بسم الله الرحمن الرحیم
محجة العلماء، ج2، ص: 181
فى بيان حقيقة الحكم و التكليف و كيفية تحقّقه
فنقول بعون اللّه تعالى انّه لا بدّ من تمهيد مقدّمة تتكفّل ببيان حقيقة الحكم و التّكليف و كيفيّة تحقّقه و معنى صدوره من الحاكم و بيان ماهيّة الوضع و الجعل امّا الحكم فهو المحمول سواء كان ذاتيّا او عرضيّا وجوديّا او عدميّا فان كان ممّا يرجع الى اختيار شخص فلا يخلو من ان يكون تكليفيّا او وضعيّا و يلحق بالحكم الوضعىّ فى هذا الباب الامر الوضعىّ الّذى هو من قبيل الموضوعات و التّكليفىّ هو الجامع بين الخمسة المعروفة فانّ اختصاصها بجامع و انحصار الاقسام فيها عقلا واضح و من المعلوم توقّف التّقابل على جهة وحدة و لمّا لم يكن له عبارة موضوعة يتوصّل بذكر الطّرفين فى اخطاره فى الذّهن فيقال من حيث الاقتضاء و التّخيير فهما طرفان لتلك الجهة الّتى تنحصر فى الخمسة عقلا و هذا من قبيل قولهم انّ موضوع النّحو الكلمة من حيث الاعراب و البناء فانّ الغرض انّ الجامع المقابل للجامع بين الصّحّة و الاعتلال هو الموضوع و لمّا لم يكن له عبارة يتوصّل فى اخطاره بذكر طرفيه نعم قد يكون للجامع بين المتقابلين لفظ موضوع كالقرء فانّه
محجة العلماء، ج2، ص: 182
عبارة عن حالة لهما طرفان احدهما الطّهر و الآخر الحيض لا انّه موضوع للضّدين كما يتوهّم و الحاصل انّ كل متقابلين يختصّان بجامع يتقابلان فيه و لا معنى للتّقابل الّا كونهما على طرفى شيء واحد فالنّقيضان يختصّان بجامع و لهذا لا يمكن ان يقال انّ الشّيء امّا موجود و امّا جاهل بل لا يعقل التّقسيم الّا الى نقيضه و هذا هو السّرّ فى استحالة اجتماع المتقابلين مط و استحالة الارتفاع تابعة لانحصار الطّرف كما هو الحال فى النّقيضين و ضدّين لا ثالث لهما فالجهل و العلم يختصّان بجامع يعنى انّهما طرفان لجهة مقابلة للقدرة و العجز و الجامع بينهما لا ينقسم الّا اليهما فكلّ جهة لها طرفان او اطراف فما بين الاب و الابن من العلقة جهة واحدة قائمة بطرفين متقابلين فى تلك الجهة متباينين و قد يكون الطّرفان متشاكلين كالاخوة و الجوار و بما حقّقنا تبين معنى كون الاباحة حكما تكليفيّا فانّه من اقسام الجهة المنقسمة الى التّكليف و مقابله و هو التّرخيص و ربّما يتوهم الجاهل انّ الاباحة ليس حكما بل انّما هو عدم المنع و البعث و هو ناش عن عدم تعقّل حقيقة الاذن و التّرخيص فكما انّ المالك للمال بسلطانه يرخّص فى التّصرّف و يبيح فكذا المالك للرّقبة بسلطانه يرخّص العبد فى العمل على طبق هواه و اين هذا من عدم التعرّض و الاعراض و عدم المنع كما انّه قد يتوهّم انّ اختلاف الامر و النّهى انّما هو باعتبار اختلاف متعلّقهما فالجامع هو الطّلب و الفارق تعلّقه بالايجاد و التّرك و هذا ناش عن توهّم انّ المضاف اليه متعلّق للمضاف و عدم تعقّل انّه فصل مميّز فطلب الفعل عبارة اخرى عن البعث اليه كما انّ طلب التّرك عبارة اخرى عن الزّجر عنه و من المعلوم انّ كلّا من البعث و الزّجر انّما يتعلّق بالماهيّة و لا معنى للبعث على الايجاد و الزّجر عن التّرك فليس قولنا طلب الفعل من قبيل قولنا طلب الصّلاة فالاضافة الاولى الى الفصل و الثّانية الى المتعلّق و يكشف عن هذا انّ اختلاف النّوعين بالهيئة و الحرف لا بالمادّة فانّها فى جميع المشتقّات شيء واحد فالاختلاف بالاشتقاق و لا يجامع هذا كون الاختلاف بحسب المتعلّق هذا مجمل القول فى حقيقة الحكم التّكليفىّ،
و امّا كيفيّة تحقّقه فلا اشكال فى منافات وجود موضوعه فى الخارج للاتّصاف به فثبوته له فرع عدمه فانّ الفعل انّما يجب قبل الصّدور من فاعله و امّا بعده فلا معنى للوجوب و كذا الحرمة فانّ المحرّم بعد الاتيان به لا حرمة فيه من حيث التّحقّق و انّما يحرم الكلّىّ باعتبار وجوده الآخر المترتّب و اتّصاف الماهيّة بكثير من الصّفات حال العدم من البديهيّات كالامكان و الزّوجيّة و الفرديّة و قد عرفت حال الاتّصاف بالتّنافى مع استحالة اتّصاف العدم بالوجود و الالتزام بوجود الاشياء بحقايقها فى الذّهن انّما نشاء من قلّة البضاعة و كيف يتوهّم ذو مسكة توقّف الاتّصاف بالصّفات المزبورة على وجود موضوعاتها فى الذّهن و انّ النّقيضين انّما يتنافيان اذا تصوّرهما متصوّر مع انّ الذّهن انّما ينتقش فيه ما هو الواقع فلهذا تتّصف بالنسبة النّفسيّة كاللّفظيّة بالمطابقة و المخالفة و اختلاف ظرف ثبوت المثبت له و ظرف الاتّصاف يكفى فى فساد ما ادّعوه و قد كشفنا السّرّ فى محلّه عن فساد هذا المذهب ببيان مفاسده فانّها لا تحصى و بالجملة
محجة العلماء، ج2، ص: 183
فانتزاع جهة عن ماهيّة ليس الّا من قبيل نفس الماهيّة و الاشتمال على الذّاتيّات فى عدم التّوقّف على الوجود،
و امّا حقيقة الصّدور من الحاكم فلا اشكال فى انّ الواقعة اذا كانت عند شخص بمثابة لو سئل عنها من يجب عليه امتثال احكامه لامر بها او نهى عنها اتّصفت بالوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و لو كانت بحيث لو سئل لرخّص فيها لاتّصفت بالاباحة أ لا ترى انّ جواز التّصرّف في مال الغير لا يتوقّف الّا على العلم بهذه الحيثيّة و ان كان الشّخص غافلا غير ملتفت و استحقاق العقاب بالمخالفة على تقدير العلم بالجهة المزبورة ممّا لا يخفى على ذى مسكة و ليس للعبد العالم بانّ المولى لو سئل عن اكرام ابنه لامر به ان يعتذر فى ترك الاكرام بعدم امره به او فى قتله بعدم نهيه عنه فكلّ من الاحكام التّكليفيّة حيثيّة واقعيّة فعليّة و هو الرّابط بين الشّخص و الواقعة هذا فيما يرجع الى الاختيار و امّا ما يستقل به العقل كحرمة الظّلم و حسن الاحسان فلا اشكال فى عدم توقّفهما على انشاء و ليس حال الاحكام المولويّة الّا كحال الاحكام العقليّة من هذه الحيثيّة و انّما الاختلاف فى الافتقار الى الفاعل المختار و عدمه فظهر عدم توقّف الحكم على انشاء و لا على وجود المكلّف فضلا على استجماعه للشّرائط و ظهر السّرّ فى عدم خلوّ الواقعة عن الاحكام الشّرعيّة فان التّردد من الشّارع غير معقول فلا بدّ من تحيّث الواقعة بتلك الحيثيّة حتّى مثل مسّ السّماء جنبا فانّ عدم الوقوع بل الاستحالة لا ينافى كونه بحيث لو امكن ايقاعه و ابتلى به الشّخص لامر به او نهى عنه او رخّص و هذا هو الّذى الّذى لا يصاب بالعقول و لا يتوقّف على وجود شخص و مخاطبة، هذا حال حكم التّكليفىّ فى اوّل مراحله،
و امّا المرحلة الثّانية و هو مرحلة التّعلق بالشّخص فيعتبر فيه بعض الامور عقلا و للحاكم ان يعتبر فيه كلّما اراد كما اعتبر البلوغ شرعا،
و امّا المرحلة الثّالثة و هو مرحلة التّنجّز فلا يعتبر فيه الّا الانكشاف التّامّ و ما بحكمه و القدرة التّامّة و الحاصل انّ المحمول على الشّيء قد يكون حكما تكليفيّا و قد يكون وضعيّا و الاوّل عبارة عن الجامع بين الخمسة المعروفة اى الحيثيّة الّتى يتقابل فيها الاقتضاء و التّخيير فانّهما طرفان لجهة واحدة كما هو الحال فى كلّ متقابلين على ما يقتضيه التّقابل و هذه الحيثيّة حيث كانت مجعولة كانت تكليفيّة اذا كان فى الجاعل جهة مولويّة فكون الاباحة تكليفيّة بمعنى انّها من اقسام الجهة المنقسمة الى التّكليف و غيره و فرق واضح بين كون الحكم تكليفا و بين كونه تكليفا فلا منافات بين انتفاء الاوّل و ثبوت الثّانى و حيث كانت هذه جهة اعتباريّة ملحوظة فى ثلاثة اطراف المولى و المكلّف و الفعل اشتملت على ثلاثة مراتب الاولى الثّبوت للواقعة و الثّانية التّعلّق بالشّخص و الثالثة تنجّزه عليه و لا يعتبر فى الاولى الّا كون المولى بحيث لو سئل لامر او نهى او رخّص و ان لم يلتفت اليه بالفعل و لهذا يتحقّق العصيان اذا علم العبد بانّ المولى لو سئل لامر او نهى و ان لم يتحقّق منه انشاء بل و ان علم غفلته عن الحكم و القول بتوقّف تحقّق الحكم على الانشاء من سخائف الاوهام ناش عن الجمود على ما يتراءى ممّا قسّموا باعتباره الى الخبر و الانشاء فتوهّم انّ النّسبة الانشائيّة لا بدّ ان تحدث بالانشاء حيث قالوا انّ الكلام ان كان له خارج تطابقه او لا تطابقه
محجة العلماء، ج2، ص: 184
فخبر و الّا فانشاء زعما منهم انّ المناط ثبوت النّسبة قبل الكلام و عدمه مع انّ الاعمّ من المطابق و المخالف يستحيل انتفائه و ليس المناط فى الخبريّة خصوص المطابق و التّاكيد ممّا يتحقّق فى الانشاء و ليس تاكيد الانشاء اخبارا مع عدم حدوث النّسبة الواقعيّة به ضرورة استحالة حصول الحاصل فظهر عدم توقّف الحكم على وجود المكلّف ايض و ان كان احد الامور الثّلاثة الملحوظة فى الحكم فانّ كون الشّيء بلحاظ آخر لا يستلزم توقّف تحقّقه على وجوده فلا يعقل خلوّ الواقعة عن الحكم الشّرعىّ لاستحالة التّردّد بالنّسبة اليه تعالى و لا ينافيه عدم وجود المكلّف او عدم استجماعه لشرائط التّعلّق او التّنجّز فكون من السّماء جنبا بحيث لو سئل عنه لنهى عنه يكفى فى حرمته و ان كان النّهى الفعلىّ قبيحا كما هو الحال فى كلّ ما لا يبتلى به المكلّف كما ان قبح خطاب المعدوم و استحالة الارادة بالنّسبة اليه لا ينافى ذلك و هذا هو الدّين الّذى لا بدور مدار انشاء قولىّ او فعلى و ارادة تشريعيّة الّتى تعالى اللّه عنها علوّا كبيرا و كون هذه الحيثيّة جزافا او دائرا مدار المصالح و المفاسد فى المتعلّق او فى الحكم مرحلة اخرى و امّا المرتبة الثّانية فيعتبر فيه بعد الوجود العقل و القدرة فى الجملة و الابتلاء عقلا و البلوغ شرعا بمعنى ان الشّخص يدخل فى عنوان صالح لان يكون موردا للحكم و انّ الّذى يمكن ان يلاحظ فى الحكم انّما هو هذا الشّخص و ليس فاقد احدها الّا كالمعدوم فى عدم ارتباط الحكم به و عليه يترتّب عدم صدق الفوت بالنّسبة الى الفاقد و عدم تنجّز التّكليف بالنّسبة الى غير المبتلى فانّه فرع التّعلّق و توهّم اعتبار التنجّز فى الابتلاء ناش عن عدم الاحاطة بحقيقة التّنجّز و ما يعتبر فيه و امّا ثالث المراتب فلا يعتبر فيه الّا القدرة التّامّة و العلم و اعتبار الاصول لفظيّة كانت او عمليّة انّما هو تصرّف فى هذه المرتبة لو كانت مجعولة و توهّم انّ الامر بالعمل بالادلّة و النّهى عن العمل بالقياس يفيد الحكم التّكليفىّ ناش عن عدم تعقّل مراتب الحكم و لا يخفى انّ نفس الحكم لا مرجع له الّا الحاكم و امّا التعلّق و التّنجّز فلهما موازين واقعيّة و ان كان له التّصرّف فيهما نفيا و اثباتا فى الجملة على ما حقّقناه فى مباحث العلم،
فانكشف الغطاء عن كثير من المعضلات منها انّه لا مانع من اتّحاد الواجب و الحرام فى الوجود و انّه لا ينافى تحقّق الامتثال و حصول الفراغ فانّ مرحلة الاتيان بالمامور به لا يرجع فيها الى الحاكم و كون العمل الواحد عصيانا و اطاعة باعتبارين لا مانع منه و تعلّق الحكم بالايجاد و التّرك مستحيل ضرورة ترتّب الاطاعة و العصيان على التّكليف و ايجاد الواجب اطاعة كما انّ ترك الحرام كذلك فايجاد المامور به لا يمكن ان يكون مامورا و انّما حقيقة الوجوب و الامر بالشّيء البعث عليه المؤدّى الى ايجاده فالايجاد انبعاث على العمل لا نفس المبعوث عليه و ايجاد الحرام لا يمكن ان يكون حراما و انّما هو عصيان للنّهى فانّه زجر عن العمل و ردع و التّرك ارتداع و انزجار فمتعلّق الامر و النّهى نفس الطّبيعة لا بشرط فهما نحوان من الطّلب متضادّان يتواردان على محلّ واحد كالقبول و الرّدّ و حيث انّ الايجاد و التّرك لا يمكن ان
محجة العلماء، ج2، ص: 185
يكون ملحوظا فى المتعلّق فليس المراد من انّ الوجوب طلب الايجاد انّ المطلوب هو الايجاد و من انّ الحرمة طلب التّرك انّ المطلوب هو التّرك بل انّما المضاف اليه للطّلب فصل له فانّ من الواضح انّ الامر و النّهى انّما يتميّز ان بالماهيّة و الحقيقة و من المستحيل كون متعلّق الفرض الّذى هو موضوعه محقّقا لحقيقته و مميّز الماهيّة فالايجاد ليس موردا لحكم المولى و ليس المرجع فيه اوّلا الّا العقل فلا يمكن ان يقال انّ الفعل حيث اشتمل على الجهات المختلفة المتضادّة فلا بدّ فيه من تعارض الجهات و لا يمكن بقاء كلّ جهة على مقتضاها فانّ هذا انّما يتمّ فى موضوع الحكم و امّا ايجاد الموضوع فليس موضوعا لحكم ذلك الموضوع و الّا لتاخّر الشّيء عن نفسه نعم للحاكم ان يتصرّف فى مرحلة الامتثال تصرّفا آخر مرتّبا على المرحلة الاولى باعتبارها يفسد العمل فلا تبرئ به الذّمّة على ما سيتّضح انش تعالى فالمصلّى فى المكان المغصوب امتثل الامر بالصّلاة و عصى النّهى عن الغصب و ليست خصوصيّة الوقوع فى المكان المغصوب ملحوظة فى مرحلة ايجاب الصّلاة كى يمنع ايجابها معها و يتحقّق التّناقض بل انّما هى جهة طرأت بعد تماميّة الحكم بالنّسبة الى موضوعه و توهّم منافات مبغوضيّته للمحبوبيّة فى الواقع من سخائف الاوهام و الّا لامتنعت الصحّة مع المعذوريّة و عدم تنجّز حرمة الغصب فانّ المبغوضيّة الواقعيّة تنافى المحبوبيّة الواقعيّة و هذا يكفى فى الاستحالة و عدم التّنجّز لا ينافى مبغوضيّة العمل و المنشأ لتوهّم الاستحالة انّما هو ذلك مع انّه ليس لاحد ان يحكم بالفساد مع الجهل بالغصب و الحاصل انّ كون الاباحة شرطا فى الصّلاة غلط و الّا لفسدت الصّلاة مع الجهل بالغصب و اشتراط عدم مجامعتها للعصيان المستفاد من تنجّز الحرمة ممّا لا معنى له فانّ عصيان تكليف لا يمنع من امتثال آخر و من هنا ظهر انّه لو صرّح المولى بمبغوضيّة العمل الجامع للامرين لم يدلّ على البطلان فحرمة الصّلاة فى المكان المغصوب و ان دلّ عليها نصّ خاصّ فلا تدلّ على البطلان فانّه تغليب لجهة الحرمة و لهذا فمع انحصار مكان الصّلاة فى المغصوب تحرم الصّلاة بمعنى انّه مع الدّوران تقدّم الاهمّ و هذا لا يستلزم الفساد فلهذا لو صلّى الآيات عند دوران الامر بينها و بين اليوميّة فعل حراما لاهميّة اليوميّة و لكن لا معنى لحرمة الاتيان بالآيات فى هذا الحال الّا انّ ترك اليوميّة ممّا يعاقب عليه و انّ المنجّز انّما هو الاهمّ فالنّهى الصّريح عن اليوميّة لا يدلّ على بطلانها و هذا معنى التّرتّب لا ما توهّموه فانّ الغرض انّ مفاد النّهى انّما هو الاهميّة و امّا السّقوط عن المحبوبيّة و تحقّق مرجوحيّة فى غير الاهمّ فلا و منه يظهر فساد توهّم انّ الامر بالشيء يقتضى سقوط الضّدّ عن المحبوبيّة لاستحالة اجتماع الطّلبين فانّ المضادة فى مرحلة الوجود لا ينافى تعلّق الحكمين بالماهيّتين فلا تنافى بين كون وجوب ازالة النّجاسة فوريّا و صحّة الصّلاة المضادّة لها حتّى لو كانت الصّلاة علّة لترك الازالة مع انّ ترك الضّدّ انّما هو من مقارنات فعل الآخر و التّلازم من جهة استحالة ارادة الضّدّ مع ارادة الآخر فالعدم مستند الى عدم العلّة لا الى وجود الضدّ ضرورة انّ العدم مستند الى عدم علّة الوجود فمعنى الاتّفاق انّما هو
محجة العلماء، ج2، ص: 186
عدم العلّيّة لا ما ينافى التّلازم مع انّ حرمة الضّدّ العامّ ايض غلط فانّ حرمة ترك الواجب عبارة اخرى عن وجوب الفعل لا انّ هناك حكمان فافهم و منها انّ القضاء يجب على فاقد الطّهورين و ان لم يجب عليه الاداء فانّ عدم الوجوب انّما هو بمعنى عدم التّنجّز لوجود المانع و هو العجز و هو لا ينافى صدق الفوت الدّائر مدار التّعلّق فليس حال فاقد الطّهورين الّا كحال الحائض فانّها تتعلّق بها التّكليف و ان لم ينجّز عليها فعفى عن قضاء الصّلاة بالنّسبة اليها و بقى قضاء الصّوم على القاعدة و هكذا الحال بالنّسبة الى من ضاق وقته من الجمع بين اليوميّة و الآيات فانّه و ان لم يجب عليه الآيات لعدم تمكّنه من الجمع و لكنّه لا ينافى صدق الفوت و تعليل عدم وجوب القضاء بعدم وجوب الاداء واضح الفساد و منها انّ وجوب المقدّمة من جهة وجوب ذيها ممّا لا معنى له حيث انّ توقّف الامتثال على شيء انّما يوجب استقلال العقل بوجوب الاتيان به بمعنى ادراك ترتّب العصيان بالنّسبة الى ذى المقدّمة على تركها كما هو مقتضى المقدّميّة و امّا كون حكمه من المولى وجوب الاتيان من حيث المقدّميّة فلا فانّ البعث او التّحريك على المقدّمة ليس امرا راجعا الى الحاكم حتّى لو امر امرا الزاميّا بها لم يدلّ على وجوبها لاحتمال ان يكون من قبيل المواعظ و تاكيدا لما يستقلّ به العقل فى مرحلة الامتثال بل هو الظّاهر كما فى الامر بنفس الاطاعة و منها انه لا تنافى بين الاباحة الظّاهريّة و الحرمة الواقعيّة ضرورة انّ الاباحة الظّاهريّة عبارة عن المعذوريّة و عدم التّنجّز و اين هذا من الاباحة المضادة للحرمة و كيف يتصوّر التّنافى بين ثبوت الحكم و عدم تنجّزه و التّفصّى بالاختلاف بالقوّة و الفعل ناش عن عدم الاحاطة بحقيقة الحكم و انّ الحكم انّما هو الواقعىّ و ليس الحكم قبل التنجّز حكما بالقوّة بالضّرورة و امّا اختلاف الموضوع فاظهر فسادا حيث انّ اللّابشرط يتّحد مع الماهيّة بشرط شيء و انّما يدفع التّناقض اختلاف الموضوع بالتّباين لا بالعموم و الخصوص و منها انّ عبادة الصّبىّ صحيحة و ان لم يتعلّق التّكليف به حيث انّ الصّحّة ليست دائرة مدار تعلّق الحكم كما لا يدور مدار تنجّزه و انّما يدور مدار وقوع العمل على النّحو المشروع و اعتبار البلوغ فى صحّة العمل لا يستفاد من اعتبار البلوغ فى تعلّق الحكم مع انّه لم يدلّ دليل الّا على كون البلوغ من قبيل القدرة فى الاعتبار فى تعلّق الحكم و اين هذا من الاشتراط فى صحّة العمل كالطّهارة و تفريع هذه المسألة على انّ الامر بالامر امر من الاغلاط و منها انّ كون الامر الظّاهرىّ مقتضيا للاجزاء ممّا لا معنى له فانّه لا معنى لكون الشّاك فى انتقاض طهارته مكلّفا بالصّلاة مع ترك التّجديد إلّا انّه لو بقى على هذا الحال كان معذورا و ليس حال الادلّة و الاصول الّا كحال القطع و كما انّه لا اشكال فى انّ الجهل المركّب ليس مصحّحا للعمل و انّما هو عذر ما دام موجودا فكذا ما بمنزلته و منها انّ الاحكام العذريّة و ان كانت احكاما واقعيّة و لكنّها لترتّبها على الواقعىّ الاوّلىّ ليست منافية له فيجامعها فمن تعيّن عليه التّيمّم لضيق الوقت او لدفع ضرر مالىّ او بدنىّ لم ينقلب الحكم الواقعىّ بالنّسبة اليه و لهذا لو عصى وجب ان يقضى بالطّهارة المائيّة عند ارتفاع العذر و ان كان المشروع حال الاداء هو الصّلاة مع التّيمّم فانّ العذر انّما يمنع من
محجة العلماء، ج2، ص: 187
التّنجّز و هو لا ينافى التّعلّق و الاجزاء انّما هو باعتبار الاكتفاء عن الطّهارة بالبدل كما انّه لو عصى العاجز عن القيام فى الاتيان بالصّلاة قاعدا فانّه يجب عليه القضاء حال ارتفاع العذر قائما فانّ الماهيّة ليست مختلفة باختلاف القدرة و العجز و لا يمنع العجز عن التّعلّق فلو تكلّف المعذور و اتى بما اعذر فيه صحّ و ان حرم عليه التّكلف كالمتضرّر بالصّوم و التّطهير و بالجملة فرق بين الاكتفاء عن المامور به بغيره على ما هو معنى البدليّة كما فى التّيمّم و الجبيرة و المسح على الحائل و التّقيّة لو الاكتفاء ببعض المامور به او الاقرب اليه و بين اختلاف ماهيّة المامور به فليس هذا النّحو من التّصرّف تصرّفا فى المرحلة الاولى و هذا معنى كونه واقعا ثانويا و لكن يشكل هذا بانّ من العذر ما يوجب تعيّن النقص تعيّنا وضعيا بحيث يفسد العمل لو كان على طبق المرحلة الاولى و على تقدير الفوت فلا يجب القضاء الّا نقضا كما ايض فى الصّلاة بالنّسبة الى المسافر فانّه يتعيّن عليه القصر بحيث لا يجوز التّمام و لا يجوز القضاء الّا قصرا فانّ من المستحيل ان يجامع هذا كونه واقعيّا ثانويّا فى طول الواقع بمعنى بقاء الواقع على ما هو عليه و انّ ماهيّة الصّلاة انّما هو التّمام و ايضا فكيف يمكن فساد الصّوم مع عدم المفسد فانّ السّفر عذر للمسافر لا انّه كالحيض من موانع الصّحة و العذر كيف يمكن ان يكون منشأ للفساد و بالجملة فالجمع بين كون العمل مستجمعا بجميع ما يعتبر فيه الّذى هو عبارة اخرى عن موافقة المأتيّ به للمامور به و بين الفساد بحسب الظّاهر مستحيل مع انّ الّذى يظهر من الادلّة انّما هو كون السّفر عذرا بالنّسبة الى قصر الصّلاة و ترك الصّوم كما يفسح عنه التّعبير فى الآية الشّريفة بنفى الجناح و لهذا سئل زرارة و محمّد بن مسلم عن سرّه فقالا انّه تعالى انّما قال لا جناح و لم يقل افعلوا و دلّت الاخبار على انّ التّقصير فى السّفر صدقة من اللّه تعالى فيجب قبولها و كشف الحجاب انّ استجماع الشّرائط و الاجزاء و فقد الموانع عبارة عن الصّحّة المقابلة للفساد و امّا الصّحّة المقابلة للبطلان فليست دائرة مدار جهات الموضوع فكما يمكن ان يكون الاجتزاء منشأ للاجزاء على ما تقدّم فتحقّق الصّحّة المقابلة للبطلان فى الفاسد اى الفاقد لبعض ما اعتبر فى المامور به فى المرحلة الاولى فكذا يمكن البطلان مع تحقّق الموضوع و موافقة المأتيّ به للمامور به فانّه لا تلازم بين الاطاعة و الاتيان بالمامور به كما انّه لا تلازم بين العصيان و الاتيان بالمنهىّ عنه فالامر اذا كان على سبيل التّعبّد بمعنى كون الغرض البعث على العمل بعنوان الخضوع فلا يتحقّق الاطاعة و الخضوع بمجرّد الاتيان بالمامور به فلم يتحقّق المامور به على وجهه فلا تبرئ الذّمّة و ان اتى بالمامور به فانّ الاطاعة ليست ملازمة للاتيان بالمامور به و لهذا تبرئ الذّمّة بالاتيان بالواجب التّوصّلى لا بعنوان الخضوع و الطّاعة و لا يتحقّق الامتثال فموافقة المأتيّ به للمأمور به انّما يوجب البراءة فى التّوصّل و امّا التّعبّدى فيعتبر فى البراءة تحقّق التّعبّد و الامتثال و ان لم يوافق المأتيّ به للمامور به على الوجه الّذى بيّنّاه و هذا هو السّرّ فى كون الرّياء مبطلا للعمل مع استحالة اعتبار قصد الامتثال فى متعلّق الحكم لاستلزامه تقدّم الشّيء على نفسه فان التعبّد لا يجامع الرّياء فانّ المرائى لم يخضع لربّه و ان اتى
محجة العلماء، ج2، ص: 188
بالمامور به و المفسد عدم تحقّقه على وجهه و هذا جهة فى الحكم لها دخل فى الفراغ و ان لم يكن داخلة فى الموضوع و منه يظهر السّرّ فى عدم جريان الاصل عند الشّكّ فى اشتراط قصد القربة او قصد التّعبّد فانّ الموجب للاعتبار انما هو كيفيّة الحكم و الاصل انّما يجرى بالنّسبة الى ما يعتبر فى المتعارف و هذا معنى ما يقال انّ الشّكّ فى اعتبار التّعبّد شكّ فى سقوط الغرض الدّاعى فلا مجال للتّمسّك بالاطلاق فى نفيه مع انّ تحصيل الغرض ممّا لا يجب على المكلّف اذا شكّ فيه و لهذا يجرى الاصل فى الشّرائط و الاجزاء و الحاصل انّ الرّياء لا يجامع التّعبّد بالعمل و ان كان العمل ممّا يتعبّد به فالنّقص ليس فى المأتيّ به و انّما اتى البطلان من قبل عدم حصول الغرض الدّاعى و عدم كون المامور به على وجهه و ان شئت قلت انّه انّما كلّف بالتّعبّد بالعمل لا بمعنى كون التّعبّد مكلّفا به بل انّما هو منتزع عن خصوصيّة الحكم فانّ المامور به انّما هو الصّلاة لا غير مثلا و الحاصل انّ اعتبار شيء فى تحقّق عنوان الطّاعة امر مباين لاعتبار شيء فى المامور به و كون الدّاعى على العمل ممّا يحقّق الطّاعة فلا يلزم تقدّم الشّيء على نفسه من كون التّقرّب معتبرا فى المامور به فانّه من نفس الامر لا من جهة ملحوظة فى المتعلّق هذا حال ما يعتبر فى الاطاعة عقلا و قد يعتبر فيها شيء من الحاكم و منه الوقت فانّه ليس قيدا للمامور به بل انّما هو قيد للحكم بل هكذا الحال فى جميع الشّرائط فانّ الامتثال يتوقّف عليها و ان لم تعتبر فى المامور به فانّ المفروض انّها قيد فى الطّلب و لكن براءة الذّمّة منوطة بوقوع المامور به على وجهه و ان كان باعتبار مولوىّ و مثل هذا القيد ايضا يجرى فيه الاصل و انّما الّذى لا معنى لجريان الاصل فيه هو الّذى يعتبر فى حقيقة الحكم ككونه تعبّديّا و بهذا ظهر فساد وجوب الاحتياط عند الشّكّ فى اعتبار قصد الوجه او التّعيين و ان كان ناشيا من خصوصيّة الامر لانّها زائدة على نفسه لا داخلة فى حقيقة فما ذكر فى وجوب قصد التّعيين انّما يمكن ان يركن اليه لعدم جريان الاصل فى اعتبار القربة لا فيما رامه القائل فانّ اطلاق المامور به و ان لم ينفع فى نفى مثل هذا القيد الّا انّه يمنعه اطلاق الامر فافهم و منه يظهر امكان الفساد من جهة اجتماع الامر و النّهى بل من جهة المزاحمة بل من جهة النّهى عن الضّدّ و ان كان على خلاف الاصل