بسم الله الرحمن الرحیم

القواعد الفقهیة و الاصولیة
روش درس خواندن برای رسیدن به اجتهاد
الاجزاء
الاستصحاب
الحکم الظاهری
اماره-اصل
رابطه طولی حکم واقعی و ظاهری
مراحل طولی انشاء حکم-ثبوت-اثبات-مدیریت امتثال


در کلام شیخ انصاری
در کلام شهید صدر
کاربردهای حکم ظاهری



حکم ظاهری

تعریف حکم ظاهری

کلام وحید بهبهانی

الفوائد الحائرية ؛ ص207

الفائدة العشرون [إذا تعارض الخبران‏]

قد عرفت: عدم حجية الظن، و حرمة العمل به إلا ظن المجتهد بعد استفراغ وسعه في تحصيل ما هو أقوى، و بالصواب أحرى، و ما يكون الأظهر عنده أنه حكم الله تعالى.

فإذا ورد خبران متعارضان، فلا بد من استفراغ الوسع في تحصيل الأقوى و الأظهر و الأحرى بالمرجحات المفيدة لذلك، فإذا حصلت له يكون حكمه تعالى مقصورا فيه لا يتعدى إلى غيره، لأن ذلك الغير داخل في عموم ما دل على حرمة العمل بالظن لا مخرج له أصلا، لأن الذي خرج هو الأظهر أنه حكم الله تعالى بالأدلة التي عرفت

.

الفوائد الحائرية ؛ ص254

نعم بعد بذل الجهد، و استفراغ وسعهم لو وقع غفلة أو جهل لم يكن عليهم شي‏ء من جهة عدم تقصيرهم، لأن ضروري مذهب «الشيعة» بل و كل «العدلية» أن المؤاخذة بالتقصير، و أن التكليف بحسب الوسع، بل «الأشاعرة» أيضا يقولون بذلك من جهة السمع.

و أما المجتهد و العامي فبعد بذل جهدهما و استفراغهما في تحصيلها بالنهج الثابت شرعا يكون ما حصل لهما حكم‏ «الله» الظاهري‏ في حقهم طابق الواقع أم لا، و قد مر النهج الثابت و دليله




الرسائل الأصولية ؛ متن ؛ ص467

على أن مدار الشيعة- بعد حكاية السقيفة- صار على الأحكام الظاهرية الثانوية غالبا إلا ما شذ؛ لأن بعد الداهية العظمى صار حجة الله مقهورا، و نوره مستورا، و ظهر البدع و الأهواء، و حدث المقاييس و الآراء، ففشت الجهالة، و عمت الضلالة، حتى أن عامة الشيعة و معظم المحبين كانوا على طريقة أهل الجهل في الأحكام إلا ما شذ، و ما تمكن حجج الله على أن يبلغوا إليهم الحق إلا ما قل، و كان الأمر على ذلك إلى زمان الباقر عليه السلام، فأبلغهم قدرا من الأحكام على حسب ما حصل له التمكن، و وجد له‏2 المصلحة.

ثم من‏3 بعده ابنه الصادق عليه السلام أبلغ قدرا آخر على حسب ما قدر على‏

الرسائل الأصولية، متن، ص: 468

اظهاره و وجد المصلحة لابرازه؛ و مع ذلك كان كثير من شيعتهم يعملون بقول مثل أبي حنيفة و ابن أبي ليلى، معتقدين أنه شرع الله على الطريقة التي كانوا عليها و الروية التي كانوا من قبل فيها، حتى زجراهم عليهما السلام و منعاهم، و حذراهم عن التحاكم إليهم، و الأخذ بقولهم، و أمراهم بالرجوع إلى أئمتهم، و أخذ جميع الأحكام منهم، و هكذا كان‏ حجج الله من بعدهما، كانوا يظهرون قدرا من الأحكام، بل ما أوصلوا إليهم جميع ما كانوا يحتاجون إليه، و لا بينوا لهم جميع جزئيات أحكامهم.

نعم ربما5 قالوا لهم: «كل شي‏ء مطلق حتى يرد فيه نهي»6، «و لا تنقض اليقين بالشك أبدا»7، و ربما قالوا لجمع منهم: «اجتنبوا عن الشبهات، و توقفوا عما لا تعلمون و احتاطوا» .. و نظائر ذلك‏9.

و معلوم أن جميع ذلك حكم‏ الله الظاهري‏.10

 

مع أنه إذا كان أحد الخبرين عنده يصير الأظهر أنه حكم الله تعالى.

و يصير المعارض له عنده خلاف ذلك، و أن الأظهر عنده أنه ليس حكم الله‏

الفوائد الحائرية، ص: 208

تعالى، لأن حكم الله تعالى عند الشيعة واحد لا تعدد فيه أصلا و أخبارهم صريحة في ذلك.

و حكم الله الظاهري‏ عبارة عما ظهر عند فقيه انه حكم الله تعالى في الواقع، و حصل ظنه بذلك، لا الذي ظهر عنده أنه ليس حكم الله واقعا، بل و لا الذي شك في أنه حكم الله واقعا أم لا، فضلا عن أن يكون ظهر عنده أنه ليس حكم الله تعالى.

فحكم الله الظاهري ليس إلا مظنون حكم الله الواقعي، لكون الظاهر أنه هو، و لذا نقول: حكم الله الظاهري ...

و بالجملة: إذا كان حكم من الأحكام مرجوحا عند الفقيه أنه حكم الله لا يمكن للفقيه الفتوى بأنه حكم الله تعالى و العمل به قطعا.

بل المتساوي الطرفين لا يمكنه، فضلا عن المرجوح.

بل الراجح عنده ليس إلا ظنا، و كون الظن حكم الله تعالى واقعا يحتاج إلى دليل شرعي قطعي لولاه لكان الفتوى به و العمل به حراما أيضا قطعا، كما عرفت، و عرفت أنه إجماعي أيضا عند جميع المسلمين فضلا عن الشيعة.11

 

کلام شیخ انصاری

الفوائد الأصولية، ص:622
بسم الله الرحمن الرحيم
فى معنى الحكم الواقعى و الظاهرى
الحكم المتعلق بالموضوع من حيث«هو هو»مع قطع النظر عن اتصافه بالعلم و الجهل-بالمعنى الاعم من
الظن و الشك و الوهم-و بما يرجع الى احدهما مثل خبر المخبر و تقليد المفتى يسمى«حكما واقعيا اوليا ».
و معنى كونه حكم المكلف مع قطع النظر عن تعلق اعتقاد المكلف به انه مجعول من الشارع و صادر عنه و
منشئ له لا بمعنى تنجز التكليف به و ترتب آثار التكليف من الثواب و العقاب عليه.
و هو الذى اتفق علّيه المخطئة و المصوبة بالنسبة الى الجهل بموضوع الحكم الفرعى، مثل ما اذا اعتقد الخل
خمرا و بالعكس و قامت به البينة و بالنسبة الى نفس الاحكام العقلية من الاصولية و غيرها.
و اختلفوا فى ثبوتها فى خصوص نفس الاحكام الفرعية، و معنى كونه اوليا كونه بحسب الرتبة الطبيعية مقدما
على الحكم الثانوى الذى سيجيء، لتقدم موضوعه طبعا على موضوع ذلك لا بمعنى تقدم الحكم او موضوعه
على الحكم الثانوى بحسب التنجّز على المكلف.
ثم ان هذا الحكم قد يتعلق بمطلق المكلف، و قد يتعلق بعنوان خاص منه كالذكر او الانثى و الحاضر و المسافر و
غير ذلك من الاوصاف و العنوانات
الفوائد الأصولية، ص:623
التى يختلف الحكم باختلافها.
و هذا تارة يكون اختياريا و هو ما كان الملحوظ فيه المصلحة فى نفس الفعل، و تارة يكون اضطراريا و هو ما
يكون الملحوظ فيه تعذر مصلحة اصل الفعل على المكلف كحلية اكل الميتة، اذا لوحظ الحلية فيه من حيث تعذر
الاجتناب و ادراك المصلحة الكامنة فيه فيدخل حينئذ بهذه الملاحظة فى باب الرخصة، و امّا اذا لوحظت من
حيث ان بقاء الانسان اصلح من اجتناب الميتة فهو يرجع الى الاول.
و يمكن ارجاعه على الاطلاق الى الاول، لان مراعات جانب المكلف مصلحة فى الحقيقة مقدمة على مصلحة
الاجتناب و حينئذ يكون معيارا للحكم الاضطرارى على كون اضطرار المكلف و عدم تيسر موافقة الحكم
ماخوذا فى موضوعه و الامر فيه سهل.
و كيف كان فهذا كله داخل فى الحكم الواقعى الا ّ انه يمكن ان يقال:
للاوّ ل الحكم الاولى باعتبار تعلق الحكم مع قطع النظر عن ما اخذ فى موضوع الحكم الاضطرارى و هو التعذر
او التعسر فالحكم الاضطرارى ما لوحظ فى موضوعه العجز عن موافقة الحكم الاختيارى هذا كله فى الحكم
المتعلق بالموضوع من حيث هو بالمعنى المذكور.
و امّا الحكم المتعلق بالموضوع من حيث كونه مقطوع الحكم لتكليف من يقطع بحرمة العصير بالاجتناب عنه
مع حليته واقعا او من حيث كونه مظنون الحكم او مشكوكه، او ما يرجع اليهما كخبر المخبر بشرط الوصف او
باب التعبد و السببية و فتوى المفتى على احد الوجهين فهو المسمى بالحكم

الفوائد الأصولية، ص:624
الظاهرى و بالواقعى الثانوى وجه كونه ظاهريا انه الحكم بحسب الظاهر من الطرق، و وجه كونه واقعيا ثانويا
انه حكم واقعى تعلق بالموضوع بعد ملاحظة اتصافه بحكم تعلق به القطع او الشك بالمعنى الاعم او ما يرجع
[اليهما] .
فلا بد ّ اولا من ملاحظة حكم لهذا لموضوع، ثم ملاحظة تعلق القطع او الجهل او الاخبار او الفتوى به فاذا صار
الموضوع متصفا بكونه مجهول الحكم او مظنونه او مشكوكه او مخبرا به او مفتى به، فالموضوع بهذا الوصف
معروض و موضوع لحكم واقعى هو مثلا مدلول قول الشارع«كل مظنون الحكم حكمه كذا»فهذا بالنظر الى
حكم اصل الفعل واقعى ثانوى و بالنظر الى الفعل الموصوف بكونه مجهول الحكم حكم واقعى اولى قد يعرض
الجهالة او الظن لهذا فيصير حكم مجهول الحكم مجهولا، فهذا الجهل الثانى يحدث موضوعا آخر له، و ذلك
الحكم واقعى ثالثى بالنسبة الى اصل الفعل، ثانوى بالنسبة الىالفعل المجهول الحكم اولى بالنسبة الى مجهول
الحكم الذى جهل حكمه، فينتهى سلسلة الاحكام مترتبة الى حد لا يمكن ان يعرض للموضوع صفة الجهل بحكمه
لاستقلال العقل بحكمه.
ثم ان الحكم الواقعى الثانوى و ما بعده انما يتبع فى المصلحة موضوعه و هو الشيء بوصف الشك فى حكمهاو
الظن به و ان كان على خلاف مصلحة الواقعى الاولى، فالشيء المظنون الوجوب يتحقق فيه مصلحة وجودية و
ان لم يكن فيه واقعا مصلحة وجوبية بل كان فيها مفسدة التحريم لان قضية تبعية الاحكام للمصالح و المفاسد
الكامنة يقتضى عدم الفرق بين الواقعى الاولى و الثانوى

 

 




                        فرائد الأصول، ج‏2، ص: 10
 [عدم إمكان اعتبار الشك‏]
و أما الشك، فلما لم يكن فيه كشف أصلا لم يعقل «1» أن يعتبر، فلو ورد في مورده حكم شرعي- كأن يقول: الواقعة المشكوكة حكمها كذا- كان حكما ظاهريا؛ لكونه مقابلا للحكم الواقعي المشكوك بالفرض.
 [الحكم الواقعي و الظاهري‏]
و يطلق عليه الواقعي الثانوي أيضا؛ لأنه حكم واقعي للواقعة المشكوك في حكمها، و ثانوي بالنسبة إلى ذلك الحكم المشكوك فيه؛ لأن موضوع هذا الحكم الظاهري- و هي الواقعة المشكوك في حكمها- لا يتحقق إلا بعد تصور حكم نفس الواقعة و الشك فيه.
مثلا: شرب التتن في نفسه له حكم فرضنا في ما نحن فيه شك المكلف فيه، فإذا فرضنا ورود حكم شرعي لهذا الفعل المشكوك الحكم، كان هذا الحكم الوارد «2» متأخرا طبعا عن ذلك المشكوك، فذلك الحكم «3» واقعي بقول مطلق، و هذا الوارد ظاهري؛ لكونه المعمول به في الظاهر، و واقعي ثانوي؛ لأنه متأخر عن ذلك الحكم؛ لتأخر موضوعه عنه.
 [الدليل «الاجتهادي» و «الفقاهتي»]
و يسمى الدليل الدال على هذا الحكم الظاهري «أصلا»، و أما ما دل على الحكم الأول- علما أو ظنا معتبرا- فيختص باسم «الدليل»، و قد يقيد ب «الاجتهادي»، كما أن الأول قد يسمى ب «الدليل» مقيدا ب «الفقاهتي». و هذان القيدان اصطلاحان من الوحيد البهبهاني؛ لمناسبة مذكورة في تعريف الفقه و الاجتهاد «4».




کلام سید یزدی

فإن قلت: لو منع الشارع من العمل بالقطع على ما ذكرت يلزم التناقض في حكمه كما سيصرّح به المصنّف قدس سرّه و هو العمدة في دليله على مدّعاه بتقريب أنّ الأحكام الواقعيّة على ما هو الصواب من القول بالتخطئة عامّة شاملة لجميع المكلّفين في جميع الأحوال ليست مقيّدة بعلم و جهل و اختيار و اضطرار إلى غير ذلك من الأحوال، و حينئذ إذا قطعنا بحرمة شي‏ء مثلا و قال الشارع لا تعمل بقطعك بل بقول الفلان العادل الذي يزعم أنّه مباح، فيلزم أن يكون ذلك الشي‏ء في حكمه حراما غير حرام و هو التناقض.
قلنا: نجيب عنه:
                       

 

حاشية رسائل شيخ انصارى، ص: 45
أمّا أوّلا: فبالنقض بجعل الاصول و الأمارات و الأدلّة الظنيّة، فانّ مثل هذا التناقض وارد عليها حرفا بحرف من غير تفاوت، فإنّ التعبّد بالاستصحاب و أصالة البراءة و غيرها مع تخلّفها عن الواقع كثيرا كيف يجتمع مع ثبوت الأحكام الواقعيّة غير مقيّدة بالعلم و الجهل. مثلا الشي‏ء لو كان نجسا أو حراما في الواقع بجعل الشارع إلّا أنّه مستصحب الطّهارة و الحلّية فلمّا جعل الاستصحاب حجّة و كلّف التعبّد به فقد حكم بعدم النجاسة و الحرمة، و هو التناقض المذكور، و مثل ذلك يقرّر التناقض في الأمارات و الأدلّة الظنّية بلا تفاوت، و من هنا ذهب ابن قبة من قدماء أصحابنا إلى أنّ التعبّد بخبر الواحد مستحيل في العقل، لاستلزامه تحليل الحرام و تحريم الحلال، فإنّه هذا التناقض بعينه. فاتّضح أنّ ما ذكر بالنسبة إلى ورود التناقض من واد واحد.
و أمّا ثانيا: فبالحلّ و توضيحه يحصل ببيان كيفيّة جعل الاصول و الأدلّة الظنيّة أوّلا كي يتضح طرد الكلام فيما نحن فيه. فنقول: إنّ ظاهر جمهور العلماء و صريح جمع منهم أنّ الأحكام الظاهريّة أحكام شرعيّة مجعولة في قبال الأحكام الواقعيّة الأوليّة يحصل بها الإطاعة و العصيان و يترتّب عليها آثار أخر أيضا ممّا يترتّب على الأحكام الشرعيّة من الإجزاء أو غيره ممّا ليس هنا محلّ ذكرها و من هنا قد اشكل عليهم امور:
منها التناقض الذي نحن بصدده و قد أجابوا عن التناقض بوجوه عديدة لعلّها تأتي فيما سيأتي في مقامات يناسبها بما فيها، أوجهها ما اختارها المصنّف قدّس سرّه في رسالة حجّية المظنّة- و إن قال بغيره في أوّل رسالة البراءة- و هو انّا نمنع كون مؤدّيات الاصول و الأمارات و كذا الأدلّة الظنّية أحكاما شرعيّة، بل هي أحكام عذريّة، بمعنى أن الشّارع جعلها أعذارا للمكلّفين إذا سلكوها فإن أصابوا فقد أدركوا الأحكام الشرعيّة، فإن أخطئوا فهم معذورون لا يعاقبون على الواقع، و هذا نظير الأعذار العقليّة كالجهل و العجز بعينه، فكما أنّ العاجز و الجاهل في حال عجزه و جهله لم يجعل له حكم سوى حكمه الواقعي و كان معذورا بالنسبة إليها بحكم العقل

 


                        حاشية رسائل شيخ انصارى، ص: 46
فكذلك من عمل بمؤدّيات الاصول و الأمارات، لأنّ الشارع قد جعلها أعذارا فإن أصاب فقد رزقه اللّه خيرا، فإن أخطأ فقد حرم منه و كان معذورا لا يصحّ عقابه على ترك العمل بالواقع، كما لا يصحّ في الأعذار العقليّة، و الدليل على ذلك أنّا إذا تتبّعنا أدلّة حجّية الاصول و الأمارات و الأدلّة الظنّية لم نجد فيها ما يدلّ على أنّ مؤدّياتها أحكام شرعيّة مجعولة مقابلة الأحكام الواقعيّة على ما يدّعيه الخصم، بل مؤدّاها أنّه يجب العمل بها و لا يستفاد من ذلك أزيد ممّا ذكرنا من عدم جواز المؤاخذة على ترك الواقع على تقدير التخلّف و ذلك ما أردنا.
و الحاصل أنّه ليس في الشريعة [إلّا] الأحكام الواقعيّة يجب على المكلّفين قاطبة الإتيان بها يعاقبون على مخالفتها لا يقبل منهم غيره إلّا أن يأتوا بعذر صحيح من عجز و جهل من الأعذار العقليّة، أو العمل بأصل أو أمارة من الأعذار الجعليّة، و من هنا يصحّ لنا أنّ الجاهل يصحّ عقابه على مخالفة الواقع لو لم يكن جهله عذرا كما لو كان مقصّرا و العالم لا يصحّ عقابه على المخالفة لو كان معذورا بعذر عقليّ أو شرعيّ.
إذا تحقّق ذلك و ارتفع التناقض بحمد اللّه في جعل الاصول و الأدلّة، نقول بمثل ذلك فيما نحن فيه، فلو منع الشارع عن العمل بالقطع في مثل القطّاع مثلا لحكمة غلبة مخالفة الواقع التي يعرف الشارع من القطّاع فلم يجعل له حكما مخالفا لحكمه الواقعي حتّى يحصل التناقض بينه و بين الحكم الواقعي، بل أبدع (كذا) له أن يعتذر إلى الشارع- فيما إذا كان قطعه مطابقا للواقع و ترك العمل عليه بذلك- منعتنى عن العمل بقطعي، فلا بدّ أن يقبل عذره و لا يعاقبه على تلك المخالفة.
فإن قلت: فرق بين القطع و غيره من الاصول و الأدلّة الظنّية، لأنّ القاطع قد انكشف عنده الواقع لا يمكن اعتذاره بغير إتيان الواقع، و إلّا لم يكن مكلّفا به بخلاف غيره، فإنّه لمّا كان الواقع مستورا عنه جاز أن يجعل له عذرا يعتذر به، و حينئذ فلو منع الشارع القاطع عن العمل بقطعه يلزم التناقض.
و بوجه آخر: مقام ثبوت الحكم الواقعي يغاير مقام ثبوت التخيير في غير القطع‏
                        حاشية رسائل شيخ انصارى، ص: 47
من الاصول و الأمارات و الأدلّة الظنّية، ضرورة ثبوت الأحكام الواقعيّة مطلقا حتّى بالنسبة إلى الجاهل بها لبطلان التصويب، إلّا أنّه ليست منجّزة على الجاهل، فيجوز جعل أصل أو أمارة أو دليل ظنّي في مقام إثبات التنجيز، و هذا بخلاف القطع، فإنّ مقام ثبوت الحكم الواقعي عين مقام ثبوت التنجيز، لفرض القطع بالحكم الواقعي.
و بعبارة اخرى: الحكم الواقعي في غير القطع يغاير الحكم الظاهري، بخلافه في المقطوع به فإنّ الحكم الظاهري عين الواقعي و الحكم الواقعي عين الظاهري، و حينئذ فمنع العمل بالقطع يستلزم التناقض‏
قلت: بعد ما حقّقنا لك من أنّ حكم العقل بوجوب متابعة القطع معلّق بعدم منع الشارع عن العمل به لا يبقى مجال لهذا الاعتراض بتقريراته الثلاثة لأنّه يجوز أن يعتذر المكلّف على مخالفة الحكم الواقعي على زعمه بمنع الشارع عن العمل بقطعه، و أنّ الواقع غير منجّز عليه بعد منع الشارع، إذ القطع ليس منجّزا للتكليف مطلقا بل في حال عدم المنع، و من الواضح أنّه لا تناقض حينئذ في حكم الشارع، لأنّ الحكم الواقعي ثابت مطلقا أدّى إليه الطريق أم لا و ليس منعه عن العمل بالقطع مثبتا لحكم آخر مناقض للحكم الأوّل، لأنّ مرجعه إلى منع التوصّل بذلك الحكم الواقعي من طريق قطعه لحكمة غلبة الخطاء في مثل القطّاع مثلا فإذا لم يعمل المكلّف القطّاع مثلا على طبق قطعه ففي مورد خطاء قطعه عن الواقع لا إشكال، و في مورد مصادفة قطعه للواقع معذور غير معاقب على ترك الواقع لا أنّ حكمه حينئذ خلاف الواقعي حتّى يناقض ذلك الحكم الواقعي الثابت له.
نعم قد يقال بأنّه يلزم التناقض في اعتقاد المكلّف الممنوع عن العمل بقطعه، فإنّه بعد معرفة أنّ الواقع مطلوب للشارع مطلقا فإذا حصل له القطع بالواقع و منعه الشارع عن العمل بقطعه و كلّفه بالعمل بخبر زرارة مثلا يحكم بأنّ الشارع تناقض في حكمه، و حينئذ لا يرتدع بردعه، لأنّه لا يعلم حقّية حكمه الأوّل أو الثّاني بعد بطلان التناقض.
و جوابه أنّ المكلّف إن كان له من الفطانة و جودة الذهن ما أدرك به مثل هذا

 

 


                        حاشية رسائل شيخ انصارى، ص: 48
التناقض، لعلّه يتفطّن ما ذكرنا في رفع التناقض أيضا، و إن لم يتفطّن لذلك فلا محذور أيضا، لأنّ دليل المنع عن العمل بقطعه حاكم على دليل نفس الحكم، فيعتقد بزعمه أنّ الشّارع رفع اليد عن الحكم الواقعي في حقّه فيرتدع بردعه لا محالة.
فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ القطع ليس قابلا للجعل من حيث كشفه عن الواقع، بل هو من هذه الحيثيّة منجعل بجعل تكوينيّ، و كذا من حيث حجّيته و وجوب متابعته، بل هو من هذه الحيثيّة من مجعولات العقل لا يحتاج إلى جعل الشارع، لأنّه من قبيل تحصيل الحاصل، لكنّه قابل للجعل بمعنى قابليّته لردع الشارع عن العمل به على ما مرّ بيانه مفصّلا.

 

کلام آیت الله خوئی

مصباح الاصول، ج 1ّ، ص 125

هذا، و التحقيق في دفع الاشكال أن يقال: إنّ الأحكام الشرعية لا مضادة بينها في أنفسها، إذ الحكم ليس إلّا الاعتبار، أي اعتبار شي‏ء في ذمّة المكلف من الفعل أو الترك، كاعتبار الدين في ذمّة المديون عرفاً و شرعاً، و لذا عبّر في بعض الأخبار عن وجوب قضاء الصلوات الفائتة بالدين، كما في قوله (عليه السلام): «إنّ دين اللَّه أحق أن يقضى» «3» و من الواضح عدم التنافي بين الامور الاعتبارية، و كذا لا تنافي بين إبرازها بالألفاظ، بأن يقول المولى: افعل كذا أو لا تفعل كذا كما هو ظاهر، إنّما التنافي بينها في موردين: المبدأ و المنتهى. و المراد بالمبدإ ما يعبّر عنه بعلّة الحكم مسامحةً من المصلحة و المفسدة، كما عليه الإمامية و المعتزلة، أو الشوق و الكراهة كما عليه الأشاعرة المنكرين لتبعية الأحكام للمصالح و المفاسد، و المراد من المنتهى مقام الامتثال.
أمّا التنافي من حيث المبدأ، فلأنّه يلزم من اجتماع الحكمين- كالوجوب و الحرمة مثلًا- اجتماع المصلحة و المفسدة في المتعلق بلا كسر و انكسار، و هو من اجتماع الضدّين، و لا إشكال في استحالته، و كذا الحال في اجتماع الترخيص مع الوجوب أو الحرمة، فانّه يلزم وجود المصلحة الملزمة و عدم وجودها في‏
__________________________________________________
 (1) محاضرات في اصول الفقه 1: 533
 (2) محاضرات في اصول الفقه 4: 531
 (3) سنن النسائي 5: 118 (باختلاف يسير)
     

 

 

                   مصباح الأصول ( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي )، ج‏1، ص: 126
شي‏ء واحد، أو وجود المفسدة الملزمة و عدم وجودها و هو من اجتماع النقيضين المحال.
و أمّا التنافي من حيث المنتهى، فلعدم تمكن المكلف من امتثال كلا الحكمين كما هو ظاهر، فيقع التنافي و التضاد في حكم العقل بلزوم الامتثال، و يلزم أن يحكم العقل بالفعل امتثالًا للوجوب، و بالترك امتثالًا للحرمة، أو يلزم أن يحكم العقل بالفعل امتثالًا للوجوب، و أن لا يحكم به للاباحة، و كذا يلزم أن يحكم بالترك امتثالًا للحرمة و أن لا يحكم به للاباحة. و كل ذلك بديهي الاستحالة.
و إن شئت قلت: إنّه مع وصول كلا الحكمين إلى المكلف، إن كان كلاهما إلزامياً- كما في اجتماع الوجوب و الحرمة- لزم حكم العقل باستحقاق العقاب على الفعل و الترك و عدم الاستحقاق على الفعل و الترك. أمّا الاستحقاق على الفعل، فلكونه ارتكاب حرام، و أمّا على الترك فلكونه ترك واجب، و أمّا عدم الاستحقاق على الفعل فلكونه فعل واجب، و أمّا على الترك فلكونه ترك حرام.
و إن كان أحدهما إلزامياً، لزم حكم العقل باستحقاق العقاب على الفعل أو على الترك، و عدم الاستحقاق عليه. و الوجه في جميع ذلك ظاهر كظهور استحالته.
إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّه لا تنافي بين الحكم الواقعي و الظاهري أصلًا، لا من ناحية المبدأ و لا من ناحية المنتهى، و أنّ هذا التضاد العرضي بين الأحكام يختص بما إذا كان الحكمان من سنخ واحد، بأن كان كلاهما واقعياً أو كلاهما ظاهرياً، بخلاف ما إذا كان أحدهما واقعياً و الآخر ظاهرياً، فانّه لا مضادة بينهما من ناحية المبدأ و لا من ناحية المنتهى.
أمّا من ناحية المبدأ، فلأنّ المصلحة في الحكم الظاهري إنّما تكون في نفس جعل الحكم لا في متعلقه، كما في الحكم الواقعي، فلا يلزم من مخالفتهما اجتماع المصلحة و المفسدة، أو وجود المصلحة و عدمه، أو وجود المفسدة و عدمه في‏

 

 

                        مصباح الأصول ( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي )، ج‏1، ص: 127
شي‏ء واحد، إذ الأحكام الواقعية ناشئة من المصالح و المفاسد في متعلقاتها، و الأحكام الظاهرية ليست تابعةً لما في متعلقاتها من المصالح بل تابعة للمصالح في أنفسها، فانّها مجعولة في ظرف الشك في وجود المصلحة الواقعية، و قد لا تكون مصلحة في المتعلق واقعاً، فكيف يمكن أن تكون تابعةً للمصالح الواقعية في المتعلقات. ففي موارد الاحتياط- كما في الشبهة الحكمية قبل الفحص- جعل وجوب الاحتياط لمصلحةٍ في نفس الاحتياط- و هي التحفظ على مصلحة الواقع على تقدير وجودها، و التحذر عن الوقوع في المفسدة الواقعية أحياناً، و في موارد الترخيص- كما في الشبهة الحكمية بعد الفحص، أو في الشبهة الموضوعية مطلقاً- جعل الترخيص لما في نفسه من المصلحة، و هي التسهيل على المكلفين.
و أمّا عدم التنافي من ناحية المنتهى، فلأنّ الحكم الظاهري موضوعه الشك في الحكم الواقعي و عدم تنجزه، لعدم وصوله إلى المكلف، فما لم يصل الحكم الواقعي إلى المكلف لا يحكم العقل بلزوم امتثاله و لا باستحقاق العقاب على مخالفته، فلا مانع من امتثال الحكم الظاهري، و إذا وصل الحكم الواقعي إلى المكلف و حكم العقل بلزوم امتثاله و باستحقاق العقاب على مخالفته، لا يبقى مجال للحكم الظاهري لارتفاع موضوعه بوصول الواقع.
و بعبارة اخرى: حكم العقل بلزوم الامتثال إنّما هو بعد وصول الحكم إلى المكلف، بلا فرق في ذلك بين الحكم الواقعي و الظاهري، و وصول كلا الحكمين إلى المكلف في عرض واحد محال، لكون الحكم الظاهري دائماً في طول الحكم الواقعي، فمع وصول الحكم الواقعي ينتفي الحكم الظاهري بانتفاء موضوعه، فلا يحكم العقل إلّا بلزوم امتثال الحكم الواقعي، و مع عدم وصول الحكم الواقعي لا يحكم العقل إلّا بلزوم امتثال الحكم الظاهري، فلا تنافي بين الحكمين‏

 

 

 

                        مصباح الأصول ( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي )، ج‏1، ص: 128
في مقام الامتثال أبداً.
و المتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام: أنّ الحكم الظاهري في موارد الاصول غير المحرزة و إن كان متحققاً، إلّا أنّه لا مضادة بينه و بين الحكم الواقعي أصلًا، لا بالذات باعتبار لحاظهما بأنفسهما، و لا بالعرض بلحاظ المبدأ و المنتهى.
و أمّا في موارد الأمارات و الاصول المحرزة، فليس المجعول حكماً تكليفياً ليلزم اجتماع الضدّين في مورد المخالفة للواقع، و على تقدير الالتزام بأنّ المجعول فيها أيضاً حكم تكليفي، فالجواب عن محذور اجتماع الضدّين هو ما ذكرناه في الاصول غير المحرزة. هذا تمام الكلام في إمكان التعبد بالظن.




کلام شهید صدر

حلقه ثانیه

دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏1، ص: 162
الحكم الشرعيّ و تقسيمه‏
الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من اللّه تعالى لتنظيم حياة الإنسان و توجيهه، و هو على قسمين: أحدهما: الأحكام التكليفيّة التي تتعلّق بأفعال الإنسان و لها توجيه عملي مباشر، و الآخر: الأحكام الوضعيّة التي ليس لها توجيه عملي مباشر، و كثيرا ما تقع موضوعا لحكم تكليفي كالزوجيّة التي تقع موضوعا لوجوب النفقة مثلا.
مبادئ الحكم التكليفيّ:
. و نحن إذا حلّلنا عمليّة الحكم التكليفيّ كالوجوب- كما يمارسها أيّ مولى في حياتنا الاعتياديّة- نجد أنّها تنقسم إلى مرحلتين: إحداهما:
مرحلة الثبوت للحكم، و الأخرى مرحلة الإثبات و الإبراز، فالمولى في مرحلة الثبوت يحدد ما يشتمل عليه الفعل من مصلحة- و هي ما يسمّى بالملاك- حتى إذا أدرك وجود مصلحة بدرجة معيّنة فيه تولّدت إرادة لذلك الفعل بدرجة تتناسب مع المصلحة المدركة، و بعد ذلك يصوغ المولى إرادته صياغة جعليّة من نوع الاعتبار، فيعتبر الفعل على ذمة

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏1، ص: 163
المكلّف، فهناك إذن في مرحلة الثبوت (ملاك) و (إرادة) و (اعتبار)، و ليس الاعتبار عنصرا ضروريّا في مرحلة الثبوت، بل يستخدم غالبا كعمل تنظيميّ و صياغيّ اعتاده المشرّعون و العقلاء، و قد سار الشارع على طريقتهم في ذلك. و بعد اكتمال مرحلة الثبوت بعناصرها الثلاثة- أو بعنصريها الأوّلين على أقلّ تقدير- تبدأ مرحلة الإثبات، و هي المرحلة التي يبرز فيها المولى- بجملة إنشائيّة أو خبريّة- مرحلة الثبوت بدافع من الملاك و الإرادة، و هذا الإبراز قد يتعلّق بالإرادة مباشرة، كما إذا قال:
 (أريد منكم كذا)، و قد يتعلّق بالاعتبار الكاشف عن الإرادة، كما إذا قال: (للّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا). و إذا تمّ هذا الإبراز من المولى أصبح من حقّه على العبد قضاء لحقّ مولويّته الإتيان بالفعل، و انتزع العقل عن إبراز المولى لإرادته الصادر منه بقصد التوصّل إلى مراده عناوين متعدّدة من قبيل البعث و التحريك و نحوهما.
و كثيرا ما يطلق على الملاك و الإرادة- و هما العنصران اللازمان في مرحلة الثبوت- اسم (مبادئ الحكم)، و ذلك بافتراض أنّ الحكم نفسه هو العنصر الثالث من مرحلة الثبوت- أي الاعتبار- و الملاك و الإرادة مبادئ له و إن كان روح الحكم و حقيقته- التي بها يقع موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال- هي نفس الملاك و الإرادة إذا تصدّى المولى لإبرازهما بقصد التوصل إلى مراده سواء أنشأ اعتبارا أو لا.
و لكلّ واحد من الأحكام التكليفيّة الخمسة مبادئ تتفق مع طبيعته، فمبادئ الوجوب هي الإرادة الشديدة، و من ورائها المصلحة البالغة درجة عالية تأبى عن الترخيص في المخالفة. و مبادئ الحرمة هي المبغوضيّة الشديدة، و من ورائها المفسدة البالغة إلى الدرجة نفسها.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏1، ص: 164
و الاستحباب و الكراهة يتولدان عن مبادئ من نفس النوع، و لكنّها أضعف درجة بنحو يسمح المولى معها بترك المستحب و بارتكاب المكروه. و أمّا الإباحة فهي بمعنيين، أحدهما: الإباحة بالمعنى الأخصّ التي تعتبر نوعا خامسا من الأحكام التكليفيّة، و هي تعبّر عن مساواة الفعل و الترك في نظر المولى. و الآخر: الإباحة بالمعنى الأعمّ، و قد يطلق عليها اسم الترخيص في مقابل الوجوب و الحرمة فتشمل المستحبّات و المكروهات مضافا إلى المباحات بالمعنى الأخصّ لاشتراكها جميعا في عدم الإلزام.
و الإباحة قد تنشأ عن خلوّ الفعل المباح من أيّ ملاك يدعو إلى الإلزام فعلا أو تركا، و قد تنشأ عن وجود ملاك في أن يكون المكلّف مطلق العنان، و ملاكها على الأوّل (لا اقتضائيّ)، و على الثاني (اقتضائيّ)

...

الحكم الواقعيّ و الحكم الظاهريّ:
ينقسم الحكم الشرعي إلى واقعي و ظاهري، فالحكم الواقعي هو:
كلّ حكم لم يفترض في موضوعه الشكّ في حكم شرعيّ مسبق، و الحكم الظاهريّ هو: كلّ حكم افترض في موضوعه الشكّ في حكم شرعيّ مسبق، من قبيل أصالة الحلّ في قوله: كلّ شي‏ء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام، و سائر الأصول العمليّة الأخرى، و من قبيل أمره بتصديق الثقة و العمل على وفق خبره و أمره بتصديق سائر الأمارات الأخرى.
و على هذا الأساس يقال عن الأحكام الظاهريّة بأنّها متأخّرة رتبة عن الأحكام الواقعيّة، لأنّها قد افترض في موردها الشكّ في الحكم الواقعيّ، و لو لا وجود الأحكام الواقعيّة في الشريعة لما كانت هناك‏
__________________________________________________
 (1) اصول الكافي/ ج 1/ كتاب فضل العلم/ باب الردّ الى الكتاب و السنة.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏1، ص: 166
أحكام ظاهريّة.
الأمارات و الأصول:
و الأحكام الظاهريّة تصنّف عادة إلى قسمين:
أحدهما: الحكم الظاهريّ المرتبط بكشف دليل ظنيّ معيّن على نحو يكون كشف ذلك الدليل هو الملاك التامّ لجعله، كالحكم الظاهريّ بوجوب تصديق خبر الثقة و العمل على طبقه، سواء كان ذلك الدليل الظنّيّ مفيدا للظنّ الفعليّ دائما أو غالبا و في حالات كثيرة، و في هذه الحالة يسمّى ذلك الدليل بالأمارة، و يسمّى الحكم الظاهريّ بالحجّيّة، فيقال: إنّ الشارع جعل الحجّيّة للأمارة.
و القسم الآخر: الحكم الظاهريّ الذي أخذ فيه بعين الاعتبار نوع الحكم المشكوك، سواء لم يؤخذ أيّ كشف معيّن بعين الاعتبار في مقام جعله، أو أخذ و لكن لا بنحو يكون هو الملاك التامّ، بل منظمّا إلى نوع الحكم المشكوك. و مثال الحالة الأولى: أصالة الحلّ، فإنّ الملحوظ فيها كون الحكم المشكوك و المجهول مردّدا بين الحرمة و الاباحة، و لم يلحظ فيها وجود كشف معين عن الحلّيّة. و مثال الحالة الثانية: قاعدة الفراغ، فإنّ التعبد في هذه القاعدة بصحة العمل المفروغ عنه يرتبط بكاشف معين عن الصحّة، و هو غلبة الانتباه و عدم النسيان في الإنسان، و لكنّ هذا الكاشف ليس هو كلّ الملاك، بل هناك دخل لكون المشكوك مرتبطا بعمل تمّ الفراغ عنه، و لهذا لا يتعبّدنا الشارع بعدم النسيان في جميع الحالات.
و تسمّى الأحكام الظاهريّة في هذا القسم بالأصول العمليّة،

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏1، ص: 167
و يطلق على الأصول العمليّة في الحالة الأولى اسم الأصول العمليّة غير المحرزة، و عليها في الحالة الثانية اسم الأصول العمليّة المحرزة، و قد يعبّر عنها بالأصول العمليّة التنزيليّة.
اجتماع الحكم الواقعيّ و الظاهريّ:
و بناء على ما تقدّم يمكن أن يجتمع في واقعة واحدة حكمان، أحدهما: واقعيّ، و الآخر: ظاهريّ. مثلا: إذا كان الدعاء عند رؤية الهلال واجبا واقعا و قامت الأمارة على إباحته، فحكم الشارع بحجّيّة الأمارة و بأنّ الفعل المذكور مباح في حقّ من يشكّ في وجوبه، فقد اجتمع حكمان تكليفيّان على واقعة واحدة، أحدهما واقعيّ و هو الوجوب، و الآخر ظاهريّ و هو الإباحة، و ما دام أحدهما من سنخ الأحكام الواقعيّة، و الآخر من سنخ الأحكام الظاهريّة، فلا محذور في اجتماعهما، و إنّما المستحيل أن يجتمع في واقعة واحدة وجوب واقعي و إباحة واقعيّة

 

حلقه ثالثه

الحكم الواقعي و الظاهري:
ينقسم الحكم الشرعي،- كما عرفنا سابقا- الى واقعي لم يؤخذ في موضوعه الشك، و ظاهري أخذ في موضوعه الشك في حكم شرعي مسبق. و قد كنا نقصد حتى الآن في حديثنا عن الحكم، الأحكام الواقعية.
و قد مرّ بنا في الحلقة السابقة «1» انّ مرحلة الثبوت للحكم- الحكم الواقعي- تشتمل على ثلاثة عناصر: و هي الملاك و الارادة و الاعتبار؛ و قلنا إنّ الاعتبار ليس عنصرا ضروريّا، بل يستخدم غالبا كعمل تنظيمي و صياغي.
و نريد ان نشير الآن الى حقيقة العنصر الثالث الذي يقوم الاعتبار
__________________________________________________
 (1) راجع: ج 1 ص 162.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 16
بدور التعبير عنه غالبا، و توضيحه انّ المولى كما انّ له حق الطاعة على المكلّف فيما يريده منه، كذلك له حق تحديد مركز حق الطاعة في حالات ارادته شيئا من المكلّف. فليس ضروريا اذا تمّ الملاك في شي‏ء و أراده المولى أن يجعل نفس ذلك الشي‏ء في عهدة المكلّف مصبّا لحق الطاعة، بل يمكنه أن يجعل مقدمة ذلك الشي‏ء التي يعلم المولى بأنّها مؤدّية اليه، في عهدة المكلّف دون نفس الشي‏ء، فيكون حق الطاعة منصبّا على المقدمة ابتداء، و ان كان الشوق المولوي غير متعلق بها إلّا تبعا. و هذا يعني انّ حق الطاعة ينصبّ على ما يحدّده المولى عند ارادته لشي‏ء مصبّا له و يدخله في عهدة المكلّف، و الاعتبار هو الذي يستخدم عادة للكشف عن المصبّ الذي عيّنه المولى لحق الطاعة، فقد يتّحد مع مصبّ إرادته و قد يتغاير.
و أمّا الأحكام الظاهرية فهي مثار لبحث واسع، وجّهت فيه عدة اعتراضات للحكم الظاهري تبرهن على استحالة جعله عقلا، و يمكن تلخيص هذه البراهين فيما يلي:
1- انّ جعل الحكم الظاهري يؤدّي الى اجتماع الضدين أو المثلين، لان الحكم الواقعي ثابت في فرض الشك، بحكم قاعدة الاشتراك المتقدمة، و حينئذ فان كان الحكم الظاهري المجعول على الشاك مغايرا للحكم الواقعي نوعا، كالحلّيّة و الحرمة، لزم اجتماع الضدين و إلّا لزم اجتماع المثلين.
و ما قيل سابقا: من أنّه لا تنافي بين الحكم الواقعي و الظاهري، لانهما سنخان، مجرد كلام صوري اذا لم يعط مضمونا محدّدا، لأنّ مجرّد تسمية هذا بالواقعي و هذا بالظاهري، لا يخرجهما عن كونهما حكمين من‏

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 17
الأحكام التكليفية، و هي متضادة.
2- انّ الحكم الظاهري اذا خالف الحكم الواقعي، فحيث انّ الحكم الواقعي بمبادئه محفوظ في هذا الفرض، بحكم قاعدة الاشتراك، يلزم من جعل الحكم الظاهري في هذه الحالة نقض المولى لغرضه الواقعي بالسماح للمكلّف بتفويته، اعتمادا على الحكم الظاهري في حالات عدم تطابقه مع الواقع، و هو يعني إلقاء المكلّف في المفسدة، و تفويت المصالح الواقعية المهمة عليه.
3- إنّ الحكم الظاهري من المستحيل أن يكون منجّزا للتكليف الواقعي المشكوك، و مصحّحا للعقاب على مخالفة الواقع، لأنّ الواقع لا يخرج عن كونه مشكوكا بقيام الأصل أو الأمارة المثبتين للتكليف.
و معه يشمله حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، بناء على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان، و الأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص.
شبهة التضاد و نقض الغرض:
أمّا الاعتراض الأوّل فقد اجيب عليه بوجوه:
منها: ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره «1»، من انّ اشكال التضاد نشأ من افتراض ان الحكم الظاهري حكم تكليفي، و ان حجية خبر الثقة مثلا، معناها جعل حكم تكليفي يطابق ما أخبر عنه الثقة من أحكام، و هو ما يسمى بجعل الحكم المماثل، فإن أخبر الثقة بوجوب شي‏ء و كان حراما في الواقع، تمثّلت حجيته في جعل وجوب ظاهري‏
__________________________________________________
 (1) فوائد الاصول: ج 3 ص 105 ط مؤسسة النشر الاسلامي.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 18
لذلك الشي‏ء، وفقا لما أخبر به الثقة، فيلزم على هذا الاساس اجتماع الضدين، و هما الوجوب الظاهري و الحرمة الواقعية.
و لكنّ الافتراض المذكور خطأ، لان الصحيح انّ معنى حجية خبر الثقة مثلا جعله علما و كاشفا تامّا عن مؤدّاه بالاعتبار، فلا يوجد حكم تكليفي ظاهري زائدا على الحكم التكليفي الواقعي، ليلزم اجتماع حكمين تكليفيين متضادين، و ذلك لأنّ المقصود من جعل الحجية للخبر مثلا، جعله منجّزا للأحكام الشرعية التي يحكى عنها، و هذا يحصل بجعله علما و بيانا تامّا، لأنّ العلم منجّز سواء كان علما حقيقة، كالقطع، أو علما بحكم الشارع، كالامارة. و هذا ما يسمى بمسلك جعل الطريقية.
و الجواب: على ذلك انّ التضاد بين الحكمين التكليفيين ليس بلحاظ اعتباريهما، حتى يندفع بمجرد تغيير الاعتبار في الحكم الظاهري من اعتبار الحكم التكليفي الى اعتبار العلمية و الطريقية، بل بلحاظ مبادئ الحكم، كما تقدّم في الحلقة السابقة «1».
و حينئذ فإن قيل بأنّ الحكم الظاهري ناشئ من مصلحة ملزمة و شوق في فعل المكلّف الذي تعلّق به ذلك الحكم، حصل التنافي بينه و بين الحرمة الواقعية، مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري. و ان قيل بعدم نشوئه من ذلك، و لو بافتراض قيام المبادئ بنفس جعل الحكم الظاهري، زال التنافي بين الحكم الواقعي و الحكم الظاهري، سواء جعل هذا حكما تكليفيا أو بلسان جعل الطريقية.
__________________________________________________
 (1) راجع: ج 1 ص 164.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 19
و منها: ما ذكره السيد الاستاذ «1» من أنّ التنافي بين الحرمة و الوجوب مثلا، ليس بين اعتباريهما، بل بين مبادئهما من ناحية، لان الشي‏ء الواحد لا يمكن أن يكون مبغوضا و محبوبا، و بين متطلّباتهما في مقام الامتثال من ناحية اخرى، لأنّ كلا منهما يستدعي تصرّفا مخالفا لما يستدعيه الآخر. فاذا كانت الحرمة واقعية و الوجوب ظاهريا، فلا تنافي بينهما في المبادئ، لأننا نفترض مبادئ الحكم الظاهري في نفس جعله، لا في المتعلق المشترك بينه و بين الحكم الواقعي. و لا تنافي بينهما في متطلبات مقام الامتثال، لان الحرمة الواقعية غير واصلة، كما يقتضيه جعل الحكم الظاهري في موردها، فلا امتثال لها و لا متطلبات عملية، لأنّ استحقاق الحكم للامتثال فرع الوصول و التنجز.
و لكن نتساءل هل يمكن ان يجعل المولى وجوبا أو حرمة لملاك في نفس الوجوب أو الحرمة؟ و لو اتفق حقا انّ المولى أحسّ بأنّ من مصلحته ان يجعل الوجوب على فعل بدون أن يكون مهتما بوجوده اطلاقا، و انما دفعه الى ذلك وجود المصلحة في نفس الجعل، كما اذا كان ينتظر مكافأة على نفس ذلك من شخص، و لا يهمّه بعد ذلك أن يقع الفعل أو لا يقع، أقول: لو اتفق ذلك حقا، فلا أثر لمثل هذا الجعل، و لا يحكم العقل بوجوب امتثاله. فافتراض انّ الأحكام الظاهرية ناشئة من مبادئ في نفس الجعل، يعني تفريغها من حقيقة الحكم و من أثره عقلا.
فالجواب المذكور في افتراضه المصلحة في نفس الجعل غير تام،
__________________________________________________
 (1) مصباح الاصول ج 2 ص 108.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 20
و لكنه في افتراضه ان الحكم الظاهري لا ينشأ من مبادئ في متعلقه بالخصوص تام، فنحن بحاجة إذن في تصوير الحكم الظاهري الى افتراض أنّ مبادئه ليس من المحتوم تواجدها في متعلقه بالخصوص، لئلّا يلزم التضاد، و لكنها في نفس الوقت ليست قائمة بالجعل فقط، لئلّا يلزم تفريغ الحكم الظاهري من حقيقة الحكم، و ذلك بأن نقول: إن مبادئ الأحكام الظاهرية هي نفس مبادئ الأحكام الواقعية.
و توضيح ذلك انّ كلّ حرمة واقعية لها ملاك اقتضائي، و هو المفسدة و المبغوضية القائمتان بالفعل، و كذلك الأمر في الوجوب، و أما الاباحة فقد تقدم في الحلقة السابقة «1»، انّ ملاكها قد يكون اقتضائيا، و قد يكون غير اقتضائي، لانها قد تنشأ عن وجود ملاك في أن يكون المكلّف مطلق العنان، و قد تنشأ عن خلوّ الفعل المباح من أي ملاك.
و عليه فاذا اختلطت المباحات بالمحرّمات، و لم يتميز بعضها عن البعض، لم يؤدّ ذلك الى تغيّر في الاغراض و الملاكات و المبادئ للأحكام الواقعية، فلا المباح بعدم تمييز المكلّف له عن الحرام يصبح مبغوضا، و لا الحرام بعدم تمييزه عن المباح تسقط مبغوضيته، فالحرام على حرمته واقعا، و لا يوجد فيه سوى مبادئ الحرمة. و المباح على اباحته، و لا توجد فيه سوى مبادئ الاباحة.
غير انّ المولى في مقام التوجيه للمكلّف الذي اختلطت عليه المباحات بالمحرّمات بين أمرين: أمّا أن يرخّصه في ارتكاب ما يحتمل اباحته، و أما أن يمنعه عن ارتكاب ما يحتمل حرمته. و واضح انّ‏
__________________________________________________
 (1) راجع: ج 1 ص 164.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 21
اهتمامه بالاجتناب عن المحرمات الواقعية يدعوه الى المنع عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته، لا لأن كلّ ما يحتمل حرمته فهو مبغوض و ذو مفسدة، بل لضمان الاجتناب عن المحرمات الواقعية الموجودة ضمنها. فهو منع ظاهري ناشئ من مبغوضية المحرمات الواقعية و الحرص على ضمان اجتنابها. و في مقابل ذلك ان كانت الاباحة في المباحات الواقعية ذات ملاك لا اقتضائي، فلن يجد المولى ما يحول دون إصدار المنع المذكور، و هذا المنع سيشمل الحرام الواقعي و المباح الواقعي أيضا، اذا كان محتمل الحرمة للمكلّف، و في حالة شموله للمباح الواقعي لا يكون منافيا لا باحته، لانه كما قلنا لم ينشأ عن مبغوضية نفس متعلقه، بل عن مبغوضية المحرمات الواقعية و الحرص على ضمان اجتنابها.
و أما اذا كانت الاباحة الواقعية ذات ملاك اقتضائي، فهي تدعو- خلافا للحرمة- الى الترخيص في كلّ ما يحتمل اباحته، لا لأن كلّ ما يحتمل اباحته ففيه ملاك الاباحة، بل لضمان اطلاق العنان في المباحات الواقعية الموجودة ضمن محتملات الاباحة. فهو ترخيص ظاهري ناشئ عن الملاك الاقتضائي للمباحات الواقعية و الحرص على تحقيقه.
و في هذه الحالة يزن المولى درجة اهتمامه بمحرّماته و مباحاته، فان كان الملاك الاقتضائي في الاباحة أقوى و أهم، رخّص في المحتملات، و هذا الترخيص سيشمل المباح الواقعي و الحرام الواقعي اذا كان محتمل الاباحة، و في حالة شموله للحرام الواقعي لا يكون منافيا لحرمته، لأنه لم ينشأ عن ملاك للاباحة في نفس متعلقه، بل عن ملاك الاباحة في المباحات الواقعية و الحرص على ضمان ذلك الملاك. و اذا كان ملاك‏

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 22
المحرمات الواقعية أهمّ، منع من الاقدام في المحتملات، ضمانا للمحافظة على الأهمّ.
و هكذا يتضح انّ الأحكام الظاهريّة خطابات تعيّن الأهمّ من الملاكات و المبادئ الواقعية، حين يتطلّب كلّ نوع منها الحفاظ عليه بنحو ينافي ما يضمن به الحفاظ على النوع الآخر.
و بهذا اتضح الجواب على الاعتراض الثاني، و هو ان الحكم الظاهري يؤدّي الى تفويت المصلحة و الالقاء في المفسدة، فان الحكم الظاهري و ان كان قد يسبب ذلك، و لكنه انما يسببه من أجل الحفاظ على غرض أهم.
شبهة تنجز الواقع المشكوك:
و أما الاعتراض الثالث فقد اجيب: بأنّ تصحيح العقاب على التكليف الواقعي الذي أخبر عنه الثقة بلحاظ حجية خبره، لا ينافي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، لان المولى حينما يجعل خبر الثقة حجة، يعطيه صفة العلم و الكاشفية، اعتبارا على مسلك الطريقية المتقدم، و بذلك يخرج التكليف الواقعي عن دائرة قبح العقاب بلا بيان، لأنّه يصبح معلوما بالتعبد الشرعي، و إن كان مشكوكا وجدانا.
و نلاحظ على ذلك انّ هذه المحاولة إذا تمّت، فلا تجدي في الأحكام الظاهرية المجعولة في الاصول العملية غير المحرزة، كأصالة الاحتياط. على انّ المحاولة غير تامة، كما يأتي ان شاء اللّه تعالى.
و الصحيح انه لا موضوع لهذا الاعتراض على مسلك حق الطاعة، لما تقدّم من أنّ هذا المسلك المختار يقتضي انكار قاعدة قبح العقاب‏

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 23
بلا بيان رأسا.
و قد تلخّص مما تقدم انّ جعل الأحكام الظاهرية ممكن.
الامارات و الاصول:
تنقسم الأحكام الظاهرية الى قسمين:
أحدهما: الأحكام الظاهرية التي تجعل لاحراز الواقع، و هذه الأحكام تتطلب وجود طريق ظني له درجة كشف عن الحكم الشرعي، و يتولّى الشارع الحكم على طبقه بنحو يلزم على المكلّف التصرف بموجبه. و يسمى الطريق بالامارة، و يسمى الحكم الظاهري بالحجية، من قبيل حجية خبر الثقة.
و القسم الآخر: الأحكام الظاهرية التي تجعل لتقرير الوظيفة العملية تجاه الحكم المشكوك، و لا يراد بها احرازه، و تسمى بالاصول العملية.
و يبدو من مدرسة المحقق النائيني قدس سره «1»، التمييز بين هذين القسمين على أساس ما هو المجعول الاعتباري في الحكم الظاهري، فان كان المجعول هو الطريقية و الكاشفية، دخل المورد في الامارات. و اذا لم يكن المجعول ذلك، و كان الجعل في الحكم الظاهري متّجها الى انشاء الوظيفة العملية، دخل في نطاق الاصول. و في هذه الحالة اذا كان إنشاء الوظيفة العملية بلسان تنزيل مؤدّى الأصل منزلة الواقع في الجانب العملي، أو تنزيل نفس الأصل أو الاحتمال المقوّم له منزلة
__________________________________________________
 (1) فوائد الاصول: ج 4 ص 484.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 24
اليقين في جانبه العلمي لا الاحرازي، فالاصل تنزيلي أو أصل محرز، و اذا كان بلسان تسجيل وظيفة عملية محدّدة بدون ذلك، فالأصل أصل عملي صرف.
و هذا يعني انّ الفرق بين الامارات و الاصول ينشأ من كيفية صياغة الحكم الظاهري في عالم الجعل و الاعتبار.
و لكنّ التحقيق انّ الفرق بينهما أعمق من ذلك، فإنّ روح الحكم الظاهري في موارد الأمارة تختلف عن روحه في موارد الأصل بقطع النظر عن نوع الصياغة. و ليس الاختلاف الصياغي المذكور إلّا تعبيرا عن ذلك الاختلاف الأعمق في الروح بين الحكمين.
و توضيح ذلك انّا عرفنا سابقا انّ الأحكام الظاهرية مردّها الى خطابات تعيّن الأهمّ من الملاكات و المبادئ الواقعية حين يتطلّب كلّ نوع منها ضمان الحفاظ عليه بنحو ينافي ما يضمن به الحفاظ على النوع الآخر، و كلّ ذلك يحصل نتيجة الاختلاط بين الأنواع عند المكلّف، و عدم تمييزه المباحات عن المحرّمات مثلا، و الأهميّة التي تستدعي جعل الحكم الظاهري وفقا لها، تارة تكون بلحاظ الاحتمال، و أخرى بلحاظ المحتمل، و ثالثة بلحاظ الاحتمال و المحتمل معا. فإنّ شكّ المكلّف في الحكم، يعني وجود احتمالين أو أكثر في تشخيص الواقع المشكوك، و حينئذ فإن قدّمت بعض المحتملات على البعض الآخر، و جعل الحكم الظاهري وفقا لها، لقوة احتمالها و غلبة مصادفته للواقع بدون اخذ نوع المحتمل بعين الاعتبار، فهذا هو معنى الأهمية بلحاظ الاحتمال، و بذلك يصبح الاحتمال المقدّم أمارة، سواء كان لسان الانشاء و الجعل للحكم الظاهري لسان جعل الطريقية، أو وجوب‏

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 25
الجري على وفق الأمارة.
و إن قدّمت بعض المحتملات على البعض الآخر لأهميّة المحتمل بدون دخل لكاشفية الاحتمال في ذلك، كان الحكم من الاصول العملية البحتة، كأصالة الاباحة و اصالة الاحتياط الملحوظ في أحدهما أهميّة الحكم الترخيصي المحتمل، و في الآخر أهميّة الحكم الالزامي المحتمل بقطع النظر عن درجة الاحتمال، سواء كان لسان الانشاء و الجعل للحكم الظاهري لسان تسجيل وظيفة عملية، أو لسان جعل الطريقية.
و إن قدّمت بعض المحتملات على البعض الآخر بلحاظ كلا الأمرين من الاحتمال و المحتمل، كان الحكم من الاصول العملية التنزيلية أو المحرزة، كقاعدة الفراغ.
نعم الأنسب في موارد التقديم بلحاظ قوّة الاحتمال أن يصاغ الحكم الظاهري بلسان جعل الطريقية. و الأنسب في موارد التقديم بلحاظ قوة المحتمل ان يصاغ بلسان تسجيل الوظيفة، لا أنّ هذا الاختلاف الصياغي هو جوهر الفرق بين الامارات و الاصول.
التنافي بين الأحكام الظاهرية:
عرفنا سابقا انّ الأحكام الواقعية المتغايرة نوعا، كالوجوب و الحرمة و الاباحة، متضادة. و هذا يعني انّ من المستحيل أن يثبت حكمان واقعيّان متغايران على شي‏ء واحد، سواء علم المكلّف بذلك أولا، لاستحالة اجتماع الضدين في الواقع.
و السؤال هنا هو أن اجتماع حكمين ظاهريين متغايرين نوعا، هل‏

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 26
هو معقول أولا؟ فهل يمكن أن يكون مشكوك الحرمة حراما ظاهرا و مباحا ظاهرا في نفس الوقت؟
و الجواب: على هذا السؤال يختلف باختلاف المبنى في تصوير الحكم الظاهري و التوفيق بينه و بين الأحكام الواقعية. فإن أخذنا بوجهة النظر القائلة بأنّ مبادئ الحكم الظاهري ثابتة في نفس جعله لا في متعلّقه، أمكن جعل حكمين ظاهريين بالإباحة و الحرمة معا، على شرط ان لا يكونا واصلين معا، فإنه في حالة عدم وصول كليهما معا لا تنافي بينهما، لا بلحاظ نفس الجعل، لأنّه مجرد اعتبار؛ و لا بلحاظ المبادئ، لأنّ مركزها ليس واحدا، بل مبادئ كلّ حكم في نفس جعله لا في متعلّقه؛ و لا بلحاظ عالم الامتثال و التنجيز و التعذير، لانّ أحدهما على الأقل غير واصل، فلا أثر عملي له، و أمّا في حالة وصولهما معا، فهما متنافيان متضادان، لأنّ أحدهما ينجّز و الآخر يؤمّن.
و أمّا على مسلكنا في تفسير الأحكام الظاهرية و انها خطابات تحدّد ما هو الأهمّ من الملاكات الواقعية المختلطة، فالخطابان الظاهريان المختلفان، كالاباحة و المنع، متضادّان بنفسيهما، سواء وصلا الى المكلّف أو لا، لأنّ الأوّل يثبت أهميّة ملاك المباحات الواقعية، و الثاني يثبت أهميّة ملاك المحرّمات الواقعية، و لا يمكن أن يكون كل من هذين الملاكين أهمّ من الآخر، كما هو واضح.
وظيفة الأحكام الظاهرية:
و بعد أن اتضح انّ الأحكام الظاهريّة خطابات لضمان ما هو الأهمّ من الأحكام الواقعية و مبادئها، و ليس لها مبادئ في مقابلها،

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 27
نخرج من ذلك بنتيجة، و هي ان الخطاب الظاهري وظيفته التنجيز و التعذير بلحاظ الأحكام الواقعية المشكوكة، فهو ينجّز تارة و يعذّر أخرى، و ليس موضوعا مستقلا لحكم العقل بوجوب الطاعة في مقابل الأحكام الواقعية، لأنّه ليس له مبادئ خاصة به وراء مبادئ الأحكام الواقعية، فحين يحكم الشارع بوجوب الاحتياط ظاهرا، يستقل العقل بلزوم التحفظ على الوجوب الواقعي المحتمل، و استحقاق العقاب على عدم التحفظ عليه، لا على مخالفة نفس الحكم بوجوب الاحتياط بما هو.
و هذا معنى ما يقال: من أنّ الأحكام الظاهرية طريقية لا حقيقية.
فهي مجرد و سائل و طرق لتسجيل الواقع المشكوك و إدخاله في عهدة المكلّف، و لا تكون هي بنفسها موضوعا مستقلا للدخول في العهدة، لعدم استقلالها بمبادئ في نفسها، و لهذا فإنّ من يخالف وجوب الاحتياط في مورد و يتورّط نتيجة لذلك في ترك الواجب الواقعي لا يكون مستحقا لعقابين بلحاظ مخالفة الوجوب الواقعي و وجوب الاحتياط الظاهري، بل لعقاب واحد، و إلّا لكان حاله أشدّ ممّن ترك الواجب الواقعي و هو عالم بوجوبه، و أمّا الأحكام الواقعية فهي أحكام حقيقية لا طريقية، بمعنى أنّ لها مبادئ خاصة بها، و من أجل ذلك تشكّل موضوعا مستقلا للدخول في العهدة، و لحكم العقل بوجوب امتثالها و استحقاق العقاب على مخالفتها.
التصويب بالنسبة الى بعض الأحكام الظاهرية:
تقدّم انّ الأحكام الواقعية محفوظة و مشتركة بين العالم و الجاهل،

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 28
و اتّضح انّ الأحكام الظاهرية تجتمع مع الأحكام الواقعية على الجاهل دون منافاة بينهما؛ و هذا يعني ان الحكم الظاهري لا يتصرف في الحكم الواقعي. و لكن هناك من ذهب الى انّ الاصول الجارية في الشبهات الموضوعية، كأصالة الطهارة تتصرف في الأحكام الواقعية، بمعنى انّ الحكم الواقعي بشرطية الثوب الطاهر في الصلاة مثلا، يتّسع ببركة اصالة الطهارة، فيشمل الثوب المشكوكة طهارته الذي جرت فيه أصالة الطهارة، حتى لو كان نجسا في الواقع، و هذا نحو من التصويب الذي ينتج انّ الصلاة في مثل هذا الثوب تكون صحيحة واقعا، و لا تجب اعادتها على القاعدة، لأنّ الشرطية قد اتّسع موضوعها. و تقريب ذلك انّ دليل أصالة الطهارة بقوله: «كلّ شي‏ء طاهر حتى تعلم انّه قذر» يعتبر حاكما على دليل شرطية الثوب الطاهر في الصلاة، لأنّ لسانه لسان توسعة موضوع ذلك الدليل و ايجاد فرد له، فالشرط موجود اذن. و ليس الأمر كذلك لو ثبتت طهارة الثوب بالامارة فقط، لأنّ مفاد دليل حجيّة الامارة ليس جعل الحكم المماثل، بل جعل الطريقية و المنجّزية، فهو بلسانه لا يوسّع موضوع دليل الشرطية، لأنّ موضوع دليلها الثوب الطاهر، و هو لا يقول هذا طاهر، بل يقول هذا محرز الطهارة بالامارة، فلا يكون حاكما.
و على هذا الاساس فصّل صاحب الكفاية «1» بين الامارات و الاصول المنقّحة للموضوع، فبنى على انّ الاصول الموضوعية توسّع دائرة الحكم الواقعي المترتب على ذلك الموضوع دون الامارات، و هذا غير
__________________________________________________
 (1) كفاية الاصول: ج 1 ص 133.

 

 

                        دروس في علم الأصول ( طبع انتشارات اسلامى )، ج‏2، ص: 29
صحيح، و سيأتي بعض الحديث عنه ان شاء اللّه تعالى.

 

در بحوث

                        بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 196
الوجه الرابع- هو الوجه الموروث من الشيخ الأنصاري و تلميذه الشيرازي (قدهما). من دعوى ارتفاع التضاد بتعدد الرتبة، حيث ان مرتبة الحكم الظاهري الشك في الواقعي و هو متأخر عنه و في طوله فلم يجتمع الحكمان في مرتبة واحدة. و هذا الجواب يمكن أن يقرب بأحد بيانين:
                       

بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 197
1- ما هو ظاهره من ان الحكم الظاهري باعتبار أخذ الشك في الحكم الواقعي في موضوعه يكون متأخرا عنه رتبة.
و قد اعترض عليه في الكفاية: بأن الحكم الظاهري و إن كان متأخرا عن الواقعي و في طوله فيستحيل أن يجتمع معه في مرتبته إلا ان الحكم الواقعي باعتباره مطلقا شاملا للعالم و الجاهل يكون محفوظا مع الحكم الظاهري فان المعلول و إن لم يكن ثابتا في مرتبة العلة إلا ان العلة ثابتة في مرتبة المعلول فيلزم محذور التضاد و التنافي.
و هذا الكلام واضح البطلان لأنا إذا لاحظنا الاجتماع في عالم الرتب فكما لا يجتمع المعلول مع العلة في رتبتها كذلك لا تجتمع العلة مع المعلول في رتبته و التعاصر بينهما زماني لا رتبي، و إذا لاحظنا عالم الزمان فكل منهما يجتمع مع الآخر. فالصحيح في الجواب.
أولا- اننا لا نسلم الطولية بالملاك المزبور لأن الشك متأخر عن المشكوك بالذات لا عن المشكوك بالعرض و التنافي و التضاد بين الحكمين بوجوديهما الواقعيين لا العلميين إذ الكلام في كيفية اجتماع الحكمين بمبادئهما في نفسه لا بحسب نظر المكلف أي في نفس المولى و بحسب نظره و هو يفترض الشك الواقعي في موضوع جعله الظاهري لا انه يشك فيه بالفعل كما هو واضح.
و ثانيا- ان الطولية بحسب الرتبة لا ترفع غائلة التضاد لأن المستحيل هو اجتماعهما في زمان واحد لا اجتماعهما في رتبة واحدة بشهادة اننا لو فرضنا علية أحد الضدين للآخر أيضا استحال اجتماعهما بل نستنتج من نفس التضاد عدم العلية لا ان التضاد موقوف على عدم العلية و هذا واضح أيضا.
2- و البيان الثاني ما قد يتحصل من كلمات المحقق النائيني (قده) حيثما تصدى لشرح كلمات السيد الشيرازي (قده) من ان الأحكام الظاهرية في طول الأحكام الواقعية إذ لولاها لم يكن جعل الحكم الظاهري معقولا فيستحيل أن تكون الأحكام الظاهرية مانعة عن الأحكام الواقعية إذ يلزم من مانعيتها نفيها لنفسها و من وجودها عدمها و هو محال.
و هذا البيان غير تام أيضا لأن الأحكام الظاهرية و إن استحال أن تكون مانعة


                        بحوث في علم الأصول، ج‏4، ص: 198
عن الأحكام الواقعية لأنها مترتبة عليها إلا انه لا محذور في مانعية الأحكام الواقعية عن الظاهرية و لا يلزم من ذلك نفيها لنفسها. و إن شئت قلت: ان فرض ترتب الحكم الظاهري على الواقعي مستحيل إلا ان تحل المضادة في المرتبة السابقة لأن المتضادين يستحيل أن يكون أحدهما علة للآخر فان حلت مشكلة التضاد فذاك هو الجواب و إلا كان فرض الترتب مستحيلا في نفسه فلا يمكن حل المضادة بهذا الفرض نفسه، و بتعبير ثالث أوضح: ان من يدعي التضاد بين الحكمين لا يفهم الحكم الظاهري إلا كحكم واقعي و معه لا تكون طولية بينه و بين الحكم الواقعي بل يكون في عرضه فافتراض الطولية بالنحو المبين في التقريب انما يكون بعد تعقل الحكم الظاهري و إمكانه كما هو واضح.





****************
ارسال شده توسط:

Monday - 12/12/2022 - 7:48

 الحاشیه علی کفایه الاصول ص۱۵, ۱۶

و يؤيّد ذلك تعريف الأصول، بأنّه (العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية)، و إن كان الأولى تعريفه بأنه (صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل)، بناء على أنّ مسألة حجية الظنّ على الحكومة، و مسائل الأصول‌ (1) (قوله: «ممّا لا يعرض السنّة بل الخبر» إلخ.) يمكن أنّ يقال: إن حجية الخبر بالنسبة إلى السنّة معنى منتسب إلى الخبر و السنّة، فيمكن اعتباره وصفا لها، كما يمكن وصفا له، فإنّ السنّة محجوج عليها به.

 

(2) (قوله: «بناء على انّ مسألة حجّية الظنّ على الحكومة» إلخ.) ظاهره أنّ هذه المسألة بناء على الكشف، و مسائل حجّية خبر الواحد العملية في الشبهات الحكمية من الأصول، كما هو كذلك، ضرورة أنّه لا وجه لالتزام الاستطراد في مثل هذه المهمّات.

 

و غيره ممّا يشبهه ممّا تقع في طريق استنباط الأحكام.

 

و وجهه غير ظاهر، إذ استنباط الواقع على وجه القطع لا يحصل منها أصلا، و على وجه الظنّ قد لا يحصل، و قد يحصل من دخل لهذه المسائل فيه، و الحكم الظاهري عين تلك المسائل، لا أنّه يستنبط منها.

 

هذا إذا قلنا بجعل الحكم الظاهري في مواردها، و إلّا فليس إلّا الواقع و ظهر حالها بالنسبة إليه، فالحقّ أنّ هذه المسائل و مسائل أصول العمليّة إنّما يبحث الأصولي عنها من حيث يعيّن فيها الحجّة بالنسبة إلى الأحكام الفقهيّة من المكلّف (بكسر اللّام) على المكلّف (بفتح اللّام)، أو بالعكس، و الثاني هو الّذي يعبّر عنه بالعذر، سواء أ قلنا بأنّه ليس للأمارات و الأصول إلّا الحجّية و العذر بالنسبة إلى الواقع كما يقوّيه المصنّف (قدس سره) في بعض‌ [1] إفاداته، أم قلنا بجعل أحكام ظاهرية في موارد الأمارات و بعض الأصول، أم قلنا بثبوت أحكام حقيقيّة موضوعيّة في مواردها، فإنّها أيضا لا تخلو مع هذا عن الحجّية بالنسبة إلى الواقع، و بحث الأصولي عنها من هذه الحيثيّة.

 

فظهر أنّ مسائل الأمارات و الأصول على نسق واحد، فإن التزمنا بما هو ظاهر القوم من كون مباحث الألفاظ و شبهها من المبادي، كان الأولى تعريفها بأنّها المسائل الّتي يبحث فيها عن العوارض الذاتيّة للحجّة في الفقه، أي يعيّن بها ما يكون متحدا معها من العناوين 






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Monday - 12/12/2022 - 7:50

الحاشیه علی کفایه الاصول ص۱۵ و ۱۶

و يؤيّد ذلك تعريف الأصول، بأنّه (العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية)، و إن كان الأولى تعريفه بأنه (صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل)، بناء على أنّ مسألة حجية الظنّ على الحكومة، و مسائل الأصول‌ (1) (قوله: «ممّا لا يعرض السنّة بل الخبر» إلخ.) يمكن أنّ يقال: إن حجية الخبر بالنسبة إلى السنّة معنى منتسب إلى الخبر و السنّة، فيمكن اعتباره وصفا لها، كما يمكن وصفا له، فإنّ السنّة محجوج عليها به.

 

(2) (قوله: «بناء على انّ مسألة حجّية الظنّ على الحكومة» إلخ.) ظاهره أنّ هذه المسألة بناء على الكشف، و مسائل حجّية خبر الواحدالعملية في الشبهات الحكمية من الأصول، كما هو كذلك، ضرورة أنّه لا وجه لالتزام الاستطراد في مثل هذه المهمّات.

و غيره ممّا يشبهه ممّا تقع في طريق استنباط الأحكام.

و وجهه غير ظاهر، إذ استنباط الواقع على وجه القطع لا يحصل منها أصلا، و على وجه الظنّ قد لا يحصل، و قد يحصل من دخل لهذه المسائل فيه، و الحكم الظاهري عين تلك المسائل، لا أنّه يستنبط منها.

هذا إذا قلنا بجعل الحكم الظاهري في مواردها، و إلّا فليس إلّا الواقع و ظهر حالها بالنسبة إليه، فالحقّ أنّ هذه المسائل و مسائل أصول العمليّة إنّما يبحث الأصولي عنها من حيث يعيّن فيها الحجّة بالنسبة إلى الأحكام الفقهيّة من المكلّف (بكسر اللّام) على المكلّف (بفتح اللّام)، أو بالعكس، و الثاني هو الّذي يعبّر عنه بالعذر، سواء أ قلنا بأنّه ليس للأمارات و الأصول إلّا الحجّية و العذر بالنسبة إلى الواقع كما يقوّيه المصنّف (قدس سره) في بعض‌ [1] إفاداته، أم قلنا بجعل أحكام ظاهرية في موارد الأمارات و بعض الأصول، أم قلنا بثبوت أحكام حقيقيّة موضوعيّة في مواردها، فإنّها أيضا لا تخلو مع هذا عن الحجّية بالنسبة إلى الواقع، و بحث الأصولي عنها من هذه الحيثيّة.

فظهر أنّ مسائل الأمارات و الأصول على نسق واحد، فإن التزمنا بما هو ظاهر القوم من كون مباحث الألفاظ و شبهها من المبادي، كان الأولى تعريفها بأنّها المسائل الّتي يبحث فيها عن العوارض الذاتيّة للحجّة في الفقه، أي يعيّن بها ما يكون متحدا معها من العناوين 






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Tuesday - 13/12/2022 - 23:32

کیفیت تشریع احکام ظاهری

حکم ظاهری مربوط است به مقام امتثال. مقام امتثال نیز خود دارای مراتبی است که می توان آن را به قبل الامتثال ، حین الامتثال و بعد الامتثال تقسیم کرد.

مقام قبل الامتثال مربوط می شود به حوزه ایصال مکلفین به احکام. در این حوزه شارع طرق معتبره را به مکلفین معرفی می کند. در تشریع طرق، گرچه عالم امتثال قواعد خاص خود را دارد اما به نظر می رسد فضایی شبیه به انشاء احکام واقعیه رخ می دهد. به این معنا که در این مقام هم مرتبه ملاک داریم و مرتبه اعتبار. اما ملاک مقام قبل الامتثال با ملاک حکم واقعی نفس الامری متفاوت است. ملاک در فضای طرق و امارات، طریقیت است اما می دانیم که این طریق گاهی مصیب است و گاهی مصیب نیست، در مقام کسر و انکسار عالم اعتبار ملاکات دیگر از سنخ قواعد روشی نظیر تنظیم به معنای نفی هرج و مرج و تنظیم به معنای منظم نمودن فضای روابط اجتماعی و تسهیل و تعظیم شعائر و تصحیح بروز می کنند ، نتیجه این بروز اعتبار طرقی که حد نصاب کاشفیت را داراست اما به خاطر عمومیت و سهولت دسترسی مثلا موارد  عدم اصابه آن جبران می شود و در نهایت طریقیت طریق اعتبار می گردد.







کاربردهای حکم ظاهری

1. حکم ظاهری اماری در مقابل حکم واقعی در لوح محفوظ

2. حکم ظاهری عملی در مقابل امارات و احکام لوح محفوظ

3. حکم جزائی

4. حکم اضطراری

5. حکم ثانوی

6. حکم تقیه ای

7. احکام زمان غیبت در مقابل احکام زمان ظهور

8. فتوای فقیه

9. حکم ظاهری در مقابل حکم باطنی

...

 

 

تحریم ذبائح اهل الکتاب، ص 9-10

أما ما جاء في الرواية الثالثة من روايات التحريم التي أوردها الشيخ، و هي رواية شعيب العقرقوفي الذي سمع الإمام الصادق عليه السلام ينهى عن أكل ذبائح أهل الكتاب. قال شعيب: فلمّا خرجنا من عنده، قال لي أبو بصير: كلها فقد سمعته و أباه - جميعا - يأمران بأكلها. ثمّ‌ سأل الإمام عن ذلك، فقال: لا تأكلها. قال شعيب: فقال لي أبو بصير: كلها، و في عنقي. فسأل الامام ثانية، فقال: لا تأكلها. فقال أبو بصير: سله ثالثة. قال شعيب: فقلت: لا أساله بعد مرّتين. فالذي يظهر لأول وهلة أن أبا بصير بإظهار رأيه في قبال كلام الإمام عليه السلام - اوّلا - ثم باصراره على رأيه المخالف ثانيا و ثالثا، يعارض مكرّرا ما يظهر من كلام الإمام عليه السلام في التحريم‌؟ فيتصوّر فيه تجاوزه عن حدّ الأدب مع الإمام عليه السلام على أقل الفروض! و قد حاول الحجة المفضال السيّد عبد الرسول الشريعتمدار الجهرمي أن يوجّه عمل أبي بصير بما ملخّصه: أنّ‌ أبا بصير كان قد سمع الباقر عليه السلام في عصره، و سمع الصادق عليه السلام في أوائل عهده، يأمران بأكل ذبائح أهل الكتاب، و حيث أن في تلك الفترة، كان الوضع مؤاتيا للأئمة عليهم السلام أن يعلنوا عن الحقائق الدينية باعتبارها فترة ضعف بني أميّة و انشغالهم عن مسائل الدين بأنفسهم فلم يكن ذلك العهد، عهد تقيّة أو خوف، بل عهد نشر العلم و الاعلان «عن مرّ الحقّ‌» كما في بعض النصوص. فحمل أبو بصير ذلك التحليل على الحكم الواقعي، و حمل ما سمعه الآن، و في نهاية عصر الصادق عليه السلام حيث عاد الملوك إلى سيرتهم الأولى في الضغط على الأئمة عليهم السلام، حمله على التقية و الحكم الظاهريّ‌، و جعل ما سمعه أوّلا قرينة على هذا.

 

مستند الشیعه، ج 17، ص 22

لا يقال: إنّ‌ مرادهم عليهم السّلام من أحكامهم و قضاياهم هي الواقعيّة، لأنّها أحكامهم، و أمّا الحكم الظاهري فهو حكم المضطرّ. لأنا نقول: إنّ‌ الأحكام الظاهريّة للمضطرّين حال اضطرارهم أيضا من الأحكام الواقعيّة لهم، إذ ليس المراد بحكمهم إلاّ ما حكموا به، و هل حكموا للمضطرّ بغير ذلك الحكم، أو ليس هذا حكمهم في حقّه‌؟! و هل ليس ما ظنّوا حلّيته مثلا بالدليل الشرعيّ‌ حلالا من جانبهم له‌؟! و الحاصل: أنّ‌ المظنون هو أنّ‌ هذا مطابق لما حكموا به لغير المضطرّين، و أمّا أنّه حكمهم في حق المضطرّين فهو مقطوع به.

 

 


















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است