 435)
الآراء في القراءات السبع:
هنا يجد الباحث نفسه في معترك مليء بكثرة الخلافات واضطراب النقول واتساع المسافة بين المختلفين إلى حد بعيد.
وإليك صورة مصغرة تشهد فيها حرب الآراء والأفكار مشبوبة بين الكاتبين في هذا الموضوع:
1- يبالغ بعضهم في الإشادة بالقراءات السبع ويقول: من زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة. ويعزى هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية الأستاذ أبي سعيد فرج بن لب وقد تحمس لرأيه كثيرا وألف رسالة كبيرة في تأييد مذهبه والرد على من رد عليه.
ولكن دليله الذي استند إليه لا يسلم له فإن القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن. كيف؟ وهناك فرق بين القرآن والقراءات السبع بحيث يصح أن يكون القرآن متواترا في غير القراءات السبع أو في القدر الذي اتفق عليه القراء جميعا أو في القدر الذي اتفق عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب قراء كانوا

مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 436)
أو غير قراء بينما تكون القراءات السبع غير متواترة وذلك في القدر الذي اختلف فيه القراء ولم يجتمع على روايته عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة وإن كان احتمالا ينفيه الواقع كما هو التحقيق الآتي.
2- يبالغ بعضهم في توهين القراءات السبع والغض من شأنها فيزعم أنه لا فرق بينها وبين سائر القراءات ويحكم بأن الجميع روايات آحاد. ويستدل على ذلك بأن القول يتواترها منكر يؤدي إلى تكفير من طعن في شيء منها مع أن الطعن وقع فعلا من بعض العلماء والأعلام.
ونناقش هذا الدليل بأنا لا نسلم أن إنكار شيء من القراءات يقتضي التكفير على القول بتواترها. وإنما يحكم بالتكفير على من علم تواترها ثم أنكره. والشيء قد يكون متواترا عند قوم غير متواتر عند آخرين وقد يكون متواترا في وقت دون آخر فطعن من طعن منهم يحمل على ما لم يعلموا تواتره منها وهذا لا ينفي التواتر عند من علم به {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} .
ويمكن مناقشة هذا الدليل أيضا بأن طعن الطاعنين إنما هو فيما اختلف فيه وكان من قبيل الأداء. أما ما اتفق عليه فليس بموضع طعن. ونحن لا نقول إلا بتواتر ما اتفق عليه دون ما اختلف فيه.
3- يقول ابن السبكي في جمع الجوامع وشارحه ومحشيه: القراءات السبع متواترة تواترا تاما أي نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم وهلم جرا.
ولا يضر كون أسانيد القراء آحادا إذ تخصيصها بجماعة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم بل هو الواقع فقد تلقاها عن أهل كل بلد بقراءة إمامهم الجم الغفير عن مثلهم وهلم جرا. وإنما أسندت إلى الأئمة المذكورين ورواتهم المذكورين في أسانيدهم لتصديهم

مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 437)
لضبط حروفها وحفظ شيوخهم الكمل فيها اهـ.
وقد يناقش هذا بأنها لو تواترت جميعا ما اختلف القراء في شيء منها لكنهم اختلفوا في أشياء منها فإذا لا يسلم أن تكون كلها متواترة.
ويجاب عن هذا بأن الخلاف لا ينفي التواتر بل الكل متواتر وهم فيه مختلفون فإن كل حرف من الحروف السبعة التي نزل بها القرآن بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جماعة يؤمن تواطئهم على الكذب حفظا لهذا الكتاب وهم بلغوه إلى أمثالهم وهكذا. ولا شك أن الحروف يخالف بعضها بعضا فلا جرم تواتر كل حرف عند من أخذ به وإن كان الآخر لم يعرفه ولم يأخذ به. وهنا يجتمع التخالف والتواتر. وهنا يستقيم القول بتواتر القراءات السبع بل القراءات العشر كما يأتي.
4- ويذهب ابن الحاجب إلى تواتر القراءات السبع غير أنه يستثني منها ما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة. قال البناني على جمع الجوامع: وكأن وجه ذلك أن ما كان من قبيل الأداء بأن كان هيئة للفظ يتحقق اللفظ بدونها كزيادة المد على أصله وما بعده من الأمثلة وما كان من هذا القبيل لا يضبطه السماع عادة لأنه يقبل الزيادة والنقصان بل هو أمر اجتهادي. وقد شرطوا في التواتر ألا يكون في الأصل عن اجتهاد. فإن قيل قد يتصور الضبط في الطبقة الأولى للعلم بضبطها ما سمعته منه صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي صدر منه من غير تفاوت بسبب تكرر عرضها ما سمعته منه صلى الله عليه وسلم. قلنا إن سلم وقوع ذلك لم يفد إذ لا يأتي نظيره في بقية الطبقات فإن الطبقة الأولى لا تقدر عادة على القطع بأن ما تلقته الثانية جار على الوجه الذي نطق به النبي صلى الله عليه وسلم. وبما تقرر علم أن الكلام فيما زاد على أصل المد وما بعده لا في الأصل فإنه متواتر.
الحاصل أنه إن أريد بتواتر ما كان من قبيل الأداء تواتره باعتبار أصله كأن يراد تواتر المد من غير نظر لمقداره وتواتر الإمالة كذلك فالوجه خلاف ما قال

مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 438)
ابن الحاجب للعلم بتواتر ذلك. وإن أريد تواتر الخصوصيات الزائدة على الأصل فالوجه ما قاله ابن الحاجب
قاله ابن قاسم اهـ بقليل من التصرف.
لكننا إذا رجعنا لعبارة ابن الحاجب نجدها كما يقول في مختصر الأصول له: القراءات السبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوه اهـ وهذا زعم صريح منه بأن المد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوها من قبيل الأداء وأنها غير متواترة. وهذا غير صحيح كما يأتيك نبؤه في مناقشة ابن الجزري له طويلا.
5- يذهب أبو شامة إلى أن القراءات السبع متواترة فيما اتفقت الطرق على نقله عن القراء أما ما اختلفت الطرق في نقله عنهم فليس بمتواتر سواء أكان الاختلاف في أداء الكلمة كما ذهب ابن الحاجب أم في لفظها. فالاستثناء هنا أعم مما استثناه ابن الحاجب. وعبارة أبي شامة في كتابه المرشد الوجيز نصها ما يأتي: ما شاع على ألسنة جماعة من متأخري المقرئين وغيرهم من أن القراءات السبع متواترة ونقول به فيما اتفقت الطرق على نقله عن القراء السبعة دون ما اختلفت فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق. وذلك موجود في كتب القراءات لا سيما كتب المغاربة والمشارقة فبينهما تباين في مواضع كثيرة. والحاصل أنا لا نلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء. أي بل منها المتواتر وهو ما اتفقت الطرق على نقله عنهم وغير المتواتر وهو ما اختلفت فيه بالمعنى السابق. وهذا بظاهره يتناول ما ليس من قبيل الأداء وما هو من قبيله اهـ. نقلا عن الجلال المحلي في شرح جمع الجوامع بتذييل منه.
ورأي أبو شامة هذا كنت أقول في الطبعة الأولى إنه أمثل الآراء فيما أرى وذلك لأمور أربعة:
أولها: أنه رأي سليم من التوهينات التي نوقشت بها الآراء السابقة.

مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 439)
ثانيها: أن يستند إلى الواقع في دعواه وفي دليله. ذلك أن القراءات السبع وقع اختلاف بعضها حقيقة في النطق بألفاظ الكلمات تارة وبأداء تلك الألفاظ تارة أخرى. ومن هنا كانت الدعوى مطابقة للواقع
ثم إن دليله يقوم على الواقع أيضا في أن بعض الروايات مضطربة في نسبتها إلى الأئمة القراء فبعضهم نفاها وبعضهم أثبتها. وذلك أمارة انتفاء التواتر لأن الاتفاق في كل طبقة من الجماعة الذين يؤمن تواطؤهم على الكذب لازم من لوازم التواتر. وقد انتفى هذا الاتفاق هنا فينتفي التواتر لما هو معلوم من أنه كلما انتفى اللازم انتفى الملزوم.
ثالثها: أن هذا الرأي صادر عن إخصائي متمهر في القراءات وعلوم القرآن وهو أبو شامة وصاحب الدار أدرى بما فيها.
رابعها: أن هذا الرأي يتفق وما هو مقرر لدى المحققين من أن القراءات قد تتوافر فيها الأركان الثلاثة المذكورة في ذلك الضابط المشهور وقد تنتفي هذه الأركان الثلاثة كلا أو بعضا لا فرق في هذا بين القراءات السبع وغير السبع على نحو ما تقدم. ويتفق هذا الرأي أيضا وما صرحوا به من تقسيم القراءات باعتبار السند إلى ستة أقسام كما سبق.
استدراك:
لكني بعد معاودة البحث والنظر واتساع أفق اطلاعي فيما كتب أهل التحقيق في هذا الشأن تبين لي أن أبا شامة أخطأه الصواب أيضا فيمن أخطأ وأنني أخطأت في مشايعته وتأييده.
ويضطرني إنصاف الحق أن أكر على الوجوه التي أيدته بها بين يديك فأنقضها وجها وجها. والرجوع إلى الحق فضيلة.

مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 440)
1- فرأي أبي شامة المسطور لم يسلم من مثل تلك التوهينات التي نوقشت بها الآراء السابقة وسترى قريبا شدة مناقشته الحساب في كلام ابن الجزري.
2- ثم إن الغطاء قد انكشف عن أن القراءات السبع بل القراءات العشر كلها متواترة في الواقع وأن الخلاف بينها لا ينفي عنها التواتر فقد يجتمع التواتر والتخالف كما بينا عند عرض رأي ابن السبكي وكما يستبين لك الأمر فيما يأتي من تحقيق ابن الجزري.
3- أما أن أبا شامة أخصائي متمهر فسبحان من له العصمة والكمال لله تعالى وحده. على أن الذي رد عليه واخترنا رأيه -وهو ابن الجزري- أخصائي متمهر أيضا وإليه انتهت الزعامة في هذا الفن حتى إذا أطلق لقب المحقق لم ينصرف إلا إليه وكم ترك الأول للآخر.
4- وأما ما قرره المحققون من تقسيم القراءات إلى متواتر وغير متواتر فهو تقسيم لا يغني عن أبي شامة شيئا في رأيه هذا لأن كلامهم هناك كان في مطلق القراءات أما كلامنا وكلام أبي شامة هنا فهو في خصوص القراءات السبع. وبينهما برزخ لا يبغيان.
الآراء في القراءات الثلاث المتممة للعشر:
لقد علمت فيما سبق ما قيل في القراءات السبع من أنها متواترة أو غير متواترة. أما القراءات الثلاث المكملة للعشر فقيل فيها بالتواتر ويعزى ذلك إلى ابن السبكي. وقيل فيها بالصحة فقط ويعزى ذلك إلى الجلال المحلي. وقيل فيها بالشذوذ ويعزى ذلك إلى الفقهاء الذين يعتبرون كل ما وراء القراءات السبع شاذا.

مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 441)
التحقيق تواتر القراءات العشر كلها:
والتحقيق الذي يؤيده الدليل هو أن القراءات العشر كلها متواترة وهو رأي المحققين من الأصوليين والقراء كابن السبكي وابن الجزري والنويري بل هو رأي أبي شامة في نقل آخر صححه الناقلون عنه وجوزوا أن يكون الرأي الآنف مدسوسا عليه أو قاله أول أمره ثم رجع عنه بعد. ولعل من الصواب والحكمة أن أترك الكلام هنا للمحقق ابن الجزري يصول فيه ويجول ويسهب ويطرب واضعا للحق في نصابه دافعا للخطأ وشبهاته. فاقرأه واصبر على الإكثار والتطويل فإن المقام دقيق وجليل {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} .
قال -رحمه الله- في كتابه منجد المقرئين ابتداء من الصفحة السابعة والخمسين ما نصه:
الفصل الثاني في أن القراءات العشر متواترة فرشا وأصولا حال اجتماعهم وافتراقهم وحل مشكل ذلك اعلم أن العلماء بالغوا في ذلك نفيا وإثباتا وأنا أذكر أقوال كل ثم أبين الحق من ذلك. أما من قال بتواتر الفرش1 دون الأصول فابن الحاجب. قال في مختصر الأصول له: القراءات السبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوه اهـ. فزعم أن المد والإمالة وما أشبه ذلك من الأصول كالإدغام وترقيق الراءات وتفخيم اللامات ونقل الحركة وتسهيل الهمزة من قبيل الأداء وأنه غير متواتر. وهذا قول غير صحيح كما سنبينه.
__________
1 يراد بالفرش الجزئيات التي يقع الخلاف في قراءتها ولا يقاس عليها. كقراءة يخدعون في سورة البقرة لا يقاس عليها ما جاء في سورة النساء من كلمة {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} مع أن الخلاف وقع في قراءة الأولى. ويراد بالأصول الكليات التي تندرج تحتها الجزئيات المتماثلة, كقواعد المد والهمز والإمالة.


مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 455)
ذلك ما قاله العلامة ابن الجزري في هذا المقام من كتابه المنجد ولعله فصل الخطاب في هذا الموضوع ولذلك آثرنا أن ننقله إليك محاولين حسن عرضه وضبطه والتعليق عليه مختصرا بقدر الإمكان. ولقد كنت أود أن تكون النسخة التي نقلت منها أكثر تحريرا مما رأيت ولكن ما الحيلة؟ وهي أول طبعة عن نسخة مخطوطة برواق المغاربة من الأزهر الشريف ومن شأن البدايات أن يكون فيها نقص ثم تصير إلى الكمال في النهاية إن شاء الله.




مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 470)
فذلكة البحث.
يخلص لنا من هذا البحث بعد تحقيق وجوه الخلاف فيه أمور مهمة يجدر بنا أن نوليها الالتفات والانتباه الخاص:
أولها - أن القراءة لا تكون قرآنا إلا إن كانت متواترة لأن التواتر شرط في القرآنية.
ثانيها - أن القراءات العشر الذائعة في هذه العصور متواترة على التحقيق الآنف. وإذن هي قرآن. وكل واحدة منها يطلق عليها أنها قرآن.
ثالثها - أن ما وراء القراءات العشر مما صحت روايته آحادا ولم يستفض ولم تتلقه الأمة بالقبول شاذ وليس بقرآن وإن وافق رسم المصحف وقواعد العربية.
رابعها - أن ركن صحة الإسناد المذكور في ضابط القرآن المشهور لا يراد بالصحة فيه مطلق صحة بل المراد صحة ممتازة تصل بالقراءة إلى حد الاستفاضة والشهرة وتلقي الأمة لها بالقبول حتى يكون هذا الركن بقرينة الركنين الآخرين في قوة التواتر الذي لا بد منه في تحقق القرآنية. كما فصلنا ذلك من قبل.
خامسها - أن القراءة قد تكون متواترة عند قوم غير متواترة عند آخرين. والمأمور به ألا يقرأ المسلم إلا بما تواتر عنده ولا يكتفي بما روي له آحادا وإن كان متواترا عند الراوي له كما رد الشافعي رواية مالك مع صحتها لمخالفتها ما تواتر عنده. ولا تنس ما قاله ابن الجزري في ذلك آنفا.
سادسها - أن هذا الذي روي من طريق الآحاد المحضة ولم يصل إلى حد الاستفادة والشهرة هو أصل الداء ومثار كثير من الشبهات والخلاف. أما الشبهات فقد مر عليك منها نماذج وأما الخلافات فقد شاهدت منها في هذا البحث ما شاهدت وستشاهد ما تشاهد وإني أسترعي نظرك إلى أمرين:
أولهما - أن طريق الآحاد المحضة هذا هو الذي فتح باب المطاعن لبعض الأئمة في بعض الروايات الواردة في القراءات السبع كابن جرير الطبري الذي ذكر في تفسيره شيئا من ذلك وألف كتابا كبيرا في القراءات وعللها وضمنه بعض تلك المطاعن.
وثانيهما - أن وجود هذه الروايات على ندرتها جعل البعض يشتط ويسرف فسحب حكمها على الجميع وقال: إن القراءات السبع وغيرها كلها قراءة آحاد. وهذا قول في نهاية الإسفاف والخطر أما إسفافه فلأنه لا يليق مطلقا أن يسحب حكم الأقل الضئيل على الأكثر الجليل وأما خطره فلأنه يؤدي إلى نقض تواتر القرآن أو إلى عدم وجود القرآن الآن ما دام القرآن مشروطا فيه التواتر ولا تواتر على رأيهم. ولا يعقل أن يكون القرآن المفروض فيه التواتر موجودا على حين أن وجوه قراءاته كلها غير متواترة ضرورة أنه لا يتحقق قرآن بدون أوجه للقراءة.
ذلك ما وصلنا إليه بعد إعادة النظر في هذا الموضوع. والحمد لله الذي هدانا لهذا {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} .



ابوشامه ابن مقسم را با ابن شنبوذ در کلام ابوطاهر مخلوط کرده فراجع:

المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (1/ 187)
قلت: هذا الشخص المشار إليه هو أبو الحسن [74 ظ] محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت المقرئ المعروف بابن شنبوذ البغدادي (2) في طبقة ابن مجاهد مقرئ مشهور.
شرح حال محمد بن الحسن بن مقسم العطار أبو بكر(265 - 354 هـ = 878 - 965 م)






**********************
التمهيد في علوم القرآن-تحمسات عاطفية فارغة‏

التمهيد في علوم القرآن، ج‏2، ص: 54
و للاستاذ «الزرقانى»- هنا- اضطراب فى الاختيار بينما يختار اولا مذهب ابى شامة الانف، اذا هو يرجع عنه زاعما اتساع افق اطلاعه اخيرا.
لكن فى كلامه اولا تحقيق، بينما رجوعه لا يعدو رجوعا عن تحقيق الى تقليد فى تحمس عاطفى فارغ.
قال- اولا-: «و رأى ابى شامة هذا كنت اقول فى الطبعة الاولى:
انه امثل الآراء فيما أرى، و ذلك للامور التالية:
انه يستند فى دعواه و فى دليله الى الواقع، و ذلك: ان القراءات السبع وقع اختلاف بعضها حقيقة فى النطق بالفاظ الكلمات تارة، و بأداء تلك الالفاظ أخرى، و من هنا كانت الدعوى مطابقة للواقع.
ثم ان دليله يقوم على الواقع- ايضا- فى ان بعض الروايات مضطربة فى نسبتها الى الائمة القراء، فبعضهم نفاها و بعضهم اثبتها، و ذلك امارة انتفاء التواتر، لان الاتفاق فى كل طبقة من الجماعة
______________________________
(1) راجع: مناهل العرفان ج 1 ص 435.
(2) مناهل العرفان ج 1 ص 436.