بسم الله الرحمن الرحیم
فهرست مباحث علوم قرآنیبسم الله الرحمن الرحیم
سلام علیکم و رحمة الله
در مقدمه تبیان می نویسد: و المقصود من هذا الکتاب علم معانیه و فنون أغراضه و أما الکلام فی زیادته و نقصانه فمما لا یلیق به ایضا؛ لأن الزیادة فی مجمع علی بطلانها و النقصان منه فالظاهر أِیضا من مذهب المسلمین خلافه، و هو الألیق بالصحیح من مذهبنا و هو الذی نصره المرتضی (ره) و هو الظاهر فی الرویات ...
با مراجعه به عبارات مجمع البیان در فن خامس که می نویسد: و من ذلک الکلام فی زیادة القرآن و نقصانه فإنه لا یلیق بالتفسیر .... وهو الذی نصره المرتضی قدس الله روحه و استوفی الکلام فیه غایة الاستیفاء فی جواب المسائل الطرابلسیات.. معلوم می شود که مراد از فرمایش سید مرتضی (ره) در مقدمه تبیان، مطالبی است که در المسائل الطرابلسیات آورده اند.
در مسائل الطرابلیسات که حدود 50 صفحه مطالب عالی که در عدم تحریف و تواتر قرائات اورده اند می نویسند: فإن قیل فما قولکم فی القراءات المختلفة و الحروف المتباینة التی قرأ بها القراء و معانی أکثرها متضادة و مختلفة؟ ... إن قلتم أن القرآن نزل بالجمیع فکیف یکون ذلک مع التضاد و الاختلاف و زیادة الحروف و نقصانها و الاختلاف فی الإعراب و تباینه؟
قلنا: لیس یمتنع أن یکون الله علم من مصلحة المکلفین أن یدرسوا القرآن و یقرؤوه علی هذه القراءات المختلفة و أن المصلحة فی کل ذلک مساویة فجعلهم مخیرین فیما المصلحة فیه متفقة فأباح النبی صلی الله علیه و آله أمته هذه القراءات المختلفة و ان المصلحة لهذا الوجه ...
فإن قیل: إذا کان تعالی المتکلم بالقرآن فلابد عند افتتاح إحداثه من أن تکلم به علی بعض الحروف و القراءات المختلفة لأن الجمع بین الکل محال فی لفظ واحد و إذا کان منزلا علی بعض هذه الوجوه و الحروف فیجب فیمن تلاه علی غیر ذلک الوجه و بغیر ذلک الحرف أن لا یکون حاکیا لکلام الله تعالی و لا مؤدیا للفظه و فی هذا ما تعلمون.
قلنا: الواجب أن یقال فی هذا الباب أنه تعالی إذا کان قد أباحنا القراءات المختلفة و الحروف المتباینة و ثبت أیضا أن کل قارئ بحرف من هذا حاک لکلام الله تعالی و مؤدّ للفظه فلابد من أن یکون الله تعالی فی ابتداء إحداثه لهذا القرآن قد تکلم به إما فی حال واحدة أو أحوال متغایرة عل هذا الوجوه کلها و الحروف حتی یتم القوال مع إباحته تعالی القراءة بأی شیء شئناه من هذه الحروف بأن یکون القارئ بکل واحد منها حاکیا لکلامه و مؤدیا لمثل لفپظه و إلا فلا یجوز أن یکون من قرأ "فتبینوا" بالنون لکلام من قال> "فتثبوا" و لیس هذا بنمکر ... (المسائل الطرابلیسات: 203 تا 254)
این بیان، بیان عالی برای جواب از وحدت شخصیه قران در کلام آقا رضا همدانی (ره) نیز می تواند باشد.
[4-] الاحتجاج بالقراءات
القرآن: «هو الوحي المنزل للإعجاز و البيان، و القراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، أو كيفيّتها من تخفيف و تشديد و غيرهما» «6».
و القراءات القرآنية مصدر مهمّ من مصادر دراسة اللغة العربية، و هي بلا شكّ تعد ثروة أغنت الدرس اللغوي بظواهر لغوية متعدّدة، و لا سيّما ما يتعلّق منها بالأصوات و الصرف و النحو و الدلالة، لذلك عني بها أصحاب المعاني و المفسّرون و اللغويّون سواء أ كانت هذه القراءات مشهورة أم غير مشهورة.
و قد اختلف العلماء في القراءات القرآنية من حيث التواتر و عدمه، فالجمهور
__________________________________________________
(1) أمالي المرتضى، 1: 377.
(2) سورة التكوير، الآيتان: 8- 9.
(3) سورة الأنعام، الآية: 151.
(4) أمالي المرتضى، 2:- 281- 282، و ينظر معاني القرآن، 5: 290.
(5) ينظر اللغة العربية معناها و مبناها: 342.
(6) اتحاف فضلاء البشر، الدمياطي: 5.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 93
من علماء أهل السنّة اتّفقوا على تواتر القراءات السبع «1»، و اختلفوا في قراءة الثلاثة الزوائد على السبعة، و هم: أبو جعفر و يعقوب، و خلف في اختياره «2»، و اتّفقوا على شذوذ قراءة من زاد على العشرة «3» و يفهم من كلام بعض علماء أهل السنّة عدم التواتر سواء أ كانت القراءة من السبعة أم عمن هو أكبر منهم، قال ابن الجزري (ت 833 ه): كلّ قراءة وافقت العربية و لو بوجه، و وافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمالا، و صحّ سندها فهي القراءة الصحيحة الّتي لا يجوز ردّها، و لا يحلّ إنكارها بل هي من الأحرف السبعة الّتي نزل بها القرآن، و وجب على الناس قبولها سواء أ كانت عن الأئمّة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمّة المقبولين، و متى اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة اطلق عليها ضعيفة، أو شاذّة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم» «4».
__________________________________________________
(1) القراء السبعة هم:
- ابن عامر، أبو عمران عبد اللّه بن عامر، إمام أهل الشام (ت 118 ه).
- ابن كثير، عبد اللّه بن عمرو بن عبد اللّه، من قراء مكّة (ت 120 ه).
- عاصم، أبو بكر بن أبي النجود، (ت 127 ه) على الأرجح.
- أبو عمرو بن العلاء، زبان بن العلاء بن عمّار، كان إمام البصرة (ت 154 ه).
- حمزة، حمزة بن حبيب الزيّات، يكنّى بأبي عمارة (ت 156 ه).
- نافع، نافع بن أبي النعيم المدني، انتهت إليه رئاسة القراءة بالمدينة (ت 169 ه).
- الكسائي، عليّ بن حمزة بن عبد اللّه، انتهت إليه رئاسة الاقراء بالكوفة بعد حمزة الزيّات (ت 189 ه).
ينظر الغاية في طبقات القرّاء، 1: 424، 1: 443، 1/ 346- 349، 1: 263 و 330، 15:
535، و لطائف الإشارات، 1- 98: 99، و كتاب السبعة في القراءات: 53، و ما بعدها، و معجم القراءات القرآنية، 1- 81: 89.
(2) أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي تابعي مشهور (ت 130 ه) على الأصح.
أبو محمّد يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري إمام اهل البصرة (ت 205 ه).
أبو محمّد خلف بن هشام (ت 229 ه).
ينظر الغاية في طبقات القرّاء، 2: 282، 2: 386، 1: 276 و لطائف الإشارات، 1- 97:
98، و معجم القراءات القرآنية، 1- 92: 93.
(3) اتحاف فضلاء البشر: 9.
(4) النشر في القراءات العشر، 1: 9.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 94
فهذا النصّ لا يوجب اختصاص التواتر و الصحّة بالسبعة أو العشرة دون غيرهما. و معنى قوله: «وافقت العربية ...» أي موافقة القراءات للقواعد النحوية المستقاة من النطق العربي الفصيح، و لا يرى بعض اللغويين ضرورة لهذا الشرط لأنه أمر متحقّق لا محالة حين يتحقّق شرط الرواية أو صحّة السند «1».
أما الإمامية فقد قالوا بعدم تواتر القراءات، و تمسّكوا بالقول الّذي يروي عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد» «2»، و أشار الشيخ الطوسي رحمه اللّه إلى هذا المعنى بقوله: «اعلموا أن العرف من مذهب أصحابنا و الشائع من أخبارهم و رواياتهم أن القرآن، نزل بحرف واحد على نبيّ واحد. غير أنهم اجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء، و أن الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء قرأ» «3».
و لذا فلا حجّة عندهم للقراءات في الاستدلال على الحكم الشرعي و لكنّهم لم يغفلوا العناية بها و توجيهها و الاحتجاج بها في ترجيح المعاني القرآنية. و تبدو عناية المرتضى بالقراءات القرآنية واضحة في بحثه التفسيري، فهو يحتجّ بها في بيانه لدلالة النصّ القرآني، و يرجح قراءة على أخرى، و يشير إلى اختلاف القراءات و من قرأ بها و علاقتها باللغة و النحو، ذاكرا ما يترتّب على اختلاف القراءة على المعنى. و يمكن لنا بيان ذلك من خلال الآتي:
وقف المرتضى عند قوله تعالى: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ «4»، و نراه يتساءل: كيف يجوز أن يخاطب الجماعة بالقتل و القاتل واحد؟ و في الجواب يذكر المرتضى أن اسلوب إخراج الخطاب مخرج ما يتوجّه إلى الجميع مع أن القاتل واحد فعلى عادة العرب في خطاب الأبناء بخطاب الآباء و الأجداد، «فيقول أحدهم: فعلت بنو تميم كذا، و قتل بنو فلان فلانا،
__________________________________________________
(1) ينظر البحث اللغوي عند العرب: 23.
(2) أصول الكافي، كتاب فصل القرآن، باب النوادر، الرواية: 12، و ينظر البيان في تفسير القرآن، آية اللّه العظمى السيّد أبو القاسم الخوئي: 193.
(3) التبيان في تفسير القرآن، 1: 7.
(4) سورة البقرة، الآية: 72.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 95
و إن كان القاتل و الفاعل واحدا من بين الجماعة، و منه من قرأ: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ «1» بتقديم المفعولين على الفاعلين، و هو اختيار الكسائي، و أبي العبّاس ثعلب، فيقتل بعضهم و يقتلون، و هو أبلغ في وصفهم و أمدح لهم، لأنهم إذا قاتلوا و قتلوا بعد أن قتل بعضهم كان ذلك أدل على شجاعتهم» «2».
و قد قرأ كلّ من حمزة و الكسائي و خلف: فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ، بضمّ الياء و فتح التاء في الحرف الأوّل، و فتح الياء و ضمّ التاء في الحرف الثاني، أي ببناء الأوّل للمفعول و الثاني للفاعل. و الباقون: فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ، بفتح الياء و ضمّ التاء في الحرف الأوّل، و ضمّ الياء و فتح التاء في الحرف الثاني، أي ببناء الأوّل للفاعل و الثاني للمفعول، لأن القتال قبل القتل «3». و قد علل الدمياطي (ت 1117 ه) قراءة حمزة و الكسائي بقوله: «أما لأن الواو لا تفيد الترتيب أو يحمل ذلك على التوزيع، أي منهم من قتل و منهم من قاتل» «4». و القول الثاني غير بعيد عن قول الشريف المرتضى.
و من مواطن احتجاجه بالقراءات هو ما أشار إليه في بيانه لدلالة قوله تعالى:
قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «5»، فقد ذكر قول بعض المفسّرين:
إنّ الهاء في قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ راجعة إلى السؤال، و المعنى أن سؤالك إيّاي ما ليس لك به علم عمل غير صالح؛ لأنه قد وقع من نوح عليه السّلام السؤال و الرغبة في قوله: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ «6»، و لكن الشريف المرتضى الّذي يقول بعصمة الأنبياء عليهم السّلام يرفض هذا القول، و يرى أن الهاء في الآية لا يجب أن تكون راجعة إلى السؤال، بل إلى الابن، «و يكون تقدير
__________________________________________________
(1) سورة التوبة، الآية: 111.
(2) أمالي المرتضى، 2: 224.
(3) ينظر الروضة في القراءات الإحدى عشرة: 567، و النشر في القراءات العشر، 2: 246، و اتحاف فضلاء البشر: 184 و 245.
(4) اتحاف فضلاء البشر: 184.
(5) سورة هود، الآية: 46.
(6) سورة هود، الآية: 45.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 96
الكلام: إنّ ابنك ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه» «1».
و يحتجّ المرتضى لهذا التوجيه بقراءة: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ بكسر الميم و فتح اللام و نصب غير، فيقول: و قد قرأت هذه الآية بنصب اللام و كسر الميم و نصب غير، و مع هذا القراءة لا شبهة في رجوع معنى الكلام إلى الابن دون سؤال نوح عليه السّلام «2». و يذكر المرتضى أن هناك من ضعف هذه القراءة و قال: «كان يجب أن يقول أنه عمل عملا غير صالح، لأن العرب لا تكاد تقول: هو يعمل غير حسن، حتّى يقولوا: عملا غير حسن» «3»، و يرفض المرتضى هذا الرأي و يرده بقوله: «و ليس هذا الوجه بضعيف، لأن من مذهبهم الظاهر إقامة الصفة مقام الموصوف عند انكشاف المعنى و زوال اللبس، فيقول القائل: قد فعلت صوابا و قلت حسنا، بمعنى فعلت فعلا صوابا ... و قال عمر بن أبي ربيعة» «4».
أيّها القائل غير الصواب أخر النصح و أقلل عتابي «5»
و قد قرأ الكسائي و يعقوب بكسر الميم و فتح اللام، و نصب غير مفعولا به أو نعتا لمصدر محذوف، أي عملا غير [صالح]، و الباقون بفتح الميم و رفع اللام منونة «إنّه عمل غير صالح»، على أنه خبران، و غير بالرفع صفة على معنى ذو عمل «6».
أما من جعل الضمير عائدا إلى السؤال المفهوم من النداء، فإنّه يحمل الكلام على أن نوحا عليه السّلام صدر منه ما أوجب نسبة الجهل إليه، و هذا لا يجوز
__________________________________________________
(1) تنزيه الأنبياء: 23.
(2) تنزيه الأنبياء: 24.
(3) نفسه: 23.
(4) ديوانه: 31، و الرواية فيه:
أيّها القائل غير الصواب أخر النصح و أقلل عتابي
(5) تنزيه الأنبياء: 23.
(6) ينظر اتحاف فضلاء البشر: 257- 256، و الحجّة في القراءات: 187، و الروضة في القراءات الاحدى عشرة: 579، و النشر في القراءات العشر، 2: 289.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 97
في حقّ الأنبياء عليهم السّلام، «و فيه خطر عظيم ينبغي تنزيه الرسل عنه «1». و لذا رفضه الشريف المرتضى و ضعفه الزمخشري، إذ قال: «قيل الضمير لنداء نوح: أي نداؤك هذا عمل غير صالح، و ليس بذاك» «2».
و لا يكتفي المرتضى بالاحتجاج بالقراءات بل إنّه- و في أغلب الأحيان- يتوسّع في القراءة و يذكر اختلاف القراء و حجّة كلّ قراءة، و عني خاصّة بتوجيه القراءات المشهورة (السبع) و بيان حججها و عللها و ذكر طرفها، ففي قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ «3»، يشير السيّد المرتضى إلى اختلاف القرّاء السبعة في رفع الراء و نصبها في قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ، فقال: قرأ حمزة و عاصم في رواية حفص: لَيْسَ الْبِرَّ بنصب الراء، و روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يقرأ بالنصب و الرفع، و قرأ الباقون بالرفع، و الوجهان جميعا حسنان؛ لأن كلّ واحد من الاسمين: اسم ليس و خبرها معرفة، فإذا اجتمعا في التعريف تكافئا في جواز كون أحدهما اسما و الآخر خبرا «4». ثمّ ذكر المرتضى حجّة كلّ فريق فقال: «و حجّة من رفع «البرّ» أنه: لأن يكون «البرّ» الفاعل أولى، لأنه «ليس» يشبه الفعل، و كون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده ... و حجّة من نصب «البرّ» أن يقول: كون الاسم أن وصلتها أولى لشبهها بالمضمر ... فكأنّه اجتمع مضمر و مظهر، و الأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر» «5».
و لم يرجح المرتضى- هنا- احدى القراءتين، و هذا هو شأنه حين يجد لكلّ قراءة ما يقويها من الناحية اللغوية و الدلالية. و كان مكّي القيسي (ت 437
__________________________________________________
(1) اتحاف فضلاء البشر: 257.
(2) الكشّاف، 2: 273.
(3) سورة البقرة، الآية: 177.
(4) أمالي المرتضى 2- 206: 207، و ينظر كتاب السبعة في القراءات: 175، و الكشف عن وجوه القراءات، 1- 280: 281، و الروضة في القراءات الاحدى عشر: 452، و النشر في القراءات العشر، 2: 226، و اتحاف فضلاء البشر: 153.
(5) أمالي المرتضى، 1: 207.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 98
ه) يرجح قراءة الرفع و يحتجّ لها بقوله تعالى: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها «1»، و في هذا يقول: «و يقوى رفعه، رفع «البرّ» الثاني، الّذي معه الباء إجماعا في قوله: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا و لا يجوز فيه إلّا رفع «البرّ» فحمل الأوّل على الثاني أولى من مخالفته» «2».
و وقف المرتضى عند قوله تعالى: إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ «3»، و في بيانه لدلالة الآية يذكر المرتضى أن اللّه سبحانه و تعالى إنّما أراد نفي تكذيبهم بقلوبهم تدينا و اعتقادا، و إن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب، لأنه قد كان في المخالفين له عليه السّلام من يعلم صدقه، و هو مع ذلك معاند، فيظهر خلاف ما يبطن «4». ثمّ يشير إلى قراءة الكسائي بقوله: و كان الكسائي يقرأ: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بالتخفيف و نافع من بين سائر السبعة، و الباقون على التشديد؛ و يزعم أن بين أكذبه و كذبه فرقا، و أن معنى أكذب الرجل، أنه جاء بكذب، و معنى كذبته أنه كذّاب في كلّ حديثه، و هذا غلط، و ليس بين «فعلت» و «أفعلت» في هذه الكلمة فرق من طريق المعنى أكثر ممّا ذكرناه من أن التشديد يقتضي التكرار و التأكيد ...» «5».
فالمرتضى- هنا- لا يرد قراءة فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بالتخفيف، أي سكون الكاف و تخفيف الذال، و لكنّه يرفض توجيه الكسائي لها، و لا يرى فرقا بين القراءتين أكثر من كون قراءة التشديد فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بفتح الكاف و تشديد الذال، تقتضي التكرار و التأكيد. و لعلّ قول الكسائي أن بين أكذبه و كذبه فرقا هو الأقرب إلى الواقع اللغوي، لأنّه لو لم يختلف المعنى لم تختلف الصيغة، إذ كلّ عدول عن صيغة إلى أخرى لا بدّ أن يصحبه عدول عن معنى إلى آخر إلّا إذا كان
__________________________________________________
(1) سورة البقرة، الآية: 189.
(2) الكشف عن وجوه القراءات، 1: 281، و ينظر التبيان في إعراب القرآن، 1: 143.
(3) سورة الأنعام، الآية: 33.
(4) ينظر أمالي المرتضى، 2: 264.
(5) أمالي المرتضى، 2: 267، و ينظر الروضة في القراءات الاحدى عشرة: 521، و الكشّاف، 2: 14، و النشر في القراءات العشر، 2:- 257: 258 و اتحاف فضلاء البشر: 207.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 99
ذلك لغة» «1». و قد فرق الراغب بين الصيغتين، فوجه الّتي بالتخفيف للدلالة على وجود الشيء، و بين أن معناه: «لا يجدونك كاذبا»، و وجه الّتي بالتشديد للدلالة على النسبة إلى الشيء، أي لا يستطيعون أن ينسبوك إلى الكذب، و عبّر عن هذا المعنى بقوله: «لا يستطيعون أن يثبتوا كذبك» «2».
و نجد الشريف المرتضى في بعض المواضع يرجح قراءة على أخرى، و يبدو أن شهرة القراءة من الأسباب الّتي تدعوه لترجيح قراءة على أخرى، و إن لم يلتزم ذلك. ففي قوله تعالى: وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى «3»، ذكر في معنى الآية وجوها منها: «أنّه أراد وجدك ضالّا عن النبوّة فهداك إليها، أو عن شريعة الإسلام الّتي نزلت عليه و أمر بتبليغها إلى الخلق» «4». ثمّ ذكر قراءة من قرأ بالرفع «و وجدك ضالّ فهدى»، على أن اليتيم وجده و كذلك الضال «5»، لكنّه ردّ هذا الوجه بقوله:
«و هذا الوجه ضعيف، لأنّ القراءة غير معروفة، و لأنّ هذا الكلام يسمج و يفسد أكثر معانيه» «6».
و قد جاء في تفسير القرطبي: «و في قراءة الحسن «و وجدك ضالّ فهدى»، أي وجدك الضالّ فاهتدى بك؛ و هذه قراءة على التفسير» «7».
و وقف المرتضى عند قوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ «8».
و يتساءل: ما أنكرتم أن تكون هذه الآية دالّة على أنه تعالى جعل الكافر كافرا؛ لأنه أخبر بأنه جعل منهم من عبد الطاغوت؛ كما جعل القردة و الخنازير؟
لكنّه يرفض هذا القول و يصرح بأنه ليس في ظاهر الآية ما ظنّوه، و أكثر ما
__________________________________________________
(1) معاني الابنية في اللغة العربية: 7.
(2) المفردات: 444 (كذب)، و ينظر معاني القرآن، 1: 331، و مشكل إعراب القرآن، 1: 251.
(3) سورة الضحى، الآية: 7.
(4) تنزيه الأنبياء: 134.
(5) نفسه: 135.
(6) نفسه: 137.
(7) تفسير القرطبي (جامع الأحكام)، 20: 99، و ينظر معجم القراءات القرآنية، 8: 182.
(8) سورة المائدة، الآية: 60.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 100
تضمّنته الأخبار بأنه خلق و جعل من يعبد الطاغوت كما جعل منهم القردة و الخنازير؛ و لا شبهة في أنه تعالى هو خلق الكافر، غير أن ذلك لا يوجب أنه خلق كفره و جعله كافرا «1». ثمّ يذكر قولا يرجحه و يقويه و هو: «يجوز أن يعطف «عبد الطاغوت» على الهاء و الميم في «منهم»، فكأنّه جعل منهم، و ممّن عبد الطاغوت القردة و الخنازير؛ و قد يحذف «من» في الكلام؛ قال الشاعر:
أ من يهجو رسول اللّه منكم و يمدحه، و ينصره سواء
أراد: و من يمدحه و ينصره» «2».
و على طريقته في المحاجّة و المجادلة يقول: «فإن قيل: فهبوا هذا التأويل ساغ في قراءة من قرأ بالفتح، أين أنتم عن قراءة من قرأ «و عبد» بفتح العين و ضمّ الياء، و كسر التاء من «الطاغوت»، و من قرأ «عبد الطاغوت» بضمّ العين و الباء» «3».
و يرد الشريف المرتضى هذا القول بحجّة أن المختار من هذه القراءة «عند أهل العربية كلّهم القراءة بالفتح، و عليها جميع القرّاء السبعة إلّا حمزة فإنّه قرأ: «عبد» بفتح العين و ضمّ الباء، و باقي القراءات شاذّة غير مأخوذ بها» «4».
و هذا يعني أن شهرة القراءة من الأسباب الّتي تدعوه إلى ترجيح قراءة على أخرى، و لكنّه لم يلتزم بهذا النهج، و لم تكن القراءات المشهورة كلّها عنده
__________________________________________________
(1) أمالي المرتضى، 2:- 180: 181.
(2) نفسه، 2: 182، و البيت لحسان بن ثابت، ينظر ديوانه: 9.
(3) أمالي المرتضى، 2: 182، و قد جاء في اتحاف فضلاء البشر، للدمياطي: 210، و اختلف في «عبد الطاغوت»، فحمزة بضمّ الباء و فتح الدال و خفض الطاغوت ... و عن الحسن فتح العين و الدال و سكون الباء و خفض الطاغوت، و عن الشنبوذي ضمّ العين و فتح الدالّ و خفض الطاغوت (جمع عبيد)، و الياقوت بفتح العين و الباء على أنه فعل ماض و نصب الطاغوت مفعولا به. و ينظر النشر في القراءات العشر، 2: 255.
(4) أمالي المرتضى، 2: 182. و قد أوصل ابن جنّي القراءات في هذه الآية إلى عشر قراءات، ينظر المحتسب، 1:- 214: 215، و التبيان في تفسير القرآن، 3- 573: 574، و الكشّاف، 1- 625: 626.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 101
بمستوى واحد، إذ نجده- أحيانا- يضعف القراءات المشهورة لأن ظاهرها يخالف قواعد اللغة، فهو حين وقف عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «1»، ذكر أنّ القراءة بالجرّ أولى من القراءة بالنصب «لأنّا إذا نصبنا الأرجل فلا بدّ من عامل في هذا النصب، فامّا أن تكون معطوفة على الأيدي، أو يقدر لها عامل محذوف، أو تكون معطوفة على موضع الجار و المجرور في قوله تعالى: وَ امْسَحُوا «2». و يرفض المرتضى أن تكون الأرجل معطوفة على الأيدي «لبعدها عن عامل النصب في الأيدي، و لأن إعمال الأقرب أولى من أعمال الأبعد» «3».
ثمّ يرفض أن تنصب بمحذوف مقدر لأنّه «لا فرق بين أن تقدر محذوفا هو الغسل، و بين أن تقدر محذوفا هو المسح، و لأن الحذف لا يصار إليه إلّا عند الضرورة» «4».
فأمّا حمل النصب على موضع الجار و المجرور، «فهو جائز و شائع إلّا أنّه موجب للمسح دون الغسل، لأنّ الرءوس ممسوحة، فما عطف على موضعها يجب أن يكون ممسوحا مثلها» «5». لكن المرتضى يعود و يرجّح أن تكون الأرجل معطوفة على لفظة «الرءوس»، لأنّ «إعمال أقرب العاملين أولى و أكثر في لغة القرآن و الشعر» «6». و هذا- كما يقول- «أولى من نصبها و عطفها على موضع الجار و المجرور، لأنه أبعد قليلا، فلهذا ترجحت القراءة بجر الأرجل على القراءة بنصبها» «7».
و قد قرأ نافع و ابن عامر و الكسائي «و أرجلكم» بنصب اللام عطفا على «أيديكم» و قرأ الباقون «و أرجلكم» بالخفض عطفا، على «رءوسكم» «8». و قد
__________________________________________________
(1) سورة المائدة، الآية: 6.
(2 و 3 و 4) رسائل الشريف المرتضى، 3: 163.
(5 و 6) نفسه، 3: 164.
(7) نفسه، 3: 164، و الانتصار: 21 و ما بعدها، و الناصريّات: 61 و ما بعدها.
(8) ينظر اتحاف فضلاء البشر: 198، و النشر في القراءات العشر، 2: 255.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 102
استحسن الطبري قراءة الخفض مؤثرا لها قائلا: «و أعجب القراءتين إلى أن أقرأها قراءة من قرأ خفضا» «1»، و قد أوّل جرّ لفظه «و أرجلكم» على أنها معطوفة على «رءوسكم»، لأن العطف على الرءوس مع قربه منه «أي من الأرجل» أولى من العطف على الأيدي، و قد فصّل بينه و بينها بقوله تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «2». و إلى هذا المعنى ذهب ابن هشام الأنصاري، فقد ذكر أن العطف لو كان على الوجوه و الأيدي للزم ذلك أن يفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية و هي: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ و إذا حمل العطف، أعني عطف الأرجل- على الرءوس لم يلزم الفصل بالأجنبي، و الأصل أن لا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلا عن جملة «3».
و ذكر المرتضى الرأي القائل: إنّ الأرجل إنّما انجرت بالمجاورة لا لعطفها في الحكم على الرءوس، ورد هذا القول لأسباب منها: ان الإعراب بالمجاورة شاذّ نادر ... و لا يجوز حمل كتاب اللّه عزّ و جلّ على الشذوذ الّذي ليس بمعهود و لا مألوف. و منها: انّ الإعراب بالمجاورة عند من أجازه إنّما يكون مع فقد حرف العطف ... و منها انّ الإعراب بالمجاورة إنّما استعمل في الموضع الّذي ترتفع فيه الشبهة و يزول اللبس ...» «4». و قد سبق أن اشار الزجاج إلى هذا التأويل، فقد أنكر أن تكون هذه اللفظة مجرورة على الجوار، و أبى أن يحمل عليه كتاب اللّه تعالى ذكره، متأوّلا جرّ لفظة «و أرجلكم» عطفا على «رءوسكم» «5». و أنكر النحاس الجرّ على الجوار، و عده غلطا عظيما في الكلام «6». و أنكره ابن خالويه، و حمله على الضرورة في الأمثال و الشعر «7».
و هناك من ارتضى الجرّ على الجوار، و من هؤلاء أبو عبيدة «8»، و أبو البقاء، إذ
__________________________________________________
(1) جامع البيان، 6: 84.
(2) جامع البيان، 6: 84.
(3) ينظر شرح شذور الذهب: 332.
(4) الانتصار: 21- 22.
(5) ينظر معاني القرآن، 2: 153، و نحو القرّاء الكوفيين: 125.
(6) ينظر إعراب القرآن، 2: 9.
(7) نظر الحجّة في القراءات: 129.
(8) ينظر مجاز القرآن، 1: 155.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 103
ذكر أن الجوار مشهور و أنه غير ممتنع أن يقع في القرآن الكريم «1». و مال إلى هذا الرأي الدكتور عبد الفتّاح الحموز «2».
و عناية الشريف المرتضى بالقراءات لا تقف عند القراءات المشهورة، بل نراه يذكر القراءات الشاذّة، و يحتجّ لها أو يعلّلها، ففي تفسيره لقوله تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها «3»، قال: «و روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ:
«أكاد أخفيها» فمعنى «أخفيها» على هذا الوجه أظهرها؛ قال عبدة بن الطبيب يصف ثورا «4».
يخفي التراب بأظلاف ثمانية في أربع مسهن الأرض تحليل
أراد أنه يظهر التراب و يستخرجه بأظلافه ...» «5».
و أعقب ذلك بقوله: «و قد روى أهل العربية: أخفيت الشيء يعني سترته، و أخفيته بمعنى أظهرته، و كأن القراءة بالضمّ تحتمل الأمرين: الإظهار و الستر، و القراءة بالفتح لا تحتمل غير الإظهار ...» «6».
و قد قرأ الحسن و سعيد بن جبير بفتح الهمزة «أخفيها»، و سائر القرّاء بالضمّ «أخفيها» «7» و واضح ان المرتضى يعدّ قراءة «اخفيها» بالضمّ من الاضداد و سبق ان أشرنا إلى قول ابن جني في هذه اللفظة فهو يرى ان «اخفيها» بالضمّ لا تحتمل غير معنى الإظهار، إذ قال في تأويل الآية: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ
__________________________________________________
(1) ينظر التبيان في إعراب القرآن، 1/ 422 ت 423.
(2) ينظر التأويل النحوي في القرآن الكريم، 1: 30- 31.
(3) سورة طه، الآية: 142.
(4) ينظر ديوانه: 71، و التحليل ضد التحريم، تقول: لم افعل ذلك إلّا تحلة القسم. أي القدر الّذي لا أحنث معه و أبالغ فيه. قال الخليل: «التحليل و التحلة من اليمين، حللت اليمين تحليلا و تحلة ... اشتق من تحليل اليمين ثمّ أجرى في سائر الكلمات ...».
و قوله: بأظلاف ثمانية في أربع: يريد ثمانية أظلاف في أربع قوائم في كلّ قائم ظلفان. ينظر العين، 3: 27 و حاشية محقّق الديوان: 71.
(5) أمالي المرتضى، 1: 333.
(6) نفسه، 1: 334.
(7) ينظر معاني القرآن، 2: 43. و مختصر شواذّ القراءات: 87، و الكشّاف: 2: 532.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 104
أُخْفِيها: تأويله و اللّه أعلم عند أهل النظر: أكاد أظهرها. و تلخيص حال هذه اللفظة: أي أكاد أزيل عنها خفاءها و خفاء كلّ شيء؛ غطاؤه ... فأخفيها في أنه «أزيل خفاءها»: بمنزلة قوله «لو أننا نشكيها»: أي نترك لها ما تشكوه «1»، و كأن ابن جني يرى الهمزة في قراءة «أخفيها» بالضمّ هي همزة سلب، ذلك بأن سلبت معنى الفعل الثلاثي و نقلته إلى المعنى المضاد «2»، فالضدية لا تعود إلى اللفظة ذاتها، و إنّما تعود إلى اختلاف الصيغة الصرفية بين «فعل و أفعل».
و خلاصة القول: انّ السيّد المرتضى قد اهتمّ بالقراءات و بيان حججها، و اختلافها و ذكر من قرأ بها، و علاقتها باللغة و النحو و الدلالة، و كان و هو يحتجّ بها يذكر من كلام العرب و الشواهد الشعرية ما يؤيّدها، فدلّ بذلك على علم بالقراءات و إحاطة بالمشهور منها و الشاذّ و كانت عنايته بالقراءات المشهورة أكثر، و الشهرة عنده سبب من أسباب قوّة القراءة عند الموازنة بينها- و إن لم يلتزم ذلك- كما رأينا ذلك في ترجيحه لقراءة وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى «3»، و قراءة وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ «4» بفتح العين و الباء.
و مع قوله بشذوذ طائفة من القراءات و عدم جواز القراءة بها، لا يغفل ما لبعض منها- الشاذّة- من اعتبارات و قيم معنوية و لغوية، و لا يهمل توجيهها و الاحتجاج لها، كما رأينا ذلك في توجيهه لقراءة سعيد بن جبير أَكادُ أُخْفِيها «5» بفتح الهمزة، و الاحتجاج لها بالشعر و تخريجها دلاليا.
و على الرغم من عناية المرتضى بالقراءات المشهورة، إلّا أن ذلك لم يمنع من الموازنة بينها و ترجيح بعضها على بعض من دون أن يعني هذا الترجيح إسقاط المرجوح و قبول الراجح وحده، فالمرتضى لم يقف عند توجيه القراءات المشهورة و بيان عللها و حجج القراء فيها فحسب، بل أبدى رأيه في طائفة منها، بترجيح بعضها على بعض، و اختيار ما رآه الأقوى منها، مستعينا على ذلك باللغة
__________________________________________________
(1) سرّ صناعة الاعراب، 1: 43.
(2) ينظر الاضداد في اللغة: 190.
(3) سورة الضحى، الآية: 7.
(4) سورة المائدة، الآية: 60.
(5) سورة طه، الآية: 15.
تفسير الشريف المرتضي، ج1، ص: 105
و الشواهد القرآنية و الشعرية، ناقلا أراء غيره و مبديا رأيه، و كأنه ينظر إلى قول ابن مجاهد «ما روي من الآثار في حروف القرآن، منها المعرب السائر الواضح، و منها المعرب الواضح غير السائر، و منها اللغة الشاذّة القليلة، و منها الضعيف المعنى في الإعراب ... و بكلّ قد جاءت الآثار» «1». و قد بنى المرتضى توجيهه و ترجيحه القراءات المشهورة على معايير متنوّعة أظهرها:
- معيار أسلوبي، كما رأينا ذلك في ترجيحه لقراءة فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ «2»، بتقديم المفعولين على الفاعلين؛ لأن ذلك- عنده- أبلغ في وصفهم و أمدح لهم، و أدل على شجاعتهم.
- و معيار عقلي، كما رأينا في توجيهه لقراءة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «3».
فالمرتضى الّذي يقول بعصمة الأنبياء عليهم السّلام يرى أن الهاء في الآية لا يجب أن تكون راجعة إلى السؤال بل إلى الابن، و يكون تقدير الكلام: إن ابنك ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه.
- و معيار نحوي، كما رأينا ذلك في ترجيحه لقراءة
وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [أقول:] «4» بجر لفظة وَ أَرْجُلَكُمْ.
- و معيار صرفي، كما رأينا ذلك في توجيهه لقراءة فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ «5»، بالتخفيف، حيث رفض قول الكسائي بأن بين أكذبه فرقا، فمعنى هذه اللفظة- عنده- مشددة يعود إلى معناها مخفّفة، لأنه- كما يقول- «ليس بين فعلت و أفعلت في هذه الكلمة فرق من طريق المعنى» «6».
*************
[ثبوت الشريعة و القرآن بالتواتر]
قال صاحب الكتاب: «و اعلم ان امثال هذه الشبهة «2» لا يجوز أن يكون مبتداها إلّا من ملحد طاعن في الدين لأنّها إذا صحّت وجب بطلان النبوّة و الامامة لانا إنّما نعلم بالتواتر كون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كون القرآن و وقوع التحدّي به، و انّه لم يقع من جهتهم معارضة، و به نعلم ثبوت الشرائع «3» و نسخ المنسوخ منها، و به نعلم أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاتم النبيّين، و ان شريعته ثابتة، و أنّه لا نبيّ معه و لا بعده [إلى غير ذلك] «4» فالطاعن في التواتر يريد التشكيك في جميع ما قدمناه ممّا بابطاله أو بابطال بعضه يبطل الدين، فكيف يعلم مع فساد التواتر القرآن و تميزه من غيره حتى يكون حجّة؟ و هذا القول أدّاهم إلى جواز الزيادة في القرآن و انها قد كتمت، ...» «5».
__________________________________________________
(1) خ «بجواز الكذب جواز الكتمان».
(2) غ «الشبه».
(3) غ «اثبات الشرائع».
(4) الزيادة من المغني.
(5) المغني 20 ق 1/ 82.
الشافى فى الإمامة، ج1، ص: 285
يقال له: أما التواتر فقد بيّنا أنّا لا نطعن عليه و لا نقدح فيه، بل هو عندنا من حجج اللّه تعالى على عباده، و أحد الطرق إلى العلم، فمن ظنّ علينا خلاف هذا، أو رمانا بابطاله فهو مبطل سرف «1» و الذي نذهب إليه من جواز الكتمان و العدول عن النقل على الناقلين لا يقتضي ابطال التواتر، و ترك العمل عليه إذا ورد على شرائطه، لأنّه إنما يكون حجّة إذا قام الرواة بأدائه و نقله، فأمّا إذا لم يفعلوا ذلك فقد سقطت الحجّة به، و جميع ما ذكره و جعل التواتر طريقا إليه من العلم بكون النبيّ و القرآن و وقوع التحدّي صحيح، و ليس بحجّة علينا، بل على من طعن على التواتر، و ذهب إلى أنّه ليس بطريق إلى العلم.
فأمّا عدم المعارضة و ادّعاؤه أنّ الطريق إلى فقدها «2» هو التواتر و ادخاله ذلك في جملة ما تقدم فطريف، لأنّ مثل هذا لا يعلم بالتواتر و لا يصح النقل فيه، و انّما يعلم فقد المعارضة من حيث علمنا توفر دواعي المخالفين إلى نقلها، و حرصهم على ذكرها و الاشارة بها، لو كانت موجودة، فاذا فقدنا الرواية لها مع قوّة الدواعي و شدّة البواعث قطعنا على نفيها.
و أمّا ثبوت الشرائع، و الناسخ و المنسوخ، و ما جرى مجراهما فنعلم من جهة التواتر ما وردت به الرواية المتواترة، و نعلم أنّ جميع الشرع و اصل إلينا من جهته و انه لم ينكتم عنّا منه شيء بالطريق الذي قدّمناه، و هو أن الامام المعصوم إذا كان موجودا في كلّ زمان و جرى في الشريعة ما قدرناه وجب عليه الظهور و البيان، و إيصال المكلّفين إلى العلم بما طواه
__________________________________________________
(1) السرف- بفتح السين و كسر الراء-: الجاهل، و السرف: الخطأ، و هي في الأصل «مشوّف» و لم يظهر معناها.
(2) الضمير للمعارضة.
الشافى فى الإمامة، ج1، ص: 286
الناقلون، فنعلم بفقد تنبيهه على الخلل الواقع في الشريعة عدم ذلك.
فأمّا القول بأنّ في القرآن زيادة كتمت و لم تنقل فلم يتعدّ الذاهبون إليه ما تناصرت به الروايات و اجمع عليه الرواة من نقل آي و ألفاظ كثيرة شهد جماعة من الصحابة أنّها كانت تقرأ في جملة القرآن و هي غير موجودة فيما تضمّنه مصحفنا و الحال فيما روي من ذلك ظاهرة «1»، و ليس المعقول فيما جرى مجرى النقل على من ليس من أهله ممّن يدفع باقتراح كلّ ما ثلم اعتقادا له أو خالف مذهبا يذهب إليه، و ليس يلزم لأجل هذا التجويز ما لا يزال يقوله لنا مخالفونا من الزامهم التجويز، لأن يكون في جملة ما لم
__________________________________________________
(1) كرواية مسلم في صحيحه 3/ 1317 في كتاب الحدود باب رجم الثيّب في الزنى عن ابن عباس، قال عمر بن الخطاب و هو جالس على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: إن اللّه بعث محمدا صلّى اللّه عليه و سلم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها و و عيناها و عقلناها، فرجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و رجمنا بعده، فاخشى إن طال بنا الزمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب اللّه فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللّه، و أنّ الرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا احصن من الرجال و النساء إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل، أو الاعتراف» فيكون هذا من باب ما نسخ رسمه و بقي حكمه، أو كما روي عن ابن مسعود انه كان إذا قرأ وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ يتبعها «بعلي» فيكون هذا من باب التوضيح و تبيين سبب النزول لا أنّها من نفس القرآن الكريم، و كلّ ما ورد من الروايات سواء كان من طريق أهل السنة أو الشيعة مرفوضة مردودة على رواتها لأن القرآن كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه، و قد تعهد سبحانه بحفظه لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً و كلّ من ادّعى غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، هذا غير القراءات التى لا تغيّر مباني الكلمات التي أذن اللّه بها على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله كما هو معروف بين المسلمين كافة، و للمزيد من الاطلاع يراجع «البيان» للامام الخوئي و عقائد الشيعة الإمامية للمظفر، و أصل الشيعة و أصولها لكاشف الغطاء و مراد المرتضى ان ذلك وارد لا أنه يعتقد صحته، و على كلّ حال فاجماع الأمة انّ من زعم أن شيئا ما بين الدفتين ليس من القرآن فهو خارج عن الملّة. و انظر الاتقان للسيوطي 1/ 101 و 120 و 2/ 40 و 41.
الشافى فى الإمامة، ج1، ص: 287
يتصل بنا من القرآن فرائض و سنن و احكام لأنا نأمن ذلك بالوجه الذي ذكرناه و عولنا عليه بالثقة بوصول جميع الشرع إلينا، و ليس الملحد المشكّك في الدّين من لم يجعل الامّة المختلفة المتضاربة «1» التي يجوز عليها الخطأ و الضّلال حجّة في حفظ الشرع و قصر حفظه على معصوم كامل لا يجوز عليه شيء ممّا عددناه، بل الملحد المشكّك في الدين الناطق بلسان أعدائه و خصومه هو من ذهب إلى أنّ الشرع محفوظ بمن وصفنا حاله، لأنّ الناظر المتأمل إذا فكر فيمن جعله هؤلاء القوم حجّة في الشرع حافظا له، و رأى ما هم عليه من جواز الخطأ، و الاعراض عن النقل، و الميل إلى الهوى و أسبابه كان هذا له طريقا مهيعا «2» الى الشّك في الدين، و ارتفاع الثقة بالشريعة، إن لم يوفقه اللّه تعالى لاصابة الحقّ، و يلهمه ما ذهبنا إليه من أن الحافظ للشرع و الحجّة فيه هو المعصوم الخارج عن صفات الأمّة.
الشافى فى الإمامة، ج4، ص: 300
قال صاحب الكتاب: (فاما جمعه الناس على قراءة واحدة، فقد بيّنا ان ذلك من عظيم ما خصّ «1» بها القرآن، لأنه مع هذا الصّنيع قد وقع فيه من الاختلاف، ما وقع، فكيف لو لم يفعل ذلك، و لو لم يكن فيه الّا اطباق الجميع على ما أتاه من أيّام الصّحابة الى وقتنا هذا، لكان كافيا).
ثم ذكر ما نسب إليه من تعطيل الحدّ في الهرمزان و حكى عن ابي علي (انه لم يكن للهرمزان ولى يطلب بدمه، و الامام ولى من لا ولي له، و للوليّ ان يعفو كما له ان يقتل، و قد روى انه سأل المسلمين ان يعفوا عنه فأجابوا الى ذلك).
قال: (و انما اراد عثمان* بالعفو عنه ما يعود الى عزّ الدين، لأنه خاف أن يبلغ العدو قتله، فيقال قتلوا امامهم و قتلوا ولده و لا يعرفون الحال في ذلك، فيكون شماتة «2»* و حكى عن الخياط «3» ان عامة المهاجرين اجمعوا على الّا يقاد بالهرمزان، و قالوا: هو دم سفك في غير ولايتك، فليس له ولي يطلب به، و امره الى الامام، فاقبل منه الدية، فذلك صلاح المسلمين).
قال: (و لم يثبت ان امير المؤمنين عليه السلام كان يطلبه ليقتله بالهرمزان، لانه لا يجوز قتل من قد عفى عنه ولي المقتول، و انما كان يطلبه ليضع من قدره و يصغّر من شأنه).
__________________________________________________
(1) غ «خصّ».
(2) ما بين النجمتين ساقط من «المغني».
(3) حكاية الخياط ساقطة من «المغني».
الشافى فى الإمامة، ج4، ص: 301
قال: (و يجوز ان يكون ما روى عن علي عليه السلام انه قال:
«لو كنت بدل عثمان لقتلته» يعني انه كان يرى ذلك أقوى في الاجتهاد او اقرب الى التشدّد في دين اللّه).
قال: (فاما ما يروون «1» ان عثمان ترك بعد القتل ثلاثة ايام لم يدفن، و جعلهم ذلك طعنا «2» فليس بثابت، و لو صح ذلك لكان طعنا على من لزمه القيام به) و حكى عن ابي علي (انه لم يمتنع ان يشتغلوا بابرام البيعة لامير المؤمنين عليه السلام خوفا على الاسلام من الفتنة فيؤخر وقته) قال: (و بعيد مع حضور قريش و قبائل العرب و سائر بني اميّة و مواليهم ان يترك عثمان فلا يدفن في هذه المدة، و يبعد ان يكون أمير المؤمنين لا يتقدّم بدفنه فلو مات في جواره يهودي او نصراني و لم يكن له من يواريه ما تركه ألّا يدفن، فكيف يجوز مثل ذلك في عثمان، و قد روى أنه دفن في تلك اللّيلة و هو الاولى) قال: (فامّا تعلقهم، بان الصحابة لم تنكر على القوم، و لا دفعت عنه، فقد بينا ما يسقط كلّ ذلك، و بينا أن الصحيح عن امير المؤمنين عليه السلام تبرؤه عن «3» قتل عثمان، و لعنه قتلته في البر و البحر، و السّهل و الجبل «4» و انما كان يجري من حديثه «5» هذا القول على وجه المجاز، لانا نعلم أن جميع من كان يقول: نحن قتلناه، لم يقتله، لأن في الخبر أنّ العدد الكثير كانوا يصرّحون بذلك، و الّذين دخلوا عليه و قتلوه هم نفسان أو ثلاثة و انما كانوا يريدون بهذا القول احسبوا انا قتلناه فما بالكم و هذا الكلام لان الامام هو الذي يقوم بامر الدين
__________________________________________________
(1) غ «ما يروى».
(2) في المغني «فعلى ما بينّاه إن صح كان طعنا على من لزمه القيام به».
(3) غ «من».
(4) «السهل و الجبل» ساقطة من المغني.
(5) حيث خ ل.
الشافى فى الإمامة، ج4، ص: 302
في القود و غيره، و ليس للخارج عليه ان يطالب بذلك و لم يكن لامير المؤمنين عليه السلام ان يقتل قتلته، و لو عرفهم ببيّنة او اقرار، و ميزهم من غيرهم الا عند مطالبة ولي الدم [فاما على جهة الابتداء فلم يكن] «1» و الّذين كانوا اولياء الدم لم يكونوا يطالبونه، و لا كانت صفتهم صفة من يطالب، لانهم كلّهم، أو بعضهم يدّعون أن عليّا عليه السلام «2» قتله، و أنه ليس بامام، و لا يحلّ لولي الدم مع هذا الاعتقاد أن يطالب بالقود، فلذلك لم يقتلهم [امير المؤمنين «3»] هذا لو صح انه كان يميزهم، فكيف و ذلك غير صحيح.
فاما ما روي عنه من قوله عليه السلام (قتله اللّه و انا معه) فان صحّ فمعناه مستقيم، يريد أن اللّه أماته و يميتني «4» معه، و سائر العباد.
ثم قال: (و كيف يقول ذلك و عثمان مات مقتولا من جهة المكلّفين).
ثم اجاب: (بانه و ان قتل فالاماتة من قبله تعالى «5» و يجوز ان يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة لا محالة، فاذا مات صحّت الاماتة «6» على طريق الحقيقة).
يقال له: أمّا ما اعتذرت به من جمع الناس على قراءة واحدة فقد مضى الكلام عليه مستقصى و بيّنا ان ذلك ليس تحصينا للقرآن و لو كان
__________________________________________________
(1) الزيادة من المغني.
(2) لفظة «قتله» ساقطة من نقل ابن ابي الحديد.
(3) الزيادة من المغني.
(4) ش «سيميتني».
(5) غ «من فعل اللّه تعالى» (-)
(6) غ «الاضافة».
الشافى فى الإمامة، ج4، ص: 303
تحصينا لما كان رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم يبيح القراءات المختلفة.
و قوله: (لو لم يكن فيه الا اطباق الجميع على ما اتاه من ايام الصّحابة الى وقتنا هذا) ليس بشيء، لانّا نجد الاختلاف في القراءة و الرجوع فيها الى الحروف مستمرا في جميع الاوقات التي ذكرها الى وقتنا هذا و ليس نجد المسلمين يوجبون على أحد التمسّك بحرف واحد، فكيف يدّعي اجماع الجميع على ما اتاه عثمان؟.
فان قال: لم أعن بجمعه الناس على قراءة واحدة الا انه جمعهم على مصحف زيد، لأن ما عداه من المصاحف كان يتضمّن من الزيادة و النقصان ممّا عداه ما هو منكر.
قيل له: هذا بخلاف ما تضمنه ظاهر كلامك أولا، و لا تخلو تلك المصاحف التي تعدو مصحف زيد من ان تتضمن من الخلاف في الالفاظ و الكلم، ما اقرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليه، و أباح قراءته، فان كان كذلك، فالكلام في الزيادة و النقصان يجري مجرى الكلام في الحروف المختلفة، و ان الخلاف اذا كان مباحا و مرويّا عن الرسول و منقولا فليس لأحد أن يحظره، و ان كانت هذه الزيادة و النقصان بخلاف ما انزل اللّه تعالى، و ما لم يبح الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم تلاوته فهو سوء ثناء على القوم الذين يقرءون بهذه المصاحف كابن مسعود و غيره، و قد علمنا انه لم يكن منهم الا من كان علما في القراءة و الثقة و الاماتة و النزاهة، عن ان يقرأ بخلاف ما أنزل اللّه، و قد كان يجب أن يتقدم هذا الانكار منه و من غيره ممن ولي الأمر قبله، لأنّ انكار الزيادة في القرآن و النقصان لا يجوز تأخيره.
فان قال: ابن مسعود كره جمعه الناس على قراءة زيد و احراقه المصاحف و إنما جمع على قراءة واحدة لأن فيه تحصينا للقرآن و قطع المنازعة و الاختلاف فيه.
قيل: هذا ليس بصحيح، و لا شك في أن ابن مسعود كره إحراق المصاحف كما كرهه جماعة من أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و تكلموا فيه. و قد ذكر
__________________________________________________
(4) شرح النهج لابن ابي الحديد 1/ 237. و تاريخ الطبري- فى حوادث سنة 32-.
*************
تلخيص الشافي، ج4، ص: 106
الرواة كلام كل واحد منهم في ذلك مفصلا «1» و ما كره عبد اللّه من تحريم قراءته و قصر الناس على قراءة زيد إلا مكروها. و هو الذي يقول النبي صلّى اللّه عليه و آله فيه: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد» «2» و روى ابن عباس رحمة اللّه عليه أنه قال: «قراءة ابن أم عبد هي القراءة الاخيرة، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعرض عليه القرآن في كل سنة في شهر رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه صلّى اللّه عليه و آله عرض عليه مرتين، فشهد عبد اللّه بن مسعود ما نسخ منه، و ما بدل فهى القراءة الأخيرة» «3».
و روى شريك عن الأعمش: قال قال ابن مسعود: لقد أخذت من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبعين سورة- و ان زيد بن ثابت لغلام يهودي في الكتاب، له ذؤابة- «4».
__________________________________________________
(1) في الانساب للبلاذري 5/ 62 و تاريخ الخميس للديار بكري/ 223.
و الرياض لمحب الدين 2/ 141 و محاضرات الراغب، و تاريخ اليعقوبي. و غيرها بهذه المناسبة.
(2) حلية الاولياء 1/ 124، مستدرك الحاكم 3/ 318 مجمع الزوائد 9/ 287 سنن ابن ماجة حديث 138، و الاصابة، و الاستيعاب بترجمته وصفة الصفوة 1/ 156
(3) بنفس المضمون فى شرح نهج البلاغة 3/ 45 ط دار المعارف بمصر و طبقات ابن سعد 4/ 158 ط مصر و الاستيعاب لابن عبد البر 1/ 372.
(4) بنفس اللفظ و بقريب منه اخرجه ابو نعيم في الحلية 1/ 125، و ابن عبد البر فى الاستيعاب 1/ 373، و ابن حجر في تهذيب التهذيب 6/ 28 و المتقى في كنز العمال 7/ 56 و لكن ليس فيها كلمة (يهودي) الا ان فى جامع الاصول لابن الاثير «... و اللّه لقد اسلمت، و انه- اي زيد بن ثابت- لفي صلب رجل كافر».
تلخيص الشافي، ج4، ص: 107
و قولهم: إنه خاف من اختلاف الناس في القراءة (ليس) ذلك بموجب لما صنعه عثمان، لأنهم يروون: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» «1» فهذا الاختلاف فى القراءة عندهم مباح مسند
__________________________________________________
(1) مسند احمد 1/ 264- عن ابن عباس- و كنز العمال 1/ 165 حيدرآباد و بهذا المضمون روايات كثيرة مختلفة التعبير و الأسناد، و هي مشهورة مذكورة فى عامة كتب الحديث كصحيح مسلم، و البخاري، و صحيح الترمذي و غيرها: باب ان القرآن انزل على سبعة احرف ..
اقول: إن روايات السبعة احرف كلها من طرق العامة. و اما روايات الشيعة فالمأثور عن ائمتهم صلوات اللّه عليهم: إن القرآن واحد نزل من عند واحد- كما عن الصادقين عليهما السلام- راجع: الوافي ج 5 باب اختلاف القراءات.
ثم إنهم ذكروا لهذه السبعة احرف وجوها كثيره تناهز العشرة و لكنها سرعان ما تذوب على صعيد النقد و المناقشة.
فمن الأوجه التى ذكروها-: ان المراد سبعة اوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: عجل و اسرع. و كانت هذه الأحرف باقية الى زمان عثمان، فحصرها بحرف واحد و جوابه: أولا- هذا التأويل انما يتم في بعض معاني القرآن التي يمكن ان تؤدى بألفاظ سبعة متقاربة، لا في كلها. و ثانيا- ان ذلك يوجب الحط من كرامة القرآن- من حيث عدم استقامة تعابيره على حالة واحدة، فيسقط عن الحجية و منها-: ان المراد هي الأبواب السبعة التى نزل بها القرآن، و هي: زجر و امر و حلال و حرام و محكم و متشابه و امثال.
و جوابه: ان القرآن لا ينحصر في هذه الأبواب السبعة، ففيه ذكر المبدأ و المعاد و القصص و المعارف و غيرها.
و منها- ان المراد هي اللغات الفصيحة من لغات العرب، كلغة قريش، و هذيل و هوازن، و اليمن، و كنانة، و تميم، و ثقيف.
و جوابه: ان هذا التأويل ينافى ما روي عن عمر من قوله: نزل القرآن
تلخيص الشافي، ج4، ص: 108
__________________________________________________
بلغة مضر، و انه انكر على ابن مسعود قراءته بلغة هذيل- التبيان/ 164- و ما روي عن عثمان قوله: «اذا اختلفتم انتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانه انزل بلسانهم- صحيح البخاري: باب نزول القرآن بلسان قريش.
و منها- ان المراد منها القراءات السبعة من قبل القراء و هم: عبد اللّه بن عامر و عبد اللّه بن كثير، و عاصم، و ابو عمرو بن العلاء، و حمزة بن زيات و نافع و الكسائي و جوابه: ان حصر القراءات في سبعة او عشرة لم يكن بطريق التواتر بل الآحاد، على ان بعض القرّاء السبعة لم تثبت وثاقته- كما يتضح ذلك من كتب الرجال و لقد تناول المفسرون كالطبري و غيره بعض هؤلاء القراء بالطعن على قراءته- التبيان 106- و يقول ابن الجزري- كما في النشر فى القراءات العشر 1/ 9-: كل قراءة وافقت العربية و لو بوجه و وافقت احد المصاحف العثمانية، و لو احتمالا و صحح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها و لا يحل انكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن و وجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين- الى قوله-: قال ابو شامة فى كتابه (المرشد الوجيز): فلا ينبغي ان يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة و يطلق عليها لفظ الصحة ...
و عن ابي شامة في كتاب البسملة: إنا لسنا ممن يلتزم بالتواتر في الكلمات المختلف فيها من القراء، بل القراءات كلها منقسمة الى متواتر و غير متواتر- التبيان/ 102-. و مثلهما السيوطي فى الجزء الأول من الاتقان، و الشيخ محمد سعيد العريان في تعليقاته على اعجاز القرآن/ 52- 53.
و منها- ان المراد بها اللهجات المختلفة في لفظ واحد، كنطق القاف بالغين عند الفارسي و الهمزة عند السوري مثلا.
و جوابه: أن هذا التأويل أولا- ينافى ما ورد عن عمر و عثمان من نزول
تلخيص الشافي، ج4، ص: 109
عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فكيف يحظر عليهم من التوسع في الحروف ما هو مباح؟
فلو كان في القراءة الواحدة تحصين القرآن- كما ادعوه- لما أباح النبي صلّى اللّه عليه و آله في الأصل إلا القراءة الواحدة، لأنه أعلم بوجوه المصالح من جميع أمته من حيث كان مؤيدا بالوحي، موفقا في كل ما يأتي و يذر.
و ليس لهم أن يقولوا: أحدث من الاختلاف ما لم يكن في أيام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و لا من جملة ما أباحه، (و ذلك): ان الأمر لو كان على هذا لوجب أن ينهى عن القراءة الحادثة و الأمر المبتدع، و لا يحمله ما أحدث من القراءة على تحريم المتقدم المباح بلا شبهة.
مسائل الناصريات، ص: 21
15- الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي المتوفى سنة 377 هجرية، أخذ عنه علوم النحو و القراءات.