القواعد الفقهیة و الاصولیة
الحکم الظاهری

مراتب حکم شرعی




خطابات قانونیه



کلمات محقق اصفهانی
کلمات امام خمینی




کلمات الاعلام فی بیان مراتب الحکم

أخوند خراسانی

قوله (قده): المقصد الثّاني في الظّن، و الكلام فيه يقع في مقامين، أحدهما في إمكان التّعبد به عقلاً- إلخ

و امّا التّحقيق في الجواب ان يقال: انّها بين ما لا يلتزم و ما ليس بمحال، و لنمهّد لذلك مقدمة:
فاعلم ان الحكم بعد ما لم يكن شيئاً مذكوراً يكون له مراتب من الوجود: (أوّلها) ان يكون له شأنه من دون ان يكون بالفعل بموجود أصلاً. (ثانيها) ان يكون له وجود إنشاء، من دون ان يكون له بعثاً و زجراً و ترخيصاً فعلاً. (ثالثها) ان يكون له ذلك مع كونه كذلك فعلاً، من دون ان يكون منجزاً بحيث يعاقب عليه. (رابعها) ان يكون له ذلك كالسّابقة مع تنجّزه فعلاً، و ذلك لوضوح إمكان اجتماع المقتضى لإنشائه و جعله مع وجود مانع أو شرط،
                       

 

درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الحاشيةالجديدة، ص: 71
كما لا يبعد ان يكون كذلك قبل بعثته صلى اللَّه عليه و آله، و اجتماع العلّة التّامّة له مع وجود المانع من ان ينقدح في نفسه البعث أو الزّجر، لعدم استعداد الأنام لذلك، كما في صدر الإسلام بالنّسبة إلى غالب الأحكام؛ و لا يخفى انّ التّضادّ بين الأحكام انّما هو فيما إذا صارت فعليّة و وصلت إلى المرتبة الثّالثة، و لا تضادّ بينها في المرتبة الأولى و الثّانية، بمعنى انّه لا يزاحم إنشاء الإيجاب لا حقا بإنشاء التّحريم سابقاً أو في زمان واحد بسببين، كالكتابة و اللّفظ أو الإشارة.
و من هنا ظهر انّ اجتماع إنشاء الإيجاب أو التّحريم مرّتين بلفظين متلاحقين، أو بغير هما، ليس من اجتماع المثلين و انّما يكون منه إذا اجتمع فردان من المرتبة الثّالثة و ما بعدها، كما لا يخفى.
إذا عرفت ما مهّدنا لك، فنقول:
امّا الإشكال بلزوم اجتماع المثلين فيما إذا أصابت الأمارة، فان أريد منه اجتماع الإنشاءين للإيجاب أو التّحريم فهو ليس بمحال، و ان أريد اجتماع البعثين فهو غير لازم، بل يوجب اصابتها ان يصير إنشاء الإيجاب أو التّحريم واقعاً، بعثاً و زجرا فعليّين. و منه يظهر حال الإشكال بلزوم اجتماع الضّدّين فيما إذا أخطأت، حيث انّ الاجتماع المحال غير لازم، و اللازم ليس بمحال، إذا لبعث أو الزّجر الفعلي ليس إلاّ بما أدّت إليه، لا بما أخطأت عنه من الحكم الواقعي، و لا تضادّ إلاّ بين البعث و الزّجر الفعليّين.
فان قلت: لا محيص امّا من لزوم الاجتماع المحال، أو لزوم التّصويب الباطل بالإجماع، إذ لا يرتفع غائلة الاجتماع إلاّ إذا لم يكن في الواقع بعث و زجر، و معه لا واقعيّة للحكم.
قلت: التّصويب الّذي قام على بطلانه الإجماع، بل تواترت على خلافه الرّوايات، انّما هو بمعنى ان لا يكون له تعالى في الوقائع حكم مجعول أصلاً يتبع عنه و يشترك فيه العالم و الجاهل و من قامت الأمارة عنده على وفاقه و على خلافه، بل حكمه تعالى يتبع الآراء، أو كان متعدّداً حسبما يعلم تبارك و تعالى من عدد الآراء، و كما يكون بالإجماع الضّرورة من المذهب في كلّ واقعة حكم يشترك فيه الأمة لا يختلف باختلاف الآراء، كذلك يمكن دعوى الإجماع بل الضرورة على عدم كونه فعليّاً بالنّسبة إلى كل من يشترك فيه بمعنى ان يكون بالفعل بعثاً أو زجراً أو ترخيصاً، بل يختلف بحسب الأزمان و الأحوال، فربّما يصير كذلك في حقّ أحد (واحد. ن. ل) في زمان أو حال، دون آخر كما انّه بالبداهة كذلك في المرتبة الرابعة. و بالجملة المسلّم انّه بحسب المرتبتين الأوليّين لا يختلف حسب اختلاف الآراء و الأزمان و غيرهما، دون المرتبتين الأخيرتين، فيختلف حسب اختلاف الآراء و غيرها.
                       

 

 

درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الحاشيةالجديدة، ص: 72
ان قلت: إذا كان الحكم الواقعي الّذي يقول به أهل الصّواب بهذا المعنى، فإذا علم به بحكم العقل من باب الملازمة بين الحكم الشرعي و حكمه بحسن شي‏ء أو قبحه، لا يجب اتباعه، ضرورة عدم لزوم اتباع الخطاب بتحريم أو إيجاب ما لم يصل إلى حدّ الزّجر و البعث الفعليّين، بل و كذا الحال في العلم به من غير هذا الباب.
قلت: مضافاً إلى انّ العلم به مطلقا لو خلّى و نفسه يوجب بلوغه إلى حدّ الفعليّة، انّه انّما يكون ذلك لو كان طرف الملازمة المدّعاة بين الحكمين، هو الحكم الشّرعي بهذا المعنى، فلا ضير في القول بعد لزوم الاتّباع، و ذلك كما لو منع مانع من اتباع العلم الناشئ من العقل، كما يظهر ممّا نقله- قده- من السّيد الصدر في تنبيهات القطع، و لا ينافي ذلك ما أوضحنا برهانه و شيّدنا بنيانه (ببرهانه. ن. ل) من لزوم اتباع القطع بالحكم الشّرعي على نحو العليّة التّامّة، فانّه في القطع بالحكم الفعلي كما أشرنا إليه في توجيه كلام الأخباريّين، لا ما لو كان الطرف هو الحكم الفعلي الشّرعي بان يدعى انّ استقلال العقل بحسن شي‏ء أو قبحه فعلاً يستلزم الحكم الشّرعيّ به كذلك.
نعم لو لم يستقل إلاّ على جهة حسن أو قبح، لا حسنه أو قبحه مطلقا، لم يستكشف به إلاّ حكماً ذاتيّاً اقتضائيّاً يمكن ان يكون حكمه الفعلي على خلافه، لمزاحمة تلك الجهة بما هو أقوى منها فتفطّن.
و امّا حديث لزوم اتّصاف الفعل بالمحبوبيّة و المبغوضيّة و كونه ذا مصلحة و مفسدة، من دون وقوع الكسر و الانكسار بينهما فيما إذا أدّت الأمارة إلى حرمة واجب أو وجوب حرام، فلا أصل له أصلاً، و انّما يلزم لو كانت الأحكام، مطلقا و لو كانت ظاهريّة تابعة للمصالح و المفاسد في المأمور بها و المنهيّ عنها. و امّا إذا لم يكن كذلك بل كانت تابعة للمصالح في أنفسها و الحكم في تشريعها سواء كانت كلّها كذلك أو خصوص الأحكام الظّاهرية منها، فلا كما لا يخفى؛ و ليست قضيّة قواعد العدلية إلاّ انّ تشريع الأحكام انما هو لأجل الحكم و المصالح الّتي قضت بتشريعها، بخلاف ما عليه الأشاعرة، مع انّه لو كانت الأحكام مطلقا تابعة للمصالح و المفاسد في المأمور بها و المنهيّ عنها، فذلك غير لازم أيضاً، فان الكسر و الانكسار انما يكون لا بدّ منه بين الجهات مطلقا في مقام تأثيرها الأحكام الفعليّة لا في مجرّد الإنشاء، و قد عرفت انّ الحكم الواقعي فيما أخطأت الأمارة ليس يتحقّق «1» إلاّ بالوجوب الإنشائي، فيكون الجهة الواقعيّة الّتي يكون في الواقعة مقتضية لإنشاء
__________________________________________________
 (1)- في عليه السلام: بمحقق.
                       

 

درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، الحاشيةالجديدة، ص: 73
حكم لها من إيجاب أو تحريم أو غيرهما، فينشئ على وفقها من دون ان يصير فعليّاً إلاّ بأمور:
منها عدم قيام أمارة معتبرة على خلافه المحدث فيها جهة أخرى غالبة على تلك الجهة، يكون موجبة لحكم آخر فيها بالفعل فالكسر و الانكسار، انّما يقع بين الجهات فيما أدّت إليه الأمارة من الحكم في صورة الخطاء، لكونه حكماً فعليّاً لا في الحكم الواقعيّ الّذي أخطأت عنه الأمارة، بل انّما هو إنشاء بمجرّد ما في الواقعة بما هي هي من الجهة الواقعيّة، كما هو الحال في جميع الأحكام الذّاتية الاقتضائيّة المجعولة للأشياء بما هي عليها من العناوين الأوّليّة، و ان كانت أحكامها الفعليّة بسبب ما طرأت عليها من العناوين الثّانويّة على خلافها.
و من هنا ظهر ان المحبوبيّة أو المبغوضيّة الفعليّة تابعة لغالب الجهات كالحكم الفعلي، فلا يلزم ان يكون الفعل الواحد محبوباً و مبغوضاً بالفعل.
و قد ظهر ممّا ذكرنا هاهنا ما به يذبّ عن إشكال التّفويت و الإلقاء، لأنّهما لا يلزمان من إباحة الواجب أو الحرام، لا مكان ان يكون الإيجاب أو التّحريم واقعاً عن الحكم في التّشريع، لا عن مصلحة في الواجب أو عن المفسدة في الحرام مع إمكان منع ان يكون تلك الجهة الموجبة لتشريع الوجوب أو التّحريم، لازم الاستيفاء أو لازم التّحرز كي يلزم ذلك.
هذا، مع انّه لو سلّم كونها لازم الاستيفاء لا يكون تشريع التّرخيص و الإباحة ظاهراً للمفوّت له قبيحاً مطلقا، بل إذا لم يكن عن مصلحة و حكمة كائنة فيه راجحة على ما فيه من جهة القبح، و من المعلوم انّ الفعل لا يكون قبيحاً أو حسناً فعلاً بمجرّد ان يكون فيه جهة قبح أو حسن، بل إذا لم يكن مزاحمة بما يساويها أو أقوى، كما لا يخفى، هذا كلّه إذا كانت الأحكام الظّاهريّة لمصالح في تشريعها، لا لمصالح في سلوكها؛ و امّا بناء على ذلك فالمصلحة المفوتة عليه، أو المفسدة الملقى فيها متداركة بمصلحة سلوك الأمارة، و معه لا قبح في التّفويت و الإلقاء كما لا يخفى، حيث انّهما حينئذ كلا تفويت و لا إلقاء




                        كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 258

ثم لا يذهب عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث و الزجر لم يصر فعليا و ما لم يصر فعليا لم يكد يبلغ مرتبة التنجز و استحقاق العقوبة على المخالفة و إن كان ربما يوجب موافقته استحقاق المثوبة و ذلك لأن الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر و لا نهي و لا مخالفته عن عمد بعصيان بل كان مما سكت الله عنه كما في الخبر «1» فلاحظ و تدبر.
نعم في كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدين أو المثلين على ما يأتي «2» تفصيله إن شاء الله تعالى مع ما هو
__________________________________________________
 (1) الفقيه 4/ 53، باب نوادر الحدود، الحديث 15.
 (2) في بداية مبحث الامارات ص 277.

                        كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 259
التحقيق في دفعه في التوفيق بين الحكم الواقعي و الظاهري فانتظر.






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Saturday - 9/12/2023 - 22:49

اسکتوا عما سکت الله

اصل روایت: سکت عن اشیاء

                        من لا يحضره الفقيه، ج‏4، ص: 75

5149- و خطب أمير المؤمنين ع الناس فقال: إن الله تبارك و تعالى حد حدودا فلا تعتدوها و فرض فرائض فلا تنقصوها و سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها ثم قال علي ع حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك «3»و المعاصي حمى الله عز و جل فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها.

معانی محتمل:

1. سکوت به معنای عدم الزام نهیی یا ایجابی

2. سکوت به معنای اباحه  اقتضایی

3. سکوت به معنای عدم وصول

شاهد معنای سوم ذیل روایت است و شاهد معنای دوم این روایت:

                        الأمالي (للطوسي)، النص، ص: 510

1116- 23- أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثني عبد الله بن جعفر بن محمد بن أعين البزاز سنة ست و ثلاثمائة، قال: أخبرنا زكريا بن يحيى بن صبيح الواسطي في كتابه إلينا، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن سعيد بن عبيد الطائي، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول‏
                        الأمالي (للطوسي)، النص، ص: 511
الله (صلى الله عليه و آله): إن الله (تبارك و تعالى) حد لكم حدودا فلا تتعدوها، و فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، و سن لكم سننا فاتبعوها، و حرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها، و عفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تكلفوها.

و اباحه اقتضايي منافاتی با انشاء اقتضایی طولی حرمت من دون الفعلیه التامه لمقام الانشاء لحصول مانعٍ ندارد.




***********

                        كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 276

و كيف كان فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال أو الباطل و لو لم يكن بمحال أمور.
أحدها
اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين مثلا فيما أصاب أو ضدين من إيجاب و تحريم و من إرادة و كراهة و مصلحة و مفسدة ملزمتين بلا كسر و انكسار في البين فيما أخطأ أو التصويب و أن لا يكون هناك غير مؤديات الأمارات أحكام.
__________________________________________________
 (1) هذا تعريض بالشيخ (ره) حيث اعترض على المشهور بما لفظه: (و في هذا التقرير نظر ...)، فرائد الأصول/ 24، في إمكان التعبد بالظن.
 (2) في «أ»: بأصل متبع.
 (3) فرائد الأصول/ 24، في إمكان التعبد بالظن.
 (4) راجع الإشارات و التنبيهات: 3/ 418، النمط العاشر في أسرار الآيات، نصيحة.




                        كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 277
ثانيها
طلب الضدين فيما إذا أخطأ و أدى إلى وجوب ضد الواجب.
ثالثها
تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فيما أدى إلى عدم وجوب ما هو واجب أو عدم حرمة ما هو حرام و كونه محكوما بسائر الأحكام.
و الجواب أن ما ادعي لزومه إما غير لازم أو غير باطل و ذلك لأن التعبد بطريق غير علمي إنما هو بجعل حجيته و الحجية المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدى إليه الطريق بل إنما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب و صحة الاعتذار به إذا أخطأ [لو أخطأ] و لكون مخالفته و موافقته تجريا و انقيادا مع عدم إصابته كما هو شأن الحجة الغير المجعولة فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين أو ضدين و لا طلب الضدين و لا اجتماع المفسدة و المصلحة و لا الكراهة و الإرادة كما لا يخفى.
و أما تفويت مصلحة الواقع أو الإلقاء في مفسدته ف لا محذور فيه أصلا إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء.
 [الجمع بين الأحكام الواقعية و الظاهرية]
نعم لو قيل باستتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية أو بأنه لا معنى لجعلها إلا جعل تلك الأحكام فاجتماع حكمين و إن كان يلزم إلا أنهما ليسا بمثلين أو ضدين لأن أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لإنشائه الموجب للتنجز أو لصحة الاعتذار بمجرده من دون إرادة نفسانية أو كراهة كذلك متعلقة بمتعلقه فيما يمكن هناك انقداحهما حيث إنه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتين في فعل و إن لم يحدث بسببها إرادة أو كراهة في المبدإ الأعلى إلا أنه إذا أوحى بالحكم الناشئ «1» من قبل تلك المصلحة أو المفسدة إلى النبي أو ألهم به الولي فلا محالة ينقدح في نفسه الشريفة بسببهما «2» الإرادة أو الكراهة الموجبة للإنشاء بعثا أو زجرا بخلاف ما ليس هناك مصلحة أو مفسدة في المتعلق بل إنما كانت في نفس‏
__________________________________________________
 (1) في «ب»: الشاني.
 (2) أثبتناها من «أ».


                        كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 278
إنشاء الأمر به طريقيا.
و الآخر واقعي حقيقي عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه موجبة لإرادته أو كراهته الموجبة لإنشائه بعثا أو زجرا في بعض المبادئ العالية و إن لم يكن في المبدإ الأعلى إلا العلم بالمصلحة أو المفسدة كما أشرنا فلا يلزم أيضا اجتماع إرادة و كراهة و إنما لزم إنشاء حكم واقعي حقيقي بعثا و زجرا و إنشاء حكم آخر طريقي و لا مضادة بين الإنشاءين فيما إذا اختلفا و لا يكون من اجتماع المثلين فيما اتفقا و لا إرادة و لا كراهة أصلا إلا بالنسبة إلى متعلق الحكم الواقعي فافهم.
 [دفع محذور اجتماع الحكمين‏]
نعم يشكل الأمر في بعض الأصول العملية كأصالة الإباحة الشرعية فإن الإذن في الإقدام و الاقتحام ينافي المنع فعلا كما فيما صادف الحرام و إن كان الإذن فيه لأجل مصلحة فيه لا لأجل عدم مصلحة و مفسدة ملزمة في المأذون فيه فلا محيص في مثله إلا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية أيضا كما في المبدإ الأعلى لكنه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي بفعلي بمعنى كونه على صفة و نحو لو علم به المكلف لتنجز عليه كسائر التكاليف الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها و كونه فعليا إنما يوجب البعث أو الزجر في النفس النبوية أو الولوية فيما إذا لم ينقدح فيها الإذن لأجل مصلحة فيه.
فانقدح بما ذكرنا أنه لا يلزم الالتزام ب عدم كون الحكم الواقعي في مورد الأصول و الأمارات فعليا كي يشكل تارة بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه ضرورة عدم لزوم امتثال الأحكام الإنشائية ما لم تصر فعلية و لم تبلغ مرتبة البعث و الزجر و لزوم الإتيان به مما لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.
لا يقال لا مجال لهذا الإشكال لو قيل بأنها كانت قبل أداء الأمارة إليها إنشائية لأنها بذلك تصير فعلية تبلغ تلك المرتبة.
فإنه يقال لا يكاد يحرز بسبب قيام الأمارة المعتبرة على حكم إنشائي لا حقيقة و لا تعبدا إلا حكم إنشائي تعبدا لا حكم إنشائي أدت إليه الأمارة أما
                       

كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 279
حقيقة فواضح و أما تعبدا فلأن قصارى ما هو قضية حجية الأمارة كون مؤداها «1» هو الواقع تعبدا لا الواقع الذي أدت إليه الأمارة فافهم.
اللهم إلا أن يقال إن الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع الذي صار مؤدى لها هو دليل الحجية بدلالة الاقتضاء لكنه لا يكاد يتم إلا إذا لم يكن للأحكام بمرتبتها الإنشائية أثر أصلا و إلا لم تكن لتلك الدلالة مجال كما لا يخفى.
و أخرى بأنه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق و الأصول العملية المتكفلة لأحكام فعلية ضرورة أنه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين كذلك لا يمكن احتماله.
فلا يصح التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلي كما لا يصح بأن الحكمين ليسا في مرتبة واحدة بل في مرتبتين ضرورة تأخر الحكم الظاهري عن الواقعي بمرتبتين و ذلك لا يكاد يجدي فإن الظاهري و إن لم يكن في تمام مراتب الواقعي إلا أنه يكون في مرتبته أيضا.
و على تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة فتأمل فيما ذكرنا من التحقيق في التوفيق فإنه دقيق و بالتأمل حقيق.




                        كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 88
الثاني [الفرق بين التصويب و الإجزاء]
لا يذهب عليك أن الإجزاء في بعض موارد الأصول و الطرق و الأمارات على ما عرفت تفصيله لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها فإن الحكم المشترك بين العالم و الجاهل و الملتفت و الغافل ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية بحسب ما يكون فيها من المقتضيات و هو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات و إنما المنفي فيها [- 1- 232- 8] ليس إلا الحكم الفعلي البعثي و هو منفي في غير موارد الإصابة و إن لم نقل بالإجزاء فلا فرق بين الإجزاء و عدمه إلا في سقوط التكليف بالواقع ب موافقة الأمر الظاهري و عدم سقوطه بعد انكشاف عدم الإصابة و سقوط التكليف ب حصول غرضه أو ل عدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه و هو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الأمارة كيف و كان الجهل بها بخصوصيتها أو بحكمها مأخوذا في موضوعها فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها كما لا يخفى

 

السید الیزدی ره

[بیان کلام آخوند ره در مراتب حکم]

فإن قلت: إنّ القائل قد بنى مقالاته المذكورة على مقدّمة دقيقة استنتج منها المقالات المذكورة، و ما أوردت عليه مبني على عدم التفطّن لتلك المقدّمة و هي هذه: اعلم أنّ الوظيفة المقرّرة في حال الجهل بالحكم أو الموضوع تارة على نحو يكون هو المطلوب و المرغوب في هذا الحال كالواقع في سائر الأحوال كالصلاة بلا سورة في حال الغفلة عنها، و إتمامها و الإخفات فيها في موضع الجهل بوجوب القصر و الجهر، فيكون ملحوظة في استحقاق المثوبة أو العقوبة بالموافقة و المخالفة بل في الإجزاء و عدمه في الحال كالواقع في غير الحال، و اخرى على نحو يكون الواقع هو المطلوب في هذا الحال دونها إلّا أنّ جعلها في حال الجهل بأحدهما إنّما هو لأجل أن يكون موجبا لتنجّز الواقع عند موافقتها له و عذرا عنه في صورة مخالفتها، فيعاقب على مخالفة الواقع إذا خالفها و لا يعاقب على مخالفته إذا وافقها كما هو الحال في مؤدّى الطرق و الأمارات.
و لا يخفى أنّه إن كانت الوظيفة المجعولة على النحو الأوّل يمكن أن يكون‏
__________________________________________________
 (1) الوسائل 1: 471/ أبواب الوضوء ب 42 ح 7.
                       

 

 

حاشية فرائد الأصول، ج‏3، ص: 45
لها ما للحكم الواقعي من المراتب الأربع، أوّلها المقتضي، ثانيها انشاؤه و الخطاب واقعا به، ثالثها البعث و الزجر، رابعها التنجّز و استحقاق العقوبة على مخالفته عقلا، فيكون الآتي بها في حال الغفلة آتيا بما هو تكليفه فعلا و إن كان معذورا على تقدير الإخلال لعدم تنجّزه مع هذا الحال. و بالجملة يترتّب على الحكم بها ما للحكم في المرتبة الثالثة و إن لم يصل إلى الرابعة و لم يتنجّز لفقد شرائطه.
و أمّا إذا كانت الوظيفة المجعولة على النحو الثاني فلا يكاد أن يكون له بعد مرتبة انشائه و الخطاب به إلّا مرتبة واحدة يعتبر في البلوغ إليها ما يعتبر في بلوغ الحكم إلى المرتبة الرابعة، فلا يترتّب عليها بدونه ما هو المرغوب منها من تنجّز الواقع و العقاب على مخالفته في صورة إصابتها و العذر عن مخالفته على تقدير عدم الاصابة مع موافقتها، و لو قلنا باستحقاق العقوبة في صورة مخالفتها تجرّيا كما حقّقناه أو مخالفة و عصيانا كما قد احتملناه في البحث، ضرورة أنّ هذه الآثار لا يكاد أن يترتّب عليها إلّا بعد الاطّلاع عليها بأطرافها تفصيلا أو إجمالا، و لا يكاد أن يوجد أثر آخر يترتّب عليه بدونه و لم يكن مترتّبا على انشائه و مجرّد الخطاب به واقعا، انتهى.

[نقد کلام آخوند ره]
قلت: ننقل الكلام إلى نفس هذه المقدّمة فإنّ فيها مواقع للنظر:

منها أنّ ما جعله في القسم الأوّل وظيفة مقرّرة للجاهل إن أراد به أنّ الجاهل ليس مكلّفا بالواقع الأوّلي أصلا فيكون الواقع الأوّلي تكليف العالمين به و يكون العالم و الجاهل على هذا كالمسافر و الحاضر موضوعين مختلفين لكلّ منهما حكم واقعي واحد، فلا كرامة في عدّ حكم هذا الجاهل من أقسام وظيفة الجاهل فإنّه في عرض سائر الأحكام الواقعية سواء، و إن أراد أنّه مكلّف بتكليفين واقعيين أحدهما في طول الآخر بأن يكون الواقع الأوّلي كسائر الأحكام الواقعية شاملا له من حيث كونه غير مقيّد بالعلم و الجهل و له حكم واقعي آخر مقيّد بالجهل بالحكم‏
                       

 

حاشية فرائد الأصول، ج‏3، ص: 46
الأوّل، فلازمه أنّه لو أتى بالواقع الأوّلي اتّفاقا بوجه من الوجوه دون الثاني كان معاقبا على تركه، و لو أخلّ بهما عمدا عن تقصير كان معاقبا على ترك كلّ منهما و هذا كلّه كما ترى.
و منها: أنّ الأمثلة التي مثّل بها للقسم الأوّل لم يتّضح كونها من قبيله و لا شاهد له، بل قد عرفت ممّا قدّمنا في أواخر رسالة أصل البراءة أنّ الجاهل في الأمثلة المذكورة ليس مكلّفا إلّا بالواقع الأوّلي ليس إلّا، و وجه كفاية غير المأمور به عنه أنّه مشتمل على معظم مصالح المأمور به، و بعد إدراكه بفعل الصلاة الناقصة لا يبقى محلّ لإدراك المصلحة التامّة بل لا يمكن إدراكها بعده، و قد مرّ هناك شواهد هذا المطلب و كيفية استظهاره من الأدلّة ببيان مستوفى.
و منها: أنّ المراتب الأربع التي جعلها للحكم ممّا لا نعقل كونها من مراتب الحكم، أمّا المرتبة الاولى أي المصلحة المقتضية للحكم فواضح أنّها ليست من مراتب الحكم، أمّا أوّلا: فنحن نتكلّم على مذهب الأشاعرة (لعنهم اللّه) المنكرين لتبعية الأحكام للمصالح و المفاسد. لا يقال إنّ هذا المذهب فاسد عندنا لا يمكن بناء الأمر عليه، لأنّا نقول لا كلام في أنّ الحكم حتّى على مذهبهم أمر معقول متحقّق من دون تحقّق المراتب الأربع.
و أمّا ثانيا: فنقول سلّمنا توقّف الحكم على ثبوت المقتضي كما هو مذهب العدلية إلّا أنّه من مقدّماته، و ليس كلّ ما يتوقّف عليه الحكم يعدّ من مراتب الحكم و إلّا عدّ وجود الباري عزّ اسمه و صفاته من مراتب الحكم، و أمّا المرتبة الأخيرة و هي مرتبة التنجّز فقد قدّمنا غير مرّة أنّ التنجّز بحكم العقل و هو متأخّر عن الحكم بعد تماميته، فإنّ العقل بعد ملاحظة ثبوت الحكم و تحقّق العلم به يحكم بصحّة العقاب على مخالفته و ترتّب الثواب على موافقته، و لا وجه لعدّ كلّ ما يترتّب على الحكم و يلحقه من مراتب الحكم، و حينئذ يبقى المرتبتان المتوسّطتان.
                       

 

حاشية فرائد الأصول، ج‏3، ص: 47
و التحقيق أنّ مرتبة البعث و الزجر أيضا ليس مرتبة للحكم، بل حقيقة الحكم ليس إلّا الانشاء و الخطاب فقط، و أمّا أنّ حقيقته نفس الإرادة أو غيرها فلسنا بصدده هاهنا بل المقصود منع المراتب المدعاة للحكم، و بيان ذلك: أنّ المعني بالحكم ليس إلّا ما هو مفعول للحاكم في مقام الجعل و التشريع و هذا أمر يحصل بمجرّد الانشاء، و أمّا البعث أو الزجر فلا ربط له بفعل الحاكم بل هو ممّا يتحقّق عقيبه لو علم به المكلّف و لا يتحقّق لو جهله، و إن شئت توضيحه فلاحظ أحكام الموالي إلى العبيد منّا إذ لا تفاوت بينها و بين أحكام الشارع فيما نحن بصدده، فإنّه لو أمر المولى عبيده بأن يخاطبهم و يقول لهم افعلوا كذا و فرض أنّ بعض العبيد فهموا خطابه و علموا بحكمه و بعضهم لم يفهموه و غفلوا عنه فلا ريب أنّ الحكم الصادر عن المولى بالنسبة إلى جميعهم سواء، و ليس شي‏ء ممّا يرجع إلى المولى و ينسب إليه قد حصل بالنسبة إلى العالمين منهم و لم يحصل ذلك بالنسبة إلى جاهليهم، فما يرى من حصول البعث و الزجر بالنسبة إلى الفاهم دون الغافل فإنّما هو أمر يرجع إلى جانب المكلّف و حاله من العلم أو الغفلة دون الآمر، و على هذا فلا ينبغي أن يعدّ البعث أو الزجر من مراتب الحكم.
و منها: أنّه لا نجد فرقا بين القسم الأوّل و الثاني بالنسبة إلى المراتب التي فرضها، فإنّ حال البعث و الزجر و كذا التنجّز عند العلم و عدمها عند الجهل فيهما على حدّ سواء، غاية الأمر أنّ العقاب المترتّب على المخالفة في القسم الثاني إنّما يترتّب إذا خالف الحكم الواقعي أيضا و مع عدمها فليس إلّا التجرّي، و هذا لا يقتضي أن يكون ثبوت أصل الحكم متوقّفا على العلم

 

الشیخ هادی الطهرانی ره

و امّا حقيقة الصّدور من الحاكم فلا اشكال فى انّ الواقعة اذا كانت عند شخص بمثابة لو سئل عنها من يجب عليه امتثال احكامه لامر بها او نهى عنها اتّصفت بالوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و لو كانت بحيث لو سئل لرخّص فيها لاتّصفت بالاباحة أ لا ترى انّ جواز التّصرّف في مال الغير لا يتوقّف الّا على العلم بهذه الحيثيّة و ان كان الشّخص غافلا غير ملتفت و استحقاق العقاب بالمخالفة على تقدير العلم بالجهة المزبورة ممّا لا يخفى على ذى مسكة و ليس للعبد العالم بانّ المولى لو سئل عن اكرام ابنه لامر به ان يعتذر فى ترك الاكرام بعدم امره به او فى قتله بعدم نهيه عنه فكلّ من الاحكام التّكليفيّة حيثيّة واقعيّة فعليّة و هو الرّابط بين الشّخص و الواقعة هذا فيما يرجع الى الاختيار و امّا ما يستقل به العقل كحرمة الظّلم و حسن الاحسان فلا اشكال فى عدم توقّفهما على انشاء و ليس حال الاحكام المولويّة الّا كحال الاحكام العقليّة من هذه الحيثيّة و انّما الاختلاف فى الافتقار الى الفاعل المختار و عدمه فظهر عدم توقّف الحكم على انشاء و لا على وجود المكلّف فضلا على استجماعه للشّرائط و ظهر السّرّ فى عدم خلوّ الواقعة عن الاحكام الشّرعيّة فان التّردد من الشّارع غير معقول فلا بدّ من تحيّث الواقعة بتلك الحيثيّة حتّى مثل مسّ السّماء جنبا فانّ عدم الوقوع بل الاستحالة لا ينافى كونه بحيث لو امكن ايقاعه و ابتلى به الشّخص لامر به او نهى عنه او رخّص و هذا هو الّذى الّذى لا يصاب بالعقول و لا يتوقّف على وجود شخص و مخاطبة هذا حال حكم التّكليفىّ فى اوّل مراحله.

و امّا المرحلة الثّانية و هو مرحلة التّعلق بالشّخص فيعتبر فيه بعض الامور عقلا و للحاكم ان يعتبر فيه كلّما اراد كما اعتبر البلوغ شرعا

و امّا المرحلة الثّالثة و هو مرحلة التّنجّز فلا يعتبر فيه الّا الانكشاف التّامّ و ما بحكمه و القدرة التّامّة

و الحاصل انّ المحمول على الشّي‏ء قد يكون حكما تكليفيّا و قد يكون وضعيّا و الاوّل عبارة عن الجامع بين الخمسة المعروفة اى الحيثيّة الّتى يتقابل فيها الاقتضاء و التّخيير فانّهما طرفان لجهة واحدة كما هو الحال فى كلّ متقابلين على ما يقتضيه التّقابل و هذه الحيثيّة حيث كانت مجعولة كانت تكليفيّة اذا كان فى الجاعل جهة مولويّة فكون الاباحة تكليفيّة بمعنى انّها من اقسام الجهة المنقسمة الى التّكليف و غيره و فرق واضح بين كون الحكم تكليفا و بين كونه تكليفا فلا منافات بين انتفاء الاوّل و ثبوت الثّانى و حيث كانت هذه جهة اعتباريّة ملحوظة فى ثلاثة اطراف المولى و المكلّف و الفعل اشتملت على ثلاثة مراتب الاولى الثّبوت للواقعة و الثّانية التّعلّق بالشّخص و الثالثة تنجّزه عليه و لا يعتبر فى الاولى الّا كون المولى بحيث لو سئل لامر او نهى او رخّص و ان لم يلتفت اليه بالفعل و لهذا يتحقّق العصيان اذا علم العبد بانّ المولى لو سئل لامر او نهى و ان لم يتحقّق منه انشاء بل و ان علم غفلته عن الحكم و القول بتوقّف تحقّق الحكم على الانشاء من سخائف الاوهام ناش عن الجمود على ما يتراءى ممّا قسّموا باعتباره الى الخبر و الانشاء فتوهّم انّ النّسبة الانشائيّة لا بدّ ان تحدث بالانشاء حيث قالوا انّ الكلام ان كان له خارج تطابقه او لا تطابقه‏
                       

 

محجة العلماء، ج‏2، ص: 184
فخبر و الّا فانشاء زعما منهم انّ المناط ثبوت النّسبة قبل الكلام و عدمه مع انّ الاعمّ من المطابق و المخالف يستحيل انتفائه و ليس المناط فى الخبريّة خصوص المطابق و التّاكيد ممّا يتحقّق فى الانشاء و ليس تاكيد الانشاء اخبارا مع عدم حدوث النّسبة الواقعيّة به ضرورة استحالة حصول الحاصل فظهر عدم توقّف الحكم على وجود المكلّف ايض و ان كان احد الامور الثّلاثة الملحوظة فى الحكم فانّ كون الشّي‏ء بلحاظ آخر لا يستلزم توقّف تحقّقه على وجوده فلا يعقل خلوّ الواقعة عن الحكم الشّرعىّ لاستحالة التّردّد بالنّسبة اليه تعالى و لا ينافيه عدم وجود المكلّف او عدم استجماعه لشرائط التّعلّق او التّنجّز فكون من السّماء جنبا بحيث لو سئل عنه لنهى عنه يكفى فى حرمته و ان كان النّهى الفعلىّ قبيحا كما هو الحال فى كلّ ما لا يبتلى به المكلّف كما ان قبح خطاب المعدوم و استحالة الارادة بالنّسبة اليه لا ينافى ذلك و هذا هو الدّين الّذى لا بدور مدار انشاء قولىّ او فعلى و ارادة تشريعيّة الّتى تعالى اللّه عنها علوّا كبيرا و كون هذه الحيثيّة جزافا او دائرا مدار المصالح و المفاسد فى المتعلّق او فى الحكم مرحلة اخرى

و امّا المرتبة الثّانية فيعتبر فيه بعد الوجود العقل و القدرة فى الجملة و الابتلاء عقلا و البلوغ شرعا بمعنى ان الشّخص يدخل فى عنوان صالح لان يكون موردا للحكم و انّ الّذى يمكن ان يلاحظ فى الحكم انّما هو هذا الشّخص و ليس فاقد احدها الّا كالمعدوم فى عدم ارتباط الحكم به و عليه يترتّب عدم صدق الفوت بالنّسبة الى الفاقد و عدم تنجّز التّكليف بالنّسبة الى غير المبتلى فانّه فرع التّعلّق و توهّم اعتبار التنجّز فى الابتلاء ناش عن عدم الاحاطة بحقيقة التّنجّز و ما يعتبر فيه

و امّا ثالث المراتب فلا يعتبر فيه الّا القدرة التّامّة و العلم و اعتبار الاصول لفظيّة كانت او عمليّة انّما هو تصرّف فى هذه المرتبة لو كانت مجعولة و توهّم انّ الامر بالعمل بالادلّة و النّهى عن العمل بالقياس يفيد الحكم التّكليفىّ ناش عن عدم تعقّل مراتب الحكم و لا يخفى انّ نفس الحكم لا مرجع له الّا الحاكم و امّا التعلّق و التّنجّز فلهما موازين واقعيّة و ان كان له التّصرّف فيهما نفيا و اثباتا فى الجملة على ما حقّقناه فى مباحث العلم فانكشف الغطاء عن كثير من المعضلات‏
ثم لا يذهب عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث و الزجر لم يصر فعليا و ما لم يصر فعليا لم يكد يبلغ مرتبة التنجز و استحقاق العقوبة على المخالفة و إن كان ربما يوجب موافقته استحقاق المثوبة و ذلك لأن الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر و لا نهي و لا مخالفته عن عمد بعصيان بل كان مما سكت الله عنه كما في الخبر فلاحظ و تدبر

 

 

المحقق النایینی ره

و اما إشكال لزوم اجتماع الضدين في فرض المخالفة فقد أجيب عنه بوجوه:

(الأول) ما يظهر من عبارة العلامة الأنصاري (قده) في باب التعادل و الترجيح و هو المنقول عن جماعة أخرى من اختلاف موضوعي الحكم الظاهري‏
                       

 

أجود التقريرات، ج‏2، ص: 72
و الواقعي فإن موضوع الأول منهما هو الشي‏ء بعنوان كونه مشكوكا و هذا بخلاف موضوع الحكم الواقعي فإن موضوعه نفس الفعل و ذاته و اشتراط وحدة الموضوع في التضاد كما في التناقض ربما يكون من الواضحات

(و فيه) أولا ان هذا الجواب على تقدير تماميته إنما يختص بخصوص موارد الأصول من جهة أخذ الشك في موضوعها و أما الأمارات فموضوعها نفس الفعل من غير تقييد بالجهل بالحكم الواقعي و كونها حجة حال الجهل غير أخذ الجهل في موضوعها و إلّا لما بقي فرق بين الأمارة و الأصل و لا يكون لها حكومة عليه كما هو ظاهر

(و ثانيا) ان الأحكام الواقعية و ان كانت ثابتة لنفس الأفعال من دون تقييدها بحال الجهل إلّا انها لا تخلو في نفس الأمر من اختصاصها بخصوص العالمين من باب نتيجة التقييد أو ثبوتها للجاهلين أيضا بنتيجة الإطلاق و حيث ان الأول منهما مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه فلا محالة يتعين الثاني و يلزم منه كون الجاهل محكوما بحكمين متضادين

(الوجه الثاني) ان الحكم الواقعي و ان كان ثابتا لعين ما ثبت له الحكم الظاهري إلّا انه لا منافاة بينهما فان اختلاف المحمول يوجب ارتفاع التضاد كما في التناقض فالوجوب الواقعي إنما يضاد الحرمة الواقعية دون الظاهرية و بالعكس و هذا الوجه أفسد من سابقه إذ بعد فرض كون الحكم الظاهري حكما حقيقيا بعثيا أو زجريا كيف يمكن اجتماعه مع حكم آخر على خلافه و مجرد تسميته أحدهما بالواقعي و الآخر بالظاهري لا يوجب رفع لتنافي بين الحكمين المتخالفين

(الوجه الثالث) ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قده) في تعليقته على الرسائل من حمل الأحكام الواقعية على الأحكام الشأنية و الأحكام الظاهرية على الأحكام الفعلية و ربما عبر عن الأحكام الواقعية بالاحكام الإنشائية و صرح بأن المنافاة انما تكون بين الحكمين الفعليين ليس إلّا (و فيه) ان المراد من الحكم الشأني ما هو فهل هو عبارة عن ثبوت الحكم في مرتبة ثبوت ملاكه و مقتضية بحيث لا يكون الحكم الواقعي حكما حقيقة و إنما الموجود في الواقع هو ملاكه أو انه عبارة عن سنخ حكم موجود في الواقع و لكنه ليس بحكم فعلي بل اقتضائي فإن كان المراد منه هو الأول فلازمه عدم وجود حكم واقعي مشترك بين العالم و الجاهل و هذه عين القول بالتصويب المجمع على بطلانه و ان كان المراد هو الثاني فلا نتعقل له معنى محصلا إلا بأن يراد من الأحكام الشأنية الأحكام المجعولة على طبق المقتضيات الغير المنافي لعروض عنوان آخر موجب لزوالها كما في موارد الضرر أو الحرج أو يراد منها الأحكام المجعولة الغير الملحوظ فيه عروض العناوين الطارية بنحو
                       

 

أجود التقريرات، ج‏2، ص: 73
الإهمال و الأول منهما يقتضي زوال الحكم الواقعي بطرو المانع و هو قيام الأمارة على الخلاف فيكون الحكم الواقعي بحسب النتيجة مختصا بغير من قام عنده الأمارة على الخلاف و هذا عين القول بالتصويب و الثاني منهما غير معقول في حد نفسه فإن الإهمال إنما يعقل في مرحلة الإثبات و مقام البيان دون مقام الثبوت و الجعل من الملتفت إلى الانقسامات الأولية أو الثنوية فالحكم الواقعي بحسب مقام الثبوت اما ان يكون ثابتا لكل مكلف أعم من ان يقوم عنده الأمارة على الخلاف من باب نتيجة الإطلاق أو يختص بغيره من باب نتيجة التقييد لازم الأول منهما هو اجتماع الحكمين المتخالفين في موضوع واحد و لازم الثاني هو التصويب المجمع على بطلانه (و بالجملة) الالتزام بالحكم الشأني في المقام بالمعنى المعقول مستلزم التصويب و بمعنى آخر غير مستلزم له غير معقول و لا يبعد ان يكون مراده (قده) من الحكم الشأني هو الإنشائي حتى يرجع التعبيران إلى مفاد واحد و عليه (فنقول) ان الأحكام المجعولة في الشريعة على ما حققناه في بحث الواجب المشروط ليست إلّا أحكاما فعلية حقيقية على موضوعاتها المقدر وجوداتها فهي قبل وجود موضوعاتها يستحيل أن تكون فعلية كما انها بعد وجود موضوعاتها يستحيل ان لا تكون كذلك (و بالجملة) حال الموضوعات بالإضافة إلى أحكامها حال العلل بالإضافة إلى معاليلها فكما يستحيل وجود المعلول من دون وجود علته و بالعكس فكذلك يستحيل وجود الموضوع من دون فعلية حكمه و بالعكس إذ بعد فرض كون الحكم المجعول حكما لموضوع خاص تتحقق أحدهما من دون وجود الآخر يرجع إلى الخلف و المناقضة و إن شئت توضيح الحال في هذا المقام فارجع إلى البحث المذكور و على ذلك فلا يخلو الحال من ان موضوع الحكم الواقعي اما ان يكون مقيدا بغير من قامت عنده الأمارة على الخلاف أو يكون مطلقا إليه و الالتزام بالأول منهما و ان كان يوجب عدم فعلية المجعول في حقه إذ المفروض تقييد موضوعه بقيد مفقود عند قيام الأمارة على الخلاف إلا ان لازم ذلك هو القول بالتصويب و اختصاص الأحكام الواقعية بغيره و الالتزام بالثاني يقتضي الالتزام بفعلية الحكم الواقعي أيضا لما عرفت من ان فعلية الحكم يستحيل أن يتخلف عن فعلية موضوعه بتمام قيوده فالالتزام بعدم تقيد الأحكام الواقعية بغير من قام عنده الأمارة على الخلاف مع القول بعدم فعليتها عند قيام الأمارة أو الأصل على الخلاف يرجع إلى الخلف و المناقضة و ان لا يكون ما فرضناه موضوعا تاما للحكم موضوعا تاما له (و حاصل) الكلام ان فعلية الحكم لا بد و أن تكون على طبق‏
                       

 

اجود التقريرات، ج‏2، ص: 74
إنشائه ليس إلا فإن كان عدم قيام الأمارة أو الأصل على الخلاف مأخوذا في الموضوع في مقام الإنشاء و الجعل فلا بد و ان يكون له دخل في فعليتها لا محالة إلا ان لازم ذلك هو القول بالتصويب المجمع على بطلانه و إلا فيستحيل عدم فعلية الحكم الواقعي مع قيام الأمارة على الخلاف حتى إذا بنينا على ان الأحكام المجعولة في الشريعة من قبيل القضايا الخارجية بأن يكون القضايا المتكفلة لبيان الأحكام إخبارات عن إنشاءات عديدة عند وجود كل واحد واحد من الموضوعات الخارجية فإن قيام الأمارة على الخلاف حينئذ اما أن تكون مانعة عن جعل الحكم في حق من قامت الأمارة عنده أم لا فعلى الأول يلزم التصويب و على الثاني يلزم اجتماع الحكمين المتنافيين و بالجملة فعلية الحكم الواقعي لا تنفك عن تحققه فلا بد من الالتزام أما بخلو الواقع عن الحكم في حق من قام عنده الأمارة على الخلاف أو بفعليته و الأول مستلزم للتصويب و الثاني يوجب اجتماع الحكمين المتضادين‏

 

                        تقريرات بحث في اجتماع الامر و النهى(تقریرات سید موسی خوانساری از درس محقق نائینی رهما)، ص: 10

(ثم) لا يخفى ان فى مقام الثبوت جعل الحكم على طبق المقتضى المعبر عنه فى اصطلاحه (قده) بالحكم الانشائى تارة و القانونى اخرى فى مقابل الحكم الفعلى مما لا نتعقله اذ لا يمكن ان يكون موضوع الحكم فى عالم اللب مهملا لا سيما اذا كان الجاعل عالما بالعواقب فجعل الحرمة لكذب المهمل مع قطع النظر عن طرو الطوارى لا يعقل بالنسبة الى الحكم حتى ينشأ فى مقام الاثبات الحكم على هذا الموضوع المهمل بل فى عالم الثبوت الموضوع اما هو الكذب المطلق او المضر (و بالجملة) الحكم الاقتضائى لا يصح برأسه حتى يكون موضوعا للبحث فى المقام و على فرض امكانه فجعل هذا الحكم‏
                       

 

تقريرات بحث في اجتماع الامر و النهى، ص: 11
مع انه فى مقام الفعلية يضيق موضوعه او يوسع لغو لا يمكن صدوره من الحكيم لامكان جعله على طبق ما يصير فعليا فليس الاقتضائى بهذا المعنى من مراتب الحكم اصلا و ليس الحكم الانشائى على طبق المقتضى مقابلا للفعلى لان السالبة بانتفاء الموضوع تعم الانشائى بمعنى الشأنى المقابل للفعلى و لكن لا بهذا المعنى بل بنحو جعل الاحكام على طبق القضايا الحقيقية المقدرة بوجودات موضوعاتها كقوله عزّ اسمه مثلا البالغ العاقل يجب عليه الصلاة فان الحكم قبل البلوغ و العقل شأنى و فعليته بوجود شرطه و موضوعه و لكن فى عالم الثبوت الحكم مختص بالبالغ العاقل و فى عالم الانشاء ايضا انشاء للبالغ العاقل و لو استفيد قيد البلوغ و العقل من دليل آخر

 

 

 

المشکینی ره معلق الکفایه

فعلیت حتمیه؛ فعلیت تعلیقیه

                        كفاية الاصول ( با حواشى مشكينى )، ج‏3، ص: 96
و توضيح مرامه يتوقّف على بيان أمور:
الأوّل: أنّ الفعليّة التي هي إحدى مراتب الحكم على قسمين:
الأوّل: مرتبة الحتم: بحيث لن يبق حالة انتظاريّة أبدا، بل تحقّق المقتضي و وجد الشرائط و انعدم الموانع.
الثاني: مرتبة التعليقية: بأن يحصل المقتضي للفعليّة، و لكن مع انتفاء شرط أو وجود مانع، فحينئذ يكون الفعليّة الحتميّة معلّقة على وجوده أو عدمه، كما لا يخفى.
الثاني: أنّ تضادّ الأحكام إنّما هو في مرتبة الفعليّة الحتميّة، و حينئذ لا بأس باجتماع التعليقي منها مع الحتمي منها، كما لا بأس باجتماع الإنشاء مع الحتميّة، لكونهما- حينئذ- من المتخالفين

 



كفاية الاصول ( با حواشى مشكينى )، ج‏3، ص: 163

أو لما ذكره بعض من عاصرناه «2»، و على ما في تقرير بعض تلاميذه «3»: من أنه ليس للحكم مرتبتان: الإنشائي و الفعلي «4»، بل ليس إلا إنشاء الحكم و تشريعه لموضوعه على نحو القضية الحقيقية، و وجود المنشأ يكون إذا «5» تحقق موضوعه بجميع قيوده المأخوذة في متعلق الإنشاء، و حينئذ فعدم قيام الأمارة على الخلاف: إن كان قيدا للموضوع كان من قامت الأمارة عنده على الخلاف خارجا عن الحكم، و هو تصويب، و إن لم يكن قيدا، و مع ذلك جعل حكم نفسي من قبل الأمارة، لزم اجتماع حكمين فعليين في حق من قامت الأمارة عنده على الخلاف، لأن الحكم يصير بوجوده فعليا بتحقق موضوعه.
و توضيح فساده يتوقف على بيان أمرين:
__________________________________________________
 (1) فرائد الأصول: 27- 28.
 (2) فرائد الأصول: 3: 103- 104.
 (3) في الأصل: «تلامذة»، و الصحيح ما أثبتناه.
 (4) كذا، و الأصح: الإنشائية و الفعلية.
 (5) في الأصل: «إذ»، و الصحيح ما أثبتناه.
                        كفاية الاصول ( با حواشى مشكينى )، ج‏3، ص: 164
حكم الوجدان بكونه ذا مرتبتين:
إحداهما «1»: ما يكون منشأ في مرتبة المدلول المطابقي لموضوعه، مثل البالغ العاقل مثلا «2»، و هذا يسمى مرتبة الإنشائي و القانوني.
و ثانيتهما «3»: [ما] «4» يكون موجودا باعتبار كون الداعي إليه هو البعث أو الزجر.
الثاني: أن كل ما هو قيد للإنشائي فهو قيد للبعث بلا عكس، و حينئذ يمكن أن يكون عدم قيام الأمارة مما له دخل في الثاني دون الأول، فلا يلزم [من‏] «5» أحد الأمرين خروج من قام عنده الأمارة على الخلاف عن موضوع الحكم الواقعي، و اجتماع الحكمين الفعليين.
و لعمري إنه واضح لمن راجع إلى وجدانه «6».

 

 

المحقق الاصفهانی ره 

  نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏3، ص: 24
- قوله «مد ظلّه»: أنّ التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث و الزجر لم يصر فعليا ... الخ «1».
لا بأس بتوضيح ما للحكم من المراتب عنده «دام ظله» فنقول: مراتب الحكم عنده «دام ظله» أربع:
إحداها: مرتبة الاقتضاء، و ربما يعبّر عنها بمرتبة الشأنيّة.
و جعل هذه المرتبة من مراتب ثبوت الحكم لعلّه بملاحظة: أن المقتضى له ثبوت في مرتبة ذات المقتضي ثبوتا مناسبا لمقام العلّة لا لدرجة المعلول.
أو لأن المقبول له ثبوت في مرحلة ذات القابل بما هو قابل ثبوتا مناسبا لمرتبة القابل لا المقبول.
إلا أن هذا المعنى من شئون المقتضي بمعنى العلّة الفاعليّة لا المقتضي بمعنى الغاية الداعية إلى الحكم.
كما أن القابل الذي يوصف بأنه نحو من وجود المقبول ما كان كالنطفة إلى الإنسان «2»، حيث إنها في صراط الماديّة و التّلبّس بالصورة الانسانيّة لا المصلحة و لا الطبيعة القابلة للوجوب، فإن الفعل كالمصلحة ليسا في سبيل المادّية و الترقّي إلى الصورة الحكميّة، كما لا يخفى كل ذلك على العارف بمواقع الكلام.
نعم استعداد الطبيعة بملاحظة اقتضاء ما يترتب عليها من الفائدة للوجوب مثلا و صيرورتها واجبا فعليّا لا ينبغي انكاره، و الاستعدادات الماهويّة لا دخل لها بالاستعدادات المادّية.
و الطبيعة في مرتبة نفسها حيث إنها ذات مصلحة مستعدّة باستعداد ماهوي للوجوب.
__________________________________________________
 (1) كفاية الأصول/ 258.
 (2) هكذا في المطبوع و المخطوط بغير خط المصنف قده لكن الصحيح: كالنطفة بالإضافة إلى الإنسان.
                       

 

نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏3، ص: 25
و حيث إن المانع موجود فهو واجب شأنيّ و واجب اقتضائي.
و ليس هذا معنى ثبوت الحكم في هذه المرتبة، إذ لا ثبوت بالذات للمصلحة حتى يكون للحكم ثبوت بالعرض بل له شأنيّة الثبوت.
و عبارته مد ظلّه في مبحث الظن من تعليقته «1» الأنيقة أنسب حيث عبّر عن هذه المرتبة بشأنيّة الثبوت بخلاف عبارته «دام ظلّه» في مبحث العلم الإجمالي من فوائده «2» حيث عبّر عنها بثبوته بثبوت مقتضيه، و لعلّه يراد به ما ذكره في التعليقة، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود فافهم جيّدا.
ثانيتها: مرتبة انشائه و قد بيّنا حقيقة الإنشاء في حواشينا على الطلب و الارادة «3».
و ملخّصه أن الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ إيجادا لفظيّا بحيث ينسب الوجود الواحد إلى اللفظ بالذات و إلى المعنى بالعرض، لا إليهما بالذات، فانها غير معقول، كما أن وجود المعنى حقيقة منفصلا عن اللفظ بآليّته غير معقول كما حقق في محلّه.
و عليه ينبغي تنزيل ما قيل: من أن الإنشاء قول قصد به ثبوت المعنى في نفس الأمر، و إنّما قيّد بنفس الأمر مع أن وجود اللفظ خارجي و هو المنسوب إلى المعنى بالعرض، لأن المعنى بعد الوضع كانه ثابت في مرتبة ذات اللفظ فيوجد بوجوده في جميع المراحل. و بقيّة الكلام تطلب من غير المقام.
ثالثتها: مرتبة الفعليّة و في هذه المرحلة يبلغ الحكم درجة حقيقة الحكميّة و يكون حكما حقيقيّا و بعثا و زجرا جدّيا بالحمل الشائع الصناعي، و إلّا فمجرّد الخطاب من دون تحريم و إيجاب إنشاء محض، و بين الوجود الإنشائي الذي هو
__________________________________________________
 (1) التعليقة على فرائد الأصول/ 36.
 (2) آخر التعليقة/ 321.
 (3) نهاية الدراية 1: التعليقة: 150.
                    

 

    نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏3، ص: 26
نحو استعمال اللفظ في المعنى و بين الوجود الحقيقي مباينة تباين الشي‏ء بالحمل الأولى و بالحمل الشائع.
و من الواضح أن الوجود لا يكون فردا و مصداقا لطبيعة من الطبائع إلّا إذا حملت عليه حملا شائعا صناعيّا.
و إذا بلغ الإنشاء بهذه المرتبة تمّ الأمر من قبل المولى، فيبقى الحكم و ما يقتضيه عقلا من استحقاق العقاب على مخالفته «تارة» و عدمه «أخرى».
و ما لم يبلغ هذه المرتبة لم يعقل تنجّزه و استحقاق العقاب على مخالفته و إن قطع به، لا لقصور في القطع و فيما يترتّب عليه عقلا، بل لقصور في المقطوع، حيث لا إنشاء بداعي البعث و جعل الداعي حتى يكون القطع به مصحّحا لاستحقاق العقاب على مخالفته
.
رابعتها: مرتبة التّنجّز و بلوغه إلى حيث يستحق على مخالفته العقوبة.
و جعلها من درجات الحكم و مراتبه مع أن الحكم على ما هو عليه من درجة التّحصّل و مرتبة التّحقق بلا ترقّ إلى درجة أخرى من الوجود إنما هو بملاحظة أنّ ما تمّ أمره من قبل المولى و استوفى حظّه الوجودي منه لم يكن بحيث ينتزع عنه أنه منجز، و لم يكن من حقيقة التكليف الموجب لوقوع المكلف في كلفة البعث و الزّجر.
و بلوغه إلى حيث ينتزع عنه هذا العنوان نشأة من نشآت ثبوته، و إلّا فربما يتم الأمر فيه من قبل المولى قبل بلوغه مرتبة البعث الجدي، كما إذا أنشأ بداعي البعث الجدّي و كان فعليّة البعث موقوفة على شرط، فإن الإنشاء الصادر من قبل المولى قد تمّ أمره من قبله و استكمل نصيبه من الوجود، لكنه ليس حينئذ بحيث ينتزع عنه عنوان البعث الحقيقي.
فكما أن بلوغه بهذه المرتبة مع عدم الانقلاب عما هو عليه نحو من الترقّي، فكذلك بلوغه لمرتبة التّنجّز. هذا على مختاره «دام ظلّه» في مراتب الحكم.
              

 

          نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏3، ص: 27
و سيجي‏ء «1» إن شاء اللّه تعالى ما عندنا من أن المراد بالفعلي ما هو الفعلي من قبل المولى لا الفعلي بقول مطلق، فمثله ينفكّ عن المرتبة الرابعة لكنه عين مرتبة الإنشاء حيث إن الإنشاء بلا داع محال و بداع آخر غير جعل الداعي ليس من مراتب الحكم الحقيقي، و بداعي جعل الداعي عين الفعلي من قبل المولى، و إن أريد من الفعلي ما هو فعليّ بقول مطلق، فهو متقوّم بالوصول و هو مساوق للتّنجّز، فالمراتب على أي حال ثلاث.

 

 

بحوث فی الاصول، ج ١، ص ۵۵

الفصل الثاني في أن الواجب ينقسم إلى مطلق و مشروط
و ليعلم ان الحكم التكليفي- كما مر سابقا «1»- هو الإنشاء بداعي جعل الداعي و هذا هو الفعلي من قبل المولى. و اما فعليته المطلقة و صيرورته باعثا و داعيا بالحمل الشائع، أي ما يمكن أن يكون داعيا بحيث لو انقاد العبد له لخرج من حد القوة إلى الفعل و من الإمكان إلى الضرورة، فهي تابعة لوصوله بنحو من أنحاء الوصول و لوجود ما علق عليه شرعا.

 



                        نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏4، ص: 234

و تحقيق حال العلم الاجمالي من حيث التنجيز برسم أمور:

__________________________________________________
 (1) في الأمر الأول من الأمور التي يرسمها لتحقيق حال العلم الاجمالي من حيث التنجيز.
 (2) منها ما تقدم في مبحث حجية القطع التعليقة: 30 و 42.

                        نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏4، ص: 235
منها: أن الانشاء بلا داع محال، و الانشاء بأي داع كان فعليته فعلية ذلك الداعي، فالانشاء بداعي الارشاد يكون وصوله موجبا لفعلية الارشاد، و الانشاء بداعي جعل القانون وصوله يوجب فعلية جعل القانون. و هكذا الانشاء بداعي جعل الداعي يكون مصداقا حقيقة لجعل الداعي بوصوله.
فما يمكن أن يقع في صراط فعلية جعل الداعي و البعث ليس إلا الانشاء بهذا الداعي دون غيره، فانه إما محال في نفسه، أو يستحيل انقلابه عما هو عليه، أو يستحيل صيرورة غير ما بالقوة ما بالفعل.
و مثل هذا الانشاء الواقع في صراط البعث الحقيقي هو الفعلي من قبل المولى، و تمام ما يصدر منه، و بلوغه مرتبة الفعلية المطلقة، و صيرورته مصداقا للبعث الحقيقي العقلائي بوصوله إلى المكلف إما بالعلم أو بالعلمي، فالفعلية المطلقة يساوق التنجز.
فان كان مراده (قدّس سره) من الفعلية المنفكة عن مرتبة التنجز هذا المعنى من الفعلية، فقد عرفت و ستعرف برهانا أنهما متلازمان لا تنفك إحداهما عن الأخرى؛ لأن ما به الفعلية و هو الوصول ما به التنجز.
و إن كان مراده (قدّس سره) من الفعلية ما هو الفعلي من قبل المولى، فهو لا ينفك عن مرتبة الانشاء؛ لأن الانشاء الذي هو من مراتب الحكم و يقع في صراط الفعلية ليس هو الانشاء المحض؛ لأنه محال بنفسه، و لا الانشاء بغير داعي جعل الداعي، فانه يستحيل أن يصير مصداقا لجعل الداعي.
فاما أن يتحد الانشاء و الفعلية، أو يتحد الفعلية و التنجز، فتدبر.
و أما أنّ الانشاء بداعي جعل الداعي لا يكون مصداقا لجعل الداعي حقيقة و فردا للبعث الجدي، فلوجهين:
أحدهما: أن موطن الدعوة أفق النفس، فلا تعقل دعوة الانشاء المزبور


                        نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏4، ص: 236
إلا بوجوده العلمي الواقع في موطن الدعوة، لا بوجوده الواقعي الخارج عن أفق النفس.
و مجرد الالتفات اليه من دون وصوله الحقيقي بالعلم التصديقي- لا يحقق دعوته على أي تقدير، لما مرّ «1» سابقا ان صورة الأمر الحاضرة في النفس لها الدعوة بالذات، و مطابقها الخارجي له الدعوة بالعرض، كالمعلوم بالذات و المعلوم بالعرض، و المراد بالذات و المراد بالعرض.
فاذا أريد دعوة الانشاء الخارجي بالعرض على أي تقدير، فلا بد من حضوره العلمي دون الاحتمالي فان الأمر الخارجي حينئذ لا يكون داعيا بالعرض، إلا على تقدير المطابقة، و المفروض جعل الانشاء داعيا، لا جعل الانشاء الاحتمالي، بل يستحيل جعل الانشاء المحتمل داعيا لزوميا؛ إذ مع وصوله فبوصوله يتنجز، و إلّا فبمجرد احتماله لا يتنجز، فيلغو الانشاء بهذا الداعي.
و لا يقاس بباب الاحتياط، فان وصول الأمر الاحتياطي ينجز الأمر الواقعي المحتمل فما هو الواصل غير ما هو المحتمل.

 

 

و أما بناء على عدم الانحلال، ففيه وجوه أخرى من الاشكال:
أحدها: ما عن شيخنا العلامة رفع اللّه مقامه في هامش «2» الكتاب، و هو منافاة رفع الجزئية مع العلم الاجمالي بالحكم الفعلي المحكوم عقلا بالاحتياط، و لذا خص جريان حديث الرفع بما إذا علم إجمالا بمجرد الخطاب بالايجاب، دون ما إذا علم بالحكم الفعلي.
__________________________________________________
 (1) نهاية الدراية 5: التعليقة 44.
 (2) كفاية الاصول/ 366.

                        نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج‏4، ص: 322
لكنه بنفسه قابل للدفع، فان محذور المناقضة أو الاذن في المخالفة إنما يكون مع جريان الأصل أو القاعدة في تمام الأطراف.
و أما إذا اختص أحد الاطراف بأمارة أو أصل أو قاعدة، و كانت سابقة على العلم الاجمالي أو مقارنة له، فلا علم إجمالي بحكم فعلي على أي تقدير حتى يكون له أثر.
و المفروض اختصاص الحديث بأحد الطرفين، و سبقه على العلم الاجمالي.
بيانه: أن المراد من الحكم الفعلي الذي تعلق به العلم: إن كان الفعلي من قبل المولى، كما هو مدلول الأدلة، و العلم به يبلغه إلى درجة الفعلية البعثية و الزجرية، و هو الفعلي بقول مطلق، فمع قيام الحجة على طرف من العلم بخصوصه لا يصلح العلم لجعله بالغا إلى درجة الفعلية المطلقة، لما مرّ «1» سابقا من امتناع اجتماع الفعليين في طرف.
و إن كان الفعلي المتعلق به العلم هو الفعلي بقول مطلق، فمع أنه غير «2» معقول- كما مرّ مرارا- يرد عليه: أنه مع قيام الحجة لا يعقل انعقاد العلم الاجمالي بحكم بعثي فعلي على أي تقدير، فاما لا علم و إما لا تأثير له في الفعلية، فلا مناقضة و لا منافاة.


*********


****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Sunday - 7/1/2024 - 8:45

قوله و تحقيق حال العلم الاجمالي من حيث التنجيز برسم أمور

و فی کلامه الشریف مواقع للنظر:

اولاً الفعلیة من المفاهیم العامة المستخدمة فی المجالات المختلفة و لا یتبین المراد الا بملاحظة المقام و المقابلات ففعلیة‌ کل شیء بحسبه و الفعلیة فی مراتب الحکم مهما کانت المرتبة‌ بحسبها و بحسب المقام. فقوله فعلیة‌الحکم بفعلیة الداعی ان کان المراد به الفعلیة المطلقه فهو لا یتلاءم مع تقسیمه الفعلیة الی ما من قبل المولی و المطلقة فی ما بعد. اضف الی ذلک ان الفعلیة المطلقة ایضاً بعمل المکلف لا مجرد الوصول. و ان اراد به مراتب الفعلیة بتبع مراتب تحقق الداعی فلا ضیر و لکنه غیرمجد للمدّعی.

ثانیاً ان امر الدواعی لا ینحصر فی ما افاده بل هناک قسم آخر و هو مجموع الدواعی اما  طولیاً بحیث یکون داعی جعل الداعی ذیل داعی جعل القانون و اما عرضیاً و لا یشمله منع استعمال اللفظ فی اکثر من معنی واحد -و ان کان المنع ممنوعاً- لوحدة الجامع و ان تعددت الدواعی

ثالثاً یمکن القول بتفکیک مرتبة الفعلیة فی نظر الآخوند و هی مرتبة‌ الابلاغ عن مرتبة الانشاء بتفکیک الخطاب عن الانشاء اما بکون الخطاب بیاناً فلیس هناک انشاءان و اما بکون الانشاء فی طول الانشاء اللوحی و القانونی کما فی العلاقة بین بعض الانشاءات الخارجیة و الحقیقیة




آقا ضیاء عراقی

الفعلی من قبل المولی

نهایة الافکار، ج ٣، ص ۴

 (ثم اعلم) ان تثليث الأقسام في المقام انما هو بلحاظ ما للاقسام المذكورة من الخصوصيات الموجبة للطريقية و الحجية من حيث الوجوب و الإمكان و الامتناع لا بلحاظ مرحلة الحجية الفعلية، حيث ان القطع من جهة تماميته في الكشف عن الواقع مما وجب حجيته عقلا و لا يعقل المنع عنه، و الظن من جهة نقصه في الكاشفية مما أمكن حجيته شرعا، و اما الشك فحيث انه لا كشف فيه أصلا لكونه عبارة عن نفس الترديد بين الاحتمالين الذي هو عين خفاء الواقع كان مما يمتنع حجيته و يستحيل اعتباره حجة في متعلقه، لأن اعتبار الحجية و الطريقية انما يكون فيما من شأنه الكشف عن الواقع و لو ناقصا لا فيما لا يكون كذلك، نعم أحد طرفي الشك و هو الاحتمال فيه جهة كشف ضعيف عن الواقع كالوهم المقابل للظن فأمكن اعتباره شرعا حجة في متعلقه بتتميم كشفه، و لكنه خارج عن الفرض إذ الكلام في نفس الشك بما هو شك و ترديد بين الاحتمالين و إلى ذلك نظر الشيخ قدس سره في تثليث الأقسام في المقام كما صرح به في أول البراءة بقوله القطع حجة في نفسه‏
                       

 

نهاية الأفكار، ج‏3، ص: 5
لا بجعل جاعل إلخ فراجع (و حينئذ) فلا يتوجه عليه ما أفيد من الإشكال (تارة) بأنه لا وجه لتخصيص العلم في التقسيم المزبور بخصوص ما تعلق بالحكم الواقعي بعد كون موضوع الآثار المرغوبة هو العلم بمطلق الحكم الفعلي و لو ظاهريا، و عليه فلا بد و ان يكون التقسيم ثنائيا لدخول الشك الموضوع للوظائف الشرعية في أقسام العلم بمطلق الحكم (و أخرى) بأنه لا مقابلة حقيقية بين الظن و الشك فيما هو الغرض المهم، إذ ليس الظن بما هو ظن مانعا من إجراء، الأصول كي تصح لأجله المقابلة المزبورة، و انما المانع من إجرائها هو وجود الحجة و مانعية الظن أيضا كانت بهذا الاعتبار لا بما هو ظن و عليه فلا يستقيم المقابلة بين الظن و الشك، إذ يلزم تداخل القسمين في الحكم بحسب المصداق، فانه رب ظن يكون ملحقا بالشك كالظن الغير المعتبر، و بالعكس رب شك يكون ملحقا في الحكم بالظن (و ثالثة) بأنه لا يصح بل و لا يعقل جعل الشك الموضوع للوظائف الفعلية عبارة عن الشك بالحكم الفعلي لاستحالة وقوع الشك بالحكم الفعلي موضوعا للوظائف الفعلية فلا بد حينئذ من جعل متعلقه أعم من الحكم الفعلي و الشأني و لازمه بمقتضى المقابلة جعل متعلق العلم أيضا عبارة عما يعم الفعلي و الشأني «و انما قلنا لا يتوجه» لابتناء ذلك كله على كون التقسيم بلحاظ الحجة الفعلية، و إلا فعلى ما ذكرنا من كونه بلحاظ خصوصيات الأقسام من حيث الاقتضاء لوجوب الحجية أو الإمكان أو الامتناع لا يتوجه تلك المحاذير، ضرورة صحة المقابلة حينئذ بين الظن و الشك و بينهما و بين القطع و لا يتوجه أيضا محذور تداخل الأقسام، و مجرد عدم اختصاص الآثار المرغوبة في القطع بخصوص القطع بالحكم الواقعي حينئذ كما ذكر في الإشكال الأول لا يقتضي تثنية الأقسام بعد فرض تعلق الغرض باستيفاء مباحث الأقسام الثلاثة، إذ حينئذ لا بد من جعل متعلق العلم عبارة عن خصوص الحكم الواقعي كي به يصح تثليث الأقسام توطئة لبيان موضوع المسائل الآتية (و إلا) فعلى فرض تثنية الأقسام لا يناسب التقسيم للتوطئة المزبورة خصوصا مع ما يلزمه أيضا من لزوم كون البحث عن حجية الظن و الاستصحاب و مبحث التراجيح من مبادئ القطع بالحكم لأن نتيجتها مما تورث القطع بالحكم الظاهري مع انه كما ترى لا داعي للمصير إليه (و من ذلك) ظهر النظر أيضا فيما أفيد من التقسيم الآخر

 

                        نهاية الأفكار، ج‏3، ص: 6
بقوله ان المكلف اما ان يحصل له القطع أولا و على الثاني فاما ان يقوم عنده طريق معتبر أولا، إذ ذلك أيضا مضافا إلى عدم مناسبته لتوطئة بيان موضوع المباحث الآتية يلزمه كون البحث عن حجية الظن بحثا عن ثبوت الشي‏ء لا عن ثبوت شي‏ء لشي‏ء (و اما الإشكال) الأخير الناشئ عن عدم إمكان جعل الشك الموضوع للوظائف الشرعية عبارة عن الشك بالحكم الفعلي، فهو أيضا مبني على عدم إمكان الجمع بين فعلية الأحكام الواقعية و الظاهرية (و إلا) فبناء على إمكانه على ما سيجي‏ء توضيحه بما لا مزيد عليه فلا وقع لهذا الإشكال أيضا و حاصله هو ان ما لا يجامع الترخيص الشرعي انما هو الفعلي بقول مطلق بنحو يقتضي عدم قناعة الشارع بصرف خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل في ظرف جهل المكلف به و لزوم صيرورته بصدد تحصيل مقصوده في مرتبة الجهل بخطابه بإيجاد الداعي للمكلف و لو بإنشاء آخر من إيجاب احتياط و نحوه لكي يرفع به عذره العقلي على المخالفة، و لكن مثل هذه المرتبة من الفعلية، كما لا يجامع الترخيص الشرعي على الخلاف، لا يجامع أيضا العذر العقلي فلا بد من المصير إلى نفي فعليته حتى في مورد الترخيص العقلي (و اما الفعلي) من قبل المولى الراجع إلى كونه بصدد تحصيل مقصوده من ناحية خصوص خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل لا من جميع الجهات حتى من ناحية المقدمات المتأخرة من خطابه الواقعي (فمثله) مما لا شبهة في اجتماعه مع الترخيص الشرعي كاجتماعه مع العذر العقلي لأجل الجهل، و لا نعني من الحكم الفعلي المشترك بين العالم و الجاهل الا هذا فتدبر (و كيف كان) فبعد ان عرفت تثليث الأقسام فلنرجع إلى بيان ما يخص كل واحد منها من اللوازم و الأحكام (فنقول) ان إشباع الكلام فيها يقع في طي مقاصد.

 




شهید صدر

                        بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 188
و اما الأمر الثاني- فما ذكر أو يمكن أن يذكر بشأن إثبات امتناع جعل الحجية للظن بل مطلق الحكم الظاهري صنفان من المحاذير:
1- ما يرجع إلى ان جعل الحكم الظاهري مخالف لحكم العقل بقطع النظر عن التشريع الإلهي.
2- ما يرجع إلى ان هذا الجعل مخالف مع الأحكام الشرعية الواقعية.
اما الصنف الأول من المحذور فقد تقدمت الإشارة إليه سابقا أيضا من ان حجية غير العلم مناف مع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، لأن غير العلم لا يخرج عن كونه غير العلم مهما جعلت له الحجية شرعا أو عقلائيا فيكون العقاب في مورده عقوبة بلا بيان و الأحكام العقلية لا تقبل التخصيص، و قد اضطر بعضهم في مقام علاج هذه النقطة من الالتزام بأن العقوبة في موارد الحكم الظاهري على مخالفة نفس الحكم الظاهري لا الواقع. و ذهبت مدرسة الميرزا (قده) من ان المجعول في الحجج هو العلمية و الطريقية و بذلك يكون قد تحقق البيان و العلم و قد تقدم الجواب على كلا هذين المطلبين و قلنا ان الصحيح في علاج هذا الإشكال أحد امرين:
اما إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان، أو الالتزام بأن موضوع حكم العقل انما هو عدم بيان الحكم الواقعي و عدم بيان اهتمام المولى به على تقدير ثبوته و دليل الحجية كاشف عن الاهتمام المذكور فيرتفع موضوع القاعدة العقلية.
و اما الصنف الثاني من المحذور فعبارة عن ثلاثة أمور بعضها يثبت المحذور على مستوى مدركات العقل النظري و بعضها يثبته على مستوى مدركات العقل العملي.
و هي على ما يلي:
1- ان جعل الحجية للظن بل مطلق الحكم الظاهري يؤدي إلى محذور اجتماع الضدين أو المثلين قطعا أو احتمالا و كلها محال، وجه الاستحالة واضح، و وجه اللزوم‏
                       

 

بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 189
ان الحكم الظاهري في معرض الخطأ و الإصابة فيكون في مورده حينئذ حكم واقعي مضاد أو مماثل بعد البناء على عدم التصويب. و هذا محذور على مستوى العقل النظري.
2- انه يؤدي إلى نقض الغرض المولوي من الأحكام الواقعية المجعولة و هو محال في حق المشرع الملتفت و المهتم بأغراضه التشريعية. و هذا المحذور أيضا بلحاظ مدركات العقل النظري.
3- انه يؤدي إلى إيقاع المكلف في مفسدة الحرام و تفويت مصلحة الواجب عليه بناء على تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد و هو قبيح لا يصدر من الحكيم و هذا محذور على مستوى مدركات العقل العملي، أي انه يتوقف محذوريته على افتراض حكمة المولى المشرع.
هذه هي المحاذير التي يمكن أن تذكر تحت هذا الصنف من براهين الامتناع.

...

الوجه الثالث- ما هو ظاهر عبارة الكفاية. من افتراض مراتب أربع للحكم.
1- مرتبة الاقتضاء و الشأنية فان كل حكم له ثبوت اقتضائي في رتبة مقتضيه و هذا نحو من الثبوت التكويني للحكم.
2- مرتبة الإنشاء اما بمعنى الوجود الإنشائي للحكم بناء على المسلك القائل بإيجادية بعض المعاني أو بمعنى الاعتبار و الجعل القانوني المبرز باللفظ.
3- مرتبة الفعلية التي تعني وجود إرادة أو كراهة بالفعل على طبقه للتحريك.
                       

 

بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 195
4- مرتبة التنجز التي هي تعبير عن حكم العقل بلزوم الامتثال و استحقاق العقاب على المخالفة.
و التنجز نوع بلوغ الحكم مرتبة الفعلية و وصولها خارجا فلا يكفي فيه العلم بالمرتبة الأولى أو الثانية من الحكم كما ان التنافي بين الأحكام انما يكون بلحاظ مرحلة الفعلية لا الإنشاء و الاقتضاء. و حينئذ في موارد الحكم الظاهري إذا فرض انحفاظ الحكم الواقعي أيضا بمراتبه الثلاثة لزم محذور التضاد و نقض الغرض و اما إذا فرض عدم انحفاظها كذلك بل كانت إنشائية مثلا فلا يلزم محذور التضاد و لا نقض الغرض.
نعم افتراض ان الأحكام القطعية إنشائية بحتة مطلقا يؤدي إلى عدم تنجزها حتى بعد العلم بها لما تقدم من ان العلم بالحكم الإنشائي لا يكون منجزا، و من هنا التزم بفرضية وسطى هي انها أحكام فعلية و لكن معلقا على عدم فعلية الحكم الظاهري أي فعلي من سائر الجهات و فعليتها قد استوفت تمام شروطها عدا شرط واحد هو أن لا يكون على خلاف حكم ظاهري.
و قد اعترض عليه من قبل الاعلام بجملة اعتراضات.
منها- ما وجهه المحقق النائيني (قده) من اننا لا نتعقل التفكيك بين الإنشاء و الفعلية، لأن قيد العلم اما أن يكون قد أخذ في موضوع الجعل و الإنشاء أو لا، فان كان مأخوذا ففي موارد عدم العلم لا جعل و لا مجعول، و إن كان غير مأخوذ فكل من الجعل و المجعول ثابت في موارد الحكم الظاهري لتحقق موضوعه و هو يستلزم الفعلية لا محالة.
و هذا الاعتراض مبني على تحميل صاحب الكفاية مصطلحات الميرزا (قده) في تفسير الإنشاء و الفعلية بحمل الأول على الجعل و القضية الحقيقية الشرطية و حمل الثاني على المجعول و القضية الفعلية و هذا بلا موجب، بل مقصوده من الفعلية الإرادة أو الكراهة بوجوديهما الفعليين في نفس المولى و المراد بالإنشاء الوجود الإنشائي للحكم أو الاعتبار المبرز على الاختلاف المتقدم في تفسير الإنشاء، و التضاد انما هو بين الأحكام بلحاظ مرحلة فعلية مباديها من الإرادة الفعلية و الكراهة الفعلية و اما الوجود الإنشائي لها بكلا المعنيين فلا تضاد فيما بينها لأن الإنشاء أو الاعتبار القانوني سهل المئونة فإذا ثبت‏
                       

 

بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 196
بطلان التصويب التزمنا بأن الأحكام الواقعية ثابتة بمرتبتها الإنشائية و اما مرتبة فعليتها فمعلقة على عدم جريان الحكم الظاهري فلا تضاد و لا نقض للغرض أيضا لأن الغرض يراد به الملاك الذي يريده المولى بالفعل.
و منها- ما عن بعض إفادات المحقق العراقي (قده) من ان هذا يؤدي إلى سلخ الخطاب الواقعي عن الفعلية رأسا و كونه إنشائيا بحتا و هذا باطل و لا يمكن الالتزام به، و الوجه في ذلك في ان تقيد الإرادة الجدية الفعلية بالعلم به و عدم الشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري لا يمكن استفادته من دليل الحكم الواقعي لأن الفعلية المقيدة بالعلم بالخطاب متأخرة عن نفس الخطاب برتبتين لأنها متأخرة عن العلم بالخطاب تأخر المشروط عن شرطه و العلم بالخطاب متأخر عن الخطاب أيضا تأخر العلم عن معلومه و معه يستحيل أن يكون مدلولا للخطاب لأن مدلول الخطاب متقدم على الخطاب الدال عليه.
و هذا الإشكال فيه مواقع للنظر. نكتفي في المقام بالقول بأن الفعلية المدلول عليها بالخطاب هي الفعلية المعلقة لأن مدلول الخطاب انما هو القضية الحقيقية الشرطية و التي يكون موضوعها في موقع الفرض و التقدير فمدلول الخطاب لا يتضمن إلا فرض العلم بالخطاب و ما يدعى كونه متأخرا عن الخطاب انما هو العلم به فعلا و واقعا لا فرض العلم به.
و الصحيح في مناقشة هذا الوجه إذا أريد ما هو ظاهره: انه التزام بالإشكال و ليس جوابا عليه لأن الإشكال ينشأ من أصل موضوعي مفترض و هو بطلان التصويب عند العدلية بمعنى اشتراك العالم و الجاهل في الحكم الواقعي و المراد منه ليس قضية مهملة ليقال بكفاية اشتراكهما في الحكم الإنشائي بل المراد به هو انحفاظ الأحكام الواقعية بمبادئها الحقيقية في حق الجاهل كالعالم تماما إلا من ناحية عدم تنجزه عليه.




سید محمد روحانی

ثم انه ذكر صاحب الكفاية و انه لا مانع من أخذ القطع بمرتبة من مراتب الحكم موضوعا لنفس الحكم في مرتبة أخرى أو لمثله أو ضده. و قبل تحقيق هذه الجهة لا بأس بالتعرض إلى بيان مراتب الحكم و ما قيل حول كلام الكفاية، إذ قد تكرر التعرض لها في الكفاية تصريحا و إشارة و لم يسبق منا تحقيق الكلام فيها، فنقول و من الله نستمد العصمة و التوفيق: ذكر صاحب الكفاية ان الحكم مراتب أربعة:
أولها: مرتبة الاقتضاء و هي ان يكون له شأنية الثبوت بلحاظ وجود المصلحة المقتضية له.
ثانيها: مرتبة الإنشاء، و هي ان ينشأ الحكم و يوجد بوجود إنشائي بلا ان يصل إلى مرحلة البعث أو الزجر.
ثالثها: مرتبة الفعلية، و هي ان يصل الحكم إلى مرحلة البعث أو الزجر أو الترخيص الفعلي.
رابعها: مرتبة التنجز، و هي ان يكون الحكم مما يعاقب العبد على مخالفته «2».
و قد استشكل المحقق الأصفهاني في حاشيته على الكفاية في عد مرحلة الاقتضاء و مرحلة التنجز من مراحل الحكم، و منع صحة صدق الحكم الاقتضائي،
__________________________________________________
 (1) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 1- 270- الطبعة الأولى.
 (2) الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم. حاشية فرائد الأصول- 36- الطبعة الأولى.
الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول- 258- طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 94
و أطال في بيان ذلك «1».
و الواقع: ان المناقشة لفظية اصطلاحية، إذ الواقع الذي يقول به صاحب الكفاية و يعرف به كلتا المرتبتين لا ينكره أحد، فلا ينكر أحد انه قد يوجد ملاك الحكم و مصلحته الباعثة لجعله و لكن يكون مانع يمنع عن إنشائه كغفلة المولى أو نحو ذلك، كما لا ينكر أحد ان الحكم قد يصل إلى حد يحكم العقل بقبح مخالفته و استحقاق العقاب عليها.
و انما الإشكال في صحة إطلاق الحكم الاقتضائي على الحكم بلحاظ المرحلة الأولى، و ان الأولى إطلاق الحكم الشأني عليه و نحو ذلك.
و اما مرتبتا الإنشاء و الفعلية، فهما ليستا من مختصات صاحب الكفاية، بل ذهب إليهما المحقق النائيني بفصله مرتبة الجعل عن مرتبة المجعول، و ان مرتبة الجعل هي إنشاء الحكم فقط و اما المجعول فهو الحكم الفعلي «2».
لكن المحقق الأصفهاني استشكل في وجود مرتبة الفعلية غير مرتبة الإنشاء و التنجز، فذكر ان المقصود بالفعلي ان كان هو الفعلي من قبل المولى، فهو ليس إلا الإنشاء. و ان كان هو الفعلي بقول مطلق و من جميع الجهات فهو يساوق الوصول، فيكون هو الحكم المنجز.
و واضح كون الفعلي من قبل المولى عين الإنشاء، ببيان: إن الإنشاء ان كان بلا داع فهو محال عقلا على الحكيم لكونه لغوا. و ان كان بداعي غير جعل الداعي كالتهديد أو التمني أو غيرها فلا يكون مصداقا للحكم بحال من الأحوال، و لا يكون من مراحل الحكم، بل يكون مصداقا للتهديد أو غيره. و ان كان بداعي جعل الداعي فهو الفعلي من قبل المولى «3».
__________________________________________________
 (1) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 6- الطبعة الأولى.
 (2) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات 1- 127- الطبعة الأولى.
 (3) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 2- 24- 25- الطبعة الأولى.
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 95
أقول: من الواضح الذي لا يقبل الإنكار ان الحكم وجودا بعد الإنشاء، فيقال: بان وجوب الصلاة ثابت و حرمة شرب الخمر ثابتة، و لا يمكن ان يقصد من الحكم المتصف بالثبوت الفعلي هو الإنشاء، إذ الإنشاء ليس إلا استعمال اللفظ في المعنى بقصد خاص، و هو امر متصرم الوجود لا بقاء له، و لا يمكن ان يكون الحكم الثابت امرا انتزاعيا انتزع عن نفس الإنشاء لأن الأمر الانتزاعي يدور مدار منشأ انتزاعه، و قد عرفت ان الإنشاء متصرم الوجود، فلا بد ان يكون امرا اعتباريا عقلائيا- لا شخصيا لعدم التزامه به- مسببا عن الإنشاء، و إذا فرض ان الحكم امر اعتباري مسبب عن الإنشاء فقد ينشأ الحكم و يقصد تحقق اعتباره فعلا فلا ينفك عن الإنشاء، كما يمكن ان يقصد تحققه بالإنشاء على تقدير وجود أمر غير حاصل، فينفك الحكم الفعلي عن الإنشاء. إذن فالحكم الفعلي غير الإنشاء و يمكن انفكاكه عنه.
و نظيره تشريع القوانين في المجالس النيابية، و لكن لا تنفذ و تكون فعلية المجرى إلا بعد مدة طويلة حتى مع علم الناس بتشريعها
.
و بالجملة: انفكاك الإنشاء عن فعلية الحكم امر واضح في العرفيات و الشرعيات.
و اما ما ذكره من البيان لتقريب ان الإنشاء عين الفعلية.
فيمكن دفعه: بأنه يمكن ان يكون الإنشاء بداعي جعل الداعي لكن لا فعلا، بل على تقدير حصول شرط خاص، و هذا يكفي في رفع اللغوية، كما يصحح وقوع الإنشاء في مراحل الحكم و صيرورته مصداقا للحكم، بل قد يحتاج إليه المولى كما لو علم انه يكون نائما عند حصول الشرط.
و ملخص الجواب: ان الإنشاء بهذا الداعي قابل التحقق، و هو لا يساوق فعلية الحكم و ثبوته في مقام الاعتبار، كما يكون مصداقا للحكم عند حصول شرطه، و ليس نظير الإنشاء بداعي التهديد، فإذا تحقق الشرط تحققت الإرادة
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 96
الجدية و تحقق البعث الاعتباري الفعلي، و انما يتنجز بالوصول. اذن فالمراتب ثلاثة.
و نتيجة الكلام: هو ان الإنشاء غير الفعلية.
لكن يبقى شي‏ء و هو: دعوى ان الحكم الإنشائي خارجا لا ينفك عن الحكم الفعلي.
و ذلك: لأن المنشأ ان كان هو الحكم بلا تقدير شي‏ء ثبت الحكم الفعلي بمجرد الإنشاء، و ان كان هو الحكم على تقدير شي‏ء لم يحصل بعد، فكما لا يثبت الحكم الفعلي لعدم حصول شرطه كذلك لا يثبت الحكم الإنشائي للمكلف الفاقد للشرط، إذ المنشأ كان هو الحكم على تقدير فلا معنى لأن يقال لفاقد الشرط انه قد أنشئ الحكم في حقه.
فملخص الدعوى: هو منع انفكاك الحكم الإنشائي عن الفعلي في مقام الارتباط بالموضوع الخارجي، و ان صحت دعوى انفكاك الإنشاء عن الفعلية في أنفسها.
و لا يخفى: ان تحقيق هذه الجهة ينفعنا في مقامات كثيرة.
منها: مسألة الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي حيث التزم البعض «1» بان الحكم الواقعي بالنسبة إلى الجاهل هو إنشائي لا فعلي.
و هذا يبتنى على إمكان التفكيك بين المرحلتين خارجا، و بالإضافة إلى الموضوع الخارجي كما لا يخفى.
و عليه نقول: ان هذا الإشكال انما يرد، و هذه الدعوى انما تتوجه، بناء على الالتزام في معنى الإنشاء بما هو المشهور من انه استعمال اللفظ بقصد إيجاد المعنى في وعائه الاعتباري المناسب له، فانه إذا التزم بذلك يتوجه عليه:
__________________________________________________
 (1) الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم. حاشية فرائد الأصول- 37- الطبعة الأولى.
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 97
أولا: بأنه ليس لدينا ما نعبر عنه بالحكم الإنشائي، إذ ليس لدينا إلا الإنشاء و الاعتبار العقلائي، و كل منهما ليس هو الحكم الإنشائي، إذ الإنشاء متصرم الوجود كما عرفت و الاعتبار العقلائي هو الحكم الفعلي، فأين هو الحكم الإنشائي الذي يدعى ثبوته للمكلفين مع عدم الفعلي.
ثانيا:- لو أغمضنا النظر عن هذا الإيراد- بان الحكم الإنشائي المفروض ثبوته لا يمكن انفكاكه خارجا عن الحكم الفعلي، لما تقدم من انه اما ان ينشأ الحكم بلا تقدير أو مع تقدير، فعلى الأول: يتحقق الحكم الفعلي كما يتحقق الإنشائي بمجرد الإنشاء. و على الثاني: كما لا يتحقق الفعلي عند الإنشاء كذلك لا يتحقق الإنشائي و انما يتحققان معا عند تحقق التقدير.
و اما بناء على ما ذهب إليه صاحب الكفاية في معنى الإنشاء من انه إيجاد المعنى بوجود إنشائي يكون موضوعا للاعتبار العقلائي و لآثار «1»، فلا تتوجه عليه الدعوى المتقدمة.
و ذلك: لأن إنشاء الحكم عبارة عن إيجاده بنحو وجود إنشائي و يترتب عليه الاعتبار العقلائي.
و عليه، فلا يرد الوجه الأول، إذ لدينا ما نعبر عنه بالحكم الإنشائي غير الإنشاء و الاعتبار العقلائي و هو الحكم الإنشائي للحكم، و لا يرد الوجه الثاني، إذ التفكيك بين الوجود الإنشائي للحكم و الوجود الفعلي الحقيقي ممكن، إذ يمكن ان يكون القيد المأخوذ قيدا للاعتبار و الحكم الفعلي دون الوجود الإنشائي، فيتحقق الوجود الإنشائي قبل القيد و لا يتحقق الفعلي.
نعم، يبقى سؤال و هو: انه ما الأثر في الوجود الإنشائي مع عدم الفعلية؟.
و جوابه: ما تقدم من انه يكفي أثر له، انه يكون موضوعا للاعتبار
__________________________________________________
 (1) الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول- 66- طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 98
العقلائي عند تحقق شرطه بلا احتياج إلى إنشاء جديد، بل يثبت و لو كان الآمر غافلا بالمرة، فيكون المقصود بإيجاد الحكم إنشاء هو جعل الداعي على تقدير حصول الشرط، و هذا أثر مصحح للعمل، و موجب لأن يكون الوجود الإنشائي من مراحل الحكم، لا كما إذا كان المقصود منه التهديد و نحوه. و بما انه ابتني الإشكال إثباتا و نفيا على مذهب المشهور و مذهب صاحب الكفاية في معنى الإنشاء فلا بد من نقل الكلام إلى ترجيح أحد المذهبين.
و الذي نراه ان مذهب صاحب الكفاية هو المتجه، فانه و ان ذكره صاحب الكفاية بنحو الدعوى بلا ان يقيم الدليل عليه، لكنه لا يحتاج إلى كثير استدلال، فانه امر وجداني، و لذا نرى من ينكر على صاحب الكفاية مذهبه، يلتزم به ارتكازا كالمحقق النائيني «1» الذي التزم- في مقام تصحيح عقد الفضولي بالرضا المالكي المتأخر- بان الإمضاء و الرضا يتعلق بوجود مستمر للمعاملة لا بنفس الإنشاء لعدم صحة تعلق الرضا بالإنشاء، و بذلك يربط المعاملة بالمالك فيشملها دليل أحل الله البيع- مثلا-، و ان قامت القرينة القطعية على إرادة البيع الصادر من المالك.
و التزم أيضا بان الفسخ يتعلق بالوجود الإنشائي للحكم لا بالمجعول مع انه يقول ليس لدينا إلا جعل و مجعول، و قد تصرم الجعل لأنه الإنشاء.
كما ان بالالتزام بمذهب صاحب الكفاية ينحل الإشكال في مثل معاملة الغاصب و الفضولي، فان الإنشاء إذا كان بقصد تحقق المعنى في عالم الاعتبار العقلائي- كما عليه المشهور- لم يتأت القصد من الغاصب و الفضولي لعلمهما بعدم ترتب الاعتبار على مجرد إنشائهما.
و عليه فلا يتأتى الإنشاء من الغاصب، مع ان تحقق البيع منه و نسبته إليه‏
__________________________________________________
 (1) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات 1- 88- الطبعة الأولى.
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 99
امر لا يقبل الإنكار.
و هو يتجه على مذهب صاحب الكفاية، إذ إيجاد البيع إنشاء يتأتى منهما، فيصح ان يقصد بالإنشاء وجوده إنشاء، و ان لم يترتب الاعتبار عليه ما لم ينضم إليه رضا المالك.
و بالجملة: ان الأعلام و ان لم يصرحوا بالتزامهم بمذهب صاحب الكفاية لكنهم صرحوا في بعض الموارد بما يستلزمه و التزموا بآثاره. فتدبر.
يبقى الكلام: فيما ذهب إليه المحقق النائيني من وجود مقامين للحكم:
أحدهما: مقام الجعل. و الآخر: مقام المجعول. و ان مقام الجعل قد ينفك عن المجعول، فيتحقق إنشاء الحكم، و لكن لا يكون فعليا الا بعد حصول شرطه- لو كان له شرط-. فانه قد تكرر منه التصريح بهذا المطلب «1».
و أورد عليه المحقق الأصفهاني: بان الجعل و المجعول كالإيجاد و الوجود متحدان واقعا و حقيقة و مختلفان اعتبارا، فكيف يمكن تصور انفكاك أحدهما عن الآخر «2»؟.
و تفصى المحقق العراقي عن ذلك: بان المجعول لا ينفك عن الجعل، بل يكون فعليا بالجعل، لكن لا يلزم ان تترتب عليه الآثار العقلائي بمجرد الجعل، بل يمكن ان يكون ترتبها معلقا على شي‏ء فالتعليق و التقدير لا يرجع إلى فعلية المجعول و انما يرجع إلى فاعليته، بمعنى ترتب الآثار عليه، و لا مانع من التفكيك بين فعلية شي‏ء و فاعليته.
أقول: لا بد من إيقاع البحث من جهتين:
__________________________________________________
 (1) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات 1- 141- الطبعة الأولى.
 (2) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 1- 297 هامش رقم (1) طبعة مطبعة الطباطبائي.
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 100
الأولى: ما تقدم من الإشكال على المذهب المشهور في الإنشاء القائل بان الإنشاء عبارة عن الاستعمال بقصد تحقق معناه في الوعاء المناسب له، من انه يلزم ان لا يكون لدينا حكم إنشائي إذ الإنشاء متصرم الوجود، كما لا يمكن تحقق الحكم الإنشائي خارجا قبل الحكم الفعلي، فانه بعينه يرد على مذهب المحقق النائيني، إذ لا يرى وجودا سوى الجعل و هو الإنشاء و المجعول و هو الحكم الفعلي، فأين هو الحكم الإنشائي؟ و كيف ينفك خارجا عن الحكم الفعلي؟.
و قد عرفت انحصار التخلص عن هذا الإشكال بالالتزام بمذهب صاحب الكفاية في الإنشاء. فراجع.
الثانية: في أصل مطلبه من انفكاك الجعل عن المجعول و انه صحيح أو لا.
و الحق: ان إيراد المحقق الأصفهاني غير وارد، و ذلك لأن الجعل في نظر المحقق النائيني هو إنشاء الحكم و المجعول هو نفس الحكم الذي حقيقته حقيقة اعتبارية تدور مدار اعتبار المعتبر وجودا و عدما.
و إذا فرض ان الحكم امر اعتباري- إذ لو كان عبارة عن الإرادة و الكراهة لم يكن لدينا جعل و مجعول-، فليست نسبة الإنشاء إليه نسبة الإيجاد و الوجود و التصور و المتصور، إذ تحقق الحكم بالاعتبار و هو فعل العقلاء أنفسهم، و هل يتوهم انه متحد مع إنشاء المولى؟، و قد نظره بالرمي الذي يكون سببا لإصابة الهدف فان إصابة الهدف تنفك عن الرمي، و بالوصية التمليكية فان الملكية بعد الموت و الوصية قبله.
نعم، الاعتبار و المعتبر كالتصور و المتصور و الإيجاد و الوجود لا ينفكان، و لكنه (قدس سره) لم يرد من الجعل الاعتبار، بل أراد به الإنشاء.
و بالجملة: لا وجه للإيراد عليه بان الجعل و المجعول متحدان حقيقة بعد ان كان المراد من الجعل هو الإنشاء و من المجعول هو الحكم الاعتباري، و قد عرفت فيما مر بيان إمكان انفكاك الإنشاء عن الحكم الاعتباري.
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 101
نعم، يبقى سؤال: و هو انه ما الوجه في إطلاق الجعل على الإنشاء؟، و جوابه: ان الاعتبار العقلائي لا يتحقق بدون الإنشاء، فالبناء النفسي على تمليك زيد داره لعمرو و انها ملك له بمائة دينار لا يوجب اعتبار البيع عند العقلاء ما لم ينشأ البيع، و عليه فالإنشاء بمنزلة الموضوع و السبب للاعتبار العقلائي نظير الملاقاة للنجس في كونها سببا لحكم الشارع بالنجاسة، و إيجاد الموضوع للحكم يصحح عرفا إطلاق إيجاد الحكم و نسبته لموجود الموضوع، و لذلك يقال:
 «ان زيدا نجس يده»، كما يقال انه: «ملك عمرا داره»، مع ان الحكم بالنجاسة شرعي و بالملكية عقلائي، فإطلاق الجعل على الإنشاء إطلاق مسامحي يصححه كون الإنشاء سببا للاعتبار، فالتفت و تدبر.
و هذا امر واضح. و انما الأمر الذي لا بد من إيقاع البحث فيه: هو ان الاعتبار الذي لا ينفك عن المعتبر في موارد كون المنشأ هو الحكم على تقدير، هل هو فعلي بمعنى انه يتحقق حال الإنشاء و ان كان لا يترتب عليه الأثر الا عند حصول التقدير، بان يعتبر العقلاء الوجوب عند الزوال من الآن؟، أو انه استقبالي بمعنى ان الاعتبار لا يتحقق إلا عند تحقق التقدير فقبل تحققه لا وجود الا للإنشاء؟، و لا يخفى ان هذا أجنبي عن إمكان انفكاك الحكم عن إنشائه الذي عرفت تعين الالتزام به، إذ هو بحث عن تحقق الانفكاك و عدمه.
و الظاهر الذي يجده الإنسان من نفسه الذي به يميز و يدرك حكم العقلاء و عملهم، هو ان اعتبار الحكم لا يكون إلا عند تحقق التقدير، فقبله لا حكم و لا اعتبار، فمن ملك زيدا داره على تقدير سفره، لا يعتبر العقلاء ملكية زيد للدار الا في حال سفر المملك. و لكن هذا المعنى تام بناء على الالتزام في باب الاعتبارات بالاعتبار العقلائي ليس إلا، اما بناء على الالتزام بوجود اعتبار شخصي للمنشئ يكون موضوعا للاعتبار العقلائي، فلا يتم الكلام المزبور، إذ الاعتبار الشخصي لا يكون إلا في حال الإنشاء، إذ قد لا تكون للمنشئ‏
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 102
أهلية الاعتبار عند حصول التقدير كما إذا كان نائما أو غافلا أو ميتا- كما في الوصية التمليكية-.
هذا، و لكن الالتزام بثبوت الاعتبار الشخصي قد عرفت نقضه في مبحث الخبر و الإنشاء في أوائل الكتاب، مع ان الاعتبار الشخصي موضوع للاعتبار العقلائي الذي يكون محط الآثار العملية. و قد عرفت ان الاعتبار العقلائي منفك خارجا عن الإنشاء.
و المتحصل: ان الحكم المجعول ينفك عن الإنشاء إمكانا و وقوعا.
و نتيجة ما حققناه: هو تصور وجود حكم إنشائي غير الحكم الفعلي و إمكان انفكاك الإنشائي عن الفعلي خارجا.
و عليه: فما ذكره صاحب الكفاية من إمكان أخذ العلم بالحكم الإنشائي في موضوع الحكم الفعلي لا إشكال فيه، لعدم تأتي أي محذور فيه من المحاذير المتقدمة.
نعم، يبقى بحث مع المحقق النائيني في إمكان أخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول، و سيأتي التعرض إليه إن شاء الله تعالى في أوائل مباحث الأمارات. فانتظر.
ثم ان صاحب الكفاية رحمه الله تعرض للظن كما تعرض للعلم، فذكر انه لا يمكن أخذ الظن بالحكم في موضوع نفس الحكم، و هو صحيح لعين ما مر في أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه.
و اما أخذ الظن بالحكم في موضوع مثله أو ضده فلا مانع منه بالنحو الذي يلتزم به في مقام الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري على ما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. و يأتي هناك إن شاء الله تعالى بيان المقصود من عبارة الكفاية من ان الحكم الواقعي يكون فعليا، بمعنى انه لو قطع به من باب الإتقان لتنجز. و بيان النكتة في قيد «الاتفاق» الذي أخذه فانتظر و الله سبحانه‏
                       

 

منتقى الأصول، ج‏4، ص: 103
الموفق للصواب.

 



****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Thursday - 5/1/2023 - 14:17

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 205
قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور
شرطية القدرة و محلها:
في التكليف مراتب متعددة و هي: الملاك، و الارادة، و الجعل، و الإدانة. فالملاك هو المصلحة الداعية الى الايجاب. و الارادة هي الشوق الناشئ من ادراك تلك المصلحة. و الجعل هو اعتبار الوجوب مثلا، و هذا الاعتبار تارة يكون لمجرد ابراز الملاك و الإرادة، و اخرى يكون بداعي البعث و التحريك، كما هو ظاهر الدليل الذي يتكفل باثبات الجعل. و الإدانة هي مرحلة المسئولية و التنجز و استحقاق العقاب.
و لا شك في ان القدرة شرط في مرحلة الإدانة، لأن الفعل إذا لم يكن مقدورا فلا يدخل في حق الطاعة للمولى عقلا. كما ان مرتبتي الملاك و الشوق غير آبيتين عن دخالة القدرة كشرط فيهما- بحيث لا ملاك في الفعل و لا شوق الى صدوره من العاجز- و عن عدم دخالتها كذلك- بحيث يكون الفعل واجدا للمصلحة، و محطا للشوق حتى من العاجز- و قد تسمى القدرة في الحالة الاولى بالقدرة الشرعية، و في الحالة الثانية بالقدرة العقلية.
                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 206
و أما في مرتبة جعل الحكم فاذا لوحظت هذه المرتبة بصورة مجردة، لم نجد مانعا عقليا عن شمولها للعاجز، لأنها اعتبار للوجوب، و الاعتبار سهل المئونة، و قد يوجه الى المكلف على الإطلاق لإبراز ان المبادئ ثابتة في حق الجميع. و لكن قد نفترض جعل الحكم بداعي البعث و التحريك المولوي، و من الواضح هنا ان التحريك المولوي، انما هو بسبب الإدانة و حكم العقل بالمسئولية، و مع العجز لا ادانة و لا مسئولية- كما تقدم- فيستحيل التحريك المولوي، و بهذا يمتنع جعل الحكم بداعي التحريك المولوي.
و حيث ان مفاد الدليل عرفا هو جعل الحكم بهذا الداعي، فيختص لا محالة بالقادر و تكون القدرة شرطا في الحكم المجعول بهذا الداعي.

 

 

 






****************
ارسال شده توسط:
عباس زرسائل: 2.443 و دعوى أن مرادهم‏ تكليف الجاهل في حال الجهل‏ برفع الجهل و الإتيان بالواقع‏ نظير تكليف الجنب بالصلاة حال الجنابة لا التكليف بإتيانه‏ مع وصف الجهل‏ فلا تنافي بين كون الجهل مانعا و التكليف في حاله‏ و إنما الكلام‏ في تكليف الجاهل مع وصف الجهل‏ لأن المفروض فيما نحن فيه عجزه عن تحصيل العلم‏ مدفوعة برجوعها حينئذ إلى ما تقدم‏ من دعوى كون عدم الجهل من شروط وجود المأمور به‏ نظير الجنابة و قد تقدم بطلانها. ایضاح الفرائد: 2/275 قوله و دعوى ان مرادهم اه‏ توضيح الدعوى المذكورة ان الجاهل المقصر الذى يصح عقابه مكلف بالواقع فى حال الجهل من غير ان يكون مقيدا بوصف الجهل فيرجع تكليفه بالأخرة الى رفع الجهل عنه و الاتيان بالواقع نظير تكليف الكفار بالفروع فان تكليفهم بها فى حال الكفر لا بشرط الكفر فيلزم عليهم إزالة الكفر و الإتيان بالفروع بخلاف المقام فان تكليف الجاهل فيه بالواقع يرجع الى تكليفه به بشرط الجهل لعدم امكان إزالته عنه لفرض كونه قاصرا عاجزا و من المعلوم عدم امكان الإتيان بالواقع بشرط الجهل به فحصل الفارق بين المقام و بين الجاهل المقصر و بطل النقض به و توضيح دفعها ان ما ذكرته فى الدعوى بعدم امكان الاتيان بالواقع بشرط الجهل به لعدم امكان دفع الجهل بعد فرض كونه عاجزا يرجع الى ما ذكر عن قريب من كون عدم الجهل من شروط وجود المامور به و ان الجهل يوجب عدم القدرة على الاتيان بالمامور به و قد تقدم عن قريب بطلانه كما يشهد له التكليف بالمجمل فى الجملة هذا مضافا الى ما ذكرنا من ان محل النزاع فى المسألة المذكورة هو الجاهل المركب او الغافل و من المعلوم عدم امكان امرهما بازالة الجهل و الغفلة
Friday - 6/1/2023 - 17:36

رسائل: 2.443

و دعوى أن مرادهم‏ تكليف الجاهل في حال الجهل‏ برفع الجهل و الإتيان بالواقع‏ نظير تكليف الجنب بالصلاة حال الجنابة لا التكليف بإتيانه‏ مع وصف الجهل‏ فلا تنافي بين كون الجهل مانعا و التكليف في حاله‏ و إنما الكلام‏ في تكليف الجاهل مع وصف الجهل‏ لأن المفروض فيما نحن فيه عجزه عن تحصيل العلم‏ مدفوعة برجوعها حينئذ إلى ما تقدم‏ من دعوى كون عدم الجهل من شروط وجود المأمور به‏ نظير الجنابة و قد تقدم بطلانها.

ایضاح الفرائد: 2/275

قوله و دعوى ان مرادهم اه‏ توضيح الدعوى المذكورة ان الجاهل المقصر الذى يصح عقابه مكلف بالواقع فى حال الجهل من غير ان يكون مقيدا بوصف الجهل فيرجع تكليفه بالأخرة الى رفع الجهل عنه و الاتيان بالواقع نظير تكليف الكفار بالفروع فان تكليفهم بها فى حال الكفر لا بشرط الكفر فيلزم عليهم إزالة الكفر و الإتيان بالفروع بخلاف المقام فان تكليف الجاهل فيه بالواقع يرجع الى تكليفه به بشرط الجهل لعدم امكان إزالته عنه لفرض كونه قاصرا عاجزا و من المعلوم عدم امكان الإتيان بالواقع بشرط الجهل به فحصل الفارق بين المقام و بين الجاهل المقصر و بطل النقض به و توضيح دفعها ان ما ذكرته فى الدعوى بعدم امكان الاتيان بالواقع بشرط الجهل به لعدم امكان دفع الجهل بعد فرض كونه عاجزا يرجع الى ما ذكر عن قريب من كون عدم الجهل من شروط وجود المامور به و ان الجهل يوجب عدم القدرة على الاتيان بالمامور به و قد تقدم عن قريب بطلانه كما يشهد له التكليف بالمجمل فى الجملة هذا مضافا الى ما ذكرنا من ان محل النزاع فى المسألة المذكورة هو الجاهل المركب او الغافل و من المعلوم عدم امكان امرهما بازالة الجهل و الغفلة





****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Friday - 16/2/2024 - 22:56

محقق داماد

المحاضرات ( مباحث اصول الفقه )، ج‏1، ص: 309

 و توضيحه يبتنى علي بسط الكلام فنقول و منه الاستعانة: ان الأحكام المجعولة ليس لها إلّا مرتبة واحدة و هى مرتبة الانشاء و الجعل كما بيناه في محله، و اجماله ان مرتبة الاقتضاء ليست من مراتب الحكم ابدا لان الاقتضاء إمّا بمعنى وجود المصلحة و المفسدة أو بمعنى اقتضاء تلك المفسدة و المصلحة للبغض و الحب، و علي كل تقدير ليس امره بيد الجعل بل هو امر تكوينى، و كذلك مرتبة التنجز فإنّه ليس إلّا عدم معذورية المكلف في مخالفة التكليف، و هو موقوف بعد وجود الارادة في النفس علي امرين، الاول: قيام الحجة علي التكليف، و الثانى: قدرة العبد علي اتيانه، فان ثبت الامران يقال ان التكليف منجّز، و ان فقد احدهما يعبر عنه بغير المنجز، و من البديهى ان هذا المعنى ليس باحد طرفيه مما تناله يد التشريع و الجعل. نعم للشارع التكليف بالاحتياط في موارد عدم قيام الحجة علي‏
                        المحاضرات ( مباحث اصول الفقه )، ج‏1، ص: 310
التكليف الواقعى، لكنه ليس في الحقيقة جعل التنجز للحكم، بل هو اقامة الحجة عليه فتدبر.
و أمّا مرتبة الفعلية فهى ايضا ليست من مراتب الحكم علي التحقيق، لان الفعلية ليست امرا وراء وجود الارادة الجدية النفس الامرية علي طبق الارادة الاستعمالية و الحكم الانشائى و لا نتعقل لها وراء ذلك شيئا، و واضح ان وجود الارادة علي وفق الحكم الانشائى و عدم وجودها ليس بيد الشرع، بل هو ايضا كسابقه من الامور التكوينية، و ليس امرا وضعه و رفعه بيد الجاعل و المشرع.
فتلخص ان مرتبة الحكم المجعول واحدة و هى مرتبة الجعل و الانشاء و هو الّذي يعبر عنه بالحكم الانشائى، و بقية المراتب الّتي توهم كونها من مراتب الحكم كلها امور تكوينية خارجة عن عالم الجعل و التشريع‏






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Friday - 16/2/2024 - 23:40

آیت الله بروجردی

                        نهاية الأصول، ص: 395
مراتب الحكم:
اعلم ان شيخنا الأستاذ قال في الكفاية و ساير كتبه: ان للحكم أربع مراتب: الاقتضاء و الإنشاء و الفعلية و التنجز. فالأولى، عبارة عن المصالح و المفاسد الكائنة في متعلقات الأحكام. و الثانية عبارة، عن الإنشاء الصادر لا بداعي البعث و الزجر. و الثالثة: عبارة عن مرتبة البعث و الزجر. و الرابعة: عبارة عن مرتبة وصوله إلى العبد بالعلم أو بما يقوم مقامه. هذه خلاصة كلامه زيد في علو مقامه.
و فيه نظر: فان ما ذكر من المراتب الأربعة ليست مراتب لحقيقة واحدة بل هي أمور متباينة.
بيان ذلك: ان هذا التعبير انما يصح فيما إذا كان حقيقة واحدة مقولة بالتشكيك و هي ما تكون في عين وحدتها ذات مراتب متفاوتة بالشدة و الضعف مع انحفاظ أصل حقيقتها في جميع المراتب كالنور الصادق على نور الشمس و السراج مثلا. و ما نحن فيه ليس كذلك إذ ما يستحق ان يطلق عليه اسم الحكم «هو الإنشاء الصادر بداعي البعث أو الزجر» و ليس الإنشاء المجرد عن هذا الداعي أو المصالح و المفاسد من المراتب الضعيفة لهذا المعنى.
نعم: المصلحة و المفسدة علتان لتحقق الحكم و من البديهيات عدم كون مثل هذه العلة، مرتبة من المعلول.
و اما التنجز: فعدم كونه من مراتب الحكم أوضح بل هو ما يتصف به بعض الأحكام أعني ما يشتمل على الإلزام باعتبار مقارنة هذا الحكم لعلم المكلف أو ما يقوم مقامه.
و بالجملة: فهو امر يصدق في التكاليف الإلزامية فقط التي توجب مخالفتها العقاب و ليس صدقه من جهة صيرورة الحكم في مرتبته قويا، بل من جهة مقارنة الحكم لأمر خارج عن حقيقته أعني العلم و ما يقوم مقامه.
و الحاصل: ان الاقتضاء و الإنشاء المجرد و التنجز، لا يصلح ان يطلق عليها الحكم. و لو أبيت الا عن إطلاقه عليها بالمسامحة فليعلم ان إطلاقه على واحد منها بالحقيقة و على غيره بالمسامحة.
و التحقيق ان يقال: ان للحكم مرتبتين: الشأني و الفعلي.
بيان ذلك: انك قد عرفت آنفا ان الحكم عبارة عن الإنشاء الصادر بداعي البعث أو الزجر لا الإنشاء المجرد عنهما و من الواضحات عدم حصول الانبعاث أو الانزجار من نفس هذا الإنشاء ما لم يتعلق به العلم، فعلى هذا لا يكون غرض المولى من إنشائه حصول الانبعاث مثلا من نفس‏


                        نهاية الأصول، ص: 396
إنشائه بل ينشأ البعث ليعلم به العبد فينبعث و لا يمكن ان يكون صدور الفعل عن العبد أحيانا بداعي الاحتياط أو بدواع أخرى غرضا من الإنشاء إذ وجوده و عدمه واقعا سواء في حصول ذلك الفعل من العبد و ليس ذلك الصدور من آثار ذلك الإنشاء الواقعي. فتأثيره في نفس العبد يتوقف على العلم به و في هذه المرتبة يتحقق ما هو حقيقة الحكم أعني الباعثية و الزاجرية و اما قبل تعلق العلم به فهو و ان كان حكما أيضا حيث انه إنشاء صدر بداعي البعث و لكن حيث لا يمكن ان يؤثر في نفس المكلف و ان يترتب عليه الغرض المقصود منه، يتصف في هذه المرتبة بالشأنية. فالشأني: عبارة عن الإنشاء الصادر بداعي البعث مع عدم تعلق علم المكلف به.
و الفعلي: عبارة عن نفس هذا الإنشاء بعد صيرورته معلوما للمكلف و قابلا للتأثير في نفسه.
و المحقق الخراسانيّ أيضا كان يلتزم بوجود هاتين المرتبتين. فعلى هذا تصير المراتب على مذاقه خمس: الاقتضاء و الإنشاء المجرد و هاتان المرتبتان و التنجز و يمكن ان يعبر عن الثالثة «بالفعلي قبل التنجز» و عن الرابعة «بالفعلي مع التنجز».
و اما التنجز فقد عرفت انه لا يوجد في جميع الأحكام بل هو امر يتصف به الحكم الإلزامي باعتبار صيرورته بحيث يصح ان يعاقب عليه، اما لتعلق القطع به، أو لجعل المولى حكما طريقيا لإحرازه و قد وصل هذا الحكم الطريقي إلى العبد. و هذا مثل إيجاب الاحتياط في موارد الشك أو إيجاب العمل بخبر الواحد أو الاستصحاب أو نحو ذلك مما لم يتعلق به التكليف لمصلحة في نفسه بل أوجبه الشارع لإحراز الواقع و حفظه. و هذه الأحكام المجعولة لحفظ الأحكام الأخرى هي التي تسمى بالاحكام الظاهرية، فلو فرض كون نفس العمل بالخبر مشتملا على المصلحة فأوجب الشارع العمل به لذلك لا يكون هذا حكما ظاهريا بل هو حكم واقعي في عرض ساير الأحكام الواقعية لا في طولها.

 

 امام خمینی

                       انوار الهداية في التعليقة على الكفايأ، ج‏1، ص: 38
إشكال على مراتب الحكم‏
قوله: مرتبة البعث ... إلخ «1».
 (1) يظهر منه- قدس سره- على ما في تضاعيف كتبه: أن للحكم أربع‏
__________________________________________________

(1) الكفاية 2: 8.


                        انوار الهداية في التعليقة على الكفايأ، ج‏1، ص: 39
مراتب: الاقتضاء، و الإنشاء، و الفعليّة، و التنجز «1».
و لا يخفى أنّ المرتبة الأولى و الأخيرة لم تكونا من مراتب الحكم؛ فإنّ الاقتضاء من مقدمات الحكم لا مراتبه، و التنجّز من لوازمه لا مراتبه.
نعم مرتبة الإنشاء- بمعنى جعل الحكم القانوني بنعت العموم و الإطلاق بلا ملاحظة تخصيصاته و تقييداته و موانع إجرائه- من مراتب الحكم، كما أنّ مرتبة الفعلية- أيضا- من مراتبه.
و هاتان المرتبتان محققتان في جميع القوانين الموضوعة في السياسات المدنية، فإن المقننين ينشئون الأحكام بنعت الكليّة و القانونيّة، ثمّ تراهم باحثين في مستثنياتها و يراعون مقتضيات إجرائها، فإذا تمّ نصاب المقدمات و ارتفعت موانع الإجراء يصير الحكم فعليا واقعا بمقام الإجراء.
فتحصل: أن للحكم مرتبتين لا أربع مراتب‏

 

 

                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 433
المقدّمة الرابعة:
أنّك إذا تتبّعت كلمات الأعلام في تقسيم الحكم إلى مراتبه الأربعة «1» تجد فيها ما لا يمكن الموافقة معه؛ إذ قد عدّوا منها ما هو من مبادئ الحكم و ملاكاته، كالمصالح و المفاسد التي يعبّر عنها بمرتبة الاقتضاء، كما قد عدّوا منها ما هو من أحكام العقل بعد تمامية الحكم- أعني التنجيز- لأنّه حكم عقلي غير مربوط بمراتب الأحكام المجعولة، و معنى تنجّزه قطع عذر المكلّف في المخالفة و عدم كونه معذوراً، من غير تبديل و تغيير في الحكم و لا الإرادة.
و أعجب منه: كون حكم فعلياً في ساعة و إنشائياً في اخرى، و فعلياً في‏
__________________________________________________
 (1)- راجع درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 70.


                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 434
حقّ شخص و إنشائياً في حقّ آخر، إلى غير ذلك ممّا يدمغه البرهان و حكم العقل بامتناع تغيّر الإرادة في حقّ الشارع، بل و لا يناسبه القوانين العقلائية؛ عالمية كانت أو غيرها.
فإذا انحصر مراتب الحكم في الإنشائية و الفعلية فلا بدّ من توضيحهما، فنقول: الناموس المطّرد في قوانين العالم هو أنّ الحاكم بعد ما تصوّر صلاح شي‏ء و فساده و جزم أنّ في جعل حكم له صلاحاً لحال أتباعه يتعلّق الإرادة على إنشائه بصورة قانون كلّي لعامّة البشر أو لجماعة منهم، فينشئه حكماً عمومياً جاعلًا له في مظانّه التي يطلبه فيها المراجعون، و يرجع إليها في استعلام الوظيفة المكلّفون.
و لا يتفاوت فيما ذكرنا كون الحاكم شخصاً واحداً أو أشخاصاً متعدّدين، غير أنّ الحكم في الثاني يدور مدار غالبية الآراء و أكثريتها.
ثمّ إنّ للمحيط و حال المكلّفين دخلًا تامّاً في إجراء الحكم و إعلانه؛ فإن ساعدت الأحوال و وجدت شرائط الإجراء يأمر الحاكم بإعلانه و إيصاله إلى المكلّفين، و إلّا فيترقّب تناسب المحيط و استعداد الناس بقبوله، و يترك هو في سنبله الإنشائي.
و الذي نسمّيه حكماً إنشائياً أو شأنياً هو ما حاز مرتبة الإنشاء و الجعل؛ سواء لم يعلن بينهم أصلًا حتّى يأخذه الناس و يتمّ عليهم الحجّة؛ لمصالح في إخفائها، كالأحكام التي بقيت مخزونة لدى ولي العصر- عجّل اللَّه تعالى فرجه- و يكون وقت إجرائها زمان ظهوره؛ لمصالح تقتضي العناية الإلهية، كنجاسة بعض الطوائف المنتحلة بالإسلام و كفرهم، فهو حكم إنشائي في زماننا، و إذا بلغ وقت إجرائه يصير فعلياً.أو أعلن بينهم، و لكن بصورة العموم و الإطلاق؛ ليلحقه التقييد و التخصيص‏
                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص:435


بعد بدليل آخر، كالأحكام الكلّية التي تنشأ على الموضوعات، و لا تبقى على ما هي عليها في مقام الإجراء.
فالمطلقات و العمومات قبل ورود المقيّدات و المخصّصات أحكام إنشائية بالنسبة إلى موارد التقييد و التخصيص؛ و إن كانت فعليات في غير هذه الموارد.
و الذي نسمّيه حكماً فعلياً هو ما حاز مرتبة الإعلان، و تمّ بيانه من قبل المولى بإيراد مخصّصاته و مقيّداته، و آن وقت إجرائه و حان موقع عمله.
فحينئذٍ؛ فقوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «1» بهذا العموم حكم إنشائي، و ما بقي بعد التقييد أو التخصيص حكم فعلي. هذا هو المختار في معنى إنشائية الحكم و فعليته.
فتلخّص: أنّ الأحكام منقسمة إلى حكم إنشائي؛ و هو ما لم ير الحاكم صلاحاً في إجرائه؛ و إن كان نفس الحكم ذا صلاح، كالأحكام المودوعة عند صاحب الأمر الواصلة إليه من آبائه عليهم السلام، أو يرى صلاحاً في إجرائه، و لكن أنشأ بصورة العموم و الإطلاق؛ ليلحق به خصوصه و قيده، هو نفسه أو وصي بعده، و إلى حكم فعلي قد بيّن و أوضح بخصوصه و قيوده، و آن وقت إجرائه و انفاذه.
و عليه: إذا فرضنا حصول عائق عن وصول الحكم إلى المكلّف- و إن كان قاصراً عن إزاحة علّته- أو عروض مانع، كالعجز و الاضطرار عن القيام بمقتضى التكليف لا يوجب ذلك سقوط الحكم عن فعليته و لا يمسّ بكرامتها و لا يسترجعه إلى ورائه، فيعود إنشائياً؛ لأنّ ذلك أشبه شي‏ء بالقول بانقباض إرادة المولى عند طروّ العذر و انبساطها عند ارتفاعه.
__________________________________________________
 (1)- المائدة (5): 1.


                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 436
و السرّ في ذلك: أنّ غاية ما يحكم به العقل هو أنّ المكلّف إذا طرأ عليه العذر أو دام عذره و جهله لا يكون مستحقّاً للعقاب، بل يخرج من زمرة الطاغين و عداد المخالفين؛ لعدم المخالفة عن عمدٍ، و أمّا كونه خارجاً من موضوع التكليف؛ بحيث تختصّ فعلية الحكم بغير الجهّال و ذوي الأعذار فلا وجه له، و سيأتي أنّ الخطابات القانونية ليست مثل الخطابات الشخصية؛ فإنّ الثانية لا يجوز توجيهها لغير القادر، بل يقبح خطاب العاجز بشخصه دون الاولى. فحينئذٍ فلا وقع للسؤال عن أنّ إسراء الحكم إلى العاجز و الجاهل إسراء بلا ملاك، فارتقب.
و بذلك يتّضح: أنّ الفعلية و الشأنية بالمعنى المعروف- من إنشائية الحكم بالنسبة إلى شخص كالجاهل و الغافل و الساهي و العاجز، و فعليته بالنسبة إلى مقابلاتها- ممّا لا أساس له؛ لأنّ الاشتراط الشرعي في بعضها غير معقول، مع عدم الدليل عليه في جميعها. و التصرّف العقلي أيضاً غير معقول؛ لعدم إمكان تصرّف العقل في إرادة الشارع و لا في حكمه، و سيأتي توضيحه.
و بالجملة: أنّ الأحكام المضبوطة في الكتاب و السنّة لا يعقل فيها هاتان المرتبتان بالمعنى الدائر بينهم، فقوله تعالى: «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ...» «1» إلى آخره لا يختلف بالنسبة إلى الجاهل و العالم، و لا معنى للفعلية و الشأنية في هذا الحكم المجعول المنضبط، بل جعل الحكم على العنوان و إجراؤه بين المكلّفين عند ذكر مخصّصاته و مقيّداته يوجب فعلية الحكم على عامّة الناس؛ سواء العالم و الجاهل و القادر و العاجز، و قد عرفت أنّ العقل يرفع حكم العقاب لا نفس التكليف.
__________________________________________________
 (1)- آل عمران (3): 97.

 

 

                        جواهر الأصول، ج‏3، ص: 312
المقدّمة الرابعة:
الحقّ أن يقال: إنّ الأحكام الشرعية القانونية المجعولة على موضوعاتها على قسمين: أحدهما الأحكام الإنشائية، و ثانيهما الأحكام الفعلية.
و إن شئت قلت: إنّ للحكم مرحلتين: مرحلة الإنشاء، و مرحلة الفعلية، كما هو الشأن في وضع القوانين المدنية العالمية، من غير فرق بين كون المقنّن شخصاً واحداً أو أشخاصاً متعدّدين؛ لأنّه جرت ديدن الواضعين في جميع الأعصار و الحكومات على أنّهم يلاحظون الجهات المقتضية لوضع القوانين على الكلّية، فينشئونها أوّلًا بصور كلّية، ثمّ يعقّبونها بذكر المخصِّصات و المقيِّدات، و لم يشذّ الشارع الأقدس عن طريقتهم في ذلك، فبعد إنشاء الأحكام بصورة العموم أو الإطلاق و قبل ورود المخصّصات و المقيّدات، تكون الأحكام إنشائياً.
__________________________________________________
 (1)- مناهج الوصول 2: 23- 24.

                        جواهر الأصول، ج‏3، ص: 313
فعند ذلك فإن كانت جميع أفراده و مصاديقه أو نفس الطبيعة بدون القيد واجدة للمصلحة أو المفسدة فتكون الأحكام المجعولة على موضوعاتها أحكاماً فعلية.
و أمّا إذا كان بعض مصاديقه أو الطبيعة المقيّدة واجدة للمصلحة فيكون تعلّق الحكم بالمقدار الذي فيه المصلحة أو الطبيعة المقيّدة فعلياً. و أمّا المقدار الذي يكون فاقداً لها و نفس الطبيعة فباقية على مرتبتها الإنشائي.
و حيث إنّه ربّما يكون للزمان و أحوال المكلّفين مدخلية في إجراء بعض الأحكام- كنجاسة بعض المنتحلين بالإسلام و كفرهم؛ فقد حكم بإسلامهم و طهارتهم في عصر الغيبة، إلى أن يطلع شمس تلك الهداية و محورها- أرواح من سواه فداه- فمثل هذا حكم إنشائي في زماننا بالنسبة إلينا. و أمّا بعد طلوع شمس وجوده- عجّل اللَّه فرجه الشريف- و بالنسبة إلى أفراد ذلك العصر فيصير فعلياً.
إن قلت: فما فائدة الجعل الكذائي قبل أوان وقته؟ و هل هو إلّا العَبث؟!
قلت: كلّا!! فلعلّ سرّه هو أنّ تبليغ الأحكام حيث إنّه لا بدّ و أن يكون من طريق النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و الوحي و ينقطع ذلك بموت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فلا بدّ من تبليغ جميع الأحكام إلى العباد، أو إيداعها إلى الوصي من بعده، و هو إلى من بعده، إلى أن يبلغ وقت إجرائه، فينشره إمام ذاك العصر.
فظهر: أنّ قسماً من الأحكام الإنشائية لا يرى صلاح في إجرائها بعدُ، و يكون للمحيط و استعداد الناس دخل في إجرائها، كالأحكام المودعة عند ولي العصر، عجّل اللَّه فرجه الشريف.
و قسماً آخر لا يرى صلاح في إجرائها بصورة العموم و الإطلاق، لكنّه أنشأه بصورة العموم و الإطلاق ليلحق هو صلى الله عليه و آله و سلم أو الوصي من بعده مخصّصاته و قيوده.
فالعمومات و المطلقات قبل ورود المخصّصات و المقيدات أحكام إنشائية

                        جواهر الأصول، ج‏3، ص: 314
بالنسبة إلى موارد التخصيص و التقييد، و إن كانت فعليات بالنسبة إلى غير تلك الموارد.
و أمّا الأحكام الفعلية فهي الأحكام التي أعلنها الشارع و بيّن مخصّصاتها و مقيّداتها و حان وقت إجرائها.
فتحصّل: أنّ الأحكام القانونية على قسمين:
أحدهما: الأحكام الإنشائية، و هي التي لم يرَ الشارع صلاحاً في إجرائها فعلًا، و إن كانت نفس الأحكام ذات صلاح، كالأحكام المودعة عند صاحب الأمر- عجّل اللَّه فرجه الشريف- الواصلة إليه من آبائه عليهم السلام، أو رأى صلاحاً في إجرائها و لكن أنشأها بصورة العموم أو الإطلاق ليلحق به هو نفسه أو وصيّ بعده مخصّصه و قيده.
ثانيهما: الأحكام الفعلية، و هي التي بيّنها الشارع بعمومها و خصوصها و مطلقها و مقيّدها، و حان وقت إجرائها و إنفاذها.
هذا هو المعنى المقبول من الإنشائية و الفعلية.
و أمّا المعنى المعروف بينهم- من إنشائية الحكم بالنسبة إلى شخص، كالجاهل و الغافل و الساهي و العاجز، و فعليته بالنسبة إلى مقابلاتها- ممّا لا أساس له؛ لأنّ موضوعات الأحكام و إن يمكن أن تكون بحسب التصوّر مقيّدة بالعلم أو الذكر أو الالتفات أو القدرة، و لكن الاشتراط الشرعي فيها- مضافاً إلى عدم معقوليته في بعضها- لم يدلّ دليل على اعتباره. و التصرّف العقلي أيضاً غير معقول؛ لاستلزامه تصرّف العقل في إرادة الشارع و حكمه، و هو محال، و سيأتي بيانه.
و غاية ما يكون هناك و يحكم به العقل هي: أنّه مع طروّ إحدى تلك الحالات- من الجهل أو الغفلة أو النسيان أو العجز- يكون المكلّف معذوراً في عدم القيام بمقتضى التكليف، و ربّما يكون الشخص مستحقّاً للعقاب، بل ربّما يكون خارجاً عن‏

                        جواهر الأصول، ج‏3، ص: 315
ربقة الإسلام، و لا يوجب ذلك سقوط الحكم عن فعليته، و لا تمسّ بكرامة الواقع، و لا يسترجعه إلى ورائه حتّى يعود إنشائياً؛ لكون ذلك أشبه شي‏ء بالقول بانقباض إرادة المولى عند طروّ العذر و انبساطه عند ارتفاعه.
فتحصّل: أنّ الأحكام المضبوطة في الكتاب و السنّة لا يعقل فيها غير هاتين المرتبتين، فقوله تعالى: «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ...» «1» إلى آخره، لا يختلف بالنسبة إلى الجاهل و العالم، و لا معنى للفعلية و الشأنية في هذا الحكم المجعول المنضبط.
فهو حكم فعلي على عامّة الناس؛ سواء العالم و الجاهل، و القادر و العاجز.
و بما ذكرنا يظهر: أنّ ما يظهر من بعضهم؛ من جعل الاقتضاء و التنجيز من مراتب الحكم، و أنّ للحكم مراتب أربع: مرتبة الاقتضاء، مرتبة الإنشاء، مرتبة الفعلية و مرتبة التنجّز «2»، غير صحيح؛ لأنّ الاقتضاء و التنجّز من طرفي الحكم؛ فإنّ الاقتضاء من مبادئ الحكم و التنجّز، و حكم عقلي غير مربوط بمراتب الحكم، و معنى تنجّزه قطع عذر المكلّف في المخالفة، و عدمِهِ كونه معذوراً فيها، من غير تغيير و تبديل في الحكم، و لا في الإرادة




تنقیح الاصول

الخطابات القانونيّة:
و توضيحه يحتاج إلى‏ تمهيد امور:
الأوّل: أنّ ما ذكره في غير موردٍ من «الكفاية» من أنّ للأحكام مراتبَ أربعة:- مرتبة الاقتضاء، و مرتبة الإنشاء، و مرتبة الفعليّة، و مرتبة التنجّز «2»- غيرُ متصوّر، و المتصوّر منها مرتبتان على وجه، و هما مرتبة الإنشاء، و مرتبة الفعليّة، و أمّا مرتبة الاقتضاء فليست من مراتب الحكم؛ لأنّها قبل الحكم، كما أنّ مرتبة التنجّز بعد الحكم، و ليست- أيضاً- من مراتبه؛ و ذلك لأنّ جميع الأحكام صادرة من الشارع لانقطاع الوحي بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و لا دَخْلَ لعلم المكلّف و قدرته و جهله و عجزه فيها، و الأحكام كلّيّة قانونيّة تشمل جميع المكلّفين، كالأوامر العرفيّة الصادرة من الموالي العرفيّة، و هي مرتبة الإنشاء.
__________________________________________________
 (1)- البقرة: 43.
 (2)- كفاية الاصول: 193 و 297.

                        تنقيح الأصول، ج‏2، ص: 124
و من الأحكام ما لم يصدر من الشارع؛ لمصالح في عدم إجرائها أو مفاسد فيه، كالأحكام التي لم يُؤمر النبيّ صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام بإعلامها للناس بل هي مُستودعة عند صاحب الأمر- عجّل اللَّه تعالى‏ فرجه- كنجاسة أهل الخلاف و كفرهم.
و منها: ما أوقعه الشارع في مورد الإجراء، مثل «لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» «1» و «أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ»* «2» و نحوها المتوجّهة إلى‏ جميع المكلّفين الواقعة في مورد الإجراء و العمل، و هي المرتبة الفعليّة، و لا تختصّ بالعالم و القادر، بل تشمل الجاهل و العاجز أيضاً، غاية الأمر أنّ العاجز و الجاهل القاصر معذوران عقلًا في المخالفة، و ليس هذا تقييداً للدليل الشرعيّ؛ كي يتحقّق هنا مرتبة اخرى‏ للحكم هي مرتبة التنجّز.
الثاني: أنّهم ذكروا: أنّ الأمر بما هو خارج عن مورد الابتلاء مستهجن، و كذلك الزجر عنه، و لذا حكموا بعدم منجّزية العلم الإجمالي بالمحرّم مع خروج بعض أطرافه عن مورد الابتلاء؛ لعدم العلم- حينئذٍ- بالتكليف و الحكم الشرعيّ «3»، لكن هذا إنّما يصحّ في الخطابات الجزئيّة الشخصيّة، و كذا يقبح بعث شخص أو زجره عن شي‏ء يعلم بإتيان المكلّف به أو زجره بنفسه و لو لم يأمره به أو يزجره عنه.
و أمّا الأحكام الكلّيّة القانونيّة مثل الأحكام الشرعيّة و الخطابات الإلهيّة و النبويّة صلى الله عليه و آله و كذا أوامر الموالي العرفيّة الكلّيّة القانونيّة، فهي إنّما تُستهجن إذا كان المأمور به و المنهيّ عنه خارجاً عن ابتلاء جميع المكلّفين، و أمّا إذا لم يكن كذلك؛ لابتلاء بعض المكلّفين به، و إن خرج عن مورد ابتلاء بعضٍ آخر فهو غير مُستهجن، فليس الخطاب بمثل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»* و نحوه من الخطابات الكلّيّة، قبيحةً
__________________________________________________
 (1)- آل عمران: 97.
 (2)- البقرة: 43.
 (3)- انظر فرائد الاصول: 250، 251، و فرائد الاصول 4: 50- 51.

                        تنقيح الأصول، ج‏2، ص: 125
و مستهجنة، و الشاهد على ذلك أنّهم لا يقولون بذلك في الأحكام الوضعيّة، كنجاسة الخمر الموجود في مكان بعيد خارج عن مورد الابتلاء، و كذلك نجاسة الدم و نحوه، و إلّا لزم الهرج و المرج في الفقه.
و توهّم: انحلال الأحكام الكلّيّة القانونيّة المتوجّهة إلى‏ المكلّفين إلى‏ أحكام جزئيّةٍ بعدد المكلّفين، متوجّهةٍ إلى‏ كلّ واحد من آحاد المكلّفين «1»، لا معنى له، بل هو غير معقول؛ أ ترى‏ أنّه لو قال: «جاء الناس كلّهم» في الإخبار كذباً، أنّه أكاذيب متعدّدة بعددهم؛ لانحلاله إلى‏ ذلك؟! حاشا و كلّا، بل هو كذب واحد، و هو شاهد على فساد القول بالانحلال بالمعنى‏ المذكور.
فتلخّص: أنّ الأحكام الصادرة من الشارع كلّية قانونيّة متوجّهة إلى‏ جميع المكلّفين- العالم منهم و الجاهل، القادر منهم و العاجز- غاية الأمر أنّ العقل يحكم بمعذورية العاجز و الجاهل القاصر في المخالفة، و ليس ذلك تقييداً لحكم الشارع كما عرفت.

 

 

                        مناهج الوصول إلى علم الأصول، ج‏2، ص: 24
المقدمة الرابعة: أنّ الأحكام الشرعيّة القانونيّة المترتّبة على موضوعاتها على قسمين:
أحدهما: الأحكام الإنشائيّة، و هي التي أنشئت على الموضوعات و لم تبق على ما هي عليه في مقام الإجراء، كالأحكام الكلّيّة قبل ورود المقيّدات و المخصّصات و مع قطع النّظر عنهما، أو لم يأن وقت إجرائها، كالأحكام التي بقيت مخزونة لدى وليّ العصر عجّل اللَّه فرجه و يكون وقت إجرائها زمان ظهوره، لمصالح [تقتضيها] العناية الإلهيّة.
ثانيهما: الأحكام الفعليّة، و هي التي آن، وقت إجرائها، و بلغت موقع عملها بعد تماميّة قيودها و مخصّصاتها، ف أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» بهذا العموم حكم إنشائيّ، و الّذي بقي بعد ورود المخصّصات عليه بلسان الكتاب و السّنّة هو
__________________________________________________
 (1) و ذلك في الصفحة: 30 من هذا الجزء.
 (2) المائدة: 1 ..


                        مناهج الوصول إلى علم الأصول، ج‏2، ص: 25
الحكم الفعليّ، و نجاسة بعض الطوائف المنتحلة للإسلام و كفرهم حكمان إنشائيّان في زماننا، و إذا بلغا وقت إجرائهما يصيران فعليّين.
و أمّا الفعليّة و الشأنيّة بما هو معروف- من أنّ الحكم بالنسبة إلى الجاهل و الغافل و الساهي و العاجز يكون شأنيّا، و بالنسبة إلى مقابليهم يصير فعليّا- فليس لهما وجه معقول، لأنّ الاشتراط الشرعيّ في بعضها غير معقول، مع عدم الدليل عليه في جميعها، و التصرّف العقليّ غير معقول، كما سيتّضح لك.
و بالجملة: إنّ الأحكام المضبوطة في الكتاب و السّنّة لا يعقل فيها غير هاتين المرتبتين، فقوله: لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... «1» إلخ لا يختلف بالنسبة إلى الجاهل و العالم، و لا معنى للفعليّة و الشأنيّة في هذا الحكم المجعول المنضبط، و كذا لا يعقل تغيير إرادة اللّه تعالى الصادع بالشرع، لامتناع تغيّرها، كما هو معلوم لدى أهله.
و أمّا الاقتضاء و التنجّز فليسا من مراتب الحكم: أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فلأنّه حكم عقليّ غير مربوط بمراتب الأحكام المجعولة، و معنى تنجّزه قطع عذر المكلّف في المخالفة، و عدمه كونه معذورا فيها، من غير تغيير و تبديل في الحكم و لا في الإرادة.
المقدمة الخامسة: أنّ الأحكام الكلّيّة القانونيّة تفترق عن الأحكام الجزئيّة من جهات، صار الخلط بينهما منشأ لاشتباهات:
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 97.


                        مناهج الوصول إلى علم الأصول، ج‏2، ص: 26
منها: حكمهم بعدم منجّزيّة العلم الإجماليّ إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء، بتوهّم أنّ الخطاب بالنسبة إليه مستهجن «1».
و قد ذكرنا في محلّه «2» أنّ الاستهجان ليس في الخطابات الكلّيّة المتوجّهة إلى عامّة المكلّفين، فراجع.
و منها: توهّم أنّ الخطاب لا يعقل أن يتوجّه إلى العاجز و الغافل و الساهي، ضرورة أنّ الخطاب للانبعاث، و لا يعقل انبعاث العاجز و مثله «3».
و هذا- أيضا- من موارد الخلط بين الحكم الكلّيّ و الجزئيّ، فإنّ الخطاب الشخصيّ إلى العاجز و مثله لغو ممتنع صدوره من الملتفت، و هذا بخلاف الخطابات الكلّيّة المتوجّهة إلى العناوين الكلّيّة، كالناس و المؤمنين، فإنّ مثل تلك الخطابات تصحّ من غير استهجان إذا كان فيهم من ينبعث عنها، و لا يلزم أن تكون باعثة أو ممكنة البعث بالنسبة إلى جميعها في رفع الاستهجان.
أ لا ترى أنّ الخطاب الشخصيّ إلى من كان عاصيا، أو الكلّيّ إلى عنوان العصاة، مستهجن غير ممكن الصدور من العاقل الملتفت، و لكنّ الخطاب العموميّ غير مستهجن بل واقع، لأنّ الضرورة قائمة على أنّ الخطابات و الأوامر الإلهيّة شاملة للعصاة، و أنّ [بناء] المحقّقين على أنّها شاملة
__________________________________________________
 (1) فرائد الأصول: 250- 251، الكفاية 2: 218، فوائد الأصول 4: 50- 51.
 (2) و ذلك في صفحة: 213- 218 من الجزء الثاني من أنوار الهداية.
 (3) فرائد الأصول: 308- سطر 23.


                        مناهج الوصول إلى علم الأصول، ج‏2، ص: 27
للكفّار أيضا، مع أنّ الخطاب الخصوصيّ إلى الكفّار المعلومي الطغيان من أقبح المستهجنات، بل غير ممكن لغرض الانبعاث، فلو كان حكم الخطاب العامّ كالجزئيّ فلا بدّ من الالتزام بتقييد الخطابات بغيرهم، و هو كما ترى.
و كذا الحال في الجاهل و الغافل و النائم و غيرهم ممّا لا يعقل تخصيصهم بالحكم، و لا يمكن توجُّه الخطاب الخصوصيّ إليهم، و إذا صحّ في مورد فليصحّ فيما هو مشترك معه في المناط، فيصحّ الخطاب العموميّ لعامّة الناس من غير تقييد بالقادر، فيعمّ جميعهم، و إن كان العاجز و الجاهل و الناسي و الغافل و أمثالهم معذورين في مخالفته، فمخالفة الحكم الفعليّ قد تكون لعذر كما ذكر، و قد لا تكون كذلك.
و السرّ فيما ذكرنا: هو أنّ الخطابات العامّة لا ينحلّ كلّ [منها] إلى خطابات بعدد نفوس المكلّفين، بحيث يكون لكلّ منهم خطاب متوجّه إليه بالخصوص، بل يكون الخطاب العموميّ خطابا واحدا يخاطب به العموم، و به يفترق عن الخطاب الخصوصيّ في كثير من الموارد.
هذا، مضافا إلى أنّ الإرادة التشريعيّة ليست إرادة إتيان المكلّف و انبعاثه نحو العمل، و إلاّ يلزم في الإرادة الإلهيّة عدم انفكاكها عنه و عدم إمكان العصيان، بل هي عبارة عن إرادة التقنين و الجعل على نحو العموم، و في مثله يراعى الصحّة بملاحظة الجعل العموميّ القانونيّ، و معلوم أنّه لا تتوقّف صحّته على صحّة الانبعاث بالنسبة إلى كلّ الأفراد، كما يظهر
                       

مناهج الوصول إلى علم الأصول، ج‏2، ص: 28
بالتأمُّل في القوانين العرفيّة.




                        معتمد الأصول، ج‏1، ص: 127
تحقيق في الجواب على مسلك الخطابات القانونيّة
و تنقيح الكلام في هذا المقام بحيث يظهر منه صحّة الاشتراط و لزومه أو عدمهما يتوقّف على رسم مقدّمات:
الاولى: أنّه ليس للحكم إلّا مرتبتان: مرتبة الإنشاء و مرتبة الفعلية، بل نقول: إنّهما ليستا مرتبتين للحكم بأن يكون كلّ حكم ثابتاً له هاتان المرتبتان، بل هما مقسمان لطبيعة الحكم بمعنى أنّ الأحكام على قسمين: أحدهما: الأحكام الإنشائية، و ثانيهما: الأحكام الفعلية، و المراد بالأُولى‏ هي الأحكام التي لم يكن فيها ما يقتضي إجراءها بعد جعلها بل اوحي إليها إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أودعها صلى الله عليه و آله و سلم إلى الأئمّة عليهم السلام حتّى يظهر قائمهم عليه السلام، فيجريها، كما أنّ المراد بالثانية هي القوانين و الأحكام التي قد اجريت بعد الوحي، و هي الأحكام‏

                        معتمد الأصول، ج‏1، ص: 128
المتداولة بين الناس التي أظهرها النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أو الأئمّة من بعده.
و الدليل على ما ذكرنا من أنّه ليس الفعلية و الإنشائية مرتبتين للحكم بأن يكون العالم مثلًا حكمه فعليّاً و الجاهل إنشائياً: أنّ المراد بالحكم الذي يجعلون له المرتبتين بل المراتب الأربع- كما في الكفاية «1»- إن كان هو العبارة المكتوبة في القرآن أو في كتب الحديث فمن الواضح البديهي أنّه لا يعرض له التغيير بتغيّر حالات المكلّف من حيث العلم و الجهل و القدرة و العجز و نظائرها، و إن كان المراد به هو حقيقة الحكم الراجعة إلى إرادة المبدأ الأعلى جلّ شأنه، فمن الواضح أيضاً أنّه لا يعرض لها التغيير باختلاف الحالات المذكورة؛ لامتناع عروض التغيّر له تعالى‏، كما لا يخفى‏.
الثانية: لا يذهب عليك ثبوت الفرق بين الخطاب بنحو العموم و بين الخطاب بنحو الخصوص في بعض الموارد، منها: مسألة الابتلاء، فإنّه يشترط في صحّة توجيه الخطاب الخاصّ و عدم استهجانه أن يكون المخاطب مبتلى بالواقعة المنهي عنها، كما أنّه يشترط في صحّة توجيه الخطاب الخاصّ المتضمّن للأمر أن لا يكون للمخاطب داعٍ إلى إتيان المأمور به مع قطع النظر عن تعلّق الأمر.
و السرّ في ذلك أنّ الأمر و النهي إنّما هو للبعث و الزجر، و يقبح زجر المكلّف عمّا يكون متروكاً؛ لعدم الابتلاء به، كما هو واضح، و هذا بخلاف الخطاب بنحو العموم، كما هو الشأن في جميع الخطابات الواردة في الشريعة، فإنّه لا يشترط في صحّته أن يكون كلّ واحد من المخاطبين مبتلى بالواقعة المنهيّ عنها؛ لعدم انحلال ذلك الخطاب إلى‏ خطابات عديدة حسب تعدّد المخاطبين حتّى يشترط
__________________________________________________
 (1)- كفاية الاصول: 321.

                        معتمد الأصول، ج‏1، ص: 129
فيه ذلك، بل يشترط فيه أن لا يكون جميعهم أو أكثرهم تاركين للمنهي عنه؛ لعدم الابتلاء، و أمّا لو كان بعضهم تاركاً له و لم يكن في البين ما يميّز كلّ واحد من الطائفتين عن الاخرى، فلا يضرّ بصحّة الخطاب بنحو العموم أصلًا، فما اشتهر بينهم من أنّه إذا خرج بعض أطراف العلم الإجمالي عن مورد الابتلاء، لم يجب الاجتناب من الآخر أيضاً ليس في محلّه، كما حقّقناه في موضعه «1»
. و الوجه في عدم الانحلال: أنّه لا إشكال في كون الكفّار و العصاة مكلّفين بالأحكام الشرعية مع أنّه لو قيل بالانحلال إلى‏ خطابات متكثّرة، يلزم عدم كونهم مكلّفين؛ لعدم صحّة توجيه الخطاب الخاصّ إليهم بعد عدم انبعاثهم إلى‏ فعل المأمور به، و عدم انزجارهم عن فعل المنهي عنه أصلًا، كما لا يخفى‏، فمن كونهم مكلّفين يستكشف أنّه لا يشترط في الخطاب بنحو العموم كون كلّ واحد من المخاطبين واجداً لشرائط صحّة توجيه الخطاب الخاصّ إليه.
و الدليل على عدم كون الخطابات الواردة في الشريعة مقيّدة بالعلم و القدرة، مضافاً إلى‏ ما نراه بالوجدان من عدم كونها مقيّدةً بنظائرهما: أنّها لو كانت مقيّدةً بالقدرة بحيث لم يكن العاجز مشمولًا لها و مكلّفاً بالتكاليف التي تتضمّنه تلك الخطابات يلزم فيما لو شكّ في القدرة و عدمها إجراء البراءة؛ لأنّ مرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في التكليف؛ لأنّ المفروض الشكّ في تحقّق قيده، و إجراء البراءة في موارد الشكّ في التكليف ممّا لا خلاف فيه بينهم مع أنّه يظهر منهم القول بالاحتياط في مورد الشكّ في القدرة كما يظهر بمراجعة فتاويهم.
و أيضاً لو كانت الخطابات مقيّدةً بالقدرة، يلزم جواز إخراج المكلّف نفسه عن عنوان القادر، فلا يشمله التكليف، كما يجوز للحاضر أن يسافر، فلا يشمله‏
__________________________________________________
 (1)- أنوار الهداية 2: 213 و ما بعدها.

                        معتمد الأصول، ج‏1، ص: 130
تكليف الحاضر، و كما يجوز للمكلّف أن يعمل عملًا يمنعه عن صدق عنوان المستطيع عليه، و غيرهما من الموارد، مع أنّ ظاهرهم عدم الجواز في المقام، و ليس ذلك كلّه إلّا لعدم اختصاص الخطاب بالقادرين، بل يعمّ الجميع غاية الأمر كون العاجز معذوراً في مخالفة التكليف المتعلّق به بحكم العقل.
و توهّم: أنّه كيف يمكن أن تتعلّق إرادة المولى بإتيان جميع الناس مطلوباته مع أنّ العقل يحكم بامتناع تعلّق الإرادة من الحكيم بإتيان العاجز.
مدفوع: بأنّه ليس في المقام إلّا الإرادة التشريعية، و معناها ليس إرادة المولى إتيان العبد، كيف و لازمه استحالة الانفكاك بالنسبة إلى اللَّه جلّ شأنه؛ لما قرّر في محلّه من عدم إمكان تخلّف مراده تعالى‏ عن إرادته، بل معنى الإرادة التشريعية ليست إلّا الإرادة المتعلّقة بجعل القوانين المتضمّنة للبعث و الزجر، فمتعلّق الإرادة إنّما هو بعث الناس إلى محبوبه و زجرهم عن مبغوضه، لا انبعاثهم و انزجارهم حتّى يستحيل الانفكاك.
و بالجملة، فلا يشترط في جعل القوانين العامّة إلّا كونها صالحةً لانبعاث النوع و انزجار لسببه كما يظهر بمراجعة العقلاء المقنّنين للقوانين العرفية، فتأمّل في المقام؛ فإنّه من مزالّ الأقدام.
الثالثة: قد عرفت أنّ كلّ واحد من الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ إنّما تعلّق بالطبيعة معراة عن جميع القيود، و ليس فيها لحاظ الأفراد و لا لحاظ الحالات التي يطرأ بعد تعلّق الأمر بها حتّى صار المولى بصدد بيان العلاج و دفع التزاحم بين الأمرين في حالة الاجتماع.
الرابعة: أنّه ليس للعقل التصرّف في أوامر المولى بتقييدها ببعض القيود، بل له أحكام توجب معذورية المكلّف بالنسبة إلى‏ مخالفة تكاليف المولى، فحكمه بقبح العقاب في صورة الجهل أو العجز لا يرجع إلى‏ تقييد الأحكام بصورة

                        معتمد الأصول، ج‏1، ص: 131
العلم و القدرة حتّى لا يكون الجاهل أو العاجز مكلّفاً، بل الظاهر ثبوت التكليف بالنسبة إلى‏ جميع الناس أعمّ من العالم و الجاهل و القادر و العاجز، غاية الأمر كون الجاهل و العاجز معذوراً في المخالفة بحكم العقل. نعم قد يكون حكم العقل كاشفاً عن بعض الأحكام الشرعية، فحكمه حينئذٍ طريق إليه، كما لا يخفى‏.
الخامسة: قد عرفت أنّ الخطابات الواردة في الشريعة إنّما تكون على نحو العموم، و لا يشترط فيها أن يكون كلّ واحد من المخاطبين قادراً على إتيان متعلّقها، بل يعمّ القادر و العاجز، و معذوريّة العاجز إنّما هو لحكم العقل بقبح عقابه على تقدير المخالفة، لا لعدم ثبوت التكليف في حقّه، و حينئذٍ فالعجز إمّا أن يكون متعلّقاً بالإتيان بمتعلّق التكليف الواحد، و حينئذٍ فلا إشكال في معذورية المكلّف في مخالفته، و إمّا أن يكون متعلّقاً بالجمع بين الإتيان بمتعلّق التكليفين أو أزيد بأن لا يكون عاجزاً عن الإتيان بمتعلّق هذا التكليف بخصوصه و لا يكون عاجزاً عن موافقة ذلك التكليف بخصوصه أيضاً، بل يكون عاجزاً عن الجمع بين موافقة التكليفين و متابعة الأمرين.

 

 



****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Monday - 19/2/2024 - 23:10

                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 214
موضوعاً حتّى يثبت له حكم، و يقال: إنّه بنفسه متهافت مع غيره، بل اخذ طريقاً إلى ملحوظه و مرآة إلى معلومه؛ فإذن يكون ملاك التهافت المفروض في الملحوظ بما هو ملحوظ، دون نفس اللحاظ.
و أمّا ثانياً: بعد ما كان مورد التهافت هو الملحوظ نقول: إنّا لا نتصوّر أن يكون شي‏ء أوجب ذلك التناقض؛ سوى تقييد الموضوع بما يأتي من قِبَل الأمر، فيرجع الكلام إلى أنّ لحاظ الشيئين المترتّبين في الوجود في رتبة واحدة موجب للتهافت في اللحاظ و التناقض في العلم، و قد عرفت تقريره من الوجوه السابقة و أجوبتها.
فيما استدلّ به للقائلين بامتناع الأخذ امتناعاً بالغير
و أمّا القول الثاني- أعني امتناع أخذه في المتعلّق امتناعاً بالغير- فقد استدلّ له بوجوه عليلة، نشير إلى مهمّاتها:
الأوّل: أنّ فعلية الحكم الكذائي تستلزم الدور؛ لأنّ فعلية الحكم تتوقّف على فعلية موضوعه- أي متعلّقات متعلّق التكليف- ضرورة أنّه ما لم تكن القبلة متحقّقة لا يمكن التكليف الفعلي باستقبالها، و فعلية الموضوع فيما نحن فيه تتوقّف على فعلية الحكم، فما لم يكن أمر فعلي لا يمكن قصده، فإذا كانت فعلية الحكم ممتنعة يصير التكليف ممتنعاً بالغير؛ ضرورة أنّ التكليف إنّما هو بلحاظ صيرورته فعلياً ليعمل به المكلّف «1».
و الجواب: أنّك قد عرفت أنّ إنشاء التكليف على الموضوع المقيّد لا يتوقّف إلّا على تصوّره، فإذا أنشأ التكليف كذلك يصير الموضوع في الآن المتأخّر فعلياً؛
__________________________________________________
 (1)- انظر نهاية الدراية 1: 326.

                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 215
لأنّ فعليته تتوقّف على الأمر الحاصل بنفس الإنشاء.
و بعبارة اخرى: أنّ فعلية التكليف متأخّرة عن الإنشاء رتبة، و في رتبة الإنشاء يتحقّق الموقوف عليه.
بل لنا أن نقول: إنّ فعلية التكليف لا تتوقّف على فعلية الموضوع؛ توقّف المعلول على علّته، بل لا بدّ في حال فعلية الحكم من فعلية الموضوع، و لو صار فعلياً بنفس فعلية الحكم؛ لأنّ الممتنع هو التكليف الفعلي بشي‏ء لم يكن متحقّقاً بالفعل، و أمّا التكليف الفعلي بشي‏ء يصير فعلياً بنفس فعلية الحكم لم يقم دليل على امتناعه، بل الضرورة قاضية بجوازه‏

 

 

                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 319
الجهة الثانية: في حكم الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه‏
نبحث فيها عن أنّ الواجب المشروط وجوبه فعلي قبل تحقّق شرطه أولا؟
و المشهور المنصور هو الثاني «1»، و توضيحه يتوقّف على تحقيق حقيقة الحكم:
لا إشكال في أنّ الآمر قبل إنشاء الحكم يتصوّر المبعوث إليه و يدرك فائدته و لزوم حصوله بيد المأمور، فيريد البعث إليه بعد تمامية مقدّماته.
إنّما الكلام في أنّ الحكم هل هو الإرادة أو الإرادة المظهرة أو البعث الناشئ منها؛ بحيث يكون الإرادة كسائر المقدّمات من مبادئ حصوله لا من مقوّماته؟
التحقيق: هو الأخير بشهادة العرف و العقلاء، أ لا ترى أنّ مجرّد صدور الأمر من المولى يكفي في انتقال العبيد إلى وجوب الإتيان، من غير أن يخطر ببالهم أنّ أمره ناشٍ من الإرادة أو أنّ هنا إرادة في نفسه و هو يحكي عنها؟ بل قد عرفت «2» أنّ البعث و الإغراء بأيّ آلة كانت فهو تمام الموضوع لحكم العقلاء بوجوب الامتثال.
و أمّا ما عن بعض محقّقي العصر: من كون الحكم عبارة عن الإرادة التشريعية التي يظهرها المريد بأحد مظهراتها «3» فهو خلاف التحقيق:
__________________________________________________
 (1)- الفصول الغروية: 80/ السطر 10، كفاية الاصول: 121.
 (2)- تقدّم في الصفحة 204- 205.
 (3)- بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 345، نهاية الأفكار 1: 302.

                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 320
أمّا أولًا: فلما عرفت من ارتكاز العبيد على الانتقال إلى الوجوب من الأوامر، بلا لحاظ الإرادة التي هذا اللفظ حاكٍ عنها.
و ثانياً: أنّ الوجوب و الإيجاب في عالم الاعتبار واحدان ذاتاً كالوجود و الإيجاد في وعاء التكوين و يختلفان اعتباراً، و لو صحّ انتزاع الوجوب عن الإرادة صحّ انتزاع الإلزام و الإيجاب عنها، مع أنّ الإرادة لا تسمّى إلزاماً و إيجاباً، بخلاف الإغراء و البعث لفظاً وحده.
فإن قلت: يرد هذا لو قال القائل بأنّ الحكم عبارة عن نفس الإرادة، و لكنّه قدس سره يقول بكونه عبارة عن الإرادة التشريعية التي يُظهرها المريد، فشَرَط مع نفس الإرادة وجود المُظهر.
قلت: نعم، لكن كون الحكم عبارة عن الإرادة المظهرة ينافي انتزاع الوجوب عن البعث المولوي مع الغفلة عن الإرادة.
و ثالثاً: أنّ الأحكام الوضعية قسيم التكليفية، مع أنّ الوضعيات لا تكون من قبيل الإرادات المظهرة؛ إذ الحكومة و القضاوة و الملكية و غيرها تنتزع من جعلها.
و لا يمكن أن يقال: إنّ هذه العناوين منتزعة عن الإرادة أو عن الإرادة المظهرة، كما أنّ حكم السلطان و القاضي عبارة عن نفس الإنشاء الصادر منه في مقام الحكومة و القضاء لا الإرادة المظهرة، بل لا يكفي في فصل الخصومة إظهار إرادته أو إفهام رأيه ما لم يتكلّم بلفظ نحو «حكمتُ» أو «أنفذتُ» أو ما يفيد الحكم بالحمل الشائع.
نعم، لو لم ينشأ البعث من الإرادة الجدّية لا ينتزع منه الوجوب و الإيجاب، و هو لا يوجب أن تكون الإرادة دخيلة في قوام الحكم أو تكون تمام حقيقته، و يكون الإظهار واسطة لانتزاع الحكم منها، بل أقصى ما يقتضيه أن يعدّ الإرادة من مبادئ الحكم، كما فرضناه.
                       

تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 321
إذا عرفت ذلك: يتّضح لك أنّ وجوب المشروط قبل تحقّق شرطه ليس فعلياً، كما هو ظاهر تعليق الهيئة، و إنشاء البعث على تقدير لا يمكن أن يكون بعثاً حقيقياً إلّا على ذلك التقدير؛ للزوم تخلّف المنشأ عن الإنشاء؛ إذ المفروض أنّ المنشأ إنّما هو الوجوب و الإيجاب على تقدير حصول شرطه، فلا معنى- حينئذٍ- للوجوب فعلًا مع عدم شرطه.
و نظيره باب الوصية؛ إذ إنشاء الملكية على تقدير الموت لا يفيد الملكية الفعلية، بل يؤثّر في الملكية بعد الموت.
هذا، و لو قلنا: إنّ الإرادة دخيلة في الحكم لا تكون دخالتها إلّا بنحو كونها منشأً للانتزاع، و أمّا كونها نفس الحكم ذاتاً فهو خلاف الضرورة، و عليه لا ينتزع من الإرادة المعلّقة على شي‏ء إلّا الوجوب على تقدير، لا الوجوب الفعلي.
فتلخّص: أنّ البعث على تقدير كالإرادة على تقدير لا يكون إيجاباً فعلياً، و لا منشأً له كذلك.
فإن قلت: إنّ الوجوب بما أنّه أمر اعتباري يصحّ التعليق فيه، و هذا بخلاف الإرادة؛ فإنّها من مراتب التكوين، و امتناع التعليق في التكوين ضروري. و قولك:
إنّ الإرادة هنا على تقدير يوهم ذلك.
قلت: إنّ المراد من الإرادة على تقدير ليس معناه عدم الإرادة فعلًا و لا التعليق في نفس الإرادة، بل المراد إرادة إيجاب شي‏ء من المأمور على تقدير، فالإرادة التشريعية هنا فعلية، لكن تعلّق بإيجاب شي‏ء على تقدير، و لذلك لا ينتزع منه الوجوب الفعلي، بل الوجوب على تقدير، و هو يساوق الإنشائية.
و بالجملة: تعلّقت إرادة فعلية بالبعث على تقدير، ففي مثله لا ينتزع الوجوب الفعلي، ففرق بين التقدير في الإرادة أو في إنشاء البعث بها.


                        تهذيب الأصول، ج‏1، ص: 322
و ليعلم: أنّ قولنا بأنّ الإرادة التشريعية هنا فعلية و تعلّق مع فعليتها بإيجاب شي‏ء على تقديرٍ، لا ينافي مع ما اخترناه؛ من أنّ الإرادة و الحكم في الواجب المشروط غير فعلي؛ خلافاً لبعض محقّقي العصر.
وجه عدم المنافاة: هو أنّ المراد من فعلية الإرادة هو الإرادة التشريعية المتعلّقة بإنشائها و تشريعها، فهي فعلية قطعاً، و ما هو غير فعلي إنّما هي الإرادة المتعلّقة بإيجاده في الخارج فعلًا؛ و لو قبل حصول شرطه أو البعث الفعلي إليه كذلك.

 

                        تهذيب الأصول، ج‏3، ص: 217
افي الاضطرار إلى بعض الأطراف المعيّن‏
منها: أنّه لو كان الاضطرار إلى بعض الأطراف معيّناً قبل تعلّق التكليف أو بعده و قبل العلم به، فلا إشكال في عدم وجوب الاجتناب عن الآخر؛ سواء كان الاضطرار عقلياً أو عادياً:
أمّا على مسلك المشهور: من أنّ الأعذار العقلية أو الشرعية يوجب سقوط الأحكام عن الفعلية فواضح؛ لأنّ العلم بتكليف دائر أمره بين كونه إنشائياً لو صادف مورد الاضطرار، و فعلياً لو كان في الطرف الآخر لا يوجب علماً بالتكليف الفعلي على أيّ تقدير، فلا معنى للتنجيز.
و أمّا على المختار في باب الأعذار من بقاء الأحكام على فعلياتها- كان المكلّف عاجزاً أو قادراً، مختاراً كان أو مضطرّاً، من دون أن يكون الاضطرار موجباً لتحديد التكليف و تقييد فعليته، غاية الأمر يكون المكلّف معذوراً في ترك الواجب أو ارتكاب الحرام، و لأجل ذلك قلنا بلزوم الاحتياط عند الشكّ في القدرة، إلى أن يقف على عذر مسلّم- فيمكن القول بلزوم الاجتناب عن الطرف الآخر؛ لحصول العلم بالتكليف الفعلي بعد الاضطرار، و المفروض عدم ارتفاعه بحدوث الاضطرار.
فلو كان الخمر في ذاك الطرف غير المضطرّ إليه لزم الاجتناب عنه قطعاً.
فارتكاب عامّة الأطراف مخالفة عملية بلا عذر للتكليف على فرض وجوده في ذاك الطرف، فيجب الاجتناب عنه مقدّمة.

                        تهذيب الأصول، ج‏3، ص: 218
و إن شئت نزّلت المقام بما لو علم العبد بالتكليف الفعلي و شكّ في قدرته، و قد تقدّم أنّه ليس معذوراً في ذلك، بل لا بدّ من العلم بالعذر، و ليس له الاكتفاء بالشكّ مع العلم بالتكليف الفعلي.
و مثله المقام؛ فإنّ العلم الإجمالي قد تعلّق بالتكليف الفعلي، و المكلّف شاكّ في كونه مضطرّاً إلى الإتيان بمتعلّق التكليف، فيكون من قبيل الشكّ في القدرة، فيجب له الاحتياط، من غير فرق في ذلك بين العلم التفصيلي و الإجمالي.
و لكن الإنصاف: وضوح الفرق بين المقامين؛ فإنّ التكليف هناك قطعي و الشكّ في وجود العذر، و أمّا المقام فالتكليف و إن كان محقّقاً إلّا أنّ العذر مقطوع الوجود.
توضيحه: أنّ المكلّف بعد ما وقف على التكليف الفعلي- أي غير المقيّد بالقدرة- يجب له الاحتياط و ترك المساهلة حتّى يجيب أمر المولى بامتثال قطعي أو عذر كذلك. فلو أجاب أمر المولى بالشكّ في القدرة فقد أجابه بما يشكّ كونه عذراً عند العقل و العقلاء. و هذا بخلاف المقام؛ فإنّ العذر- و هو الاضطرار- حاصل في المقام قطعاً.
و ما أسمعناك من أنّ الاضطرار عذر في الطرف المضطرّ إليه دون الطرف الآخر، و أنّ مرجع ذلك إلى الشكّ في العذرية؛ لأنّ التكليف لو كان في الطرف المضطرّ إليه فهو عذر قطعاً، و لو كان في الطرف الآخر فهو غير معذور قطعاً. فالشكّ في أنّ الحرام في أيّ الطرفين يلازم الشكّ في وجود العذر في ذلك الطرف.
مدفوع بما عرفت في صدر المسألة من أنّ الميزان في تنجيز العلم الإجمالي أن يتعلّق العلم بشي‏ء لو تعلّق به العلم التفصيلي لتنجّز عليه التكليف، فلو تعلّق العلم الإجمالي على أمر مردّد بين الإنشائي و الفعلي فلا يكون منجّزاً.


                        تهذيب الأصول، ج‏3، ص: 219
و أمّا المقام فمتعلّق العلم و إن كان حكماً فعلياً إلّا أنّ مجرّد كونه فعلياً لا يثمر، بل لا بدّ أن يتعلّق بحكم فعلي صالح للاحتجاج مطلقاً عند العقلاء.
و هذا القيد مفقود في المقام؛ حيث إنّه لم يتعلّق بما هو صالح له مطلقاً؛ بحيث لو ارتفع الإجمال لتنجّز التكليف، بل هو صالح للاحتجاج على وجه، و غير صالح على وجه آخر. و مرجعه إلى عدم العلم بالصالح مطلقاً، و معه لا يوجب تنجيزاً أصلًا.
و إن شئت قلت: فرق واضح بين الشكّ في القدرة أو الاضطرار مع العلم بالتكليف، و بين العلم بالعجز أو الاضطرار مع الشكّ في انطباقه على مورد التكليف أو غيره؛ فإنّ العلم بالعجز و الاضطرار يكون عذراً وجدانياً، فلم يتعلّق علم العبد بتكليف فعلي لا يكون معذوراً فيه، و لكن الشكّ في العجز لا يكون عذراً عند العقلاء مع فعلية التكليف، و هذا هو الفارق بين البابين.

 

 






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Monday - 19/2/2024 - 23:14

الخلل فی الصلاه، ص 153-155

كيفية شرطية الوقت وحكم الصلاة الواقعة خارج الوقت ولا بدّ من تقديم مقدّمة: و هي أنّ‌ دخول الوقت يحتمل أن يكون شرطاً لوجوب الصلاة، فيكون وجوبها مشروطاً بمجيء الوقت كسائر الوجوبات المشروطة، ويحتمل أن تكون الصلاة الواجبة معلّقة على دخول الوقت، فتكون من قبيل الواجبات المعلّقة، فيكون الوجوب فعلياً متعلّقاً بأمر استقبالي هي الصلاة في الوقت، ويحتمل أن يكون الوجوب مطلقاً و الوقت شرطاً للمأمور به، كالطهارة و الستر للصلاة. فعلى الأوّلين: لو وقعت الصلاة خارج الوقت بطلت بحسب القواعد؛ عمداً كان أو سهواً ونسياناً ونحوهما، ولا يمكن تصحيحها بحديث الرفع ،  كالتصحيح به بالنسبة إلى شروطها كالطهارة و القبلة، على ما مرّ الكلام فيه ، فإنّ‌ الصلاة قبل الوقت ليست مأموراً بها، فلا مجرى لحديث الرفع فيها قبل الوقت، ولا لقاعدة الإجزاء. وعلى الثالث: يكون حاله كحال سائر الشروط و الأجزاء التي قلنا بجريان الحديث فيها ، وصيرورة الواجب الصلاة ما عدا الجزء أو الشرط المنسيّين. هذا بحسب الاحتمال. ولا إشكال بحسب الإثبات في عدم كون الوقت من قبيل شروط الواجب، وظاهر الآية الكريمة أَقِمِ‌ الصَّلاٰةَ‌ لِدُلُوكِ‌ الشَّمْسِ‌... إلى آخره أحد الاحتمالين الأوّلين، والأرجح منهما هو الأوّل، فإنّ‌ الأظهر أن يكون قوله: لِدُلُوكِ‌ الشَّمْسِ‌ متعلّقاً بالطلب، فيكون الحاصل: تجب الصلاة عند دلوكها، فيكون الوجوب مشروطاً؛ لا بالصلاة حتّى يكون الوجوب معلّقاً، و أمّا كونها بصدد بيان الشرطية، لا الحكم التكليفي، فخلاف الظاهر بعد كون الأمر متعلّقاً بالصلاة أو متعلّقاتها. هذا بالنسبة إلى أوّل الزوال، و أمّا منه إلى آخر الوقت فسيأتي الكلام فيه . و أمّا الروايات فيظهر من كثير منها: أنّ‌ الصلاة بالإضافة إلى وقتها من قبيل الواجب المشروط، مع أنّ‌ عدم وجوبها قبل الوقت واضح لدى المتشرّعة، وكيف كان، لا إشكال في عدم جريان حديث الرفع بالنسبة إلى الوقت؛ من غير فرق بين ما قبل الوقت وما بعده، ولا بين وقوع بعضها خارج الوقت ووقوع كلّها. هذا بحسب القواعد الأوّلية.

 















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است


نظریه قضایای حقیقیه-کلام محقق نائینی-ایجاد شده توسط: حسن خ



****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Friday - 1/3/2024 - 22:52

مجموعه مصنفات آقا علی مدرس، ج 1، ص 149

كلمّا صحّ على الفرد صحّ على الطبيعة و لا عكس اذ وجود الفرد مرتبة من مراتب تحقق الطبيعة فكلّما اتصّف به الفرد اتّصف به الطبيعة و لو كان فى مرتبة متأخّرة من مرتبة ذاتها و فى نشأة من نشأت وجودها مثل الجزئية العارضة لها من حيث وجودها بوجود فرد ما و يجوز للطبيعة صفات اخرى هى من خواص نشأتها الاخرى مثل الكليّة العارضة لها فى العقل و كلمّا امتنع على الطّبيعة امتنع على افرادها و لا عكس، اذ ما امتنع على الطبيعة لا يجوز ان يصحّ عليها بسبب شرط او فى خصوص نشأة من مراتب اطلاق الطبيعة و امّا ما امتنع على الفرد فيجوز ان يكون امتناعه من اجل خصوصية الفرد او من جهة خصوص نشأة من نشآت الطبيعة و هى وجودها فى الخارج، فافهم ذلك و لا تلتفت الى ما قيل او يقال.





عالم اقتضاء و انشاء-ایجاد شده توسط: حسن خ