بسم الله الرحمن الرحیم

تعلق حق به رقبة

فهرست علوم
فهرست فقه
علم الحقوق
مباحثه مطالب مربوط به اعتباريات در مباحث الاصول
تبیین اعتباریات با تکیه بر نظام اغراض و ارزش ها
هوش مصنوعي
الگوریتم ضمان-متلف-تالف-تلافي

متلف-تالف-تلافی-ضمان
قرار ضمان-تعاقب ایدي
مباشرت-تسبیب-علت-سبب-شرط
عمد-شبه عمد-خطأ محض
هدر
استناد
تعلق حق به رقبة







جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌42، ص: 430
المسألة السابعة:
لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته فإن قال المجني عليه للعبد أبرأتك من ذلك لم يصح كما عن المبسوط و غيره،
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور- الحديث 4 من كتاب النكاح.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 431‌
بل قيل: إنه المشهور، لأنه لا حق له في ذمته كي يكون مورد الإبراء، إذ هو مال للغير.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌28، ص: 97
المسألة الثالثة: لو جنى العبد الموقوف عمدا، لزمه القصاص بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه لعموم أدلته على وجه لا تصلح أدلة الوقف لمعارضتها فإن كانت‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌28، ص: 98‌
دون النفس بقي الباقي وقفا للأصل، و إن كانت نفسا اقتصا منه، و بطل الوقف حينئذ بانتفاء موضوعه، و ليس للمجنى عليه استرقاقه هنا كما هو ظاهر الأكثر، و إن جاز في غيره، لما فيه من إبطال الوقف الذي قد عرفت اقتضاء الصحيح منه بقاء العين على حالها حتى يرثها وارث السموات و الأرض.
لكن في جامع المقاصد و المسالك أن له ذلك، لأولويته من استحقاق الإبطال بالقتل بعد مطلوبية العفو شرعا، بل فيه جمع بين ذلك، و بين حق المجني عليه، و التأييد في الوقف إنما هو حيث لا يطرأ عليه ما ينافيه، و هو موجود هنا في القتل الذي هو أقوى من الاسترقاق، و هو كما ترى بعد القطع بعدم الأولوية المزبورة، و حرمة القياس عندنا و التخيير الثابت للمجنى عليه إنما هو في غير الفرض المعتذر فيه أحد الفردين، لظهور قوة أدلة الوقف على ذلك من وجوه بالنسبة إليه، دون القصاص الذي لا مدخلية له في تغيير الوقف المستفاد منعه من الأدلة الظاهرة في إرادة نقله عما هو عليه بالنسب الاختياري أو القهري، لا نحو ذلك الذي هو من قبيل حده بالارتداد و نحوه، و لذا يتعين حينئذ القصاص دونه.
و إن كانت الجناية خطأ تعلقت بمال الموقوف عليه و إن كان ذا كسب، كما عن الشيخ و جماعة، بناء على الانتقال إليهم لتعذر استيفائها من رقبته الموقوفة، لاقتضاء ذلك بطلان الوقف في الكل و البعض فيتعين عليه الفرد الآخر من التخيير، و هو الفداء كما تعين القصاص من الفردين في الأول.
و قيل: كما عن الشيخ أيضا يتعلق المال بكسبه، لأن المولى لا يعقل عبده و لا يجوز إهدار الجناية، و لا طريق إلى عتقه فيتوقع فيتعين ذلك جمعا بين الحقين و هو هنا أشبه عند المصنف وفاقا للقواعد و غيرها، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، و فيه أن كسبه أحد أموال المولى، فالتأدية منه يقتضي عقل المولى له، و لا دليل على اختصاص هذا المال من أمواله على أنه لا يتم في غير الكسوب.
و من هنا قال في المسالك: «يتجه حينئذ تعلق حق الجناية برقبته، إذا لم يكن كسوبا، فيجوز بيعه كما يقتل في العمد، بل هو أدنى منه».
و فيه أن ذلك يقتضي ترجيح أدلة الجناية على أدلة الوقف، و حينئذ يتجه تعلقها من أول‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌28، ص: 99‌
الأمر برقبته، إلا أن يفديه المولى، كما احتمله الفاضل في المحكي من المختلف، و لعله لا يخلو من قوة، و إلا كان المتجه سقوط حق الجناية عن المولى مطلقا حتى في كسب العبد الذي هو أحد أمواله، لأنه لا يعقل عبده، فينتظر حينئذ انعتاقه القهري أو يأخذ الأرش من بيت المال كالحر المعسر.
و بالجملة فالمتعين في المسألة أحد الاحتمالين، و إن كان الأول أقواهما، لا التعلق بمال المولى مطلقا، و لا خصوص كسبه، فإن لم يكن كسوبا فبرقبته، إذ لا يخفى عليك خروجهما عن قواعد الفقه، و لا ينافي ذلك ما ذكرناه في مسألة العمد الذي تعين حق الجناية، و عدم بطلان دم المسلم بالقصاص، بخلافه هنا، لأنه مع عدم التعلق برقبته الذي هو مقتضى دليل الجناية يقتضي بطلان دم المسلم مرجوجية حق الجناية بالنسبة إلى حق الوقف، و المعلوم خلافه فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع و الله العالم.
هذا كله على القول بانتقاله إلى الموقوف عليهم، أما لو قلنا بعدم انتقاله أو انتقاله إلى الله تعالى ففي القواعد و غيرها تعلق بكسبه، بل في المسالك «هو كذلك قطعا- لكن قال متصلا بذلك- و يحتمل تعلقها بمال الواقف بيت المال، بل في القواعد و كذا إن كان على المساكين أو على المعسر أي في التعلق بالكسب.
و لكن لا يخفى عليك بعد التأمل فيما ذكرنا أنه لا فرق بين الجميع فيما سمعته من الاحتمالين و أقواهما.
أما لو جنى عليه فإن أوجبت الجناية أرشا
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌30، ص: 209
و على كل حال ف‍ لو كان قد أذن المولى ابتداء صح بلا خلاف و لا إشكال و عليه مهر مملوكه و نفقة زوجته كما تقدم الكلام فيه مفصلا و له مهر أمته و إن تأخرت الإذن بلا خلاف و لا إشكال، كما أن الظاهر وجوب النفقة عليه بالإذن المتأخرة للعبد، لأنها يجب يوما فيوما، فهو بالنسبة إلى المتجدد كالإذن المبتدأة من غير فرق، و لأنها تلزم كل يوم، فإنها لا تعيش بلا نفقة، و لا ملك للعبد، فلو لم نوجبها على المولى بقيت بلا نفقة.
أما بالنسبة إلى المهر ففيه إشكال، و لعله من أن الإجازة مصححة أو كاشفة و أن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه التي منها هنا المهر المعلوم لزومه للعقد الصحيح، و العبد لا يملك شيئا، و من أن العقد لما وقع تبعه المهر و لم يلزم المولى حينئذ، و إنها رضيت بكونه في ذمة العبد، و فيهما منع ظاهر، فالأقوى وجوبه بها بناء على وجوبه بها في السابقة، لعدم ظهور الفرق بينهما عند التحقيق.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌30، ص: 210‌
نعم في القواعد احتمال ثبوت المهر و النفقة في كسب العبد المتجدد، و منه ربح تجارته، فيصرف حينئذ ما يكسبه كل يوم في نفقتها، فما فضل يعطي من المهر حتى إذا وفى أعطى الفاضل لمولاه، و لا يدخر لنفقة اليوم الاتي شيئا، فإن نفقة كل يوم إنما تتعلق بكسبه، و على هذا لا يضمن السيد شيئا من النفقة و المهر إن أعوز الكسب، لأنهما لم يتعلقا بذمته، بل بمال معين له، كما أن أرش الجناية يتعلق برقبته لا بذمة المولى، و انما يجب عليه أن يمكنه من الاكتساب بما يفي بهما، فإن منعه من الاكتساب بأن استخدمه يوما أو أياما فأجرة المثل، لأنه كالأجنبي و يحتمل وجوب أقل الأمرين من الأجرة و الكسب، و تحتمل أقل الأمرين من الكسب و النفقة إن و في المهر، هذا كله في ذي الكسب.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌33، ص: 215
و لو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ فيه قولان: (أحدهما) في محكي الخلاف، فمنع من صحته في العمد، و أجازه في الخطاء، و احتج عليه بالإجماع، بل قال: «لأنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت جنايته عمدا أنه ينتقل ملكه إلى المجني عليه، و إن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه، لأنه عاقلته» و (ثانيهما) في محكي المبسوط عكس ذلك، قال: «الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان عامدا نفذ العتق، لأن القود لا يبطل بكونه حرا، و إن كان خطأ لا ينفذ، لأنه يتعلق برقبته و السيد بالخيار بين أن يفديه أو يسلمه».
و الأشبه عند المصنف المنع في الأول لما سمعته من الإجماع المحكي، و لأن الخيار فيه إلى أولياء المقتول إن شاؤوا قتلوه و إن شاؤوا استرقوه، و صحة عتقه يستلزم بطلان ذلك.
ثم قال و إن قتل خطأ قال في المبسوط: لم يجز عتقه، لتعلق حق المجني عليه برقبته، و في النهاية: يصح و يضمن السيد دية المقتول، و هو حسن لما سمعته من الإجماع أيضا، و لأن الخيار إلى المولى إن شاء افتكه و إن شاء دفعه إلى أولياء المقتول، فإذا أعتقه قد اختار الانفكاك، لكن في المسالك «هذا يتم مع يساره، فلو كان معسرا لم ينفذ عتقه، لتضرر أولياء المقتول به و إسقاط حقهم منه» إلى آخره.
و كيف كان فحاصل ما ذكره المصنف اختيار ما سمعته من الشيخ في الخلاف، و لعله إليه يرجع ما عن ابن إدريس في الخطأ من جوازه مع ضمان المولى قال: «لأنه قد تعلق برقبة العبد الجاني حق الغير، فلا يجوز إبطاله» بل و ما في القواعد «و يجزئ الجاني خطأ إن نهض مولاه بالفداء و إلا فلا، و لا يصح عتق الجاني عمدا إلا بإذن الولي» و في التحرير «و لو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ فيه قولان، أقواهما عدم الجواز، و كذا القول في الخطأ، و الأقرب الإجزاء، و يضمن المولى الدية، و لو عفى الولي صح عتقه في الموضعين، و لا بد من تجديد العتق في العمد لو سبق‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌33، ص: 216‌
على ما اخترناه» و في المسالك «الأقوى صحته مع الخطأ و العمد مراعى بفكه له في الخطأ و اختيار أولياء المقتول الفداء في العمد و بذله له أو عفوهم عن الجناية» و كأنه أخذه مما في الدروس قال: «الثالث سلامتها من تعلق حق آخر، ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان أقربهما المراعاة بالخروج عن عهدة الجناية».
قلت: كان الوجه في ذلك هو معلومية تعلق حق المجني عليه في رقبة العبد، لكن لا دليل على مانعية الحق المزبور لتصرف المالك الذي هو مقتضى العمومات، فهو حينئذ كتصرف الوارث في تركة الميت التي تعلق بها حق الدين، و لا يقاس هذا الحق على حق الرهانة الموقوف على الإذن لدليله الخاص، نعم لا بد من مراعاة حكم الحق المتعلق على وجه لا يضر أداء الحق، فينتقل المال عن المتصرف متعلقا به الحق، فمع فرض أداء المتصرف الحق إلى أهله يخلص المال عن تسلط ذي الحق المتعلق به، و إلا تسلط صاحب الحق على فسخ التصرف الواقع منه مقدمة لتحصيل حقه.
إلا أنه لا يخفى عليك صحة جريان هذا الكلام في مثل البيع و نحوه القابل للأمر المزبور، أما مثل العتق فيشكل جواز فسخه بأنه مبني على التغليب و أنه متى صار حرا لم يعد إلى الرقية، إذ ليس المقام من باب الكشف الذي لا ينافي ذلك، بل هو من فسخ التصرف الذي ترتب عليه أثره بعموماته و إن بقي الحق متعلقا بالعين التي كانت موردا للتصرف المزبور، و الفسخ لذي الحق حيث يحصل يكون من حينه، لما عرفت من عدم الدليل على منع التعلق المزبور أصل صحة التصرف و قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» إنما تقتضي عدم لزوم التصرف المزبور، لا أصل صحته، نعم لما كان أدلة العتق تنافي ذلك لم يتم الأمر إلا في المنع من أصل التصرف، و احتمال التزام الكشف فيه مما لا تساعد عليه الأدلة، و ربما أشار إليه الفاضل في التحرير في صورة العمد، فلاحظ و تأمل.
بل الظاهر أن مراد القائل بالمراعاة هو الصحة حقيقة على حسب الصحة في البيع لا الكشفية، و حينئذ يرد عليه ما سمعت من عدم عود الحر رقا إلا بدليل‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌33، ص: 217‌
خاص و ليس، فالمتجه حينئذ عدم الصحة مطلقا.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 240
المسألة السابعة:
إذا جنى المدبر تعلق أرش الجناية برقبته كالقن، لإطلاق الأدلة، فإن كان موجبا للقصاص فاقتص منه فات محل التدبير، و كذا إن استرق لخروجه حينئذ عن ملك سيده، فيبطل تدبيره و إن عفى عنه أو رضي المولى بالمال أو كانت الجناية توجب مالا ف‍ لسيده فكه بأرش الجناية أو بأقل الأمرين على الخلاف المقرر في جناية القن، و له بيعه كلا أو بعضا فيها فان فكه فهو على تدبيره للأصل و إن باعه و كانت الجناية تستغرقه فالقيمة لمستحق الأرش، فان لم تستغرقه بيع منه بقدر الجناية، و الباقي على التدبير بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك و لا إشكال.
و لمولاه أن يبيع خدمته حقيقة منفردة أو مع رقبته إلى حين موته، أو ينقلها بعقد صلح أو إجارة مدة فمدة على حسب ما سمعته من الخلاف السابق،
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 241‌
ضرورة عدم خصوصية للمقام.
و له أن يرجع في تدبيره إن لم يكن واجبا عليه ثم يبيعه إن شاء و إن شاء فداه.
بل على ما قلناه سابقا لو باع رقبته صح و كان ذلك نقضا لتدبيره و إن لم يقصده، لاقتضاء البيع انتقال الرقبة، و قد عرفت منافاته للتدبير، بناء على أنه لا عتق إلا في ملك، مضافا إلى ظهور النصوص «1» السابقة في ذلك.
و لكن قال المصنف هنا و على رواية إذا لم يقصد نقض التدبير كان التدبير باقيا و ينعتق بموت المولى، و لا سبيل عليه و لم نعثر عليها بالخصوص، إذ ليس إلا
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 336
و لو مات قبل أن يقسم ما في يده و كان مشروطا بطلت الكتابة كما عرفته سابقا و سقطت النجوم و دفع ما في يده في الديون خاصة بل عن المبسوط و اختاره في الإيضاح سقوط أرش الجناية، لتعلقه بالرقبة و قد فاتت، و تعلقه بما في يده بحكم الكتابة التي قد فرض بطلانها فيتبعها بطلان ذلك التعلق و إن كان هو لا يخلو من نظر، لمنع تعلق أرش الجناية برقبته من أول الأمر كالقن، لأن له ذمة قابلة لتعلق الدين بها بخلاف القن، و من هنا تحاص مع الديون.
فالتحقيق بناء المسألة على أن أرش جناية المكاتب الموجبة مالا تتعلق أولا برقبته، و له فداؤها بالمال، أو أنها تتعلق أولا بذمته، فان لم يكن له مال كان للمجني عليه استيفاؤها من رقبته، ظاهر كلامهم في المقام الأول، و يأتي بعض الكلام فيه إن شاء الله تعالى، و عليه فمع فرض المسألة في المحجور عليه و
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 345
الأولى:
إذا جنى المكاتب على مولاه عمدا فان كانت نفسا فالقصاص للوارث، فان اقتص كان كما لو مات في بطلان الكتابة و انتقال ما في يده و أولاده للوارث و إن كانت طرفا فالقصاص للمولى، فان اقتص فالكتابة بحالها للأصل و غيره، و إن عفى هو أو الوارث على مال صح، و بقيت كتابته كما لو كانت الجناية توجب
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 347
و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في قول المصنف و غيره و إن كانت الجناية خطأ فهي تتعلق برقبته، و له أن يفدي نفسه بالأرش لأن ذلك يتعلق بمصلحته التي هي كنفقته و علاج مرضه، إذ قد عرفت أن رقبته ملك للسيد، فلا وجه لتعلق حقه بها، نعم لما صار له بالكتابة ذمة قابلة لأن يملك عليه بها من غير فرق بين المولى و غيره تعلق أرش جنايته على المولى بها، كما هو مقتضى إطلاق ما دل على ديتها الظاهر في أن موردها الذمم كقيم المتلفات، و إنما تعلقت برقبة العبد في بعض المواضع لعدم ذمة له فعلا يتمكن من الأداء بها مع قوة أمر الجناية و أنه‌
لا يطل دم امرئ مسلم «1»‌
فشرع الاستيفاء منها عوض الذمة، فتأمل جيدا، و الله العالم.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 348
المسألة الثانية:
إذا جنى على أجنبي عمدا فان كانت طرفا و اقتص منه أو عفى على مال أولا عليه فالكتابة بحالها و إن كانت الجناية نفسا و اقتص الوارث كان كما لو مات في بطلان الكتابة على نحو ما سبق، و إن عفى على مال أو كانت الجناية موجبة له جاز له دفع الأرش الذي هو أقل الأمرين منه و من قيمته أو المقدر له بالغا ما بلغ على البحث السابق.
و في المسالك «أولى بالاكتفاء بالأقل هنا، لأن الأرش يتعلق برقبته و إن استرقه المولى، بخلاف ما لو كانت على المولى، فمراعاة جانب الحرية ثم أقوى، و مراعاة جانب القن هنا أقوى».
قلت: الذي يظهر منهم في المقام و فيما تقدم أن أرش الجناية يحاص الديون، و يوجب التحجير لو طلبه من الحاكم، و غير ذلك مما هو مستلزم لكونه دينا متعلقا في الذمة، لا أنه متعلق بالرقبة، مؤيدا ذلك بأن ظاهر الأدلة اتحاد كيفية تعلق الأرش فيهما، و حينئذ فيقوى تعلقه بذمته في المقامين، لما عرفت من عدم تعلق حق المولى بملكه.
اللهم إلا أن يلتزم بكون فائدته التسلط على بيعه مثلا الذي لم يكن جائزا له بسبب الكتابة التي لا يجوز له فسخها قبل حصول سببه و إن كان هو كما ترى يمكن منعه، خصوصا مع بذله الأرش، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم، بل هو كالمتدافع بالنسبة إلى ذلك، و المسألة لا تخص الفرض، بل المراد أن أرش جناية المكاتب مطلقا في ذمته و الرقبة كالمرهونة عليه، أو في رقبته و إن كان له فكها بالأرش، و قد عرفت أن الأقوى الأول.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 349‌
نعم قد يقال في الفرض الذي هو الجناية عمدا: إنه لما كان الخيار فيه للمجني عليه و طلب الأرش الذي هو أزيد من القيمة فهل للمكاتب دفعه بدون إذن المولى كالأقل و المساوي؟ المحكي عن الشيخ العدم، لأنه ابتياع لنفسه، بأكثر من ثمن المثل، و هو لا يملك التبرع، و في التحرير الوجه عندي جواز دفع الأكثر، و لعله لا يخلو من قوة، و الله العالم.
و إن كان قد جنى عليه خطأ كان له فك نفسه بأرش الجناية الذي هو ما عرفته و إن نافى ذلك الاكتساب لكنه لمصلحته التي هي أعظم من نفقته المأذون فيها و علاج مرضه، بل قد عرفت أن المنهي عنه التصرف التبرعي لا غيره، نعم ظاهر قولهم: «له فك نفسه» تعلق الجناية أولا بالرقبة، و يمكن منعه لما عرفت، فيكون متعلقا بذمته و إن كانت العين كالرهن عليه، بمعنى تسلط المجني عليه على الاستيفاء منها إن لم يدفع له، لأهمية حق الجناية من غيره، فيلاحظ فيه الأمران.
و حينئذ ف‍ لو لم يكن له مال فلأجنبي بيعه أجمع في أرش الجناية مع الاستغراق و إلا بيع منه قدر الأرش و بقي الباقي مكاتبا، فان عجز و فسخ المولى صار العبد مشتركا، و إن أدى عتق الباقي، و في تقويم حصة الشريك على العبد مع يساره أو تمكنه من السعي البحث السابق و إن جزم به الفاضل هنا في القواعد، بل في كشف اللثام «و هل يجبر عليه أو الشريك على القبول؟ وجهان» لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.
بقي الكلام في شي‌ء، و هو أن ظاهر بعض و صريح آخر أن المجني عليه إذا أراد البيع لا بد له من فسخ الحاكم الكتابة، لأن المكاتب لا يباع و ليس له فسخها، لأنه ليس بالعاقد لها، بل و لا للسيد قبل حصول العجز المسلط له على الخيار، فليس حينئذ إلا الحاكم و فيه أنه بعد أن دلت الأدلة على تقديم حق الجناية على غيره من كتابة أو رهن أو غيرهما لم يحتج إلى فسخ، بل هو تسلط شرعي على‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 350‌
ما يلزمه الفسخ من البيع و نحوه، و الله العالم.
و كيف كان فله بيعه إلا أن يفديه السيد بالأرش، فإن فداه فالكتابة بحالها، و يجب على المجني عليه قبول الفداء إن كانت الجناية خطأ، و إن كانت عمدا ففي المسالك التخيير للمجني عليه كالقن، و فيه أنه بناء على ما ذكرناه من تعلق الأرش بذمته لا رقبته يتجه عليه قبوله، لأنه حينئذ كالتبرع بوفاء الدين و أولى بالقبول لو فرض بذل المكاتب الأرش في جناية العمد الموجبة مالا.
و لو اختار السيد الفداء لم يلزمه الاستمرار عليه ما لم يكن ضمانا، بل له أن يرجع عن اختياره و يسلم العبد، نعم إذا مات العبد بعد الاختيار أو باعه أو أعتقه ففي المسالك «التزم به، لأنه فوت بالإعتاق و البيع و التأخير متعلق حق المجني عليه» و كأنه أخذه مما في القواعد من أنه «إن أعتقه السيد كان عليه فداؤه بذلك، لأنه أتلف محل الاستحقاق كما لو قتله، و إن عجز ففسخ السيد فداه بذلك أو دفعه» و نحوه في التحرير، لكنه كما ترى خال عن ذكر الموت الذي يمكن المناقشة في التزامه بالفداء معه و إن اختاره ما لم يكن بالتزام شرعي.
بل قد يقال بعدم صحة البيع و نحوه مع الجناية عمدا أو عدم لزومه، بل يبقى مراعى بالفداء، فان حصل ففدا و إلا كان له فسخه، بل إن لم يكن إجماعا في العتق لبنائه على التغليب أمكن دعوى ذلك فيه، بل في الدروس الجزم بعدم الصحة، قال: «و لو أعتقه بعد جنايته على أجنبي عمدا لم يصح، و إن كان خطأ فكعتق القن مراعى بضمان الجناية، و عليه أقل الأمرين من قيمته و الأرش، سواء كان الأرش لواحد أو جماعة» إلى آخره.
بل من ذلك يعلم النظر فيما في المسالك و غيرها من أنه «يضمن المكاتب الأرش للمجنى عليه لو أدى ما عليه لسيده و انعتق بذلك» قال في الدروس: «و لو جنى ثم أدى مال الكتابة عتق، و ضمن أروش الجنايات أو الأقل على الخلاف، لأنه أتلف الرقبة بفعله» و قال في المسالك: «و لو فرض عتق المكاتب بأداء النجوم فعليه ضمان الجناية، و لا يلزم المولى فداؤه و إن كان هو القابض للنجوم، لأنه‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 351‌
يجبر على قبولها فالحوالة على المكاتب أولى» و نحوه في التحرير و غيره، إذ يمكن منع ترتب العتق على الأداء بناء على ما عرفت، خصوصا في الجناية عمدا، و خصوصا إذا قلنا بكون المتعلق الرقبة لا الذمة، فتأمل جيدا و الله العالم.
[المسألة ا
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 351
[المسألة الثالثة لو جني عبد المكاتب خطأ]
المسألة الثالثة:
لو جني عبد المكاتب على أجنبي خطأ في النفس أو في الطرف فاقتص منه فلا بحث، و إن عفي على مال أو كانت الجناية موجبة له أو كانت خطأ كان للمكاتب فكه بالأرش إن كان دون قيمة العبد أو مساويا، لعدم التبرع منه و إن كان أكثر لم يكن له ذلك إلا بإذن المولى كما ليس له أن يبتاع بزيادة عن ثمن المثل إلا أن يفرض حظ له في ذلك بكون العبد كسوبا و نحوه.
هذا و في المسالك «ثم الاعتبار بقيمة العبد يوم الجناية، لأنه يوم تعلق الأرش بالرقبة، و فيه وجه آخر أنه يعتبر قيمته يوم الاندمال بناء على أنه وقت المطالبة بالمال، و ثالث و هو اعتبارها يوم الفداء، لأن المكاتب إنما يمنع من بيعه، و يستديم الملك فيه يومئذ، و رابع و هو اعتبار أقل القيمتين من يوم الجناية و يوم الفداء احتياطا للمكاتب و إبقاء للمالك عليه و الأوجه آتية في قيمة المكاتب نفسه إذا اعتبرت قيمته» و نحوه في الإيضاح لكن اقتصر على الثلاثة.
قلت: لا ريب في كون المعتبر قيمته وقت الجناية بالنسبة إلى تعلقها برقبته المقتضي لملاحظة قيمته في ذلك الوقت، كي يعرف مقدار ما تسبب بالجناية من استحقاقها، بل لا وجه لاعتبار القيمة المتأخرة في مقدار سبب الجناية المتقدم الذي لا يتأخر أثره، و ليس المقام كقبض المغصوب، بل هو كالإتلاف المسبب لضمانه ما أتلفه و لو على وجه يتعلق استحقاقه بالرقبة على الوجه المزبور و إن لم يملكها، كما أنه لا ريب في اعتبار ملاحظة يوم الفداء بالنسبة إلى فك المكاتب له باعتبار‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 352‌
الغبطة له في فكه و عدمه.
و لو كان عبده أباه أو ولده ففي فكه بالأرش الكلام السابق في شرائه.
و لو كانت جناية العبد على سيده بما يوجب القصاص اقتص منه من غير حاجة إلى إذن السيد، لإطلاق الأدلة المقتضي ثبوت هذا الحق له على وجه يقدم على ما دل على منع التصرف له في ماله، و إن كانت بما يوجب المال لم يثبت له على ماله مال، نعم لو جني على سيد سيده فهو كما لو جني على أجنبي.
هذا و قد يستفاد من عبارة المتن هنا اختيار كون الأرش المقدر و إن زاد على قيمة العبد و هو و إن كان أحد قولي الشيخ في المسألة لكنه في غاية الضعف، بل عنه نفسه دعوى الإجماع على خلافه، و الله العالم.
[المسألة الرابعة إذ جنى على جماعة فان كان عمدا كان لهم القصاص]
المسألة الرابعة:
إذ جنى على جماعة فان كان عمدا و كانت الجناية عليهم دفعة بأن قتلهم بضربة واحدة أو ألقى عليهم جدارا دفعة كان لهم القصاص جميعا و إن كان خطأ أو عمدا توجب مالا كان لهم الأرش متعلقا برقبته أو في ذمته على كلام السابق، سواء كانت الجناية متعاقبة أو دفعة فان كان ما في يده يقوم بالأرش فله افتكاك رقبته و إن لم يكن له مال تساووا في قيمته بالحصص هذا إن أوجبنا الأرش بالغا ما بلغ.
و إن أوجبنا الأقل من أرش الجنايات كلها و من قيمته تحاصوا فيه بالنسبة، لأن الجاني لا يجني على أزيد من نفسه، اتحدت جنايته أو تعددت، مترتبة أو دفعة، و سبق تعلق الاستحقاق للأول لا ينافي شركة الآخر له بالجناية المتأخرة.
و لو كانت الجناية موجبة للقصاص على التعاقب ففي مساواته للأرش في الاشتراك و عدمه ما لم يكن قد حكم به لأولياء الأول قولان يأتي تحقيقهما في‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 353‌
محله إن شاء الله تعالى، كما انه يأتي تحقيق المراد بالاشتراك في القصاص و ما يترتب على العاصي لو فعل من دون إذن، و غير ذلك من هذه المسائل.
و لو عفي بعضهم قسم على الباقين، و لو كان بعضها يوجب القصاص استوفي و سقط حق الباقي، و إن عفي على مال شارك، و لو أعتقه أو أبرأه من النجوم ففيه البحث السابق، و كذا لو أدى نجوم كتابته، و الله العالم.
[المسألة الخامسة إذا كان للمكاتب أب و هو رق]
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 353
[المسألة الخامسة إذا كان للمكاتب أب و هو رق]
المسألة الخامسة:
إذا كان للمكاتب أب و هو رق ل‍ ه في جملة عبيده فقتل عبدا له لم يكن له القصاص فيه كما لا يقتص منه في قتل الولد بل هذا أولى، لأنه لا يثبت للولد على الوالد قصاص بلا خلاف و لا إشكال، نعم لو كان ابنه رقا له و قتل عبيدا من عبيده اقتص منه، لإطلاق أدلته.
و لذا لو كان للمكاتب عبيد فجني بعضهم على بعض بما يوجب القصاص جاز له الاقتصاص من دون إذن سيده و إن لم يكن تصرفا اكتسابيا و أدى إلى قتل عبده أجمع حسما لمادة التوثب الذي فيه حفظ للمال أيضا، و اهتماما بالدماء الذي هي أعظم من الأموال، و ربما احتمل العدم للحجر عليه في التصرف في ماله بغير الاكتساب، و فيه منع واضح، ضرورة كون المسلم الحجر عليه في التبرع بالمال، و ليس الفرض منه، بل هو في الحقيقة من سياسة المال و حفظه.
و لو كانت الجناية توجب مالا لم يثبت له على ماله مال حتى في الأب و الولد، و إن احتمل جواز بيعهما له في جنايتهما الموجبة مالا تحصيلا للاستعانة بأرش جنايتهما بعد أن لم يكن له بيعهما قبل الجناية، بخلاف غيرهما من العبيد الذين لم يثبت له عليهم مال بجنايتهم، لأنه يملك بيعهم قبل الجناية، إلا أنه‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 354‌
كما ترى، و ثبوت المال للسيد على المكاتب لو جني عليه باعتبار خروجه عن محض الرقية، و صيرورة ذمة له يملك بها، فيندرج في أدلة الجناية، بخلاف المملوك فإنه لا ذمة له بالنسبة إلى المولى، و هو واضح، و الله العالم.
[المسألة السادسة إذا قتل المكاتب المشروط فهو كما لو مات]
المسألة السادسة:
إذا قتل المكاتب المشروط فهو كما لو مات تبطل كتابته و يموت رقيقا، و للسيد كسبه و أولاده، فإن كان القاتل المولى فليس عليه إلا الكفارة، و إن قتله أجنبي حر فلا قصاص أيضا، و لكن عليه القيمة.
و لو كان القتل بسراية الجرح فان كان قبل أن يعتق و قد أدى أرش الجرح إلى المكاتب أكمل القيمة للمولى، و إلا دفع إليه تمام القيمة، و إن كان الجاني المولى سقط عنه الضمان، و أخذ كسبه الذي منه أرش الجرح الذي دفعه إليه، و إن كانت السراية بعد ما عتق بأداء نجومه فعلي الجاني الأجنبي تمام الدية، لأن الاعتبار في الضمان بحالة الاستقرار و تكون لوارثه، بل لو كان الجاني المولى كان عليه ذلك أيضا، و إن كان لا ضمان عليه لو جرح عبده القن ثم أعتقه و مات قبل السراية، للفرق بينهما بأن ابتداء الجناية هنا غير مضمون بخلاف المكاتب فإن ابتدائها مضمون.
و لو جني على طرفه أي المكاتب عمدا و كان الجاني هو المولى فلا قصاص قطعا، لعدم المكافاة، و لكن عليه الأرش الذي هو من كسبه و عوض عضوه الذي فاته الاكتساب به. و كذا إن كان الجاني أجنبيا حرا أو مبعضا و ذلك لما عرفته من عدم المكافاة.
نعم إن كان الجاني مملوكا ثبت له القصاص و ليس للسيد منعه و لا إجباره على العفو على مال كالمريض و المفلس، لعدم كونه تصرفا في مال، مع إطلاق أدلة القصاص، و إن احتمل لأنه قد يعجز فيعود إلى المولى مقطوع اليد‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 355‌
مثلا بلا جابر، إلا أنه كما ترى لا يصلح لتقييد إطلاق الأدلة، بل لو عفى عما له من القصاص مجانا صح، لأن موجب الجناية القصاص لا المال، و أولى منه لو عفى على أقل من أرش الجناية، و ربما احتمل العدم فيهما، بل هو خيرة الكركي في حاشيته في الأول، لأنه تصرف غير اكتسابي، و فيه منع الحجر عليه في مثله و إن لم يكن اكتسابا، لأنه ليس تبرعا بمال، نعم لو كانت الجناية توجب مالا لم يكن له العفو من دون إذنه.
و كيف كان ف‍ كل موضع يثبت فيه الأرش في العمد و الخطأ على المولى أو على غيره فهو للمكاتب، لأنه من كسبه و عوض ما فاته من الاكتساب بسبب الجناية، و الله العالم.
[المسألة السابعة إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد الاقتصاص فللمولى منعه]
المسألة السابعة:
إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد الاقتصاص منه ف‍ عن المبسوط للمولى منعه لأنه تصرف غير اكتسابي، فلا تنقطع عنه سلطنة المولى، و فيه أن إطلاق الأدلة ينافيه، خصوصا بعد ما سمعت من أن له الاقتصاص من غيره و من عبيده لو جني بعضهم على بعض.
و من الغريب جزم المصنف هنا بأن للمولى منعه المبني على بقاء سلطنة المولى له على ذلك مع جزمه السابق بأن له القصاص من عبيده و أنه إن جني عليه مملوك ثبت له القصاص الظاهر في أن ليس للسيد منعه عن ذلك، ضرورة عدم الفرق في المملوك بين عبد السيد و بين غيره.
و تحقيق المسألة مبني على أن المكاتب محجور عليه في سائر تصرفاته المالية و غيرها إلا التصرف الاكتسابي، و إلا ما يرجع إلى الإنفاق عليه و على غيره ممن نفقته عليه من عبد أو أمة و نحوهما، أو أنه بالكتابة قد ارتفع الحجر عنه‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 356‌
مطلقا إلا التصرف التبرعي في ماله، فله استيفاء حقه من القصاص و غير ذلك من التصرفات التي ليست اكتسابية الظاهر الثاني.
و صحيح معاوية بن عمار «1» المتقدم سابقا المشتمل- على النهي عن أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام مع أنه في المكاتب على نفسه و ماله الذي يمكن إرادة اشتراط ذلك عليه من الكتابة على ماله كما ذكرناه سابقا- إنما هو في التصرف في المال، و النهي عن التزويج فيه و في غيره لا يقتضي المنع عن سائر التصرفات التي يمكن القطع بخلاف ذلك فيها من إيداع ماله و التصرف فيه بركوب و لبس و استعمال و نحو ذلك، كالقطع بثبوت الحق له بسبب الجناية أو غيرها، و لو لأنه قد يرجع إلى مال، فيكون سلطنة الاستيفاء له، فتأمل جيدا فاني لم أجد المسألة محررة في كلامهم، و الله العالم.
و على كل حال ف‍ ان كانت الجناية خطأ فأراد الأرش لم يملك منعه، لأنه بمنزلة الاكتساب الذي ليس له منعه منه و لكن لو أراد الإبراء توقف على رضا السيد لأنه تصرف تبرعي، و كذا في العمد لو عفي على مال ثم أراد الإبراء منه، و الله العالم. هذا كله في المشروط.
[الثاني في المطلق]
و أما المطلق ف‍ ان لم يكن قد أدى شيئا فهو بحكمه و إذا أدى من مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه فان جني هذا المكاتب، و قد تحرر منه شي‌ء و كانت جناية عمدا على حر اقت
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌34، ص: 356
[الثاني في المطلق]
و أما المطلق ف‍ ان لم يكن قد أدى شيئا فهو بحكمه و إذا أدى من مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه فان جني هذا المكاتب، و قد تحرر منه شي‌ء و كانت جناية عمدا على حر اقتص منه إلا أن يعفي عنه على مال أولا عليه و لو جني على مملوك أو على من كان أقل حرية منه لم يقتص منه لما فيه من الحرية، و لزمه من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرية و تعلق برقبته منها بقدر رقيته كما هو حكم المبعض في أكثر المقامات.
و لو جني على مكاتب مساو له في الحرية اقتص منه لحصول‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 6- من أبواب المكاتبة الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 357‌
المكافاة و إطلاق أدلة القصاص نعم لو كان حرية الجاني أزيد لم يقتص منه لعدم المكافاة و إن كانت أقل اقتص منه لحصولها و زيادة.
و لو كانت الجناية خطأ تعلق بالعاقلة بقدر الحرية، و برقبته بقدر الرقية للتبعيض و للمولى و لنفسه أن يفدي نصيب الرقية بنصيبها من أرش الجناية بالغا ما بلغ أو بأقل الأمرين على الأصح سواء كانت الجناية على عبد أو على حر خلافا لما عن بعض العامة، فجعل دية الجناية على العبد في ذمة الجاني و إن كانت خطأ.
و لو جني عليه حر أو أزيد حرية منه فلا قصاص لعدم المكافاة، و عليه الأرش الذي هو هنا مركب من بعض دية هذه الجناية على الحر و بعض أرشها على العبد و لو كان الجاني رقا أو أقل حرية أو مساويا اقتص منه في العمد بلا خلاف و لا إشكال، و الله العالم.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌34، ص: 358‌
[المقصد الثالث في أحكام المكاتب في الوصايا]
المقصد الثالث في أحكام المكاتب في الوصايا،
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌35، ص: 114
أما لو أقر عليه بما يرجع إلى ذمته بعد العتق كان شهادة لا إقرارا، و قد ذكرنا تمام الكلام في كتاب القضاء عند قولهم: «و إذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه سواء كانت الدعوى مالا أو جناية» إلى آخره فلاحظ و تأمل كي تعرف مما ذكرنا توجيه الدعوى تارة على المولى خاصة و اخرى على العبد كذلك و ثالثة عليهما.
هذا و في القواعد «لو أقر عليه بالجناية فالأقرب قبول قوله، و يجب المال‌
______________________________
(1) الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌35، ص: 115‌
و يتعلق برقبته، لا في حق العبد كفك الإرث، فيعتق بالقيمة و إن قصرت على القولين» و المراد أن إقرار مولاه بالجناية عليه لا ينفذ إلا في حق المولى خاصة، سواء كانت خطأ أو عمدا، دون العبد الذي هو غير المولى، حتى لو فرض موت مورثه المقتضي لفكه بالقيمة ليرث لا يدفع من ماله أزيد من قيمته و إن كانت أقل من أرش جنايته المقر بها.
نعم لو كانت جنايته ثابتة بالبينة مثلا اتجه حينئذ فكه بأرشها من التركة و إن زاد على قيمة العبد بناء على أن الواجب فيها الأرش كائنا ما كان.
و تفصيل الحال في ذلك أنه لو أقر المولى بجنايته خطأ فإن كانت مستوعبة لقيمته تخير بين دفعه فيها و بين فدائه بقيمته و إن كانت أقل من الأرش على الأصح، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و قيل بالأرش بالغا ما بلغ كما سمعته في المكاتب، و يأتي في الديات، إنشاء الله.
و إن لم تكن مستوعبة تخير بين دفع ما قابلها من العبد و بين فكه بأرشها، فلو اتفق موت مورثه في هذا الحال قبل الفداء أو الدفع لم يتغير الحكم المزبور، فتدفع إليه القيمة من التركة فيدفعها إلى المجني عليه أو ما قابل جنايته منها و الزائد له، و يفك العبد و يرث بقية المال.
نعم بناء على احتمال وجوب الأرش كائنا ما كان يمكن دفع ذلك من التركة، لتوقف الفك عليه، و لا يجب على المولى دفعه من نفسه، إذ المولى مخير بين دفعه و فدائه، فله اختيار الأول، و يحتمل هنا عدم استحقاقه و إن قلنا باستحقاقه في غير الفرض، لتجدد خطاب الفك بالقيمة هنا، فتقوم حينئذ هي مقام العبد، و يتعلق بها حق المجني عليه. و لأن الجناية إنما هي بإقراره الذي لا يمضى على العبد، لا أنها ثابتة ببينة أو بإقرار العبد، و لعله إلى هذا لمح الفاضل و اختار ما سمعت.
و إن كانت الجناية المقر بها عمدا فقد عرفت أنه لا قصاص عليه لأنه إقرار‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌35، ص: 116‌
بحق الغير، بل قد يقال: ليس له دفعه للاسترقاق مع فرض عروض موت المورث في هذا الحال، لكن يدفع القيمة التي أخذها من التركة إليه، نعم لو كان قد دفعه فيها قبل ذلك و استرقه المجني عليه فك منها بها، كما أنه كذلك لو دفعه في الخطأ أيضا.
هذا و في الدروس «فلو أقر أي المولى بالجناية عمدا على المكافي و أنكر سلم المجني عليه و لم يقتص منه، و لو اتفق موت مورثه بعد إقرار مولاه عليه بالجناية فكه بقيمته، و يتعلق بها حق المجني عليه مع الإيعاب، و لا يتوجه هنا الفك بأقل الأمرين، لأن ذلك وظيفة المولى».
و قد ناقشه الكركي في إطلاقه، بل أطنب في أصل المسألة، بل حكى عن فخر المحققين بناء صورة العمد فيها على أن الواجب في العمد القصاص خاصة أو أحد الأمرين: هو أو الدية، و قد حكى عن الأكثر الثاني. و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌37، ص: 126
و لو جنى العبد المغصوب بما يوجب القصاص نفسا أو طرفا و اقتص منه و لو بعد رده للمولى ضمنه الغاصب، و كذا لو سرق أو ارتد عن فطرة فقطع أو قتل، نعم لو غصبه بعد ارتداده أو سرقته أو استحقاق القصاص عليه مثلا ضمن قيمة عبد مستحق للقتل.
و لو جنى بما يوجب تعلق المال برقبته فداه الغاصب بأقل الأمرين من أرش جنايته و قيمته، و يحتمل بأرش الجناية بالغا ما بلغ، كما ستسمع‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌37، ص: 127‌
إنشاء الله تمام الكلام فيه عند ذكر المصنف له.
و بالجملة كل نقص يكون فيه مضمون عليه و لو كان منه أو من آفة سماوية، بل في التحرير «لو جنى على سيده فجنايته مضمونة على الغاصب أيضا، لأنه من جملة جناياته الموجبة للنقص» و حينئذ فإن اقتص المولى فعلى الغاصب أرش العضو التالف بالقصاص كما في التذكرة، بل قال: «و إن عفا على مال ثبت المال على العبد، و فداه الغاصب بأقل الأمرين من أرش الجناية و قيمة العبد كالأجنبي» و إن كان لا يخلو من تأمل، باعتبار أن السيد لا يثبت له على ماله مال، و من هنا لو كانت الجناية خطأ لم يستحق السيد على الغاصب شيئا من حيث الجناية، لأنها لا توجب شيئا.
نعم لو تراضى الغاصب مع السيد على مال للعفو عن القصاص الذي يوجب على الغاصب النقص صح، بل قد يقال بوجوب الدفع على الغاصب مقدمة لرد العين كما هي الواجب عليه، بل قد ينقدح من ذلك وجوب دفع الأزيد من قدر الجناية.
و منه ينقدح قوة القول بوجوب فدائه في الجناية المالية على الأجنبي بالأزيد من مقدر الجناية مقدمة لوجوب الرد، فتأمل جيدا فإنه قد يفرق بين السيد و الأجنبي بعد فرض إرادة السيد القصاص منه لاختياره حينئذ عدم رد العين كما هي، فيسقط الخطاب بذلك.
و كيف كان فإنما يضمن الغاصب نقص القيمة حيث يحصل و لو بسبب من العبد، و لا يضمن أرش نفس العضو الذي فرض قطعه بسرقة أو جناية، لأنه ذهب بسبب غير مضمون، فأشبه سقوطه بغير جناية.
و لو زادت جناية العبد عن قيمته ثم مات فعلى الغاصب قيمته يدفعها إلى سيده، فإذا أخذها تعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذ ولي‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌37، ص: 128‌
الجناية القيمة من المالك رجع على الغاصب بقيمة أخرى، لأن المأخوذة أولا استحقت بسبب وجد في يده، فكانت من ضمانه.
أما لو كان العبد وديعة فجنى بما تستغرق قيمته ثم قتله المستودع وجب عليه قيمته و تعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذها ولي الدم لم يرجع المالك على المستودع بشي‌ء، لأنه جنى و هو غير مضمون.
و لو جنى العبد في يد المالك بما يستغرق قيمته ثم غصبه غاصب فجنى في يده بالمستغرق أيضا ففي التحرير بيع في الجنايتين، و قسم ثمنه بينهما، و رجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني، لأن الجناية في يده و إن كان للمجني عليه أولا أخذه دون الثاني، لأن الذي أخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا، فلا يتعلق به حقه، و يتعلق به حق الأول، لأنه بدل عن قيمة الجاني.
و لو مات العبد في يد الغاصب فعليه قيمته بينهما، و يرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة، لأنه ضامن للجناية الثانية، و يكون للمجني عليه أولا أن يأخذ كما قلناه، فتأمل جيدا، فان بعضه لا يخلو من بحث، و الله العالم.
و لو زادت قيمة المملوك بالجناية التي لا مقدر لها شرعا رده و لا شي‌ء عليه للأصل، كالسمن المفرط في نحو العبد و الجارية مما لا يقصد فيه اللحم، بلا خلاف أجده فيه، لكن عن المبسوط فيما لو حلق لحية الأمة فلم تنبت من دون غصب فزادت قيمتها، قال: نعتبرها بعبد إن زالت لحيته نقصت قيمته. و عن أبي العباس و ثاني الشهيدين فيها الحكومة، و فيه أنه لا دليل عليه، كما تعرفه في الديات إنشاء الله.
أما لو كان لها مقدر كالخصاء أو قطع الإصبع الزائد المقدرين بتمام القيمة و ثلث دية الإصبع الأصلية رده مع دية الجناية‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌37، ص: 129‌
كما عن الشيخ و غيره، بل في الكفاية أنه المشهور لأنها مقدرة فيتناوله دليلها و إن لم تنقص القيمة.
نعم قد يشكل ذلك من الشيخ إذا فرض استيعاب القيمة بأنه لا يوافق ما سمعته منه من تخيير المالك بين الرد و أخذ القيمة و بين الإمساك و لا شي‌ء له، فيتجه في المقام ذلك لا الرد مع المقدر، بل عن موضع من مبسوطة التصريح بذلك، و فيه ما عرفت سابقا.
كما أن ما في القواعد- من أنه لا شي‌ء في قطع الإصبع الزائدة كالسمن المفرط- لا يخفى عليك ما فيه، لما عرفت من أن لها مقدرا بخلافه.
نعم في محكي التحرير لو سقط ذو المقدر بآفة سماوية و كان تزيد به القيمة لا شي‌ء، بل في القواعد ذلك أيضا، إلا أنه قال: على إشكال، لكن عن التذكرة و الإيضاح أن الأقرب وجوب القيمة، بل في جامع المقاصد أنه أصح، لأنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية، و كأنه مصادرة، و التقدير للجناية لا يقتضي التقدير لغيرها، كما أشرنا إليه سابقا، و الله العالم.
و على كل حال فلا يخفى أن البحث في المدبر و المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئا و أم الولد كالبحث في القن ضرورة اشتراك الجميع في المملوكية، نعم لو تحرر البعض جرى على كل من جزء الحر و الملك حكمه، كما هو واضح، و الله العالم.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌38، ص: 378
[المسألة الرابعة إذا التقط العبد و لم يعلم المولى فعرف حولا ثم أتلفها تعلق الضمان برقبته]
المسألة الرابعة:
إذا التقط العبد و لم يعلم المولى و لا أذن له فيه فعرف حولا أو لم يعرف ثم أتلفها مع نية التملك الممتنع بالنسبة إليه و عدمها تعلق الضمان برقبته أي ذمته يتبع بذلك إذا أعتق كالقرض الفاسد بلا خلاف و لا إشكال فيه عندنا، سواء قلنا بجواز التقاطه و عدمه، بل الظاهر على التقديرين إثمه بالتصرف فيها.
لكن في القواعد «و لو نوى التملك دون المولى لم يملك، نعم له التصرف و يتبع به بعد العتق» و لم أجده لغيره.
و ربما وجه بأن له التصرف في المباحات إذا حازها كلحوم الصيود و أكل الأعشاب و نحو ذلك من غير توقفه على إذن السيد، و اللقطة مثلها، و رد بأنه لا يتم إلا فيما كان منها كالمباح، نحو دون الدرهم، بخلاف مفروض المسألة الذي هو فيما يعرف منها.
و فيه منع ذلك أيضا فيما دون الدرهم، ضرورة ظهور الأدلة في ملك الواجد له، و يتبعه التصرف، و الفرض استحالته في العبد، و لا دليل على جواز التصرف فيه بدون ذلك، و كذا الكلام فيما زاد بعد تعريف الحول.
و حمل العبارة على إذن السيد له في ذلك لا يجدي، إذ هو إن اقتضى تملك السيد له فالضمان حينئذ عليه، و إلا لم تفد إذنه في التصرف في مال الغير إباحة له.
كما أن حمل العبارة على إرادة إباحة الانتفاع الذي يجوز لكل ملتقط في مثل الدابة عوض النفقة التي قد عرفت أن الأصح المقاصة فيها لا يتم‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌38، ص: 379‌
أيضا، كما هو واضح. و الله العالم.
و لو علم المولى قبل التعريف أو بعده و لم يكن قد أذن له في الالتقاط و لم ينتزعها منه و كان غير أمين ففي محكي المبسوط ضمن، لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا فصار كما لو وجدها و سلمها إلى فاسق، فإنه يضمنها.
و هو متجه مع إذنه له إذن استنابة، كما يومئ إليه قوله: «كما لو وجدها» إلى آخره، و الفرض تقصيره في الانتزاع و كونه غير أمين و إلا فمع فرض عدم الاذن له في الالتقاط ف‍ فيه أي الضمان تردد كما اعترف به الفاضل و الشهيدان و الكركي، بل منع، كما في المسالك و غيرها، لأصالة براءة ذمته منه، بل و من وجوب انتزاع مال الغير الذي في يد العبد و إن رآه يتلفه.
بل قد يقال: بعدم ضمانه و إن أوجبنا عليه الانتزاع، إذ هو على تقدير وجوبه تعبدي لا يقتضي الضمان. نعم في الدروس «و لو كان العبد غير مميز اتجه ضمان السيد» و كأنه نزله منزلة دابته حيث يجب منعها من إتلاف مال الغير، مع أنه لا يخلو من نظر بناء على عدم وجوب حفظ مال الغير، و عدم دليل على التنزيل المزبور.
و لو قبضها المولى ثم ردها إليه و الفرض كونه غير أمين ففي التذكرة التصريح بضمانه، بل قيل: الظاهر أنه لا خلاف فيه، و قد يشكل بناء على جواز التقاطه، ضرورة كونه كالملتقط الفاسق، اللهم إلا أن يلتزم بالضمان فيه أيضا، نعم لو قلنا بعدم جواز التقاطه اتجه ذلك، لصيرورته في يده لقطة مكلفا بها، و لا فرق بين المولى و غيره على التقديرين.
و لو كان العبد أمينا فلا إشكال و لا خلاف في عدم الضمان حتى مع إذن الاستنابة.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌38، ص: 380‌
و لو أذن المولى للعبد في التملك بعد تعريف الحول ففي القواعد ضمن السيد، و ظاهره الضمان بذلك و إن لم يجر العبد صيغة التملك.
و عنه في التذكرة و إن تلفت بعد مدة التعريف فان أذن له السيد في التملك و أجرى التملك ضمن و إن لم يجر التملك بعد فالأقوى تعلق الضمان بالسيد، لأنه أذن في سبب الضمان، فأشبه ما إذا أذن له أن يسوم شيئا فأخذه و تلف في يده.
و على كل حال فهو متجه مع إرادة التملك للسيد، ضرورة كونه حينئذ مضمونا عليه، أما لو كان المراد الاذن له في تملكه و الفرض عدم ملكه فيشكل ضمان السيد بذلك.
و لعله لذا قال في محكي التحرير: «و من جوز تمليك العبد مع إذن المولى لو أذن له مولاه ملك العبد و ضمن السيد» اللهم إلا أن يكون ذلك منه إذنا في التصرف بمال الغير، فيكون ضمانه عليه، و الله العالم.
و لو عرفها العبد و هي في يد السيد أو العبد لكونه أمينا أو مطلقا ملكها المولى إن شاء و ضمن بناء على أن ثمرة التقاطه للمولى و إن كان بغير إذنه و قلنا بصحته، فحينئذ له التملك مع الضمان و الصدقة و الحفظ.
و لو نزعها المولى منه قبل التعريف أو قبل إكماله ففي المتن و غيره لزمه التعريف بتمامه أو ما بقي منه و له التملك أيضا بعد الحول أو الصدقة مع الضمان أو إبقاؤها (في يده خ) أمانة.
و لكن قد سلف منا ما يفهم منه الإشكال في ذلك إن لم يكن إجماعا كما عساه يظهر من المتن و القواعد و المسالك و غيرها، حيث أرسلوه إرسال المسلمات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌38، ص: 381‌
قال في الأخير في شرح العبارة المزبورة: «إذا التقط العبد باذن المولى أو بغير إذنه إن جوزناه تخير المولى بين أن يتركها في يده ليعرفها إذا لم يكن خائنا ثم يتملكها إن شاء، و بين أن ينتزعها منه و يعرفها، فان اختار الأول تملكها المولى بعد الحول، و قبل قول العبد في التعريف إن كان ثقة و إلا اعتبر اطلاع المولى على تعريفه أو اطلاع من يعتمد على خبره، لأنه كالنائب، مع احتمال قبول قوله فيه مطلقا، لأنه ملتقط حقيقة، إذ هو الفرض، و إن انتزعها منه وجب عليه تعريفها و صارت بيده بمنزلة ما لو التقطها و تخير بعد التعريف بما شاء من الأمور الثلاثة».
و في القواعد «و لو أذن له المولى في التملك بعد التعريف أو انتزعها بعده للتملك ضمن السيد، و لو انتزعها السيد قبل مدة التعريف لزمه إكماله، فإن تملك أو تصدق ضمن، و إن حفظها لمالكها فلا ضمان».
إذ ذلك كله لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم دليل يقتضي أن ذلك للسيد بعد فرض جواز الالتقاط بدون إذنه، فان جوازه يقتضي تعلق الأحكام به، و عدم قابليته للتملك لا يرفع أصل حكم الالتقاط عنه، و كذا منع السيد له من التعريف أو الحفظ، فإن أقصى ذلك الانتظار إلى وقت التمكن بناء على تقديم حق السيد أو يدفعها إلى الحاكم أو غير ذلك.
و دعوى أن كل ما كان للعبد لو كان حرا يكون للسيد تحتاج إلى دليل، كاحتياج انتقال حكم اللقطة إلى السيد بانتزاعها منه على الوجه المزبور إليه أيضا بعد فرض جواز التقاطه بدون إذنه.
نعم لو قلنا بعدمه صار ما في يده كالموضوع في الأرض، فإذا أخذه السيد أو غيره كان حكم اللقطة عليه، و لا يجدي تعريف العبد سابقا، ضرورة كونه حينئذ كاللغو فتأمل جيدا.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌38، ص: 382‌
و لعل دليل ذلك كله أنه كَلٌّ عَلىٰ مَوْلٰاهُ، فكل شي‌ء تعلق به يكون لمولاه، و منه التقاطه و إن كان بغير إذنه، و نحوه حيازة المباحات إذ لا تقصر حيازته عن حيازة الأجير الخاص الذي لم يقصد الحيازة للمستأجر و لو لجنونه أو صغره و لكنه قد استأجره من وليه، فإنه يكفي في تملكه ملك المنفعة الخاصة بعقد الإجارة، و العبد مملوك عينا و منفعة، فما يحوزه أو يلتقطه يكون لسيده، مؤيدا ذلك كله بفتوى من عرفت و غيره على وجه المفروغية منه و قربه إلى الاعتبار.
و لعل من ذلك ما حكاه في القواعد عن الشيخ، قال: «و لو أعتقه قال الشيخ في المحكي من مبسوطة: للسيد أخذها، لأنه من كسبه».
و لفظه «عبد وجد لقطة و لم يعلم سيده فأعتقه فما الذي يفعل باللقطة؟
يبنى على القولين، فمن قال للعبد أخذها، فإن السيد يأخذها منه، لأنها من كسبه كالصيد، و قد سوغنا له أخذها قبل ذلك» و وافقه عليه الفاضل في المحكي من تذكرته و الكركي.
نعم في القواعد و محكي المختلف التفصيل في ذلك بين ما بعد الحول و قبله، فيأخذها المولى في الأول دون الثاني التي هي فيه أمانة.
لكن حكى في الدروس الاتفاق على أنها من كسبه من حين الأخذ، قال فيها: «و لو أعتق و بيده لقطة فللمولى انتزاعها منه عند الشيخ و الفاضل في التذكرة و قال في غيرها: للسيد أخذها إن عتق بعد الحول لا قبله، لأنها لا تسمى كسبا، و هذا مخالف لاتفاقهم على أنها كسب من حين الأخذ، نعم لو قلنا بعدم جواز التقاطه لم يكن للسيد أخذها مطلقا، لأنها قبل عتقه كالملقاة، و بعده تصير في يده صالحة للالتقاط، فيكون المعتق أولى بها من السيد، و فيه قوة».
و في محكي الإيضاح «أنه بني الأمر على أن الالتقاط هل هو للسيد‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌38، ص: 383‌
ابتداء أو لا، بل هو ولاية و أمانة في يده؟ فعلى الأول للسيد أخذها مطلقا، أي قبل الحول و بعده، و على الثاني ليس له أخذها إذا كان العتق قبل الحول» و فيه إشعار بما ذكرناه سابقا، لكن قد سمعت ما في الدروس من الاتفاق، و الله العالم.
[المسألة الخامسة لا يجب أن تدفع اللقطة إلا ب
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌42، ص: 75
[المسألة الرابعة إذا اشترك عبد و حر في قتل حر عمدا فللأولياء أن يقتلوهما]
المسألة الرابعة:
إذا اشترك عبد و حر في قتل حر عمدا قال في النهاية: للأولياء أن يقتلوهما و يؤدوا إلى سيد العبد ثمنه أو يقتلوا الحر، و يؤدي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم، أو يسلم العبد إليهم، أو يقتلوا العبد و ليس لمولاه على الحر سبيل و نحوه عن المقنعة و الإصباح و المهذب.
إلا أنه كما ترى شي‌ء غريب لا ينطبق على قاعدة و لا اعتبار، بل هما معا على خلافه، ضرورة اقتضائهما في الأولى رد نصف دية الحر على وليه، لأن جنايته ليست إلا نصفا و عدم رد شي‌ء على مولى العبد إلا ما يزيد على قدر جنايته، و في الثانية يرد مولى العبد على ولي الحر العبد يسترقه أو منه قدر جنايته، فان كان ذلك نصف الدية و إلا أكمله الولي، أو يرد مولى العبد العبد على ولي المقتول يسترقه أو منه قدر جنايته، و هو يغرم نصف الدية لولي المقتول، و في الثالثة يرد الولي على المولى ما زاد على قدر جنايته و يبقى له على الحر نصف دية، أو يرد الحر ذلك فان زاد رجعة إلى الولي.
و من هنا قال المصنف و غيره الأشبه بأصول المذهب و قواعده أن مع قتلهما يؤدون إلى الحر نصف ديته الذي هو الزائد على قدر جنايته و لا يرد على مولى العبد شي‌ء ما لم يكن قيمته أزيد من نصف دية الحر، فيرد عليه الزائد ما لم يتجاوز دية الحر، فان تجاوزها رد إليها و لم يرد على مولاه إلا نصفها.
و إن قتلوا الحر خاصة ففي القواعد و غيرها «أدى مولى العبد نصف دية الحر أو يدفع العبد ليسترقه ورثته، و ليس لهم قتله».
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 76‌
و إليه يرجع ما في المسالك من أنه «إن كان المقتول الحر خاصة فالمردود على وليه نصف ديته، و هو واضح، و أما مولى العبد فيلزمه أقل الأمرين من جنايته- و هو نصف الدية- و من قيمة عبده، لأن الأقل إن كان هو الجناية فلا يلزم الجاني سواها، و إن كان هو قيمة العبد فلا يجني على أكثر من نفسه، و لا يلزم مولاه الزائد، ثم إن كان الأقل هي قيمة العبد فعلى ولي المقتول كمال نصف الدية لأولياء الحر».
قلت: قد يقال: إن المتجه بحسب القواعد ضمان الولي للحر نصف الدية، و يبقى له الحق على العبد، فان شاء استرقه إذا كانت قيمته قدر جنايته، و إلا استرق منه ما يقابلها و بقي الزائد لمولاه، و إن نقصت فليس له على المولى شي‌ء، لأنه لا يجني على أكثر من نفسه، و ذلك لعدم دليل يقتضي استحقاق ولي الحر المقتول على العبد شيئا إلا القياس على ما جاء في الأحرار، و ليس من مذهبنا، اللهم إلا أن يكون من التنقيح المعلوم بإجماع و نحوه أو يكون مستنده خبر أبي بصير «1» الذي عرفت اختلاله من وجوه.
و إن قتلوا العبد خاصة و كانت قيمته مساوية لجنايته أي نصف دية الحر أو أقل فلا شي‌ء لمولاه، و يبقى للولي على الحر نصف الدية و إن كانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول أدوا إلى مولاه الزائد و لو مما يأخذونه من نصف الدية من الحر فان استوعبت الدية بتمامها دفع كله إليه، و إن زاد عليها رد إليها، لعدم تجاوز قيمة العبد في الجناية دية الحر و إلا تستوعبها قيمته بل كانت أقل دفع للمولى الزائد على قدر الجناية و كان تمام الدية لأولياء الأول.
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 77‌
و في هذه اختلاف للأصحاب: منها ما سمعته من النهاية و غيرها، و منها ما عن الكافي و السرائر من أنه يقتلهما و يرد قيمة العبد على سيده و ورثة الحر.
و لكن في كشف اللثام: «يمكن بناؤه على مساواة قيمته دية الحر، فيرد نصفها على سيده و نصفها على ورثة الحر».
و هو كما ترى في غاية البعد، خصوصا بعد قولهما: «و إن اختار قتل الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته، و إن اختار قتل العبد قتله و أدى الحر إلى سيده نصف قيمته» و إن كان يمكن تنزيله أيضا على ما لا ينافي ذلك، و من هنا قال في المسالك: «و لا يخفى ضعف ذلك على إطلاقه».
قلت: و أما ما سمعته من النهاية و محكي المقنعة و المهذب و الإصباح من أنه في صورة قتل العبد خاصة ليس للمولى على الحر سبيل، بل عن ابن زهرة نسبته إلى الأكثر و أنه الظاهر في الروايات فان كان المراد به ما أشرنا إليه من عدم رجوع للمولى على الشريك و إنما رجوعه على الولي القاتل فهو حسن، و إلا فلا وجه له في صورة زيادة قيمته على قدر جنايته.
و كيف كان ف‍ ما اخترناه أنسب ب‍ قواعد المذهب في الجنايات، و عليه عمل المشهور، بل ما سمعته من الأقوال السابقة لا يفي به إلا نصوص خاصة لم نعثر على شي‌ء منها، نعم في‌
خبر إسحاق بن عمار «1» «إن شاء قتل الحر و إن شاء قتل العبد، فان اختار قتل الحر ضرب جنبي العبد»‌
و ليس فيه شي‌ء مما سمعته منهم.
و عن الاستبصار أن قوله (عليه السلام): «ضرب» إلى آخره.
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 7.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 78‌
لا يدل على أنه لا يجب على مولاه أن يرد على ورثة المقتول الثاني نصف الدية أو يسلم العبد إليهم، لأنه لو كان حرا لكان عليه ذلك على ما بيناه، فحكم العبد حكمه على السواء، و إنما يجب مع ذلك التعزير كما يجب على الأحرار.
و بالجملة لا إشكال في شي‌ء منها بحمد الله إلا ما أشرنا إليه من مساواة حكم شركة الأحرار للمقام، و عليه فلا إشكال في أنه ليس لأولياء الحر المقتول قصاصا قتل العبد مع دفعه إليهم، لعدم تعلق حق جناية لهم في رقبته، و إنما كانت للمقتول الأول الذي فرض عدم إرادة وليه القتل، و عن الغنية الإجماع على ذلك، و قد سمعت القطع به من الفاضل أيضا، و الله العالم.
[المسألة الخامسة لو اشترك عبد و امرأة في قتل حر مسلم فللأولياء قتلهما]
المسألة الخامسة التي تعلم مما سمعته في سابقتها و هي ما لو اشترك عبد و امرأة في قتل حر مسلم فللأولياء قتلهما بلا خلاف و لا إشكال و لا رد على المرأة لعدم بقاء شي‌ء لها زائد على جنايتها التي هي نصف نفس و لا على العبد إلا أن تزيد قيمته عن نصف الدية الذي هو قدر جنايته. فيرد حينئذ على مولاه الزائد ما لم يتجاوز دية الحر التي يرد إليها.
و لو قتلت المرأة به خاصة كان لهم استرقاق العبد كما في غيره من جناية العمد إلا أن يكون قيمته زائدة عن نصف دية المقتول الذي هو جناية العبد فيرد على مولاه ما فضل إن شاء، و إلا بقي على ملكه مشتركا معهم.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 79‌
و إن فداه و رضي الولي ففي كشف اللثام «فداه بقيمته إن لم تزد على النصف، و إلا فبالنصف» و فيه أن ذلك يتبع التراضي و لو بالزائد على النصف، اللهم إلا أن يدعي أن الفداء شرعا كذلك، فمع الرضا به يتعين عليه القبول على الوجه المزبور أو أن إطلاقه يقتضي ذلك، و الله العالم.
و إن قتلوا العبد خاصة و قيمته بقدر جنايته أي نصف الدية أو أقل فلا رد على مولاه لعدم فوات شي‌ء زائد على قدر الجناية عليه و على المرأة دية جنايتها أي النصف الآخر تؤديه إليهم و إن كانت قيمته أكثر من نصف الدية ردت عليه المرأة ما فضل من قيمته، فان استوعب دية الحر فذاك و إلا كان الفاضل لورثة المقتول أولا نحو ما سمعته سابقا، و ذلك كله واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.
مع أن‌
صحيح ضريس «1» دال على بعض ذلك، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة و عبد قتلا رجلا خطأ، فقال:
إن خطأ المرأة و العبد مثل العمد. فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما، قال: فان كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم، و إن أحبوا أن يقتلوا المرأة و يأخذوا العبد أخذوا إلا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم و يأخذوا العبد أو يفتديه سيده، و إن كانت قيمة العبد أقل من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد»‌
و إن كان في متنه بعض الاختلال، كالحكم بأن خطأ المرأة و العبد عمد، و إطلاق دفع الزائد و أخذ العبد الذي ينبغي تقييده برضا المولى، كإطلاق فداء المولى الذي ينبغي تقييده برضا‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 80‌
الأولياء، إلا أن ذلك لا ينافي الاستدلال على بعض الأحكام المزبورة التي قد صرح فيه بها في صورة العمد، و الله العالم.
[المسألة السادسة لو اشترك رجل و خنثى في قتل رجل فللولي قتلهما]
المسألة السادسة:
لو اشترك رجل و خنثى في قتل رجل فللولي قتلهما بعد رد الفاضل من ديتهما و هو النصف من الرجل و الربع من الخنثى التي ديتها ثلاثة أرباع دية الرجل أي نصف دية المرأة و نصف دية الرجل.
و لو كان معهما امرأة قتلوا و رد عليهم دية و ربع، للرجل ثلثا دية، و للمرأة سدسها، و للخنثى ثلثها و نصف سدسها.
و يظهر ذلك بفرض الدية اثني عشر جزء، فدية المرأة ستة، و دية الخنثى تسعة، و كل منهما و من الرجل إنما جنى الثلث، ففضل للرجل الثلثان ثمانية أجزاء، و للمرأة جزءان، و للخنثى خمسة، و المجموع خمسة عشر.
و قال المفيد في ما حكي عنه بناء على مختاره من تقسيم الجناية على الرجل و المرأة أثلاثا: «فيكون للرجل ثلث و تسع من اثني عشر ألف درهم و خمسمائة درهم، و هو خمسة آلاف درهم و خمسمائة درهم و خمسة و خمسون درهما و نصف و حبتان و ثلثا حبة، و للخنثى الثلث، و هو أربعة آلاف درهم و مائة و ستة و ستون درهما و ثلثا درهم، و للمرأة خمس و تسع خمس، فيكون ألفي درهم و سبعمائة و سبعة و سبعين درهما و أربعة دوانيق و خمس حبات و ثلث حبة، فذلك تكملة الاثنى عشر ألف درهم و خمسمائة درهم» انتهى.
قيل: و ذلك لأن للرجل ضعف ما للأنثى، و للخنثى نصف ما للرجل و نصف ما للأنثى، فإذا جزأنا ما يرد عليهم خمسة و أربعين كان‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 81‌
للرجل عشرون، و للمرأة عشرة، و للخنثى خمسة عشر، و ذلك ما ذكره، و أراد بالحبة حبة شعير.
و لو اشترك رجل و خنثى في قتل امرأة قتلا بعد رد ثلاثة أرباع الدية إلى الرجل، لأنه إنما جنى بقدر نصف ديتها، و رد نصف الدية إلى الخنثى لذلك. و إن جامعهما امرأة رد عليهم قدر دية رجل و خنثى موزعة على الجميع كل على نسبته و قتلهم.
و بما ذكرناه و ذكره المصنف ظهر لك الحال في جميع صور المباشرة و التسبيب انفرادا و اجتماعا و إن أطنب بها في القواعد و غيرها على وجه يفيد الناظر فيها تشويشا، و لكن حاصلها لا يخرج عما ذكرناه، و الحمد لله تعالى.
[الفصل الثاني في الشروط المعتبرة في القصاص]
الفصل الثاني في الشروط المعتبرة في القصاص و
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌42، ص: 99
و لو قتل العبد حرا قتل به، و لا يضمن المولى جنايته، لكن ولي الدم بالخيار فيه بين قتله و استرقاقه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد استفاضة النصوص المعتبرة فيه.
ففي الصحيح «2» عن أحدهما (عليهما السلام) «في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول فان شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا استرقوه».
و في مرسل أبان بن تغلب «3» عن الصادق (عليه السلام) «إذا قتل العبد الحر دفع إلى أولياء المقتول، فان شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا حبسوه، و إن شاؤوا استرقوه يكون عبدا لهم».
و في خبر يحيى بن أبي العلاء «4» عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل العبد الحر فلأهل المقتول إن شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا استعبدوا».
و في خبر ابن مسكان «5» عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل‌
______________________________
(1) إيضاح الفوائد ج 4 ص 583.
(2) الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
(4) الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
(5) الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 100‌
العبد الحر فدفع إلى أولياء الحر فلا شي‌ء على مواليه».
إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بالنسبة إلى الأخير بما دل من النصوص أيضا على أن‌
الجاني لا يجني على أكثر من نفسه «1»‌
و أن المولى لا يضمن جناية عبده «2»‌
و أن العبد لا يغرم أهله وراء نفسه شيئا «3»‌
و بالنسبة إلى الأول بالإجماع و غيره.
و حينئذ ف‍ ليس لمولاه فكه مع كراهية الولي لما سمعته من النصوص الظاهرة في كون التخيير إليه، و‌
خبر الوابشي «4» «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقر العبد بها، قال: لا يجوز إقرار العبد على سيده، فإن أقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه»‌
لا صراحة فيه في كون الجناية عمدا» و على تقديره فهو قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه.
و لا ريب في ظهوره أيضا بعدم توقف استرقاقه على رضا المولى، كما هو ظاهر الأصحاب بل عن الغنية الإجماع عليه. و احتماله- لأن قتل العمد يوجب القصاص، و لا يثبت المال عوضا عنه إلا بالتراضي، و استرقاقه من جملة أفراده- كالاجتهاد في مقابلة ظاهر التخيير في النصوص المقتضي لعدم اعتبار رضاه، مؤيدا بالاعتبار، و هو أن الشارع سلطه على إتلافه بدون رضا المولى المستلزم لزوال ملكه عنه، فازالته مع إبقاء نفسه أولى،
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و 10 و 18.
(2) الوسائل- الباب- 8 و 9 و 10- من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
(3) الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 من كتاب الديات.
(4) الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات و الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 101‌
لما يتضمن من حقن دم المؤمن المطلوب للشارع، و الله العالم.
و لو جرح حرا جرحا موجبا للقصاص كان للمجروح الاقتصاص منه كتابا «1» و سنة «2» و إجماعا فإن طلب الدية فكه مولاه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، أو بأقل الأمرين منه و من قيمته على القولين اللذين مر الكلام فيهما في باب الاستيلاد.
و لو امتنع المولى كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية، و إن قصر أرشها كان له عليه أن يسترق منه بنسبة الجناية من قيمته، و إن شاء طالب ببيعه و له من ثمنه أرش الجناية، فإن زاد ثمنه فالزيادة للمولى.
لكن لم يحضرني من النص ما يدل على ذلك إلا‌
صحيح الفضيل بن يسار «3» عن الصادق (عليه السلام) «في عبد جرح حرا قال: إن شاء الحر اقتص منه، و إن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، و إن كانت الجراحة لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فان أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحته و الباقي للمولى، يباع العبد فيأخذ المجروح حقه و يرد الباقي على المولى».
و صحيح زرارة «4» عن أبي جعفر (عليه السلام) «في عبد جرح رجلين، قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته».
و هما معا غير دالين على تمام ما سمعت، بل ظاهرهما عدم اعتبار رضا المولى في استرقاق الجميع مع الإحاطة، نعم في أولهما اعتبار إباء المولى عن الفداء في استرقاق قدر الجناية منه مع فرض عدم الإحاطة،
______________________________
(1) سورة المائدة: 5- الآية 45.
(2) الوسائل- الباب- 3- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 1.
(3) الوسائل- الباب- 3- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 102‌
و ليس فيه أن للمجنى عليه طلب البيع، و إنما فيه «يباع» إلى آخره، و المراد منه بيان كونه مشتركا بينهما، فمع فرض اتفاقهما على بيعه يكون الثمن بينهما على قدر استحقاقهما.
و من ذلك يعلم ما في القواعد أيضا من أن الأقرب أن له الافتكاك و إن كره المجروح إذا أراد الأرش، بل قيل: إنه يحكى عن المبسوط، و قواه في الإيضاح و الشهيد في حواشيه، لأصالة عدم تسلط الغير على مال الغير، و لأن الواجب في العمد القصاص، ضرورة منافاته في الجملة للخبر «1» المزبور، بل و لما سمعته في القتل.
و ما في كشف اللثام- من الفرق بأن لولي المقتول التسلط على إزالة ملك المولى عنه بالقتل فكذا الاسترقاق، و ليس للمجروح التسلط على الإزالة، فإن القصاص في الجرح لا يزيل الملك، فإذا رضي بالأرش رضي عن القصاص بالدية من مال المولى، فله الخيار في أي مال له يضعها- لا يرجع إلى حاصل يعول عليه في الأحكام الشرعية فضلا عن أن يعارض الصحيح المزبور مؤيدا بما في‌
صحيح زرارة «2» عن أبي جعفر (عليه السلام) «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته»‌
مع إمكان تقرير نحوه في المقام أيضا بالنسبة إلى العضو.
و لعله لذا قال في القواعد في قصاص الأطراف: «و له استرقاقه إن ساوت قيمته الجناية أو قصرت، و له ما قابلها إن زادت، و لا خيار للمولى» بل و كذا ما فيها أيضا من أنه «لو لم يفتكه المولى كان للمجروح بيعه أجمع إن أحاطت الجناية برقبته، و بيع ما يساوي الجناية منه إن لم تحط» ضرورة عدم دلالة الصحيح المزبور على ذلك، اللهم إلا أن يريد‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 3- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 103‌
كان له ذلك بعد استرقاقه أجمع أو القدر.
و من ذلك يظهر لك أن المتجه التعبير بمضمون صحيحة الفضيل «1» بل قد يقال: إن له استرقاق ما قابل الجناية قهرا على المولى كما سمعته من القواعد، بل ظاهر كشف اللثام موافقته على ذلك هناك، فلا بأس حينئذ بحمل ما في الصحيح المزبور على ضرب من الندب أو غيره.
و على كل حال فليس للمجروح قتله و إن أحاطت الجناية برقبته، كما ليس للرجل قتل المرأة إذا قطعت إحدى يديه أو كلتيهما، و لا قتل الرجل إذا قطع يديه أو رجله، لأن «الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ» «2» و هو واضح، كوضوح عدم الفك للمولى قهرا لو طلب المجروح القصاص، و الله العالم.
و لو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه بلا خلاف و لا إشكال كتابا «3» و سنة «4» فان قتل حينئذ جاز، و إن طلب الدية تعلقت برقبة الجاني لظهور النصوص في أن جناية العبد في رقبته «5» و منه يعلم عدم تعين القصاص على المولى، بل له العفو عنه، و أخذ حقه من نفس الرقبة، و لو لفحوى ما سمعته في جناية العبد على الحر الذي هو أولى من العبد في ذلك و إن قلنا: إن الواجب في الأحرار القصاص، و الدية لا تثبت إلا صلحا، و قد سمعت تصريح النصوص أن‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 3- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
(2) سورة المائدة: 5- الآية 45.
(3) سورة البقرة: 2- الآية 178.
(4) الوسائل- الباب- 44- من أبواب القصاص في النفس.
(5) الوسائل- الباب- 41 و 45- من أبواب القصاص في النفس و الباب- 3- من أبواب قصاص الطرف.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 104‌
دية العبد قيمته «1» فحينئذ إذا عفا المولى عن القصاص لم يكن له إلا قيمة عبده التي هي ديته في رقبة العبد، و معنى كونها فيها أن له استرقاقه عوضها إن شاء و لو بمعونة ما سمعته في جنايته على الحر، و ليس ذلك من القياس الباطل، بل هو من فهم لحنهم (عليهم السلام) و لو بمعونة كلام الأصحاب.
و حينئذ فإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه مع عدم فداء المولى له، بل و معه إذا لم يرض ولي المقتول، كما صرح به الفاضل و غيره، لظهور النصوص في الحر «2» في كون الخيار بيد ولي المجني عليه في العمد، و لأن له قتله و إزالة ملكه عنه، فالاسترقاق أولى، و دعوى أن العفو على المال يقتضي التخيير في المال إلى سيد القاتل لا حاصل لها بعد ما ذكرناه.
و على كل حال ف‍ لا يضمنه مولاه بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفت من أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و أن السيد لا يعقل عبده و لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية أو بأقل الأمرين منها و من قيمة العبد على القولين، إلا أنه مع رضا ولي المجني عليه، إذ لا دليل على أن الخيار في ذلك لسيد القاتل، بل قد عرفت في الحر ظهور الأدلة في كون الخيار في جناية العمد بيد ولي المجني عليه، كما عرفت أن فحواها يقتضي ذلك هنا أيضا.
و إن كانت قيمة القاتل أكثر فلمولاه منه بقدر قيمة المقتول التي هي ديته و صار حقه منحصرا فيها، فليس له التعدي و إن قلنا بكون‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
(2) الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 105‌
القصاص له من غير رد، لظاهر قوله تعالى «1» «الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ».
و إن كانت قيمته أقل فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه قهرا على المالك، لما عرفت من الفحوى في الحر و غيرها.
و على كل حال فقد عرفت أنه لا يضمن مولى القاتل الذي لا يجني على أكثر من نفسه شيئا، إذ المولى لا يعقل عبدا لو قتل حرا فضلا عن العبد، هذا كله في العمد.
و أما لو كان القتل خطأ فليس إلا الدية في رقبة الجاني، و لكن كان مولى القاتل بالخيار بلا خلاف و لا إشكال بين فكه بقيمته مطلقا أو بأقل الأمرين منها و من قيمة المقتول التي هي ديته على القولين اللذين تقدم البحث فيهما و لا تخيير لمولى المجني عليه في ذلك فيلزم بالقبول و بين دفعه إلى أولياء المقتول يسترقونه، لأن حقهم تعلق برقبته لا في ذمة المولى و إن كان له التخيير المزبور.
لكن في‌
صحيح ابن مسلم «2» عن أبي جعفر (عليه السلام) «عن مكاتب قتل رجلا خطأ، قال: فان كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول، فان شاؤوا قتلوا و إن شاؤوا باعوا».
و ظاهره تعين الدفع، إلا أنه شاذ لم أجد عاملا به، مضافا إلى ما فيه من القتل خطأ، و احتمال حمله على إرادة ما يقابل الصواب لا العمد يخرجه عن مفروض المسألة، و لعل الصواب ما عن الفقيه «إن شاؤوا استرقوه و إن شاؤوا باعوه».
و على كل حال فإذا اختار الدفع كان له منه ما يفضل‌
______________________________
(1) سورة البقرة: 2- الآية 178.
(2) الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 106‌
عن قيمة المقتول التي ليس لوليه غيرها، إذ هي ديته فيكون الزائد عليها للمالك و ليس عليه ما يعوز لما عرفت من أن السيد لا يعقل عبده.
و لو اختلف الجاني و مولى العبد في قيمته يوم قتل فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم يكن للمولى بينة للأصل و‌
خبر أبي الورد أو حسنه «1» «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل عبدا خطأ، قال: عليه قيمته، و لا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت: و من يقومه و هو ميت؟ قال: إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتله كذا و كذا أخذ بها قاتله، و إن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد بالله تعالى بأنه ما له قيمة أكثر مما قومته، فان أبى أن يحلف ورد اليمين على المولى حلف المولى، فان حلف المولى أعطى ما حلف عليه، و لا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم»‌
و الله العالم.
و المدبر كالقن في الجناية، لإطلاق الأدلة أو عمومها، ضرورة عدم خروجه بالتدبير الذي هو وصية بالعتق أو كالوصية به عن المملوك الذي هو عنوان الجناية.
و حينئذ ف‍ لو قتل عمدا على وجه يترتب عليه القصاص قتل لعموم دليله و إن شاء الولي استرقاقه كان له ذلك على الوجه الذي سمعته في غيره. و لو قتل خطأ كان له الحكم السابق أيضا.
و حينئذ فإن فكه المولى بأرش الجناية أو بأقل الأمرين منه و من قيمته بقي على التدبير إجماعا بقسميه، و كذا في صورة العمد مع التراضي بالفداء و إلا سلمه لولي المجني عليه للرق ف‍ يسترقه‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 7- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 107‌
على الوجه السابق.
إنما الكلام في أنه إذا مات الذي دبره بعد أن استرقه ولي المجني عليه في صورتي العمد و الخطأ هل ينعتق لبقاء حكم التدبير و إن انتقل عن ملك الأول إلا أنه انتقل مدبرا؟ قيل و القائل ابن إدريس و أكثر المتأخرين بل في الرياض عامتهم لا، لأنه وصية أو كالوصية و الفرض أنه قد خرج عن ملكه بالجناية المقتضية لاستحقاق الاسترقاق المفروض تحققه و من المعلوم بطلان الوصية بنحو ذلك فيبطل التدبير و من هنا جعله في كشف الرموز الأشبه أي بأصول المذهب، بل صرح بذلك في محكي المهذب البارع.
كل ذلك مضافا إلى‌
صحيح أبي بصير «1» عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن رجل مدبر قتل رجلا عمدا، فقال: يقتل به، قلت:
و إن قتله خطأ قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فيكون لهم، فان شاؤوا استرقوه، و ليس لهم قتله- ثم قال-: يا أبا محمد إن المدبر مملوك»‌
و هو مع النظر إلى ذيله و إلى ما سمعته في نصوص المكاتب «2» نص في الباب كما اعترف به غير واحد.
فما في كشف اللثام- بعد الاعتراف بأنه كذلك «و عندي فيه نظر»- لا يخفى عليك ما فيه، و على تقدير تسليمه فالشهرة السابقة جابرة لدلالته، و كذا ما فيه أيضا قبل ذلك من منع بطلان التدبير بالانتقال، قال:
«و قد مر في التدبير» مع أنه على ما قيل لم يذكر في التدبير إلا قوله:
«و سيأتي في الجنايات الخلاف» كما أنك قد عرفت في محله «3» أنه‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 42- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس.
(3) راجع ج 34 ص 218- 220.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 108‌
وصية أو كالوصية.
و قيل و القائل الشيخان في المقنعة و النهاية و الصدوق على ما حكي عنه لا يبطل التدبير بل ينعتق و لعله لازم ما حكي عن أبي علي من أنه يدفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت مولاه، ثم يستسعى في قيمته، و اختاره في كشف اللثام «استصحابا للتدبير إلى أن يعلم المزيل، و ل‍‌
حسن جميل «1» سأل الصادق (عليه السلام) «عن مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه؟ قال: يصالح عنه مولاه، فان أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره، ثم يرجع حرا لا سبيل عليه»‌
و‌
لخبر هشام بن أحمد «2»- بالدال أو بالراء على ما عن الكافي و بعض نسخ الاستبصار- و على التقديرين هو غير مذكور في كتب الرجال، نعم عن بعض الأخبار «3» أنه الذي اشترى أم الرضا لأبي الحسن (عليهما السلام) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن مدبر قتل رجلا خطأ، قال: أي شي‌ء رويتم في هذا الباب؟ قال: روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يتل برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره عتق، قال: سبحان الله فيطل دم امرء مسلم، قلت: هكذا روينا، قال: غلطتم على أبي يتل برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره استسعى في قيمته».
و فيه أن الاستصحاب مقطوع بما عرفت، و حسن جميل قاصر عن معارضة الصحيح «4» المعتضد بما سمعت و بقاعدة عدم بطلان دم امرء مسلم لو فرض موت مولاه بعد دفعه بلحظة و بغيرها، مع أنه لا صراحة‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 من كتاب الديات.
(3) البحار- ج 49 ص 7- 8.
(4) الوسائل- الباب- 42- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 109‌
فيه بالاسترقاق، لأعمية الدفع إليهم منه و من الدفع للخدمة على أن يكون المراد احتسابها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية، بل يمكن حمل الخبر الثالث الذي لا جابر له على ذلك.
و حينئذ يكون كما ذكره المصنف في كتاب التدبير «1» من أنه لمولاه أن يبيع خدمته إن ساوت الجناية، فيبقى على تدبيره، و إن كان قد عرفت الكلام في بيعها أو الصلح عليها سابقا، و قد يقال: إن المراد الدفع على الوجه المزبور صلحا عن جنايته. كل ذلك بعد قصورهما عن المعارضة لما عرفت من وجوه.
بل لا ظهور فيهما في ما يقوله الخصم من الاسترقاق ثم العود حرا بموت السيد، و إنما ظاهرهما الدفع للخدمة إلى أن يموت السيد، فيكون أمرا خارجا عن القولين، و مقتضاه حينئذ بقاء التدبير لبقاء العبد على ملك مالكه، و إنما للمجني عليه استخدامه لا استرقاقه.
و عن ابن إدريس إنه يمكن حمل الرواية على أنه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه، ثم قال: «و الأقوى عندي في الجميع أنه يسترق سواء كان عن نذر أم لم يكن، لأن السيد ما رجع عن التدبير، و إنما صار عبدا بحق» و فيه أنه يمكن القول بالتزام السيد الفداء في صورة الخطأ مع فرض النذر.
و كيف كان ف‍ مع القول بعتقه بموت سيده هل يسعى في فك رقبته أو لا يستسعى؟ فيه خلاف و في المتن الأشهر أنه لا يسعى «2» إلا أني لم أجده لأحد غير‌
______________________________
(1) راجع ج 34 ص 240.
(2) الموجود في الشرائع: الطبعة الحجرية و طبعة النجف الأشرف و المطبوع على هامش كتاب المسالك «الأشهر أنه يسعى».
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 110‌
ما يظهر من المفيد و إن كان يشهد له خبر جميل «1» السابق، لكنه مناف لقاعدة الضرر و غيرها.
و ربما قال بعض و هو الشيخ في المحكي من نهايته و كتابي الأخبار- يسعى في دية المقتول لأنها المضمونة عليه.
و لكن لعله و هم ضرورة صيرورة رقبته ملكا لهم عوضا عنها، فمع فوات الرقبة يكون عليه قيمتها. و من هنا كان المحكي عن الصدوق و أبي علي الاستسعاء في قيمة نفسه، لظاهر الخبر المزبور «2» و لما عرفت من أنها هي التي عوض عنه.
بل الظاهر السعي في قيمة ما استرقوه منه كلا أو بعضا، و لذلك اختار في المسالك و كشف اللثام و محكي الإيضاح الاستسعاء في أقل الأمرين من قيمة نفسه و دية المقتول لو مات سيده قبل استرقاقه، بل لعل الظاهر إرادة الصدوق و أبي علي الاستسعاء في ما يقابل دية المقتول من القيمة إن زادت عليها لو مات المولى قبل استرقاقه، لعدم بطلان التدبير بالجناية التي لا تقتضي الخروج عن ملك المالك و الفرض تعلقها برقبته فمع فرض تعذر الاسترقاق يسعى في فك نفسه بالأقل من الأمرين إن لم تكن الجناية موجبة لقتله أو كانت و لم يرد قتله.
بل قيل: يمكن إرادة الشيخ من دية المقتول قيمة العبد الذي لا يطالب بأكثر من نفسه، و لا بأس به و إن استبعده بعضهم.
و بذلك كله ظهر لك أن الأقوى بطلان التدبير بالاسترقاق قبل موت المولى، كما أن الأقوى على القول بعدم البطلان الاستسعاء في فك ما استرق من رقبته كلام أو بعضا نحو ما لو مات مولاه قبل أن يسترق الذي قد عرفت حكمه أيضا، و الله العالم.
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 111‌
و المكاتب المطلق إن لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا فهو كالقن لما سمعته في‌
الصحيح السابق «1» من أنه «إن كان مولاه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المماليك»‌
إلى آخره الذي قد سمعت الكلام فيه سابقا، و لكن الحكم لا خلاف فيه، و في‌
صحيح أبي ولاد الحناط «2» «فان لم يكن أدى من مكاتبته شيئا فإنه يقاص للعبد منه، و يغرم المولى كل ما جنى المكاتب، لأنه عبده ما لم يؤد من مكاتبته شيئا»‌
و لعل المراد بالغرامة ما سمعته في حكم جناية المملوك و قد تقدم في الكتابة «3» تمام الكلام في ذلك.
و إن كان مطلقا و قد أدى من مال الكتابة شيئا تحرر منه بحسابه بلا خلاف و لا إشكال فإذا قتل حينئذ حرا أو مساويا في قدر الحرية أو أزيد عمدا قتل به قطعا و إن قتل مملوكا أو أقل منه حرية فلا قود لعدم التساوي، و لما سمعته في صحيح أبي ولاد «4» و مفهوم قوله تعالى «5» «الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» و لكن تعلقت الجناية العمدية بذمته و بما فيه من الرقية مبعضة، فيسعى في نصيب الحرية إن لم يكن عنده مال بأداء ما بإزائها من المقتول، كما هو الضابط في كل مقام في التبعيض.
و في كشف اللثام «كما ينص عليه‌
صحيح أبي ولاد الحناط «6» سأل الصادق (عليه السلام) «عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئا غرم من جنايته‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
(3) راجع ج 34 ص 348- 350.
(4) الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
(5) سورة البقرة: 2- الآية 178.
(6) الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 112‌
بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، فان عجز من حق الجناية شيئا أخذ ذلك من مال المولى الذي كاتبه، قال: فان كانت الجناية بعبد فقال:
على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكابت، و لا تقاص بين العبد و بين المكاتب إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئا».
و فيه أن ظاهر صدر الخبر المزبور كون المكاتب مشروطا، و من المعلوم عدم تحرر شي‌ء منه بأداء البعض، نعم عن الفقيه روايته بهذا السند «عن مكاتب جنى على رجل جناية» إلى آخره، و هو أوضح في الدلالة بالنسبة إلى ذلك و إن كان فيه إشكال أيضا من غير هذه الجهة، و لكن الأمر سهل لكون الحكم مفروغا منه في المقام و غيره.
و يسترق الباقي منه لأنه بحكم المملوك أو يباع في نصيب الرق من قيمته و إن أمكنه أو كان في يده ما يفي بقيمة المقتول، لأنه لما فيه من الرقية يتعلق من جنايته ما بإزائها برقبته.
نعم ينبغي أن يراد البيع برضاهما بعد الاسترقاق كما سمعته سابقا، و إلا فلم أجد دليلا عليه إلا ما سمعته من صحيح ابن مسلم «1» السابق الذي هو غير نقي، بل لا دليل على أصل الحكم إلا ما تقدم سابقا في نصوص المملوك «2» بدعوى شمولها للمملوك و لو بعضا، أو بفحواها و لو بمعونة فتوى الأصحاب.
و على كل حال فتبطل الكتابة فيه حينئذ، لانتقاله إلى مالك آخر، و لا ينافيه عدم بطلان التدبير على القول به للنص «3» و الله العالم.
و لو قتل قنا أو حرا أو مبعضا خطأ فعلى الامام بقدر‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 113‌
ما فيه من الحرية لأنه عاقلته إن لم يكن له عاقلة،
قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم «1» الذي تقدم صدره سابقا:
«و إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط و كان قد أدى من مكاتبته شيئا فإن عليا (عليه السلام) كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من مكاتبته، و أن على الامام أن يؤدي إلى أولياء المقتول، من الدية بقدر ما أعتق من المكاتب، و لا يبطل دم امرء مسلم، و أرى أن يكون ما بقي على المكاتب مما لم يؤده فلأولياء المقتول يستخدمونه حياته بقدر ما بقي عليه، و ليس لهم أن يبيعوه»‌
و هو صريح في المطلوب.
و أما الجزء الآخر ف‍ المولى بالخيار بين فكه ب‍ بذل الأرش عن نصيب الرقية من الجناية أو بأقل الأمرين على القولين و بين تسليم حصة الرق لولي المقتول ليقاص بالجناية نحو ما سمعته في قتل القن خطأ، إذ لا فرق بين المملوك كلا أو بعضا في ذلك، فتبطل الكتابة حينئذ لما عرفت، و بالجملة فما ذكره المصنف في حكم المكاتب هو الذي يقتضيه أصول المذهب و قواعده، كما اعترف به غير واحد، و في كشف الرموز نسبته إلى الشيخ في النهاية و أتباعه و المتأخرين، بل في المسالك إلى أكثر المتأخرين، بل عن التنقيح إلى أكثر الأصحاب و الحلبيين، بل في مجمع البرهان إلى المشهور.
و لكن مع ذلك كله‌
في رواية علي بن جعفر «2» عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) إذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر قال فيها: «سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو كسر سنة ما عليه؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته فديته دية حر، و إن‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 3 من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 114‌
كان دون النصف فبقدر ما عتق، و كذلك إذا فقأ عين حر، و سألته عن حر فقأ عين مكاتب أو كسر سنه ما عليه؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته يفقأ عن الحر أو ديته إن كان خطأ فهو بمنزلة الحر، و إن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه، و سألته عن المكاتب إذا أدى نصف ما عليه، قال: هو بمنزلة الحر في الحدود و غير ذلك من قتل و غيره، و سألته عن مكاتب فقأ عين مملوك و قد أدى نصف مكاتبته، قال: يقوم المملوك و يؤدي المكاتب إلى مولى المملوك نصف ثمنه».
و في المتن و غيره من كتب المتأخرين عن المصنف أن الشيخ قد رجحها في الاستبصار و ضعفها (رفضها خ ل) في غيره لكن في كشف اللثام «و اعلم أن الذي في الاستبصار أن حكمه حكم الحر في دية أعضائه و نفسه إذا جنى عليه لا في جناياته و إن تضمنها الخبر، فيحتمل أن يكون إنما يراه كالحر في ذلك خاصة، كما يرى الصدوق مع نصه في المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين، قال: و إذا فقأ حر عين مكاتب أو كسر سنه فان كان أدى نصف مكاتبته فقأ عين الحر أو أخذ ديته إن كان خطأ، فإنه بمنزلة الحر، و إن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه، و إن فقأ مكاتب عين مملوك و قد أدى نصف مكاتبته قوم المملوك و أدى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه».
قلت: المعروف في الحكاية عنه ما عرفت، و المحكي عنه أنه روى في أول الباب‌
خبر محمد بن قيس «1» عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب قتل يحتسب منه ما عتق منه، فيؤدى دية الحر و ما رق منه دية العبد»‌
ثم قال: «و لا ينافي هذا الخبر ما رواه‌
علي بن جعفر «2»» و ساق الخبر إلى قوله (عليه السلام):
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 من كتاب الديات.
(2) الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 3 من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 115‌
«من قتل و غيره»‌
ثم جمع بينهما بحمل الخبر الأول على التفصيل الذي تضمنه الخبر الأخير فقال: «يحتسب فيؤدي منه بحساب الحرية ما لم يكن أدى نصف ثمنه، فإذا أدى ذلك كان حكمه حكم الأحرار على ما تضمنه الخبر الأخير» و ظاهره المطابقة لما هو المشهور عنه في الحكاية.
و على كل حال فلم نجد عاملا بالخبر المزبور عداه فيه، مع إمكان أن يكون ذكره فيه جمعا بين الأخبار لا قولا في المسألة، و على تقديره فهو شاذ، بل في المسالك «في طريق الرواية جهالة تمنع من العمل بها» و إن كان لا يخلو من نظر، إلا أنها على كل حال لا تصلح للخروج بها عن الأصول، و كذا ما سمعته في ذيل صحيح بن مسلم «1» و إن حكي عن ظاهر المفيد، و نفى عنه البأس في المختلف.
و يمكن أن يراد بالصحيح منعهم عن بيعه كله لا ما تملكوه من الحصة، بل لعل ظاهر الاستخدام فيه يقتضي الملكية، و لعله إلى ذلك أشار في المسالك بقوله: «في بعض الأخبار دلالة على المشهور» و إن قال في الرياض: «لم أقف عليه، بل في الصحيح ما ينافي جواز بيعه» لكن قد عرفت إمكان ما سمعته منه، و الله العالم.
بل و كذا ما عن المقنع من أن المكاتب إذا قتل رجلا خطأ فعليه من الدية بقدر ما أداه من مكاتبته، و على مولاه ما بقي من قيمته، فان عجز المكاتب فلا عاقلة له، فإنما ذلك على إمام المسلمين» و إن وافقه‌
خبر عبد الله بن سنان «2» عن الصادق (عليه السلام) «عليه من ديته بقدر ما أعتق، و على مولاه ما بقي من قيمة المملوك، فان عجز المكاتب فلا عاقلة له، و إنما ذلك على إمام المسلمين»‌
لكنه قاصر عن معارضة‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 116‌
ما عرفت من وجوه، بل قيل: يمكن حمل ما فيه من قوله: «على المولى» إلى آخره على أن المراد تخيير مولاه بين فكه و تسليمه، ليوافق الصحيح بالمعنى المزبور و الأصول و المشهور، و يخرج عن موافقة المقنع و إن كان لا يخفى عليك ما فيه.
نعم قد عرفت قصور الخبر المزبور عن معارضة ما عرفت، خصوصا بعد قدح بعض بإسماعيل بن مرار في طريقه و إن كان قيل:
إن الشواهد الدالة على حسن حاله كثيرة، إلا أنه على كل حال قاصر عن إثبات الحكم المزبور المخالف للأصول و القواعد.
و كذا ما عن المراسم من أن على الامام أن يزن عنه بقدر ما عتق منه و يستسعى في البقية و إن نفى عنه البأس في كشف اللثام، ثم قال:
«فان لم يسع و لم يفكه المولى استرق بذلك القدر» ضرورة عدم موافقته لشي‌ء من النصوص و لا لقواعد، فالأصح حينئذ ما عرفت، و الله العالم.
و العبد إذا قتل مولاه عمدا جاز للولي قتله بلا خلاف و لا إشكال، و جاز له العفو عنه، و لا استرقاق هنا، لأنه من تحصيل الحاصل و إن كان ربما قيل به، و تظهر ثمرته لو كان مرهونا، فإنه حينئذ يسترقه بحق الجناية المقدم على الرهانة كي تبطل بذلك، لأنه سبب جديد غير الأول، إلا أنه كما ترى.
و كذا لو كان للحر عبدان فقتل أحدهما الآخر كان مخيرا بين قتل القاتل و بين العفو كما تقدم الكلام فيه في أول المبحث «1» و قد سمعت خبر إسحاق بن عمار «2» عن الصادق (عليه السلام) و لا استرقاق له، لما عرفت كما هو واضح.
______________________________
(1) ص 90.
(2) الوسائل- الباب- 44- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 117‌
و أوضح منه حكم الخطأ، و قد تقدم في بحث المكاتبة «1» كثير من أحكام جنايته و الجناية عليه، كما تقدم في بحث الاستيلاد «2» حكم جناية أم الولد خطأ.
و منه يعلم الحال في العمد الذي هو أولى من الخطأ في التعلق بالرقبة، و لذا كان الخيار فيه بيد المجني عليه أو وليه دون الخطأ، نعم ذلك كله بالنسبة إلى الأجنبي.
و أما بالنسبة إلى السيد فإذا قتلته خطأ تحررت من نصب ولدها، لعدم استحقاق السيد على ماله مالا، و ل‍‌
خبر غياث بن إبراهيم «3» عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال علي (عليه السلام):
إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة ليس عليها سعاية»‌
و خبر وهب بن وهب «4» عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أنه كان يقول:
«إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة، و لا تبعة عليها، و إن قتلته عمدا قتلت به».
نعم في‌
خبر حماد بن عيسى «5» عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ سعت في قيمتها»‌
و لم أجد به عاملا، و عن التهذيب حمله على الخطأ الشبيه بالعمد، لأنه الذي يتعلق برقبتها، فأما الخطأ المحض فإنه يلزم المولى، و فيه ما لا يخفى، كالمحكي عنه في الاستبصار من حمله على ما إذا مات ولدها، و الأولين على ما إذا كان باقيا، ضرورة عدم موافقة شي‌ء منهما للضوابط التي منها عدم استحقاق ذي المال على ماله مالا.
______________________________
(1) راجع ج 34 ص 345- 357.
(2) راجع ج 34 ص 382- 383.
(3) الوسائل- الباب- 11- من أبواب ديات النفس- الحديث 2.
(4) الوسائل- الباب- 11- من أبواب ديات النفس- الحديث 3.
(5) الوسائل- الباب- 11- من أبواب ديات النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 118‌
و على كل حال لا وجه لما عن بعضهم من استثناء هذين الصورتين من حرمة جواز بيع أم الولد: و هما ما إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها و ما إذا قتلته خطأ، إذ هو كما ترى و نحوه استثناء مطلق جنايتها على الغير عمدا أو خطأ، فإن ذلك لا يقتضي جواز بيعها، بل في الأول للمجني عليه أو وليه استرقاقها، و هو غير البيع المنهي عنه سيدها، و في الثاني للمولى الفداء، فان أبى استرقها المجني عليه.
و على كل حال ليس بيعا من السيد لها كي يكون منهيا عنه، بل و لا غيره من النواقل الاختيارية الملحقة بالبيع، و قد سمعت سابقا أنه ليس من أحكام الجناية البيع في الجناية من السيد، و لا من المجني عليه قبل الاسترقاق، و ما في بعض النصوص و بعض العبارات من أن للمجني عليه المطالبة بالبيع محمول على ما إذا استرق، و على تقديره فليس بيعا من السيد الذي هو المنهي عنه، فتأمل جيدا.
نعم إذا استرقها المجني عليه ملكها ملكا تاما له بيعها، لأنه ليست أم ولد بالنسبة إليه، بل لا يبعد جواز شراء المولى إياها منه، و لا يلحقها حكم الاستيلاد، لأنه ملك جديد بسبب جديد غير الملك الأول الذي كان ناقصا بالاستيلاد، و بذلك يظهر لك النظر في كثير مما ذكر في بيع أم الولد، فلاحظ و تأمل.
[مسائل ست]
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌42، ص: 118
لا يلحقها حكم الاستيلاد، لأنه ملك جديد بسبب جديد غير الملك الأول الذي كان ناقصا بالاستيلاد، و بذلك يظهر لك النظر في كثير مما ذكر في بيع أم الولد، فلاحظ و تأمل.
[مسائل ست]
مسائل ست:
[المسألة الأولى لو قتل حر حرين فليس لأوليائهما إلا قتله]
الأولى:
لو قتل حر حرين فصاعدا فليس لأوليائهما إلا قتله بلا خلاف أجده فيه، بل عن المبسوط و الخلاف الإجماع عليه كما ستعرف،
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 119‌
للأصل و لما سمعته من النص «1» على أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و الدية في موجب القصاص لا تثبت إلا صلحا، فإذا اصطلحوا معه كان لكل مقتول ديته و إلا ف‍ ليس لهما المطالبة بالدية التي قد عرفت عدم وجوبها إلا صلحا و خصوصا إذا قتلاه معا، بأن و كلا من يقتله استيفاء لهما أو تمكنا من ضرب عنقه دفعة على وجه يسند القتل إليهما. خلافا لبعض العامة فأوجب الدية أيضا.
و أي الوليين بدر استوفى حقه، سواء قتلهما معا أو على التعاقب، و سواء بدر ولي السابق أو اللاحق و إن أساء لو بادر ولي المتأخر على ما عن التحرير مستشكلا فيه بتساوي الجميع في سبب الاستحقاق، و هو في محله.
نعم لو تشاح الأولياء قدم ولي الأول و إن قتلهما دفعة أو أشكل الأمر أقرع إذا لم يقتلاه معا على الوجه الذي ذكرناه و إلا فهو أولى.
و كيف كان فبناء على ما ذكرناه لو قتله أحدهما دون الآخر و لو لأنه أراد القود و لم يرده الآخر ففي استحقاق الثاني الدية من تركة المقتول قولان: أحدهما نعم، كما عن ابني الجنيد و زهرة، و في القواعد «هو الأقرب» و في المسالك «هو الوجه» بل هو المحكي عن فخر الدين و المقداد، و الثاني لا، كما عن المبسوط و الخلاف و النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع و كتابي المصنف، بل هو المشهور، بل ظاهر محكي المبسوط الإجماع عليه، بل في كشف اللثام حكايته عنه و عن الخلاف صريحا، للأصل بعد ظهور الأدلة في أن الواجب القصاص و قد فات محله.
و كان مبنى الأول كما هو ظاهر المسالك و غيرها أن الواجب أحد‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و 10 و 18.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 120‌
الأمرين: القصاص أو الدية، كما دلت عليه الرواية «1» و ذهب إليه جميع من الأصحاب، مؤيدا بأن فيه جمعا بين الحقين، و أنه لولاه لزم بطلان دم المسلم المنهي عنه ب‍‌
قوله (عليه السلام) «2»: «لا يطل دم امرء مسلم».
فالتحقيق حينئذ هنا مبني على التحقيق في تلك المسألة، و ستسمع الكلام فيها إن شاء الله، إذ مراد المصنف و غيره هنا بيان أن ليس للأولياء مع طلبهم القود إلا القتل، و ليس لهم مع ذلك دية، بتقريب أن عليه نفسين أو أزيد، فنفسه عوض أحدهما و الدية من ماله عوض الأخرى يشتركان فيها بعد أن اشتركا في القتل، إذ هو كما ترى اعتبار لا يطابق قواعد الإمامية، و من هنا اتفق الأصحاب على ما عرفت هذا كله في القتل.
و أما القطع ف‍ لو قطع يمين رجل و مثلها من آخر قطعت يمينه بالأول و يسراه بالثاني بلا خلاف أجده فيه، بل عن صريح الخلاف و الغنية الإجماع عليه، مؤيدا بما يظهر منهم من الإجماع أيضا على أن من قطع يمينا و لا يمين له قطعت يسراه.
كل ذلك مضافا إلى‌
خبر حبيب السجستاني «3» عن الباقر (عليه السلام) المنجبر بما سمعت قال: «سألته عن رجل قطع يدي رجلين اليمينين، فقال: تقطع يمينه أولا و تقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا، لأنه إنما قطع يد الرجل الأخير و يمينه قصاص للرجل الأول، قال حبيب:
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.
(2) الوسائل- الباب- 29- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و الباب- 46- منها- الحديث 2 و الباب- 2- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1 و الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 و في الجميع‌
«لا يبطل دم امرء مسلم»‌
. (3) الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 121‌
فقلت: إن عليا (عليه السلام) إنما كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى، قال: فقال: إنما يفعل ذلك في ما يجب من حقوق الله تعالى فأما ما كان من حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كان للقاطع يدان و الرجل باليد إن لم يكن للقاطع يدان، فقلت له: أما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و تترك رجله؟ فقال:
إنما نوجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يدان و لا رجلان، فثم نوجب عليه الدية، لأنه ليس له جارحة فيقاص منها»‌
و بذلك كله يخص أو يقيد ما دل على اعتبار المماثلة في اليمنى.
فلو قطع يد ثالث قيل و القائل ابن إدريس و تبعه ثاني الشهيدين:
سقط القصاص إلى الدية لفوات المحل. و قيل و القائل المشهور قطعت رجله اليمنى بالثالث، و كذا لو قطع رابعا يده قطعت رجله اليسرى، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع على ذلك، للخبر «1» المنجبر بما سمعت بناء على جهالة حبيب فيه، و إلا فقد وصفه غير واحد بالصحة، و حمله على اطلاعهم على حال حبيب أولى من حمله على إرادة الصحة إليه التي لا تفيد الخبر حجية، فوسوسة ثاني الشهيدين حينئذ في غير محلها، هذا كله مع وجود الجارحة.
أما لو قطع و لا يد له و لا رجل أو قطع يد خامس و لم يرض الأربعة إلا بالقصاص كان عليه الدية بلا خلاف و لا إشكال للخبر «2» المزبور أيضا و لفوات محل القصاص الذي لا تفوت الدية بفواته في الأعضاء كما سمعته نصا و فتوى.
نعم ينبغي أن يعلم أن ما ذكرناه من القصاص عن اليد بالرجل للخبر المنجبر «3» بما عرفت، فيقتصر عليه في مخالفة العمومات، كما‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
(2) الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
(3) الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 122‌
صرح به بعض الأفاضل ناسبا له إلى قطع الفاضل في التحرير و غيره به، قال: خلافا للحلبي فعمم الحكم، فقال: «و كذلك في أصابع اليدين و الرجلين و الأسنان» و لعله نظر إلى ما في الرواية من العلة.
قلت: لا عبرة بها بعد عدم العمل بها، نعم قد يقال: يستفاد منها بل و من إطلاق «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» «1» مثلا القصاص عن اليمنى باليسرى حال استحقاق اليمنى أو عدمها، و هكذا في جميع الأعضاء التي هي كذلك دون الانتقال من عضو إلى آخر لا يندرج تحت المطلق إلا في مثل اليد و الرجل للخبر «2» المزبور، بل قد يقال بالقصاص عن اليسرى باليمنى أيضا مع فقد اليسرى أو استحقاق القصاص فيها، لصدق «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ. وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ» «3» و نحو ذلك حال فقد المماثل، فتأمل جيدا فاني لم أجد ذلك، و ربما يأتي له تتمة إن شاء الله.
و لو قتل العبد حرين دفعة اشترك فيه ولياهما بلا خلاف كما في كشف اللثام، بل في المسالك و غيرها اتفاقا و على التعاقب كان لأولياء الأخير عند الشيخ في النهاية، لانتقاله بالجناية الأولى إلى ولي الأول، فإذا جنى الثانية انتقل منه إلى الثاني و هكذا، ل‍‌
خبر علي بن عقبة «4» عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد، قال: هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا استرقوه، لأنه إذا قتل الأول استحق أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق منهم فصار لأولياء الثاني، فإذا قتل الثالث استحق من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث، فإذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث‌
______________________________
(1) سورة المائدة: 5- الآية 45.
(2) الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
(3) سورة المائدة: 5- الآية 45.
(4) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 123‌
فصار لأولياء الرابع إن شاؤوا قتلوه و إن شاؤوا استرقوه».
و لكن في طريقها ضعف، و لا جابر له كي يصلح معارضا لما في رواية أخرى صحيحة يشتركان فيه ما لم يحكم به للأول و هي‌
صحيحة زرارة «1» عن الباقر (عليه السلام) «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بثمنه (بقيمته خ ل)، قيل له: فان جرح رجلا في أول النهار و جرح آخر في آخر النهار، قال: هو بينهما ما لم يحكم به الوالي في المجروح الأول، فان جنى بعد ذلك جناية فإن جنايته على الأخير».
و لا ريب أن هذه أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة عدم انتقاله بمجرد الجناية، و إنما هي سبب في استحقاق الاسترقاق كالثانية، بل يمكن حمل الخبر الأول عليه، و من هنا كان ذلك خيرة المشهور، بل الشيخ أيضا في الاستبصار.
و على كل حال ف‍ يكفي في الاختصاص أن يختار الولي استرقاقه و لو لم يحكم له الحاكم بذلك، لإطلاق أدلة الاسترقاق «2» بلا خلاف أجده عدا ما يحكى عن ظاهر الاستبصار من اعتباره لظاهر الصحيح «3» المزبور الذي يمكن حمله- كما عن المختلف- على ما يجب أن يحكم به، و هو الانتقال المستند إلى الاختيار، لقصوره عن معارضة ظاهر غيره من النصوص المعتضد بعمل الأصحاب و غيره.
و حينئذ مع اختيار ولي الأول استرقاقه لو قتل بعد ذلك كان للثاني و هكذا، ضرورة اندراجه حينئذ في مملوك جنى فيلحقه حكمه، و لما سمعته في الصحيح السابق «4» من غير فرق في‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
(2) الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس.
(3) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
(4) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 124‌
ذلك بين العمد و الخطأ و إن توقف الاسترقاق في الثاني على عدم فداء السيد له، كما هو واضح.
هذا و في كشف اللثام «بقي هنا شي‌ء: و هو أن الوليين أو المجروحين إذا تساويا في الاستحقاق المستوعب للرقبة لوقوع الجنايتين دفعة أو مطلقا على المختار فهل لأحدهما المبادرة إلى الاسترقاق؟ قضية الفرق بين وقوعهما دفعة أو على التعاقب حيث خصوا التفصيل باختيار الأول الاسترقاق و عدمه بالتعاقب أن لا تجوز المبادرة في صورة وقوعها دفعة، و يجوز عند التعاقب، و ظاهر تخصيص الاختيار بالأول و الاختصاص بالثاني أنه عند التعاقب لا يجوز للأخير المبادرة، و عندي إنا إذا حكمنا بالتساوي في الاستحقاق مع التعاقب و بدونه لا فرق بين الصورتين في جواز المبادرة أو عدمه، و لا بين الأول و الأخير عند التعاقب و إن كان الأول أولى لسبقه، و حينئذ فالتفصيل المذكور جار في الصورتين، فنقول: إذا قتل حرين دفعة اشتركا فيه ما لم يسبق أحدهما بالاسترقاق، فان سبق اختص بالآخر، و نقول عند التعاقب: إذا اختار أي من المجنيين أو الوليين الاسترقاق اختص بالآخر، بقي الكلام في صحة المبادرة مع التساوي في الاستحقاق وجهان: من عدم المرجح و عدم استحقاق أحد منهما جميع الرقبة، كما أن أحدا من ديان المفلس لا يستحق جميع أمواله و إن استوعبها دينه، و من صحيح زرارة «1» المتقدم و فتوى الأصحاب و أن المبادرة هنا لا تضر بالآخر بل تنفعه، و يزيد في القتل عدم انحصار الحق في الاسترقاق».
قلت: قد يقال: إن ظاهر الصحيح المزبور الاشتراك في الدفعي، فليس لأحد استرقاقه أجمع بعد اختيارهما الاسترقاق، و لو فعل و اختار‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 125‌
الثاني ذلك أيضا كان شريكا له، لإطلاق‌
قوله (عليه السلام): «هو بينهما»‌
و كذا في التعاقب إذا لم تكن الجناية الثانية متأخرة عن استرقاق الأول بجنايته، فإنه حينئذ للثاني استرقاقه و اختصاصه، أما إذا تعاقبت الجنايتان قبل اختيار الأول الاسترقاق فهو بينهما و إن سبق أحدهما- سواء كان الأول أو الأخير- إلى الاسترقاق، لكن إذا أراده مع ذلك كان شريكا، لإطلاق البينية في الصحيح، و حينئذ فيتحد حكم الدفعة و التعاقب بالمعنى المزبور.
و لعل الأصحاب لم يذكروا الفرق بينهما من هذه الجهة، و إنما ذكروه في مقابلة ما سمعته من الشيخ في النهاية، و أنه لا يتصور فيها تعقب الجناية لاسترقاق الأول بخلاف صورة التعاقب التي قد عرفت وقوعها على وجهين، و أما قولهم: «فان اختار الأول» إلى آخره، فليس مقصودهم اختصاصه بالاختيار، بل لكل منهما ذلك، لكنه لا يجدي بعد فرض وقوع الجنايتين قبله لكون العبد حينئذ بينهما، نعم لو اختار الأول ثم جنى على الثاني اختص به، و من هنا قيد المصنف و غيره ذلك بما إذا قتل بعد اختيار الأول، فتأمل جيدا. و ربما تسمع لذلك تتمة في المسألة الرابعة إن شاء الله.
[المسألة الثانية قيمة العبد مقسومة على أعضائه]
المسألة الثانية لا خلاف أجده بيننا في أن قيمة العبد مقسومة على أعضائه، كما أن دية الحر مقسومة على أعضائه ففي‌
خبر السكوني «1» عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «جراحات العبيد على نحو جراحات‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 2 من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 126‌
الأحرار في الثمن»‌
أي فكل ما فيه منه واحد ففيه كمال قيمته كاللسان و الذكر و الأنف، و ما فيه اثنان ففيهما قيمته، و في كل واحد نصف قيمته، و كذا ما فيه عشر كالأصابع ففي كل واحد عشر قيمته إلى غير ذلك مما هو معلوم في الحر الذي يجري مثله في العبد، إلا أنك قد سمعت النص و الفتوى على أن قيمة العبد ديته ما لم تتجاوز دية الحر.
و بذلك يظهر وجه دلالة‌
مقطوع يونس «1» على المطلوب، قال: «و إذا جرح العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته»‌
أي كما أنه إذا جرح الحر فقيمة جراحته من حساب ديته، فإن قيمة العبد بمنزلة الدية في الحر.
و بالجملة الحر أصل للعبد في ما له دية مقدرة بلا خلاف و لا إشكال و أما ما لا تقدير له فالعبد أصل للحر فيه، و ذلك لأنه إذا جرح الحر و لا تقدير له ففيه الحكومة بلا خلاف و لا إشكال، و هي لا تتحقق إلا بفرض الحر عبدا خاليا من النقص الطاري بسبب الجناية، و يقوم حينئذ بأن يقال لو كان هذا عبدا فقيمته كذا ثم تفرضه متصفا بالنقص الحاصل منها و تقومه كذلك و يثبت التفاوت بين القيمتين بنسبة إحداهما إلى الأخرى، و يأخذ التفاوت بينهما فيؤخذ من الدية بقدره من القيمة العليا، و بهذا المعنى كان العبد أصلا للحر في ما لا مقدار له.
و كيف كان فإذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته كالأنف و اللسان فمولاه بالخيار بين إمساكه و لا شي‌ء له، و بين دفعه و أخذ قيمته، و كذا لو قطع يديه أو يده و رجله دفعة ألزمه القيمة أو أمسكه و لا شي‌ء له بلا خلاف أجده في ذلك، بل الإجماع‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 4.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 127‌
بقسميه عليه، و هو الحجة بعد‌
خبر أبي مريم «1» المنجبر بما عرفت عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أنف العبد أو ذكره أو شي‌ء يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد و يأخذ العبد»‌
مؤيدا بقاعدة عدم الجمع بين العوض و المعوض.
نعم استثنى الأصحاب من ذلك الجاني الغاصب الذي يؤخذ بأشق الأحوال- و منه الجمع بين العوض و المعوض- وقوفا في ما خالف الأصل على المتيقن، خلافا للشافعي، و قد مر الكلام فيه في محله «2» و أما غير الغاصب فقد عرفت الحال فيه و استبعاده كالاجتهاد في مقابلة النص، هذا كله في قطع ما فيه الدية.
أما لو قطع يده خاصة فللسيد إلزامه بنصف القيمة و ليس له دفعه إلى الجاني و المطالبة بقيمته سليما خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، و لا للجاني ذلك لو أراده إلا أن يتفقا فيكون بيعا أو نحوه.
و كذا الكلام في كل جناية لا تستوعب قيمته ضرورة كون ذلك مقتضى القواعد التي لا فرق فيها بين الجنايات، كما هو واضح.
و لو قطع يده قاطع و رجله آخر قال بعض الأصحاب و هو الشيخ في المبسوط يدفعه إليهما و يلزمهما الدية أي القيمة أو يمسكه بلا شي‌ء كما أو كانت الجنايتان من واحد و فيه أن الحكم مخالف للأصل، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن نصا و فتوى، و هو غير الفرض.
و من هنا كان الأولى القول ب‍ أن له إلزام كل واحد منهما بدية جنايته و لا يجب دفعه إليهما وفاقا لغيره من الأصحاب.
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 3.
(2) راجع ج 37 ص 116- 119.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 128‌
و كذا الكلام لو تعدد الجانون و إن اجتمع عند المولى أضعاف قيمته، بل لعل ذلك ليس من الجمع بين العوض و المعوض، لانفراد كل جناية بحكمها، بل و كذا لو اشترك المتعدد في قطع ما فيه الدية و إن أمكن اندراجه في الخبر «1» إلا أنه لا جابر له في غير الجاني المتحد، بل قد يقال بذلك أيضا إذا كانت الجناية متعددة من واحد، للأصل المزبور، و الله العالم.
[المسألة الثالثة كل موضع نقول يفكه المولى فإنما يفكه بأرش الجناية]
المسألة الثالثة:
كل موضع نقول يفكه المولى فإنما يفكه بأرش الجناية زادت عن قيمة المملوك الجاني أو نقصت، و للشيخ قول آخر أنه يفديه بأقل الأمرين، و الأول مروي «2» و لكن الثاني أصح، كما تقدم الكلام فيه مرارا، و خصوصا في الكتابة «3» فلاحظ و تأمل.
[المسألة الرابعة لو قتل عبد واحد عبدين كل واحد لمالك مستقل فان اختار القود يقدم الأول]
المسألة الرابعة:
لو قتل عبد واحد عبدين كل واحد منهما لمالك دفعة اشتركا فيه قصاصا و استرقاقا، لكن لو بادر أحدهما فقتله أساء في وجه، و الأقوى خلافه، و على التقديرين لا يضمن شيئا، للأصل و لأن الشركة في القصاص على هذا الوجه، ضرورة عدم قابليته للتبعيض، فيراد منها‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 3.
(2) الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 من كتاب الديات.
(3) راجع ج 34 ص 349- 353.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 129‌
أن لكل منهما القصاص، و لا يختص بواحد، بخلاف الشركة في الاسترقاق الذي مرجعه إلى مال قابل للتبعيض.
و حينئذ فإذا قتله أحدهما لم يضمن حق الآخر بفوات محله، و احتمال غرم نصف القيمة لاشتراكهما في تعلق الحق بالرقبة واضح الفساد، ضرورة عدم تملكه النصف بمجرد الجناية، و تعلق الحق بالرقبة إنما هو على أن يكون القصاص لكل منهما كما عرفت، لعموم دليله.
نعم لما لم يتعقل استرقاقا لكل منهما له و تعقل الاشتراك فيه على التبعيض كان بينهما على قدر استحقاقهما لو استرقاه، بل لو استرق أحدهما منه مقابل عبده لم يسقط استحقاق القود للآخر، فله قتله من غير رد مقابل الجناية.
و ليس منه ما لو قتل عبدا لاثنين أو لجماعة فطلب بعضهم القيمة الذي ذكر المصنف و غيره فيه أنه كان له منه بقدر قيمة حصته من المقتول، و كان للباقين القود بعد رد حصة نصيب من طلب الدية عليه، ضرورة كون المقتول واحدا، فليس على القاتل إلا نفسه، فمع فرض رضا بعض الشركاء بالقيمة ينقص ما عليه، فلا وجه للقود منه بدون رد، فما توهمه بعض الناس أنه من المسألة في غير محله، كما هو واضح.
و لو كان قد قتلهما على التعاقب فان اختار القود قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط يقدم الأول، لأن حقه أسبق، و يسقط حق الثاني بعد قتله لفوات محل الاستحقاق.
و لفظه «فأما إن قتل عبد واحد عبدين لرجلين لكل واحد منهما عبد ينفرد به فان عفوا على مال تعلق برقبته قيمة كل واحد منهما، و يكون سيده بالخيار على ما فصلناه إذا قتل عبدا واحدا، فان اختارا القود قدمنا الأول، لأن حقه أسبق، فإذا قتله سقط حق الثاني، لأن‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 130‌
حقه متعلق برقبته، فإذا هلك سقط حقه، كما لو مات، و إن اختار الأول العفو على مال تعلقت قيمة عبده برقبته، و كان سيد الثاني بالخيار، فان عفا على مال تعلقت قيمته أيضا، فصارت القيمتان في رقبته، و يكون لسيده الخيار على ما فصلناه في الواحد، و إن اختار الثاني القصاص فعل، فإذا قتله سقط حق الأول عن رقبته، لأنه تعلق بها لا غير، فإذا هلك تلف حقه، كما لو مات» انتهى.
و قيل: يشتركان فيه قصاصا و استرقاقا ما لم يختر مولى الأول استرقاقه قبل الجناية الثانية أو يعفو عنه مجانا أو على مال ضمنه مولاه كذلك ف‍ انه يكون للثاني خاصة إن شاء قتله و إن شاء استرقه و إن شاء عفا عنه مجانا أو على مال يضمنه مولاه برضاه، ضرورة كونه حينئذ عبدا جنى على عبده و لا شركة لأحد معه فيه.
و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، إذ بدون ذلك يستوي الجنايتان في إثبات الاستحقاق برقبته و إن تعاقبتا، لإطلاق الأدلة و خصوص ما سمعته في جناية العبد على الحرين.
هذا و لكن في كشف اللثام «عندي أنه لا مخالفة للمبسوط لغيره، لأن عبارته التي سمعتها نص في اشتراكهما فيه قصاصا و استرقاقا، لكنها تتضمن أمرين: الأول أنهما إذا اختارا القصاص فأيهما قتله سقط حق التأخر، و كذا إذا اختار أحدهما القصاص سقط حق الآخر، كما مر في أولياء الأحرار، و المصنف و غيره موافق له في هذا السقوط، و الثاني أنهما إذا اختارا القود قدمنا الأول، لأن حقه أسبق، فهو أولى باستيفاء حقه، و هو كما مر النقل عنه في أولياء الحر المقتول، و هنا أيضا إن بادر الثاني فاستوفى القصاص أساء، و ليس عليه شي‌ء، و سقط حق الأول كما مر، و لم يذكره اكتفاء بما ذكره هناك، و الأمر كذلك في كل موضع‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 131‌
اشترك فيه القصاص إذا لم يجتمعا على القتل دفعة».
قلت: يكفي في الخلاف أنه لا أولوية للأول باستيفاء حقه من القصاص و إن كان هو السابق، و إلا لكان أولى أيضا باستيفاء حقه بالاسترقاق و يمكن أن يكون من حكى الخلاف فهم من تعليل الشيخ الخلاف أيضا في الاسترقاق، فيقدم الأول لسبق حقه ثم الثاني، و الأمر سهل بعد أن عرفت أن الأصح الاشتراك.
و حينئذ فإن اختار الأول المال عن قيمة عبده و ضمن المولى على وجه تخلص رقبة العبد و يكون المال في ذمة المولى بصلح و نحوه تعلق حق الثاني برقبته بلا مشارك و كان له القصاص و الاسترقاق و العفو مجانا، و على مال في ذمة السيد برضا السيد فان قتله بقي المال في ذمة مولى الجاني للأول، إذ لا مدخلية له في بقاء العبد، و له استرقاقه بتمامه إذا كان مساويا لعبده بالقيمة و إن لم يكن له سابقا إلا النصف لمكان مزاحمة الأول، فلما ارتفعت بقيت الجناية على استحقاقها، و كذا الكلام لو كان الأمر بالعكس بأن اختار الثاني المال على الوجه المزبور، فإنه يبقى حق الأول على الوجه الذي سمعته.
و لو لم يضمن المولى و رضي الأول باسترقاقه تعلق به حقه و حق الثاني جميعا، ضرورة عدم سقوط حق الثاني باسترقاق الأول، بل هو باق على تخييره فان قتله الثاني سقط حق الأول لفوات محله و لا تركة له كالحر ليأتي فيه ما سمعته سابقا من احتمال أخذ الدية من تركته، و كذا إن رضي الثاني بتملكه فقتله الأول سقط حقه.
و ظاهر المصنف و الفاضل و غيرهما ممن تعرض لذلك أنه لا يغرم من اختار القصاص منهما للآخر قيمة ما استرقه، و لكن في كشف اللثام «و فيه‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 132‌
نظر، لأنهما لما اشتركا في رقبته كان الظاهر أنه لا يجوز لأحد منهما قتله إلا إذا دفع إلى الآخر نصف قيمته، فإنه مال مشترك بينهما، و ليس كالحر، و قد سبقه إلى ذلك الشهيد في المحكي من حواشيه إلا أنه قال:
إن احتمال الضمان لم أقف عليه في مصنفات الأصحاب، و لا سمعته من العلماء الأنجاب و إن كان غير بعيد من الصواب».
قلت: قد سلف منا ما يعلم منه فساد الاحتمال المزبور، و ذلك لإطلاق ما دل على التخيير لولي المقتول في القصاص و غيره، و استرقاق أحدهما له لا يرفع ذلك، لأن الحق متعلق بعينه، و أدلة القصاص عامة.
ثم لا يخفى عليك أن ما وقع من المصنف و غيره من ضمان المولى يراد به ما أشرنا إليه من شغل ذمة المولى بمال عن حق المجني على المتعلق برقبة العبد بصلح و نحوه، و إلا فلا وجه للضمان المصطلح، إذ ليس هو في ذمة العبد، كما لا وجه لالتزام المولى بمجرد تعهده بذلك، ضرورة كونه كالوعد الذي لا يجب الوفاء به، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه، كما أن المراد من عفو المجني عليه على مال إسقاط حقه من القصاص، فيبقى له الفرد الآخر و هو الاسترقاق، فمع فرض صلح المولى عنه بمال يسقط ذلك الحق، و يتشخص له المال في ذمة المولى، فما أطنب فيه في المسالك لا يخفى عليك ما فيه.
و على كل حال ف‍ ان لم يختر القصاص و استرق اشترك الموليان كما سمعته من المبسوط و صرح به الفاضل و غيره، و لم يختص بالثاني و إن كان اختيار استرقاق الأول أقدم، إذ ليس له إلا استرقاق مقدار ما يخصه من الشركة.
و لكن عن التحرير الوجه عندي أنه للثاني بعد استرقاق الأول له، و هو مبني على تعلق استرقاقه بتمامه، فإذا اختار الاسترقاق أيضا انتقل‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 133‌
منه إليه، و مال إليه في المسالك.
و فيه أن فحوى ما سمعته في الخبر «1» يقتضي كونه مشتركا بينهما ما لم تكن الجناية الثانية بعد استرقاق الأول، و بذلك يتضح لك ما ذكرناه سابقا في كلام كشف اللثام، فلاحظ و تأمل. بل من ذلك يظهر لك ما في المسالك، من التشويش، و الله العالم و الهادي.
بقي شي‌ء: و هو أن الاشتراك المزبور بين الموليين على التنصيف مع فرض استيعاب قيمة كل من عبديهما لقيمة المجني عليه «2» و إن تفاوتاهما بالقيمة مع احتمال كون الاشتراك فيه على حسب قيمة عبديهما، لكنه بعيد، نعم لو تفاوت عبداهما على وجه يساوي أحدهما نصفه و الآخر جميعه أمكن القول باشتراكهما فيه على التفاوت، فيكون ثلثه لذي النصف و ثلثاه لذي الكل، لقاعدة لا ضرر و لا ضرار، أما لو كان قيمة أحدهما تساوي ثلثه و الآخر ثلثيه فلا إشكال في اشتراكه بينهما على التفاوت فتأمل جيدا، فاني لم أجد ذلك محررا في كلامهم، و في بعض العبارات إطلاق استحقاق النصف، و يمكن حملها على ما إذا كان مقتضى الشركة ذلك لتساوي العبدين مثلا، و الله العالم.
و لو قتل عبدا لاثنين مثلا اشتركا في القود و الاسترقاق ف‍ ان طلب أحدهما القيمة و لم يدفعها المولى له ملك منه بقدر قيمة حصته من المقتول، و لم يسقط حق الثاني من القود مع رد قيمة حصة شريكه ضرورة عدم استحقاقه تمام نفسه بعد عفو الشريك.
و عن العامة قول بسقوط حقه، لأن القود لا يتبعض، و هو واضح الضعف عندنا بعد مشروعية الرد عندنا في نظائره.
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
(2) هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة و المبيضة، و الصحيح «لقيمة الجاني».
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 134‌
و لو فكه مولاه بقائل أو كثير وجب على القاتل رد نصيب من عفا من قيمته على مولاه لا ما دفعه مولاه، و الله العالم.
[المسألة الخامسة لو قتل عشرة أعبد عبدا فعلى كل واحد عشر قيمته]
المسألة الخامسة:
لو قتل عشرة أعبد كل واحد لمولى عبدا فعلى كل واحد عشر قيمته أي العبد المقتول في رقبته، و للسيد الخيار بين قتل الجميع أو البعض و الاسترقاق فان قتل مولاه العشرة أدى إلى مولى كل واحد ما فضل عن جنايته إن كان و إلا ف‍ لو لم تزد قيمة كل واحد عن جنايته التي هي عشر قيمة العبد المقتول فلا رد و لكن لو زادت قيمة المقتول عن دية الحر فالوجه ردها إليها و يجعل أصلا، و يكون على كل عبد عشرها، و كذا يرد قيمة كل واحد من العشرة إليها إن زادت، لإطلاق ما دل من النص «1» و الفتوى على ذلك.
و إن طلب الدية ف‍ في المتن و التحرير مولى كل واحد بالخيار بين فكه بأرش جنايته و بين تسليمه ليسترق و قد عرفت سابقا أن الخيار بيد مولى المجني عليه بين استرقاق ما قابل الجناية من كل منهم و بين الرضا من المولى بالأرش.
و يمكن حمل العبارة على ما إذا جعل ولي المقتول إليه الخيار، و حينئذ يتجه استحقاق مولى المجني عليه أرش الجناية بالغا ما بلغ لا أقل الأمرين، ضرورة كون الأمر إليه كما أشرنا إليه سابقا، نعم لو كان الخيار بيد المولى كما في الخطأ لم يجب عليه إلا أقل الأمرين من أرش الجناية و من‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 135‌
قيمة العبد، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، كما أنه لا يستحق ولي المجني عليه أزيد من أرش جنايته.
و على كل حال ف‍ ان اختار مولى المجني على الاسترقاق و استوعبت جناية العبد قيمته استرقه أجمع و لا شي‌ء لسيده، كما لا شي‌ء عليه لو زادت و إلا كان لمولى المقتول من كل واحد بقدر أرش جنايته و يبقى الباقي للسيد أو يرد على مولاه مع التراضي ما يفضل عن حقه، و يكون العبد بأجمعه له أو بالعكس مع التراضي فيبقى العبد بأجمعه لمولاه، إذ عرفت غير مرة أن الجناية تتعلق برقبة العبد، فليس لمولى المجني عليه إلزام مولى الجاني بالقيمة قهرا، كما أنه ليس لولي الجاني إلزام مولى المجني عليه بالرضا بالقيمة قهرا، كما هو واضح.
و لو قتل المولى بعضا جاز بلا خلاف و لا إشكال، لأن له القصاص من كل واحد و لكن يرد كل واحد من موالي الباقين على مولى المقتول قودا عشر الجناية إن كان البعض الذي قتله واحدا، و إلا رد من يبقى منهم مقدار ما عليه، و يغرم مولى المجني عليه الباقي فان لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل لعلو قيمته أو لتعدده أتم مولى المقتول ما يعوز لأنه هو القاتل أو اقتصر على قتل من ينهض الرد بقيمته كي لا يغرم شيئا كذا ذكره المصنف و غيره ممن تعرض لهذا الفرع.
لكن قد أشرنا سابقا أن المتجه غرامة مولى المجني عليه تسعة أعشار قيمة المقتول قودا لو كان واحدا مثلا و إن استحق هو من الجانين الباقين استرقاقا ما قابل جناية كل واحد منهم، و ليس لولي المقتول قودا استرقاقهم، لعدم كونهم جانين على عبده، كما ليس عليه قبول ذلك لو دفعه المقتص‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 136‌
إليه لاستحقاقه القيمة، اللهم إلا أن يكون ذلك مقتضى الشركة في الجناية كما أشرنا إليه سابقا، و ذلك كله واضح بعد الإحاطة بما أسلفناه و إن أطنب فيه الفاضل في القواعد و شرحها للاصبهاني. و منه قوله فيها:
«لا يجبر فاضل أحدهم بنقصان الآخر إلا أن يكونا لمالك واحد» و فيه أن المتجه عدم الجبر مطلقا، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، فكل منهم يلاحظ لنفسه، و الله العالم.
[المسألة السادسة إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح]
المسألة السادسة:
إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح لبقائه على ملكه، و عموم أدلة الترغيب فيه، و بناء على التغليب، و كون الأصل في قضية العمد القصاص دون الاسترقاق. و من المعلوم أنه لم يسقط القود بذلك، و لأن العتق أقوى من الجناية، لنفوذه في ملك الغير، و هو الشريك بخلافها.
و لكن مع ذلك لو قيل: لا يصح لأن لا يبطل حق الولي من الاسترقاق كان حسنا بل في النافع هو الأشبه، و في المسالك الأقوى، و اختاره الحلي و الآبي و أبو العباس و الفخر و المقداد على ما حكي عن بعضهم، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة للقائل بعد ما عرفت من اقتضاء العتق بطلان الحق المتعلق بعينه، و هو الاسترقاق الذي هو لازم جنايته، و بطلان اللازم يقتضي بطلان الملزوم.
نعم لو قيل ببقاء حق الاسترقاق له كما في التحرير و عن كفارات المبسوط ارتفع المحذور المزبور. قال في الأول: «فإن اقتص منه أو استرقه بطل عتقه، و إن عفا على مال أو افتكه مولاه عتق، و كذا لو عفا عنه».
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 137‌
لكن يلزم منه محذور آخر كما في الرياض، و هو كون العتق موقوفا مع أن من شرطه التنجيز و عدم التعليق، اللهم إلا أن يمنع من ضرر مثل هذا التغليق، و يختص الممنوع منه بما يذكر في صيغة العتق لا ما كان موجبا لتوقفه من خارج، كما نحن فيه فتدبر، و هو كما ترى، ضرورة عدم كون ذلك من التعليق قطعا، بل هو من الكشف أو عدم اللزوم، و هما معا ليسا من التعليق، و لعل قوله فيه: «بطل» يقتضي الثاني، فيجزئ حينئذ لو كان عن كفارة، لصدق الامتثال و إن عادت إلى الرق بعد ذلك.
نعم قد يقال: إن الأولى من ذلك القول بالعتق المنجز اللازم ترجيحا لأدلة العتق المبني على التغليب، و المعلوم كون الأصل فيه اللزوم، بل ربما كان من المعلوم عند الشرع عدم عوده إلى الرق بعد حصوله، و تنزيلا لأدلة التخيير في العبد الجاني على ما إذا كان عبدا مؤيدا ذلك بما ذكروه في المبيع بالخيار المشترك من نفوذ العتق لو وقع من المشتري، بل قيل إنه لم يعرف القول بالبطلان فيه إلا لبعض الشافعية كالقول بتوقفه على إذن ذي الخيار.
و ربما كان هذا أولى مما في كشف اللثام، فإنه بعد أن ذكر أن الصحة بمعنى المراعاة قال: «و عندي الأظهر الصحة منجزة إذا كان المقتول حرا، و لا يبقى للولي إلا القود، و لا يبطل به العتق، و المراعاة إذا كان المقتول عبدا، فإنه ما لم يبطل العتق لم يقتص منه له، كما لا يسترق».
و فيه أن مقتضى ما ذكرناه عدم الفرق، و لا استبعاد في سقوطهما معا، كالذمي إذا قتل ذميا و أسلم. نعم يمكن القول فيه و في السابق بضمان السيد القيمة باعتبار إتلافه جهة المالية، و لقاعدة الضرر كما لو قتله، الذي صرح في القواعد بضمانه القيمة فيه و في قتل الأجنبي، بل صرح فيها‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 138‌
بالضمان مع التفريط في حفظه حتى هرب، و أولى منه ما لو هربه هو، و ربما يشهد له ما تسمعه في صورة الخطأ، و هو لا يخلو من قوة و إن لم أجد به مصرحا. ثم إن قوله: «فإنه ما لم يبطل العتق» مناف لما صرح به الفاضل في القواعد بل و له في شرحها أيضا من أنه لو قتل العبد عبدا عمدا، فأعتق القاتل لم يسقط القصاص اعتبارا بحال الجناية، فلاحظ و تأمل.
هذا و في المتن و كذا البحث في بيعه وهبته و في القواعد «لو باعه أو وهبه وقف على إجازة الولي» و في شرحها للاصبهاني «لتعلق حقه بالرقبة، فلا ينتقل إلى الغير بدون إذنه، و لا يكفي علم المشتري و المتهب بالحال، كما لا يكفي في الرهن، و هنا قولان آخران: أحدهما الصحة منجزة و الآخر البطلان، و موضع التفصيل المتاجر».
قلت: قد ذكرنا هناك «1» أن الأقوى الصحة، لعموم الأدلة، و عدم ثبوت مانعية الحق المزبور لها، إلا أن المتجه بقاء حق الاسترقاق له، فان الانتقال إلى مالك آخر لا ينافيه بعد تعلقه بالعين، كتعلق حق الدين بالتركة الذي لا يمنع من نفوذ بيع الوارث و إن تسلط الديان على الفسخ مع عدم الوفاء، و حينئذ فينتقل العبد الجاني إلى المشتري مستحقا استرقاقه، فمع علمه لا خيار، و إلا كان له الخيار كما أوضحناه في محله.
و فرق واضح بين البيع و الهبة و بين العتق بناء على أن الحر لا يعود رقا بخلافهما، فانه يثبت فيهما تزلزل الملك.
بل قد يقال: بلزوم البيع للأصل مع ضمانه القيمة، نحو ما قلناه في المبيع بالخيار و إن كان بعيدا، لقوة تعلق حق الجناية و كونه في اليمين لا في العقد كالخيار.
______________________________
(1) راجع ج 25 ص 134- 135.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 139‌
نعم قد يقال هنا: إن للمجني عليه الاسترقاق، و لا يبطل البيع، لأنه استرقه و هو في ملك المشتري، بل لا رجوع له بالثمن مع علمه بالحال، أما مع عدم علمه فقد يقال: له تفاوت ما بين قيمته مستحقا عليه الاسترقاق و سليما عن ذلك، كما أن له الفسخ لو علم بذلك قبل أن يسترقه المجني عليه، لأنه بحكم المعيب فتأمل جيدا، فانى لم أجد ذلك محررا، بل ربما تقدم في المتاجر منافاة له في الجملة، و لكن لا يخفى عليك قوته، هذا كله في القتل عمدا.
و أما لو كان القتل خطأ ف‍ قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية يصح العتق و يضمن المولى الدية على رواية عمرو بن شمر عن جابر «1» عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه، قال: فأجاز عتقه و ضمنه الدية»‌
و لكن في عمرو ضعف و مع ذلك مرسلة و لا جابر لها.
و من هنا قيل و القائل ابن إدريس لا يصح إلا أن يتقدم ضمان الدية أو دفعها.
و لكن فيه أن تقدم الضمان بدون رضا المجني عليه غير مجد، بل و مع رضاه إلا أن يكون المراد به التزام السيد له في الذمة يصلح و نحوه، بل فيه أن ضعف الخبر المزبور غير مضر بعد أن كان مضمونه موافقا للضوابط التي أشرنا إليها في صورة العمد التي لا ريب في أولوية الخطأ منها بذلك، و حينئذ يتجه نفوذ العتق و ضمان السيد الدية باعتبار إتلافه الحق المالي.
و لا مدخلية لإعساره و ملاءته في الضمان بذلك و إن اعتبرها الفاضل‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 12- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 140‌
في القواعد في الصحة، قال: «و إلا فالأقرب المنع» و كأنه راعى في ذلك الجمع بين أدلة العتق و عدم ضياع الحق، و هو حاصل لو كان مليا بخلاف ما إذا كان معسرا، و فيه أنه يمكن كونه مماطلا مع ملاءته فلم يحصل الاحتياط لصاحب الحق، و احتمل في كشف اللثام الصحة مع الاستسعاء، و الكل تهجس، و التحقيق ما عرفت من نفوذ العتق، أما البيع و الهبة فالظاهر مراعاة لزومهما بالأداء، نحو تركة الميت التي تعلق بها الدين، و الله العالم.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌42، ص: 430
[المسألة السابعة لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته فإن قال أبرأتك لم يصح]
المسألة السابعة:
لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته فإن قال المجني عليه للعبد أبرأتك من ذلك لم يصح كما عن المبسوط و غيره،
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور- الحديث 4 من كتاب النكاح.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 431‌
بل قيل: إنه المشهور، لأنه لا حق له في ذمته كي يكون مورد الإبراء، إذ هو مال للغير.
لكن مع ذلك ففي القواعد «لم يصح على إشكال» و في كشف اللثام «من تعلق الحق برقبته، و من أن رقبته حق للمولى فهو إبراء من لا حق له عليه».
قلت: لا يخفى عليك ما في الوجه الأول بعد ما ذكرناه، و من هنا قال في الكشف: «الأقرب أنه إن استحق تملك الرقبة خاصة فلا معنى لإبرائه، إذ لا معنى للإبراء عن النفس، و إن استحق القصاص تخير بينه و بين الاسترقاق كلا أو بعضا، فإذا أبرأه صح و انصرف إلى القصاص، فإنه الذي يصح إبراؤه عنه، و بقي له الاسترقاق ما لم يبرأ السيد، إلا أن يريد إسقاط القصاص و الاسترقاق جميعا، فإنه لا يصح إلا أن يتجوز بذلك عن إبراء السيد» و إن كان هو أيضا فيه ما فيه بناء على ما عرفت من أن محل الإبراء الحقوق التي في الذمم، و ليس الفرض منها، فلا فرق بين استحقاق تملك الرقبة خاصة كما في الجروح التي لا قصاص فيها و بين ما إذا كان مخيرا بينه و بين القصاص، إلا أن يقال: إن حق القصاص شي‌ء يتعلق بذمة المكلف فيصح أن يكون موردا للإبراء كما إذا أبرأ الحر منه، و مع ذلك لا يخلو من إشكال، فإنه ليس تعلق دين، بل هو خطاب شرعي يشك في تعلق الإبراء به، و الأصل العدم بعد عدم عموم يتمسك به.
بل و على ما ذكرنا يأتي الإشكال أيضا في ما في القواعد و محكي المبسوط و غيره من أنه إن أبرأ السيد صح، لأن الجناية و إن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك للسيد و في كشف اللثام «صح ذلك إن استحق الاسترقاق خاصة أو مع القصاص، فإنه كان استحق عليه‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 432‌
أخذ العبد منه و استرقاقه أو بحيث إن شاء اقتص و إن شاء استرق، فإذا أبرأه سقط حقه» إلا أن ذلك كله كما ترى.
و لذا قال المصنف فيه إشكال كالمحكي عن التحرير من حيث إن الإبراء إسقاط لما في الذمة و ليس ذلك منه، نعم لو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية أو موجبها صح و لا يجرى فيه الاشكال المذكور، لأن العفو لا يختص بما في الذمة، و احتمال تنزيل الإبراء المزبور على ذلك جيد إن حصلت قرينة تدل عليه غير حمله على الوجه الصحيح، و إلا فمشكل.
و لو كان القتل عمدا لخطأ و أبرأ الولي العاقلة لم يبرأ القاتل، ضرورة كونه إبراء لمن ليس عليه الحق، نعم لو قلنا كما عن قول للعامة من كون الدية على القاتل و العاقلة يتحملون عنه اتجه ذلك، لكنه معلوم الفساد عندنا، فيكون إبراء لمن لم يكن عليه حق.
كما لو أبرأ القاتل في الخطأ المحض الثابت بالبينة أو إقرار العاقلة، فإنه لا تبرأ العاقلة، نعم لو أبرأ القاتل في الأول أو قال: عفوت عن هذه الجناية أو أرشها و نحوه صح، كما هو واضح.
و بذلك يظهر لك ما في بعض نسخ الشرائع، إذ الموجود عندنا ما عرفته، و في آخر و لو أبرأ قاتل الخطأ المحض لم يبرأ و لو أبرأ العاقلة أو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية صح، و لو كان القتل شبيه العمد فإن أبرأ القاتل أو قال عفوت عن أرش هذه الجناية صح، و لو أبرأ العاقلة لم يبرأ القاتل إذ هو عين ما ذكرناه سابقا، و الله العالم.
تم كتاب القصاص و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على محمد و آله.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌42، ص: 433‌
إلى هنا- و الحمد لله- تم الجزء الثاني و الأربعون من كتاب جواهر الكلام، و قد بذلنا الجهد في تنميقه و تحقيقه و التعليق عليه و تصحيحه، فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك، و نسأله أن يديم توفيقنا لإخراج الجزء الأخير و هو الجزء الثالث و الأربعون في كتاب الديات، و به ختام هذه الموسوعة الكبيرة.
النجف الأشرف محمود القوچاني‌
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌43، ص: 25
و أما الجناية على العبد فيحتمل أيضا جريان حكم الدية عليها و إن كانت هي قيمة، و يحتمل كونه كالأموال. و أما العكس فالظاهر الحلول فيما يتعلق منها برقبته، نعم لو أراد المولى فداءه أمكن ملاحظة التأجيل، و الله العالم.
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌43، ص: 66
و لو كانا أي المصطدمان عبدين بالغين عاقلين سقطت جنايتهما بلا خلاف، بل و لا إشكال لأن نصيب كل واحد منهما هدر باعتبار كونه الجاني على نفسه و ما على صاحبه من النصف الأخر فات بتلفه لأن جناية العبد تتعلق برقبته و من هنا لا يضمن المولى سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ، و لو كان أحدهما عبدا و الأخر حرا فلا شي‌ء لمولاه و لا عليه.
أما الثاني فلما عرفت من تعلق جنايته برقبته و قد فاتت، و أما الأول‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌43، ص: 67‌
فلأنه كما جنى عليه الحر جنى هو على الحر، فيتقاصان و إن زاد نصف قيمته على نصف دية الحر، إذ لا عبرة بالزيادة عندنا، هذا.
و لكن و في المسالك «فإن ماتا وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر، و يتعلق به نصف دية الحر، و ما تعلق برقبة العبد إذا فات يتعلق ببدلها، كما أن الجاني الذي تعلق الأرش برقبته إذا قتل انتقل إلى قيمته، ثم إن تساويا تقاصا بناء على أن نقد البلد الذي تجب فيه القيمة أحد أفراد الدية، و لو كان نصف القيمة أكثر و أوجبناها فللسيد أخذ الزيادة من تركة الأخر و إلا فلا، و إن كان نصف الدية أكثر فالزيادة مهدرة «1» لأنه لا محل يتعلق به» «2».
و فيه ما لا يخفى عليك في قوله «بناء» أولا و قوله «و أوجبناها» ثانيا.
نعم لو فرض كون الحر ذميا أو امرأة مثلا أمكن استحقاق الزيادة، و الله العالم.
و لو مات العبد خاصة فنصفه هدر و تجب نصف قيمته و تكون على الحر كقيمة الفرس، و إن مات الحر خاصة وجب نصف ديته و تتعلق برقبة العبد كما هو واضح.
و لو اصطدم حران فمات أحدهما فعلى ما قلناه يضمن الحر الباقي نصف دية التالف و النصف الأخر هدر لأنه من جنايته و لكن على رواية عن أبي الحسن موسى عليه السلام يضمن الباقي تمام دية الميت و هي‌
رواية مو
________________________________________





جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌43، ص: 450
[المسألة الرابعة لا يضمن العاقلة عبدا]
المسألة الرابعة قد عرفت فيما تقدم أنه لا يضمن العاقلة عبدا نصا و فتوى على معنى أنه لو جني العبد جناية توجب الدية على العاقلة لو كانت من الحر تعلقت برقبته دون العاقلة لما عرفته من النصوص و الفتاوى و كذا لا يضمن بهيمة لو جنت بتفريط من المالك أو بدونه، بل يتعلق الضمان بمالكها في الأول، و لا ضمان في الثاني كما عرفته سابقا مفصلا.
و كذا لا تضمن إتلاف مال بل ضمانه متعلق بالمتلف نصا و فتوى، كل ذلك مضافا إلى مخالفة ضمانها العمومات فيقتصر فيه على المتيقن و من هنا يختص بضمان الجناية على الآدمي من الآدمي حسب و لو حر على عبد خطاء كما عرفته سابقا، خلافا لبعضهم فجعله على الجاني لأن‌
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌43، ص: 451‌
العبد من الأموال، بل قال هو المراد مما في النص و الفتوى من أن العاقلة لا تضمن عبدا و إن كان هو كما ترى كما عرفته سابقا، و الله العالم.
[المسألة الخامسة لو رمى طائرا و هو ذمي ثم أسل
________________________________________







بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏57 ؛ ص212
20- كتاب تاريخ قم تأليف الحسن بن محمد بن الحسن القمي، قال روى سعد بن عبد الله بن أبي خلف عن الحسن بن محمد بن سعد عن الحسن بن علي الخزاعي عن عبد الله بن سنان‏ سئل أبو عبد الله ع أين بلاد

بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏57 ؛ ص213
23- ثم قال و روي بأسانيد عن الصادق ع‏ أنه ذكر كوفة و قال ستخلو كوفة من المؤمنين و يأزر [يأرز] عنها العلم كما تأزر [تأرز] الحية في جحرها ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم و تصير معدنا للعلم و الفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال و ذلك عند قرب ظهور قائمنا فيجعل الله قم و أهله قائمين مقام الحجة و لو لا ذلك لساخت الأرض بأهلها و لم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق و المغرب فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين و العلم ثم يظهر القائم ع و يسير سببا لنقمة الله و سخطه على العباد لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة.


بحار الأنوار (ط - بيروت) ؛ ج‏57 ؛ ص213
و إن البلايا مدفوعة عن قم و أهله و سيأتي زمان تكون بلدة قم و أهلها حجة على الخلائق و ذلك في زمان غيبة قائمنا ع إلى ظهوره و لو لا ذلك لساخت الأرض بأهلها و إن الملائكة لتدفع البلايا عن قم و أهله و ما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين و شغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدو و ينسي الله الجبارين في دولتهم ذكر قم و أهله كما نسوا ذكر الله.