بسم الله الرحمن الرحیم

نقد تند نویری از عدول ابن جزری از اشتراط تواتر به کفایت صحت سند

فهرست مباحث علوم قرآنی
استدلال علامه حلي در شرطیت تواتر در قرائات
التمهيد في علوم القرآن-هفوة من عظيم‏
سابقه کاربرد لفظ تواتر در قرائات
نقد بسیار تند ابن جزری سخن ابوشامه در المرشد الوجیز-عدول زرقانی از همراهی ابوشامه
تعارض بین نحو و قرائات
تواتر نقل اجماع بر تواتر قرائات سبع-مفتاح الکرامة
انواع تواتر
تواتر قراءات سبع
کلام زرکشی در تواتر قراءات‏
شواهد قرائت محوری یا قاری محوری؟


شرح طيبة النشر للنويري (1/ 105)
المؤلف: محمد بن محمد بن محمد، أبو القاسم، محب الدين النُّوَيْري (المتوفى: 857هـ)
ص:
وصحّ إسنادا هو القرآن ... فهذه الثّلاثة الأركان

شرح طيبة النشر للنويري (1/ 106)
اعلم- وفقنى الله تعالى وإياك- أن الاعتماد فى نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور [لا على] (6) حفظ (7) المصاحف والكتب، وهذا من الله تعالى غاية المنة على هذه الأمة، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [«قال الله تعالى (8) لى: قم فى قريش فأنذرهم، فقلت:
يا ربّ إذا يثلغوا رأسى حتّى يدعوه خبزة، فقال: إنّى مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان» (9) فأخبر الله تعالى أن القرآن لا يحتاج فى حفظه إلى صحيفة تغسل (10) بالماء، بل يقرؤه فى كل حال، كما جاء فى صفة أمته: «أنا جيلهم فى صدورهم» بخلاف أهل الكتاب الذين لا يقرءونه كله إلا نظرا.

شرح طيبة النشر للنويري (1/ 112)
ثم إن المصنف- رضى الله عنه- أشار إلى تلك الأصول والأركان بقوله:
«فكلّ ما وافق وجه نحو ... » إلخ.
وأدرج هذه الأوصاف فى حد القرآن، وحاصل كلامه: (1) القرآن كل كلام وافق وجها ما من أوجه النحو، ووافق الرسم ولو احتمالا، وصح سنده.
وفى هذا التعريف نظر؛ لأن موافقة الرسم والعربية لم يقل أحد بأنها جزء للحد، بل منهم من قال: هى لازمة للتواتر؛ فلا حاجة لذكرها، وهم المحققون، ومنهم من قال:
هى شروط لا بد من ذكرها، وأيضا فإن الوصف الأعظم فى ثبوت القرآن هو التواتر (2).
والناظم تركه واعتبر صحة سنده فقط، وهذا قول شاذ، وسيأتى كل ذلك.


شرح طيبة النشر للنويري (1/ 117)
وقوله: «وصح إسنادا» ظاهره أن (6) القرآن يكتفى فى ثبوته (7) مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط، ولا يحتاج إلى تواتر، وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدّثين وغيرهم، كما ستراه إن شاء الله تعالى. ولقد ضل بسبب هذا القول قوم فصاروا يقرءون أحرفا لا يصح لها سند أصلا، ويقولون: التواتر ليس بشرط (8)، وإذا طولبوا بسند صحيح لا يستطيعون ذلك، ولا بد لهذه المسألة من (9) بعض بسط فأقول (10):
[إن] (1) القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة- منهم الغزالى (2) وصدر الشريعة (3) وموفق الدين المقدسى (4) وابن مفلح (5) والطوفى (6) -: هو ما نقل بين دفتى المصحف نقلا متواترا.
وقال غيرهم: هو الكلام المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة (1) منه. وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر، كما قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى، للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله.
والقائلون بالأول لم يحتاجوا للعادة؛ لأن التواتر عندهم جزء من الحد؛ فلا يتصور (2) ماهية القرآن إلا به، وحينئذ فلا بد من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة، ولم يخالف منهم أحد فيما علمت بعد الفحص الزائد، وصرح به جماعات (3) لا يحصون:
كابن عبد البر (4) وابن عطية (5) وابن تيمية (6) والتونسى فى تفسيره والنووى والسبكى (1) والإسنوى والأذرعى (2) والزركشى (3) والدميرى (4) والشيخ خليل (5) وابن الحاجب وابن عرفة (1) وغيرهم، رحمهم الله.
وأما القراء فأجمعوا فى أول الزمان على ذلك، وكذلك (2) فى آخره، ولم يخالف من المتأخرين إلا أبو محمد مكى، وتبعه بعض المتأخرين وهذا كلامهم:

قال الإمام [العالم] (3) العلامة برهان الدين الجعبرى فى «شرح الشاطبية»: ضابط كل قراءة تواتر نقلها، ووافقت (4) العربية مطلقا، ورسم المصحف ولو تقديرا، فهى من الأحرف السبعة، وما لا تجتمع (5) فيه فشاذ.
وقال فى قول الشاطبى (6):
ومهما تصلها مع أواخر سورة ... ... ... ...
وإذا تواترت القراءة علم كونها (7) من الأحرف السبعة.
وقال أبو القاسم الصفراوى (8) فى نهاية «الإعلان»: اعلم أن هذه السبعة أحرف (9) والقراءات المشهورة نقلت تواترا، وهى التى جمعها عثمان فى المصاحف وبعث (1) بها إلى الأمصار، وأسقط ما لم يقع الاتفاق على نقله ولم ينقل تواترا، وكان ذلك بإجماع من الصحابة (2).
ثم قال: فهذه أصول وقواعد تستقل (3) بالبرهان على إثبات القراءات السبعة، والاعتماد عليها والأخذ بها، وطرح (1) ما سواها.
وقال الدانى- رحمه الله-: وإن القراء السبعة ونظائرهم من الأئمة متّبعون فى [جميع] (2) قراءاتهم الثابتة عنهم التى لا شذوذ فيها، ومعنى «لا شذوذ فيها» ما قاله (3) الهذلى: ألا يخالف الإجماع.
وقال [الإمام أبو الحسن] (4) السخاوى- رحمه الله-[إن] (5) الشاذ مأخوذ من قولهم:
شذ الرجل يشذ، ويشذ، شذوذا، إذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم، وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور، والذى لم يزل (6) عليه الأئمة الكبار [و] (7) القدوة فى جميع الأمصار من الفقهاء والمحدّثين وأئمة العربية: توقير القرآن، واتباع القراءة المشهورة، ولزوم الطرق المعروفة فى الصلاة وغيرها، واجتناب الشواذ (8)؛ لخروجها (9) عن إجماع المسلمين، وعن الوجه الذى ثبت (10) به القرآن وهو التواتر.
وقال ابن مهدى (11): لا يكون إماما فى العلم من أخذ بالشاذ.
وقال خلاد بن يزيد الباهلى (12): قلت ليحيى بن عبد الله بن أبى مليكة (13): إن نافعا حدثنى عن أبيك عن عائشة (14) - رضى الله عنها- أنها كانت تقرأ تَلَقَّوْنَهُ [النور: 15]
وتقول: إنما هو ولق الكذب، فقال يحيى: ما يضرك ألا تكون سمعته (1) من عائشة، نافع ثقة على أبى، وأبى ثقة على عائشة، وما يسرنى أنى قرأتها هكذا (2) ولي كذا وكذا. قلت:
ولم وأنت تزعم (3) أنها قالت؟ قال: لأنه (4) غير قراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين ما كان (5) بيننا وبينه إلا التوبة أو نضرب عنقه، نجيء (6) به عن الأئمة عن الأمة عن النبى صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل وتقولون [أنتم] (7): حدثنا فلان الأعرج (8) عن فلان الأعمى، ما أدرى ماذا؟ وقال (9) هارون: ذكرت ذلك لأبى عمرو- يعنى القراءة المعزوة إلى عائشة- فقال: قد سمعت قبل أن تولد، ولكنا لا نأخذ به (10).
وقال محمد بن صالح (11): سمعت رجلا يقول لأبى عمرو: كيف تقرأ: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [الفجر: 25، 26]؟ قال: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. فقال (12) الرجل: كيف وقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ فقال [له] (13) أبو عمرو: ولو سمعت الرجل الذى قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم، ما أخذته (14) عنه، وتدرى لم ذلك (15)؟
لأنى أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به الأمة.
فانظر هذا الإنكار العظيم من أبى عمرو شيخ وقته فى القراءة (16) والأدب، مع أن القراءة (17) ثابتة أيضا بالتواتر، وقد يتواتر الخبر [أيضا] (18) عند قوم دون قوم،
وإنما أنكرها أبو عمرو؛ لأنها لم تبلغه على وجه التواتر.
وقال أبو حاتم (19) السجستانى (20): أول من تتبع بالبصرة وجوه القرآن وألفها، وتتبع الشواذ (1) منها [فبحث] (2) عن إسنادها (3)، هارون بن موسى الأعور، وكان من القراء، فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء (4) حين ألفها؛ وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرون وأمة [عن أفواه أمة] (5)، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء ذلك (6). وقال الأصمعى (7) عن هارون المذكور: كان ثقة مأمونا.
فانظر يا أخى- رحمك الله تعالى- حرص المتقدمين على كتاب الله تعالى والتزام نقل الأمة، حتى يقول أبو عمرو: لو (8) سمعت الرجل الذى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخذته (9). وكان إجماعهم منعقدا على هذا حتى أنكروا كلهم [على] (10) من ألفه مع اشتهار ثقته وعدالته، وأحبوا أن يضرب على ذلك، مع أنه جائز عند المتأخرين اتفاقا.
وأما أبو شامة فقال فى «شرحه للشاطبية»: «وذكر المحققون من أهل العلم [بالقراءة] (11) ضابطا حسنا فى تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح، فقالوا: كل قراءة ساعدها خطّ المصحف، مع صحة النقل فيها، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهى قراءة صحيحة معتبرة (12)، فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة ضعيفة (13)، وأشار إلى ذلك الأئمة المتقدمون، ونص على ذلك أبو محمد مكى فى تصنيف له مرارا، وهو الحق الذى لا محيد عنه، على تفصيل فيه (14) قد ذكرناه فى موضع غير هذا». انتهى.
وكلامه صريح كما ترى فى أنه لم يجد نصّا بذلك لغير أبى محمد مكى، وحينئذ يجوز أن يكون الإجماع انعقد قبله، بل هو الراجح؛ لما تقدم من اشتراط الأئمة ذلك كأبى عمرو ابن العلاء وأعلى منه، بل [هو] (1) الحق الذى لا محيد عنه، وكلام الأئمة المتقدم ليس فيه إشارة إلى شىء من ذلك، إنما فيه (2) التشديد العظيم؛ مثل قولهم: إنما هو والله ضرب العنق أو التوبة (3).
ولو سلم عدم انعقاد (4) الإجماع فلا يدل على الاكتفاء بثقة [عن] (5) ثقة فقط، بل كل من تبعه قيد (6) كلامه بأنه لا بد مع ذلك أن (7) تكون مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم، فعلى هذا لا يثبت القرآن (8) [بمجرد صحة السند؛ لأنه مخالف لإجماع المتقدمين والمتأخرين] (9).

فصل: إذا تقرر ما تقدم (10) علم أن الشاذ عند الجمهور: هو ما ليس بمتواتر، وعند مكى (11) ومن وافقه: هو (12) ما خالف (13) الرسم أو العربية (14)، ونقل ولو بثقة عن ثقة، أو وافقهما (15) ونقل (16) بغير ثقة، أو بثقة لكن لم يشتهر.
وأجمع الأصوليون والفقهاء والقراء وغيرهم على القطع بأن الشاذ ليس بقرآن؛ لعدم صدق حد القرآن عليه بشرطه (17): وهو التواتر، صرح بذلك الغزالى، وابن الحاجب فى كتابيه (18)، والقاضى عضد الدين (19) وابن الساعاتى (20) والنووى، [وغيره ممن لا فائدة فى عده (1) لكثرته، وكذلك] (2) السخاوى فى «جمال القراء».



شرح طيبة النشر للنويري (1/ 127)
فصل فى حصر المتواتر (3) [فى العشر] (4)
أجمع (5) الأصوليون والفقهاء على أنه لم يتواتر شىء مما زاد على القراءات العشرة، وكذلك (6) أجمع عليه القراء أيضا إلا من لا يعتد بخلافه.
قال الإمام [العلامة] (7) شمس الدين بن الجزرى- رحمه الله- فى آخر الباب الثانى من «منجده»: فالذى (8) وصل إلينا متواترا (9) صحيحا (10) [أو] (11) مقطوعا به قراءة الأئمة العشرة ورواتهم المشهورين، هذا الذى تحرر من أقوال العلماء، وعليه الناس اليوم بالشام والعراق ومصر.
وقال فى أوله أيضا بعد أن قرر شروط القراءة: والذى جمع فى زماننا الأركان الثلاثة هو قراءة الأئمة (12) العشرة، التى (13) أجمع الناس على تلقيها. ثم عدّدهم (14)، ثم قال: وقول من قال: إن القراءات المتواترة لا حد لها، إن أراد فى زماننا فغير صحيح؛ لأنه لم يوجد اليوم قراءة متواترة وراء العشر (15)، وإن أراد فى الصدر الأول فيحتمل إن شاء الله تعالى.
وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح (16): فما لم يوجد فيه ذلك كما عدا السبع (17) أو كما عدا العشر (1)، يشير (2) إلى التواتر (3) وما معه.
وقال العلامة تاج الدين السبكى- رحمه الله تعالى-: والصحيح أن الشاذ: ما وراء العشر (4)، ومقابله أنه: ما وراء السبع، وهذا- أعنى حصر (5) المتواتر (6) فى السبع- هو الذى [عليه] (7) أكثر الشافعية، صرح بذلك النواوى فى «فتاويه» [وغيرها] (8)، وهو الذى اختاره (9) [الشيخ] (10) سراج الدين البلقينى (11) وولده (12) جلال الدين، وهو الذى أفتى (13) علماء العصر الحنفية [به] (14)، وهو ظاهر (15) كلام ابن عطية والقرطبى (16)، فإنهما قالا: ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبع، وبها يصلى؛ لأنها ثبتت بالإجماع، وأما شاذ القراءة فلا يصلى به؛ وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه والله أعلم.
وقال [الإمام] (1) أبو شامة: واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرة المجمع عليها قد انتهت إلى القراء السبع، واشتهر نقلها عنهم؛ لتصديهم لذلك، وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر [فى كل علم] (2) من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدى بهم وعول فيها عليهم، والله أعلم.




شرح طيبة النشر للنويري (1/ 129)
فصل فى تحريم القراءة بالشواذ
اعلم أن الذى استقرت عليه المذاهب وآراء العلماء أنه إن قرأ بها غير معتقد أنها قرآن، ولا موهم (3) أحدا ذلك، بل لما فيها (4) من الأحكام الشرعية عند من يحتج بها أو [الأحكام] (5) الأدبية (6) - فلا كلام فى جواز قراءتها (7)، [وعلى هذا يحمل] (8) حال كل (9) من [قرأ بها] (10) من المتقدمين، وكذلك [أيضا] (11) يجوز تدوينها فى
الكتب والتكلم على ما فيها.
وإن قرأها باعتقاد (12) قرآنيّتها [أو بإيهام قرآنيتها] (13) حرم ذلك. ونقل ابن عبد البر فى «تمهيده» إجماع المسلمين عليه.
وقال الشيخ محيى الدين النووى










مدخل في علوم القراءات (ص: 49)
المؤلف: السيد رزق الطويل (المتوفى: 1419هـ)
الشرط الأول: السند المتواتر
يرى جمهور العلماء من الأصوليين، وفقهاء المذاهب الأربعة، والمحدثين، والقراء أن شرط القراءة الصحيحة هو التواتر، ولا تثبت بالسند الصحيح غير المتواتر.
والقراءة التي تكتب بسند غير متواتر لا تسمى قرآنًا ولا يقرأ بها؛ لأن من تعريف العلماء للقرآن قولهم: "المنقول إلينا بالتواتر"1.
والتواتر: هو نقل جماعة عن جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى منتهاه2.
يقول النويري: عدم اشتراط التواتر قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين، وغيرهم لأن القرآن -عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة هو ما نقل بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا، وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر، كما قال ابن الحاجب، وحينئذ فلا بد من التواتر عند الأئمة الأربعة، صرح بذلك جماعات كابن عبد البر، وابن عطية، والنووي، والزركشي، والسبكي، والإسنوي، والأذرعي، وعلى ذلك أجمع القراء، ولم يخالف من المتأخرين إلا مكي، وتبعه بعضهم3.
ومن عبارة النويري التي نقلها الدمياطي ما يفيد أن بعض القراء المتأخرين ومنهم مكي ومن تبعه لا يشترطون التواتر مثل ابن الجزري.
وفي تقديري أن نسبة هذا القول لمكي، وعده من المتأخرين حكم غير دقيق.
وكذلك الأمر بالنسبة لابن الجزري الذي هو من المتأخرين فعلًا توفي 833 هـ.
أما مكي فقد عاش النصف الثاني من القرن الرابع، وأدرك الثلث الأول من القرن الخامس "355- 437" وهو أبعد ما يكون عما نسب إليه لأمور:
__________
1 إرشاد الفحول للشوكاني ص29.
2 الكفاية في علم الرواية للبغدادي ص50.
3 إتحاف فضلاء البشر ص6.


مدخل في علوم القراءات (ص: 50)
أولها: أنه في وصف القراءة المقبولة قال: "أن ينقل عن الثقات"1 ولفظ الجمع هنا كاف في الدلالة على قصد التواتر.
ثانيها: أنه قسم ما روى من القراءات على ثلاثة أقسام:
قسم يقرأ به، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال، وذكر الشروط الثلاثة التي أسلفناها.
والقسم الثاني: ما صح نقله في الآحاد، وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين2:
إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.
والثانية: أنه مخالف لما أجمع عليه، فلا يقطع على مغيبه وصحته.
والقسم الثالث: ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية3، فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف4 من خلال هذا التقسيم نرى مكيًّا لا يأخذ القرآن بخبر الآحاد، وهو إن قبل القراءة يمنع القراءة بها.
ثالثها: أنه ثبت عن مكي قوله: وما خالف خط المصحف أيضًا.
__________
1 الإبانة ص51.
2 من شواهد هذا النوع قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِين" رواها إسماعيل القاضي في كتابه: القراءات راجع الإبانة ص54.
3 مثال ما نقله غير ثقة. "وكذلك ننجيك ببدنك" [يونس: 92] قرأ ابن.......، وأبو السيل: نحنيك" ومثال ما نقله ثقة، ولا وجه له في العربية ووافق خط المصحف: "فتوبوا إلى بارئْكم، إن الله يأمرْكم" بالإسكان لهمزة "بارئْكم"، وراء "يأمرْكم" النشر ج1 ص10.
4 الإبانة ص51، 52.


مدخل في علوم القراءات (ص: 51)
هو من السبعة إذا صحت روايته ووجهه في العربية، ولم يضاد معنى خط المصحف، لكن لا يقرأ به، إذ لا يأتي إلا بخبر الآحاد ولا يثبت قرآن بخبر الآحاد، وإذ هو مخالف للمصحف المجمع عليه، فهذا الذي نقول به ونعتقده، وقد بيناه كله1.
تشير هذه العبارة بوضوح إلى وجهة مكي في هذه الناحية، وأنه لا يعتد بالقراءة إلا بسند متواتر.
وبناء على هذا فإن عبارته التي تقول: القراءة الصحيحة ما صح سندها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وساغ وجهها في العربية، ووافقت خط المصحف"2 لا تعني أنه لا يقول بشرط التواتر.
وأما ابن الجزري:
فنسب إليه أنه لا يقول بناء على نظمه في الطيبة؛ وعبارته وإن لم نشر للتواتر لكنها لم تنص على أنه غير شرط، وظروف الناظم تختلف عن ظروف الذي يدون العلم نثرًا، حيث يتحرى العبارة الدقيقة بعيدًا عن قيود النظم والقافية. على أن عبارته في كتابه منجد المقرئين ترفع الإيهام والاتهام، إذا اشترط التواتر في قبول القراءة الصحيحة3.
__________
1 المرجع السابق ص56.
2 الإبانة ص39ط دمشق.
3 راجع منجد المقرئين ص91- تحقيق د. عبد الحي فرماوي.