بسم الله الرحمن الرحیم

مراتب حکم شرعی
فعلیت حکم




    فعلیت حکم؛ فاعلیت حکم

آقا ضیاء عراقی و شروح کلام ایشان

                                                بدائع الافكار في الأصول، ص: 338
 (ثم انه) بعد ما اتضح امتناع تعلق الوجوب الغيري بشروط الوجوب النفسي (ينبغي) أن نبين كيفية تعلق الارادة بالواجب على تقدير اعني به الواجب المشروط (فنقول) هل الارادة تتعلق بالمراد على تقدير خاص عند حصول ذلك التقدير و تحققه فى الخارج بنحو لا يكون ذلك الفعل مرادا قبل تحقق ذلك التقدير او ان الارادة تتعلق به فعلا و لكن على تقدير حصول امر خاص و الفرق بين هذا النحو من الواجب المشروط و المعلق هو ان الوجوب المطلق يتعلق بامر خاص في الواجب المعلق و الوجوب الخاص اعني به الوجوب على تقدير يتعلق بامر مطلق و هذا هو المختار عندنا في الواجب المشروط و ان كان المشهور هو الاول و تحقيق المقام يتوقف‏
                       

بدائع الافكار في الأصول، ص: 339
على تنقيح الكلام فى مرحلة الثبوت ثم في مرحلة الاثبات (اما في مرحلة الثبوت) فيحتاج الى تمهيد مقدمات (الاولى) قد اشرنا الى ان حقيقة الحكم هي الارادة التشريعية التي يظهرها المريد باحد مظهراتها من القول او الفعل و لا يخفى ان الحكم بهذا المعنى لا يعقل ان يتحقق في الخارج بسبب مصلحة كامنة فيه بل لا بد ان يكون الداعي الى ايجاده هي المصلحة التي يشتمل عليها متعلقه و كذلك ايضا مبادي الحكم المزبور من التصور و الرغبة و العزم فانها لا يعقل ان تنشأ فى النفس بسبب مصلحة نفسها بل لا بد ان يكون الداعي الى انشائها في النفس حيث تكون اختيارية شيئا آخر و الشاهد على ذلك هو الوجدان و البرهان اعني لزوم الترجيح بلا مرجح اذا تعلقت بشي‏ء دون آخر مع انها قد نشأت عن مصلحة في نفسها و تفصيل الكلام موكول الى فنه (الثانية) قد تقدم ان قيود متعلق الحكم على نحوين (احدهما) ما يوجب بوجوده فى الخارج تحقق المصلحة في متعلق الحكم (و ثانيهما) ما تتوقف على وجوده فى الخارج فعلية تلك المصلحة و ترتبها على متعلق الحكم حين الاتيان به كالطهارة بالنسبة الى الصلاة و قد تقدم ايضا ان النحو الاول لا يعقل ان تتعلق به الارادة الغيرية و لا شي‏ء من مباديها دون النحو الثاني.
 «الثالثة» قد عرفت ان تحقق المصلحة في متعلق الحكم متوقف على تحقق شرطها و هو شرط الوجوب في الخارج و اما تحقق الارادة التشريعية فهو يتوقف على تصور ذلك الشرط و ملاحظته بما هو عليه من التأثير بحدوث المصلحة فى متعلق الحكم فاذا التفت العاقل الى فعل ما فاما أن يجده ذا مصلحة مطلقا أو على تقدير دون تقدير «فعلي الاول» يكون تصوره لذلك الفعل كذلك و اعتقاده بكونه ذا مصلحة مطلقا موجبا لهيجان شوقه اليه حتى يصير ذلك الشوق ارادة اما تكوينية تحرك المريد على فعل متعلقها و اما تشريعية تبعث صاحبها على انشاء طلب متعلقها* و على الثاني* فاما ان يجد ذلك التقدير حاصلا فى الخارج اولا* و على الأول* يكون حاله حال القسم الأول فى فعلية الارادة تكوينية كانت ام تشريعية إذ كون الفعل ذا مصلحة و ان كان مشروطا بامر خاص و على تقدير دون تقدير إلا أن العاقل لما التفت اليه وجد التقدير المزبور حاصلا فى الخارج و وجد الفعل ذا مصلحة بالفعل لحصول شرطه كما هو الفرض* و على الثاني* اعني به كون‏
                       

بدائع الافكار في الأصول، ص: 340
الملتفت الى التقدير الخاص يجده غير حاصل في الخارج فلا محالة يريد ذلك الفعل على تقدير حصول الشرط المتوقف على حصوله فى الخارج اتصاف ذلك الفعل بالمصلحة و هذه الاقسام كلها و ان اشتركت في فعلية الارادة في نفس الملتفت المزبور إلا ان الارادة في القسمين الاخيرين لها ارتباط ذاتي بالتقدير المزبور سواء كان المريد قد وجد ذلك التقدير حاصلا فى الخارج حينما التفت اليه أم لم يجده و لهذا لا يخرج الواجب المشروط عن كونه واجبا مشروطا حين تحقق شرط الوجوب في الخارج سواء كانت الارادة متعلقة بالفعل المراد بنحو القضية الحقيقية أم بنحو القضية الخارجية.
* اذا عرفت ذلك* فاعلم ان من له الامر اذا التفت الى كون فعل غيره ذا مصلحة على تقدير خاص لا مطلقا اراده منه على ذلك التقدير فان لم يجد مانعا من اظهار ارادته المذكورة اظهرها بما يجده مظهرا لها من قول او فعل كان يقول افعل كذا ان كان كذا او يقول اريد منك أن تفعل كذا اذا تحقق كذا أو يشير الى هذا المعنى ببعض حركاته فاذا اظهر ارادته التشريعية بهذا النحو من الاظهار اعتبر العرف هذا الاظهار حكما و طلبا و قالوا حكم الشارع مثلا على كذا بكذا او طلب الشارع هذا الفعل و نحو ذلك من التعبير بالعناوين المنتزعة عن اظهار الآمر لارادته بالنحو المزبور و هذا هو الحكم الفعلي الذي يشترك فيه العالم و الجاهل لأن جميع ما يمكن ان يصدر و يتأتى من الآمر قد حصل منه بشوقه و ارادته و اظهاره لارادته المتعلقة بالفعل الذي علم باشتماله على المصلحة اما مطلقا او على تقدير دون تقدير فالوجوب مثلا سواء كان مطلقا ام مشروطا اذا انشأه المولى بالنحو المزبور صار حكما فعليا علم به المكلف أم لم يعلم حصل شرطه فيما لو كان مشروطا أم لم يحصل و لا يعقل ان يكون للحكم بالمعنى الذي قررناه نحو ان من الوجود و ان كان مشروطا ليكون الحكم المشروط حكما انشائيا قبل تحقق شرطه و حكما فعليا بعد تحقق شرطه.
* فان قلت* انا نرى بالوجدان فرقا بين الوجوب المطلق و الوجوب المشروط فان الوجوب المطلق اذا علم به المكلف المنقاد لامر مولاه شرع بامتثاله من دون انتظار شي‏ء لانه يرى ان التكليف قد تم في حقه من ناحية مولاه بخلاف ما لو علم‏
                       

بدائع الافكار في الأصول، ص: 341
ان الوجوب معلق على وجود شي‏ء لم يوجد بعد فانه لا يسعى لامتثال هذا التكليف بنحو من السعي لانه يرى نفسه قبل تحقق شرط الوجوب غير مكلف بشي‏ء ليهتم و يسعى بامتثاله و بهذا النحو من الفرق بين الحكمين صار أحدهما حكما فعليا و الآخر حكما انشائيا* قلت* ليس ما نجده من الفرق بين الوجوبين ناشئا من كون أحدهما فعليا و الآخر انشائيا بل كل منهما بعد تحققه من الامر فعلي إلا انهما لما اختلفا بالسنخ و الحقيقة اختلفت آثارهما فان الوجوب المطلق لما كانت حقيقته ارادة الفعل من المكلف على كل تقدير كان من آثاره انبعاث المكلف المنقاد اذا علم به نحو الفعل بلا انتظار شى‏ء و اما الوجوب المشروط فانه لما كانت حقيقته ارادة الفعل من المكلف على تقدير خاص لا على كل تقدير كان من آثاره انه اذا علم به المكلف قبل تحقق التقدير المعلق عليه و ان كان منقادا لا ينبعث نحو الفعل بل ينتظر حصول الشرط المعلق عليه ذلك الوجوب الذي باعتباره صار نوعا مباينا لنوع الوجوب المطلق فكلا هذين النوعين من الوجوب مشترك في الفعلية عند تحققهما من المولى و لكن تختلف آثارهما لاختلاف حقيقتيهما و فعلية الوجوب لا تستلزم الانبعاث ليستدل بعدمه على عدمها فكثيرا ما يكون الوجوب فعليا و لا يحصل به انبعاث المكلف نحو الواجب كما في صورة الجهل به او في صورة العلم به مع تمرد المكلف و ما ذاك إلا لكون الحكم الفعلي مقتضيا للمحركية و مع العلم به يكون علة تامة لها فالمحركية من آثاره و اثر الشي‏ء لا يعقل ان يكون مقوما له في مرتبة اقتضائه لتأخر الأثر رتبة عن مقتضيه فلا يعقل ان يكون الحكم الفعلي متقوما بالتحريك و الانبعاث على وفقه لتأخرهما رتبة عن مقام وجوده و ان ابيت الا عن كون فعلية الحكم تواما مع باعثيته و محركيته نقول ان الحكم في الواجب المشروط قبل حصول المعلق عليه فى الخارج و ان لم يكن محركا نحو العمل من جهة ايجاد نفسه و لكن يكون محركا نحوه من ناحية ايجاد مقدماته.
* لا يقال* ان من يقول برجوع الشرط الى الهيئة يرى ان تحقق ارادة الواجب في نفس المولى معلق على تحقق الشرط فى الخارج و متوقف عليه فقبل حصول الشرط لا ارادة و لا وجوب و بعد حصول الشرط يتحقق كل منهما بخلاف الواجب المعلق عند من يقول به فان الوجوب فيه مطلق و الواجب مقيد بعكس‏
                       

بدائع الافكار في الأصول، ص: 342
الواجب المشروط فيما اشرتم اليه فان الوجوب فيه مقيد و الواجب مطلق (لانا نقول) القول بتوقف تحقق الارادة فى نفس المريد على حصول الشرط خارجا خلاف الوجدان فانا نجد فى انفسنا ارادة العمل الذي يكون فيه مصلحة لنا على تقدير خاص و ان لم يكن ذلك التقدير متحققا بالفعل و ما افيد من رجوع القيد الى الهيئة و ان كان حقا لا محيص عنه إلا انه لا يقتضي عدم تحقق الارادة قبل تحقق القيد فى الخارج بل تتحقق الارادة بالفعل منوطة بالقيد فتكون نتيجة الهيئة بعد رجوع القيد اليها الارادة الفعلية المنوطة فى قبال الواجب المعلق الذي تكون الارادة المطلقة فيه معلقة بالفعل المقيد و لا يخفى ان هذا التوجيه مبني على كون الشرط لحاظ المعلق عليه و هو و ان كان خلاف الظاهر و لكن عرفت ان الارادة تتحقق بمجرد لحاظ المتعلق بقيوده الدخيلة فى كونه ذا مصلحة فلا بد من رفع اليد عن ظهور كون المعلق عليه بوجوده الخارجي دخيلا او يحمل مفاد الهيئة على الحكم بمرتبة فاعليته اعني مرتبة محركيته الى ايجاد نفس الفعل.

 

تعليقه أقا ضياء عراقی بر فوائد الاصول

- الأمر السادس-
قد تقدم منا أيضا في مبحث الأوامر: أن شرائط الجعل غير شرائط المجعول [1] فان شرائط المجعول- على ما عرفت- عبارة عن موضوعات التكاليف‏
__________________________________________________
 [1] أقول: ما أفيد في الفرق إنما يتم في الأحكام الوضعية التي قوام حقيقتها بالجعل و أن الجعل واسطة في ثبوتها، و أما الأحكام التكليفية التي روحها إرادة المولى المبرزة بإنشاء أو إخبار فهي آبية عن مرحلة الجعلية الاعتبارية، لما تقدم سابقا بأن لب الإرادة و إبرازها ليس من الجعليات، بل أحدهما من مقولة الكيف و الآخر من مقولة الفعل، و هما خارجا عن عالم الاعتبارات الجعلية، و لم يبق في البين إلا مقام البعث و التحريك و الإلزام،
                        فوائد الاصول، ج‏4، ص: 390
و الوضعيات، كالعاقل البالغ المستطيع الذي أخذ موضوعا لوجوب الحج، و كالعقد المركب من الإيجاب و القبول الذي جعل موضوعا للملكية و الزوجية.
و أما شرائط الجعل: فهي عبارة عن الدواعي و الملاكات النفس الأمرية
__________________________________________________
و هذه اعتبارات منتزعة عن مقام إبراز الإرادة الخارجية غير مربوط بعالم الجعل.
نعم: لا بأس بدعوى الجعل بمعنى التكوين و الإيجاد، و لو بلحاظ إيجاد المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة، و هذا المقدار غير مرتبط بعالم الجعلية التي عبارة عن إيقاع نفس المعنى بقصد ثبوتها بإنشائها اللفظي أو الفعلي، كما هو الشأن في الأحكام الوضعية، و حينئذ فكل ما هو يدعوه على إرادته مطلقا أو منوطا هو الداعي على إبراز إرادته، من دون فرق فيها بين دواعي الجعل و المجعول، كما لا يخفى، فتأمل في أطراف ما ذكرناه ترى أيضا بطلان إناطة لب الإرادة و إبرازها على وجود موضوع خطابه خارجا، بل في ظرف لحاظ الموضوع خارجيا يكون إرادته فعليا، ففرض وجود الموضوع في التكليفيات لا يوجب فرض وجود الإرادة و لا فرض إبرازه.
نعم: مرتبة محركيته و فاعليته خارجا ينوط بوجود الموضوع خارجا، و هذه المرتبة مرتبة تأثير الخطاب بوجوده لا مرتبة نفس الخطاب بمضمونه، و لذا نقول: بأنه ينوط بالعلم بالخطاب أيضا مع حفظ مضمون الخطاب في ظرف الجهل جزما، و حينئذ كيف يمكن دعوى فرضية مضمون الخطاب الحاكي عن لب الإرادة بفرضية موضوعه، كما هو الشأن في القضايا الحقيقية، فتدبر.
ثم إن مرتبة المحركية لما كان ناشئا عن مقام انطباق المراد مع المأتي به خارجا، فهذا الانطباق تابع كيفية دخل فرض وجوده في إرادته تبعا لدخله في الاحتياج إلى مرامه، فتارة: يكون الشي‏ء بوجوده السابق أو المقارن دخيلا في الاحتياج إليه، و أخرى: بوجوده لاحقا و في موطنه كان دخيلا في الاحتياج إلى الشي‏ء فعلا، نظير دخل مجي‏ء الضيف في يوم الجمعة في الاحتياج إلى شراء اللحم في يوم الخميس، و في هذه الصورة ربما يختلف مقام محركية الخطاب من حيث إناطته بوجود الشي‏ء فعلا أم متأخرا.
و توهم: أن كل ما هو دخيل في الحكم فلا بد من الأخذ في موضوعه و حينئذ يستحيل مجي‏ء الحكم بلا موضوع و كلما يرى من هذا القبيل لا بد من إرجاعه إلى التعقب، مدفوع بأنه على فرض التسليم لهذه الكلية نقول: بعد ما كان الموضوع للإرادة الفعلية هو فرض وجوده و لو في موطنه فهذا المعنى لا قصور فيه بالنسبة إلى الوجودات المتأخرة، و إنما الكلام في مقام محركيته، ففي هذا المقام بعد ما كانت المحركية من لوازم تطبيقه من البديهي أن تطبيق كل موضوع يكفيه أخذه و لو لاحقا، كما هو ظاهر، فتدبر في المقام، فانه من مزال الأقدام من حيث رميهم الشرائط المتأخرة إلى بداهة البطلان، مع أنهم لا يأتون فيه إلا رعدا و برقا!!.

 

                        مقالات الأصول، ج‏1، ص: 314
و بالجملة نقول إن ملخص الكلام في كلية المرام حرصا لتوضيح المرام:
إن شأن الخطابات ليس إلا مجرد إبراز الاشتياق توطئة لدعوة المأمور و انبعاثه في طرف تطبيق المأمور هذا الخطاب على مورده و حينئذ من الواضح ان ما هو لازم من وجود الموضوع و قيوده خارجا إنما هو في طرف تطبيق المأمور الذي هو أيضا طرف محركية خطابه و بعثه الذي هو من آثار الخطاب و أما في نفس الخطاب فلا يحتاج إلى إحراز شي‏ء من الموضوع بنفسه أو بقيده و إنما المحتاج إليه في هذا المقام ليس إلا لحاظ الموضوع بنفسه أو بقيده، و فرض وجوده خارجا
                        مقالات الأصول، ج‏1، ص: 315
بقيوده المشتاق إليه فعلا و يريدها بمرتبة منها الموجب له إبراز اشتياقه.
و حينئذ فمرتبة محركية الخطاب للعبيد أجنبية عن مدلول الخطاب بل هو من شئون التطبيق المتأخر عن الخطاب رتبة و لذا نقول بأن لفعلية الخطاب مقام غير مقام فاعليته و انما مرحلة الفاعلية المساوق لتأثير الخطاب في حركة العبد منوط بتطبيق العبد إياه على المورد الذي هو في رتبة متأخرة عن مضمون الخطاب و يستحيل بلوغ نفس الخطاب إلى هذه المرتبة لاستحالة شموله مرتبة متأخرة عن نفسه.

 

                        مقالات الأصول، ج‏2، ص: 400
هذا و لكن لا يخفى ان هذا الإشكال مبني على المذهب المشهور من ان مرجع التعليقات الشرعية إلى مجرد جعل الملازمة بين [وجود] الشي‏ء و وجود الملزوم خارجا كما هو الشأن في التعليقات غير الشرعية من الأوصاف و اللوازم المنوطة بوجود موصوفاتها خارجا، بحيث قبل وجود الموصوفات في الخارج لا يكون في البين حقيقة الملزوم أصلا بل ليس إلا مجرد الأمر الاعتباري العقلي المعبر عنه بالملازمة بين الوجودين، كما اشرنا إليها في طي التقرير على طبق المشهور، و إلا فبناء على التحقيق في تعليقات الأحكام من رجوعها إلى جعل حقيقة الحكم منوطا بوجود [شروطه‏] في فرضه و لحاظه، كما هو الشأن في مثل تلك الصفات الوجدانية من الإرادة و الكراهة، فلا بأس بدعوى كونها بمثل هذا النحو من الوجود موضوع الأثر العملي و مناط حكم العقل بوجوب الامتثال عند تحقق المنوط به في الخارج من دون حصول تغيير في الحكم المزبور بوجود ما أنيط به في الخارج أبدا بل الحكم المزبور بنحو كان حاصلا و متحققا قبل تحقق الشرط في الخارج.
و لذا نقول بعدم انقلاب الواجب المشروط عن كونه كذلك حين حصول الشرط، نعم إنما يترتب على وجود شرطه حكم العقل بوجوب امتثاله و هذا معنى إناطة فاعليته و محركيته بوجود شرطه بلا تغيير في عالم فعليته. فتمام موضوع حكم العقل بترتب الأعمال هو هذا الحكم العقلي المنوط، غاية الأمر لا مطلقا بل [بشرط] فعلية شرطه خارجا.

 

                        نهاية الأفكار، ج‏1، ص: 225
الذي هو رفع عطشه بشربه إياه حيث انه في مثل هذا الفرق لا يكون مجرد الإتيان بالماء و إحضاره عند المولى علة لحصول غرضه الذي هو رفع عطشه بل كان لاختيار المولى و إرادته إياه للشرب أيضا دخل في تحققه لكونه هو الجزء الأخير من العلة لحصول غرضه الذي هو رفع عطشه، ففي مثله حيثما كان الإرادة المتعلقة بإيجاد الماء بحسب اللب إرادة غيرية و تكون الإرادة النفسية لبا هي المتعلقة بحيث رفع العطش، فلا جرم يبتنى جواز الإتيان بالمأمور به ثانيا و عدم جوازه على القولين في باب مقدمة الواجب: بان الواجب هل هو مطلق المقدمة و لو لم توصل أو ان الواجب هو خصوص الموصلة منها؟ فعلى القول بوجوب مطلق المقدمة يكون حال هذا الفرض حال الفرض السابق من علية الإتيان بالمأمور به لسقوط الأمر و حصول الغرض، فكما انه في ذلك الفرض بإتيان المأمور به يسقط الأمر و التكليف و لا يجب على المكلف بل لا يجوز عليه الإتيان به ثانيا بعنوان امتثال الأمر بالطبيعة، كذلك في هذا الفرض فبإتيان المأمور به في هذا الفرض أيضا يسقط الأمر به فلا يجوز له الإتيان به ثانيا بعنوان امتثال الأمر الأول فضلا عن وجوبه. و اما على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة لا مطلقها فلازمه هو جواز الإتيان بالمأمور به ثانيا بعنوان امتثال الأمر بالطبيعة مع عدم اختيار المولى إياه، إذ ما دام عدم اختيار المولى للمأتي به الأول حيثما كان الغرض الداعي على الأمر بعد بحاله كان الأمر بالإيجاد و الإتيان أيضا على حاله من الفعلية، غايته ان ليس له الفاعلية و المحركية بعد الإتيان بالمأمور به أولا بملاحظة صلاحية المأتي به للوفاء بالغرض لا انه يسقط رأسا بمجرد الإتيان بالمأمور به، و نتيجة ذلك التفكيك بين فعلية الأمر و فاعليته هو جواز الإتيان بالمأمور به ثانيا ما دام بقاء المأتي به الأول على صلاحيته للوفاء بغرض المولى و وجوب الإتيان به في فرض خروجه عن القابلية المسطورة- كما في المثال من فرض إراقة الماء المأتي به لغرض الشرب قبل اختيار المولى إياه- إذ حينئذ ربما يجب على العبد و المأمور مع علمه بذلك الإتيان بفرد آخر من الطبيعي المأمور به كما لا يخفى، و نتيجة ذلك في فرض تعدد الإتيان بالمأمور به هو وقوع الامتثال بخصوص ما اختاره المولى منهما لا بهما معا و صيرورة الفرد الآخر غير المختار لغوا محضا لا انه يتحقق به الامتثال أيضا كي يكون قضية الإتيان بالمأمور به متعددا من باب الامتثال عقيب الامتثال، فعلى ذلك فما وقع في كلماتهم من التعبير عن المأتي به ثانيا بكونه من الامتثال بعد الامتثال لا يخلو عن تسامح واضح كما هو واضح، لأنه على كل‏
                        نهاية الأفكار، ج‏1، ص: 226
تقدير لا يكاد يكون قضية الإتيان بثاني الوجود حقيقة من باب الامتثال بعد الامتثال.

 

 

                        نهاية الأفكار، ج‏2، ص: 343
إذ نقول:- مضافا بالنقض باجزاء المركبات الارتباطية و المشروطات بالشرط المتأخر المعلوم فيها أيضا عدم وجوب الإتيان ثانيا بالجزء المأتي به من المركب ما دام على صلاحيته للانضمام ببقية الاجزاء مع معلومية عدم سقوط الأمر عنه الا بعد لحوق الجزء الأخير من المركب بلحاظ توأمية الأوامر الضمنية المتعلقة بالاجزاء ثبوتا و سقوطا- ان عدم وجوب الإتيان بالجزء المأتي به هناك و بالمقدمة في المقام انما هو من جهة سقوط الأمر حينئذ عن المحركية و الفاعلية لا من جهة سقوطه بالمرة، فحيث انه لم يكن قصور في طرف المأتي به أوجب إتيانه سقوط امره عن الفاعلية و المحركية نحو الإتيان ثانيا و ثالثا و لكن الأمر و التكليف لقصور فيه قد بقي على فعليته إلى حين لحوق بقية الاجزاء في المركبات و تحقق بقية المقدمات في المقام، و من ذلك لو فرض خروج المأتي به عن القابلية بالمرة يجب الإتيان به ثانيا بنفس التكليف الأول، و ليس ذلك إلا من جهة بقاء التكليف به بعد ذلك على فعليته و كون الساقط مع الإتيان هو مرتبة محركيته لا مرتبة فعليته، و لا تنافي أيضا بين فعلية الأمر و التكليف و عدم فاعليته حيث أمكن التفكيك بينهما و من ذلك أيضا فككنا نحن بين فعلية التكليف و فاعليته فيما تصورناه من الواجب المشروط، و عليه فلا مجال للكشف عن وجوب المقدمة على الإطلاق بمحض سقوط الأمر بها عن المحركية و الفاعلية بإتيان ذات المقدمة.

 

                        نهاية الأفكار، ج‏3، ص: 417
قبال الجزء الفاسد و هو الذي لا يلزم من انضمام الاجزاء و الشرائط إليه وجود الكل و هذا المعنى مما يقطع باتصاف الاجزاء السابقة به و لو مع القطع بعدم ضم بقية الاجزاء و الشرائط الباقية فضلا عن الشك في ذلك (و كذا) الكلام في الصحة بمعنى الموفقة للأمر، حيث ان موافقة الاجزاء السابقة للأمر المتعلق بها متيقنة سواء فسد العمل أم لا (و فيه) ان ما أفيد من الإشكال الأول على استصحاب الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية انما يتم إذا كان الأثر المترتب عليها دفعي الحصول و التحقق عند تحقق جزء الأخير من المركب (و اما إذا كان) الأثر مما يتدرج حصوله شيئا فشيئا من قبل الاجزاء بحيث يكون كل جزء مؤثرا في تحقق مرتبة منه إلى ان يتم اجزاء المركب فيتحقق تلك المرتبة من الأثر الخاص المترتب على المجموع، فلا قصور في استصحاب صحة العبادة، فانها بهذا المعنى مما تم فيه أركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق، حيث انه بإتيان جزء الأول من المركب تتحقق الصحة و يتصف الجزء المأتي به المؤثرية الفعلية و بوقوع مشكوك المانعية في الأثناء يشك في بقاء الصحة و انقطاعها فتجري فيها الاستصحاب كسائر الأمور التدريجية (و منه) يظهر الحال بناء على تفسيرها بموافقة الأمر، حيث انه يمكن المصير إلى جريان استصحاب الصحة فيها، من دون فرق بين القول بإمكان المعلق و الالتزام بفعلية التكليف المتعلق بالجزء الأخير من المركب في ظرف الإتيان بالجزء الأول منه بالتفكيك بين فعلية التكليف المتعلق بالاجزاء و فاعليته، و بين القول بعدم إمكانه و المصير إلى تدريجية فعلية التكليف المتعلق باجزاء المركب بجعل فعلية التكليف بكل جزء في ظرف فاعليته الذي هو ظرف الفراغ عن الإتيان بالجزء السابق عليه (و هذا) على الأول ظاهر، فانه بإتيان جزء الأول من المركب يتحقق الموافقة الفعلية للأمر و بعد إيجاد مشكوك المانعية أو ترك مشكوك الشرطية في الأثناء يشك في بقاء الموافقة فيستصحب (و كذلك الأمر) على الثاني، فانه بتبع تدريجية فعلية التكليف المتعلق بالاجزاء يتدرج الموافقة أيضا فيجري فيها الاستصحاب (و اما توهم) عدم شرعية المستصحب حينئذ لكونه امرا عقليا (يدفعه) كونه مما امر رفعه و وضعه بيد الشارع و لو بتوسيط منشئه الذي هو امره و تكليفه، إذ لا نعنى من شرعية الأثر الا ما كان امر رفعه و وضعه بيد
                       

 

                        نهاية الأفكار، ج‏3، ص: 417
قبال الجزء الفاسد و هو الذي لا يلزم من انضمام الاجزاء و الشرائط إليه وجود الكل و هذا المعنى مما يقطع باتصاف الاجزاء السابقة به و لو مع القطع بعدم ضم بقية الاجزاء و الشرائط الباقية فضلا عن الشك في ذلك (و كذا) الكلام في الصحة بمعنى الموفقة للأمر، حيث ان موافقة الاجزاء السابقة للأمر المتعلق بها متيقنة سواء فسد العمل أم لا (و فيه) ان ما أفيد من الإشكال الأول على استصحاب الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية انما يتم إذا كان الأثر المترتب عليها دفعي الحصول و التحقق عند تحقق جزء الأخير من المركب (و اما إذا كان) الأثر مما يتدرج حصوله شيئا فشيئا من قبل الاجزاء بحيث يكون كل جزء مؤثرا في تحقق مرتبة منه إلى ان يتم اجزاء المركب فيتحقق تلك المرتبة من الأثر الخاص المترتب على المجموع، فلا قصور في استصحاب صحة العبادة، فانها بهذا المعنى مما تم فيه أركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق، حيث انه بإتيان جزء الأول من المركب تتحقق الصحة و يتصف الجزء المأتي به المؤثرية الفعلية و بوقوع مشكوك المانعية في الأثناء يشك في بقاء الصحة و انقطاعها فتجري فيها الاستصحاب كسائر الأمور التدريجية (و منه) يظهر الحال بناء على تفسيرها بموافقة الأمر، حيث انه يمكن المصير إلى جريان استصحاب الصحة فيها، من دون فرق بين القول بإمكان المعلق و الالتزام بفعلية التكليف المتعلق بالجزء الأخير من المركب في ظرف الإتيان بالجزء الأول منه بالتفكيك بين فعلية التكليف المتعلق بالاجزاء و فاعليته، و بين القول بعدم إمكانه و المصير إلى تدريجية فعلية التكليف المتعلق باجزاء المركب بجعل فعلية التكليف بكل جزء في ظرف فاعليته الذي هو ظرف الفراغ عن الإتيان بالجزء السابق عليه (و هذا) على الأول ظاهر، فانه بإتيان جزء الأول من المركب يتحقق الموافقة الفعلية للأمر و بعد إيجاد مشكوك المانعية أو ترك مشكوك الشرطية في الأثناء يشك في بقاء الموافقة فيستصحب (و كذلك الأمر) على الثاني، فانه بتبع تدريجية فعلية التكليف المتعلق بالاجزاء يتدرج الموافقة أيضا فيجري فيها الاستصحاب (و اما توهم) عدم شرعية المستصحب حينئذ لكونه امرا عقليا (يدفعه) كونه مما امر رفعه و وضعه بيد الشارع و لو بتوسيط منشئه الذي هو امره و تكليفه، إذ لا نعنى من شرعية الأثر الا ما كان امر رفعه و وضعه بيد
                      

 

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول، ج‏2، ص: 472
 ثم (1) ان من شئون كون‏
__________________________________________________
 (1) بقى الكلام فى ثمرة الفرق بين المختار و المشهور فى الواجب المشروط و تختلف على المسالك المسلك الاول و هو المختار من فعلية الوجوب قال المحقق‏
                       

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول، ج‏2، ص: 473
المحركية (1) من شئون تطبيق العبيد كبراه على مورده ان العبد بمحض علمه بحصول الشرط فى موطنه (2) يقطع باحتياج حفظ مرام مولاه بحفظ مقدماته‏
__________________________________________________
الماتن فى البدائع ص 349 تظهر ثمرة الفرق بين المختار و المشهور فى الواجب المشروط فى المقدمات المفوتة و هى المقدمات التى اذا لم يفعلها المكلف قبل تحقق شرط التكليف لا يمكنه فعلها بعد تحققه فانها على المختار تجب وجوبا غيريا تعيينيا اذ منشأ وجوبها الغيرى و هو الوجوب النفس المشروط متحقق بالفعل على الفرض و بما انه لا بدل لها بعد تحقق الشرط فيتعين الاتيان بها قبله كما هو شان الواجب التخييرى اذا انحصر وجوده فى بعض مصاديقه و افراده و كذلك تجب المقدمات الغير المفوتة تخييرا لاقتضاء فعلية الوجوب ذلك ايضا و قال فى ص 366 قد ظهر مما تقدم ان مقدمات وجود الواجب تكون على الملازمة واجبة بالفعل و ان كان الواجب المتوقف عليها مشروطا او معلقا و لم يحصل شرطه او قيده لان الوجوب النفسى على المختار دائما متحقق و ان لم يتحقق موضوعه او شرطه و ح يكون وجوب المقدمات المفوتة او حرمة تفويتها على طبق القاعدة و لا نحتاج فى اثباته الى دليل آخر غايته ان وجوب المقدمات غير المفوتة فى الواجب المشروط و المعلق قبل حصول شرطه او قيده يكون تخييريا و فى المفوتة يكون تعيينا و عليه لا اشكال فيما ورد من وجوب مقدمات بعض الواجبات المشروطة قبل تحقق شرطه و لو ورد من الشارع المقدس خطاب غيرى بفعل بعض مقدمات الواجب المشروط قبل تحقق شرطه امكن استكشاف كون تلك المقدمة من المقدمات المفوتة بدليل الإن كما انه يحتمل كونها من غير المفوتة فوجوبها الغيرى لا محاله يكون تخييريا و انما عين الشارع الاتيان بها قبل حصول شرط الواجب النفس لمصلحة نفسية فى تقديمها هذا كله على المختار الخ من الالتزام فى جميع الواجبات المشروطة بفعلية الطلب فيها قبل حصول شرطها غايته انه ينفك فيها كما ذكرنا بين الفعلية و بين الفاعلية فيجعل فاعلية الطلب فى ظرف حصول المنوط به فى الخارج الذى هو ظرف اتصاف الذات بالمصلحة.
 (1) اى فاعلية الخطاب انما يكون عند تطبيق العبد.

 

 

                        نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول، ج‏2، ص: 522
المعلق الراجع الى فعلية الايجاب و الارادة بمحض ابراز المولى هذا النحو من الاشتياق لعبده متعلقا بامر استقبالى المستلزم لتحريك العبد عند تطبيقه نحو مقدماته المفوتة من قبل فعلية ارادة مولاه من جهة ابراز ارادته كما هو الشأن فى المشروطات الموقتات قبل وقتها (1) و بعد مثل هذه البيانات لا يبقى لك مجال حوصة و صيحة فى انكار الواجب المعلق (2) قبال المطلق و المشروط نعم انما المجال لانكاره (3) و للالتزام باناطة الوجوب فى المشروطات بوجود الشرط
__________________________________________________
 (1) فتشترك الثلاثة على مختار المحقق الماتن و هو الصحيح فى فعلية الارادة و التكليف قبل حصول الشرط و الوقت لكون فاعلية الارادة و محركيتها يمكن ان تتاخر عن وجودها و فعليتها فان الارادة فى مرحلة الانشاء فعلية لانها تتعلق بالصورة الذهنية و ليس وجودها منوطا بوجود موضوعها فى الخارج كما انها وجود ليست منوطة بوجود موضوعها فى الخارج كما انها وجود ليست منوطة بوجود متعلقها و إلا يلزم طلب الحاصل كما هو واضح.

 

 

                        نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول، ج‏3، ص: 130
الناقص حفظ سائر الجهات في طرف انسداد الباب الملازم لوجود الضد كيف يقتضي الطلب التام طرد هذا المقتضي اذ نتيجة طرده منع انسداد تلك الجهة و في ظرفه لا اقتضاء للطلب الناقص فاين المطاردة و لو من طرف واحد فضلا عن الطرفين و بعد ما اتضح ذلك (1) نقول ان اللازم بحكم العقل رفع اليد عن ظهور الامر في التمامية اذ هو المتيقن في البين سواء قلنا باشتراط الامر بعصيان ام لا فيبقى جهة ظهور الطلب في عدم اناطته بشي‏ء تحت الإطلاق و لازمه عدم طولية الطلب بالضدين بل كل منهما مطلوب في عرض مطلوبية الآخر غاية الأمر مع تساوى المصلحتين كل واحد منهما ناقص قاصر عن اقتضاء سد باب جميع الاعدام و مع أهمية المصلحة في احد الطرفين كان الطلب في الاهم تاما و في المهم ناقصا بلا لزوم الالتزام بشرطية العصيان في امر المهم او شرطية غيره كي يوجب ذلك طولية الامرين كما يفصح عن مثله عنوان الترتب في كلماتهم فتدبر في المقام فانه من مزال الأقدام.
__________________________________________________
 (1) و ملخص ذلك انه اذا دار الامر بين رفع اليد عن احدهما من رأس او عن ظهوره في التمامية فالقدر المتيقن من ارتكاب خلاف الظاهر هو ارتكاب الثاني فان كانت المصلحتان متساويتين فلكل منهما ارادة ناقصة و ان كان لاحدهما مزية فلذى المزية ارادة تامة و الآخر ارادة ناقصة من دون لزوم ترتب و طولية بين الامرين بان يكون مشروطا بعصيان الآخر هذا و ذكر استادنا الآملي في المجمع ج 1 ص 350 و لتتميم البيان نقول بمقالة تكون كالصلح بين منكرى الترتب و مثبتيه و هو ان الفعلية تنفك عن الفاعلية في الخطابات أ لا ترى ان الخطاب بالنسبة إلى الناسي و النائم فعلى و لا يكون له فاعلية و الفعلية تارة
                        نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول، ج‏3، ص: 131
تكون مشروطة بشروط و اخرى لا تكون كذلك فان الواجب المشروط على التحقيق وجوبه فعلى و في المقام يكون المهم كالواجب المشروط بالعصيان او الترك و الاهم يكون وجوبه مطلقا ففي ظرف العصيان الاهم كلاهما فعليان لان التكليف لا يسقط بالعصيان عن الفعلية و المراد بالعصيان هو البناء على ان يكون تاركا للاهم مع وحدة زمان المهم و الاهم و عدم القدرة على الاجتماع لا مضي زمان الاهم لئلا يبقى زمان لامتثال المهم ايضا. و لكن ليس للاهم ح فاعلية و في ظرف اتيان المهم يكون للاهم فعلية و امكان داعويته الى متعلقة بحاله و الامتناع يكون بالغير و هو العصيان فلو لا عصيان اتيان الاهم لا مانع من داعويته و خطاب المهم ايضا يكون في ظرف عصيان الاهم و هو حاصل فعلا و لا يكون الامتناع بالغير بالنسبة إليه و المحرك حاصل‏

                

 

        الأصول(تقریرات نجم آبادی)، ج‏1، ص: 16
و يليه- إن شاء الله تعالى- المجلد الثاني (و هو الكتاب الخامس من آثاره رحمه الله) و يتضمن تقريرات درس استاذه العراقي رحمه الله في مباحث القطع، و الظن، و البراءة.

 

 

                        الأصول، ج‏2، ص: 702
ثم إن هنا إشكالا مشهورا لا بأس بالإشارة إليه، و هو: أنه ما الوجه في لزوم تحصيل الأحكام و العلم بها بالنسبة إلى الواجبات المشروطة و الموقتة، فإنها قبل زمان تحقق شروطها و وقتها لا [يوجد] تكليف، حتى يجب تحصيل العلم بها من باب المقدمة أو غيرها، و بعد تحقق الشروط و الوقت، المفروض عدم قدرته على الامتثال للجهل؟
فنقول: أما على مسلكنا في باب الواجب المشروط من أن الطلب فيه فعلي، إلا أن الفرق بينه و بين المطلق هو أن الطلب و الإرادة فيه منوطة بخلاف المطلق، ففيه الإرادة الفعلية ليست منوطة بشي‏ء، فحينئذ؛ لما كان متعلق الطلب‏
__________________________________________________
 (1) و الأقرب من هذين الاحتمالين هو الثاني، لأنه لا ريب في أن المكلف لو تفحص بمقدار الواجب و لم يظفر بطريق على التكليف، أو ظفر بطريق ناف له، يحكم العقل بأن الواقع غير منجز عليه من أول الأمر؛ لا أن صار لذلك من الآن، أي بعد الفحص، فهذا شاهد على أن الموجب لحكم العقل بوجوب الفحص هو احتمال وجود الطريق على التكليف، لا كون نفس الشك بيانا، و لو سلمنا بقاء الترديد فلا إشكال في أن القدر المتيقن [هو] الاحتمال الأول؛ «منه رحمه الله».
                       

الأصول، ج‏2، ص: 703
نفس الصور الذهنية، ففي الواجبات المشروطة لما يرى الآمر الشرط موجودا فيطلب، بمعنى أنه في ظرف تحقق الشرط في الذهن يأمر، فالطلب من غير ناحية الشرط مطلق، و الإرادة فعلية، نعم محركيته و فاعليته موقوفة على تحقق الشرط في الخارج، فهنا أحد المقامات التي يفكك بين الجهتين في الطلب، فإذا صارت الواجبات المشروطة و كذلك الموقتة مطلقة من غير جهة الشروط و الأوقات، فكما لا يجوز في غيرها من الواجبات المطلقة تفويت مقدماتها بالاختيار، فهكذا فيها لا يجوز تفويت المقدمات التي منها العلم بها، بحيث لو تسامح في تحصيله فعند حصول الشرط و الوقت، عدم قدرته على الامتثال مستند إلى اختيار المكلف.
و بالجملة؛ فعلى هذا المبنى لما لا فرق بين الواجب المشروط و المعلق، إلا أن في الأول الطلب منوط على أمر خارج، بخلاف الثاني، فيجب تحصيل المقدمات فيها التي منها العلم بالأحكام، فعلى هذا المسلك لا يبقى للإشكال صورة.

 

 

میرزا هاشم آملی

                         مجمع الأفكار و مطرح الأنظار، ج‏1، ص: 350
و لتتميم البيان نقول بمقالة تكون كالصلح بين منكري الترتب و مثبتيه و هو ان الفعلية تنفك عن الفاعلية في الخطابات. أ لا ترى ان الخطاب بالنسبة إلى الناسي و النائم فعلى و لا يكون له فاعلية و الفعلية تارة تكون مشروطة بشرط و أخرى لا تكون كذلك فان الواجب المشروط على التحقيق وجوبه فعلى و في المقام يكون المهم كالواجب المشروط بالعصيان أو الترك و الأهم يكون وجوبه مطلقا ففي ظرف عصيان الأهم كلاهما فعليان لأن التكليف لا يسقط بالعصيان عن الفعلية و المراد بالعصيان هو البناء على ان يكون تاركا للأهم مع وحدة زمان المهم و الأهم و عدم القدرة على الاجتماع لا مضى زمان الأهم لئلا يبقى زمان لامتثال المهم أيضا.        

 

 

**************

شهید صدر و شروح  کلام ایشان

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 207.
حالات ارتفاع القدرة:
ثم إن القدرة التي هي شرط في الإدانة و في التكليف، قد تكون موجودة حين توجه التكليف، ثم تزول بعد ذلك. و زوالها يرجع الى احد اسباب:
الأول: العصيان، فإن الانسان قد يعصي و يؤخر الصلاة حتى لا يبقى من الوقت ما يتاح له ان يصلي فيه.
الثاني: التعجيز، و ذلك بأن يعجز المكلف نفسه عن أداء الواجب،
                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 208
بأن يكلفه المولى بالوضوء، و الماء موجود أمامه، فيريقه و يصبح عاجزا.
الثالث: العجز الطارئ لسبب خارج عن اختيار المكلف.
و واضح ان الإدانة ثابتة في حالات السببين الأول و الثاني، لأن القدرة حدوثا على الامتثال كافية لإدخال التكليف في دائرة حق الطاعة، و اما في الحالة الثالثة فالمكلف اذا فوجئ بالسبب المعجز، فلا إدانة. و اذا كان عالما، بأنه سيطرأ، أو تماهل في الامتثال حتى طرأ، فهو مدان أيضا.
و على ضوء ما تقدم يقال عادة: ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا، أي انه لا ينفي القدرة بالقدر المعتبر شرطا في الإدانة و العقاب. و يراد بالاضطرار بسوء الاختيار ما نشأ عن العصيان أو التعجيز.
و أما التكليف فقد يقال انه يسقط بطرو العجز مطلقا، سواء كان هذا العجز منافيا للعقاب و الإدانة أو لا، لانه على أي حال تكليف بغير المقدور و هو مستحيل. و من هنا يكون العجز الناشئ من العصيان و التعجيز مسقطا للتكليف، و ان كان لا يسقط العقاب. و على هذا الاساس يردف ما تقدم من أن الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا، بقولهم: انه ينافيه خطابا، و مقصودهم بذلك سقوط التكليف.
و الصحيح انهم إن قصدوا بسقوط التكليف سقوط فاعليته و محركيته، فهذا واضح، إذ لا يعقل محركيته مع العجز الفعلي، و لو كان هذا العجز ناشئا من العصيان. و إن قصدوا سقوط فعليته، فيرد عليهم:
ان الوجوب المجعول انما يرتفع إذا كان مشروطا بالقدرة ما دام ثابتا، فحيث لا قدرة بقاء لا وجوب كذلك. و اما إذا كان مشروطا بالقدرة

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 209
بالقدر الذي يحقق الإدانة و المسئولية، فهذا حاصل بنفس حدوث القدرة في أول الأمر، فلا يكون الوجوب في بقائه منوطا ببقائها.
و البرهان على اشتراط القدرة في التكليف لا يقتضي اكثر من ذلك، و هو ان التكليف قد جعل بداعي التحريك المولوي، و لا تحريك مولوي إلا مع الإدانة، و لا إدانة إلا مع القدرة حدوثا، فما هو شرط التكليف إذن بموجب هذا البرهان هو القدرة حدوثا.
و من هنا صح أن يقال ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي اطلاق الخطاب و الوجوب المجعول أيضا، تبعا لعدم منافاته للعقاب و الإدانة.
نعم لا اثر عمليا لهذا الاطلاق، إذ سواء قلنا به أو لا، فروح التكليف محفوظة على كل حال، و فاعليته ساقطة على كل حال، و الإدانة مسجلة على المكلف عقلا بلا إشكال.

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 211
شرطية القدرة بالمعنى الأعم‏
تقدم ان الفعل يحكم بتقيد التكليف و اشتراطه بالقدرة على متعلقه، لاستحالة التحريك المولوي نحو غير المقدور، و لكن هل يكفي هذا المقدار من التقييد أو لا بد من تعميقه؟
و من أجل الجواب على هذا السؤال نلاحظ ان المكلف إذا كان قادرا على الصلاة تكوينا، و لكنه مأمور فعلا بانقاذ غريق تفوت بانقاذه الصلاة، للتضاد بين عمليتي الانقاذ و الصلاة و عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما، فهل يمكن أن يؤمر هذا المكلف بالصلاة و الحالة هذه، فيجتمع عليه تكليفان بكلا الفعلين؟
و الجواب بالنفي، لأن المكلف و إن كان قادرا على الصلاة فعلا قدرة تكوينية، و لكنه غير قادر على الجمع بينها و بين انقاذ الغريق، فلا يمكن ان يكلف بالجمع.
و لا فرق في استحالة تكليفه بالجمع بين أن يكون ذلك بايجاب واحد، أو بايجابين يستدعيان بمجموعهما الجمع بين الضدين، و على هذا فلا يمكن أن يؤمر بالصلاة من هو مكلف فعلا بالانقاذ في هذا المثال،
                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 212
و ان كان قادرا عليها تكوينا. و ذلك يعني وجود قيد آخر للامر بالصلاة- و لكل أمر- إضافة الى القدرة التكوينية، و هو أن لا يكون مبتلى بالأمر بالضد فعلا. فالقيد إذن مجموع أمرين: القدرة التكوينية، و عدم الابتلاء بالأمر بالضد. و هذا ما نسميه بالقدرة التكوينية بالمعنى الأعم، و لا إشكال في ذلك.
و انما الاشكال في معنى عدم الابتلاء الذي يتعين عقلا أخذه شرطا في التكليف، فهل هو بمعنى أن لا يكون مأمورا بالضد، أو بمعنى أن لا يكون مشغولا بامتثال الأمر بالضد؟ و الأول يعني ان كل مكلف بأحد الضدين لا يكون مأمورا بضده، سواء كان بصدد امتثال ذلك التكليف أولا. و الثاني يعني سقوط الأمر بالصلاة عمن كلف بالانقاذ، لكن لا بمجرد التكليف بل باشتغاله بامتثاله، فمع بنائه على العصيان و عدم الانقاذ يتوجه اليه الأمر بالصلاة، و هذا ما يسمى بثبوت الأمرين بالضدين على نحو الترتب.
و قد ذهب صاحب الكفاية- رحمه الله- «1» إلى الأول مدعيا استحالة الوجه الثاني، لانه يستلزم في حالة كون المكلف بصدد عصيان التكليف بالانقاذ ان يكون كلا التكليفين فعليا بالنسبة اليه، اما التكليف بالانقاذ فواضح، لان مجرد كونه بصدد عصيانه لا يعني سقوطه، و أما الأمر بالصلاة فلأن قيده محقق بكلا جزئيه، لتوفر القدرة التكوينية، و عدم الابتلاء بالضد بالمعنى الذي يفترضه الوجه الثاني، و فعلية الأمر بالضدين معا مستحيلة، فلا بد إذن من الالتزام بالوجه‏
__________________________________________________
 (1) كفاية الاصول: ج 1 ص 213.
                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 213
الأول، فيكون التكليف بأحد الضدين بنفس ثبوته نافيا للتكليف بالضد الآخر.
و ذهب المحقق النائيني- رحمه الله- «1» الى الثاني، و هذا هو الصحيح.
و توضيحه ضمن النقاط الثلاث التالية:
النقطة الاولى: ان الأمرين بالضدين ليسا متضادين بلحاظ عالم المبادئ، إذ لا محذور في افتراض مصلحة ملزمة في كل منها و شوق اكيد لهما معا، و لا بلحاظ عالم الجعل، كما هو واضح، و انما ينشأ التضاد بينهما بلحاظ التنافي و التزاحم بينهما في عالم الامتثال، لأن كلا منهما بقدر ما يحرك نحو امتثال نفسه يبعد عن امتثال الآخر.
النقطة الثانية: ان وجوب أحد الضدين إذا كان مقيدا بعدم امتثال التكليف بالضد الآخر، أو بالبناء على عصيانه، فهو وجوب مشروط على هذا النحو. و يستحيل أن يكون هذا الوجوب المشروط منافيا في فاعليته و محركيته للتكليف بالضد الآخر، إذ يمتنع ان يستند اليه عدم امتثال التكليف بالضد الآخر، لأن هذا العدم مقدمة وجوب بالنسبة اليه، و كل وجوب مشروط بمقدمة وجوبية لا يمكن ان يكون محركا نحوها و داعيا إليها، كما تقدم مبرهنا في الحلقة السابقة «2». و إذا امتنع استناد عدم امتثال التكليف بالضد الآخر الى هذا الوجوب المشروط، تبرهن ان هذا الوجوب لا يصلح للمانعية و المزاحمة في عالم التحريك و الامتثال.
النقطة الثالثة: ان التكليف بالضد الآخر إما أن يكون مشروطا بدوره أيضا بعدم امتثال هذا الوجوب المشروط، و إما أن يكون مطلقا
__________________________________________________
 (1) فوائد الاصول ج 2: ص 336.
 (2) راجع: ج 1. ص 338.
                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 214
من هذه الناحية. فعلى الأول يستحيل أن يكون منافيا للوجوب المشروط في مقام التحريك بنفس البيان السابق. و على الثاني يستحيل ذلك أيضا، لأن التكليف بالضد الآخر مع فرض اطلاقه و إن كان يبعد عن امتثال الوجوب المشروط، و يصلح ان يستند اليه عدم وقوع الواجب بذلك الوجوب المشروط، و لكنه إنما يبعد عن امتثال الوجوب المشروط بتقريب المكلف نحو امتثال نفسه الذي يساوق إفناء شرط الوجوب المشروط و نفي موضوعه، و هذا يعني انه يقتضي نفي امتثال الوجوب المشروط بنفي اصل الوجوب المشروط و اعدام شرطه، لا نفيه مع حفظ الوجوب المشروط و حفظ شرطه، و الوجوب المشروط إنما يأبى عن نفي امتثال نفسه مع حفظ ذاته و شرطه، و لا يأبى عن نفي ذلك بنفي ذاته و شرطه رأسا، إذ يستحيل أن يكون حافظا لشرطه، و مقتضيا لوجوده.
و بهذا يتبرهن ان الأمرين بالضدين، إذا كان احدهما على الاقل مشروطا بعدم امتثال الآخر، كفى ذلك في إمكان ثبوتهما معا بدون تناف بينهما.
و هكذا نعرف ان العقل يحكم بأن كل وجوب مشروط- إضافة الى القدرة التكوينية- بعدم الابتلاء بالتكليف بالضد الآخر، بمعنى عدم الاشتغال بامتثاله، و لكن لا أي تكليف آخر، بل التكليف الذي لا يقل في ملاكه أهمية عن ذلك الوجوب- سواء ساواه، أو كان أهم منه- و أما اذا كان التكليف الآخر أقل أهمية من ناحية الملاك، فلا يكون الاشتغال بامتثاله مبررا شرعا لرفع اليد عن الوجوب الأهم، بل يكون الوجوب الأهم مطلقا من هذه الناحية، كما تفرضه أهميته.

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 340
تحديد مفاد البراءة:
و بعد أن اتضح إن البراءة تجري عند الشك، لوجود الدليل عليها و عدم المانع، يجب أن نعرف ان الضابط في جريانها أن يكون الشك في التكليف، لأن هذا هو موضوع دليل البراءة. و أما إذا كان التكليف معلوما و الشك في الامتثال فلا تجري البراءة و انما تجري أصالة الاشتغال، لأن الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. و هذا واضح على مسلكنا المتقدم القائل بأن الامتثال و العصيان ليسا من مسقطات التكليف بل من أسباب انتهاء فاعليته، إذ على هذا المسلك لا يكون الشك في الامتثال شكا في فعلية التكليف، فلا موضوع لدليل البراءة بوجه.
و اما إذا قيل: بأن الامتثال من مسقطات التكليف، فالشك فيه شك في التكليف لا محالة؛ و من هنا قد يتوهم تحقق موضوع البراءة و إطلاق ادلتها لمثل ذلك، و لا بد للتخلص من ذلك إما من دعوى انصراف أدلة البراءة الى الشك الناشئ من غير ناحية الامتثال، أو التمسك بأصل موضوعي حاكم، و هو استصحاب عدم الامتثال

 

                       

بحوث في علم الأصول، ج‏2، ص: 205
الجواب الرابع- الاستناد إلى ما ذكره المحقق العراقي (قده) في الواجب المشروط من ان وجود الوجوب فعلي قبل الشرط إلا ان الموجود بهذا الوجود تقديري، و الشرط في نظره هو الوجود اللحاظي و التقديري الثابت فعلا بنفس لحاظ المولى و تقديره، و عليه فلا بأس بترشح الوجوب منه إلى المقدمات المفوتة.
و يرد عليه: ان الوجوب الغيري أيضا لا بد و ان يكون مشروطا بطلوع الفجر، لأن الوجوب النفسي الموجود ليس فعليا. و بعبارة أخرى: قبل تحقق الشرط الوجوب كوجود و ان كان فعليا إلا ان فاعليته و تأثيره منوطة بتحقق شرطه المقدر عليه الوجوب بمعنى الموجود، و إيجاب المقدمة يكون من شئون فاعلية الوجوب لا فعليته بهذا المعنى.
فهذا الجواب لا ينفع في المقام.

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 172
و لا يكفي لدفع هذا النقض دعوى محكومية البراءة في موارد الشك في الامتثال دائما لاستصحاب عدم الإتيان أو استصحاب بقاء الحكم، لوضوح ان المنع عن البراءة فيها لعدم المقتضي لا لوجود الحاكم و لهذا لا خلاف في عدم جريانها حتى عند من يخالف في حجية الاستصحاب.
و الجواب على هذا النقض اما بناء على ما هو الصحيح من ان التكليف لا تسقط فعليته بالعصيان و الامتثال و انما تسقط فاعليته فالامر واضح فانه لا شك في فعلية التكليف و ثبوته لكي يكون مجرى لأدلة الرفع و الإباحة [1]. و اما بناء على المسلك المشهور من سقوط فعلية التكليف بالامتثال و العصيان فلدعوى انصراف أدلة البراءة و رفع ما لا يعلمون إلى موارد الشك في أصل ثبوت الحكم لا الشك في امتثاله و إن شئت قلت: ان ثبوت الحكم في الآن الأول معلوم و هو يستدعي الفراغ اليقيني عنه و لو فرض انه بلحاظ الآن الثاني يكون بقاء الحكم مشكوكا فتطبيق قاعدة البراءة الشرعية على الحصة البقائية للحكم لا يكون مؤمنا من ناحية اشتغال الذمة بلحاظ الحصة الحدوثية منه المعلومة.

 

 

2- العلم التفصيلي بوجوب الأقل‏
المانع الثاني: العلم التفصيلي بوجوب الأقل استقلالا أو ضمنا، و تقريب المانعية: أنه لنسلم أن العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر انحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل استقلالا أو ضمنا، لكن نفس هذا العلم التفصيلي يقين بالاشتغال، و يستدعي اليقين بالفراغ، و لو اختصرنا على الإتيان بالأقل لم نجزم بسقوط التكليف بالأقل، لأنه و إن كنا نعلم بسقوطه على تقدير كونه تكليفا مستقلا، و لكنه على تقدير كونه تكليفا ضمنيا لا يسقط إلا بالإتيان بالأكثر، فلأجل حصول الجزم بسقوط التكليف بالأقل لا بد من الإتيان بالأكثر. و لعل أول من ذكر هذا الوجه هو صاحب الفصول رحمه الله.
و يرد عليه:
أولا: أن سقوط التكليف بالأقل بمعناه الحقيقي غير ممكن حتى بإتيان الأكثر، و بمعنى سقوط فاعلية التكليف حاصل بنفس الإتيان بالأقل، بلا حاجة إلى الإتيان بالزيادة.
و توضيح المقصود: أنه تارة يفترض أن المقصود بسقوط التكليف هو معناه الحقيقي الذي يكون إما بمعنى سقوط الجعل، أو بمعنى سقوط المجعول. فلو أريد بذلك سقوط الجعل، فإنه لا يكون إلا بمعنى النسخ الحقيقي و البداء المستحيل على الله تعالى، و لو أريد سقوط المجعول و فعلية التكليف، فهو لا يكون إلا بانتفاء موضوعه، أو أحد أجزاء موضوعه أو قيوده، و معلوم أن الامتثال لا يحقق سقوط التكليف بشي‏ء من المعنيين.
أما الأول: فواضح، فإن امتثال التكليف لا يوجب حصول البداء للمولى و نسخ الوجوب.
و أما الثاني: فكيفية تصويره في المقام: هو أن يفترض أن أحد قيود موضوع الوجوب هو عدم إتيان العبد بمتعلقه، فلو أتى العبد بمتعلقه سقطت فعلية التكليف، لانتفاء موضوعه بالإتيان، و لكن من الواضح أن أخذ قيد في موضوع الوجوب ليس أمرا جزافا، و إنما هو باعتبار دخله في محبوبية الفعل و مصلحته، و من المعلوم أن عدم الامتثال ليس دخيلا في ذلك، فما صدر من العبد في مقام الامتثال يكون محبوبا للمولى و ذا مصلحة حتى بعد صدوره. نعم، قد لا يكون تكرار العمل و الإتيان بفرد ثان للمتعلق محبوبا و ذا مصلحة، و لكن هذا مطلب آخر، فإن وجوب فرد ثان‏
                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 319
عليه تكليف آخر غير التكليف السابق، قد يكون و قد لا يكون، و هذا غير مسألة سقوط التكليف السابق. نعم، الشي‏ء الذي تحقق بالامتثال: هو أن المصلحة قد استوفيت، و المطلوب قد تحقق، و التكليف قد استنفد مقتضاه من التحريك و الفاعلية، فانتهت فاعليته، و هذا غير سقوط المطلوبية و عدم المصلحة، و يزداد وضوح ذلك بقياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية، فالعطشان المريد للماء إذا شرب الماء و زال عطشه قد استوفى مراده و مصلحته، و ليس ما فعله من شرب الماء قد خرج عن المطلوبية و الاتصاف بالمصلحة. نعم، بعد صدور ما أراده من الشرب قد سقطت محبوبية الشرب و مطلوبيته عن الفاعلية و المحركية، لفرض حصول محبوبه، و كذلك الحال في الإرادة التشريعية، فالتكليف بالحج مثلا لا يسقط بنفسه بإتيان العبد بالحج، و إنما تسقط بذلك فاعليته و محركيته. إذن فسقوط التكليف بمعناه الحقيقي لا يحصل حتى بالإتيان بالأكثر، فلا معنى لفرض إيجاب الاحتياط بالإتيان بالأكثر لتحصيل الجزم بسقوط التكليف.
و أخرى يفترض أن المقصود بسقوط التكليف هو سقوط فاعليته و محركيته فيقال: إن وجوب الأقل إن كان استقلاليا فقد سقطت فاعليته بالإتيان بالأقل، و أما إن كان ضمنيا فالإتيان بالأقل ليس مسقطا لفاعليته، و هذا هو معنى الشك في الفراغ.
و يرد على هذا: أن فاعلية التكليف باتجاه الأقل حتى إذا كان ضمنيا قد سقطت بالإتيان، إذ بعد الإتيان بالأقل لا يعقل تحريك وجوبه الضمني نحو الإتيان به، أو نحو سد باب العدم من قبل الأقل، لأن المفروض حصول ذلك. نعم، تحتمل فاعلية التكليف حتى بعد الإتيان بالأقل بلحاظ الزائد، لكن احتمال ذلك يكون ناشئا من احتمال انبساط التكليف على الجزء الزائد، فتجري البراءة.
و ثانيا: أننا لو سلمنا أن سقوط التكليف الضمني بالمعنى الحقيقي للكلمة يحصل بامتثال ما هو في ضمنه من التكليف الاستقلالي، و لا يحصل بالاقتصار على الإتيان بمتعلقه، و هو الأقل، قلنا- كما أفاده السيد الأستاذ «1» و غيره من المحققين-:
إن الواجب عقلا على المكلف ليس هو عنوان إسقاط التكليف عند تمامية شرائط تنجيزه، و إنما الواجب عليه عقلا هو الإتيان بمتعلق التكليف المنجز، ففي مورد يفترض سقوط التكليف ملازما للإتيان بمتعلق التكليف يحصل لا محالة ذلك‏
__________________________________________________
 (1) راجع الدراسات: ج 3، ص 273، و مصباح الأصول: ج 2، ص 432
                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 320
بالإتيان بمتعلق التكليف، و في مورد يفترض عدم ملازمته إياه يكفينا الإتيان بمتعلق التكليف المنجز، و لا حاجة لنا إلى إحراز سقوط التكليف، و المفروض في المقام: أن العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر ليس منجزا، لانحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل، إما ضمنا أو استقلالا، فالشي‏ء المنجز إنما هو الأقل الذي قد تنجز بالعلم التفصيلي بوجوبه الضمني أو الاستقلالي، و المفروض أننا قد أتينا بهذا المتعلق للتكليف، و عملنا بالوجوب بالمقدار الذي تنجز، فلنكن غير محرزين لعنوان سقوط التكليف، و أي ضرر في ذلك؟!!.

 

 [التنبيه الرابع‏] الأقل و الأكثر في المحصل‏
التنبيه الرابع: في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر في الشك في المحصل.
و الحديث عن ذلك و عن دوران الأمر بين الأقل و الأكثر في غير الشك في المحصل يكون بعد الفراغ كبرويا عن أمرين:
أحدهما: أن الشك في أصل التكليف غير المعلوم بالعلم الإجمالي الجامع لشرائط التنجيز يكون مجرى للبراءة.
و الثاني: أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
و بالتعبير الفني نقول: إذا علم بفعلية التكليف و شك في فاعليته كان ذلك مجرى للاشتغال، أما إذا كان الشك في نفس فعلية التكليف فهو مجرى للبراءة. إذن فالشك في مورد قاعدة الاشتغال يباين الشك في مورد قاعدة البراءة.
و بعد الفراغ عن هاتين الكبريين نطبق الكبرى الأولى على مورد الأقل و الأكثر الارتباطيين و نقول: إن الشك فيه في فعلية التكليف، فتجري البراءة على بيان مضى، و نطبق الكبرى الثانية على مورد الشك في المحصل، فإذا علم بوجوب قتل الكافر و شك في أنه هل يقتل برصاص واحد أو يحتاج قتله إلى إطلاق رصاصين؟ فبعد
__________________________________________________
 (1) راجع فوائد الأصول: ج 4، ص 66- 68، و أجود التقريرات: ج 2، ص 300- 303
                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 373
إطلاق الرصاص الواحد يشك في بقاء فاعلية التكليف و سقوطها بالامتثال، و أما فعلية التكليف فهي مقطوع بها حتى بعد الامتثال كما مر تحقيقه.
و انطباق الكبرى الثانية على مورد الشك في المحصل بعد الفراغ عن أصل تلك الكبرى مما لا يحتاج إلى بحث، و لم يستشكل الأصحاب في لزوم الاحتياط لدى الشك في المحصل.

 

                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 382.
و ثانيا: نفترض التسليم بأن ترك الإتيان بالأقل في حال النسيان- على تقدير عدم جزئية السورة في حال النسيان- ليس شرطا للتكليف بالأكثر حدوثا، و إنما هو شرط له بقاء، فهو من أول الأمر مكلف بالأكثر إلى أن يأتي في حال النسيان بالأقل، فيسقط بذلك وجوب الأكثر، فالشك في ذلك يكون شكا في المسقط، و لكن مضى منا أنه ليس عنوان كون الشك في المسقط هو المدار لجريان أصالة الاشتغال دون البراءة، و إنما المدار لذلك هو أن يكون الشك في فاعلية التكليف مع الجزم بفعليته، فعندئذ لا تجري البراءة العقلية و لا النقلية، لعدم الشك في التكليف، أما الشك في فعلية التكليف فهو مجرى للبراءة و لو فرض شكا في مرحلة البقاء دون الحدوث، و صدق عليه عنوان الشك في المسقط، فحيث إن الشك يكون شكا في أصل التكليف و لو بقاء يكون مجرى للبراءة.

 

بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 212

ثم ان هناك طرازا آخر من الإشكال على الأحكام الظاهرية لم يتعرض له الاعلام و هو الإشكال في معقولية انحفاظ نفس الأحكام الواقعية في موارد الجهل بقطع النظر عن جعل الحكم الظاهري المضاد أو المماثل فيها أي الإشكال في معقولية نفس الحكم الواقعي لا في كيفية الجمع بينه و بين الظاهري، و يمكن تقريبه بإحدى صيغتين:الصيغة الأولى- ان انحفاظ الحكم الواقعي و اشتراك العالم و الجاهل فيه غير معقول في بعض الموارد على الأقل كموارد القطع بعدم ذلك الحكم الواقعي لتقوم الحكم الواقعي بالمحركية و الباعثية و هذه لو كانت معقولة في موارد احتمال الحكم الواقعي حيث يحسن الاحتياط فهي غير معقولة في موارد القطع بعدمه فثبوته واقعا لا يكون قابلا للمحركية و لو الاحتمالية الناقصة.
الصيغة الثانية- ما إذا فرض القطع وجدانا أو تعبدا بحرمة صلاة الجمعة فانه حينئذ لا يعقل ثبوته في الواقع لو كان لا من جهة محذور اللغوية و عدم المحركية بل لكونه تكليفا بغير مقدور، لأن هذا الخطاب إن كان امرا بإتيان الجمعة مع التحفظ على الوظيفة المنجزة على العبد كان من الأمر بالنقيضين و هو مستحيل لأنه يعتقد حرمتها بحسب الفرض، و إن كان يقتضي إتيانها بدلا عن وظيفته المنجزة عليه فهو غير مقدور مولويا و إن كان مقدورا تكوينا لأنه يلزم عليه عقلا بقانون العبودية ترك صلاة الجمعة بحسب الفرض بل يمكن تعميم إشكال عدم القدرة في خصوص العبادات فيما إذا قطع بعدم المطلوبية و المشروعية و لو لم يقطع بالحرمة الذاتية لأن‏
                       

 

بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 213
الإتيان بالفعل بقصد القربة غير مقدور حينئذ تكوينا إلا على وجه التشريع المحرم و هو مناف للقربة أيضا.
و يمكن تصوير نفس المحذورين في الصيغتين في بعض حالات الشك في الحكم الواقعي أيضا و ذلك فيما إذا فرض دوران الأمر بين المحذورين بأن احتمل المكلف الحرمة بنفس درجة احتماله للوجوب فان ثبوت الحكم الواقعي كما إذا كان هو الوجوب غير معقول لأنه يستحيل محركيته في هذه الحالة حتى بالتحريك الناقص و هذا محذور الصيغة الأولى و كذلك يستحيل امتثاله إذا كان عباديا و هذا محذور الصيغة الثانية.
و الجواب عن الإشكال اما بصيغته الأولى فاستحالة المحركية يمكن أن يراد بها أحد أمور:
1- ان الحكم الواقعي يستحيل ثبوته لأن حقيقة الحكم و روحه المحركية من قبل المولى فإذا استحال كان الحكم مستحيلا.
و جوابه: ان التحريك من قبل المولى يتوقف على حيثيتين، إحداهما تحت سلطان المولى و هي إشغال ذمة المكلف بالفعل بجعل خطاب يبرز فيه مبادئ الحكم بداعي إلقائه على عهدة العبد مهما كانت صياغته القانونية الاعتبارية أو اللفظية التعبيرية.
إلا ان هذه الحيثية لا تكفي وحدها للمحركية بل لا بد من ضم حيثية ثانية إليها و هي وصول ذلك الاشغال للعهدة إلى المكلف بنحو يحكم العقل بتنجزه و قبح مخالفته و هذه الحيثية ليست تحت سلطان المولى بما هو مولى. و واضح ان ما هو مفاد الخطابات الواقعية و التي يدعي المخطئة انحفاظها و اشتراكها بين العالمين و الجاهلين انما هو الحيثية الأولى فقط لا الثانية فانها أجنبية عن مفاد الخطابات فضلا عن كونه حقيقة الحكم و هذا المقدار أعني الحيثية الأولى محفوظة حتى في موارد القطع بالعدم. و إن قيل بأن هذا لا نسميه حكما فذاك نقاش في اللغة و إلا فروح النزاع بين المخطئة و المصوبة راجعة إلى ثبوت إطلاق مفاد الخطابات الواقعية و عدمه و مفادها ليس إلا التحريك بمقدار الحيثية الأولى كما هو واضح.
2- ان الخطابات الواقعية من جملة مدلولاتها العرفية التصديقية انها صادرة بداعي‏

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 214
المحركية و الباعثية فلا يعقل إطلاق مفادها لمن لا يعقل في حقه المحركية و الباعثية.
و الجواب: ان الداعي المذكور و إن كنا نسلم كونه مدلولا عرفيا تصديقيا للخطابات أيضا إلا ان المدلول انما هو المحركية بمقدار ما يكون تحت سلطان المولى لا بالمقدار الخارج عنه و الأكثر منه أي بمقدار الحيثية الأولى فقط و هي معقولة في موارد القطع بالعدم كما أشرنا فيكون إطلاق الخطابات الواقعية معقولة أيضا. و مرجع ذلك إلى ان كل خطاب مجعول بداعي التحريك و التنجز لو وصل إلى العبد.
3- أن يراد دعوى لغوية الإطلاق المذكور لأن المحركية بمقدار الحيثية الأولى من دون ضمن الحيثية الثانية أي أثر لها؟.
و الجواب: ان اللغوية انما تكون لو كان المولى قد تصدى لجعل الخطاب الواقعي في خصوص هذا المورد لا ما إذا كان بالإطلاق الذي هو أخف مئونة من التقييد.
هذا مضافا إلى إمكان فرض المصلحة في نفس إطلاق الخطاب بعد فرض تمامية الملاك في المتعلق بأن يكون إطلاق الخطاب فيه مصلحة صياغية قانونية لا يمكن توفيرها و تنظيم تمام محصولها و آثارها لو جعلت الخطابات الواقعية مقيدة. و اما دعوى كفاية ترتب الأثر الشرعي على الإطلاق بلحاظ الإعادة و القضاء بعد انكشاف الخلاف في دفع اللغوية فهو يرجع إلى الجانب الصياغي كما يظهر بالتأمل.
و بهذا يتضح الجواب على الصيغة الثانية للإشكال من لزوم التكليف بغير المقدور فان التكليف حينما يكون محركا يكون تكليفا بالمقدور و ذلك حينما تتوفر الحيثية و هي وصولها إلى المكلف و كونه من دونها غير مقدور لا يضر به لأنه ليس محركا بالفعل ليكون تحريكا نحو غير المقدور فان غير المعقول انما هو التكليف بغير المقدور حينما يراد المحركية و فاعلية التكليف و ذلك حين وصوله لا أكثر من هذا المقدار فان العقل لا يحكم بأكثر من ذلك كما هو واضح.

 

 

بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 335
المانع الثاني- ان وجوب الأقل منجز على كل حال و هو مردد بين كونه استقلاليا أو ضمنيا و في حالة الاقتصار على الإتيان بالأقل لا يحرز سقوطه لأنه على تقدير كونه ضمنيا لا يسقط إلا ضمن الإتيان بالكل لأن الوجوبات الضمنية امتثالها أيضا ضمني فيكون من الشك في المحصل و الخروج عن عهدة تكليف معلوم على كل حال فيجب الاحتياط، و ليس هذا الاحتياط بلحاظ احتمال وجوب الزائد حتى يقال انه شك في التكليف بل انما هو رعاية للتكليف بالأقل المنجز بالعلم و اليقين نظرا إلى ان الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
و يرد عليه:
أولا- ان سقوط الفعلية بالامتثال أساسا غير معقول، إذ لو أريد به سقوط الجعل فهو
                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 336
لا يكون إلا بالنسخ، و ان أريد سقوط فعلية المجعول بارتفاع موضوعه فهو فرع ان يكون عدم الامتثال قيدا فيه و من الواضح ان أخذ قيد في الموضوع ليس جزافا بل باعتبار دخله في الملاك و المحبوبية و من المعلوم ان عدم الامتثال ليس دخيلا فيه لأن صدور المحبوب و ما فيه الملاك لا يخرجه عن كونه محبوبا كما يظهر بمراجعة الوجدان و مراجعة المطلوب التكويني، نعم قد لا يكون الفرد الثاني بعد الفرد الأول محبوبا و ذاك أمر آخر كما لا يخفى.
و عليه فكبرى سقوط الفعلية بالامتثال غير صحيحة و انما الساقط بحسب الحقيقة فاعلية التكليف و محركيته، و في المقام لو ادعي الشك في سقوط الفعلية فقد عرفت انه لا شك فيها، و ان ادعي الشك في سقوط الفاعلية تجاه الأقل فمن الواضح ان فاعلية الأقل المعلوم و محركيته لا تكون بأكثر من الإتيان بالأقل فان فاعلية أي تكليف تعني لزوم الإتيان بمتعلقه و سد باب عدمه و المفروض تحقق ذلك خارجا و انما الشك في سقوط فاعلية التكليف بالزائد لكن المفروض ان التكليف به مشكوك و مجرى للبراءة.

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 366
5- الدوران بين الأقل و الأكثر في المحصل الشرعي:
بعد الفراغ عن ان الأصل في مورد الشك في التكليف غير المعلوم بعلم جامع لشرائط التنجيز يكون مجرى للبراءة، و ان الأصل عند الشك في الفراغ اليقيني- أو فاعلية التكليف- بعد الفراغ عن فعليته و اشتغال الذمة به مجرى للاحتياط.

 

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 372
أولا- انه من الشك في التكليف أيضا لأن الأقل الصادر من الناسي إذا كان وافيا بملاك الواجب تقيد وجوب الأكثر لا محالة بما إذا لم يأت المكلف بالأقل نسيانا بنحو شرط الوجوب من أول الأمر فيكون من الشك في أصل حدوث التكليف و هو مجرى البراءة.
و ثانيا- لو افترضنا ان شرطية عدم الإتيان بالأقل نسيانا ليست بنحو الشرط المتأخر بحيث يرفع إتيان الأقل موضوع وجوب الأكثر حدوثا بل يسقط التكليف بقاء فقط لاستيفاء ملاكه فالشك و إن كان في المسقط إلا ان جريان الاشتغال ليس منوطا بصدق عنوان الشك في المسقط بل منوط بأن يكون الشك من ناحية الامتثال و استيفاء فاعلية التكليف مع الجزم بحدود ما يهتم به المولى و يريده، و في المقام يكون الشك في حدود اهتمام المولى و غرضه و هو من الشك في أصل التكليف بقاء فتجري عنه البراءة الشرعية و العقلية على القول بها. نعم قد يقال بجريان استصحاب بقاء التكليف في المقام و ذاك امر آخر.

 

 

بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 171
و يجاب ثالثا:
بأن هذه الإشكال، أساسا، مبني على أن إطلاق الهيئة يقيد بإطلاق المادة، بمعنى، أن الوجوب يقيد بعدم الإتيان بالمتعلق خارجا، كما إذا قال «صل إذا لم يكن هناك صلاة»، و هكذا، بينما هذا التقييد أساسا غير صحيح، فإن مفاد الهيئة و هو الوجوب لا يقيد بعدم الإتيان بالمادة كما حققنا ذلك مفصلا في بحث الترتب و التزاحم، و منشأ تخيل أن مفاد الهيئة يقيد بمفاد المادة هو دعوى، أن الوجوب، أ ليس يسقط بعد الإتيان بالمتعلق «صل أو اغسل»، خارجا؟. و معنى سقوط الوجوب أنه مقيد بعدم وقوع المادة «الغسل أو الصلاة». مع أن سقوط الوجوب مع الإتيان المتعلق و وقوع المادة معناه سقوط فاعليته، لا سقوط فعليته و لا سقوط الخطاب، و إلا فإن خطاب «صل»، هو «صل» تعلق بصرف الوجود، الجامع بين الأفراد فلو فرض أن المكلف أتى بصرف الوجود خارجا في ضمن أحد الأفراد، حينئذ يسقط الخطاب خطاب «صل» عن الفاعلية و المحركية عقلا، لأنه يحرك نحو صرف الوجود، الجامع بين الأفراد العرضية و الطولية، بينما صرف الوجود تحقق خارجا، فلا معنى لأن يؤتى بصرف الوجود خارجا، لأن الخطاب «صل»، يبقى بلا أثر، لا أن مفاده، و هو الوجوب، مقيد بعدم وقوع المادة «الصلاة» خارجا، على حد تقييده بسائر الشرائط و الخصوصيات. فبناء على هذا فلا يكون إطلاق المادة مقيدا لإطلاق الهيئة أصلا، حتى يتأتى الإشكال و إنما متى ما ثبت الامتثال، يسقط الوجوب عن الفاعلية و المحركية و متى ما لم يكن هناك امتثال فالوجوب باق على الفاعلية.

                       

                        بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 374
و ما ذكره صاحب الكفاية، من إمكان تبديل الامتثال بالامتثال، عند ما تكون نسبة الغرض إلى المتعلق نسبة المقتضى إلى المقتضي، مبني على الاعتقاد، بأن الأمر يبقى ببقاء غرضه.
و قد سبق في بحث التعبدي و التوصلي، أن ذكر كذلك، من أن الأمر المتعلق بذات الصلاة لا يسقط بالإتيان بذات الصلاة، لأن الغرض منه غرض تعبدي، فلا يسقط إلا إذا أتى بها بقصد القربة.
و مبناه هذا، و هو أن الأمر تابع في سقوطه لسقوط غرضه، قد أشكلنا
                        بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 375
عليه هناك، بأن الأمر ليس تابعا في سقوطه لاستيفاء غرضه، بل هو تابع لإمكان تحريكه و فاعليته.

 

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 78
الاعتراض الأول: [على الواجب المعلق‏]
و هو المهم، و حاصله: إن القيد غير الاختياري، أو الاتفاقي، كالزمان الاستقبالي المأخوذ في الواجب المعلق، كطلوع الفجر مثلا، فهنا نسأل، بأن طلوع الفجر هل يؤخذ أيضا قيدا في الواجب، إما بنحو الشرط المقارن، أو بنحو الشرط، المتأخر بحيث يكون الوجوب حادثا و فعليا من أول الليل، لكن‏
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 79
مشروط بنحو الشرط المتأخر بطلوع الفجر بعد ذلك، و إما أنه لا يكون طلوع الفجر مأخوذا قيدا في الوجوب بنحو الشرط المتأخر، بل يكون متمحضا في القيدية للواجب، و يكون الوجوب فعليا قبل وجود القيد من دون ارتباط به؟.
فإن فرض الشق الأول، و هو أن طلوع الفجر أخذ قيدا في الواجب بنحو الشرط المقارن، و أخذ أيضا شرطا في الوجوب بنحو الشرط المتأخر، بحيث يكون الوجوب فعليا من حين غروب الشمس لكن منوطا بطلوع الفجر بعد ذلك.
إذا فرض هذا، فمعناه أن الوجوب مشروط بنحو الشرط المتأخر، و حينئذ من يقول باستحالة الشرط المتأخر مثل الميرزا «1»، يقول بأن هذا مستحيل، إذ يستحيل أن يكون الوجوب حادثا من الغروب، و منوطا بأمر متأخر و هو طلوع الفجر بعد ذلك، بل لا بد من أن يكون طلوع الفجر شرطا مقارنا حيث يحدث الوجوب عند الطلوع، و عليه يكون الواجب و الوجوب في وقت واحد.
و من يقول بإمكان الشرط المتأخر، يقول بأن هذا معقول، لأنه قسم من الواجب المشروط، و ليس قسما آخر في مقابل الواجب المشروط، إذن فالأولى حينئذ أن يقال:
إن الواجب المشروط، تارة، يكون الوجوب فيه مشروطا بشرط مقارن، و أخرى مشروطا بشرط متأخر، دون أن يكون هذا قسما آخر في مقابل الواجب المشروط.
و إن قيل بالشق الثاني، و هو: إن قيد «طلوع الفجر» لم يؤخذ في الوجوب أصلا، حتى بنحو الشرط المتأخر، و عليه يكون الوجوب فعليا من‏
__________________________________________________
 (1) فوائد الأصول: الكاظمي ج 1 ص 157- 158- 159.
                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 80
حين «الغروب»، و مطلقا من ناحية «طلوع الفجر» و إذا كان الوجوب فعليا من حين «الغروب» فتكون فاعليته أيضا فعلية لا محالة، لما قلناه سابقا من أن فاعليته مساوقة لفعليته، فيكون فاعلا و محركا بالفعل حين «الغروب» نحو «صوم شهر رمضان».
و من الواضح أن هذا المقيد غير اختياري فعلا، فيكون تحريكا نحو أمر غير اختياري، و هو غير معقول.

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 115
4- الجواب الرابع: عن شبهة المقدمات المفوتة، و هذا الجواب يعترف بأن «طلوع الفجر» من قيود الاتصاف، و ليس من قيود الترتب، و يعترف بأنه شرط في الوجوب بنحو الشرط المقارن، لكن صاحب هذا الجواب يقول: إن الوجوب المشروط لا يكون فعليا إلا بعد وجود شرطه، فهو مجعول على نهج القضية الحقيقية، فكما أن الحرارة لا توجد إلا بعد وجود النار عند عقد قضية، «كل نار حارة» فكذلك الوجوب المشروط، لا يوجد إلا بعد وجود شرطه.
لو قلنا بهذا، حينئذ، يحصل الإشكال في المقدمات المفوتة، ذلك لأن المقدمات المفوتة وجبت قبل الشرط، مع أن وجوب الصوم مشروط «بطلوع الفجر»، و كل وجوب مشروط، لا فعلية له قبل وجود شرطه، و إذا لم يكن‏
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 116
للوجوب المشروط فعلية قبل وجود شرطه، يرد الإشكال حينئذ فيقال: إنه كيف ترشح منه وجوب فعلي غيري على المقدمات المفوتة؟.
و لكن صاحب هذا الجواب يبني على مسلك المحقق العراقي «1» فيجيب: بأن الوجوب المشروط فعلي قبل وجود الشرط خارجا، كما ذكر المحقق العراقي «2» من أن وجود الوجوب فعلي قبل الشرط، لكن وجودا تقديريا بالوجود اللحاظي و التقديري للشرط، و هو ثابت فعلا بنفس لحاظ المولى و تقديره، لا الوجود الخارجي للشرط، فوجوب الحج المشروط بالاستطاعة، ليس منوطا بالاستطاعة خارجا، بل منوط بالوجود اللحاظي و التقديري للاستطاعة في ذهن المولى، و حيث أن اللحاظ و التقدير موجودان فعلا من أول الأمر، إذن فالوجوب فعلي من أول الأمر قبل الشرط، و حينئذ لا محذور في ترشح الوجوب الغيري على المقدمات، ما دام وجوب ذي المقدمة وجوبا فعليا.
و هذا الكلام غير تام، و ذلك لأن هذا الوجوب الفعلي قبل وجود الشرط، إما أنه محرك نحو متعلقه، أو أنه غير محرك نحوه. و من الواضح، أنه غير محرك نحو متعلقه رغم فعليته، باعتبار أن إناطته بالوجود التقديري للاستطاعة، يوجب إناطة فاعليته و محركيته بالوجود الخارجي للاستطاعة، و لهذا لا يكون محركا.
و من هنا نستفيد قاعدة، و هي: إن كل وجوب منوط بافتراض شرط، يكون فعليته تابعة لوجود المفترض خارجا، أي الشرط خارجا.
و بناء على هذا يقال: بأن وجوب الصوم، و إن كان فعليا قبل وجود الشرط، لكن هذا الوجوب الفعلي منوط بافتراض الشرط و بتقديره، فإذا ترشح منه وجوب غيري على المقدمات، فلا محالة يكون الوجوب الغيري تبعا
__________________________________________________
 (1) بدائع الأفكار: العراقي ج 1 ص 340- 341- 342- 346.
 (2) المصدر السابق.
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 117
لإناطة الأصل، منوطا بافتراض الشرط و تقديره، لأن الوجوب الغيري تابع في وجوده للوجوب النفسي، لكن على نحو إناطة الوجوب النفسي، أي منوط بتقديره و افتراضه، و حيث أن هذه الإناطة تستتبع إناطة فاعلية الوجوب بتحقق الشرط خارجا، و هو «الطلوع»، إذ قبل الطلوع لا فاعلية لهذا الوجوب الغيري، إذن فنقع في الإشكال من جديد، و هو أنه كيف يتسجل وجوب الإتيان بالمقدمات المفوتة بحيث يؤاخذ من لا يأتي بها، مع أنه لا فاعلية لهذا الوجوب قبل الطلوع.
و بعبارة أخرى، هو: إننا إذا سلمنا بأن الوجوب المشروط فعلي قبل وجود الشرط، و سلمنا بأن هذا الوجوب الفعلي يترشح منه وجوب غيري باعتبار فعليته، إلا أن هذا الوجوب الغيري المترشح، تابع للوجوب النفسي وجودا و جعلا، فيكون مربوطا بما يكون الأصل مربوطا به، فكما أن الوجوب النفسي مربوط بتقدير «طلوع الفجر»، فأيضا يكون الوجوب الغيري المترشح منه، متقيدا بوجود هذا القيد، و هو «الطلوع»، و هذه الإناطة كما تؤثر في الوجوب النفسي، في عدم فاعليته إلا بعد تحقق الشرط خارجا، فهي كذلك تؤثر في عدم فاعلية الوجوب الغيري إلا بعد تحقق الشرط خارجا.
و الحقيقة أن تابعية فاعلية الوجوب المشروط لوجود الشرط خارجا هذا ليس أمرا جزافا تحقق بالصدفة، و إنما هو من باب أن الوجوب المشروط ليس وجوبا فعليا، بل هو وجوب تقديري، نعم الوجوب التقديري موجود بالوجود الفعلي كما تقدم أنه في باب الاعتباريات يعقل أن يكون الأمر التقديري موجودا بوجود فعلي، بخلاف باب التكوينيات، فإنه فيها لا يعقل أن يكون الأمر التقديري موجود بوجود فعلي.

فإن أردتم أن الوجوب المشروط فعلي، لكي يترتب عليه أن الوجود فعلي، فإننا نسلم بذلك، لكن الموجود بهذا الوجود الفعلي ليس فعليا، بل هو تقديري أي: إن الوجود التقديري موجود فعلا، و حيث أنه تقديري، لم يكن له فاعلية إلا حين صيرورته فعليا.
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 118
و ما تقدم سابقا من أن الوجوب المجعول ليس له وجود آخر وراء عالم الجعل، فهو صحيح، لكن ليس معنى هذا، أن ما هو الموجود فعلا من أول الأمر، هو الوجوب الفعلي، بل هو الوجوب التقديري، و يبقى وجوبا تقديريا مجعولا في أفق الجعل و الاعتبار بهذا النحو، و تكون فاعليته منوطة بتحقق الشرط الذي أخذ في موضوعه.
و هذه الأجوبة كانت تحاول تصحيح المقدمات المفوتة عن طريق الوجوب: إما وجوب معلق، أو مشروط بالشرط المتأخر، أو وجوب تبعيضي لبعض حصص العدم دون بعض، أو وجوب مشروط مع دعوى فعليته قبل وجود الشرط.
و الخلاصة، هي: إن الوجوب الموجود قبل تحقق الشرط، و إن كان فعليا، إلا أن فاعليته و تأثيره منوطة بتحقق شرطه المقدر عليه الوجوب، الموجود، و إيجاب المقدمة يكون من شئون فاعلية الوجوب لا فعليته، إذن فالجواب هذا غير تام.

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 208
الوجه الثالث: لبيان نكتة «التلازم» بين الانبعاث عن الأمر الغيري، و الانبعاث عن الأمر النفسي، هو ما ذهب إليه جملة من المحققين، و منهم المحقق الأصفهاني، «1» و حاصله:
هو أن الأمر الغيري غير مستقل في الوجود باعتبار أنه تابع في وجوده للأمر النفسي، و عليه فلا يكون مستقلا في المحركية أيضا، إذ محركيته أيضا تكون تابعة لمحركية الأمر النفسي، كما لم يكن مستقلا في الوجود.
و كأن ترتيب الاستدلال بهذه الاصطلاحات، مأخوذ من كلام الحكماء القائلين: بأن كل ممكن غير مستقل في الوجود، إذن فلا يكون مستقلا في الإيجاد و الفاعلية، لأن ما لا يستقل في وجوده، لا يكون مستقلا في فاعليته و إيجاده، و من هنا يصح القول بإنه: لا فاعل حقيقة إلا الله تعالى.
__________________________________________________
 (1) نهاية الدراية: الأصفهاني ج 1 هامش 333 ص 334- 335.
                        بحوث في علم الأصول، ج‏5، ص: 209
و من هنا طبق هذا المطلب على الأمر الغيري إذ حيث أنه غير مستقل في الوجود في مقابل الأمر النفسي، فلا يكون مستقلا في الفاعلية، و المحركية، بل فاعليته من شئون فاعلية الأمر النفسي، و لا تنفك عنه.
و لكن هذا غير تام من ناحية تطبيق كلام الحكماء «في أن ما لا يكون مستقلا في الوجود لا يكون مستقلا في الإيجاد»، و إن كان صحيحا من حيث النتيجة، لأننا حينما نقول: فاعلية الأمر الغيري، أو فاعلية الأمر النفسي، يكون هذا تسامحا في التعبير، و إلا فلا الأمر الغيري و لا النفسي هو الفاعل للوضوء خارجا، و إنما الفاعل و الموجد للوضوء خارجا، إنما هو المكلف، و إنما الأمر بحسب الحقيقة يوجب ترتب فوائد على الوضوء مثل الثواب و غيره، و هذه الفوائد تكون علة غائية للعبد، تبعثه و تدعوه للإتيان بمتعلقه، متى ترتبت، و إلا فلا، إذن فمسألة «أن الوجوب الغيري غير مستقل في الوجود فهو غير مستقل في الإيجاد» أجنبية عن محل الكلام

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏6، ص: 83
و هذا الوجه غير تام لأنه مبتن على امرين كلاهما باطل:
أحدهما- ان الامتثال مسقط للأمر و رافع لفعليته.
الثاني- ان الاستصحاب لا بد و ان يجري دائما في حكم شرعي أو موضوع ذي حكم.
و قد تقدم بطلان الأمر الأول في بحوث سابقة حيث قلنا بان التكليف لا تسقط فعليته بالامتثال و ليس عدم الإتيان به قيدا فيه و انما الساقط فاعليته فحسب.

 

                                             بحوث في علم الأصول، ج‏7، ص: 150
فإنه يقال- أولا: النقض بموارد تقييد إطلاق المتعلق بالمقيدات المنفصلة، فإن لازم هذا البيان عدم إمكان التمسك بإطلاق الهيئة فيما إذا جي‏ء بفرد فاقد للقيد من أفراد الطبيعة، لجريان نفس النكتة المتقدمة فيه، مع أنه لا إشكال عند أحد في عدم الاجتزاء به و لزوم الإتيان بالمقيد.
و ثانيا- إن الصحيح عدم سقوط الخطاب بالامتثال عن الفعلية، و إنما الساقط فاعليته فقط، فإن المحبوب لا يخرج عن كونه محبوبا بوجوده في الخارج، كما أن العلة لا تخرج عن كونها علة بتحقق المعلول، على شرح و تفصيل موكول إلى محله، و بناء عليه يرتفع الإشكال موضوعا حيث يكون مفاد الهيئة فعليا على كل حال فإذا فرض تقيد المادة بقيد زائد- و لو بدليل منفصل- كان اللازم الإتيان بالمقيد لا محالة..



 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏8، ص: 453
2- النقض الثاني: للعراقي «قده» «1» هو، أنه إذا كان العلم الإجمالي مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية، لا علة تامة له، إذن فالعلم التفصيلي أيضا كذلك إذ لا فرق بينهما من هذه الناحية، و لازم ذلك أن‏
__________________________________________________
 (1) منهاج الأصول: الكرباسي، ج 3، ص 87- 88.
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏8، ص: 454
العلم التفصيلي لا يمنع عن جريان البراءة المرخصة في المخالفة الاحتمالية، مع أنه لا يلتزم أحد بإجراء البراءة في موارد العلم التفصيلي فيما إذا كانت المخالفة الاحتمالية واردة، و ذلك كما لو فرض أنه وجبت عليه صلاة الظهر، و علم المكلف بذلك الوجوب تفصيلا، ثم شك في امتثاله و أنه أتى بها أم لا، ففي مثله، يرجع الشك إلى الشك في بقاء الوجوب و سقوطه، و حينئذ، بناء على القول بالاقتضاء لا مانع من جريان البراءة عن الوجوب، مع أنه لا يلزم منه مخالفة قطعية للعلم التفصيلي، و إنما يلزم منه المخالفة الاحتمالية لاحتمال أن يكون قد أتى و امتثل هذا الوجوب، مع أنه لا إشكال عندهم في ان المقام من موارد أصالة الاشتغال، باعتبار أن الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، مع أنه لو بني على عدم علية العلم التفصيلي لوجوب الموافقة القطعية و جواز الترخيص في المخالفة الاحتمالية لتعين إجراء البراءة، و تكون حينئذ حاكمة على أصالة الاشتغال.
و قد يقال في الجواب عن هذا النقض، ان عدم جريان البراءة في المقام ليس باعتبار ان المقام ليس من مواردها، بل باعتبار انها محكومة لاستصحاب حكمي، و هو استصحاب بقاء الوجوب السابق، فإن هذا المكلف بعد أن يشك في الامتثال، يشك في بقاء الوجوب السابق، و حينئذ، يستصحبه، أو أنها محكومة لاستصحاب موضوعي، و هو استصحاب عدم الامتثال، فإن عدم الامتثال هنا استصحاب موضوعي، إذن فالبراءة هنا لا تجري باعتبار الأصل الحاكم.
و هذا البيان لا يكفي لدفع هذا النقض و ذلك لوضوح أنه لا يوجد أحد يلتزم بأن البراءة تجري لو لا الاستصحاب، فإن غاية ما يفيده هذا البيان أن البراءة لا تجري لوجود أصل حاكم عليها، مع أنه من المسلم به ان هذا المورد في نفسه ليس مورد للبراءة، بل هو مورد لأصالة
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏8، ص: 455
الاشتغال، و لهذا لا يشك في جريان أصالة الاشتغال بالاتفاق حتى عند من ينكر حجية الاستصحاب كما عرفت، و عليه: فيبقى هذا النقض واردا على كل حال.
و الصحيح أن يقال في دفع هذا النقض: إن أصالة البراءة لا تجري هنا لقصور في دليلها، و ذلك لأن البراءة موضوعها الشك في التكليف، و هنا لا شك في التكليف لا حدوثا و لا بقاء، أما حدوثا فواضح لأننا نعلم بوجوب الظهر عند الزوال.
و أما بقاء: فلأنه لا شك في بقاء الوجوب، و إنما الشك في محركيته.
و توضيحه هو: ان توهم كون الوجوب مشكوك البقاء مبني على تخيل ان الوجوب يسقط بالامتثال، أو العصيان، مع ان هذا غير صحيح كما بيناه في بحث الترتب من أن الامتثال و العصيان ليسا من مسقطات الوجوب بمبادئه و إنما مسقطية الامتثال أو العصيان للوجوب بمبادئه لا يكون إلا بأن يؤخذ عدم الامتثال و عدم العصيان في موضوع الوجوب كي يسقط بأحدهما، مع أنه لم يؤخذ في موضوع الوجوب، لا عدم الامتثال، و لا عدم العصيان، و إنما الامتثال يسقط فاعلية الوجوب، لا نفس الوجوب، إذن، ففي حالة عدم الامتثال، الوجوب باق، و إنما تسقط محركيته، لأنها تكون تحصيلا للحاصل حينئذ، و الوجدان يشهد بذلك، و يتضح ذلك بقياس الإرادة التشريعية، بالإرادة التكوينية، فإن الإرادة التشريعية بمعنى الحب و الذي هو روح الوجوب، على وزان الإرادة التكوينية بهذا المعنى و من الواضح أن وقوع المحبوب خارجا لا يخرجه عن كونه محبوبا و مرغوبا، غايته أن الحب يفقد محركيته و فاعليته في حال وجود المحبوب، لأن محركيته حينئذ تكون تحصيلا للحاصل، و وزان عالم الوجوب، وزان مبادئه، إذ الوجوب بحسب الدقة لا يسقط
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏8، ص: 456
نفسه بالامتثال، و إنما الذي يسقط بالامتثال هو محركية الوجوب، و فاعليته، و عليه فكما أنه لا شك في حدوث الوجوب في المقام، كذلك لا شك في بقائه، و معه لا يبقى موضوع لأصالة البراءة، لأن البراءة موضوعها التكليف المشكوك، و هنا من حيث كونه حكم الله فهو معلوم و إنما يشك في أنه حقق ذلك أم لا و هذا مورد حينئذ لأصالة الاشتغال لأن الشك في محركية الوجوب.
و بهذا يتضح ان الصحيح في المقام هو أن العلم الإجمالي ليس علة تامة لوجوب الموافقة القطعية، و إنما هو مقتضي لذلك كما هو مختار الميرزا «قده»، و معه، فإذا جرت الأصول في بعض الأطراف بلا معارض فلا مانع من ذلك.

 

 


شروح

                        البيان المفيد في شرح الحلقة الثالثة من حلقات علم الأصول، ج‏3، ص: 254
لا أثر عملي من وراء القول بسقوط الخطاب أو عدم سقوطه:
قد يسأل سائل و يقول: إن الخلاف- لكي يكون مجديا- لا بد من أثر عملي يترتب عليه، و إلا كان بلا جدوى، وعليه، فما هو الأثر العملي المترتب على القول بسقوط الخطاب في حالة الاضطرار بسوء الاختيار أو القول بعدم سقوطه؟
و الجواب على ذلك، هو: الصحيح: إن هذا الخلاف لا ينتهي إلى أية ثمرة عملية، سواء قلنا بسقوط التكليف و عدم إطلاق الخطاب و شموله لحالة العجز أم قلنا بإطلاقه و شموله له؛ و ذلك لأن روح التكليف، و مبادئه- من ملاك و إرادة- محفوظة على كل حال، فعلى القول بإطلاق الخطاب و شموله واضح، و أما على القول بعدم إطلاقه، فإن المانع من سقوطه ليس هو من جهة عدم المبادئ، و إنما هو من جهة عدم إمكان توجهه إلى العاجز فحسب «1».
و أما بالنسبة إلى فاعلية التكليف، فهي ساقطة على كل حال؛ لما قلناه سابقا من أن فاعلية
التكليف ليست إلا محركيته، و لا يعقل المحركية مع العجز الفعلي مهما كان سببه.
و أما بالنسبة إلى الإدانة، فقد تقدم أنها ثابتة بلا إشكال.

 

                        البيان المفيد في شرح الحلقة الثالثة من حلقات علم الأصول، ج‏4، ص: 186
فتحصل من ذلك إن الشك تارة يكون من الشك في التكليف، و أخرى يكون من الشك في الامتثال، أي: الشك في المكلف به. و الأول مجرى للبراءة الشرعية،
و الثاني مجرى لأصالة الاشتغال.
و من المعلوم: أن الشك في التكليف غير الشك في المكلف به، و كل منهما موضوع لأصل هو غير الآخر.
و هذا النحو من التمييز بين هذين النحوين من الشك موضوعا و حكما، يكون واضحا على مسلكنا المتقدم، القائل بأن الامتثال و العصيان ليسا من مسقطات التكليف بالنحو الذي يشكل عدمهما قيدا في فعلية التكليف، بل هما من أسباب انتهاء فاعلية التكليف و محركيته، و قد تقدم التفريق بين فعلية التكليف و فاعلية التكليف عند البحث عن مسقطات الحكم في الحلقة الثانية، و عند البحث في ما يعرف بالاضطرار بسوء الاختيار في هذه الحلقة.

 

 

 (قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور) شرطية القدرة «1» و محلها
في التكليف مراتب متعددة و هي الملاك «2» و الارادة و الجعل‏
__________________________________________________
 (1) لا يخفى عليك ان مرادهم من «القدرة»- سواء كانت عقلية او شرعية- هي القدرة العرفية، بمعنى ان من كان عليه عسر و حرج غير قادر، و ذلك لقوله تعالى و ما جعل عليكم فى الدين من حرج‏
 (2) بمعنى ان الملاك مرتبة من مراتب التكليف لكونه روح التكليف و إن لم يحكم على اساسه المولى لسبب ما، فلو اطلع العبد على عطش مولاه فان العقل يحكم بلزوم اتيانه بالماء. و على هذا الاساس يحكم بعض علمائنا بصحة العبادة و لو لم يوجد بها امر كما في حالة تزاحمها مع ضد اهم منها- على القول بذلك-. مرادنا ان نقول انك اذا نظرت الى التكليف لوجدت فيه اربع مراتب مترتبة على بعضها، المرتبة الاساسية فيه هي الملاك، و ليس الجعل الا مظهرا كاشفا عن وجود الملاك، ثم تأتي المراتب الثلاثة المذكورة في المتن                   

 (*) الصحيح ما ذهب اليه المشهور من كون الفعلية أيضا من مراتب التكليف، لكن لا بمعنى ان المولى يجعل حكما آخر- بعد تمامية قيود الحكم- اسمه حكم فعلي، فهذا ليس من شئون المولى كما قال السيد الشهيد (قده) بحق، بل بمعنى تمامية ملاك الفعلية و تحقق شرائطه الدخيلة في فعليته، فاذا علم المكلف بتحققها و كان قادرا على الامتثال‏
 

 

دروس في علم الأصول ( شرح الحلقة الثالثة )، ج‏2، ص: 162
__________________________________________________
فقد صار منجزا و فاعلا و محركا.
 (اضافة) الى ان المناط الذي جعل السيد الشهيد رحمه الله يعتبر الادانة من مراتب التكليف موجود في الفعلية ايضا.
فاذا عرفت هذا تعرف ان مراحل الحكم. مع غض النظر عن مبادئه. ثلاثة:
أ- الجعل و الانشاء، و له مرحلتان: مرحلة وجوده الازلي في علم الباري عز و جل، و مرحلة انزاله على قلب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بداعي التحريك- عند تمامية الشروط- و الارشاد.
ب- الفعلية، و هي تتوقف على تحقق شرائط الحكم الدخيلة في الملاك، و سيذكر هذه الكلمة هو بنفسه في بحث «زمان الوجوب و الواجب» عند قوله «كان الجواب: ان فعلية الوجوب تابعة لفعلية الملاك ...» فالقدرة الشرعية كالقدرة على الحج دخيلة في ملاك وجوب الحج بدليل ورودها في لسان الآية الكريمة، و مثلها الزوال بالنسبة الى وجوب صلاة الظهر، و غيرهما من الشرائط الخاصة (كما في المثالين المتقدمين) و العامة (كالبلوغ و العقل)، فقول المولى مثلا «اذا نجح زيد فاكرمه» يكون نجاحه شرطا خاصا في وجوب اكرامه و هكذا ... و قد يكون العلم الذي هو غالبا شرط عام في مرحلة التنجز شرطا خاصا في بعض الاحكام. اي دخيلا في الملاك. كما في القصر و التمام.
ج- التنجز، و قد يعبر عنه بمرحلة فاعلية التكليف و محركيته كما يعبر السيد الشهيد في المتن و هي المرتبة التي ترفعها اصالة البراءة، إذ انها ترفع الحكم الظاهري اي التنجز لا الواقعي اي الفعلية. و على اي حال فهذه المرتبة تتوقف على العلم بالحكم و العلم بتحقق شرائطه و القدرة العقلية و هي القدرة الغير واردة في لسان الدليل او قل الغير دخيلة في ملاك الحكم، و التي منها عدم وجود المزاحم المساوي في الاهمية او الاهم. فان الحكم قد يصير فعليا اي تام الشرائط الدخيلة في الملاك كنجاح زيد و الاستطاعة الى الحج اي تام المصلحة او المفسدة كما في «اذا غلا العصير العنبي و لم يذهب ثلثاه فقد حرم»، لكن ان لم يعلم الشخص بغليانه مثلا فان الحرمة الفعلية- التي هي معلولة للمفسدة التامة
                       

 

 

دروس في علم الأصول ( شرح الحلقة الثالثة )، ج‏2، ص: 163
__________________________________________________
الالزامية- و ان ترتبت لتحقق شرائط الحكم لكن لا يتنجز هذا الحكم الفعلي على المكلف فلا يدان و لا يستحق العقاب كما هو واضح.
و على هذا الاساس اذا حج المستطيع برجاء المطلوبية مع عدم علمه بحصول الاستطاعة فان حجه سيكون صحيحا لانه كان فعليا في حقه لكنه غير منجز لجهله بذلك- بمعنى الجهل القصوري-، فاذا علم فيما بعد انه كان مستطيعا لكن حسابه كان خطأ مثلا فانه لا يجب عليه اعادته.
 (فاذا) عرفت ما نقول (تعرف) ان العلم بالحكم و الموضوع- عادة- بمثابة المرآة الخارجة عن الملاك و لا دخل لها به، و ان قوله صلى الله عليه و آله و سلم «رفع عن امتي ما لا يعلمون» ناظر الى رفع هذه المرتبة من مراتب الحكم و لا يرفع ملاكات الاحكام- كالمفاسد المترتبة على شرب العصير العنبي المغلي- فضلا عن الاحكام المعلولة عنها-.
و (تعرف) ايضا الفرق- بوضوح- بين مرتبة الفعلية و مرتبة التنجز، فان مرتبة الفعلية معلولة لتمامية الملاك (او قل المصالح و المفاسد) و مرتبة التنجز معلولة للعلم بها و القدرة العقلية على الامتثال.
و بأدنى تامل (تعرف) ايضا عدم دخالة القدرة العقلية (اي الغير ماخوذة في لسان الدليل و التي نستكشف منه عدم دخالتها في الملاك ايضا) في مرتبة الفعلية، و دخالتها في مرتبة التنجز، فلربما تمت المصلحة في الفعل او المفسدة فيه لكن لم يستطع المكلف على الامتثال، فيكون الحكم ح فعليا لتمامية شرائط الملاك و الحكم، لا منجزا لعدم القدرة العقلية عليه.
و الجدير ذكره ان الجهل القصوري سبب من اسباب العجز كما هو واضح، فانت حينما تكون ماشيا في طريق ما مطمئنا و لا تحتمل او انك غافل عن وجود خطر ما امامك فانت غير قادر على امتثال الحكم بالرجوع للجهل بالموضوع مثلا.
 (و من المفيد) مطالعة ما كتبه مراجعنا زاد الله في عزهم من تعليقات على مسألة 25 من فصل شرائط وجوب الحج من العروة الوثقى فانك سترى ان جميع مراجعنا العشرة
                       

 

دروس في علم الأصول ( شرح الحلقة الثالثة )، ج‏2، ص: 164
و الادانة «1». فالملاك هو المصلحة الداعية الى الايجاب «*»، و الارادة هي‏
__________________________________________________
 (1) ...*
 (*) الصحيح ما ذهب اليه المشهور من كون الفعلية أيضا من مراتب التكليف، لكن لا بمعنى ان المولى يجعل حكما آخر- بعد تمامية قيود الحكم- اسمه حكم فعلي، فهذا ليس من شئون المولى كما قال السيد الشهيد (قده) بحق، بل بمعنى تمامية ملاك الفعلية و تحقق شرائطه الدخيلة في فعليته، فاذا علم المكلف بتحققها و كان قادرا على الامتثال‏
 قال «... و الجعل و الادانة» و لم يقل «الجعل و الفعلية و التنجز» كغيره مما هو مشهور على السنة الاصوليين، و ذلك لعدم وجود حكم عند المولى باسم الحكم الفعلي او المجعول، و انما فعلية الحكم من شئون العبد لا من شئون المولى، بحيث لو فرضنا ان المولى- بعد ما جعل حكما ما على عبده و قيده ببعض الشروط- لم يعلم بتحقق هذه الشروط فقد صار فعليا رغم جهله بتحققها، مما يعني ان فعلية الحكم ليست من مراتب التكليف، او قل: ليس الامر كما قد يتصوره البعض من انه اذا تحققت شرائط الحكم فان المولى سيجعل حكما آخر هو الحكم الفعلي، فافهم. (راجع ان شئت مباحث السيد الهاشمي ج 2 في الشرط المتاخر ص 181).
 (و مراده) بالادانة مرحلة تنجز الحكم، و هي تحصل اذا تمت شرائط الفاعلية و المحركية
 (اصحاب التعليقات) و كذلك السيد الحكيم في مستمسكه ج 10 ص 111 لم يعلقوا على التفصيل بين مرتبة التنجز و مرتبة الفعلية عند قول الماتن رحمه الله بانه «اذا وصل ماله الى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به او كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد ان تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه اذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده، و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة، غاية الامر انه معذور في ترك ما وجب عليه ... و عدم التمكن من جهة الجهل و الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي، و القدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي و هي موجودة، و العلم شرط في التنجز لا في اصل التكليف» انتهى، و هو عين ما ذكرناه‏

                        الدروس شرح الحلقة الثانية، ج‏3، ص: 219
الشرح‏
يقع البحث في مسقطات الحكم الشرعي، و يستعرض المصنف (قدس سره) أربعة منها، و هو ما نبحثه الآن.
مسقطات الحكم‏
يسقط الحكم الشرعي بعدة أمور:
1 الامتثال و الإتيان بمتعلق الحكم.
2 العصيان.
3 الإتيان بما جعله الشارع مسقطا.
4 امتثال الأمر الاضطراري.
مسقطية الامتثال و العصيان‏
يسقط الحكم الشرعي بامتثاله أو عصيانه، و هو ما ذكره مشهور الأصوليين. أما الامتثال، فكما لو أمر الشارع بالصلاة و امتثلها المكلف، فإنه بامتثالها لا يبقى وجود للأمر بها. و هذا يعني أن الامتثال مسقط للحكم.
و أما العصيان، فكما لو أمر الشارع بالتصدق يوم الجمعة، و لم يتصدق المكلف في ذلك اليوم، فإن الأمر بوجوب التصدق سوف يسقط لانعدام قيده، أي يوم الجمعة، و هذا يعني أن العصيان مسقط للحكم أيضا.
إلا أن السيد الشهيد (قدس سره) يخالف المشهور في مقولتهم بأن الامتثال و العصيان مسقطان للحكم، و يرى بأنهما لا يسقطان الحكم و إنما يسقطان فاعليته و محركيته، و هذا أحد المباني المختصة به رضوان الله عليه.
                        الدروس شرح الحلقة الثانية، ج‏3، ص: 220
توضيحه: عند ما يقول الأصوليين بأن الامتثال و العصيان مسقطان للحكم، فما هو مقصودهم من الحكم؟
إن كان المقصود به الجعل، فمن الواضح أنه لا يسقط بالامتثال كما لا يسقط بالعصيان، فإن امتثال المكلف أو عصيانه لوجوب الحج لا يسقط قوله تعالى: و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا «1»
 و كونه واجبا من واجبات الإسلام؛ فقد تقدم أن الجعل مرتبط بإرادة الشارع و لحاظ القيود تقديرا فقط، و لا يتوقف على أي شي‏ء آخر.
و إن كان المقصود به المجعول كوجوب الحج على زيد المستطيع فإنه تابع وجودا و عدما لوجود قيود الموضوع و عدمها، كالاستطاعة فإن فعلية وجوب الحج متوقفة على وجودها فإن وجدت وجد و إلا فلا، و في مثل‏
هذه الحالة يمكن أن يقال بأن عدم الاستطاعة مسقط لفعلية المجعول لأن وجودها قيد في تحققه.
و ليس حال الامتثال و العصيان كذلك، فإنهما ليسا قيدين في فعلية الحكم و لم يؤخذ عدمهما قيدا في موضوعه ليكون وجودهما مسقطا للحكم المجعول. فلم يقل الشارع مثلا: «إن لم تمتثل أو لم تعص الحج فيجب عليك الحج»، بينما قال في الاستطاعة: «إن استطعت فيجب عليك الحج»، و من ثم صارت الاستطاعة قيدا و عدمها مسقطا للمجعول.
و لكن يبقى السؤال: إذا لم يكن الجعل و المجعول ساقطين بالامتثال و العصيان فما الذي يسقط إذا؟
الجواب: إن الذي يسقط هو فاعلية الحكم و محركيته و دافعيته نحو الإتيان بمتعلقه. فالحكم بعد الامتثال و العصيان موجود على مستوى‏
__________________________________________________
 (1) () آل عمران: 97.
                        الدروس شرح الحلقة الثانية، ج‏3، ص: 221
الجعل و المجعول إلا أنه خال من البعث و المحركية، لأن المكلف بالامتثال قد حقق متعلق الحكم و حصل مقصود الشارع، و بالعصيان قد فوت إمكانية الإتيان به، و بذلك تنتفي فاعلية الحكم لا فعليته.


 

البيان المفيد في شرح الحلقة الثالثة من حلقات علم الأصول، ج‏3، ص: 275
النقطة الثانية: إن الترتب يعني على الأقل تقييد أحد الضدين بعدم امتثال التكليف بالضد الآخر أو بالبناء على عصيانه، و في هذه الحالة، يكون وجوبه مشروطا بعدم الاشتغال بالضد الآخر، و إذا كان الأمر كذلك، استحال أن يكون هذا الوجوب المشروط منافيا بفاعليته و محركيته للتكليف بالضد الآخر؛ لأنه بحسب الفرض مقيد بعدم امتثاله ذلك الضد، بمعنى: أنه لا فاعلية و لا محركية له إلا إذا تحقق شرطه و هو عدم امتثال الضد الآخر؛ لأن عدم امتثال التكليف بالضد الآخر يمثل مقدمة وجوب للتكليف بضده، و هذا يعني: أن هذا الوجوب مقيد بذلك القيد، و هو العدم، و مع عدم تحقق القيد فلا محركية و لا فاعلية، و إذا كان الأمر كذلك، فلا يعقل أن يكون هذا الوجوب محركا نحو تلك المقدمة؛ لأنه لا يحصل إلا بعد حصولها، و هذا يعني: عدم المنافاة في عالم المحركية و الفاعلية بين هذا الوجوب المشروط و بين التكليف بالضد الآخر، الأمر الذي يعني: أن عدم امتثال الضد الآخر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مستندا إلى الأمر بضد التكليف الآخر، و بهذا يتبرهن عدم المنافاة بين هذين التكليفين في عالم‏
المحركية و الامتثال.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( شرح الحلقة الثالثة )، ج‏1، ص: 124
 (*) ذكر السيد المصنف رحمه الله في مسألة «حالات ارتفاع القدرة» من الجزء الثاني هذا الكلام فقال انه يكفي وجود القدرة حدوثا في بقاء التكليف الفعلي و ترتب استحقاق العقاب، نعم لا فاعلية لهذا التكليف الفعلي اي لا محركية له للغويته، لعدم القدرة على الامتثال.
 (و هذا) الكلام في غاية الصحة، و ذلك لان فعلية التكليف مترتبة على تمامية ملاك الحكم و فعلية شرائطه، و القدرة- كالعلم- خارجة من ملاك الحكم، فالصلاة و لو مع عدم القدرة على انجازها- لوجود مزاحم اهم مثلا- يبقى وجوبها فعليا لتمامية ملاكها و المصلحة و الحسن فيها مع فعلية شرائط وجوبها من الوقت و البلوغ، و لذلك نقول بصحتها فيما لو اتى الشخص بها و ترك الاهم، و سياتيك في بحث الترتب اثبات الامر بها- بنحو الترتب- بدليل اطلاق الامر بها ... و كقتل المؤمن خطأ اعتقادا منه انه عدو حربي فان هذا القتل لا شك في حرمته الفعلية للسبب المذكور و هو تمامية المفسدة و القبح، نعم لا محركية لهذا التحريم لعدم القدرة على امتثاله مع كونه معتقدا بكونه حربيا و انه مقبل مثلا ليقتله.
هذا بالنسبة الى كبرى الجواب، و لكن الكلام مع سيدنا الشهيد في كون هذا المورد المفروض صغرى لهذه الكبرى الصحيحة.

 

 

 (شرطية القدرة بالمعنى الاعم)
تقدم ان العقل يحكم بتقيد التكليف و اشتراطه بالقدرة على متعلقه لاستحالة التحريك المولوي نحو غير المقدور، و لكن هل يكفي هذا المقدار من التقيد او لا بد من تعميقه؟
و من اجل الجواب على هذا السؤال نلاحظ ان المكلف اذا كان قادرا على الصلاة تكوينا و لكنه مأمور فعلا بانقاذ غريق تفوت بانقاذه الصلاة للتضاد بين عمليتي الانقاذ و الصلاة و عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما، فهل يمكن ان يؤمر هذا المكلف بالصلاة و الحالة هذه فيجتمع عليه تكليفان بكلا الفعلين؟
و الجواب بالنفي، لان المكلف و ان كان قادرا على الصلاة فعلا قدرة تكوينية و لكنه غير قادر على الجمع بينها و بين انقاذ الغريق فلا يمكن ان يكلف بالجمع. و لا فرق في استحالة تكليفه بالجمع بين ان يكون ذلك بايجاب واحد «1» او بايجابين «2» يستدعيان بمجموعهما الجمع بين الضدين، و على هذا فلا يمكن ان يؤمر بالصلاة من هو مكلف فعلا بالانقاذ في هذا المثال و ان كان قادرا عليها تكوينا، و ذلك يعني وجود
__________________________________________________
 (1) كما في «قم بالصلاة و الانقاذ» بأمر واحد
 (2) كما في الامر بالصلاة و الامر- بأمر آخر منفصل- بالانقاذ
                        دروس في علم الأصول ( شرح الحلقة الثالثة )، ج‏2، ص: 176
قيد آخر للأمر بالصلاة- و لكل أمر- اضافة الى القدرة التكوينية و هو: ان لا يكون مبتلى بالامر بالضد فعلا، فالقيد اذن مجموع امرين: القدرة التكوينية و عدم الابتلاء بالامر بالضد، و هذا ما نسميه بالقدرة التكوينية بالمعنى الاعم، و لا اشكال في ذلك، و انما الاشكال في معنى «عدم الابتلاء» الذي يتعين عقلا اخذه شرطا في التكليف فهل هو بمعنى ان لا يكون مأمورا بالضد [كالانقاذ] أو بمعنى ان لا يكون مشغولا بامتثال الامر بالضد، و الاول يعني ان كل مكلف باحد الضدين [كالانقاذ] لا يكون مأمورا بضده [كالصلاة] سواء كان بصدد امتثال ذلك التكليف او لا، و الثاني يعني سقوط الامر بالصلاة عمن كلف بالانقاذ لكن لا بمجرد التكليف بل باشتغاله بامتثاله، فمع بنائه على العصيان و عدم الانقاذ يتوجه إليه الامر بالصلاة، و هذا ما يسمى بثبوت الامرين بالضدين على نحو الترتب.
و قد ذهب صاحب الكفاية رحمه الله الى الاول مدعيا استحالة الوجه الثاني لانه يستلزم في حالة كون المكلف بصدد عصيان التكليف بالانقاذ ان يكون كلا التكليفين فعليا بالنسبة إليه، اما التكليف بالانقاذ فواضح لان مجرد كونه بصدد عصيانه لا يعني سقوطه «1»، و اما الامر بالصلاة
__________________________________________________
 (1) بل تبقى فعليته و فاعليته و هو صحيح بلا شك، أما بقاء فعليته فلتمامية ملاكه او قل لتمامية شرائط فعليته، و اما بقاء فاعليته (اي منجزيته) فلانه- اضافة الى عدم وجود مانع يمنع عن بقاء فاعليته و محركيته اذ ان مجرد البناء على العصيان لا يرفع فاعلية التكليف كما عرفت في مسألة «حالات ارتفاع القدرة»- معلول لشرائط فعلية التكليف و العلم بها و القدرة على الامتثال و كلها متحققة

 

 

                        دروس في علم الأصول ( شرح الحلقة الثالثة )، ج‏3، ص: 121
 (تحديد مفاد البراءة)
و بعد ان اتضح ان البراءة تجري عند الشك «1» لوجود الدليل عليها و عدم المانع .. يجب ان نعرف ان الضابط في جريانها ان يكون الشك في التكليف، لأن هذا هو موضوع دليل البراءة، و أما إذا كان التكليف معلوما و الشك في الامتثال فلا تجري البراءة و انما تجري أصالة الاشتغال، لأن الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، و هذا واضح على مسلكنا المتقدم القائل بأن الامتثال و العصيان ليسا من مسقطات التكليف بل من أسباب انتهاء فاعليته «2»، إذ على هذا المسلك لا يكون الشك في الامتثال‏
__________________________________________________
 (1) اي ان البراءة تجري عند الشك في الحكم الواقعي لوجود الدليل على البراءة و عند عدم وجود مانع- عقلي أو عقلائي- من جريانها
 (2) مراد السيد الشهيد هو انه على مسلكه المتقدم في الجزء الأول (و هو ان الامتثال يسقط فاعلية التكليف و لا يسقط فعليته) إذا صلى المكلف من دون قراءة السورة عامدا و شك في صحة صلاته يصح ان نتساءل عن حكم العقل في هذه الحالة، فيجيب العقل بأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني لكون التكليف فعليا حتى بعد الامتثال، فكأن هذا التكليف الفعلي هو الذي يستدعي و يطالب بالفراغ اليقيني بخلاف ما لو قلنا بأن الامتثال يسقط الفعلية فالشك ينقلب- بعد الامتثال المشكوك- إلى الشك في وجود تكليف فعلي في ذمة الممتثل و عدم‏
                       

دروس في علم الأصول ( شرح الحلقة الثالثة )، ج‏3، ص: 122
__________________________________________________
وجوده، فقد يتوهم حينئذ تحقق موضوع قاعدة البراءة، مع أننا نعلم بأن هذا المورد ليس مورد جريان البراءة بل مورد اصالة الاشتغال، فكيف تحل هذه المشكلة؟
و قد أجاب السيد الشهيد (قده) بالجوابين الآتيين و هما «دعوى انصراف أدلة البراءة إلى حالة الشك الناشئ من غير ناحية الامتثال و التمسك باستصحاب عدم الامتثال».
بعد هذا يحسن ان نذكر امورا تفيد فيما نحن فيه فنقول:
* اما بالنسبة إلى الامتثال‏
- فقد يفنى الملاك به، كأن نؤمر بقتل مرتد فطري فقتلناه، أو بشراء خبز للمولى فاشترينا له، ففي هذه الحالة يفنى الملاك و بالتالي يسقط التكليف جعلا و فعلية كما هو واضح.
- و قد نعلم ببقاء الملاك، كما في العبادات، فمن صلى الظهر لم يفن محبوبية هذه العبادة و مقربيتها الى الله تعالى، و لذلك ترى في الروايات الصحيحة استحباب إعادتها جماعة «فان له صلاة اخرى» و أن إعادة الصلاة جماعة «أفضل» و له ان «يجعلها الفريضة ان شاء» ...
و إلى هذه الحالة نظر السيد الشهيد رحمه الله من قوله ببقاء فعلية التكليف و عدم سقوطها بالامتثال، و لازم قوله هذا أن الاكتفاء بالمرة من من الله سبحانه و تعالى، لأن بقاء فعلية التكليف يقتضي التكرار قدر الاستطاعة، و يؤيد هذا اللازم بعض روايات وردت في باب الحج عن الامام الرضا عليه السلام انه قال: «انما امروا بحجة واحدة لا اكثر من ذلك، لأن الله وضع الفرائض على ادنى القوة، كما قال» فما استيسر من الهدي «يعني شاة ليسع القوي و الضعيف، و كذلك سائر الفرائض انما وضعت على ادنى القوم قوة، فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا، ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم» (باب 3 من أبواب وجوب الحج- ح 2)
 

                   سید محمود هاشمی شاهرودی  

   اضواء و آراء ؛ تعليقات على كتابنا بحوث في علم الأصول، ج‏1، ص: 273
ص 247 قوله: (و ثانيا- بالحل بأن الأمر الغيري و كذلك الأمر الضمني...).
قد يقال: ما ذكر تام في الأمر الضمني فإن امتثاله ليس مستقلا عن امتثال الأمر الاستقلالي لأنه أمر واحد له امتثال واحد، فعلى القول بسقوط فعلية الأمر بالامتثال لا يكون له إلا سقوط واحد كما لا يكون له إلا فعلية واحدة.
فالحاصل: وحدة الأوامر الضمنية في الفعلية تستلزم وحدتها في السقوط، و هذا لا ربط له بمسألة اشتراط أن لا يكون متعلق الوجوب الضمني حاصلا في الخارج و إن طلب الحاصل فيها لغو أيضا كما في الهامش، فإن ذلك مسألة اخرى مربوط بلغوية انبساط الأمر على جزء حاصل خارجا في مقام الجعل، و ليس مربوطا بمرحلة الفعلية كما لا يخفى بالتأمل.
إلا أن هذا البيان تام في الأوامر الضمنية دون الغيرية لأنها مستقلة عن الأمر النفسي في التعلق و الفعلية.
نعم، الصحيح أن يقال انه بناء على القول بالمقدمة الموصلة يكون الأمر الغيري المتعلق بذات المقدمة أمرا ضمنيا غيريا فلا يسقط إلا بتحقق امتثال الأمر الغيري المستقل أي الاتيان بالعلة التامة و المقدمة الموصلة، فالاشكال مندفع بأن عدم سقوطه لكونه ضمنيا لا لكونه غيريا.
                       

اضواء و آراء ؛ تعليقات على كتابنا بحوث في علم الأصول، ج‏1، ص: 274
و الجواب: ان نفس ما يقال في الأوامر الضمنية يصح في الأوامر الغيرية؛ لكونه تابعة للوجوب النفسي، فحتى إذا فرضنا حيثية التوصل خارجا عن متعلق الأمر الضمني بالمقدمة الموصلة- كما هو الصحيح على ما سيأتي- مع ذلك نقول بأن الوجوب الغيري لذات المقدمة الموصلة و واقعها أيضا يكون سقوطها بسقوط الأمر النفسي من خلال امتثاله و تحقق ذي المقدمة خارجا، و إلا فما دام الوجوب النفسي فعليا يكون الوجوب الترشحي الغيري فعليا أيضا؛ لكون متعلقه ما يكون مساوقا مع تحقق ذي المقدمة و الواجب النفسي.
نعم، بناء على ما هو الصحيح من عدم سقوط فعلية الأمر بالامتثال أصلا و إنما الساقط فاعليته لا موضوع لاشكال صاحب الكفاية حيث لا فاعلية للأوامر الغيرية أصلا، و لا موضوع لاشكال تحصيل الحاصل فيها.

 

سید کاظم حائری

                        مباحث الأصول، ج‏1، ص: 410
يبقى الكلام في أنه لو اتفق للمولى كون غرضه متعلقا بجعل حكم بحيث يختص بدائرة العالمين بالحكم، أ فهل يوجد له طريق للوصول إلى هذا الهدف من دون الابتلاء بالمحاذير السابقة أو لا؟.
و الواقع أن البراهين الماضية ما تم منها لا يثبت عدا استحالة أخذ العلم بالحكم في متعلقه بنحو يتحد بالدقة ما تعلق به العلم مع ما توقف على العلم. و لدينا وجهان لعلاج الموقف بشكل لا يعود أخذ العلم بالحكم في متعلق الحكم إلى الاتحاد الحقيقي بين ما تعلق به العلم و ما توقف عليه:
الوجه الأول: أن بإمكان المولى أخذ العلم بالجعل في مرتبة المجعول، فلم يكن ما تعلق به العلم عين ما ترتب على العلم بالدقة حتى يلزم محذور، و في نفس الوقت قد توصل المولى إلى غرضه من اختصاص حكمه بدائرة العالمين.
و لا فرق في ذلك بين أن نتصور الفرق بين الجعل و المجعول بالشكل المتعارف ذكره، أو نختار معنى أدق و أعمق يأتي بيانه في محله- إنشاء الله-.
و لننهج هنا في مقام البيان المنهج المتعارف ذكره حيث يقال: إن الشارع لما جعل وجوب الحج على المستطيع مثلا- و لنفرض أنه في ذلك الحين لم يكن أحد مستطيعا- فلا إشكال في أنه وجد بذلك في عالم‏
                       

مباحث الأصول، ج‏1، ص: 411
التشريع حكم لم يكن موجودا قبله، و هذا هو المسمى بالجعل، و لكنا لو وجهنا سؤالا إلى أي إنسان في ذلك الزمان عن أنه هل يجب عليك الحج- و المفروض بشأنه عدم الاستطاعة- لأجاب بالنفي، و لو سألناه عن ذلك بعد استطاعته لأجاب بالإيجاب، إذن قد تحقق بشأنه بعد تمامية الجعل وجوب عند اتصافه بالاستطاعة، و هذا الوجوب لم يكن موجودا بشأنه قبل استطاعته، و هذا هو المسمى بالمجعول.
إذن فالمجعول غير الجعل، و عليه فلا مانع من أخذ العلم بالجعل شرطا لتحقق المجعول.
و قد ذكرنا للسيد الأستاذ هذا العلاج- أعني أخذ العلم بالجعل موضوعا للمجعول- فأجاب عنه بما ذكرنا في (الدراسات) من أن جعل الحج مثلا على المستطيع ليس جعلا بشأن زيد إلا إذا استطاع زيد، و الجعل إنما يكون جعلا بشأن شخص ما حينما يكتمل بشأن ذاك الشخص كل شرائط المجعول، و المقصود من أخذ العلم بالحكم في متعلق الحكم ليس هو أخذ العلم بحكم أحد في متعلق حكم شخص آخر، و إلا فإمكانه بمكان من الوضوح، و إنما المقصود هو أخذ العلم بحكم شخص في متعلق حكم ذلك الشخص، إذن فمرجع أخذ العلم بالجعل في متعلق المجعول هو أخذ العلم بجعل وجوب الحج على زيد مثلا في موضوع الوجوب الفعلي للحج على زيد، و بالتالي لم يعد المتوقف على العلم بالجعل هو المجعول فقط كي يخلو عن المحذور، بل أصبح نفس الجعل بشأن زيد متوقفا عليه، لأن كون الجعل جعلا بشأن زيد متوقف على تحقق كامل أجزاء موضوع المجعول و التي منها علمه بالجعل.
و يرد عليه: أننا نقصد بأخذ العلم بالجعل في متعلق المجعول أخذ العلم بجعل (لم يقع فاصل بينه و بين كونه جعلا بشأن زيد عدا العلم به) في متعلق المجعول، أو قل: أخذ العلم بجعل لو علم به لكان جعلا
                       

مباحث الأصول، ج‏1، ص: 412
بشأنه في متعلق المجعول. و بهذا ينتهي المحذور [1] بقي علينا أن نشير هنا
__________________________________________________
 [1] أقول: إن هذا الوجه و هو أخذ العلم بالجعل شرطا في موضوع المجعول و إن كان كافيا لعلاج مشكلة الدور، و مشكلة التهافت بين طبيعة العلم و طبيعة المعلوم، و مشكلة عدم قابلية الحكم للوصول لتوقف العلم به على العلم به، و لكنه لا يكفي لعلاج ما مضى نقله عن المحقق النائيني (رحمه الله) من محذور لزوم تقدم الشي‏ء على نفسه في منظار الجعل، فالجاعل الذي يفرض العلم بالجعل مفروغا عنه مسبقا و بالتالي يفرض نفس الجعل مفروغا عنه كيف ينشئ الجعل مرة أخرى؟!.
نعم قد عرفت أن هذا الوجه في ذاته غير صحيح، إذ الفراغ عن العلم بالجعل لا يستلزم عدا الفراغ عن المعلوم بالذات، و هو وجود الجعل في نفس العالم، لا الفراغ عن المعلوم بالعرض و هو ذات الجعل.
بقي علينا شرح الحال فيما أشار إليه أستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أن هذا الوجه- و هو حل الإشكال بأخذ العلم بالجعل شرطا في المجعول- يمكن إسراؤه إلى مبناه هو (قدس سره) في تصوير الجعل و المجعول.
فنقول: إننا تارة ننساق مع التصور المعروف عن المحقق النائيني (رحمه الله). من قياس القضايا التشريعية بالقضايا التكوينية، فكما أن في قولنا: النار محرقة تكون القضية الحقيقية الراجعة إلى القضية الشرطية صادقة من أول الأمر و لكن فعلية الجزاء تتأخر إلى حين فعلية الشرط، كذلك وجوب الحج على تقدير الاستطاعة يثبت على شكل القضية الحقيقية و الشرطية و يصبح الوجوب فعليا عند تحقق الشرط، و لذا نرى أنه حينما يقول المولى: (لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) يثبت الحكم و في نفس الوقت لا وجوب على الأفراد غير المستطيعين، و عند ما تتم الاستطاعة بشأن أحد يثبت الوجوب له، فالثاني نسميه بالمجعول و الأول نسميه بالجعل. و حينئذ من الواضح صحة الحل الذي قام به أستاذنا الشهيد (رحمه الله) في المقام من افتراض أن العلم بالجعل أخذ في موضوع المجعول.
و أخرى لا نقبل هذا البيان و نرى قياس المقام بالأمور التكوينية قياسا مع الفارق، ففي الأمور التكوينية يتحقق الجزاء في لوح الخارج بتحقق الشرط، أما في باب الأحكام فلا يتحقق بتحقق الشرط شي‏ء لا في لوح الخارج، و لا في لوح نفس المولى، على مستوى الحب و البغض، أو على مستوى الاعتبار و الجعل. أما عدم تحقق شي‏ء في لوح الخارج فواضح، لأن الأحكام ليست من الأمور الخارجية كالاحتراق، و أما عدم تحقق اعتبار آخر فأيضا
                        مباحث الأصول، ج‏1، ص: 413
..........
__________________________________________________
- واضح، إذ معنى تحققه تعدد الجعل و هو خلاف المفروض، و أما عدم تحققه في عالم الحب و البغض- بأن ينقدح حب و بغض للفعل يعتبر فعلية لحبه أو بغضه للقضية الشرطية- فلوضوح أن فعلية الحكم المجعول على نهج القضية الحقيقية غير مشروطة بعلم المولى بتحقق الشرط، و وضوح عدم انقداح حب أو بغض جديدين عند عدم علم المولى بتحقق الشرط. نعم قد يقال: أن هناك قضية تكوينية شرطية يتحقق جزاؤها عند تحقق شرطها، و هي أنه لو علم المولى بتحقق الأمر الفلاني لأحب تحقق العمل الفلاني، فمتى ما حصل الشرط و هو علم المولى بتحقق ذاك الأمر تحقق الجزاء. إلا أن هذا خروج عن المقصود، فإن الحكم في عالم الحب و البغض عبارة عن حب القضية الشرطية حبا فعليا سواء تحقق الشرط أولا و سواء علم المولى بتحقق الشرط أولا، و ليس عبارة عن قضية شرطية شرطها هو العلم بذاك الشرط و جزاؤها هو الحب.
إذن فالذي يتحقق في باب التشريع عند فعلية الشرط إنما هو فاعلية الحكم و طرفية المكلف لذاك الحكم، لا فعلية الحكم بالمعنى الدقيق للكلمة، و إن صح التعبير عن ذلك بفعلية الحكم بنوع من المسامحة أو بافتراض مصطلح خاص، و لا مشاحة في الاصطلاح.
أما المجعول بالمعنى الدقيق للكلمة فهو لا ينفك عن الجعل، فإنه بالقياس إلى الجعل كالوجود بالقياس إلى الإيجاد، و كما أن الإيجاد و الوجود خارجا متحدان كذلك الجعل و المجعول كما أفاده أستاذنا الشهيد (رحمه الله).
و على هذا الأساس قد يقال: أن الحل الذي ذكره أستاذنا الشهيد (رحمه الله) و إن كان يتم على مبنى مدرسة المحقق النائيني (رضوان الله عليه) و لكنه لا يتم على مبناه هو (رحمه الله)، إذ الجعل و المجعول- حسب مبناه- أحدهما عين الآخر خارجا، فلا اثنينية في المقام كي نفترض أن العلم بالجعل أخذ في موضوع المجعول و نتخلص من محاذير وحدة متعلق العلم و ما يترتب على العلم، كما لا نستطيع أن نفترض أن العلم بالجعل أخذ في موضوع فاعلية الحكم و طرفية المكلف للحكم، إذ ليس هذا مجعولا للمولى كي يستطيع أن يدخل في موضوعه بيد التشريع شيئا.
و الجواب: أن الجعل و المجعول و إن كانا متحدين خارجا و ليس الفرق بينهما إلا بلحاظ جهة الانتساب إلى الفاعل أو القابل تماما كالإيجاد و الوجود، إلا أن هذا لا يضر بتمامية الحل الذي تبناه أستاذنا الشهيد. توضيح ذلك: أنه يتصور لربط المولى للحكم بالعلم به معنيان:
المعنى الأول: أن يقصد بذلك توقيف الجعل ابتداء على العلم بالمعنى الحقيقي لكلمة التوقيف، و هذا يستحيل صدوره من الجاعل بما هو جاعل حتى لو غض النظر عن المحاذير-
                       

مباحث الأصول، ج‏1، ص: 414
إلى أنه يتضح بالالتفات إلى مسألة الجعل و المجعول ما يرد على ما مضى من الوجه الأول من الوجهين البرهانيين لاستحالة أخذ العلم شرطا لمتعلقه، من أنه إن كان الحكم دخيلا في حصول العلم به لزم الدور
__________________________________________________
- السابقة، فإن الجعل عمل للجاعل و العامل يستحيل أن يجعل عمله بنفس هذا العمل متوقفا (بالمعنى الحقيقي للتوقف التكويني) على شي‏ء، فقد يكون عمل فاعل ما متوقفا على شي‏ء ابتداء كتوقفه على مقدمات لولاها لما كان قادرا على ذاك العمل، أو متوقفا عليه بسبب تعجيز معجز له عن ذاك العمل في فرض عدم ذاك الشي‏ء و لو كان المعجز نفس الفاعل، و لكن لا يعقل كونه معجزا لنفسه عن ذلك بنفس هذا العمل كما هو واضح. إذن فهذا المعنى خارج عن محل الكلام أساسا.
المعنى الثاني: أن يقصد بذلك تضييق دائرة الحكم، فبدلا عن أن يجعل وجوب الحج على مطلق المستطيع يجعله على المستطيع العالم، و هذا ليس ابتداء توقيفا للجعل على العلم بل تضييق و تحصيص للمفاد الذي جعله بالعلم، و هذا هو محل الكلام، و هذا التضييق و التحصيص يؤدي قهرا إلى توقف المجعول على العلم- بناء على تصورات مدرسة المحقق النائيني من افتراض مجعول يولد عند تمامية الموضوع- و إلى توقف طرفية المكلف لهذا الحكم أو فاعلية الحكم بالنسبة إليه- بناء على تصورات أستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أن ما يولد بتمامية الموضوع إنما هو طرفية المكلف للحكم أو فاعلية الحكم بالنسبة إليه و ليست فعلية الحكم- و من هنا يتضح أنه لا فرق جوهري في خصوص ما نحن فيه يترتب على الاختلاف بين المبنيين، فعلى مبنى مدرسة المحقق النائيني (رحمه الله) يكون المجعول أو فعلية الحكم قد توقف قهرا على ما ضيق المولى دائرة الحكم به، فإذا فرض أن المولى قد ضيق دائرة الحكم بالعلم بالمجعول وردت المحاذير السابقة، و إذا فرض أن المولى قد ضيق دائرة الحكم بالعلم بالجعل لم يكن هناك محذور، و على مبنى أستاذنا الشهيد (رحمه الله) تكون طرفية العبد للحكم أو فاعلية الحكم قد توقفت قهرا على ما ضيق المولى دائرة الحكم به، فإن فرض أن المولى قد ضيق دائرة الحكم بالعلم بطرفية العبد للحكم و فاعلية الحكم وردت المحاذير السابقة، و إن فرض أن المولى قد ضيق دائرة الحكم بالعلم بالجعل لم يكن هناك محذور.
و لا يجعل المولى ابتداء فاعلية الحكم أو طرفية المكلف للحكم متوقفة على العلم كي يقال: إن فاعلية الحكم أو طرفية المكلف له أمر قهري و ليس تشريعيا تناله يد المشرع بما هو مشرع، و إنما الذي يصنعه المولى هو تضييق دائرة حكمه و تحصيصه و يترتب على ذلك قهرا توقف فاعلية الحكم أو طرفية المكلف له على ما ضيق المولى دائرة الحكم به.
                       

مباحث الأصول، ج‏1، ص: 415
و إلا لزم اللغوية.
فإن هذا يرد عليه: أننا نختار الشق الثاني أي عدم دخل الحكم- أعني المجعول- في حصول العلم به فلا يلزم الدور، و لكننا نفرض دخل الجعل في تحقق العلم فلا تلزم اللغوية أيضا، فقد تصورنا بهذا أخذ العلم بالمجعول شرطا للمجعول بلا لزوم محذور الوجه الأول من الوجهين البرهانيين.
الوجه الثاني: أن يؤخذ العلم بإبراز الحكم شرطا في الحكم، كما يتفق ذلك في الموالي العرفية، فيقول المولى العطشان مثلا: من سمع كلامي فليأتني بماء. و هذا الوجه لا حاجة فيه إلى تصوير تعدد الجعل و المجعول [1].
__________________________________________________
 [1] أقول: قد عرفت أن المعتمد في مقام الإشكال على فرض وحدة متعلق العلم و ما يترتب على العلم أمران: أحدهما: التهافت بين طبيعة العلم- التي تتطلب النظر إلى المتعلق و كأنه مستقل عن العلم- و بين طبيعة المتعلق الذي ربط حسب الفرض بالعلم و أوقف عليه. و الثاني:
عدم قابلية الحكم للوصول، لأن العلم به متوقف على العلم بموضوعه، فإذا كان موضوعه هو العلم به توقف العلم به على العلم بالعلم به، و هذا ما يعود إلى الدور أو إلى روح الدور أعني توقف الشي‏ء على نفسه.
و لا إشكال في أن الوجه الثاني المذكور في المتن باستطاعته أن يحل المحذور الثاني بلا حاجة إلى رجوعه إلى الوجه الأول أو إلى روح الوجه الأول من التمييز بين الجعل و المجعول أو الجعل و فاعلية الحكم، فحتى لو فرضنا أن الإبراز الذي يكون العلم به شرطا في الحكم متعلق بنفس ما يترتب على العلم، فالمجعول مثلا يترتب على العلم بإبراز المولى للمجعول، أو فاعلية الحكم تترتب على العلم بإبراز المولى لفاعلية الحكم، كان المحذور الثاني مرتفعا، إذ لا يلزم من أخذ العلم بإبراز الحكم في موضوع الحكم عدا توقف العلم به على العلم بالعلم بإبرازه الراجع إلى توقف العلم به على العلم بإبرازه، و هذا غير توقف الشي‏ء على نفسه، و كثيرا ما يتفق توقف العلم بشي‏ء على العلم بإبرازه، فمثلا فيما يخبر المخبر الثقة بقضية لا سبيل لنا إلى معرفتها غير إخباره يكون علمنا بتلك القضية متوقفا على علمنا بإبراز المخبر لها.
إلا أنه قد يقال أن هذا الوجه لا يحل المحذور الأول إلا بنفث روح الوجه الأول فيه، من التمييز-
                       

مباحث الأصول، ج‏1، ص: 416
هذا تمام كلامنا في بيان وجهين للهروب عن إشكالات أخذ العلم بالحكم في متعلق الحكم.
فلو اتفق في الشريعة في بعض الموارد اختصاص الحكم بالعالمين بالحكم كما في مسألة الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام- بناء على أن المستفاد من روايات الإجزاء فيها هو اختصاص الحكم بالعالم- يحمل ذلك على أحد هذين الوجهين.
مسلك متمم الجعل‏
إلا أن المحقق النائيني (رحمه الله) سلك في بيان المهرب عن إشكال استحالة موضوعية العلم بالحكم لمتعلقه مسلكا آخر، و هو مسلك متمم الجعل.
و حاصل رأيه في ذلك: إن الجعل ربما لا يكون مطابقا لغرض المولى و وافيا بتمام الغرض، و ذلك كما في ما نحن فيه إذ لا إشكال في أن الغرض إما أن تعلق بصدور الفعل من خصوص العالم بالحكم أو تعلق‏
__________________________________________________
- بين الجعل و الفعلية أو الجعل و الفاعلية، ذلك لأنه لو غض النظر عن هذا التمييز لأمكن أن يقال باستحالة توقف الحكم على العلم بإبراز المولى للحكم، لأن العلم بشي‏ء يقتضي بطبيعته النظر إلى ذاك الشي‏ء و كأنه مستقل عن العلم و غير متوقف عليه، فإبراز الحكم يجب أن يفرض مستقلا عن العلم و غير متوقف عليه، و هذا يعني ثبوت إبراز المولى للحكم بغض النظر عن العلم بهذا الإبراز، و طبعا إبراز المولى للحكم فرع ثبوت الحكم واقعا، إذن هذا يعني ثبوت الحكم واقعا بغض النظر عن العلم بهذا الإبراز، بينما المفروض هو توقف الحكم على العلم بهذا الإبراز. و بتعبير آخر: أن توقف الحكم على العلم بالإبراز يستدعى توقف معلوله و هو الإبراز على العلم بالإبراز، فقد أصبح متعلق العلم و هو الإبراز متوقفا على العلم، و قد افترضنا استحالته للزوم التهافت بين طبيعة العلم الذي يقتضي النظر إلى المعلوم و كأنه مستقل عنه و طبيعة المعلوم.
إذن نحن بجاجة إلى نفث روح الوجه الأول من التمييز بين الجعل و الفعلية أو الفاعلية في هذا الوجه كي نقول: أن فعلية الحكم أو فاعليته توقفت على العلم بإبراز المولى للجعل

 

                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 180
 [التنبيه الثامن‏] العلم الإجمالي في التدريجيات‏
التنبيه الثامن: في العلم الإجمالي في التدريجيات.
لو علم إجمالا بأحد حكمين، أحدهما: بلحاظ الزمان الحاضر، و الآخر:
بلحاظ الزمان المستقبل، من قبيل علم المرأة إجمالا بحيضها في هذا الزمان، فيحرم عليها الدخول في المسجد مثلا بالفعل، أو في الزمان الآتي فيحرم عليها ذلك في الوقت الآتي، فهل يكون مثل هذا العلم الإجمالي منجزا، أو لا؟
إن ارتباط الحكم بالزمان المستقبل تارة يكون بمعنى كونه استقباليا خطابا و ملاكا، و أخرى بمعنى كونه استقباليا خطابا، كما لو علم بوجود الملاك بالفعل في العمل الكذائي الاستقبالي، و لكن رأينا أنه ليس الخطاب ثابتا الآن و لو من باب القول باستحالة الواجب المعلق، و ثالثة بمعنى تأخر زمان الواجب و إن كان الملاك و الخطاب ثابتا بالفعل، و ذلك إذا قلنا بإمكان الواجب المعلق، و رابعة بمعنى أن المكلف يقصد صدفة تأخير امتثاله.
و نحن نتكلم أولا في القسم الأول، فإن ثبتت فيه منجزية العلم الإجمالي، فلا إشكال في منجزيته في الأقسام المتأخرة، و إلا وصلت النوبة إلى البحث عن الأقسام المتأخرة.
و بما أننا سوف نثبت التنجيز في هذا القسم، فلا تصل النوبة إلى البحث عن سائر الأقسام، و نقصر البحث على هذا القسم، فنقول:
إن هنا شبهة في منجزية هذا العلم الإجمالي تنشأ من الصيغة المذكورة في مقام بيان ضابط منجزية العلم الإجمالي، و هي أن العلم الإجمالي إنما يكون منجزا إذا كان متعلقا بحكم فعلي على كل تقدير، فيقال فيما نحن فيه: إنه لم يتعلق العلم بحكم فعلي على كل تقدير، إذ لو حرم عليها الدخول في المسجد الآن مثلا- لكونها حائضا- فهذا حكم فعلي قابل للتنجيز بحكم العقل، و لو كان يحرم عليها الدخول فيما بعد، فهذه الحرمة غير فعلية الآن، و غير قابلة للتنجيز فعلا بحكم العقل، و الجامع بين القابل للتنجيز و غير القابل له غير قابل للتنجيز.
و هذه الشبهة دعت الشيخ الأعظم إلى القول بعدم التنجيز في بعض الشقوق-
                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 181
على ما في التقريرات-، و دعت المحقق العراقي [1] «1» إلى إبراز علم إجمالي آخر منتزع عن هذا العلم الإجمالي يكون بين حكمين فعليين، فينسب التنجيز إلى هذا العلم الإجمالي الثاني. و ذلك ببيان أن العلم الإجمالي بأحد الحكمين الآن أو مستقبلا و إن لم يكن علما بالحكم الفعلي على كل تقدير، و لكن يتولد من ذلك علم إجمالي بأنه إما يجب عليه الحكم الأول الفعلي، أو يجب عليه بالفعل حفظ القدرة للواجب الثاني، لأنه قد ثبت بوجه من الوجوه وجوب حفظ القدرة للواجبات الاستقبالية، و به يتغلب على مشكلة المقدمات المفوتة، و هذا العلم الإجمالي يكون علما بين حكمين فعليين، و يكون منجزا.
أقول: يرد على ذلك: أولا- أن وجوب المقدمات المفوتة حكم عقلي كما يعترف هو قدس سره بذلك، و ذلك من باب حكم العقل بالتنجيز، فلا يجب حفظ القدرة للواجب الاستقبالي إذا لم يكن منجزا، كما إذا لم يكن طرفا للعلم الإجمالي، بل كان مشكوكا بالشك البدوي، فوجوب حفظ القدرة في المقام فرع تنجز هذا الحكم بالعلم الإجمالي الأول، فإن لم يكن منجزا لم يتولد العلم الثاني، و إن كان منجزا فلا حاجة إلى دس مسألة حفظ القدرة [2] في المقام، فملاك ما هو المركوز في ذهنه قدس سره ليس هو ذلك.
__________________________________________________
 [1] و ذكر رحمه الله هناك- أيضا- وجها آخر لحل إشكال عدم تعلق العلم الإجمالي بتكليف فعلي على كل تقدير، و هو أن الأحكام في رأيه قدس سره كما في رأي أستاذنا الشهيد رحمه الله فعلية منذ البدء، و إنما الذي يتأخر إلى حين مجي‏ء الشروط هو فاعليتها، إذن فالعلم الإجمالي في المقام علم إجمالي بتكليف فعلي على كل تقدير.
أقول: إن هذا الوجه غير صحيح، فإننا لو أردنا أن نتكلم بهذه اللغة، قلنا: إن العلم الإجمالي إنما يكون مؤثرا إذا كان علما بتكليف فاعل على كل تقدير، أما إذا كان علما بتكليف فعلي مردد بين أن يكون فاعلا بالنسبة لي أو غير فاعل بالنسبة لي إلى الأبد، لعدم تحقق موضوعه في، فأي قيمة لهذا العلم الإجمالي؟ إذن فالمهم في الجواب توضيح أنه تكفي فعلية الحكم أو فاعليته (على اختلاف لغات المدارس الأصولية) في وقته، و إن كان مستقبلا

...

و بعد هذا نرجع إلى أصل الإشكال في المقام [1]، و هو أن الحكم الاستقبالي‏
__________________________________________________
 [1] يمكن أن يشق الإشكال إلى تقريبين:
الأول- تلحظ فيه فعلية الحكم أو فاعليته، فيقال: إن العلم الإجمالي إنما ينجز إذا تعلق بتكليف فعلي، أو فاعل على كل تقدير، و هنا أحد التكليفين ليس فعليا أو فاعلا في الوقت الحاضر.
و يجاب عنه: بأنه تكفي فعلية أو فاعلية الحكم الثاني في ظرفه.
و الثاني- أن يقال: إن الحكم المستقبلي يستحيل تنجزه من الآن لأن المردد بين ما يتنجز و ما لا يتنجز لا يتنجز.
و يجاب عنه بما في المتن، و بالإمكان أن يصاغ الإشكال بصياغة النقض، بأن يقال: إن كان المقياس هو فعلية الحكم في ظرفه فلم لا يؤثر العلم الإجمالي بتكليف مردد بين ما مضى و ما هو حاضر، مع أن ما مضى حكم فعلي في ظرفه؟ و إن كان المقياس قابلية التنجيز، بمعنى قبح المخالفة الثابت أزلا، حتى قبل القدرة، فكذلك هو ثابت أبدا حتى بعد زوال القدرة، فلم لا يؤثر العلم الإجمالي بتكليف مردد بين ما مضى و ما هو حاضر؟
و الجواب: ان المقياس هو قابلية التنجيز، و الحكم لا يقبل التنجيز، إلا بعلم معاصر، و العلم الإجمالي بتكليف فعلي أو مستقبلي ينجز الطرفين، لأنه يعاصرهما، لأن العلم سيبقى إلى‏

 

 

                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 206
 [الأمر الثاني‏] سقوط التكليف بغير الاضطرار
الأمر الثاني: أنه إذا تحقق في أحد الطرفين سقوط التكليف بغير الاضطرار، كالتلف و الامتثال أو العصيان، فهذا حاله حال تحقق الاضطرار في ذلك الطرف، في أنه إن كان ذلك قبل العلم، أو مقارنا له، فلا يتحقق العلم بالتكليف، و إن كان بعده، فإن لاحظنا معلومنا الفعلي فليس لنا علم بثبوت التكليف بالفعل، لفرض سقوط التكليف على أحد التقديرين، لكن لنا أن ننتزع في المقام علما إجماليا يكون علما بالتكليف في كل تقدير، و هو العلم بالتكليف في الطرف الذي وقع فيه التلف مثلا إلى زمان التلف، أو التكليف في الطرف الآخر إلى ما بعد التلف.
إلا أن المحقق الخراساني رحمه الله فصل في الكفاية بين التلف و الاضطرار إذا كان بعد العلم بالتكليف، فاختار في الاضطرار عدم التنجيز، لأن الاضطرار قد رفع التكليف على تقدير كونه في الطرف المضطر إليه، فلا علم بالتكليف، و اختار في التلف التنجيز. و لكنه ذكر في حاشيته على الكفاية في الاضطرار ذاك العلم الإجمالي الذي انتزعناه في المقام المردد بين الطويل و القصير، و بنى عليه القول بثبوت التنجيز حتى في فرض الاضطرار، فيظهر من مجموع كلاميه قدس سره في الكفاية و حاشيتها:
أنه رحمه الله يقول: بأنه بالنظر إلى ذاك العلم الإجمالي المنتزع المردد بين الطويل و القصير يكون التكليف في المقام منجزا بلا فرق بين الاضطرار و التلف، و أما بقطع النظر عن ذلك، و قصره على معلوماتنا الثابتة بالفعل، فيتجه التفصيل بين الاضطرار و التلف بالتنجيز في الثاني دون الأول، و هو في الكفاية لم يكن متوجها إلى العلم الإجمالي المردد بين الفرد الطويل و القصير، و إنما كان ناظرا إلى المعلومات الفعلية، ففصل بين الموردين، و في حاشية الكفاية إنما لم يقبل التفصيل، لالتفاته إلى وجود علم إجمالي بالتكليف على كل تقدير مردد بين الطويل و القصير.
و التحقيق: ما ذكرنا من أنه لا فرق بين الاضطرار و التلف، فأي واحد منهما إذا عرض بعد العلم، و نظرنا إلى العلم الإجمالي المنتزع، ثبت التنجيز، و لو غفلنا عن ذاك العلم الإجمالي، و نظرنا إلى معلوماتنا الفعلية نرى عدم التنجيز في كلا البابين.
                       

مباحث الأصول، ج‏4، ص: 207
هذا، و الاضطرار إذا كان إلى حد العجز العقلي لم يوجد بيان [1] فني- و لو صوريا- للفرق بينه و بين مثل التلف، فإن ملاك سقوط التكليف فيهما شي‏ء واحد، و هو العجز و عدم القدرة عقلا، غاية الأمر أن عدم القدرة تارة يكون لقصور في العبد، و أخرى لعدم وجود موضوع في الخارج يعمل العبد قدرته فيه، و الاضطرار بملاك العجز الشرعي ملحق بالعجز العقلي.
و أما إذا كان الاضطرار بمثل العسر و الضرر المنفيين شرعا، فهنا يمكن دعوى‏
__________________________________________________
 [1] البيان الموجود في الكفاية عبارة عن أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به و قيوده، بخلاف الاضطرار. راجع الجزء الثاني من الكفاية: ص 218، حسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.
و هذا الكلام يمكن توجيهه- بنحو يشمل حتى العجز العقلي- بوجهين:
الأول- أن يكون المقصود بذلك أن فقد الحرام لا يسقط فعلية الحرمة، و إنما يسقط فاعليتها، سنخ ما يقول أستاذنا الشهيد رحمه الله في الامتثال من أنه لا يسقط فعلية الحكم، و إنما يسقط فاعليته، و هذا بخلاف الاضطرار إلى فعل الحرام فإنه يسقط فعليته.
و يرد عليه: أولا- أن التكليف إنما تعقل فعليته مع سقوط فاعليته إذا كانت له الفاعلية في الظرف المناسب، كما هو الحال فيما يقوله أستاذنا الشهيد رحمه الله من أن الامتثال يسقط الفاعلية، و لا يسقط الفعلية، فإن الحكم العقلي كانت له الفاعلية في الظرف المناسب، و بها أثر في تحقيق الامتثال الذي أسقط الفاعلية، و أما الحرام الذي يكون ارتكابه في كل آن حراما بحرمة مستقلة فعند فقده لا معنى لفعلية الحرمة التي تخص آن الفقد، إذ لا فاعلية لها في أي ظرف من الظروف.
و ثانيا- أنه بعد التسليم، نقول: إن العلم الإجمالي إنما يكون منجزا إذا تعلق بتكليف واجد للفاعلية على كل تقدير، و لذا لو علم إجمالا بأحد تكليفين، بعد سقوط أحدهما من الفاعلية بالامتثال أو بانتهاء وقته، لم يكن العلم الإجمالي منجزا.
و الثاني- أن يكون المقصود بذلك: إن فقد الموضوع المحرم يستحيل أن ينهى روح الحكم من المبغوضية و الملاك، بمعنى مفسدة الفعل، لأن حاله حال الخروج عن محل الابتلاء، الذي سيبين أستاذنا الشهيد رحمه الله استحالة تأثيره في عالم الملاك، لعدم محصصيته لفعل المكلف، و هذا بخلاف الاضطرار إلى الارتكاب الذي يأتي فيه احتمال إنهائه للمبغوضية و المفسدة، لأنه يحصص فعل المكلف إلى حصة اضطرارية في قبال الحصة غير الاضطرارية.
و يرد على هذا التوجيه نفس النقض الذي سيأتي من أستاذنا الشهيد من أنه لو تم هذا لجرى في فرض التلف قبل العلم أيضا، مع أن المحقق الخراساني رحمه الله لا يلتزم بذلك.
و الواقع: هو انحلال العلم الإجمالي- و لو حكما- بناء على كون وجوب الموافقة القطعية نتيجة تعارض الأصلين.
        

*************************

فانی اصفهانی ره

  الامر الثالث فى تقسيمات الواجب‏
منها تقسيمه الى المطلق و المشروط و قد اختلف كلمات القوم حول ذلك و تحقيق المقام يقتضى رسم امور
الاول قد عرفوا الواجب المطلق بأنه ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده و المشروط بأنه ما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده‏
و هناك‏
                       

آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 453
اطلاقات أخر قيل بانها من اطلاقاتهما لا من الحد و كيف كان (فقد استثنى) القدماء من مورد هذا التقسيم الامور العامة كالعقل و البلوغ و القدرة و العلم من جهة أنه ما من واجب الا و هو مشروط بها (و سره) ان التكليف له اقتضاء الباعثية الفعلية نحو العمل فى مورد كون العبد فى مقام الامتثال و فى غير هذا المورد لا تكليف الا و هو مشروط بهذه الامور و المراد بالاقتضاء تأثيره فى تحريك عضلة المكلف نحو تحقيق الفعل عند تحقق الشرط اى توطين نفسه للامتثال بحيث لا تكون بعد ذلك حالة منتظرة لتحقق الفعل و يعبر عن هذه المرتبة بالفعلية التنجزية (و يمكن تقريبه) بأن فاقد العقل لا يمكن توجيه الخطاب نحوه لان التكليف يكون بداعى الامتثال و ذلك لا يتصور فى حق المجنون كما لا يمكن طلب الفعل منه بارادة جدية لذلك كما ان تكليف العاجز و الجاهل بلا تعليق و لا حالة منتظرة للباعثية الفعلية حسب الفرض قبيح عقلا فهذه الثلاثة قيود عقلية لاصل الجعل و الخطاب اما البلوغ فهو قيد شرعى له (لكن لا يخفى) ان العقل خارج عن قيود التكليف تخصصا لانه مقوم المكلف فانتفائه بانتفائه إنما هو من باب السلب بانتفاء الموضوع كما فى البهائم بل أردأ منها لانتظام الارادة فى البهائم بخلاف المجنون فليس العقل فى الحقيقة شرطا للتكليف اما العلم فله حكاية عما فى الخارج اذ هو من صفات ذات الاضافة فله النظر و الطولية طبعا بالنسبة الى اصل التكليف و بجهة حكايته شرط فى تأثير التكليف و إلا ففى حد نفسه اعتبار صرف و لعل ذلك مراد من قال بأن أخذ العلم فى اصل التكليف دورى فتفطن فلو قلنا بتحقق شرط التكليف فى حق الجاهل المقصر بناء على تعميم العلم المشروط به التكليف للاجمالى منه كما هو المشهور على اشكال فيه لكن يشكل ذلك فى حق الجاهل القاصر فبناء على ذلك لا بد من الالتزام بعدم التكليف فى حقه مع ان عمومه له كالمسلم بين‏
                       

آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 454
الاصحاب فيكشف إنا عن ان دائرة الجعل بالمعنى المصدرى أوسع من ذلك و منه يعلم ان من جعل الحكم عبارة عن نفس الارادة و التزم بانتزاع عنوانه عن ابراز تلك الارادة كما صنعه بعض الاعاظم (ره) لا بد له من الالتزام بعدم الحكم فى حق الجاهل القاصر.
اما القدرة فمعنى اشتراطها كما نجده من العرف و يستفاد من الادلة الشرعية هو معذورية العاجز فى مرحلة الامتثال لا القيدية لاصل التكليف بأن لا يكون للعاجز تكليف اصلا و إلا لم يكن لقولهم (ع): ما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر: معنى فيكشف إنا عن أوسعية دائرة التكليف من ذلك ايضا و حيث اتضح عقلا و شرعا قيدية القدرة فى مرحلة الامتثال دون اصل التكليف و معلوم ان لحاظ القدرة بما هو لا دخل له فى العذرية بل بما هو مرآة للملحوظ فالقول بدخل لحاظها فى فعلية الحكم و وجودها الخارجى فى باعثيته و التفريق بين مقام فعلية الحكم و فاعليته بذلك كما صدر عن بعض الاعاظم (ره) فاسد كالقول بكونها مفروضة الوجود فى موضوع التكليف على نحو القضية الحقيقية و ان الحكم بوجوده الحينى بالقياس الى الخارج عن تحت الاختيار مجعول كما صدر عن بعض الاساطين (ره) مع ان القدرة لو كانت شرطا لوجود الحكم كان المرجع فى شبهاتها الموضوعية هو البراءة ضرورة ان مرجع الشك فى الشرط الى الشك فى المشروط الذى هو موضوع للبراءة العقلية و النقلية مع انهم لا يلتزمون بذلك فالسر فى ذلك صحة التمسك باطلاق الخطاب فى تلك الشبهات من جهة عدم اشتراط القدرة فى ناحية التكليف بالمعنى المصدرى اى ما هو من ناحية المولى بل اشتراطها فى ناحية الامتثال اى ما هو من ناحية العبد (و التمسك) فى امثال المقام بالمناط كما صدر عن بعض الاساطين (ره) تنظيرا بانقاذ ولد المولى من الغرق حين عدم الخطاب من قبله لكونه نائما او غافلا فكما ان-
                       

آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 455
وجوب الانقاذ حينئذ ليس إلا من ناحية العلم بوجود الملاك فكذلك فى الشبهات الموضوعية للقدرة (منظور فيه) اذ لا برهان على لزوم تحصيل الملاك و قد أجاب هو عن المتمسك بذيل الغرض فى بعض موارد فقدان الامر بأنا لسنا مأمورين بتحصيل الغرض و ليت شعرى هل الملاك الا الغرض و الغرض الا الملاك فكيف يلتزم بلزوم تحصيله هاهنا نعم اذا كان المورد من المستقلات العقلية فالكاشف عن الخطاب هو العقل و لا يكون من سببية مجرد الملاك للاحتياط كما ان الالتزام بدخل لحاظ القدرة فى مضمون- الخطاب لا يجدى لرفع غائلة الاشكال كما لا يخفى.
 

(و ملخص الكلام)أنه بعد الاجماع ظاهرا على كون التكليف بداعى الامتثال يحكم العقل بلزوم القدرة للمكلف فى انطباق التكليف معه خارجا اى تأثيره فى الانبعاث عنه اما تقيد اصل التكليف اى الجعل الذى هو من وظيفة المولى بها فلا اذ القدرة كالعلم فى كونها من شئون العبد و فى طول تحقق اصل التكليف طبعا فكما لا ربط للعلم وجودا و لحاظا بمرحلة الجعل فكذلك القدرة اذ حكم الامثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد و الفرق بينهما بدخل لحاظ القدرة فى مرحلة التكليف دون العلم بتقريب ان لحاظ القدرة له الدخل فى تأثير مصلحة الجعل فى تحريك المولى نحو التكليف فى غير محله ضرورة ان المناط فى صحة التكليف من المولى هو تحقق مناط نفس التكليف و دواعيه بما هو تكليف و جعل لا بما هو صادر عن جاعل خاص و من المعلوم تساوق القدرة مع العلم فى عدم الدخل فى ذاك المناط بل لا معنى لتأثير ما هو شرط لفعل فاعل مختار فى فعل فاعل مختار آخر فغاية ما يقتضيه كون التكليف بداعى الامتثال هو قبح التكليف نحو العاجز لدى الالتفات الى عجز المكلف لانه حينئذ لغو بلا تأثير اما تقيده بالقدرة كليا فى القضية الحقيقية فلا فكون الجاعل فى الشرعيات هو الشارع الملتفت‏
                       

آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 456
الى خصوصيات المكلفين من القدرة و العجز لا يوجب تفاوتا فى مناط الجعل من عدم لغويته و إلا فلو كان قهرية لحاظ القدرة له ملزما على لحاظها بالنسبة اليه لكان كذلك بالنسبة الى لحاظ العلم ضرورة التفاته الى الجهل و النسيان للجاهل و الناسى كالكفر و العصيان للكافر و العاصى و كون هذه الحالات و اضدادها ملحوظة له طبعا بمقتضى احاطته العلمية و حكم الامثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد و هذا مع انه مما لا دخل له فى مناط الجعل بما هو جعل اعنى عدم اللغوية كما هو الحق او عدم استناد منع الفيض اليه او اطراد الحكم كما ليس ببعيد او التسجيلية كما قيل مخالف للتسالم ظاهرا على عموم التكليف للكافر و العاصى و العاجز و الجاهل المقصر بل و القاصر فالتقييد بالقدرة كالعلم انما هو من حكم العقل بالنسبة الى مرحلة الامتثال التى هى من وظيفة العبد اما اصل التكليف الذى هو من وظيفة المولى فلا تقييد فيه اصلا و من ذلك ظهر ان مقام فعلية التكليف غير مقام فاعليته و لا ربط لاحدهما بالآخر فدعوى اتحادهما كما صدرت عن بعض المحققين (قده) كما ترى كما انقدح ان الالتزام بتعدد مراتب الحكم باعتبارات مختلفة لكونها خارجة عن ذات الحكم مما ليس به بأس.
اما البلوغ فهو شرط للزوم التكليف و تنجزه باستحقاق العقاب على مخالفته و ليس شرطا لاصل التكليف لان حديث رفع القلم يدل سياقا بقرينة ذكر النائم و مساقا بقرينة وروده فى مقام الامتنان على رفع قلم المؤاخذة لا قلم التكليف ضرورة عدم الامتنان فى رفع اصل الرجحان و اذ قد تبين عدم اشتراط التكليف بشي‏ء من الامور العامة تبين امكان الواجب المطلق بالمعنى الحقيقى نعم الاطلاق و التقييد فى الواجبات الشرعية غالبا اضافيان فرب واجب مطلق بالنسبة الى شي‏ء يكون مقيدا بالنسبة الى آخر فله اطلاق حيثى و لذا يصح ما ذكره المشهور من ان الواجب المشروط بعد تحقق‏
                       

آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 457
قيده يصير مطلقا اى من ذلك الحيث لا مطلقا فلا تصح مقابلة هذا الكلام بان الواجب المشروط بعد تحقق قيده لا يصير مطلقا لان تحقق القيد لا يغير سنخ الواجب عما هو عليه من المشروطية لما عرفت من ان المراد هو الاطلاق او التقييد الحيثى لا السنخى نعم هذا الكلام فى محله صحيح من ان السنخ لا يتغير عن حقيقته بصيرورة الفرد مطلقا و من هنا نتوجه الى الامر الثانى.

 

 

 

                        آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 469
ثم إن بعض الاعاظم (ره) و ان كان قد اجاد حيث فرق بين مقام الفعلية و مقام الفاعلية للحكم اذ قد عرفت ان فعليته عبارة عن وجوده الذى يتحقق بمجرد الانشاء و فاعليته عبارة عن تأثيره الذى هو فى طول وجوده طبعا فلا محالة يتعددان وجودا و يفترقان زمانا غالبا لكن كلماته (ره) فى المقام فى تفسير الحكم مختلفة و ان امكن الاستفادة من مجموعها مضافا الى معلومية مرامه خارجا من انه عبارة عن نفس الارادة فتارة يعبر عنه بالارادة التى هى امر تكوينى و اخرى بابراز الاشتياق الذى هو فعل جارحى و ثالثة بالمنتزع عن ابراز الاشتياق الذى هو امر عقلى و رابعة بحملة النفس نحو حفظ المرام بابراز الاشتياق الذى هو فعل جانحى و هذه الامور كما ترى بينها بينونة بالسنخ فكيف يمكن جعلها عبارة عن امر وحدانى ثم الابراز عبارة عن الحكاية و الانشاء عبارة عن الايجاد و قد جمعها فى كلام واحد جاعلا احدهما مفسرا للآخر (فان اراد) نفى الاستقلال عن وجود الحكم بجعله عبارة عن مجرد ارادة نفسانية هى عين العلم بالاصلح فى مورده تعالى غاية الامر بعد صيرورتها منشأ لحملة النفس نحو الابراز الموجب لانتزاع عنوان الحكم عن الابراز (ففساده) بمكان من البداهة ضرورة وجود الحكم فى وعاء الاعتبار الحاصل بالانشاء من لدن آدم (ع) الى انقراض العالم فى كل ملة و نحلة أ ليست القوانين الملوكية من الامور الاعتبارية العرفية فى جميع شئون المعيشة لجميع الطبقات من الوضيع و الشريف (و ان اراد) بيان مناشى الحكم بمثل حملة النفس و الارادة و نحوهما بعد الفراغ عن كون حقيقته اعتبارا متحققا بالانشاء محفوظا فى وعائه المناسب له (فلا معنى) لذكرها فى مقام بيان الحقيقة (نعم) نحن فى مقام الصلح بين مقالات القوم فى اول الكتاب و ان قلنا بان لوازم الشي‏ء ربما يحتسبونها من الملزومات او بالعكس اذ الشي‏ء ربما فى عين كونه ملزوما للوازم خاصة يكون لازما لملزومات خاصة إلا انه فى مقام تعريف الحكم‏
                        آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 470
لا بد من شرح حقيقته و بيان ما به قوامه و تميزه عن ملزوماته و لوازمه و لو ببيانها

 

 

اقول مذاق الشيخ الاعظم (قده) فى الواجب المشروط على ما وصل الينا من مشايخنا العظام قدس الله اسرارهم بحيث اغنانا عن مراجعة كلماته‏
                       

آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 474
 (قده) هو ان الطلب قد يكون مطلقا بلا تقدير فيه فجميع قيود الفعل و مقدماته الوجودية على هذا فى طول الطلب و مشمولة له فيجب بحكم العقل امتثاله بتحصيلها و يستحق العقاب على تركه باهمالها بناء على الملازمة و قد يكون على تقدير خاص من تحقق قيد فالطلب على هذا فى طول ذلك القيد و لا يشمله فما لم يتحقق القيد لا يجب امتثاله بتحصيل مقدماته و لا يستحق العقاب على تركه بترك المقدمات من غير فرق فى ذلك بين اختيارية القيد و عدمها نعم فى صورة كونه غير اختيارى يكون طلبه قبيحا عقلا غير ممكن ثبوتا و على هذا المذاق فقبل تحقق الشرط لا ملزم على تحصيل شي‏ء من المقدمات الوجودية للمطلوب سواء علم الآن بتحقق الشرط فى وعائه ام لا ضرورة كون الطلب فى مساق الشرطية و صياغ الفرض و الترديد و لذا يصح مع علم الامر بوجود الشرط فى وقته كما فى الشارع المطلع على الواقعيات بغمض العين عن ذلك و تنزيل نفسه منزلة غير المطلع و لا يجب تحصيل الشرط ضرورة خروجه عن حومة سعة الطلب بحسب الغرض؟؟؟ (فالتزام) بعض الاعاظم (ره) بوجوب تحصيل المقدمات قبل تحقق الشرط لدى العلم بتحققه فى ظرفه بعد اعترافه بانفكاك مقام فاعلية الطلب عن مقام فعليته (فى غير محله) فلو التزمنا فى الموقتات بالواجب المشروط و لم نقل بانها باجمعها تكون من قبيل الواجب المعلق استظهارا من ادلتها فلا محيص عن الالتزام بعدم وجوب شي‏ء من مقدماتها الوجودية قبل وقتها ضرورة عدم اقتضاء الطلبات المتعلقة بانفسها ذلك و عدم نص آخر يدل على ذلك و ان زعمه بعض الاساطين فى بعض الموارد كتحصيل الماء للوضوء قبل وقت الصلاة على ما سيأتى نقله و اشكاله اما تحقيق انها من اى القسمين (المشروط و المعلق) فهو موكول الى الفقه ثم لا يكاد ينقضى عجبى مما التزم به هذا المحقق من اتحاد الفعلية و الفاعلية و جعله فى هامش تعليقاته اشكالا على مقال الشيخ الاعظم (قدها) مع ان فعلية الطلب قبل‏
                       

آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 475
تحقق الشرط بمعنى وجوده قضاء لعدم انفكاك المنشأ عن الانشاء مما لا ريب فيه و عدم فاعليته اى تأثيره فى الامتثال الا بعد تحقق الشرط قضاء لجعله فى موقع الفرض و الترديد مما لا شبهة تعتريه (نعم) يرد على مقال الشيخ الاعظم (قده) انه ما المراد من طولية الطلب عن الشرط فانه لو كان المراد تعلقه بالفعل مع ذلك القيد فالطلب مطلق و القيد مشمول له لا محالة و لازمه وجوب تحصيله كسائر مقدمات الفعل على القول بالملازمة و لو كان المراد عدم تحقق الطلب الا بعد تحقق الشرط فهو لبا تقييد لنفس الطلب كما هو مراد القائلين بتقيد الهيئة ضرورة ان الطلب بالنسبة الى شرطه يكون من قبيل الظل بالنسبة الى ذى الظل فكما لا وجود للظل قبل وجود ذيه فكذلك لا وجود للطلب قبل وجود شرطه.

 

                        آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 491
فقال باشتراكه مع المعلق فى فعلية الوجوب الذى يستلزم وجوب مقدماته الوجودية قبل حصول الشرط و افتراقه عنه بكون المتأخر دخيلا فى نفس الوجوب فى المشروط و فى الواجب فى المعلق (فاورد) بعض المحققين (قده) على هذا الاستثناء بأن محل الكلام فى مسئلة الواجب التعليقى انما هو وجوب المقدمات قبل زمان الواجب و انفكاك فعلية الوجوب عن فاعليته او اتحادهما

 

                        آراء حول مبحث الألفاظ في علم الأصول، ج‏1، ص: 494
فعلا قبل زمان الواجب فتدبر جيدا.
و لبعض المحققين قده ايرادات على هذا المقال‏
منها انه اعترض على استثناء مقدمة الوجوب عن موارد ترشح الوجوب الغيرى‏
بان الاستثناء على اطلاقه غير سديد اذ لو كانت مأخوذة فى الوجوب على نحو الشرط المتأخر و علم بوجود الشرط فى محله كان الوجوب فعليا و حينئذ لا مانع من ترشح الوجوب الغيرى منه الى ذلك الشرط (و فيه) ان الشرط على مذاق صاحب الكفاية (قده) و ان كان هو الوجود اللحاظى العنوانى لكن على نحو فناء العنوان فى المعنون فالشرط لا بد ان يكون مفروض الوجود خارجا و حينئذ يكون الوجوب طبعا فى طوله خارجا و يعود المحذور (و منها) انه اعترض على جعل التالى الفاسد لترشح الوجوب الغيرى الى المقدمة فى الصور الثلاث المتقدمة لزوم تحصيل الحاصل بان المراد طولية وجوب ذى المقدمة عن وجود المقدمة و انه مع عدم المقدمة لا وجوب لذيها حتى يترشح منه وجوب اليها و لبه كون الوجوب مشروطا فالاولى هو التعبير بمنافاة ذلك مع طولية الوجوب عن وجود المقدمة (و فيه) ان مرجع الطولية ايضا الى تحصيل الحاصل اذ بعد فعلية الوجوب من جهة تحقق المقدمة يكون ترشح الوجوب الغيرى اليها طلبا للحاصل و حيث عرفت عند تقرير كلام صاحب الكفاية (قده) ان هذا مراده فالمآل واحد (و منها) انه اعترض على امكان التفصى عن العويصة بالالتزام بالشرط المتأخر بانه قد عرفت سابقا ان الالتزام بالشرط المتأخر لا يغنى عن الالتزام بالتعليق و انه لا بد فى تصحيح وجوب المقدمة من الخروج عن اشكال الواجب المعلق (و فيه) ان المراد من الاشكال انفكاك فعلية الوجوب عن فاعليته و قد تقدم سابقا جوابه فراجع.

**************************

سید عبدالله شیرازی

                        رسالة في الترتب، ص: 24
عليه لم يأت بشي‏ء منه فتكون العلة هي العلم فقط أو العلم بالتكليف و علم من هذا انه ليس جزء من العلة مع اعترافه انه يكون جزء منها و لازم قوله بانه لا يمكن تخلف العلة عن المعلول زمانا و لا بد من تقدم علم المكلف على توجه التكليف ان لا يكون العلم جزء من العلة إذ هو مقدم على المقتضى زمانا فكيف يكون جزء منها فكلامه قدس سره لا يخلو من المناقضة فتأمل جيدا لكن على ما قلنا من ان العلة و المقتضي هو العلم يلزم ان يكون مقدما من العمل و المعلول خلافا لما قاله و من كل هذه الاشكالات يستكشف ان مبناه ليس بصحيح بل فاسد فلا بد حينئذ من القول بوجود التكليف من الاول لكن فاعليته و تنجزه معلق على علم المكلف و مجى‏ء ظرف الامتثال.

*******************

شیخ محمد علی اراکی ره

                        أصول الفقه، ج‏2، ص: 522.
و أما إشكال الدور- بتقريب أنه لا يعقل تأثير ما هو المتأخر عن المعلق عليه و هو التكليف في إعطاء السببية للمعلق عليه بالنسبة إلى نفسه، كما لا يعقل تأثيره في وجوده، فإنه دور محال- فغير لازم؛ لأن هنا وجودين، أحدهما الوجوب المشروط و هو حاصل قبل المجي‏ء، و الآخر الوجوب المطلق و هو معلول المجي‏ء، و إن شئت فعبر عنهما بفعلية الوجوب و فاعليته، كما عبرنا آنفا.

 

 

 

عمدة الأصول، ج‏2، ص: 435
التعريف يقابل المشروط تقابل العدم و الملكة و هو يساعد معناه العرفي فإنه بعد استثناء الشرائط العامة مطلق من جميع الجهات و هو أقرب إلى معناه العرفي فتدبر جيدا.
ثم أن ظاهر التعاريف المذكورة أنهم بصدد شرح الحقيقة لا شرح الإسم و هل يمكن لمثل الشيخ و غيره من الفحول أن استشكلوا على تعريف الآخرين بعدم الاطراد أو الانعكاس مع كون التعاريف مبنية على شرح الإسم و لقد أفاد و أجاد في نهاية النهاية حيث قال لا يخفى على من راجع تعريفاتهم و اعتبارهم للقيود و الحيثيات أنهم بصدد شرح الحقيقة دون شرح الإسم و كيف يسوغ حمل تعريف من أشكل على تعريف من تقدم عليه بعدم الاطراد و الانعكاس ثم عرف هو بما يسلم في نظره عن الإشكال على شرح الإسم «1».
الموضع الثاني: في أن الشرط في مثل قولنا إن جاءك زيد فأكرمه‏
هل يرجع إلى نفس الوجوب أو إلى الواجب؟
ذهب الشيخ قدس سره إلى الثاني بدعوى امتناع كون الشرط من قيود الهيئة حقيقة من جهة أن معنى الهيئة من المعاني الحرفية الجزئية فلا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح القول بتقييده بشرط و نحوه فإذا لم يكن للفرد سعة و إطلاق فكلما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة فهو راجع في الحقيقة إلى نفس المادة و إن كانت قضية القواعد العربية هو كونه من قيود الهيئة لأن مقام الإثبات فرع مقام الثبوت فإذا لم يمكن تقييد الجزئي و الفرد فلا محالة يرجع التقيد إلى غيره و عليه فمقتضى التقيد هو أن الإكرام على تقدير المجي‏ء يكون متعلقا للوجوب لا أن الوجوب و طلب الإكرام معلق على المجي‏ء.
__________________________________________________
 (1) 1/ 138.
                        عمدة الأصول، ج‏2، ص: 436
هذا مضافا إلى حكم الوجدان بأن الإنسان إذا تصور شيئا و التفت إليه فأما أن يتعلق طلبه به أو لا يتعلق لا كلام على الثاني و على الأول فأما أن يصدق بفائدته على جميع تقاديره أو على بعضها و على كلا التقديرين يحصل الطلب بمعنى الشوق المؤكد بعد حصول الميل الحاصل بعد التصديق من دون حالة انتظارية و لا يكون التقدير المذكور من تقادير الطلب بل من تقادير الفعل المطلوب.
فالطلب موجود في جميع التقادير سواء كان المطلوب مطلقا أو مقيدا و عليه فلا تقيد في الطلب بحسب الوجدان بل المقيد هو المطلوب انتهى محصل مراده.
و لا يخفى عليك أن الطلب و الإرادة و إن كانا مطلقين و لكن ذلك ليس من جهة عدم إمكان التقييد لأن تقييد الفرد في حال تحققه لا مانع منه فيصح رجوع القيد إلى الهيئة التي تكون من المعاني الحرفية و إنما ذلك من جهة حكم الوجدان بالتقريب المذكور.
و تبعه في الوقاية حيث قال إن المعنى المستفاد من الهيئة و المنشأ بها متحقق فعلا من دون ابتنائه على شي‏ء و لكن المتوقف تأثيره في المكلف.
و بيانه أن الآمر قد يلاحظ القيد معدوما و يطلبه مع المقيد كما في قوله صل مع الطهارة و قد يلاحظ القيد موجودا و بعد فرض وجوده ينقدح في نفسه الطلب فيطلب مقيدا مفروضا وجود قيده فيكون الطلب متحققا بنفس الإنشاء و لكن تأثيره في المكلف بمعنى انبعاثه نحو الفعل و التزامه به يتوقف على وجود ذلك القيد المفروض لأن الطلب في نفس الآمر تحقق على فرض وجوده فلا بد أن يؤثر فيه بعد وجوده ليطابق الخارج ما كان في نفس الآمر فكما أنه لو طلب مقيدا بقيد موجود واقعا ما كان يؤثر على فرض عدمه في الخارج فكذلك لا يؤثر على فرض عدم ما كان في الذهن متعلقة للطلب فتأمل فيه جيدا تجده واضحا «1».
__________________________________________________
 (1) الوقاية:/ 218.
                        عمدة الأصول، ج‏2، ص: 437
و عليه فالوجوب فعلي و إنما فاعليته و تأثيره في المكلف موقوف على الشرط و لذلك قال في الدرر:
إن المعنى المستفاد من الهيئة لم يلاحظ فيه الإطلاق في الوجوب المطلق و الاشتراط في الوجوب المشروط و لكن القيد المأتي به في القضية تارة يعتبر على نحو يتوقف تأثير الطلب على وجوده في الخارج و يقال لهذا الطلب الطلب المشروط بمعنى أن تأثيره في المكلف موقوف على شي‏ء و اخرى يعتبر على نحو يقتضي الطلب إيجاده و يقال لهذا الطلب المتعلق بذلك المقيد الطلب المطلق أي لا يبتني تأثيره في المكلف على وجود شي‏ء

 

*******************

مناقشات

شیخ محمد حسین اصفهانی

                        نهاية الدراية في شرح الكفاية ( طبع قديم )، ج‏1، ص: 342
لشرطية حصوله بطبعه.
قوله: نعم على مختاره قده لو كانت إلخ (1): نعم لازم تجرد الطلب و إن كان ذلك إلا أنه قده مع ذلك لا يلتزم بذلك نظرا إلى أن إنشاء الطلب على تقدير. و ان كان لا يقتضي تقيد الطلب به ثبوتا و إثباتا إلا أن الطلب غير منجز أي ليس بحيث يجب البدار إلى امتثاله له فالفرق بين الواجب المطلق [1] و المشروط عنده قده ليس بتحقق حقيقة الوجوب في الأول دون الثاني، كما هو ظاهر القضية الشرطية بل تنجز الطلب المحقق في الأول دون الثاني، و البرهان المنقول في الكتاب في الإشكال على قيدية القيد للطلب لبا ليس في مقام إنكار الواجب المشروط بل في مقام إنكار الواجب المعلق نظرا إلى أن الإرادة المنبعثة عن المصلحة القائمة بالفعل لا على تقدير إرادة مطلقة، و المنبعثة عن المصلحة القائمة بالفعل على تقدير إرادة مشروطة و لا يعقل شق ثالث كي يكون معلقا و حيث إن الإرادة
__________________________________________________
تأخر رتبة الاتصاف عن رتبة التعلق و إذا لم يتوقف تعلق لا طلب على القيد لا يتوقف اتصاف الفعل بالعنوان الانتزاعي من الفعل على قيده.
و أما في مقام الامتثال و مقام التطبيق فالفعل و إن لم يكن مطابقا للواجب إلا عند تحقق قيده لكنه لا يترقب من هذه المرحلة طلب شي‏ء حتى يكون طلب الحاصل بل الغرض تعلق الطلب بالقيد عند تعلقه بذات المقيد فان القيد الذي يكون مطلوبا أيضا لا يتعلق الطلب به بعد حصوله (منه).
 [1]- فكما أن القائل بالواجب المشروط مع رجوع القيد إلى مفاد الهيئة ربما يقول بأن الوجوب فعلي في هذا الفرض لكنه لا فاعلية له قبل حصول المفروض كما تقدم توهمه عن بعضهم في أول الواجب المشروط كذلك الشيخ- قده- يرى أن الطلب له مرحلتان مرحلة الفعلية و مرحلة الفاعلية و يشترك المطلق و المشروط في الفعلية دون الفاعلية و ليس هذا قولا بالمعلق لأن القائل به يعتقد فعليته و لذا يقول بلزوم المبادرة إلى إتيان مقدمته فجوع القيد إلى المادة عنده- قده- يصحح فعلية الطلب دون فاعليته و قد تقدم و سيجي‏ء أن فعلية البعث و الطلب مساوقة لفاعليته، فأما لا فعلية و أما له الفعلية و الفاعلية معا فيصح أن يورد على الشيخ- قده- بأنه على فرض الفعلية لا بد له من الالتزام بالفاعلية كما يقول به القائل بالمعلق لا أن ما التزام بالمعلق فتدبر (منه).

 

 

شیخ حسین حلی

 

   أما التعلق بكون الشرط هو الشي‏ء بوجوده اللحاظي لا بوجوده‏

   أصول الفقه، ج‏10، ص: 9
الخارجي، فقد تعرض له شيخنا قدس سره في مبحث الشرط المتأخر «1» فراجع.
ثم لو أغضي النظر عن ذلك كله، لم يكن استصحاب الحرمة الملحوظ بها الغليان في إثبات الحرمة الفعلية إلا من قبيل الأصل المثبت، لأن لازم بقاء تلك الحرمة اللحاظية هو تحقق فعلية الحرمة عند الغليان بعد التبدل إلى الزبيبية. نعم لو كان المستصحب هو نفس الملازمة بين الحرمة و الغليان، لقلنا إن استصحابها قاض بتحقق الحرمة خارجا عند تحقق الغليان خارجا، بناء على أن فعلية الحكم لازمة قهرا لوجود الملزوم، سواء كانت الملازمة واقعية أو كانت ظاهرية، فالملازمة الواقعية يتبعها وجود اللازم عند وجود الملزوم وجودا واقعيا، و الملازمة الظاهرية يتبعها تحقق اللازم ظاهرا عند وجود الملزوم، و لكن لا يخلو عن تأمل.
و الإنصاف: أنا لم يتضح لنا المراد من كون المستصحب هو الحرمة المنوطة بوجود الغليان اللحاظي، فهل المراد أن الحرمة الموجودة هي الحرمة اللحاظية فلا يخفى فساده، أو أن المراد هو الحرمة الخارجية المعلقة على لحاظ الغليان فهو أفسد، لأن لازمه تحقق الحرمة فعلا بمجرد لحاظ الشارع الغليان، و إن كان المراد هو أن الجعل منوط باللحاظ لا المجعول، فهذا راجع إلى شرط الجعل الذي هو فعل اختياري للشارع لا إلى شرط المجعول، فلاحظ الجزء الأول من المستمسك، و ذلك قوله: أما إذا كان الحكم منوطا بوجود الشرط اللحاظي الخ «2» و قوله في الحقائق: أما إذا كان مشروطا بالوجود الذهني الحاكي عن الخارجي كما
__________________________________________________
 (1) أجود التقريرات 1: 326.
 (2) مستمسك العروة الوثقى 1: 416.
                       

أصول الفقه، ج‏10، ص: 10
هو الظاهر الخ «1» و لاحظ المقالة و ذلك قوله: و إلا فبناء على التحقيق في تعليقات الأحكام من رجوعها إلى جعل حقيقة الحكم منوطا بوجود شروطها في فرضه و لحاظه، كما هو الشأن في مثل تلك الصفات الوجدانية من الارادة و الكراهة، فلا بأس بدعوى كونها بمثل هذا النحو من الوجود موضوع الأثر العملي و مناط حكم العقل بوجوب الامتثال عند تحقق المنوط به في الخارج، من دون حصول تغيير في الحكم المزبور بوجود ما أنيط به في الخارج أبدا، بل الحكم المزبور بنحو كان حاصلا و متحققا قبل تحقق الشرط في الخارج كان متحققا بعده «2»، و لذا نقول بعدم انقلاب الواجب المشروط عن كونه كذلك حين حصول الشرط. نعم إنما يترتب على وجود شرطه حكم العقل بوجوب امتثاله، و هذا معنى إناطة فاعليته و محركيته بوجود شرطه بلا تغيير في عالم فعليته و عليته «3»، فتمام موضوع حكم العقل بترتب الأعمال هو هذا الحكم العقلي المنوط الخ «4».
و الذي يتلخص منه: هو دعوى فعلية الحكم قبل حصول شرطه، غايته أن محركيته تكون منوطة بوجود الشرط.
و فيه ما لا يخفى، فإنه مضافا إلى ما عرفت من عدم معقولية كون الوجود اللحاظي شرطا، يكون لازمه هو إخراج الشرط عن كونه شرطا في الحكم المجعول، بل تكون الشرطية راجعة إلى المحركية. و لو تم هذا- أعني كون مثل‏
__________________________________________________
 (1) حقائق الأصول 2: 468.
 (2) [جملة «كان متحققا بعده» موجودة في الطبعة القديمة من المقالات دون الحديثة].
 (3) [ «و عليته» موجود في الطبعة القديمة من المقالات دون الحديثة].
 (4) مقالات الأصول 2: 400 (مع اختلاف).
                       

أصول الفقه، ج‏10، ص: 11
الاستطاعة مثلا شرطا في محركية الوجوب، لا في أصل تحققه و لا في فعليته- لم يحتج فيه إلى تجشم كون الشرط وجودها اللحاظي، بل يكون الشرط هو وجودها الخارجي، لكنه ليس بشرط في أصل الوجوب و لا في فعليته، بل في محركيته، و كأنه قد انقدح في ذهنه الشريف عملية الواجب المعلق و طبقها على الواجب المشروط.
و أما ما ذكره من عدم انقلاب الواجب المشروط عن كونه كذلك عند وجود الشرط، فالظاهر أنه لا دخل له بما نحن فيه، فإن وجود الشرط و إن لم يكن موجبا للانقلاب، إلا أنه موجب لفعلية الوجوب، لأن معنى الاشتراط هو كون الفعلية مشروطة بتحقق الشرط خارجا.

 

سید محمد روحانی

                        منتقى الأصول، ج‏2، ص: 118
المسلك الثالث:- ما يظهر من المحقق العراقي- و هو ان الجعل و المجعول لا ينفكان و ليس للجعل عالم غير عالم المجعول بل عالمهما واحد، و فعلية المجعول لا تنفك عن الجعل. إلا ان تأثير المجعول و ترتب الآثار العقلائية عليه قد تنفصل عن فعلية المجعول فلا تترتب عليه الباعثية و المحركية بمجرد وجوده، بل يكون ترتبها بلحاظ ثبوت بعض الأمور الخارجية و بتعبير آخر: ان فعلية المجعول و ان كانت ثابتة بالجعل، لكن فاعليته قد تنفصل عنها، فيحصل الانفكاك بين‏
                        منتقى الأصول، ج‏2، ص: 119
الفاعلية و الفعلية لتوقف الفاعلية على حصول بعض الأمور الخارجية. و من هذه الجهة يقع البحث في الشرط المتأخر فيقال: انه هل يمكن تأثير أمر في فاعلية الحكم و ترتب الأثر عليه يكون متأخرا عنه أو لا يمكن؟. و إلا فنفس الحكم ثابت بنفس الجعل غير معلق على شي‏ء بالمرة.
و هذا المسلك مخدوش من وجهين:
الأول: انه غير تام في نفسه، فانه مع البناء و الالتزام بان الحكم ثابت بنحو الفعلية و غير مقيد بأي امر من الأمور، يمتنع الالتزام بعدم ترتب الباعثية و المحركية عليه، و انه غير واجب الإطاعة فعلا، فانه مما لا محصل له، إذ يرجع إلى تخصيص الحكم العقلي بلزوم الإطاعة و هو ممتنع حتى من قبل الشارع.
و بالجملة: بعد تمامية الحكم بجميع جهاته لا وجه لعدم ترتب الأثر عليه و توقفه على امر لا يرتبط بالحكم.

 

 

سید علی میلانی

                        تحقيق الأصول، ج‏2، ص: 313
يتحقق إذا زالت الشمس، لكن تحققه لا يخرج الحكم عن كونه وجوبا مشروطا.
و بهذا البيان يظهر بطلان دعوى الانفكاك ... لأن حقيقة الحكم هي الإرادة المبرزة، و لو لا الإبراز فلا حكم، و إذا كانت إرادة الصلاة منوطة بالزوال، فإن الزوال ملحوظ قبل تحققه، و وجوده اللحاظي هو المؤثر في الإرادة، و بذلك يكون الحكم فعليا، و تلخص: أنه لا انفكاك بين الوجوب و الايجاب ... نعم، قد وقع الانفكاك بين فعلية الحكم و الإرادة الحاصلة قبل القيد، و بين فاعلية الإرادة و الحكم، لكونها منوطة بالقيد، و هذا الانفكاك لا محذور فيه.
و لهذه الامور، ذهب المحقق العراقي إلى أن كل واجب مشروط، فالوجوب و الإيجاب فيه فعليان، غير أن الفرق بين الوجوب المطلق و الوجوب المشروط في جهتين:
الأولى: إن الإرادة في الوجوب المطلق مطلقة غير منوطة، بخلاف الوجوب المشروط.
و الثانية: إنه في الوجوب المطلق، توجد فعلية الحكم و فاعلية الحكم معا، بخلاف الواجب المشروط، حيث فعلية الحكم موجودة، أما فاعليته فلا.
و فيه:
أولا: إنهم قالوا بأن الإرادة هي الشوق الأكيد، فالإرادة التشريعية هي الشوق الأكيد إلى صدور الفعل عن الغير عن اختيار، و من المعلوم أن الشوق الأكيد أمر تكويني و إبرازه تكويني و مبرزه تكويني، و أما الحكم فأمر جعلي‏
                       

 

تحقيق الأصول، ج‏2، ص: 314
اعتباري و ليس بتكويني، فكيف تكون الإرادة التشريعية المبرزة هي الحكم؟
و ثانيا: كيف تكون الإرادة في الواجبات المنوطة فعلية، مع عدم تحقق القيد بعد؟ إن كان المراد من «الإرادة» هو «الشوق الأكيد» ففعليته قبل تحقق القيد معقول، و قد ظهر أن الشوق ليس الحكم، بل الإرادة المبرزة هي الحكم، و تحققها يستلزم تحقق المراد و لا يمكن الانفكاك، لكن التحقق لا يعقل مع فرض الإناطة.
و ثالثا: كيف تكون الإرادة فعلية و فاعليتها غير متحققة؟ إن هذا خلف، لأنها إن كانت فعلية، فلا يعقل تخلفها عن فاعليتها، فإذا كان الزوال دخيلا في المصلحة و هو غير حاصل، كيف يتعلق الإرادة الفعلية بالمراد؟ و كانت الإرادة الفعلية حاصلة، بأن علم المكلف أن المولى تعلقت إرادته قبل الزوال بالصلاة و قد أبرز هذه الإرادة، فلا محالة تتحقق الفاعلية أيضا ... و لا يعقل الانفكاك.
 

                      

 

عناوین دیگر

مقام المحرّکیة

                                         منهاج الأصول، ج‏3، ص: 56
المرتبة و بعد الفراغ من المرتبة الثانية يقع الكلام بالنسبة الى المرتبة الثالثة و هي المزاحمات في نفس الايجاد و الانبعاث عن تلك الارادة لان الارادة المحركة لا تتعلق بالشي‏ء الفاسد و انما الارادة المحركة تتعلق بالشي‏ء الذى فيه مصلحة فاذا حكم العقل بحسنه اي لم يكن فيه مزاحم داخلي و لا خارجى فلا يستكشف منه تحقق الارادة المحركية لما ذكرناه فاذا لم يستكشف فلا ملازمة و اما لو التزمنا بهذه المرتبة فيقع الكلام في المرتبة الأخيرة و هي المزاحمات في نفس البعث و الارادة.
فنقول لا اشكال و لا ريب انه بالالتزام بالمراتب الثلاثة الاول نستكشف تحقق الارادة الواقعية التي هي في نفس المولى فحينئذ هل الانبعاث و التحريك نحو المراد يحتاج الى بعث ام لا؟ و المراد بالبعث هو بروز و ظهور تلك الارادة فحينئذ يقع الكلام في ان هذا البعث له موضوعية في مقام المحركية ام لا فنقول لا اشكال و لا ريب انه بالنسبة الى المعاملات فنفس البعث له موضوعية و إلا نفس الرضا بالبيع و الصلح و غير ذلك لا يكفى بل يحتاج في العقود الى ابراز الرضا من الطرفين بايجاب و قبول و في الايقاعات يحتاج الى ابراز الرضا من‏
__________________________________________________
- بالتبليغ عنهم بنحو نتيجة التقييد لكونها من الانقسامات الثانوية التي لا يمكن فيها التقييد اللحاظي و الانصاف ان الناظر إلى تلك الاخبار يجدها انها ليست في مقام التقييد بل واردة في قبال اعدائهم الذين غصبوا حقوق أهل البيت و عزلوهم عن المقامات الرفيعة و دالة على ان الاعمال لو لا التمسك بهم تكون كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء و قد استوفينا الكلام في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس سره).
                        منهاج الأصول، ج‏3، ص: 57
طرف واحد و اما بالنسبة الى الاحكام و التكاليف لا يحتاج الى التحرك الى متعلقها أي ظهور و بروز بل نفس العلم بتحققها في نفس المولى يكفي كمن يعلم ان المولى يحتاج الى ماء و لكن له مانع لا يمكن له ابراز ارادته فيجب على العبد أن يأتي له بالماء فلو تركه و الحال هذه يلومه العقلاء اذا عرفت ذلك فاعلم انه يمكن لنا انكار الملازمة لو التزمنا بالمرتبة الثانية أو المرتبة الثالثة من جهة حكم العقل بحسنه مع تحقق الامتثال و يلام على تركه مع تحقق احتمال وجود المزاحم و اما لو تعدينا عن المرتبة الثالثة و قلنا بتحققها لا بد من الالتزام بالملازمة لما بيناه سابقا و اما دعوى انه يمكن حكم العقل بالحسن بالنسبة الى المرتبة الثالثة لا من جهة وجود الاحتمال حتى يمكن منع الملازمة بل من جهة الترتب حيث انا نعلم بحسنه اما من جهة نفسه حسن على الاطلاق أو حسنه منوط بعدم الاتيان بالاهم ففي ظرف عدم الاتيان بالاهم هو حسن و لكن لا يخفى ان ذلك لا يجزى إلا إذا كان المزاحم هو الاهم و اما لو كان باقى المرجحات غير الأهم كانت موانع من حسنه فلا يجري الترتب فتحصل مما ذكرنا ان المنكرين للملازمة لا بد ان يخدشوا في المرتبة الثانية و الثالثة

 

 

دراسات في علم الأصول، ج‏3، ص: 299
الاخبار الواردة في الاحتياط يقتضي كونها مؤكدة لحكم العقل في مرحلة امتثال الأحكام الواقعية و سلسلة معلولاتها، فتكون تلك الأوامر إرشادية، توضيحه: ان الحكم العقلي ان كان في مرتبة علل الأحكام و ملاكاتها كحكمه بحسن العدل و الإحسان، و قبح الظلم و العدوان، فيستتبع الحكم المولوي. و ان كان في مرحلة الامتثال المترتب على ثبوت الحكم الشرعي كحكمه بلزوم الإطاعة فلا يستتبع الحكم المولوي، بل يكون الأمر الوارد في هذا المقام إرشاديا، و الأمر بالاحتياط من هذا القبيل.
ثم ذكر قدس سره ان الأمر بالاحتياط يمكن أن لا يكون ناشئا عن مصلحة إدراك الواقع، بل يكون ناشئا عن مصلحة في نفس الاحتياط، كحصول قوة للنفس باعثة على الطاعات و ترك المعاصي و حصول التقوي للإنسان، و إلى هذا أشار عليه السلام في قوله «من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك» «1» فان حصول الملكات الحميدة أو المذمومة أمر تدريجي، و لترك الشبهات في ذلك أثر بين، و عليه فمن الممكن أن يأمر المولى بالاحتياط بهذا الملاك، و هو ملاك واقع في سلسلة علل الأحكام، فيكون الأمر الناشئ عنه مولويا، انتهى.
أقول: ان ما أفاده ثانيا من إمكان أن يكون الأمر بالاحتياط مولويا بملاك حصول التقوي و قوة العقل متين جدا. و أما ما ذكره أولا من كون الأمر بالاحتياط إرشاديا إذا كان بملاك إدراك الواقع، لكونه واقعا في سلسلة معلول الحكم فلا يمكن المساعدة عليه، فان مجرد ورود الأمر في مرحلة معلولات الأحكام من الإطاعة و العصيان لا يستلزم الإرشادية، و لا يجوز رفع اليد عن ظهور اللفظ في المولوية. و لا يقاس المقام بالأمر بالإطاعة، و ذلك لأن الأمر بالإطاعة يستحيل فيه المولوية،
__________________________________________________
 (1) وسائل الشيعة: 18- باب 12 من أبواب صفات القاضي، ح 61.
                        دراسات في علم الأصول، ج‏3، ص: 300
حتى لو لم نقل باستحالة التسلسل، لما ذكرناه من ان مجرد الأمر المولوي و لو لم يكن متناهيا لا يكون محركا للعبد ما لم يكن له إلزام من ناحية العقل، فلا بد و ان ينتهي الأمر المولوي في مقام المحركية نحو العمل إلى الإلزام العقلي، فلا مناص من ان يجعل الأمر الوارد في مورده إرشادا إلى ذلك، و هو بخلاف الأمر بالاحتياط، فان حسن الاحتياط و ان كان من المستقلات العقلية الواقعة في سلسلة معلولات الأحكام الواقعية، إلا ان العقل بما أنه لا يستقل بلزوم الاحتياط فلا مانع من ان يأمر به المولى مولويا، حرصا على إدراك الواقع، لزوما كما يراه الاخباري، أو استحبابا كما نراه.
و بالجملة المناط في الحكم الإرشادي كونه من المستقلات العقلية التي لا يعقل فيها ثبوت الحكم المولوي، لكونه لغوا أو لغير ذلك. و اما مجرد وقوع الشي‏ء في سلسلة معلولات الأحكام و مقام امتثالها فهو غير مانع من الأمر به مولويا، و عليه فالامر بالاحتياط مولوي، غايته انه يحمل على الاستحباب بقرينة ثبوت الترخيص في الترك المستفاد من اخبار البراءة

 

 

 

       بحوث في علم الأصول، ج‏8، ص: 143
هذه الحرمة إن لم يكن عليها منجز فلا تجري، و إن كان عليها منجز، إذن فهذا معناه: ان أحد طرفي العلم الإجمالي عليه منجز، و قد قلنا في محله، انه إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي مبتلى بمنجز خاص به، حينئذ، ينحل و لا يكون منجزا للطرف الآخر.
2- البيان الثاني: هو أن يقال: ان حرمة التجري تقلب هذا اليقين إلى اليقين التفصيلي لجامع الحرمة، فإن هذا المكلف الذي قامت عنده البينة على ان هذا المائع خمر، كان يحتمل خطأ البينة، فالحرمة الواقعية محتملة عنده. لكن كان مسئولا عنها لقيام الحجة، و لكن إذا فرض ان التجري كان حراما، إذن فهو سوف يعلم تفصيلا بحرمة هذا الفعل، إما لأنه خمر، و إما لأنه تجر، و من المعلوم ان ارتكاب ما يقطع بحرمته أشد محذورا من ارتكاب ما يحتمل حرمته و لو كان منجزا، إذن فتأثير حرمة التجري هو بتصعيد المنجز في مرتبة الاحتمال، إلى مرتبة اليقين، و هذا نحو من المحركية الكافية لتصحيح جعل مثل هذا الحكم.
و الخلاصة هي: ان حرمة هذا الفعل، المنجز لها، كان العلم الإجمالي، و الآن، صعد إلى اليقين، و نفس تصعيد المنجز، له أثر في مقام المحركية فلا يكون لغوا.

 

 

                        بحوث في علم الأصول، ج‏8، ص: 149
فالمحركية محفوظة في المقام بعد فرض إمكان التأكد في حيثية على الجرأة على المولى، فبضم الثاني للأول لا بد من تأكد حيثية الجرأة، و قد يتفق أن إنسانا لا يحجم عن عصيان خطاب واحد، و لكن يحجم عن عصيان خطابين يكون أحدهما مؤكدا للآخر.
و قد عرفت سابقا، ان المعنى الصحيح للتأكد عندنا في مقام اجتماع حكمين، هو ما ذكرناه من التأكد في مقام المحركية، لا اتحادهما في نفس الجعل و الاعتبار، بل هما باقيان على ما هما عليه من التعدد جعلا و إنشاء.

 

                        جواهر الأصول، ص: 53
التفت العقل الى ان هذا شرب معلوم الخمرية و هو حرام تحقق قبح آخر و تجددت حرمة ثالثة و هكذا الى ان يكل العقل و ينقطع التسلسل. هذا مضافا الى انه لو سلم اشكال التسلسل التزمنا بالشق الأول و هو اختصاص الحكم بفرض التجري بدعوى ان مقتضى الحكم و ان كان ثابتا في فرض المصادفة ايضا لكن هناك مانع عن شمول الحكم له، و ذلك هو لزوم التسلسل.
الوجه الثالث: ما ذكر في الدراسات مشوشا و ذكره السيد الاستاذ (قده) في البحث مرتبا و هو ان الحكم الثاني يكون ناشئا عن القبح الثابت بوصول حكم آخر في المرتبة السابقة في نظر المكلف فالمكلف دائما يرى هذا الحكم مسبوقا بمحرك مولوي آخر فان كفاه ما يراه من المحرك المولوي لم تكن فائدة في الحكم الثاني، و ان لم يكفه ذلك و كان بناؤه على العصيان لم يحركه الحكم الثاني أيضا، فهذا الحكم على كلا التقديرين غير قابل للمحركية
فيلغو (1).
و الجواب انه تارة يفرض ان المكلف لا يعلم بالواقع و انما تنجز عليه الواقع بمنجز آخر، و اخرى يفرض انه تنجز عليه الواقع بالعلم.
أما في القسم الاول: فلو فرض حرمة الفعل المتجرى به كان الاتيان به مخالفة قطعية بخلاف فرض عدم حرمته و التمرد على المولى في فرض القطع بالحكم، و لزوم المخالفة القطعية أشد من التمرد عليه في فرض الشك و الاحتمال المنجز، مثلا قتل ابن المولى مع العلم بأنه ابن المولى أشد في مقام التمرد و الطغيان على المولى و ظلمه من قتله في فرض الشك في ذلك، فكون تحريم الفعل المتجرى به في هذا الفرض غير قابل للتأثير في المحركية ممنوع.
و أما في القسم الثاني: فأيضا عدم قابلية تحريم الفعل المتجرى به لتحريك العبد ممنوع؛ و ذلك لأن الحكم الأول كان ناشئا من غرض و الحكم الثاني الذي نقول بعدم اختصاصه بفرض الخطأ و عدم الاصابة يكون ناشئا من غرض آخر،
----------------------------
 (1) الدراسات ج 3، ص 29.
                        جواهر الأصول، ص: 54
فيحصل التأكد لا محالة في مقام المحركية، لأن التمرد على المولى و الطغيان عليه يختلف شدة و ضعفا باختلاف درجات الاغراض، فالتمرد و الظلم الثابت في قتل ابن المولى مثلا بالنسبة الى المولى اشد من التمرد و الظلم الثابت في قتل عبده.
و المعنى الصحيح عندنا للتأكد عند اجتماع حكمين هو ما ذكرناه من التأكد في مقام المحركية، لا أنهما يتحدان حقيقة بل هما باقيان على ما هما عليه من التعدد جعلا و ملاكا. و لا نقول باستحالة اجتماع المثلين، بل يمكن جعل تحريمات عديدة مثلا على شي‏ء واحد لتعدد الملاكات و الاغراض.
هذا تمام الكلام في الدليل الثاني، و قد تحصل أنه لا مانع من الاستدلال بقاعدة الملازمة فيما نحن فيه على الحرمة لو صحت القاعدة في نفسها، نعم لنا كلام في أصل صحة القاعدة برأسها أو اطلاقها، فيكون هذا الدليل باطلا من هذه الناحية.

 

                        جواهر الأصول، ص: 253
الشرعي، ليس نفي الملازمة على مبنانا يساوي في النتيجة نفي الملازمة على المبنى الفلسفي بأن يكون الانسان مطلق العنان، بأن يقال: افرضوا ان العقلاء تطابقوا على المدح و الذم، انا لست عبدا للعقلاء، انا عبد الله، لم احرز انه تطابق معهم على المدح و الذم لان ملاك التطابق هو كونهم ذوي مصلحة، و هذه الحيثية غير موجودة بالنسبة الى الله، فنتيجة نفي الملازمة على المشرب الفلسفي هو جواز اقدام الانسان على ارتكاب القبائح العقلية ما لم يرد دليل من قبل الشارع على تحريمها، هذا نتيجة النفي على المشرب الفلسفي.
و أما نتيجة النفي على المشرب الحق فهو انه مجرد القضية الواقعية تكفي في مقام المحركية، و في مقام تسجيل العقاب و تسجيل الثواب من قبل الله تعالى، نعم لا بأس بجعل الحكم فيما اذا فرض ان المولى اراد تأكيد الداعوية، و اراد الاثابة بوجه آكد و المعاقبة بوجه آكد، فنفي الملازمة يختلف اثره على المشرب الفلسفي و على المذهب المختار. هذا تمام الكلام في العقل العملي بكلا مقاميه.

 

                        مباحث الأصول، ج‏1، ص: 273
الوجه الثالث- ما ذكر في (الدراسات) مشوشا و ذكره سيدنا الأستاذ في البحث بلا تشويش و هو: أن حرمة التجري مسبوقة دائما- في نظر المكلف- بحكم مولوي وصل إلى المكلف و تنجز عليه فتحقق بذلك موضوع التجري و هذا يعني وجود محرك مولوي للمكلف في نظره قبل حكم التجري، فإن كفاه ما يراه من المحرك المولوي لم تكن فائدة في الحكم الثاني، و إن لم يكفه ذلك و بنى على العصيان لم يحركه الحكم الثاني أيضا، فهذا الحكم على كلا التقديرين غير قابل للمحركية فيلغو.
و الجواب: أننا لو افترضنا أن تنجز الواقع على المتجري كان بغير العلم كان أثر حرمة الفعل المتجرى به أن الإتيان به يصبح مخالفة قطعية بخلاف فرض عدم حرمته، و التمرد على المولى في فرض القطع بالحكم و لزوم المخالفة القطعية أشد من التمرد عليه في فرض الشك و الاحتمال المنجز، إذن فإنكار تأثير حرمة الفعل المتجرى به في التحريك غير مقبول.
و لو افترضنا أن تنجز الواقع عليه كان بالعلم فسنمنع- أيضا- عدم تأثير حرمة الفعل المتجرى به في التحريك، و ذلك لأن الحكم الأول صادر من غرض و الحكم الثاني صادر من غرض آخر فيحصل التأكد لا محالة في مقام المحركية تبعا لتأكد الغرض، لأن التمرد على المولى و الطغيان عليه يختلف شدة و ضعفا باختلاف درجات الأغراض.

 

 [1] و هنا شبهة في عدم إمكان جعل الحكم الظاهري في موارد العلم التفصيلي بالحكم على الإطلاق، لا بأس بالتعرض لها هنا بالمناسبة و إن كانت- في الحقيقة- أجنبية عن محل الكلام، و تلك الشبهة تتوجه على المسلك المختار في الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي من إعمال قانون التزاحم من قبل المولى على التزاحم في التحريك، لا التزاحم في الامتثال أو الجعل، و تلك الشبهة هي: أنه قد يتفق إمكان جعل الحكم الظاهري رغم العلم التفصيلي بالحكم بنفس الروح التي حققنا إمكانية الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي في سائر الموارد، مثاله: ما لو علمنا تفصيلا بوجوب علاج مؤمن من مرض له بتقديم الدواء له، و لكن علم إجمالا بحرمة
__________________________________________________
 (1) راجع المقالات: ج 2، ص 87، و نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 307- 308
                        مباحث الأصول، ج‏4، ص: 60
و أما الموقف النقضي، فقد أورد المحقق النائيني «1» قدس سره النقض على القول بالعلية بأنه في موارد العلم التفصيلي قد ثبت الترخيص في ترك الموافقة القطعية في موارد قاعدة الفراغ و التجاوز و نحوهما، فهل صار العلم الإجمالي أعلى و أشد تأثيرا من العلم التفصيلي؟! و أفاد المحقق العراقي رحمه الله في مقام الجواب عن ذلك «2»: أن بعض الأعاظم خلط بين الأصل الجاري في مرحلة الامتثال و الأصل الجاري في مرحلة التكليف، فإن قاعدة الفراغ و شبهها جارية في مرحلة الامتثال، و مثبتة لجعل البدل لحصول‏
__________________________________________________
- سلوك أحد طريقي الذهاب إلى محل تواجد ذاك الدواء، لمغصوبية الطريق مثلا، فهنا بالرغم من العلم التفصيلي بوجوب علاج المؤمن، و تقديم الدواء له يمكن فرض الترخيص الظاهري في تركه، لأهمية حرمة سلوك الطريق المغصوب مثلا، و ذلك لأن الترخيص الظاهري- حسب الفرض- هو الترخيص الناشئ عن تزاحم الغرضين في عالم المحركية، و هنا قد تزاحم غرض علاج المؤمن و غرض ترك الطريق المغصوب في المحركية، لا لعدم القدرة على الجمع بينهما، لكي يكون تزاحما في عالم الامتثال، فإنه قادر على سلوك الطريق المباح و الوصول إلى علاج المؤمن، من دون ابتلاء بالغصب، بل للجهل بما هو الطريق المغصوب، و عدم تمييزه عن الطريق المباح، فأي فرق بين الترخيص هنا و الترخيص في موارد عدم العلم التفصيلي كي يفترض إمكانية اجتماع الثاني مع الحكم الواقعي، بخلاف الأول؟ مع أن النكتة فيهما واحدة، و هي التزاحم في مقام المحركية.
و قد أفاد أستاذنا الشهيد رحمه الله في الجواب عن ذلك: أن هذا المثال بابه باب التزاحم في مقام الامتثال بين وجوب الإنقاذ واقعا، و وجوب الاحتياط بترك كلا الطريقين ظاهرا، و بكلمة أخرى:
إننا نقصد بالحكم الخطاب، أو ما يكشف عنه الخطاب، الناشئ عن داعي حصول التحريك على تقدير الوصول، و هذا غير ممكن في باب التزاحم الامتثالي بما هو أهم مثلا، فلا يوجد داعي التحريك في هذا المثال نحو علاج المؤمن، حتى مع وصول هذا الحكم، كما لا يوجد داعي التحريك نحو غير الأهم في باب الصلاة و الإزالة مثلا، و إنما يمكن ذلك في خصوص فرض عدم العلم التفصيلي بالحكم الواقعي، فهذا الفرض هو الذي يمكن فيه انحفاظ الحكم الواقعي مع الترخيص الظاهري.

 

                        المحكم في أصول الفقه، ج‏4، ص: 135
استحبابا أو وجوبا كان مولويا و صار موضوعا للداعي العقلي بنفسه- مع قطع النظر عن الملاك الموجب له- على حسب قوة الداعي لطاعته و ضعفه.
و منه يظهر الوجه في عدم استغناء الحكم الواقعي المولوي المنجز في مقام المحركية عن الداعي العقلي، فإن الانبعاث عن الأمر المولوي فعل اختياري للمكلف، فلا يعقل صدوره إلا لغرض دافع له، من حب موافقة الامر- لأهليته ذاتا أو بالعرض- أو خوف عقابه أو رجاء ثوابه. و الداعوية المذكورة هي مرجع حكم العقل بحسن الإطاعة أو وجوبها في الأحكام الشرعية.

 

                        منتقى الأصول، ج‏2، ص: 420
متعلق الأهم الملازم لعدم وصول الأهم إلى مرحلة الفعلية في التأثير- إذ لو أثر فعلا لتحقق المتعلق-، فكيف يفرض في هذا الحال- أعنى حال الفعلية تأثير لمهم- وصول الأهم إلى مرحلة الفعلية في التأثير؟.
و بالجملة: ارتفاع التزاحم لا يتوقف على تعليق المهم على عدم مؤثرية الأهم الفعلية، بل يتحقق ارتفاعه بتعليقه على عدم تحقق متعلق الأهم كما عرفت.
و عليه، فيصح الترتب سواء علق الأمر بالمهم على عصيان الأمر بالأهم أو على ترك متعلقه.
بهذه البيانات الثلاثة يصح الترتب في الجملة أو مطلقا.
و قد قرب المحقق العراقي صحة الترتب بوجه آخر يختلف عن الوجه الذي ذكرناه ببياناته الثلاثة.
و إيضاحه- على ما ذكره المحقق الأصفهاني-: هو ان طلب وجود الشي‏ء مرجعه إلى طلب طرد عدم الشي‏ء من جميع الجهات التي يتحقق بها عدمه، كعدم مقدماته و وجود أضداده، فطلب البياض مرجعه إلى طلب طرد عدمه من جهة عدم مقدماته، فيعني ذلك ان له اقتضاء وجودها، و من جهة وجود السواد، فيعني ذلك ان له اقتضاء عدمه. و من الواضح امتناع اجتماع طلب كل من الضدين لاستلزامه اجتماع المقتضيين المتنافيين في شي‏ء واحد.
و لكن ذلك إذا أخذ الأمر بقول مطلق، و قد تخرج إحدى جهات العدم عن حيز الأمر بحيث لا يكون للأمر اقتضاء بالنسبة إليها، كما لو أخذ المطلوب طرد العدم من جميع جهاته سوى جهة وجود الضد، فانها أخذت من باب الاتفاق و المصادفة، ففي الفرض لا يكون للأمر اقتضاء لعدم ضد متعلقه.
و عليه، فتقييد الأمر بالمهم بعصيان الأمر بالأهم يرفع التنافي بين‏
                        منتقى الأصول، ج‏2، ص: 421
الأمرين، لأن مرجع الأمر بالمهم إلى طلب سد باب العدم من جميع الجهات غير جهة وجود الأهم، لأخذ عدم الأمر بالأهم في موضوع الأمر بالمهم، و لا تنافي بين قيام المولى بصدد سد باب العدم في طرف الأهم من جميع الجهات حتى جهة وجود ضده المهم، و قيامه بصدد سد باب عدم المهم في ظرف انفتاح عدم الأهم اتفاقا، إذ لا محركية له نحو طرد عدم المهم إلا في ظرف عدم الأهم من باب الاتفاق.
و قد أفاد رحمه الله بان صحة الترتب- بهذا البيان- لا تتوقف على كونه بنحو الواجب المشروط، بل يصح بنحو الواجب المعلق، فيكون الأمر بالمهم فعليا، لكنه بالفعل على تقدير العصيان و عدم الأهم اتفاقا، إذ لا اقتضاء له في هذا الحال نحو عدم الأهم فلا منافاة بين الأمرين «1».
و لكن هذا البيان لا يخلو عن مناقشة من وجهين:
الأول: ان تصحيح الترتب بنحو الواجب المعلق يبتني على الالتزام بالواجب المعلق، و قد عرفت ما فيه من الكلام، فلا يلزم بهذا القول من يرى امتناع الواجب المعلق.
الثاني: ان الترتب و ان رفع اجتماع المقتضيين المتنافيين في طرف الأهم لتعليق الأمر بالمهم على عدم الأهم من باب الاتفاق، فلا اقتضاء له نحو عدمه كي ينافي الأمر بالأهم الذي له اقتضاء نحو وجوده، إلا انه لا يرتفع به اجتماعهما في طرف المهم، لأن الأمر به على تقدير العصيان يكون فعليا، فله اقتضاء نحو وجوده، و المفروض ان الأمر بالأهم في هذا الحال فعلي لإطلاقه، فله اقتضاء عدمه، فيلزم المحذور من طلب الضدين.
هذا إذا لوحظ ما هو ظاهر البيان من أن المحذور في طلب الضدين هو
__________________________________________________
 (1) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية 1- 234- الطبعة الأولى.
                        منتقى الأصول، ج‏2، ص: 422
اجتماع المقتضيين المتنافيين في شي‏ء واحد، لأن الأمر بأحدهما يقتضي وجوده و الأمر بالآخر يقتضي عدمه، و ان هذا المحذور يرتفع بالترتب.
اما إذا كان المقصود كون المحذور هو التنافي في مقام المحركية الفعلية، و انه يرتفع بالترتب، لأن تعليق أحدهما على عصيان الآخر يرفع إمكان وصول الأمر معا إلى مرحلة الفعلية في التأثير فلا يقع التزاحم- ان كان المقصود ذلك-، فهذا راجع إلى ما تقدم و ليس وجها مستقلا في قبال ما تقدم.
و بالجملة: هذا البيان ما لم يرجع إلى ما قربناه لا يخلو عن مناقشة.
و عليه، فالوجه الصحيح الذي يقال في تصحيح الترتب ما عرفته، و حاصله: ان تعليق الأمر بأحدهما على عدم فعلية تأثير الآخر، أو عدم متعلق الآخر، يستحيل معه فرض تنافي الأمرين في مقام المحركية الفعلية و هو محذور طلب الضدين.

 

 

                        زبدة الأصول، ج‏4، ص: 434
أما الأول: فيرد عليه ان حكم العقل بحسن الاحتياط إنما يكون بيانا للكبرى و جاريا على نحو القضية الحقيقية المتضمنة لثبوت الحكم على تقدير وجود الموضوع، و لا تعرض له لبيان الموضوع، فهو لا يصلح ان يكون مبينا للموضوع و سببا لإمكان الاحتياط.
و بالجملة على فرض عدم إمكان الاحتياط في العبادات لا مورد لحكم العقل بحسنه، و لا يفيد ما دل على ترتب الثواب عليه.
و ان شئت قلت انه لو ثبت الملازمة بين حكم العقل بحسن الاحتياط و الامر به شرعا بما انه حينئذ يتوقف الأمر على موضوعه توقف العارض على معروضه، فلا يعقل ان يكون من مبادئ ثبوته فلا أمر به.
و اما المورد الثاني: فملخص القول فيه ان محتملاته بعد عدم كون الأمر به طريقيا كما مر ثلاثة:
الأول: كونه إرشادا إلى عدم الوقوع في المفاسد الواقعية، و عدم فوت المصالح، نظير أمر الطبيب و نهيه.
الثاني: كونه إرشادا إلى حسن الاحتياط و الانقياد عقلا.
الثالث: كونه أمرا مولويا نفسيا.
فان قيل انه يحتمل كونه طريقيا استحبابا.
اجبنا عنه بأنا لا نتصور معنى معقولا للطريقية، التي هي عبارة عن الحكم بداعي تنجيز الواقع، غير اللزوم.
                        زبدة الأصول، ج‏4، ص: 435
و قد اختار جماعة منهم المحقق الخراساني «1»، و المحقق النائيني «2» الثاني، و عللوه بأنه كالأمر بالإطاعة، و حاصله ان نفس البرهان المقتضى لعدم كون الأمر بالإطاعة، مولويا، يقتضي عدم كون هذا الأمر مولويا.
و اوضحه المحقق النائيني «3»: بما حاصله: ان الأحكام العقلية الواقعة في سلسلة علل الأحكام، و ملاكاتها، كحكم العقل بحسن الإحسان، و قبح الظلم، تكون مستتبعة للأحكام الشرعية المولوية، و اما الواقعة في سلسلة معاليل الأحكام و في مرحلة الامتثال، كحكم العقل بلزوم الإطاعة، فلا تكون مستتبعة لها، و لو كان هناك حكم، كان إرشاديا، إذ الحكم الشرعي في نفسه لو لا الحكم العقلي بالامتثال لا يكون باعثا و زاجرا، فمقام الامتثال، لا معنى لورود الحكم الشرعي فيه، و المقام من قبيل الثاني لأنه إنما يكون لأجل ادراك الواقع فيكون واقعا في مرحلة الامتثال غاية الأمر كونه امتثالا احتماليا.
و أورد عليه الأستاذ الأعظم «4» بما حاصله ان وجه كون الأمر بالإطاعة إرشاديا ليس مجرد وقوعه في مرحة الامتثال، بل الوجه ان الأمر المولوي و لو لم يكن متناهيا لا يكون محركا للعبد، ما لم يكن له إلزام من ناحية العقل، فلا بد و ان ينتهي الأمر المولوي في مقام المحركية إلى إلزام من العقل، فلا مناص من‏
__________________________________________________
 (1) كفاية الأصول ص 345- 346.
 (2) فوائد الأصول للنائيني ج 3 ص 374.
 (3) فوائد الأصول للنائيني ج 3 ص 374/ اجود التقريرات ج 2 ص 135- 136 و في الطبعة الجديدة ج 3 ص 237.
 (4) مصباح الأصول ج 2 ص 317/ دراسات في علم الأصول ج 3 ص 299- 300.
                        زبدة الأصول، ج‏4، ص: 436
جعل الأمر الوارد في مورده إرشادا إلى ذلك، و هذا بخلاف الأمر بالاحتياط، إذ العقل بما انه لا يستقل بلزوم الاحتياط، فلا مانع من ان يأمر به المولى مولويا حرصا على ادراك الواقع.
و يتوجه عليه: انه قد مر في أول هذا الجزء «1» ما في هذه الكلمات، و عرفت ان وجه كون الأمر بالإطاعة ارشاديا ارتباط الموضوع بنفسه بالمولى، و ان كلما يترقب من الآثار للحكم المولوي، من الثواب على الموافقة و العقاب على المخالفة، و التقرب بإتيان المأمور به إلى الله تعالى، تكون مترتبة على الموضوع، فلا يترتب على الأمر بالإطاعة اثر فيكون لغوا، و هذا البرهان في بادي النظر جار في المقام، فلا يكون امره مولويا.

 

                        .

ضواء و آراء ؛ تعليقات على كتابنا بحوث في علم الأصول، ج‏1، ص: 423
و بعبارة اخرى: كما تقدم في بحث الأمر بالجامع و النهي عن فرده- بناء على سراية الحب من الجامع إلى الفرد- عدم التنافي بينهما في مقام المحركية المولوية كذلك في المقام لا منافاة بين تحريم مطلق الغصب حتى الخروجي مطلقا و ايجاب فرد منه بعد تحقق الدخول المساوق مع تحقق جامع الغصب في الآن الثاني من حيث المحركية، بل لكون الأمر و الوجوب في المقام مشروطا بالدخول، و فرض الدخول هو فرض سقوط محركية النهي، فلا تنافي بين النهي و الأمر من حيث المحركية جزما.

 

                        اضواء و آراء ؛ تعليقات على كتابنا بحوث في علم الأصول، ج‏2، ص: 84
مورد واحد فالجواب أن التحريك نحو الحصة أثره الاتيان بها لمن يريد امتثال كل أوامر مولاه و التحريك نحو الجامع أثره الاتيان به و لو في غير مورد الحصة لمن لا يريد تحقيق الحصة فلا لغوية.
لا يقال: هذا صحيح في مثل الأمر بالجامع و الأمر بالحصة أي التكاليف البدلية و اما التكاليف الانحلالية كحرمة الخمر و حرمة التجري و وجوب اكرام كل عالم و وجوب اكرام الفقيه فلا يعقل فيه ذلك لأن كل فرد بحسب الفرض له حكمه الخاص من الحرمة أو الوجوب فجعل حكم آخر مماثل فيه لغو محض.
فإنه يقال: لا لغوية فيه أيضا، إذ يكفي في عدمها تحريك من لا يتحرك من تكليف واحد من قبل المولى بخلاف ما إذا كان هناك تكليفان.
هذا إذا كان الاشكال من ناحية اللغوية، و إذا كان الاشكال من ناحية محذور اجتماع المثلين فجوابه كفاية تعدد العنوان المعروض للحكمين في امكان ذلك كما يشهد به الوجدان.
ثم ان هنا جوابا آخر قد يذكر في المقام و حاصله: ان ما ذكر فيه من اللغوية في مقام المحركية أو جعل الحكم الأخص مع وجود الحكم الأعم في مورده إنما هو محذور في مرحلة الاثبات الراجع إلى ظهور خطابات الشارع في انها تكون مجعولة بداعي التحريك و البعث و هذا إنما يمنع عن اثبات الحكم الشرعي من لسان الدليل إذا كان الدليل عليه لفظيا، و اما إذا كان الدليل على الحكم الشرعي لبيا عقليا و هو قانون الملازمة بين ما حكم به العقل حكم به الشرع فلا محالة يكون الحكم الشرعي ثابتا بروحه و حقيقته في عالم الثبوت لا محالة.

 

 

 






فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است