بسم الله الرحمن الرحیم

کلمات علما در مسئله اجتماع امر و نهی

فهرست علوم
فهرست فقه
سریان مناط مسأله جواز اجتماع امر و نهی در سراسر فقه


کلام میرزای قمی در قوانین

 

 

سید مرتضی

 

 

الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 177 فصل في صحة دخول التخيير في النهي‏
اعلم أن هذا الباب يقتضى بيان ما يصح النهي «1» عنه من «2» الأفعال المختلفة على جمع أو بدل، و هو من لطيف «3» الكلام، و النفع به تام، و «4» قد دلت الأدلة التي ليس هاهنا «5» موضع ذكرها على أن المكلف يمكن أن يخلو من كل أفعاله، إذا كان مستندا أو مستلقيا و «6» كانت الأكوان مقطوعا على بقائها «7»، فلا يمتنع و الحال هذه في أفعال جوارحه أن تكون «8» كلها قبيحة، و إذا جاز ما ذكرناه «9»، جاز تناول النهي لذلك «10» أجمع، فأما إذا كانت الحال «11» حالا لا يصح خلوه فيها من «12» الأفعال، فلا يجوز قبح الجميع، لأن ذلك يقتضى ألا ينفك من «13» القبيح، و أن «14» يكون معذورا فيه.
فأما قبح ضدين و لهما ثالث يمكنه أن ينفك منهما إليه، فمما «15» لا شبهة في جوازه.
__________________________________________________
 (1)- ب:- النهي.
 (2)- ج: عن.
 (3)- ج: لطف.
 (4)- الف:- و.
 (5)- ب و ج: هذا.
 (6)- ب: أو.
 (7)- ج: إبقائها.
 (8)- ب و ج: يكون.
 (9)- ب: ذكرنا.
 (10)- ج: كذلك.
 (11)- ج:+ حال.
 (12)- ج: عن.
 (13)- ج: عن.
 (14)- ج: انما.
 (15)- ب: فمرا.


                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 178
و قد يصح أن يقبح «1» منه كل أفعاله على وجه، و يحسن على وجه آخر، و على هذا الوجه يصح القول بأن من دخل زرع غيره على سبيل الغصب أن «2» له الخروج عنه بنية التخلص، و ليس له التصرف بنية الإفساد «3»، و كذلك من قعد على صدر حي إذا كان انفصاله منه يؤلم ذلك الحي كقعوده، و كذلك المجامع زانيا، له الحركة بنية التخلص، و ليس له الحركة على وجه آخر.
و أما «4» بعض تصرفه، فقد يصح أن يقبح «5» على كل حال.
فأما حسن جميع ذلك أو «6» بعضه على البدل و الجمع «7»، و على وجه دون وجه، فلا شبهة فيه.
و النهي «8» عن ضدين على الجمع يقبح من حيث يستحيل وجودهما معا، فلا يقع ذلك من حكيم.
و اعلم أنه غير ممتنع في فعل أن يقبح لكون «9» ما يسد مسده معدوما «10» كما لا يمتنع أن يكون صلاحا إذا كان غيره معدوما، فغير ممتنع على هذه الجملة أن ينهى الحكيم عن فعلين مختلفين على التخيير و البدل، بأن يكون في المعلوم أن كل واحد منهما يقبح بشرط
__________________________________________________
 (1)- ب: يفتح.
 (2)- ج: انما.
 (3)- ب: الفساد.
 (4)- الف و ج: فاما.
 (5)- ب: يفتح.
 (6)- ب و ج: و.
 (7)- ب: الجميع.
 (8)- الف: فالنهي.
 (9)- ج:+ ان.
 (10)- ج: معلوما.


                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 179
عدم الآخر، فلا يمكن القول بقبحهما جميعا على الإطلاق، لأن الاشتراط الذي ذكرناه يقتضى أنهما متى وجدا لم يقبح «1» واحد منهما، و متى وجد أحدهما قبح لا محالة، فالنهي عن المختلفين- إذا صح ما ذكرناه- على سبيل التخيير صحيح جائز، و ليس يجري «2» المختلفان «3» في هذا الحكم مجرى الضدين، لأن كل واحد من الضدين متى وجد وجب عدم الآخر، و ما يجب لا محالة يبعد كونه شرطا في قبحه، و هذا في المختلفين أشبه بالصواب، و كذلك المتماثلان.

 

                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 190

و ينقسم «17» تأثير المنهي عنه في الشروط الشرعية ثلاثة أقسام:
__________________________________________________
 (1)- ب: تجدون، ج: وجه يحدون.
 (2)- ج: الفساد.
 (3)- ب: يميزونه.
 (4)- ب: طعامي.
 (5)- ج:+ في.
 (6)- ب و ج: تعالى.
 (7)- ب: عليه السلام، ج: رسول عليه السلام.
 (8)- الف:- عنه‏
. (9)- ج: ان.
 (10)- ب و ج: يتعلق.
 (11)- ج: يتعلق.
 (12)- ج:- ان.
 (13)- الف:- عنه‏
. (14)- ج: يميز.
 (15)- ب:+ و.
 (16)- الف: فإذا.
 (17)- ب: تنقسم.


                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 191
فالأول يؤثر بأن يكون شرط الفعل «1» عدمه.
و الثاني بأن يكون شرط الفعل ضده، أو ما يجري مجرى ضده، مما لا يجتمع معه.
و الثالث يؤثر بأن يمنع من وقوع شرط «2» سواه، فمثال الأول الصلاة مع الحدث، لأن من شرطها عدمه. و مثال الثاني صلاة القادر على القيام قاعدا، لأن من شرط هذه الصلاة ضد القعود. و مثال الثالث صلاة «3» المتطوع، لأنها لا تجزى عن الفرض و «4» إن كانت الصورة واحدة «5»، لما كان الشرط نية «6» مخصوصة.
و لأجل هذا الوجه الأخير كانت الصلاة في الدار المغصوبة لا تجزى «7»، لأن من شرط الصلاة أن تكون «8» طاعة و قربة، و كونها واقعة في الدار المغصوبة يمنع من ذلك.
و أيضا «9» فإن من شرطها إذا كانت واجبة أن ينوى بها أداء الواجب، و كونها في الدار المغصوبة يمنع من ذلك.
و في الفقهاء من يظن أن الصلاة في الدار المغصوبة ينفصل من الغصب، و ذلك ظن بعيد، لأن الصلاة كون في الدار، و تصرف‏
__________________________________________________
 (1)- ب: العقل.
 (2)- ب: شرطه.
 (3)- الف:- صلاة.
 (4)- الف:- و.
 (5)- ج: واحد.
 (6)- الف: سر، بجاى نية.
 (7)- ج: يجزى.
 (8)- ج: يكون.
 (9)- الف: ايظ.


                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 192
فيها، و ذلك نفس الغصب، لأنه لا فرق بين تصرفه فيها بالسكنى و بين تصرفه بالصلاة، لأن صاحب الدار لو أراد أن يقف فيها بحيث المصلي واقف، لتعذر عليه «1» ذلك، فهو مانع من تصرف المالك، و الغصب ينقسم إلى وجهين: إما بأن يحول بين المالك و بين التصرف في ملكه، و إما بأن يتصرف الغاصب فيه تصرفا يمنعه من تصرفه.
و فيهم من يقول في أن الصلاة في الدار المغصوبة «2» تجزى «3»، على أن الصلاة تنقسم «4» إلى فعل و ذكر، فالفعل متعلق «5» بالدار، و الذكر لا يتعلق بها، فلا يمتنع أن تجزى «6»، و طن كانت في الدار المغصوبة، من حيث يقع ذكرها طاعة، و تكون «7» نيته «8» تنصرف «9» إلى الذكر.
و هذا غير صحيح، لأن الذكر تابع للفعل الذي هو الصلاة، و الفعل «10» هو المعتمد «11»، و الذكر شرط، فيجب أن تكون «12» النية منصرفة «13» إلى الفعل الذي هو «14» العمدة «15».
__________________________________________________
 (1)- الف:- عليه.
 (2)- ب:- لا تجزى لأن، (شماره 7 صفحه 191) تا اينجا.
 (3)- ب: تجري، ج: يجزى.
 (4)- ج: ينقسم.
 (5)- ب: يتعلق.
 (6)- ب: تجري، ج: يجزى.
 (7)- ب و ج: يكون.
 (8)- ب: بنية، ج: نية.
 (9)- ج: بتصرف.
 (10)- الف:+ الذي.
 (11)- الف: المعتمد م.
 (12)- ج: متصرفه.
 (13)- ب و ج: يكون.
 (14)- ج:+ الصلاة و الفعل هو المعتمد.
 (15)- ج:- العمدة.


                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 193
و على أن «1» أقل الأحوال أن يكون الفعل و الذكر مجموعهما «2» هو «3» الصلاة، فتنصرف «4» النية إليهما، و قد بينا أن ذلك يقتضى كونه متقربا بالمعصية.
و قد قيل في التمييز بين الصلاة في هذا الحكم و غيرها: أن كل عبادة ليس من شرطها «5» الفعل أو ليس من شرطها «6» أن يتولى الفعل بنفسه، بل ينوب فعل الغير مناب فعله، أو ليس من شرطها «7» أن يقع منه بنية الوجوب، أو ليس من شرطها «8» النية «9» أصلا، لم يمتنع في المعصية منها أن يقوم مقام الطاعة، و هذا قريب.
و من احتج في جواز الصلاة في الدار المغصوبة بأن إجراءها مجرى من شاهد طفلا يغرق «10» و هو في الصلاة، و قال: إذا صحت صلاته مع المعصية، فكذلك الصلاة في الدار المغصوبة.
فقوله باطل، لأنا نقول في المسألتين قولا واحدا، و الصلاتان معا فاسدتان، و يجب أن يقول في الغاصب: أنه لو حبس «11» في الدار لأجزأته صلاته، لأنه بأن حبس فيها خرج من كونه غاصبا «12»، لأنه لا يتمكن‏
__________________________________________________
 (1)- الف:- ان.
 (2)- ب و ج: بمجموعهما.
 (3)- ب: عن.
 (4)- ب و ج: و ينصرف.
 (5)- الف: شروطها.
 (6)- ب:- الفعل (شماره 5) تا اينجا.
 (7)- الف: شروطها.
 (8)- الف: شروطها.
 (9)- ب: النسبة.
 (10)- ب: تصرف.
 (11)- ب: جلس.
 (12)- ب: عاصيا.


                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 194
من المفارقة لها، و يجب أن يقول «1» فيمن لزمه رد وديعة أو قضاء دين، ثم دخل في الصلاة: أنه إن كان الوقت موسعا، فسدت الصلاة، لأن الواجب عليه تقديم الرد، و إن «2» صلاها في وقت مضيق، لم يفسد، لأن الواجب عليه تقديمها على الرد، إلا أن ينتهى «3» الحال فيمن له الحق إلى حال ضرورة «4» و ضرر يدخل على صاحب الوديعة، فتفسد «5» صلاته، و إن أداها في آخر الوقت، لهذه العلة.
فأما من ليس بغاصب لكنه دخل الدار مجتازا، فيجب ألا تفسد «6» صلاته، لأن المتعارف «7» بين الناس أنهم «8» يسوغون ذلك لغير الغاصب، و يمنعونه «9» في الغاصب.
و أما الضيعة «10» المغصوبة فالصلاة فيها مجزية، لأن العادة جرت بأن «11» صاحبها لا يحظر على أحد الصلاة فيها، و التعارف يجري مجرى الإذن، فيجب الرجوع إليه.
و لا يلزم على ما ذكرناه أن يكون من صلى و هو يدافع الأخبثين «12»
__________________________________________________
 (1)- ب: تقول، ج: نقول.
 (2)- الف: فان.
 (3)- ج: ينهى.
 (4)- ب و ج: الضرورة.
 (5)- ب و ج: فيفسد.
 (6)- ب و ج: يفسد.
 (7)- الف: التعارف.
 (8)- ب: انه.
 (9)- ب: يمنعون.
 (10)- الف: الصيعة، ج: الصيغة.
 (11)- ب: ان.
 (12)- ب: الأخبتين.


                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 195
أن تكون «1» صلاته فاسدة غير مجزية «2»، للنهي «3» منه عليه السلام عن ذلك، و ذلك أن هذا النهى لو أوجب كون الصلاة معصية، للحقت «4» في الفساد بالصلاة في الدار المغصوبة، لكنا قد عرفنا أن وجه النهى تأثير المدافعة في التثبت «5» و الخشوع و الطمأنينة، و نحن نعلم أن كثيرا من ذلك لو فقد «6» لأجزأت «7» الصلاة، و قد يدافع الأخبثين و يتصبر «8» على أداء ما «9» يجب عليه في الصلاة و استيفائه، فلا يجب كون ذلك مفسدا.
و أما «10» حمل بعضهم جواز الصلاة في المكان المغصوب على جواز الإيمان فغلط فاحش، لأن الإيمان لا تعلق له بالدار، اعتقادا كان بالقلب أو قولا باللسان، و قد بينا أن الصلاة بها يكون غاصبا و متصرفا في ملك غيره.

 

 

                        القواعد و الفوائد في الفقه و الاصول و العربية، ج‏1، ص: 78
الفائدة الثالثة لما كان الركن الأعظم في النية هو الإخلاص، و كان انضمام تلك الأربعة «4» غير قادح فيه،
فحقيق «5» أن نذكر ضمائم أخرى، و هي أقسام:
__________________________________________________
 (1) في (ك): ملابس، و في (م): ملاق، و ما أثبتناه مطابق لما في نهج البلاغة.
 (2) في (ك): رؤية، و ما أثبتناه مطابق لما في النهج.
 (3) انظر: نهج البلاغة: 2- 120- 121 (شرح محمد عبده) مطبعة الاستقامة بمصر.
 (4) و هي: الطمع، و الشكر، و الحياء، و الرجاء.
 (5) في (ك): فخليق.


                        القواعد و الفوائد في الفقه و الاصول و العربية، ج‏1، ص: 79
الأول: (ما يكون منافيا) «1» له، كضم الرياء، و توصف بسببه العبادة بالبطلان، بمعنى عدم استحقاق الثواب.
و هل يقع مجزئا بمعنى سقوط التعبد به، و الخلاص من العقاب؟
الأصح أنه لا يقع مجزئا، و لم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى [1] قدس الله تعالى سره، فان ظاهره الحكم بالاجزاء في العبادة المنوي بها الرياء «2».

 

 

علامه حلی

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 75
المبحث الرابع: في امتناع اجتماع الأمر و النهي‏
اعلم أن الواحد قد يكون واحدا بالنوع، و قد يكون واحدا بالشخص.
أما الأول، فيمكن توارد الأمر و النهي معا إليه، بأن يكون أحد جزئياته مأمورا به، و الآخر منهيا عنه، لعدم التنافي بينهما.
و ذلك كالسجود، فإنه نوع ينقسم إلى السجود لله تعالى، و هو مأمور به، و إلى السجود للصنم، فهو منهي عنه.

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 76
و قد خالف في ذلك بعض المعتزلة، و توهم المناقضة، من حيث إن السجود نوع واحد و هو مأمور به فيستحيل أن ينهى عنه، بل الساجد للصنم عاص بقصد تعظيم الصنم، لا بنفس السجود. «1»
و ليس بجيد، إذ لا تناقض مع تغاير المحل، و السجود لله تعالى مغاير للسجود للصنم، فإن اختلاف الإضافات و الصفات يوجب المغايرة، و الشي‏ء لا يغاير نفسه، و قد قال الله تعالى: لا تسجدوا للشمس و لا للقمر «2» ثم أمر بالسجود لله تعالى، و ليس المأمور به، هو المنهي عنه، و لا خلاف في عصيان الساجد للصنم و الشمس بنفس السجود و القصد معا.
و قولهم: السجود نوع واحد.
قلنا: نعم، لكنه منقسم بانقسام المقاصد، فإن مقصود هذا السجود تعظيم الصنم، دون الله تعالى، و اختلاف وجوه الفعل، كاختلاف نفس الفعل في حصول الغيرية، المانعة من التضاد، فإن التضاد إنما يكون مع الإضافة إلى واحد، و لا وحدة مع المغايرة.
و أما الثاني فإما أن يكون ذا جهة واحدة، أو ذا جهتين.
فالأول، لا خلاف في استحالة توجه الأمر و النهي معا إليه، إلا عند من يجوز تكليف ما لا يطاق.
__________________________________________________
 (1). نقله أحمد بن إدريس المصري القرافي في نفائس الأصول في شرح المحصول: 2/ 399 عن سيف الدين عن بعض المعتزلة، دون أن يعين القائل.
 (2). فصلت: 37.

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 77
و أما الثاني، ففيه النزاع كالصلاة في الدار المغصوبة، فإنها قد اشتملت على وجهتين: إحداهما: كونها صلاة، و أخرى: كونها غصبا و فيه النزاع:
فمنع منه جماعة الإمامية، و الزيدية، و الظاهرية، و الجبائيان، و هو مروي عن مالك، و هو اختيار فخر الدين الرازي، «1» و ذهبوا إلى أن الصلاة غير واجبة و لا صحيحة، و لا يسقط بها الفرض، و لا عندها، و وافقهم على ذلك القاضي أبو بكر «2» إلا في موضع واحد، فإنه قال: يسقط الفرض معها لا بها.
و هذا الذي اخترناه، مذهب جمهور المتكلمين.
و قال الغزالي «3»، و جماعة الأشاعرة بالجواز.
لنا: أن المأمور به مطلوب التحصيل، فلا حرج في فعله، و المنهي عنه مطلوب العدم، و يتعلق بفعله الحرج، و الجمع بينهما ممتنع.
لا يقال: إنما يمتنع الجمع لو اتحد الوجه، أما مع تعدده، كالصلاة في الدار المغصوبة، حيث كان لها جهتا صلاة و غصب، و كل واحد منهما يصح انفكاكه عن الأخرى، فلا استبعاد في الأمر بها من حيث إنها صلاة، و النهي من حيث إنها غصب، كما لو قال السيد لعبده: «خط [هذا] الثوب و لا تدخل الدار» فخاط الثوب في الدار فإنه يكون ممتثلا لأمر الخياطة، عاصيا لنهي الدخول، و استحق العقوبة بأحد الاعتبارين، و الإحسان بالآخر، كذا الصلاة هنا اشتملت على أمرين:
أحدهما مطلوب الوجود، و الآخر مطلوب العدم.
__________________________________________________
 (1). المحصول في علم الأصول: 1/ 340- 341.
 (2). لاحظ التقريب و الإرشاد: 2/ 360.
 (3). المستصفى: 2/ 101.

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 78
و يعارض: بأن الصلاة في الدار المغصوبة صلاة، لأنها صلاة خاصة بكيفية مخصوصة، و ثبوت المقيد يقتضي ثبوت المطلق.
و الصلاة مأمورا بها، لقوله: أقيموا الصلاة. «1»
لأنا نقول: متعلق الأمر و النهي إن اتحد، لزم تكليف ما لا يطاق، و الخصم يسلم أنه ليس من هذا الباب، و إن تغايرا، فإن تلازما، كان كل منهما من ضروريات «2» الآخر، و الأمر بالشي‏ء أمر بما لا يتم ذلك الشي‏ء إلا به، و يعود المحذور، و هو كون متعلق الأمر و النهي واحدا.
و إن لم يتلازما، صح تعلقها بهما إجماعا، و هو غير صورة النزاع.
لا يقال: يجوز انفكاك أحدهما عن الآخر في الحكم، إلا أنهما في الصورة المعينة يتلازمان.
لأنا نقول: فيكون المأمور به في [هذه‏] الصورة الخاصة منهيا عنه، و هو محال.
و اما الصلاة في الدار المغصوبة، فإنها باطلة، و إلا لزم تكليف ما لا يطاق، و التالي باطل إجماعا، إلا عند من جوز التكليف بالمحال، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية: أن الصلاة مركبة من أمور:
أحدها: الحركة، و السكون، و هما مشتركان في حقيقة الكون، أعني الحصول في الحيز و شغله، و هذا الشغل منهي عنه، فأحد أجزاء هذه الصلاة
__________________________________________________
 (1). البقرة: 43.
 (2). في «ب»: من ضرورات.

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 79
منهي عنه، فيستحيل أن تكون هذه الصلاة مأمورا بها، لاستلزام الأمر بالمركب، الأمر بأجزائه، فيكون هذا الجزء، مأمورا به، منهيا عنه.
و الصلاة، و الغصب و إن تغايرا، لكن مطلق الشغل الحيز، جزء ماهية مطلق الصلاة، و الشغل المعين جزء ماهية الصلاة المعينة، و هذا الشغل المعين، منهي عنه، فجزء ماهية هذه الصلاة منهي عنه، فهذه الصلاة لا تكون مأمورا بها.
نعم الصلاة مطلقا مأمورا بها، و لا نزاع فيه، بل في هذه الصلاة.
قيل عليه «1»: «لا نزاع في ان الفعل المعين إذا أمر به بعينه لا ينهى عنه، إنما النزاع في الفعل المعين إذا كان فردا من أفراد الفعل المأمور به هل ينهى عنه، و ما نفيتموه جوازه ظاهر إذ عندكم الأمر بالماهية ليس أمرا بشي‏ء من أفرادها، و لأنه لو امتنع ذلك، لامتنع النهي عن فعل ما، لأن نفس الفعل مأمور به، لكونه جزءا من الفعل المأمور به، و كل منهي عنه فرد من أفراد نفس الفعل».
و بين الصلاة في الدار المغصوبة، و المثال الذي ذكروه فرق، فإن الخياطة غير الدخول، و لا تلازم بينهما، فلهذا صح اجتماع الأمر و النهي، و الصلاة المأمور بها ليس المطلق، بل الواقعة على الوجه المطلوب شرعا، بأن تستجمع شرائطه، و لهذا لا يصح أن نقول: الصلاة بغير طهارة صلاة، و الصلاة مأمور بها.
__________________________________________________
 (1). القائل هو سراج الدين محمود بن أبي بكر الارموي المتوفى سنة 682 ه. في التحصيل من المحصول: 1/ 335.

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 80
احتج المخالف بوجوه:
الأول: قد كرهت الصلاة في الأماكن المخصوصة
، و الأوقات المخصوصة، و كما يتضاد الوجوب و التحريم، كذا يتضاد الوجوب و الكراهة.
الثاني: لو لم تصح الصلاة في الدار المغصوبة
، لما سقط التكليف، و التالي باطل بالإجماع فإن أحدا من العلماء لم يأمر الظلمة بقضاء صلواتهم في الأماكن المغصوبة، فالمقدم مثله.
و الشرطية ظاهرة، فإن الباطل غير مسقط للفرض.
الثالث: لو لم تصح الصلاة، لكان البطلان‏
لاتحاد متعلق الأمر و النهي، إذ لا مانع سواه إجماعا، و لا اتحاد، فإن الأمر بالصلاة، و النهي عن الغصب، و اختيار المكلف جمعهما لا يخرجهما عن حقيقتهما، و هو التغاير و عدم التلازم.
و الجواب عن الأول: أن متعلق الأحكام إن اتحد
، منعنا التكليف بمثل هذه الصورة، و إن تغاير لم يفد، لرجوع النهي إلى وصف منفك، مثل التعرض لنفار الإبل في الصلاة في المعاطن، «1» و لسيل الوادي في الصلاة في الوادي، و للتعرض للرشاش في الحمام، و غير ذلك من النظائر.
و عن الثاني: بمنع الإجماع على سقوط القضاء
، فإن الإمامية أجمع، أوجبوا قضاءها، و هو مذهب أحمد بن حنبل، و جماعة من الفقهاء، و لو كان ذلك إجماعا، لما خفي عنهم.
__________________________________________________
 (1). العطن: مبرك الإبل و مربض الغنم عند الماء. المعجم الوسيط.

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 81
و عن الثالث: ما تقدم، من أن الكون الذي هو غصب منهي عنه‏
، و هو بعينه صلاة، فلا يكون مأمورا به، و الكون المطلق قد ينقسم إلى نوعي الغصب و الصلاة، و هما و إن انفك أحدهما عن الآخر، إلا أنهما في هذه الصورة متلازمان، إذ فعل العبد هنا: الحركة، و السكون، لا غير، و هما منهيان.
و أيضا، لو صحت الصلاة لصح صوم يوم النحر بالجهتين.
و الاعتذار بأن نهي التحريم لا يعتبر فيه تعدد الا بدليل، ضعيف، و هذه المسألة قطعية.
أما من يعتقد البطلان، فلاستلزام الصحة الجمع بين الضدين، و هو مستحيل قطعا.
و من يعتقد الصحة، فيعتمد على الإجماع.
تذنيب‏
قال أبو هاشم: من توسط أرضا مغصوبة عصى باللبث و الخروج، و جعل الخروج متعلق الأمر و النهي معا.
و هو خطأ، لاستلزامه التكليف بالمحال، فإن الخروج متعين عليه للأمر، فيعلم أن انتفاء المعصية به و بشرطه «1»، فلا يكون متعلق النهي.
و فيه نظر، فإن الخروج تصرف في ملك الغير، فيكون حراما، و يمتنع‏
__________________________________________________
 (1). في «أ» و «ج»: فيعلم انتفاء المعصية و شرطه.

                        نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏2، ص: 82
وجوبه، بل الواجب ترك التصرف في كل آن، و كونه في الزمن الثاني لا يتم إلا بالخروج مستندا إلى فعله الذي هو التوسط، فلا يستلزم وجوبه.

 

صاحب معالم

أصل‏
الحق امتناع توجه الأمر و النهي إلى شي‏ء واحد و لا نعلم في ذلك مخالفا من أصحابنا و وافقنا عليه كثير ممن خالفنا و أجازه قوم و ينبغي تحرير محل النزاع أولا فنقول الوحدة تكون بالجنس و بالشخص فالأول يجوز ذلك فيه بأن يؤمر بفرد و ينهى عن فرد كالسجود لله تعالى و للشمس و القمر و ربما منعه مانع لكنه شديد الضعف شاذ و الثاني إما أن يتحد فيه الجهة أو تتعدد فإن اتحدت بأن يكون الشي‏ء الواحد من الجهة الواحدة مأمورا به منهيا عنه فذلك مستحيل قطعا و قد يجيزه بعض من جوز تكليف المحال قبحهم الله و منعه بعض المجيزين‏
                       

معالم الدين و ملاذ المجتهدين، ص: 94
لذلك نظرا إلى أن هذا ليس تكليفا بالمحال بل هو محال في نفسه لأن معناه الحكم بأن الفعل يجوز تركه و لا يجوز و إن تعددت الجهة بأن كان للفعل جهتان يتوجه إليه الأمر من إحداهما و النهي من الأخرى فهو محل البحث و ذلك كالصلاة في الدار المغصوبة يؤمر بها من جهة كونها صلاة و ينهى عنها فيها من حيث كونها غصبا فمن أحال اجتماعهما أبطلها و من أجازه صححها. لنا أن الأمر طلب لإيجاد الفعل و النهي طلب لعدمه فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع و تعدد الجهة غير مجد مع اتحاد المتعلق إذ الامتناع إنما ينشأ من لزوم اجتماع المتنافيين في شي‏ء واحد و ذلك لا يندفع إلا بتعدد المتعلق بحيث يعد في الواقع أمرين هذا مأمور به و ذلك منهي عنه و من البين أن التعدد بالجهة لا يقتضي ذلك بل الوحدة باقية معه قطعا فالصلاة في الدار المغصوبة و إن تعددت فيها جهة الأمر و النهي لكن المتعلق الذي هو الكون متحد فلو صحت لكان مأمورا به من حيث إنه أحد الأجزاء المأمور بها للصلاة و جزء الجزء جزء و الأمر بالمركب أمر بأجزائه و منهيا عنه باعتبار أنه بعينه الكون في الدار المغصوبة فيجتمع فيه الأمر و النهي و هو متحد و قد بينا امتناعه فتعين بطلانها. احتج المخالف بوجهين الأول أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب و نهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنا نقطع بأنه مطيع عاص لجهتي الأمر بالخياطة و النهي عن الكون. الثاني أنه لو امتنع الجمع لكان باعتبار اتحاد متعلق الأمر و النهي إذ
                       

معالم الدين و ملاذ المجتهدين، ص: 95
لا مانع سواه اتفاقا و اللازم باطل إذ لا اتحاد في المتعلقين فإن متعلق الأمر الصلاة و متعلق النهي الغصب و كل منهما يتعقل انفكاكه عن الآخر و قد اختار المكلف جمعهما مع إمكان عدمه و ذلك لا يخرجهما عن حقيقتهما اللتين هما متعلقا الأمر و النهي حتى لا يبقيا حقيقتين مختلفتين فيتحد المتعلق. و الجواب عن الأول أن الظاهر في المثال المذكور إرادة تحصيل خياطة الثوب بأي وجه اتفق سلمنا لكن المتعلق فيه مختلف فإن الكون ليس جزء من مفهوم الخياطة بخلاف الصلاة سلمنا لكن نمنع كونه مطيعا و الحال هذه و دعوى حصول القطع بذلك في حيز المنع حيث لا يعلم إرادة الخياطة كيف ما اتفقت. و عن الثاني أن مفهوم الغصب و إن كان مغايرا لحقيقة الصلاة إلا أن الكون الذي هو جزؤها بعض جزئياته إذ هو مما يتحقق به الكلى فإذا أوجد المكلف الغصب بهذا الكون صار متعلقا للنهي ضرورة أن الأحكام إنما تتعلق بالكليات بل باعتبار وجودها في ضمن الأفراد فالفرد الذي يتحقق به الكلي هو الذي يتعلق به الحكم حقيقة و هكذا يقال في جهة الصلاة فإن الكون المأمور به فيها و إن كان كليا لكنه إنما يراد باعتبار الوجود فمتعلق الأمر في الحقيقة إنما هو الفرد الذي يوجد منه و لو باعتبار الحصة التي في ضمنه من الحقيقة الكلية على أبعد الرأيين في وجود الكلي الطبيعي. و كما أن الصلاة الكلية تتضمن كونا كليا فكذلك الصلاة الجزئية تتضمن كونا جزئيا فإذا اختار المكلف إيجاد كلي الصلاة بالجزئي المعين منها فقد اختار إيجاد كلي الكون بالجزئي المعين منه الحاصل في ضمن الصلاة المعينة و

                        معالم الدين و ملاذ المجتهدين، ص: 96
ذلك يقتضي تعلق الأمر به فيجتمع فيه الأمر و النهي و هو شي‏ء واحد قطعا. فقوله و ذلك لا يخرجهما عن حقيقتهما إلخ إن أراد به خروجهما عن الوصف بالصلاة و الغصب فمسلم و لا يجديه إذ لا نزاع في اجتماع الجهتين و تحقق الاعتبارين و إن أراد به أنهما باقيان على المغايرة و التعدد بحسب الواقع و الحقيقة فهو غلط ظاهر و مكابرة محضة لا يرتاب فيها ذو مسكة. و بالجملة فالحكم هنا واضح لا يكاد يلتبس على من راجع وجدانه و لم يطلق في ميدان الجدال و العصبية عنانه‏

 

 

فاضل تونی

البحث الثالث:
هل يجوز تعلق الأمر و النهي بشي‏ء واحد، أو لا؟ «5».
__________________________________________________
 (1) المجادلة- 8.
 (2) الأنعام- 28.
 (3) الأعراف- 166.
 (4) الذريعة: 1- 176، معالم الدين: 92، و نقله الفخر الرازي عن المشهور، لكنه خالف فيه:
المحصول: 1- 338، و نسبه ابن الحاجب إلى المحققين: المنتهى: 101، كما خالف في ذلك العلامة في تهذيب الوصول: 33، و إن وافقهم على ذلك في كتابه نهاية الوصول على ما حكاه عنه المحقق الشيخ حسن: معالم الدين: 92.
 (5) المحصول: 1- 340.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 91
و الحق عدم الجواز «1».
و اعلم أن للمسألة صورا:
الأولى: أن يتعلق الأمر الإيجابي العيني، و النهي التحريمي العيني، بأمر واحد شخصي.
و لا شك و لا نزاع لأحد في امتناعه، بناء على امتناع التكليف بما لا يطاق «2»، سواء كان منشأ تعلق الحكمين ذات ذلك الشي‏ء أو وصفين لازمين له.
أما لو أمكن اتصافه بعرضين مفارقين، مع بقاء وحدته في الحالين، فيجوز تعلق الأمر باعتبار أحد الوصفين، و النهي باعتبار الآخر، فيجب حينئذ إيقاعه على الوصف الأول، و يحرم إيقاعه موصوفا بالوصف الثاني، كلطم اليتيم تأديبا، و ظلما، و السجود لله، و لغيره، فإنه يختلف بالقصد و النية.
الثانية: أن يتعلق الأمر الإيجابي التخييري، و النهي التحريمي العيني بأمر شخصي، بحيث يكون منشأ الوجوب و الحرمة واحدا، أو أمرين متلازمين.
و الحق امتناعه، و الظاهر أنه لا نزاع فيه أيضا، و سيجي‏ء ما يحققه.
الثالثة: أن يتعلق الأمر الحتمي، و النهي كذلك، كل واحد بكلي، و لكن يكون بين الكليين العموم من وجه، فيختار المكلف ما يندرج في كل منهما، فهل يحصل الامتثال باعتبار الأمر، أو لا؟.
فيه خلاف، و قد مثل بالصلاة في الدار المغصوبة، فإن الصلاة مأمور بها، و الغصب منهي عنه، و الصلاة في الدار المغصوبة فرد لكل منهما، أما بالنسبة إلى الصلاة فباعتبار نفسها، و أما بالنسبة إلى الغصب فباعتبار جزئها، لأن القيام على أرض الغير، و السجود عليها، مع عدم رضائه أو بدون إذنه،
__________________________________________________
 (1) المحصول: 1- 340.
 (2) المحصول: 1- 341.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 92
تصرف متصف بالغصب، بل هو نفس الغصب، و كذا الحركات و السكنات، إذ الكون- و هو شغل الحيز- جنس للحركة و السكون، و جزئيتهما للصلاة تستلزم جزئيته.
و قد وقع النزاع في صحة هذه الصلاة و بطلانها، بناء على أنه هل تعدى الأمر المتعلق «1» بمطلق الصلاة إلى هذا الفرد المتعلق «2» للنهي؟ أو لا؟ «3».
و هذه الصورة في الحقيقة ترجع إلى الصورة الثانية، لأن النهي عن الكلي نهي عن جميع جزئياته، و الأمر به أمر بواحد من جزئياته، فكل واحد «4» من جزئياته يصير واجبا تخييريا.
و الحق: امتناع تعلق الأمر- العام «5» لجميع «6» الجزئيات المحصي لها «7»- بما هو فرد للمنهي عنه، و أن الدعوى بينة، غنية عن الدليل، إذ امتناع كون الشي‏ء الواحد مرادا- و لو على جهة التخيير- و غير مراد- بل مبغوضا- لشخص واحد، في غاية الظهور.
و تعلق الوجوب التخييري به، يوجب الرخصة من الحكيم باختياره، مع استلزامه حينئذ «8» امتناع الإطاعة في طرف النهي.
و أيضا: هذا ينافي اللطف، إذ المكلف حينئذ مقرب للمكلف إلى معصيته «9»، كما لا يخفى.
__________________________________________________
 (1) كذا في أ و ب و ط، و في الأصل: المطلق.
 (2) في ط: المعين. بدل: المتعلق.
 (3) المحصول: 1- 343، و قد ذهب الشيخ الطوسي إلى الأول: عدة الأصول: 1- 100.
 (4) كلمة (واحد): زيادة من ب.
 (5) كذا في ب، و في سائر النسخ: امر العالم.
 (6) كذا في أ، و في سائر النسخ: بجميع.
 (7) كذا في الأصل و ب، و في أ و ط: بها.
 (8) (حينئذ): زيادة من أ و ط.
 (9) كذا في أ و ب، و في الأصل: لا معصيته، و في ط: معصية.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 93
و اختلاف الجهة غير مجد مع اتحاد المتعلق.
احتج المخالف بوجهين «1»:
الأول: أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب، و نهاه عن الكون في مكان مخصوص، ثم خاطه في ذلك المكان، فإنا نقطع بأنه مطيع عاص، لجهتي الأمر و النهي.
الثاني: أنه لو امتنع الجمع، لكان باعتبار اتحاد متعلق الأمر و النهي- إذ لا مانع سواه اتفاقا- و اللازم باطل، إذ لا اتحاد في المتعلقين «2»، فإن متعلق الأمر الصلاة، و متعلق النهي الغصب، و كل منهما يتعقل انفكاكه عن الآخر، و قد اختار المكلف جمعهما، مع إمكان عدمه، و ذلك لا يخرجهما عن حقيقتيهما اللتين هما متعلقا الأمر و النهي «3» حتى لا تبقيا مختلفتين.
و الجواب عن الأول:
أولا: بمنع حصول الإطاعة على التقدير المذكور، و السر في توهم هذا الحصول: أن غرض الآمر و فائدة الخياطة حاصلة على أي حال اتفقت الخياطة، فيشتبه «4» حصول الغرض بحصول الإطاعة.
و ثانيا: بأن المتعلق في المثال المذكور مختلف، فإن الكون ليس جزءا من الخياطة، بخلاف الصلاة، و تحقيقه: أن الخياطة أمر حاصل من الحركات، فهي بمنزلة المعدات له.
و لا يمكن أن يقال: إن الصلاة- أيضا- أمر حاصل من الحركات‏
__________________________________________________
 (1) حكاهما المحقق الشيخ حسن: معالم الدين: 94- 95.
 (2) في ط: للمتعلقين.
 (3) عبارة (اللتين هما متعلقا الأمر و النهي): زيادة من ب، و هي مثبتة في المصدر أيضا: المعالم 95.
 (4) في ب و ط: فيشبه.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 94
و السكنات، فهي الأذكار «1» الواقعة على الأنحاء الخاصة.
للإجماع على أن القيام، و رفع الرأس من الركوع، و السجود، و ملاصقة الجبهة بالأرض- من أجزاء الصلاة و أركانها.
لا يقال: اختلاف المتعلق غير مجد مع التلازم، إذ تعلق النهي باللازم، و الأمر بالملزوم- غير جائز، و مطلق الكون من لوازم مطلق الخياطة، و الكون في المكان المغصوب من لوازم الخياطة فيه، كالكون مع الصلاة في الجزئية.
لأنا نقول- بعد تسليم أن الكون من لوازم الخياطة لا من لوازم الخياط-: إنا لا نسلم أن الكون في المكان المغصوب من لوازم الخياطة فيه، بل الكون المطلق لازم لها، و ليس للكون الخاص مدخلية في تشخص الخياطة، بل شخص الخياطة في المكان المغصوب يمكن حصوله في غير ذلك المكان، بخلاف الصلاة، فإن أشخاصها تتبدل بتبدل الأكوان في الأماكن المختلفة.
و عن الثاني: أن اتحاد المتعلق لازم، بملاحظة أن التكاليف المتعلقة بالماهيات، متعلقة في الحقيقة بجزئياتها.
الرابعة «2»: أن يتعلق الأمر الإيجابي الحتمي و النهي التنزيهي، بأمر واحد شخصي، و هذا- أيضا- غير جائز، لما مر.
الخامسة: أن يتعلق الأمر الإيجابي التخييري، و النهي التنزيهي، بأمر واحد شخصي، كالصلاة في الحمام، و نحوه من الأماكن المكروهة «3»، و هذا أيضا ممتنع، إذا كان المكروه بمعناه المعروف، و هو راجحية «4» الترك، فما تعلق به هذا النهي من العبادات، فالظاهر بطلانه ما لم يدل دليل على صحته، و ما
__________________________________________________
 (1) زاد في ط في هذا الموضع كلمة: الخاصة.
 (2) أي: من الصور المذكورة لاجتماع الأمر و النهي.
 (3) الفقيه: 1- 241 ح 725، الكافي: 3- 390 باب الصلاة في الكعبة ... ح 12، المحاسن للبرقي: 365 ح 110.
 (4) في ب: أرجحية.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 95
دل الدليل على صحته، يجب حمل النهي «1» فيه على غير معناه الحقيقي، و لهذا اشتهر أن متعلق الكراهة ليس نفس العبادة، بل أمر آخر، كالتعرض للنجاسة، أو لكشف العورة، و نحو ذلك، في كراهة الصلاة في الحمام، فاختلف المتعلق.
و يقولون: إن الحرمة غالبا تتعلق بالذات، و الكراهة «2» بالوصف.
و هذا خلاف ظواهر النصوص، الدالة على تعلق الكراهة بنفس الفعل، مثل: (لا تصل في الحمام) و نحوه.
و الحق: هو ما اشتهر من أن الكراهة في العبادات، بمعنى كونها «3» أقل ثوابا بنسبة خاصة.
و تحقيقه: أن العبادة قد تكون بحيث لم يتعلق بها نهي و لا أمر- غير الأمر الذي تعلق بأصلها- كالصلاة اليومية في البيت للبعيد عن المسجد، أو عند المطر «4»، نحو ذلك.
و هذه ربما تتصف بالإباحة، بمعنى عدم مرجوحية أوصافها و أجزائها «5»، و عدم راجحيتها أيضا- غير الراجحية الناشئة من راجحية أصلها- فيقال:
الصلاة اليومية في البيت مثلا مباحة.
و قد تكون بحيث تعلق بها أمر آخر، باعتبار اشتمالها أو اتصافها على أمر راجح أو به.
و هذا الرجحان: قد ينتهي إلى حد الوجوب، كالصلاة في المسجد مع نذر إيقاعها فيه، فيجتمع حينئذ وجوبان، و قد لا ينتهي إليه، كالصلاة اليومية
__________________________________________________
 (1) كذا في ط، و في سائر النسخ: الكراهة.
 (2) في ط: الكراهية.
 (3) في ط: أنها.
 (4) الفقيه: 1- 377 ح 1099.
 (5) كذا في أ و ط، و في الأصل و أ: أو أجزائها.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 96
في المسجد لا مع النذر و لا مع عذر مسقط للندب، فيجتمع «1» حينئذ الوجوب مع الندب.
و قد تكون بحيث يتعلق بها نهي بالاعتبار المذكور.
و هذه المرجوحية: قد تنتهي إلى حد التحريم، كصلاة الحائض، و الصلاة في الدار المغصوبة، و غير ذلك، و قد مر أنها تستلزم الإبطال، و قد لا تنتهي إليه، و هذه أيضا تستلزم الإبطال، إن كان النهي باعتبار جزء، أو وصف لازم، لما مر في النهي التحريمي.
فلا بد من حمل الكراهة على أقلية الثواب، بمعنى كون العبادة- باعتبار الاشتمال أو الاتصاف المذكور- أقل ثوابا منها نفسها لو لم تكن كذلك، بل كانت متصفة بالإباحة المذكورة، فالصلاة في الحمام مكروهة، بمعنى أنها أقل ثوابا منها في البيت، لا في المسجد.
و على هذا التحقيق لا يرد ما يقال: إن الكراهة بمعنى أقلية الثواب، توجب كون الصلاة في جميع المساجد و المواضع- مكروهة، غير المسجد الحرام، لأنها أقل ثوابا منها فيه.
و قد علم مما مر صورة اجتماع الأمر الإيجابي معه، و مع الندب، و مع الإباحة، بل صورة اجتماع الأمر الندبي مع الإيجاب، و الندب، و الإباحة، و الكراهة، و التحريم، فهذه ثلاث عشرة صورة.
تتميم:
فإن قلت: كيف حكمت ببطلان العبادة، عند فرديتها للمأمور به و المنهي عنه؟ و حكمت باستثنائها عن بقية أفراد المأمور به في تعلق الأمر، و لم لا
__________________________________________________
 (1) في ط: فيجمع.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 97
يجوز دخولها في المأمور به، و خروجها عن المنهي عنه؟ مثلا: الصلاة في الدار المغصوبة، تكون صحيحة، و يكون كل غصب منهيا عنه إلا الصلاة إذا كانت غصبا، و أي فرق بين قولك: (كل صلاة مأمور بها إلا إذا كانت غصبا)، و بين قولنا: (كل غصب منهي عنه إلا إذا كان صلاة)؟! قلت: هذا الاحتمال «1» لا يخلو عن قرب، سيما «2» مع ضميمة ما دل على صحة الصلاة المذكورة، مثل قوله تعالى: إن الأرض لله «3»، و ما ورد من أن الأرض مهر لفاطمة الزهراء عليها السلام «4» إلا أن أصحابنا لم ينقلوا خلافا في بطلان الصلاة المذكورة.
و لعل الوجه فيه: أن تعلق الأمر بمثل العبادة المذكورة، بطريق التخيير، على ما مر، و تعلق النهي بها، بطريق الحتم و العين، فيكون استثناؤها من الأمر أولى من استثنائها من النهي، إذ ظاهر «5»: أن الاهتمام بفعل فرد خاص من الواجب التخييري، ليس مثل الاهتمام بترك الحرام العيني.
أو الوجه فيه: أن العبادة إذا صارت محتملة لكل من الوجوب و التحريم، رجح جانب التحريم، لا لما قيل و اشتهر من: أن دفع المفسدة أهم من جلب المنفعة- إذ هذا إنما يتم مع تعارض الندب و التحريم، لا الواجب معه، لأن ترك الواجب أيضا كفعل الحرام مفسدة- بل لما ورد من التوقف عند تعارض الأمر و النهي، و مصداقه الكف.
و أيضا: من تتبع ظهر عليه أن كل أمر مردد «6» بين الوجوب و التحريم،
__________________________________________________
 (1) كذا في أ و ب و ط، و في الأصل: احتمال.
 (2) في ب: لا سيما.
 (3) الأعراف- 128.
 (4) كشف الغمة: 1- 472، المحتضر: 133.
 (5) في ط: الظاهر.
 (6) كذا في أ. و في الأصل: أن كل مردد. و في ط: ان كل أمر تردد. و في ب: ان كل امر ورد.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 98
رجح الشرع جانب الكف عنه، كصلاة الحائض في أيام الاستظهار، و كف الوضوء عن الإناءين «1» المشتبهين عند نجاسة أحدهما، و غير ذلك.
و قال السيد في الذريعة: «و قد يصح أن تقبح من المكلف جميع أفعاله على وجه، و تحسن على وجه آخر، و على هذا الوجه يصح القول: بأن من دخل زرع غيره على سبيل الغصب- أن له الخروج عنه بنية التخلص، و ليس له التصرف بنية الفساد، و كذلك من قعد على صدر حي، إذا كان انفصاله منه يؤلم ذلك الحي كقعوده، و كذلك المجامع زانيا، له الحركة بنية التخلص، و ليس له الحركة على وجه آخر» «2».
و قال في موضع آخر، بعد الاستدلال على بطلان الصلاة في الدار المغصوبة: «و قد قيل في التمييز «3» بين الصلاة و غيرها، في هذا الحكم: إن كل عبادة ليس من شرطها أن يتولى الفعل بنفسه، بل ينوب فعل الغير مناب فعله، أو ليس من شرطها أن تقع منه بنية الوجوب، أو ليس من شرطها النية أصلا، لم يمتنع في المعصية منها أن تقوم مقام الطاعة، و هذا قريب» «4» انتهى.
ثم قال: «و أما الضيعة المغصوبة، فالصلاة فيها مجزية، لأن العادة جرت بأن صاحبها لا يحظر على أحد الصلاة فيها، و التعارف يجري مجرى الإذن، فيجب الرجوع إليه».
و قال: «فأما من دخل و ليس بغاصب، لكنه دخل الدار المغصوبة مختارا «5»، فيجب أن لا تفسد صلاته، لأن المتعارف بين الناس أنهم يسوغون‏
__________________________________________________
 (1) كف صاحبه عن مجاوزته إلى غيره: منعه، و هو أصل المعنى. انظر: معجم الأفعال المتعدية بحرف: 315. هذا، و المناسب أن تكون العبارة كما يلي: و الوضوء بالإناءين إلى آخره، عطفا على المثال الأول.
 (2) الذريعة: 1- 178.
 (3) كذا في أ و ط، و في الأصل و ب: التميز.
 (4) الذريعة: 1- 193.
 (5) كذا في النسخ، و لكن في المصدر: مجتازا.

                        الوافية في أصول الفقه، ص: 99
ذلك لغير الغاصب، و يمنعونه في الغاصب» «1» انتهى.
و يفهم من كلامه الأول: أن الفعل الواحد يمكن أن يتصف بالوجوب و الحرمة، سيما في مثاله بالقعود على صدر الحي.
و كلامه الثاني ظاهر في صحة الواجب الكفائي في المكان المغصوب.
و اعلم أن الشهيد رحمه الله، نقل في قواعده «2»، عن السيد المرتضى:
صحة الصلاة الواقعة على جهة الرياء، و عدم ترتب الثواب عليها، لكن تسقط المؤاخذة بفعلها «3»، و هو يؤذن بتجويزه تعلق الأمر و النهي بشي‏ء واحد من جهتين، إلا أن يقول: إن الرياء أمر غير الصلاة، و فيه تأمل.
و نقل الكليني في كتاب الطلاق، عن الفضل بن شاذان: التصريح بصحة الصلاة في الدار المغصوبة، حيث قال: «و إنما قياس الخروج و الإخراج [للمعتدة الرجعية من بيتها] «4» كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم، فصلى فيها، فهو عاص في دخوله الدار، و صلاته جائزة، لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة، لأنه منهي عن ذلك، صلى أو لم يصل» «5» انتهى كلامه.
و غرضه: أن ما كانت الصلاة سببا للنهي عنه «6»، فاقترانه للصلاة مفسد لها، كالصلاة في الثوب النجس، و ما كان النهي فيه عاما غير مختص بالصلاة، فاقترانه غير مفسد، كالصلاة في الثوب المغصوب، و ذكر أمثلة أخرى غيرها.
ثم اعلم: أن هذه المسألة من المسائل العدلية من علم الكلام، أوردتها هنا لنفعها في بعض مسائل هذا العلم، فهي من المبادئ التصديقية، و إيرادها
__________________________________________________
 (1) الذريعة: 1- 194.
 (2) القواعد و الفوائد: 1- 79- الفائدة الثالثة.
 (3) الانتصار: 17.
 (4) ما بين المعقوفين غير مثبت في نسخة ط، كما ان المصدر (الكافي) خال منه.
 (5) الكافي: 6- 94- كتاب الطلاق- باب الفرق بين من طلق على غير السنة ...
 (6) كلمة (عنه): زيادة من أ.


                        الوافية في أصول الفقه، ص: 100
في الأدلة العقلية أيضا غير بعيد، إلا أنها لا يستدل بها إلا على نفي الحكم الشرعي، كأصالة براءة الذمة.

 

 

وحید بهبهانی

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 231
رسالة اجتماع الأمر و النهي‏

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 233
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين‏
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله أجمعين الطيبين الطاهرين.
و بعد؛ فهذا أصل يتضمن تحقيق القول باستحالة اجتماع الأمر و النهي في شي‏ء مطلقا؛ تساوى متعلقهما أو اختلفا بالعموم و الخصوص، أو تباينا جزئيا.
و لا خلاف يعتد به في الأولين لا سيما الأول؛ فإنه لا خلاف فيه، و لا إشكال يعتريه، و كذلك الثاني لا اشكال فيه، كما لا اشكال في الجمع بينهما فيما إذا تباينا كليا.
و إنما الخلاف فيما إذا تباينا جزئيا، كقوله: (صل و لا تغصب)، فجمهور المحققين على عدم إمكان الاجتماع «1» و لزوم تقدم النهي على الأمر «2»، و هو الحق.
و لا بد من تمهيد مقدمة، و هي:
إن ذلك مبني على ما هو المختار في مفادي الأمر و النهي، و كون الأول حقيقة لغة و عرفا في طلب الماهية لا بشرط الوحدة و لا التكرار، و الثاني حقيقة- كذلك- في طلب تركها على سبيل الفور و الدوام و الاستمرار، و على الأمرين‏
__________________________________________________
 (1) راجع معالم الاصول: 93، الوافية: 91.
 (2) راجع الوافية: 97 و 98، قوانين الاصول: 1/ 153.

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 234
جمهور المحققين من علمائنا الأخيار «1».
و حيث قد عرفت ذلك نقول: قوله: (صل) ليس مفاده سوى طلب إيجاد ماهية الصلاة إلى الخارج، من غير التفات إلى خصوصيات المشخصات بالكلية، و إنما اعتبرت في امتثال الأمر المزبور بمحض الاعتبار العقلي من حيث كونها مقدمة لوجودها في الخارج، و لا دخل للفظ فيها إلا باللزوم العقلي الغير المعدود من أقسام الدلالات اللفظية حتى الالتزامية.
و هذا على المختار- من أن الأمر بالشي‏ء لا يقتضي الأمر بمقدمته مطلقا- واضح.
و أما على مذهب المشهور- القائلين بالدلالة- فكذلك؛ لأن المقدمة المأمور بها عندهم ليست إلا قدر ما يحصل به ذو المقدمة، و هو يحصل في تشخص ما، و أقله الواحد «2»؛ التزاما «3»، و يقتضي ذلك- كالقول بأن الأمر حقيقة في الوحدة- كون المأمور به شخصا واحدا التزاما أو تضمنا؛ ليحصل به ماهية المأمور به في الخارج، دون التشخصات كلها و لا المعين منها.
و لا كذلك النهي؛ بناء على ما عرفته من إفادته الدوام و التكرار؛ فإنها تدل على تعلق النهي بالماهية بجميع مشخصاتها- كائنة ما كانت- حتى في محل اجتماع الطبيعتين في الصلاة و الغصب.
و شموله لذلك على طريق الحتم و الجزم، و لو من جهة العموم الاستغراقي المستفاد من مفهوم النهي- على ما هو الفرض- و لا كذلك الأمر؛ فإنه لم يشتمل على هذا بفوريته رأسا، فلا تعارض بين الأمر و النهي فيه.
__________________________________________________
 (1) راجع معالم الاصول: 53 و 92 و 93، الوافية: 75 و 90.
 (2) في ب: (واحدا).
 (3) لم ترد (التزاما) في: الف.

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 235
هذا على المختار، و أما على القولين الأخيرين، فشموله لهذا الفرد ليس على الحتم و الجزم، بل هو على البدلية، و مثله لا يعارض الشمول على الجزم؛ فإنه كالنص، و الشمول البدلي كالظاهر، و حيث حصل التعارض بينهما قدم النص على الظاهر، و لا يلتفت إلى اختلاف الجهة مع إمكان اعتباره عقلا في الجملة- كما قالوه-، إلا النادر فيما إذا كان النسبة بين متعلقي الأمر و النهي عموما و خصوصا مطلقا، مثل قوله عليه السلام: «صم و لا تصم يوم العيد» «1»؛ فإنه لم يقل أحد ممن يعتد به بصحة يوم العيد- لو صيم- و حرمته معا، و إن نقل عن شاذ من غيرنا.
و هذا الذي ذكرنا من عدم التعارض مطلقا على المختار، و كونه من قبيل تعارض العموم و الخصوص مطلقا إنما هو فيما إذا اتسع وقت الواجب المأمور به بحيث تعدد فيه التشخصات إمكانا.
و أما إذا ضاق الوقت، و لم يتسع إلا لشخص واحد، حصل التعارض في ذلك الشخص صريحا؛ تضمنا، و التزاما.
و عندنا و إن لم يحصل التعارض لفظا لكن يستحيل الاجتماع عقلا؛ بناء على أن الأمر بالشي‏ء إنما يصح مع إمكانه، و إيجاد الطبيعة المأمور بها في الخارج لا يمكن إلا في ضمن الفرد و الشخص، و الفرض انحصاره في الواحد، فان شمله النهي- و لو في ضمن العموم- و وجب الانزجار عنه بمقتضى النهي؛ امتنع وجوده.
هذا بناء على أن المانع الشرعي كالمانع العقلي، فيلزم من اجتماعهما في ذلك تكليف ما لا يطاق؛ للأمر بشي‏ء لا يمكن وجوده إلا في شخص لا يمكن الإتيان به؛ للنهي.
__________________________________________________
 (1) الكافي: 4/ 141 الحديث 1، وسائل الشيعة: 10/ 384 الحديث 13651 و 13652 و 515 الحديث 13994- 13996.

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 236
و لذا فرض المسألة و مثالها في الصلاة في المكان المغصوب في سعة الوقت، دون ضيق الوقت؛ لاستحالته قطعا لما عرفت.
و يستحيل الاجتماع أيضا في المثال على القول بإفادة الأمر للتكرار كالنهي؛ لاتحاد الوجه في الاستحالة، و هو لزوم المحذور من التكليف بالمحال.
و حيث لم يجتمعا لا بد من رفع اليد عن الأمر أو النهي؛ فرارا عن ذلك المحذور، و ذلك بالمرجحات الاجتهادية، و حيث تعذرت رأسا لزم التخيير أو الوقف و الرجوع إلى حكم الأصل.
و إنما رجح الأصحاب في المثال- و هو ما اتسع فيه وقت الأمر و النهي- لما عرفت من أنه إما لا تعارض لفظا كما هو المختار، أو كونه من باب العموم و الخصوص، و النص و الظاهر.
و حيث قدموا النهي أفسدوا به المنهي عنه إذا كانت عبادة، كما في المثال أو مطلقا، و لو كانت معاملة، على القول بأن النهي فيها يقتضي الفساد أيضا.
و هذا الذي ذكرنا هو السر في تقديمهم النهي على الأمر في المثال دون العكس «1»، دون ما يقال: من أن في النهي دفع المفسدة و في الأمر جلب المنفعة و دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة؛ لأن هذا شي‏ء لم يقم دليل على إيجابه الترجيح لأحد المتعارضين على الآخر لو انحصر المرجح فيه «2».
مع أن دفع المفسدة و جلب المنفعة حاصلان في كل من النهي و الأمر؛ إذ امتثال النهي و الانزجار عن المنهي عنه كما فيه دفع المفسدة كذا فيه جلب المنفعة؛ لتضمنه الإطاعة للسيد الموجبة لترتب الثواب.
__________________________________________________
 (1) لم ترد (دون العكس) في: ب.
 (2) الوافية: 97.

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 237
و الأمر و إن كان في الإتيان به جلب المنفعة، كذلك فيه دفع المفسدة الناشئة عن المخالفة الحاصلة بترك المأمور به.
فالأمر و النهي متساويان في ذلك، و ان اختلفا في المتعلق من طلب الإيجاد و طلب الترك، كما هو واضح.
و أما ما يقال من أن استحالة اجتماع الأمر و النهي في نحو الصلاة في الدار المغصوبة إنما هي لتضاد الأمر و النهي و التحريم و الوجوب، و تباين فصليهما من عدم جواز الفعل و عدم جواز الترك، و نظيره وارد في الصلاة في الحمام مثلا؛ للنهي عنها و لو كراهة، و بين فصلها و فصل الأمر تباين أيضا، و قد قلتم فيها باجتماع الأمر و النهي، و لا هناك. و ما الفرق بينهما؟
فالجواب أولا: إن المثال المنقوض به التعارض فيه بين الأمر و النهي تعارض العموم و الخصوص المطلق.
و قد عرفت أنه لا خلاف فيه يعتد به في استحالة الاجتماع فيه، بناء على وجوب تقديم النص على الظاهر، و الخاص على العام و عدم جواز اجتماعهما.
و هذا النقض لا يختص بالشيعة المانعين عن اجتماع الأمر و النهي إذا كان بين متعلقهما تباين جزئي، بل يرد عليهم و على الأشاعرة المجوزين لذلك؛ لحصرهم الجواز في المتباينين جزئيا لا المتعارضين عموما و خصوصا «1»، و المثال المنقوض به من القسم الأخير الذي اتفق فيه الفريقان بالمنع عن الاجتماع فيه و لزوم التخصيص.
و قيل في الجواب عن هذا النقض: امور لا تسمن و لا تغني من جوع، و الحق في الجواب- بعون الملك الوهاب- هو أنه: قد عرفت أن المأمور به ليس‏
__________________________________________________
 (1) راجع المستصفى: 1/ 77 ذيل مسألة ما ذكرناه في الواحد بالنوع.

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 238
إلا الطبيعة المحضة المعراة عن خصوصيات التشخصات التي لها مقدمة الوجود.
فمتعلق الأمر شي‏ء بسيط لا تركيب فيه، بخلاف النهي؛ لتعلقه في المثال بالصلاة المقيدة بالوقوع في الحمام، فإذن متعلق النهي أمر مركب من الماهية المتشخصة بوقوعها بالتشخص المخصوص.
و لما كان المطلوب بالنهي الترك، فهو كالسلب، و سلب المركبة لما كان يصح بسلب الجزءين معا أو الأجزاء حيث كانت متعددة، و يحصل «1» بكل من الجزءين أو الأجزاء خاصة، و المنهي عنه في المثال الصلاة المركبة من الماهية.
و قيل: الوقوع في التشخص لم يحصل القطع بتعلق النهي بخصوص الصلاة خاصة، أو مع تشخصها بقيد المعية، و احتمل اختصاصه بخصوص القيد دون المقيد مطلقا، فلم يكن نصا في تعلق النهي بالماهية مطلقا، و حيث لم يحصل يرجع إلى مقتضى الأصل، و هو بقاء طلب الماهية على الرجحان الذاتي و عدم تلوثه بالمرجوحية العرضية إلا من حيث تشخصه الناشئ من إيقاعها في الحمام.
و قد عرفت أن مشخصات الماهية لا دلالة للفظ الأمر عليها بالكلية على المختار، أو بالخصوص على غيره على البدلية.
و حيث كان النهي عن الصلاة في الحمام أعم من تعلقه بالصلاة نفسها أو مع القيد أو تعلقه بخصوص القيد، كان الأصل في الصلاة بقاءها على رجحانها، و اختصاص المرجوحية المفهومة بالشخص، و هو الوقوع في الحمام، و هو أمر خارج عن الماهية المأمور بها، فلم يلزم اجتماع الأمر و النهي في الشي‏ء الواحد الشخصي.
نعم، اجتمعا في أمرين متلازمين، و نحن معاشر الشيعة لم نمنع إلا عن‏
__________________________________________________
 (1) لم ترد (و يحصل) في: الف.

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 239
الاجتماع في الشي‏ء الواحد، لا الأمرين المتلازمين.
نعم، لو انفرد الشخص الموقوف عليه وجود الطبيعة في الخارج و انحصر فيه لزم الاجتماع لفظا، على القول بأن الأمر بالشي‏ء أمر بمشخصاته، أو بالوحدة، و اعتبارا عندنا، نظير ما عرفته في النهي التحريمي.
و لكن الجواب هنا بقبول استحالة الاجتماع و لزوم المصير الى الترجيح.
و لا ريب أن طلب الماهية فيما لو كان الأمر للوجوب- كما إن كانت الصلاة فريضة- أولى بالترجيح بحالة الاختيار و ارتفاع الكراهة رأسا في حالة الاضطرار.
و أما إذا كانت مستحبة فيحتاج في ترجيحه على الكراهة بمرجح، و ليس في النظر الآن، و إذا لم يكن، فالتخيير بين اختيار الصلاة من غير كراهة أو تركها؛ عملا بدليل الكراهة.
فان قلت: إن النهي عن الصلاة في الحمام المتبادر منه تعلق النهي بخصوص الصلاة المقيدة لا بخصوص القيد فجاء المحذور.
قلنا: نعم، لكن المتبادر ظهور ما دل على امتناع المحذور قاطع، و الظاهر يدفع بالقاطع.
و ليس من هذا الباب الصلاة في الدار المغصوبة؛ للقطع بواسطة التبادر، و الإجماع القاطع بتعلق النهي بطبيعة الغصب قطعا و بمشخصاتها نصا على المختار في حال الاختيار من إفادة النهي الدوام و التكرار، فلا يمكن جعل الصلاة في الدار المغصوبة كالصلاة في الحمام، و لا الصلاة في الحمام كالصلاة فيها؛ لصرف النهي فيها إلى الطبيعة خاصة أو مع مشخصاتها كلية؛ للإجماع على أن الكون في الحمام من‏

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 240
حيث أنه كون في الحمام ليس بحرام و لا مكروه، لا بنفسه و لا بمشخصاتها إذا لم يصادف الصلاة.
و بذلك اتضح الجواب المتقدم زيادة اتضاح؛ إذ في السابق اكتفى فيه بعدم معلومية رجوع النهي إلى الصلاة، و دفع احتمال رجوعه إليها بأصل الوضع الذي هو من باب الظنون و الظواهر، و أما هنا فدفعه إنما هو بالإجماع القاطع، و أين هو من الظاهر؟!
و بالجملة؛ الفرق بين المقامين هو أن النهي في الصلاة في الدار المغصوبة تعلق بنفس الفرد من الغصب الموجود في الخارج بشخصه و طبيعته.
و بعبارة اخرى؛ تعلقه بنفس الفرد الموجود في الخارج بذاته و شخصه بخلاف الصلاة في الحمام؛ لتعلقه بذات ذلك الفرد الموجود في الحمام؛ فإن الكون فيه ليس بمنهي عنه، و إنما المنهي عنه خصوصية الكون المشخصة له في الخارج، فيجتمعان و يكون المكلف الآتي بالصلاة فيه ممتثلا للأمر بالصلاة المتعلق بطبيعة الكون المطلق الذي هو جزء الصلاة، و فاعل الكراهة؛ لاختياره ذلك الشخص.
فسبيل هذا سبيل الأمرين المتقارنين «1» المتلازمين في الوجود، مع حصول الأمر بأحدهما، و النهي عن الآخر، كالصلاة الحاضرة الآتي بها في سعة الوقت مع اشتغال ذمته بالفريضة الفائتة فورا- كما هو المختار- عالما عامدا؛ فإن الصلاة الحاضرة المزبورة صحيحة، مع مقارنتها للحرام الناشئ عن النهي عن الترك في الأمر الفوري، و حرمة هذا اللازم المقارن لا يستلزم حرمة نفس الصلاة الحاضرة
__________________________________________________
 (1) في ب: (المتعارضين).

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 241
و لا جزئها.
و منه من قطع طريق الحج على الوجه المحرم مع تمكنه من المباح، أو استعمل الماء من الظرف المغصوب مع تمكنه من استعماله من المباح؛ فإنه و إن فعل حراما لكنه ممتثل في العبادة، و ذلك لاختلاف متعلق الأمر و النهي، و إن كان متعلق النهي مقدمة لوجود المأمور به أو مقارنا له.
و اختلاف المتعلق حاصل في الحمام و إن تقارنا وجودا؛ فإن التشخص ليس عين المأمور به و لا جزءه، بل هو مقدمة للوجود، و قد عرفت أن النهي عن المقدمة لا يوجب النهي عن ذيها.
و لا كذلك الصلاة في الدار المغصوبة؛ فإن النهي فيها لم يتعلق بخصوص التشخص دون المتشخص، بل إلى المتشخص تعلق أولا و بالذات، ثم و إليه مع التشخص «1» لنفس ذلك الفرد الخارجي بذاته نفس الحرام، و أحد أفراده لذاته، فلا يتصور فيه وجه حسن بعد ذلك، فلا يصح أن يصير ذلك مقدمة للصلاة المأمور بها، و ذلك لأن النهي عن المقدمة إنما كان لا ينافي حصول المأمور به معها، و يمنع معه «2» إذا كانت خارجة عنه و إن قارنته أو لازمته؛ لاختلاف المتعلقين ذهنا و خارجا.
و لا كذلك الفرد من الغصب المتحقق فيه جهة الصلاة و الغصب؛ فإنه بعينه و شخصه- لا تشخصه الخارج عنه- منهي عنه.
و لو أثر ذلك لأثر فيما إذا كان بين المتعلقين عموم و خصوص مطلق، و قد عرفت عدم جوازه و الاتفاق عليه.
__________________________________________________
 (1) في الف: (الشخص).
 (2) في ب: (منه).

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 242
فان قلت: لعل ذلك من الجهة التي قدمتها من أن التعارض تعارض النص و الظاهر و لزوم تقدم الأول على الثاني، و مرجعه إلى أمر لفظي، و هو وجوب تقدم النص على الظاهر، و الخاص على العام.
و هذا يستقيم في الصلاة في الدار المغصوبة على القول بأن الأمر بالصلاة يدل على لزوم التشخص من الوحدة مثلا، إما لأنه أمر بها، أو يستلزم الدلالة على لزومها مقدمة، و هذا التشخص المدلول عليه بالأمر لما كان عاما و عارضه النهي عن الفرد الخاص منه قدم عليه.
و أما على مختارك- من أن الأمر لم يفد سوى طلب الطبيعة المعراة عن التشخص- فلا عموم فيه للتشخصات مطلقا؛ إذ لا ظهور للأمر في أصلها رأسا، فلا تعارض للنهي مع هذا الأمر؛ لإمكان حصول هذا المفهوم الكلي المأمور به في ضمن ذلك الفرد المنهي عنه بخصوصه، و يكون ذلك من بعض الأمثلة المتقدمة التي اختار المكلف فيها فعل العبادة المأمور بها في ضمن فرد محرم، و لا قبح فيه صادرا من الحكيم، حيث يكون هناك فرد آخر يمكن حصول المأمور به فيه حلالا.
نعم، فيه سوء اختيار المكلف، و هو لا يوجب رفع الأمر عن أصله، و لا سراية النهي في طبيعة الفرد المأمور به.
قلت: إن الأمر و ان لم يدل على التشخص لفظا بأحد من الدلالات الثلاثة، لكن يدل عليه عقلا، و لذا جعل الأمر بشي‏ء غير مقيد بقيد مطلقا، و إذا وجد مقيد له قيد به، و كل من صفتي الإطلاق و التقييد من صفات الأفراد.
و لذا جعل بعض الفضلاء المطلق على قسمين:
أحدهما: المصطلح عليه، و هو ما دل على حصة شائعة في جنسه، كقوله:

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 243
 (اعتق رقبة) بالتنوين.
و آخر: ما دل على نفس الطبيعة المعراة عن التشخص، مثل قوله: (أعتق الرقبة) بلام الجنس التي هي حقيقة في تعريف الطبيعة.
و لا شك و لا ريب و لا خلاف في أن كلا من الإطلاقين يقبل التقييد بفرد من أفراد الطبيعة، و ليس ذلك إلا من جهة دلالة اللفظ الدال على الطبيعة بالوضع على اعتبار التشخص، و لو تشخص بالاعتبار بقرينة الطلب و التكليف، بناء على استحالة إرادة الطبيعة من حيث هي معراة عن التشخصات لاستحالته؛ فإن الممكن الذي تعلق به التكليف هو الفرد، لا نفس الطبيعة، بل بتوسط التشخص.
و نفينا دلالة الأمر على التشخص- على المختار- إنما المراد نفيه بالدلالة اللفظية المعدة من الأقسام الثلاثة اللفظية، و نفيه كذلك لا يستلزم النفي على الإطلاق.
و لذا لم يفرق المانعون عن الاجتماع فيما إذا كان التعارض بين الأمر و النهي تعارض العموم و الخصوص بين ألفاظ الأوامر الواردة لطلب الطبيعة- ب «اللام»- أو غيرها، و لا بين المذهب في الأمر من كونه حقيقة في نفس الطلب للماهية، أو مع التشخص من الوحدة أو التكرار.
فعلى المذاهب و جميع صور ورود الأمر يصح توصيفه بالإطلاق، و يكون التعارض بينه و بين المقيد تعارض العموم و الخصوص أو النص و الظاهر، فيجري فيه ذلك الجواب على الأقوال من غير احتياج إلى بيان استحالة اجتماع الجهتين و تباينهما، و ان أمكن ذلك أيضا بناء على أن طلب الماهية المستفاد من الأمر إنما هو لحسن المأمور به بذاته، و إنما يتوجه الأمر بذلك بواسطة وجوده في ضمن أشخاصه؛ فإن الطبائع و إن تعلق بها التكاليف بها و صح عندنا، فإنما هو بتوسطه‏

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 244
للأفراد و المشخصات، و إلا فطلب الماهية بدونها لا معنى له.
فلا بد أن يكون المطلوب الماهية بتشخصاتها؛ إذ به يكون مقدورا، و لا تكليف إلا بمقدور، و هو لا بد و أن يكون حسنا ذهنا و خارجا، و لا يتم إلا بفقد النهي رأسا، و هو المراد.
هذا، و يمكن أن يقال بعدم إمكان الاجتماع مطلقا، و لو على القول بعدم إفادة الأمر و النهي سوى طلب الطبيعة و تركها، كما هو ظاهر الأصحاب و غيرهم المتعرضين للمسألة، حيث لم يطرقوها بشي‏ء من الأقوال في مفاد الأمر و النهي بحسب الوحدة و التكرار.
و ذلك؛ لأن المراد بعدم جواز الاجتماع أو جوازه جواز الحكم بحصول المعصية و الامتثال فيما اجتمع فيه الجهتان، و كل منهما عبارة عن إتيان العباد بما كلفوا في الأمر، و من جهته فامتثلوا، و بما نهوا عنه فعصوا.
و كل من الأمرين موقوف على معلومية إرادة السيد ذلك، و لا يمكننا العلم به و لا معرفته الآن إلا بواسطة الألفاظ و دلالتها، و هي ليست ذاتية لها، بل بتوسط اللغوية و العرفية، و معرفتها الآن غالبا بواسطة العرف العام و حكمهم.
و لا شك و لا ريب أن المفهوم المتبادر من قوله: (أكرم العالم) أو (عالما)، بعد قوله: (لا تكرم الفاسق) أو (فاسقا)، أو بالعكس من عدا محل الاجتماع، و هو العالم الغير الفاسق أو الفاسق الغير العالم، حتى لو اجتمعا تخيروا و توقفوا فيما كلفوا، هو الإكرام أو العدم، و لا يجيزون في الحكم البت بالترجيح لأحدهما إلا بمرجح خارجي.
و لم يختلف الحال عندهم في ذلك بين القول المزبور الذي اطلق فيه متعلق‏

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 245
الحكمين المزبورين المتقابلين، و بين ما عمم فيه، كقوله: يجب عليك إكرام كل عالم، و يحرم عليك إكرام كل فاسق، أو قوله: لا تكرم أحدا من الفساق؛ فإنه لا شك و لا ريب في حكمهم بعدم إمكان اجتماعهما في محل واحد باجتماع الجهتين، بل يتوقفون، و لا يحكمون بأحدهما إلا بمرجح خارجي إن حصل، و إلا فيحكمون بالتخيير و الوقف، و العقل يساعدهم هنا أيضا.
فتوارد الأمر و النهي على الفرد لدخوله في مفهوم اللفظ و لو ضمنا، و الأمر و النهي عن الواحد الشخصي، مما يستحيل صدوره عن الحكيم؛ إذ كل عاقل يحكم به، و بأنه لا يجدي تعدد الجهة؛ إذ امتثال الأمر فيه لا يمكن إلا بعد ايجاده، و الإتيان به بشخصه، و هو منهي عنه بخصوصه، و كذلك امتثال النهي فيه لا يمكن إلا بتركه و هو منهي عنه في ضمن الأمر به.
و حيث قد عرفت حكم العقل باستحالة الجمع فيما يتعلق الأمر و النهي فيه عموم استغراقي، ثبت في غيره مما المتعلق فيه عموم اطلاقي طبيعي، و عليه فيدخل العموم طبيعي أو افرادي؛ لعدم القائل بالفرق بينهما؛ لفرضهم المسألة في استحالة اجتماع الأمر و النهي إذا كان بين متعلقهما- من النسب الأربع- التباين الجزئي، و هو متحقق فيما المتعلق فيه فيهما عموم إطلاقي أو استغراقي.
و عليه فيدخل العموم الاستغراقي في محل النزاع، و يلزم القائل «1» بجواز الاجتماع الحكم به في الاستغراقي، فيجوز عنده الحكم بحصول المعصية و الامتثال في العالم الفاسق، و ما أقبحه؛ إذ الامتثال ليس إلا عبارة عن الإتيان بما امر به، و العصيان ليس إلا عبارة عن الإتيان بما نهي عنه، و الإتيان بما امر به- الذي يحصل به الامتثال- كيف يمكن بعد النهي عنه بخصوصه؟! و امتثال عنه بخصوصه‏
__________________________________________________
 (1) في ب: (القول).

                        الرسائل الأصولية، متن، ص: 246
بتركه كيف يمكن بعد الأمر بخصوصه؟!
و إرادة المكلف من المكلف امتثال التكليفين المتقابلين بالفرد بالخصوص- و لو في ضمن الفرد الاستغراقي- عين التكليف بما لا يطاق، الذي يحكم باستحالته كافة العقلاء و يحرم معا عقلا و شرعا، و حيث امتنع الاجتماع فيه و استحال «1» ثبت في غيره بالإجماع.
و سبيل امتناع الاجتماع في هذا الفرد- لما كان شمول التكليفين فيه بالعموم الاستغراقي- سبيل ما كان متعلق الأمر فيه مضيقا محصورا، كالأمر بالصلاة فورا لضيق الوقت أو غيره، فكما أنه مسلم استحالة الاجتماع فيه؛ لاستلزامه التكليف بما لا يطاق من الأمر بشي‏ء لا يمكن الإتيان به لجهة النهي و مانعيته؛ فإن المانع الشرعي كالمانع العقلي، كذا هذا بعينه وارد فيما اجتمع فيه الأمران من الأمر و النهي بالعموم الاستغراقي.
و تخصيص مورد النزاع بغيره مما يأباه إطلاق كلامهم؛ فإنهم لم يفرضوه إلا في الأمر و النهي الذين بين متعلقيهما تباين جزئي.
و قد مر أنه لا فرق في ثبوت التباين الجزئي بين متعلقيهما «2» بين كونهما منساقين في سياق العموم الاطلاقي و الاستغراقي.
و إمكان تخصيص كل بالآخر أوضح دليل على ذلك من التباين الجزئي؛ إذ هو الذي يمكن الحكم بذلك فيه، دون التساوي و التباين الكلي و العموم و الخصوص المطلق.
هذا، و لئن تنزلنا عن ذلك و قلنا بإمكان الجمع في العموم الاستغراقي‏
__________________________________________________
 (1) في ب: (و استحالته).
 (2) في ب: (متعلقهما).
 

                       الرسائل الأصولية، متن، ص: 247
كالاطلاقي، كفانا في الحكم بامتناعه الفهم العرفي المشاهد الوجداني، سيما في العموم الاستغراقي، و إنكاره يكاد أن يلحق بانكار الضروريات.
فإن قلت: إذا أمكن الاجتماع عقلا بين مدلوليهما في محل واحد مع دخوله في عموم كل من المتعلقين لغة و عرفا وجب الحكم به؛ عملا باطلاق اللفظ أو عمومه، و عدم فهم العرف منهما سوى محل الافتراق دون محل الاجتماع لا ينافيه، بعد دخوله في مدلول الأمر و النهي حقيقة لغة «1» و عرفا.
فسبيل ذلك سبيل الإطلاقات المشككة بحسب الأفراد الراجح بعضها على بعض في الاستعمالات بالتبادر و الغلبة، و سائر ذلك من المرجحات.
فرجحان بعض الأفراد بالسبق إلى الذهن دون غيره بمجرد الاستعمال من غير قرينة لا يفيد امتناع ارادة غير الراجح، بل يجعله بحيث لو وجد دليل أو أمارة على إرادته حكم بدخوله، و حصول الامتثال به و إرادته.
فليكن ما نحن فيه من قبيل ذلك «2»؛ إذ غاية كلام الخصم فيه أن العرف لا يفهم من إطلاق متعلق الأمرين من الأمر و النهي سوى محل الافتراق دون محل الاجتماع، و هو لا يوجب الحكم باستحالته فيه، كما أن المتبادر في المطلقات لا يوجب الحكم بنفي غير المتبادر، بل يجتمع مع إمكان إرادته.
و بذلك يفرق بين هذا التبادر و التبادر الحقيقي؛ فإن ذلك يمنع عن إرادة غيره، بخلاف التبادر الإطلاقي؛ فإنه لا يمنع عن غيره.
قلت: أولا؛ إن هذا الكلام لو تم لاختص بما إذا كان المتعلق الأمر مطلقا- إطلاقا طبيعيا أو إفراديا- أما إذا كان عموما استغراقيا، فلا يجري فيه ذلك كما
__________________________________________________
 (1) لم ترد (لغة) في: ب.
 (2) في الف: (من قبيله) بدلا من: (من قبيل ذلك).
    

                    الرسائل الأصولية، متن، ص: 248
يجري في العمومات الاستغراقية؛ فإنها تشمل الأفراد الغالبة و النادرة و المتبادرة و غيرها، و بعد الشمول لجميع الأفراد هنا يحكم العرف بالامتناع، بل العقل أيضا كما عرفت، لا أنه يحكم بارادة محل الافتراق من التكليفين دون محل الاجتماع.
و ثانيا؛ ان نقول: يحكم العرف باختصاص محل الافتراق بالإرادة، دون محل الاجتماع، فيمنع عن إرادته، و لا نقول إنه يحكم بقطعية إرادة «1» محل الافتراق دون محل الاجتماع، و يحتمله حتى يلحقه بالمطلقات.
و ثالثا؛ إنه على تقدير تسليم إلحاقهما بالمطلقات، و إن حالهما حالها في الحكم بقطعية إرادة محل الافتراق، و احتمال إرادة محل الاجتماع.
لكن نقول: إن مجرد احتمال إرادته لا يوجب الجزم بها من جهة اللفظ و كفاية الفرد المقطوع بارادته في حصول الامتثال له، دون الفرد الآخر من محل الاجتماع؛ لإجماله و مرجوحيته.
كما يقال نحو ذلك في المطلقات المشككة الأفراد إذا وقعت في مقام التكليف الإيجابي، و أنه يجب الإتيان بالفرد الراجح منها لفظا دون غيره؛ لإجماله حتى لو أتى به لم يحصل الامتثال.
و قولك: إن إمكان الاجتماع عقلا مع اطلاق اللفظ لغة و عرفا يوجب جواز إرادة محل الاجتماع فيحكم بالحصول به.
قلنا: نمنع أن مجرد الإمكان يوجب الإرادة؛ إذ لا دليل على أن كل ما يجوز إرادته من الإطلاق يلزم إرادته شرعا أو لغة أو عرفا.
نعم، يلزم إرادته؛ إذ مساعدة اللفظ المطلق- و الفرض تشكيك أفراده عرفا، و كون غير المتبادر كالمجمل- لا يجز في الحكم بإرادته من إطلاق اللفظ
__________________________________________________
 (1) لم ترد (إرادة) في: ب.
    

                    الرسائل الأصولية، متن، ص: 249
بمجرده.
نعم، لو وجد دليل أو أمارة دلت على ذلك حكم به، و الفرض عدمهما هنا، و انحصر في اللفظ المطلق، و فرض الاستغراق كما هو أحد أفراد موضع النزاع مما يحكم فيه العرف و العقل باستحالة الاجتماع.
و ما لم يوجد فيه ذلك، بل خصوص الإطلاق قد عرفت اختصاصه بفهم العرف بمحل الافتراق دون محل الاجتماع.
فيبقى الحكم فيه بتحقق الأمر خاليا عن الدليل، و هو كاف في الحكم بالفساد، من غير احتياج إلى النهي عنه بالخصوص و العموم.
و مما ذكرنا ظهر أن الفساد في محل البحث- و هو الصلاة في المكان المغصوب- إنما نشأ من عدم المقتضي للصحة فيه؛ لعدم وضوح الأمر به، مع أن الأصل عدمه.
***

 

 

میرزای قمی

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 321
قانون اختلف العلماء في جواز اجتماع الأمر و النهي في شي‏ء واحد.
و موضع النزاع ما إذا كان الوحدة بالشخص لكن مع تعدد الجهة.
و أما الواحد بالشخص الذي لم يتعدد الجهة فيه، بأن يكون موردا لهما من جهة واحدة، فهو مما لا نزاع في عدم جوازه إلا عند بعض من يجوز التكليف بالمحال «1»، و ربما منعه بعضهم تمسكا بأن هذا التكليف محال، لا انه تكليف بالمحال «2». و لعله نظر الى كون الأمر و الطلب مسبوقا بالإرادة و اجتماع إرادة الفعل و الترك محال.
و أما الواحد بالجنس فهو أيضا مما لا نزاع في جواز الاجتماع فيه بالنسبة الى أنواعه و أفراده، كالسجود لله تعالى، و للشمس و القمر، و إن منعه بعض المعتزلة أيضا نظرا الى جعل الحسن و القبح من مقتضيات الماهية الجنسية «3» و هو في‏
__________________________________________________
 (1) كالأشاعرة الذين جوزوا التكليف بالمحال.
 (2) راجع «المعالم»: ص 246.
 (3) إن المتكلمين اختلفوا في حسن الأشياء و قبحها على قولين: أحدهما أنهما شرعيان، بمعنى أن حسن الشي‏ء بسبب حكم الشارع بكونه حسنا، و قبحه بحكمه بكونه قبيحا فهو عليه السلام لو نهى عن الصوم مثلا لقبح، و لو أمر بالحرام لحسن. نسب هذا القول الى الأشاعرة. و ثانيهما أنهما غير شرعيين بمعنى ان للأشياء في حد أنفسها مصالح و مفاسد واقعيين مع قطع النظر عن جعل الشارع، و إنما الشارع كاشف عنها لا جاعل لها، فيكون الشارع كاشفا لا غير. و اختار هذا القول العدلية و المعتزلة. ثم إنهم اختلفوا على أربعة أقوال: أحدها: أن هذه المصالح و المفاسد ثابتة للأشياء من حيث ذواتها-

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 322
غاية الضعف. و كما أن المخالف الأول أفرط، فهذا قد فرط «1».
ثم إن القول بجواز الاجتماع هو مذهب أكثر الأشاعرة، و الفضل بن شاذان رحمه الله «2» من قدمائنا، و هو الظاهر من كلام السيد رحمه الله في‏
__________________________________________________
- و ماهيتها الجنسية، و اختاره فرقة من المعتزلة. و ثانيها: أنها ثابتة لها من جهة الصفات اللازمة للذات لا تنفك عنها، و اختاره فرقة اخرى منهم. و ثالثها: أن المصالح ثابتة للأشياء من حيث ذواتها، و المفاسد ثابتة لها لا من جهة صفاتها اللازمة. و رابعها: أنها ثابتة لها لا من جهة ذواتها و لا صفاتها الذاتية، بل من جهة صفاتها الاعتبارية الاعتوارية المتبدلة، و نسب هذا القول الى العدلية و الجبائي من المعتزلة، و لكن التحقيق تبعا للسيد المرتضى هو ان بعض الأشياء لذاته علة تامة للمفسدة و القبح كالظلم، و بعضها علة تامة للمصلحة و الحسن كالانقياد، و بعضها علة ناقصة للقبح كالكذب، و بعضها بالوجوه و الاعتبار كالقول الرابع. و يستفاد هذا من المصنف في آخر بحث تقرير المعصوم. فعلى هذا قد يكون ضرب اليتيم الذي واحد جنسي قبيحا باعتبار كونه ظلما، و قد يكون حسنا باعتبار كونه تاديبا. إذا اتضح ذلك فاعلم انه يجوز اجتماع الأمر و النهي في الواحد الجنسي باعتبار الفردين على قول العدلية و الأشاعرة. و أما على الأقوال الثلاثة الباقية فلا يجوز لعدم إمكان تبدل ما هو مقتضى لأحدهما بالذات أو بالصفات اللازمة أو في أحدها ذاك و في الآخر ذلك. و من جميع ذلك ظهر لك معنى المتن المذكور، هذا كما في الحاشية.
 (1) و الفرق بين الافراط و التفريط ان الأول يمكن القول بأنه هو للإسراف و التجاوز عن الحدود بينما الثاني خلافه، و هو التقصير و عدم وصوله الى الحدود.
 (2) قال الميرزا محمد على چهاردهي في الحاشية: إن نسبته القول بالجواز في المسألة الى ابن شاذان ليست على ما ينبغى لأنه ليس مخالفا في المسألة إذ غايته ما التزمه بصحة الصلاة في الدار الغصبي. و صحة الصلاة في الدار الغصبى وجوها: إما ان الصلاة ليست هي الأفعال، بل الهيئة الحاصلة لم يتعلق بها النهي، و إما لأجل إذن الفحوى، و إما لأجل ما قال به جمع من الأخباريين من ان الصلاة حقا في كل أرض، فالصلاة-

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 323
 «الذريعة» «1»، و ذهب إليه جلة من فحول متأخرينا كمولانا المحقق الأردبيلي، و سلطان العلماء «2»، و المحقق الخوانساري، و ولده المحقق، و الفاضل المدقق الشيرواني، و الفاضل الكاشاني، و السيد الفاضل صدر الدين و أمثالهم رحمهم الله تعالى، بل و يظهر من الكليني «3» حيث نقل كلام الفضل بن شاذان في كتاب الطلاق «4» و لم يطعن عليه، رضاه بذلك، بل و يظهر من كلام الفضل أن ذلك كان من مسلمات الشيعة، و إنما المخالف فيه كان من العامة، كما أشار إلى ذلك العلامة
__________________________________________________
- في كل أرض تقع فقد وقعت في محلها، و إما أن نقول أن الكون ليس جزء الصلاة كما نسب الى جمع، و إما أن نقول أن متعلق الأمر الطبيعة و الفرد مقدمة لها و مقدمة الواجب ليست بواجب، و لو سلمنا وجوبها فوجوبها توصلي و الواجب التوصلي يجتمع مع الحرام. و مع هذه الاحتمالات كيف ينسب إليه القول المذكور.
 (1) حيث نقل عنه انه ذهب هاهنا الى صحة الصلاة في الدار المغصوبة، و نقل عنه أيضا بأنه حكم، فصحة الصلاة التي وقعت رياء بمعنى سقوط الفرض بها و إن لم يترتب عليها الثواب، و هذا يدل على جواز اجتماع الوجوب و الحرمة في شي‏ء واحد باعتبار جهتين. هذا كما في الحاشية و لكنك بالرجوع الى «الذريعة» تجد أن السيد في الظاهر له فروع في هذه المسألة، فقد ذكر أيضا أنه لا يرى إجزاء الصلاة في الدار المغضوبة لأن من شرط الصلاة أن تكون طاعة و قربة و كونها واقعة في الدار المغصوبة يمنع من ذلك و قال: و في الفقهاء من يظن ان الصلاة في الدار المغصوبة ينفصل من الغصب و ذلك ظن بعيد. لأن الصلاة كون في الدار و تصرف فيها و ذلك نفس الغصب. هذا و قد عقد في هذه المسألة السيد مبحثا يحسن الرجوع اليه في آخر فصل النهي من «الذريعة»: ص 190- 195 و في مسألة الرياء راجع «الانتصار»: ص 17، «القواعد و الفوائد» للشهيد: 1/ 79 الفائدة الثالثة.
 (2) في حاشيته على «المعالم»: ص 292.
 (3) و يظهر من الكليني رضاه بجواز الاجتماع.
 (4) «فروع الكافي» كتاب الطلاق باب 67 ح 1.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 324
المجلسي رحمه الله في كتاب «بحار الأنوار» «1» أيضا، و انتصر لهذا المذهب جماعة من أفاضل المعاصرين.
و القول بعدم الجواز هو المنقول عن أكثر أصحابنا و المعتزلة، و هذه المسألة و إن كانت من المسائل الكلامية «2»، و لكنها لما كانت يتفرع عليها كثير من المسائل الفرعية، ذكرها الاصوليون في كتبهم، فنحن نقتفي آثارهم في ذلك.
و الذي يقوى في نفسي و يترجح في نظري هو جواز الاجتماع، و قد جرى ديدنهم في هذا المقام بالتمثيل بالصلاة في الدار المغصوبة، فإن المفروض أنها شي‏ء واحد شخصي، و محط البحث فيها هو الكون الذي هو جزء الصلاة، فهذا الكون هو شي‏ء واحد، فإنه هو الذي يحصل به الغصب و يحصل به جزء الصلاة، فهذا الكون شي‏ء واحد له جهتان، فمن حيث إنه من أجزاء الصلاة مأمور به، و من حيث إنه تصرف في مال الغير و غصب، منهي عنه.
لنا على الجواز وجوه:
الأول: أن الحكم إنما تعلق بالطبيعة
على ما أسلفنا لك تحقيقه، فمتعلق الأمر طبيعة الصلاة، و متعلق النهي طبيعة الغصب، و قد أوجدهما المكلف بسوء اختياره في شخص واحد، و لا يرد من ذلك قبح على الأمر، لتغاير متعلق المتضادين «3» فلا يلزم التكليف بالمتضادين، و لا كون الشي‏ء الواحد محبوبا و مبغوضا من جهة واحدة.
فإن قلت: الكلي لا وجود له إلا بالفرد، فالمراد بالتكليف بالكلي هو إيجاد
__________________________________________________
 (1) «البحار»: 80/ 278 كتاب الصلاة.
 (2) إن البحث في المسألة المذكورة هو في اجتماع الوجوب و الحرمة و هما من قبيل المدلول لا الدليل، و في الأصول يبحث عن أحوال الدليل لا المدلول.
 (3) أي الوجوب و الحرمة المتضادين.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 325
الفرد «1» و إن كان متعلقا بالكلي على الظاهر، و ما لا يمكن وجوده في الخارج يقبح التكليف بإيجاده في الخارج.
قلت: إن أردت عدم إمكان الوجود في الخارج بشرط لا، فهو مسلم و لا كلام لنا فيه.
و إن أردت استحالة وجوده لا بشرط، فهو باطل جزما، لأن وجود الكلي لا بشرط، لا ينافي وجوده مع ألف شرط، فإذا تمكن من إتيانه في ضمن فرد فقد تمكن من إتيانه لا بشرط، غاية الأمر توقف حصوله في الخارج على وجود الفرد، و الممكن بالواسطة لا يخرج عن الإمكان و إن كان ممتنعا بدون الواسطة، و هذا كلام «2» سار في جميع الواجبات بالنسبة الى المقدمات، فالفرد هنا مقدمة لتحقق الكلي في الخارج، فلا غائلة «3» في التكليف به مع التمكن عن المقدمات.
فإن قلت: سلمنا ذلك، لكن نقول: إن الأمر بالمقدمة، اللازم من الأمر بالكلي على ما بنيت عليه الأمر «4»؛ يكفينا، فإن الأمر بالصلاة أمر بالكون، و الأمر بالكون أمر بهذا الكون الخاص الذي هو مقدمة الكون الذي هو جزء الصلاة، فهذا الكون الخاص مأمور به، و هو بعينه منهي عنه، لأنه فرد من الغصب «5»، و النهي عن الطبيعة يستلزم النهي عن جميع أفراده و لو كان ذلك أيضا من باب مقدمة الامتثال‏
__________________________________________________
 (1) كما ذهب إليه الحاجبي من أن متعلق التكليف هو الفرد الشخصي فيلزم المحذور.
 (2) أي القول بأن الكلي لا بشرط يمكن التكليف به، لأن لا بشرط يجتمع مع ألف شرط و الممتنع بشرط لا.
 (3) كالتكليف بالاحراق بعد كون إلقاء الحشيش مقدورا للمكلف.
 (4) أي الرأي او الاستدلال و البحث.
 (5) و للمحقق الداماد كلام في هذا المقام في كتاب «السبع الشداد»: ص 68 راجعه.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 326
بمقتضى النهي، فإن مقدمة الحرام حرام أيضا، فعاد المحذور، و هو اجتماع الأمر و النهي في شي‏ء واحد شخصي.
قلت: نمنع أولا وجوب المقدمة، ثم نسلم وجوبه التبعي الذي بيناه في موضعه، و لكن غاية الأمر حينئذ توقف الصلاة على فرد ما من الكون، لا الكون الخاص الجزئي، و إنما اختار المكلف مطلق الكون في ضمن هذا الشخص المحرم.
فإن قلت: نعم، لكن ما ذكرت من كون الأمر بالكلي مقتضيا للأمر بالفرد يقتضي كون كل واحد مما يصدق عليه فرد ما مأمورا به من باب المقدمة أيضا، و الأمر و إن لم يتعين تعلقه بالكون الخاص عينا، لكنه تعلق به تخييرا، فعاد المحذور، لأن الوجوب التخييري أيضا يقبح اجتماعه مع الحرام.
قلت: أما أولا، فهذا ليس بواجب تخييري كما حققنا لك في مبحث الواجب التخييري، و إلا لم يبق فرق بين الواجبات العينية و التخييرية.
و حاصله، أن التخيير في أفراد الواجب العيني بحكم العقل، و وجوب الأفراد فيه تابع لوجوب الكلي، و الأمر في التخييري بالعكس «1»، فوجوب الأفراد في العيني توصلي، و لا مانع من اجتماعه مع الحرام، كما يعترف به الخصم «2».
و ثانيا: إنا نمنع التخيير بين كل ما يصدق عليه الفرد، بل نقول: إذا أمر الشارع بالكلي فإن انحصر في فرد أو انحصر الفرد المباح في فرد، فيصير الفرد و الشخص أيضا عينيا كأصل الكلي، و إلا فإن كان الكل مباحا، فالتخيير بين الجميع، و إلا ففي‏
__________________________________________________
 (1) أي التخيير في أفراد الواجب التخييري بالشرع و وجوب الكلي فيه تابع لوجود الأفراد و قد مر بعض الفروق الأخر و ذلك في قانون الواجب التخييري فلاحظه هناك.
 (2) كصاحب «المعالم».

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 327
الأفراد المباحة، فليس ذلك الفرد الغير المباح مطلوبا، و لكنه لا يلزم منه بطلان الطبيعة الحاصلة في ضمنه، لأن الحرام قد يصير مسقطا عن الواجب في التوصليات، بل التحقيق أن قولهم أن الواجب التوصلي يجتمع مع الحرام على مذاق الخصم «1»، لا بد أن يكون معناه أنه مسقط عن الواجب، لا انه واجب و حرام، كما لا يخفى.
و قد حققنا لك في مقدمة الواجب أن المقدمة التي هي موضع النزاع في الوجوب و عدمه، هي المقدورات المباحة التي كانت من أفعال المكلف، و إلا فقد يصير مقدمة الواجب شيئا غير مقدور، بل من غير فعل المكلف، مثل غسل الثوب الذي حصل من الغير من دون اطلاعه، و قد يكون شيئا حراما و يتم الواجب به.
فغاية الأمر سقوط التكليف هنا بسبب حصول الطبيعة في الخارج، و ذلك لا يستلزم كون المقدمة مطلقا مطلوبا للأمر، و كل واحد مما يمكن أن يتحقق به الواجب، واجبا تخييريا.
نعم، لو فرض انحصار تحقق الصلاة مثلا في الدار المغصوبة، فنحن أيضا نقول بامتناع الاجتماع، فلا بد إما من الوجوب، أو التحريم.
فإن قلت: هذا إنما يتم على القول بوجود الكلي الطبيعي، و هو ممنوع «2».
قلت: مع أن الثابت في موضعه عند المحققين «3» هو الوجود.
__________________________________________________
 (1) القائل بعدم جواز اجتماع الأمر و النهي.
 (2) فوجود الكلي الطبيعي ممنوع بناء على القول بعدم وجوده، و قد اختار هذا المنع جماعة منهم التفتازاني و شارح «المطالع» و عن السيد الشريف و الآمدي.
 (3) و منهم العلامة الطوسي في «التجريد»: ص 60 و «الشمسية» في الفصل الثالث 2/ 290 و صاحب «المطالع» و شارح «المقاصد» و عن الشيخ في «الشفاء».

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 328
قد بينا لك في مسألة تعلق الأمر بالكلي المناص عن ذلك على القول بعدمه أيضا.
فان قلت: القدر المشترك الانتزاعي من الأفراد التي من جملتها المحرم، كيف يجوز طلبه، و كيف يمتاز عن الحرام و يتخلص عنه؟
قلت: إن ماهية الصلاة المنتزعة من الأفراد، هي منتزعة عنها باعتبار أنها أفراد للصلاة لا باعتبار أنها غصب، و المنتزع عنها من هذا الاعتبار هو ماهية الغصب.
الثاني: أنه لو لم يجز ذلك، لما وقع في الشرع و قد وقع كثيرا، منها العبادات المكروهة
، فإن الاستحالة المتصورة إنما هي من جهة اجتماع الضدين، و الأحكام الخمسة كلها متضادة بالبديهة، فلو لم يكن تعدد الجهة في الواحد الشخصي مجديا، للزم القبح و المحال، و هو محال على الشارع الحكيم، مع أن هذا يدل على المطلوب بطريق أولى، إذ النهي في المكروهات تعلق بالعبادات دون ما نحن فيه.
و بعبارة اخرى: المنهي عنه بالنهي التنزيهي أخص من المأمور به مطلقا، بخلاف ما نحن فيه، فإن النسبة بينهما فيما نحن فيه، عموم من وجه.
و من كل ذلك ظهر، أن العقل لا يدل على امتناع الاجتماع في المنهي عنه تحريما أيضا، لو كان أخص من المأمور به مطلقا أيضا، و إن أمكن إثباته من جهة فهم العرف كما سنحققه إن شاء الله تعالى. و لذلك أفرد الاصوليون الكلام في المسألتين، و ما نحن فيه أشبه بالمقاصد الكلامية، و إن كان لإدراجه «1» في المسائل الاصولية أيضا وجه، و لكن المسألة الآتية «2» أنسب بالمسائل الاصولية لابتنائه على‏
__________________________________________________
 (1) الإدراج هو ترتب الفروع الكثيرة من المسائل الفقهية على ما نحن فيه.
 (2) المسألة الآتية أي ما كان المنهي عنه أخص مطلقا من المأمور به نحو: صل و لا تصل في الدار الغصبي.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 329
دلالة الألفاظ، و إن كانت راجعة الى الاصول الكلامية أيضا على بعض الوجوه «1».
فلنرجع الى تحرير الدليل و نقول: معنى قول الشارع: لا تصل في الحمام، و:
لا تتطوع وقت طلوع الشمس، ان ترك هذه الصلاة أرجح من فعلها، كما هو معنى المكروه، مع أنها واجبة أو مستحبة. و معنى الوجوب و الاستحباب هو رجحان الفعل إما مع المنع من الترك، أو عدمه، و رجحان الترك و رجحان الفعل متضادان لا يجوز اجتماعهما في محل واحد.
و قد أجيب عن ذلك «2» بوجوه:
الأول: أن المناهي التنزيهية
راجعة الى شي‏ء خارج من العبادة بخلاف التحريمية بحكم الاستقراء. فالنهي عن الصلاة في الحمام إنما هو عن التعرض للرشاش، و في معاطن «3» الإبل عن إنفار البعير، و في البطائح «4» عن تعرض السيل، و نحو ذلك، فلم يجتمع الكراهة و الوجوب.
و فيه أولا: منع هذا الاستقراء و حجيته.
و ثانيا: أن معنى كراهة تعرض الرشاش، أن الكون في معرض الرشاش مكروه، و هذا الكون هو بعينه الكون الحاصل في الصلاة، فلا مناص عن اجتماع الكونين‏
__________________________________________________
 (1) و بعض الوجوه كالنزاع في دلالة العقل على امتناع الاجتماع في تلك المسألة و عدمه.
 (2) قد أتى صاحب «المدارك» الى هذه المسألة في مبحث كراهة الوضوء بالماء المشمس على سبيل الاجمال فيه 1/ 117. و قوله: عن ذلك أي عن العبادات المكروهة.
 (3) مفردها المعطن و المعطن و هي مبرك الإبل و مربض الغنم حول الماء.
 (4) مفردها البطيحة و هو مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصى.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 330
في كون واحد.
و إن قلت: إن مطلق الكون في معرض الرشاش لا كراهة فيه، إنما المكروه هو التعرض له حال الصلاة.
قلت: إن المعنى حينئذ أن الصلاة في الحمام منهي عنها لكونها معرض الرشاش، فالنهي أيضا تعلق بالصلاة، و عاد المحذور.
و إن قلت: إن مطلق التعرض للرشاش مكروه و النهي عن الصلاة في الحمام لأنه من مقدماته و علله، فيعود المحذور أيضا.
و ثالثا: أن الفرق بين قولنا: لا تصل في الحمام و: لا تصل في الدار المغصوبة، تحكم بحت.
قلنا: إن نقول أن حرمة الصلاة في الدار المغصوبة إنما هو لأجل التعرض للغصب و هو خارج عن حقيقة الصلاة، و اتحاد كون الغصب مع كون الصلاة ليس بأوضح من اتحاد كون التعرض للرشاش مع كون الصلاة.
و رابعا: أن هذا لا يتم في كثير من الحمامات، و في كثير من الأوقات، و تخصيص ما دل على كراهة الصلاة بما لو كان في معرض الرشاش، و الحكم بعدم الكراهة في غيرها أيضا في غاية البعد، و كون العلة و النكتة هو ذلك في أصل الحكم، كرفع أرياح الآباط في غسل الجمعة لا يستلزم كون الكراهة دائما لذلك، كما نشاهد في غسل الجمعة.
هذا كله فيما ورد من الشارع النهي عنه.
و أما في مثل الصلاة في مواضع التهمة «1» مما يكون من جزئيات عنوان هذا
__________________________________________________
 (1) كما في قولهم عليهم الصلاة و السلام: اتقوا من مواضع التهم، و هو من أمثلة هذا القانون.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 331
القانون، فلا يجري فيه هذا الكلام، فلا بد للخصم أن يقول ببطلانها جزما، و لم يعهد ذلك منه، و لا مناص له عن ذلك بوجه، فهذا أيضا يدل على بطلان مذهبه.
الثاني: أن المراد بالكراهة هو كونه أقل ثوابا.،
يعني ان الصلاة في الحمام مثلا أقل ثوابا منها في غيره، و مرادهم أن لمطلق الصلاة مع قطع النظر من الخصوصيات. ثوابا.، و قد يزيد عن ذلك من جهة بعض الخصوصيات كالصلاة في المسجد.، و قد ينقص كالصلاة في الحمام.، و قد يبقى بحاله كالصلاة في البيت.، فلا يرد ما يقال إنه يلزم من ذلك كون جل العبادات مكروهة. لكون بعضها دون بعض في الثواب، فيلزم كراهة الصلاة في مسجد الكوفة مثلا لأنها أقل ثوابا منها في المسجد الحرام ..
و حاصل هذا الجواب «1»: أن مراد الشارع من النهي. أن ترك هذه الصلاة و اختيار ما هو أرجح منها، أحسن.، فاترك الصلاة في الحمام و اختر الصلاة في المسجد أو البيت، و أنت خبير بأن ذلك. أيضا مما لا يسمن و لا يغني، فإن الترك المطلوب المتعلق بهذا الشخص من الصلاة من جهة هذا النهي. لا يجتمع مع الفعل المطلوب من جهة مطلق الأمر بالصلاة.، مع أنك. اعترفت بأن الخصوصية. أوجبت نقصا لهذا الفرد الموجود. عن أصل العبادة، فمع هذه المنقصة إما أن يطلب فعلها بدون تركها، أو تركها بدون فعلها، أو كلاهما، فعلى الأول يلزم عدم الكراهة، و على الثاني عدم الوجوب، و على الثالث يلزم المحذور.
و إن قلت: إن المراد بالنهي ليس هو الطلب الحقيقي، بل هو كناية عن بيان حال الفعل بأنه أقل ثوابا عن غيره، فلا طلب حتى يلزم اجتماع الأمر و النهي.
__________________________________________________
 (1) أي الجواب الثاني الذي ذكره بقوله: الثاني أن المراد بالكراهة ... الخ.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 332
قلت: مع أن هذا تعسف بحت لا يجدي بالنسبة إلى نفس الأمر «1».
فنقول: مع قطع النظر عن دلالة هذا النهي عن طلب الترك، فهل هذا الفعل في نفس الأمر مطلوب الفعل، أو مطلوب الترك، أو مجتمعهما، الى آخر ما ذكرنا، على أنا نقول: ترك الفرد لكونه أقل ثوابا و اختيار ما هو أعلى منه إنما يصح فيما له بدل من العبادات، و أما فيما لا بدل له كالتطوع في الأوقات المكروهة على القول بها، و التطوع بالصيام في السفر أو الأيام المكروهة، فلا يصح ما ذكرت بوجه، لأن كل آن يسع لصلاة ركعتين يستحب فيه ركعتان، و كذلك كل يوم من الأيام يستحب فيه الصيام.
و ما يقال «2»: إن الأحكام واردة على طبق المعتاد و عادة أغلب الناس، بل كاد أن يكون كلهم، عدم استغراق أوقاتهم بالنوافل.
فإن كان المراد منه أنه لم يكلف في هذا الوقت الذي يصلي فيه بدلا عن الصلاة المكروهة بنافلة، و هذا الذي يوقعها فيه هو الصلاة التي كانت وظيفة الوقت المرجوح، فهذا ليس بأولى من أن يقال: إن هذا هو الصلاة التي هي وظيفة هذا الوقت، و لم يكلف في الوقت المكروه بصلاة.
و إن كان المراد أنه لما علم الشارع أنه لا يستغرق أوقاته بالنوافل فقال له:
لا تصل وظيفة هذا الوقت المكروه و صل وظيفة الوقت الآخر، فهذا اعتراف منك‏
__________________________________________________
 (1) و هذا و ما بعده من القول قد أتى على ذكره و الجواب عليه في «الفصول»: ص 131.
 (2) قيل: إن هذا التوجيه من الوحيد البهبهاني، و هو في مقام توجيه كلام المجيب لدفع الايراد المذكور بقوله: إلا ما لا بدل له ... الى قوله: فلا يصح ما ذكرت بوجه. هذا كما ذكر في الحاشية، و قد أجاب عنه في «الفصول»: ص 131 بعد أن نسبه إلى بعض المعاصرين.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 333
بأن الراجح ترك الصلاة المكروهة من دون بدل، مع أن هذا الكلام «1» في مثل صوم يوم الغدير و أول رجب و أيام البيض و الأيام المخصوصة من شعبان و غيرها كما ترى، فإن صوم مثل الغدير الذي يتفق مرة في عرض السنة ليس مما يخالف العادة و يترقبه المؤمنون، بل يتبرك به الفساق، و مع ذلك ينهى عنه الشارع في السفر، و لا يريد منه بدله الذي لا وجود له أصلا، بل لا معنى له مطلقا كما عرفت.
فإن قلت: فما تقولون أنتم في العبادات المكروهة، فهل يترجح فعلها على تركها أو بالعكس؟
قلت: المناهي التي وردت عن العبادات تنزيها كلها، إنما تعلقت بها باعتبار وصفها، و ليس فيها ما تعلقت بذاتها، و إن فرضت تعلقها بذاتها مثل أن تقول: إن قراءة القرآن مكروهة للحائض، على التقريب الذي سنبينه في جعل صلاة الحائض من جملة ما نهي عنه لذاتها، فلا إشكال عندنا في رجحان تركها و مرجوحية فعلها، و لا حاجة فيه إلى تكلف أصلا، و إنما لم نحكم صريحا بكونها كالصلاة، لاحتمال أن يقال: أن المنهي عنه هو قراءة ما زاد على سبع أو سبعين، فيرجع الى النهي باعتبار الوصف أيضا.
و الحاصل، أن المفروض إن كان المتعلق بالذات فقد عرفت، و إلا فلنا أن نقول برجحان الفعل على الترك، و بالمرجوحية، و لا إشكال في أحد منهما، فإن العقل لا يستبعد من أن يكون لأصل العبادة مع قطع النظر عن الخصوصيات رجحان، و للخصوصية التي تحصل معها في فرد خاص مرجوحية من جهة تلك‏
__________________________________________________
 (1) أي الكلام الذي في توجيه كلام المجيب لا يجري في مثل صوم يوم الغدير. هذا كما في الحاشية.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 334
الخصوصية، و هذه المرجوحية قد توازي الرجحان الثابت لأصل العبادة و تساويه أو تزيد عليه أو تنقص عنه.
فعلى الأول يصير متساوي الطرفين، و على الثاني يصير تركه راجحا على فعله، و على الثالث بالعكس، ففيما له بدل من العبادات كالصلاة في الحمام، فلا إشكال، لأن النهي عن الخصوصية لا يستلزم طلب ترك الماهية، فنختار غير هذه الخصوصية سواء فيه الأقسام الثلاثة المتقدمة «1».
و أما فيما لا بدل له كالصيام في الأيام المكروهة و النافلة في الأوقات المكروهة، فنقول: هي إما مباحة أو مكروهة على ما هو المصطلح، فيكون تركه راجحا على فعله، بل الثاني هو المتعين هناك لئلا يخلو النهي عن الفائدة على ظاهر اللفظ، فيغلب المرجوحية الحاصلة بسبب الخصوصية على الرجحان الحاصل لأصل العبادة و يرفعه، و لذلك كان المعصومون عليهم السلام يتركون تلك العبادات و ينهون عنها، و إلا فلا معنى لتفويتهم عليهم السلام تلك الرجحان و المثوبة على أنفسهم و على شيعتهم بمحض كونها أقل ثوابا من سائر العبادات، سيما إذا لم يتداركه بدل كما عرفت في دفع التوجيه المتقدم «2».
فإن قلت: فكيف يمكن بها نية التقرب، و كيف يصير ذلك عبادة «3»، مع أن العبادة لا بد فيها من رجحان جزما؟
__________________________________________________
 (1) أعني المرجوحية المتساوية و الزائدة و الناقصة كلها متساوية في عدم الاشكال من جهة توجه النهي الى البدل و توجه الأمر الى الطبيعة المحققة في ضمن البدل.
 (2) في قوله: و ما يقال إن الاحكام واردة على طبق المعتاد ... الخ إذ إنه ذكر هناك عدم البدل و عدم التدارك في مثل صوم يوم الغدير.
 (3) و كأنه للبهبهاني في «فوائده»: ص 168.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 335
قلت: إن القدر المسلم في اشتراط الرجحان إنما هو في أصل العبادات و ماهيتها، و أما لزوم ذلك في جميع الخصوصيات، فلم يثبت.
و أما قصد التقرب، فهو أيضا يمكن بالنسبة الى أصل العبادة و إن كان لم يحصل القرب لعدم استلزام قصد التقرب حصول القرب، و إلا فلا يصح أكثر عباداتنا التي لا ثواب فيها أصلا لو لم نقل بأن فيها عقابا من جهة عدم حضور القلب و وقوع الحزازات «1» الغير المبطلة على ظاهر الشرع فيها، مع أن قصد التقرب لا ينحصر معناه في طلب القرب و الزلفى و الوصول الى الرحمة، فإن من معانيه موافقة أمر الآمر، فهذه العبادة من حيث إنها موافقة لأمر الآمر يمكن قصد التقرب بها و إن لم يحصل القرب بها من جهة مزاحمة منقصة الخصوصية، أ لا ترى أن الإمام موسى بن جعفر عليهما الصلاة و السلام كان يترك النوافل إذا اهتم أو اغتم «2» كما ورد في الروايات «3»، و أفتى بمضمونه في «الذكرى» «4»، فترك التكلم و المخاطبة مع الله سبحانه متكاسلا و متشاغلا أولى من فعله، و لذلك ارتكبه الإمام عليه السلام، و لو كان مع ذلك فيه رجحان، لكان تركه بعيدا عن مثله، سيما متكررا و سيما في مثل الرواتب المتأكدة غاية التأكيد المتممة للفرائض، و مع ذلك فلا ريب في صحتها لو فعل بهذه الحالة، و جواز قصد التقرب بها.
__________________________________________________
 (1) جمع الحزازة و هي لغة الوجع في القلب من غيظ و نحوه، و يبدو أن المراد به هنا الخيالات الجارية في القلب.
 (2) قيل ان الغم هو الحزن لما مضى، و الهم هو الحزن لما سيأتي و قيل هما بمعنى واحد، و قيل هما كالفقير و المسكين إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا.
 (3) و يمكن الرد بأنه يمكن انه كان يشتغل بما هو أهم من ذلك المندوب.
 (4) فقال فيه 2/ 313: قد تترك النافلة لعذر، منه: الهم و الغم.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 336
و أما الفرائض، فعدم جواز تركها مع ذلك فإنما هو لحماية الحمى، و لئلا يفتح سبيل تسويل النفس و مكيدة الشيطان فيما هو بمنزلة العمود لفسطاط «1» الدين، فإن أكثر أحكام الشرع من هذا الباب، كتشريع العدة مطلقا، و إن كان العلة فيها عدم اختلاط الأنساب. فلعل صورة العبادة تكفي في صحة قصد التقرب ما لم يثبت له مبطل من الخارج، و إن لم يكن مما يحصل له ثواب في الخارج، فحينئذ فإن ورد في أمثال هذه العبادات المكروهة معارض، فلا بد من طرحها كما ورد في بعض الأخبار الضعيفة أن الإمام عليه السلام صام في السفر في شعبان، مع أنه ليس بصريح في كونه مندوبا، بل ربما كان منذورا بقيد السفر أو غير ذلك من الاحتمالات، فأما لا بد من نفي الكراهة فيما لا بدل له، أو من القول برجحان تركه مطلقا. و الأظهر في صوم السفر الكراهة، و في التطوع في الأوقات المكروهة العدم، ففيما يثبت الكراهة، فالكلام فيه ما مر، و فيما لم يثبت، فلا إشكال.
الثالث «2»: أن المراد بكراهة العبادات مرجوحيتها بالنسبة الى غيرها من الأفراد،
و سماه بعضهم بخلاف الأولى «3»، فرجحانها ذاتية و المرجوحية إضافية و لا منافاة بينهما كالقصر في المواطن الأربعة، فهو مرجوح بالنسبة الى التمام مع كونه أحد فردي الواجب المخير.
و كما أنه يجتمع الوجوب النفسي مع الاستحباب للغير كاستحباب غسل الجنابة
__________________________________________________
 (1) الفسطاط اسم للخيمة، و في «مجمع البحرين» هو البيت من الشعر فوق الخباء.
 (2) و هذا هو الجواب الثالث و قد نسب الى المحقق البهبهاني. راجع «فوائده»: ص 170.
 (3) الأولى عبارة عن الشي‏ء الذي إتيانه يوجب القرب و الزلفى و زيادة الدرجة و لا يوجب تركه المنقصة في الدين، و لذا قيل أو قالوا بأن المعصوم يرتكب خلاف الأولى.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 337
للصلاة المندوبة على القول بوجوبه لنفسه، و كذلك الوجوب الغيري مع الاستحباب النفسي على القول الآخر، فكذا يجتمع الرجحان الذاتي مع الكراهة للغير، كصلاة الصائم مع انتظار الرفقة. و المكروهات للغير كثيرة، مثل الاتزار فوق القميص للصلاة و مصاحبة الحديد البارز لها و نحوهما.
و فيه: أن المراد بالمرجوحية الإضافية إن كان مع حصول منقصة في ذاتها أيضا يستحق الترك بالنسبة الى ذاتها أيضا، فيعود المحذور، و إلا فيصير معناه كون الغير أفضل منه و أرجح.
و حينئذ فنقول: ذلك الغير ربما يكون مما يوازي أصل الطبيعة في الثواب فيصير ما نحن فيه مرجوحا بالنسبة الى أصل الطبيعة أيضا، فيحصل بذلك لهذا الفرد أيضا منقصة ذاتية.
لا يقال: أن هذه المنقصة إنما هي من جهة الخصوصية لا من جهة أصل العبادة، لأن ذلك خلاف أصل المجيب «1»، فإن مبناه عدم اعتبار تعدد الجهة.
ثم إن الكلام لا يتم في غير هذه الصورة أيضا، أعني ما كان مرجوحا بالنسبة الى سائر الأفراد التي لها مزية على أصل الطبيعة، و لا يجدي ما ذكره المجيب، إذ نقول حينئذ بعد تسليم كونه راجحا بالذات و مرجوحا بالنسبة الى الغير، فإما أن يكون فعل ذلك مطلوبا، أو تركه أو كلاهما، الى آخر ما ذكرنا في رد الجواب الثاني «2».
__________________________________________________
 (1) و هو جواب لقوله: لا يقال حاصله ان المرجوحية في صلاة الحمام مثلا للفرد من حيث هو بالنسبة الى الصلاة. و القول بأن الطبيعة الموجودة فيه راجحة و إن كان في خصوصية الفرد مرجوحة، خروج عن مقتضى مذهب المجيب من عدم اعتبار تعدد الجهة، و رجوع الى مختار المصنف، هذا كما في الحاشية.
 (2) و هو حمل المكروه على أن المراد منه هو كونه أقل ثوابا.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 338
فإن قلت: مطلوب فعله لذاته و مطلوب تركه من جهة أنه مفوت للمصلحة الزائدة الحاصلة في الغير، فقد كررت على ما فررت عنه، فإن المطلوب شي‏ء واحد و لا يعتبر عندك تعدد الجهة.
فإن قلت: لما جاز الفعل و الترك معا فلا يلزم التكليف بالمحال.
قلت: إنا نتكلم فيما لو أراد الفعل و اختار الفرد المرجوح، و جواز الفعل و الترك لا يجوز اجتماع المتضادين في صورة اختياره، و هو واضح، مع أنه لا فارق بين قولنا: لا تصل في الدار المغصوبة، و: لا تصل في الحمام، فاعتبر فيه الرجحان الذاتي و المرجوحية الإضافية أيضا.
و ما يقال: إن الفارق أن الصلاة ثمة عين الغصب، و هاهنا «1» غير الكون في الحمام، مع ما فيه من التكليف الواضح، و إن ذلك إنما هو بعد تسليم أن الاتحاد في الوجود الخارجي يوجب ارتفاع الاثنينية في الحقيقة.
يرد عليه: أن ذلك مبني على الخلط بين ما عنون به القانون و بين ما سيجي‏ء فيما بعد، فالنهي ثمة تعلق بالصلاة في الدار المغصوبة لا بالصلاة لأنها غصب بعينها و الغصب منهي عنه، و الذي ذكرناه من النقض إنما كان من باب الأولوية و الاكتفاء بلزوم اجتماع المتنافيين مطلقا، و ليس مثالنا في العبادة المكروهة مطابقا للمبحث في النوع.
و لزم مما ذكرنا، القول بذلك فيما لو كان المنهي عنه أخص من المأمور به أيضا، و إن شئت تطبيق المثال على المقامين فطابق بين قولنا: صل و لا تغصب، و بين قولنا: صل و لا تكن في مواضع التهمة، و طابق بين قولنا: لا تصل في الحمام، و:
__________________________________________________
 (1) أي في صل و لا تصل في الحمام.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 339
لا تصل في الدار المغصوبة، فإن كنت تقدر على أن تقول: إن المرجوحية في الصلاة في مواضع التهم إضافية بالنسبة إلى غيرها في المثال الأول، فنحن أقدر بأن نقول: مرجوحية الصلاة في الدار الغصبية إضافية بالنسبة الى الصلاة في غيرها في المثال الثاني.
و النقض الأول الذي أوردناه «1» في الاستدلال إنما هو بالفقرة الأولى من المثال الثاني «2» على الفقرة «3» الأولى من المثال الأول.
و المعارضة التي ذكرناها في دفع جوابك إنما هو بالفقرة الثانية من المثال الثاني بالنسبة الى ما ذكرته في الفقرة الأولى منه.
و ما دفعت به المعارضة «4» يناسب لو أردنا بالمعارضة، المعارضة بالفقرة
__________________________________________________
 (1) و هو ما ذكره سابقا بقوله: الثاني انه لو لم يجز ذلك لما وقع في الشرع، و قد وقع كثيرا، منها العبادات المكروهة.
 (2) قال في الحاشية: لا يخفى أن المثال الثاني مجموع قوله: لا تصل في الحمام و لا تصل في الدار المغصوبة، و لكن لفظ صل في الموضعين مطوي فيكون الفقرة الأولى منه عبارة عن قوله: لا تصل في الحمام، و الفقرة الثانية منه عبارة عن قوله: لا تصل في الدار المغصوبة.
 (3) لفظ على متعلق على النقض المراد من المثال الأول هو مجموع قوله: صل و لا تغصب، و صل و لا تكن في مواضع التهم.
 (4) في الحاشية: ان ما ذكره من جانب المجيب بقوله: ما يقال ان الصلاة ثمة عين الغصب ... الخ. محصل المقام هو ان ما ذكرت في دفع المعارضة إنما يناسب و يتجه لو أريد بالمعارضة المذكورة من المثال الأول، أعني قوله: صل و لا تغصب على الفقرة الأولى من المثال الثاني، أعني صل و لا تصل في الحمام، فحينئذ يصح أن يقال ان الصلاة عين الغصب بخلاف الكون في الحمام، و ليس كذلك، لأن المعارضة إنما هي-

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 340
الأولى من المثال الأول بالنسبة الى الفقرة الأولى من المثال الثاني.
قوله: و كما أنه يجتمع ... الخ «1».
فيه: أنه رجوع عن أول الكلام «2»، فإن المرجوحية بالنسبة الى الغير غير المرجوحية للغير «3»، و كذلك الوجوب و الاستحباب، و قد اختلطا في هذا المقام، و يشهد به التشبيه بالغسل و التمثيل بالاتزار، مع أن الكلام في الواجب النفسي و الغيري أيضا هو الكلام فيما نحن فيه، و هو أيضا من المواضع التي أشرنا الى ورودها في الشرع بملاحظة اعتبار الجهة، و لا يصح ذلك إلا بهذه الملاحظة، مع أن الاستحباب النفسي على القول بالوجوب لغيره إنما هو إذا لم يدخل وقت مشروط بالطهارة، و بعد دخوله فيجب للغير، فيختلف الزمان.
__________________________________________________
- بين الفقرتين من المثال الثاني أعني لا تصل في الحمام و لا تصل في الدار المغصوبة.
حاصل الكلام ان ما عارضناك إنما هو فيما لو كان المنهي عنه بنهي التحريمي أخص مطلقا من المأمور به، و الذي ذكرته في دفع المعارضة لو تم إنما يناسب فيما لو كان المنهي عنه أعم من وجه من المأمور به، هذا هو الخلط بين المقامين.
 (1) و هو من قوله في إجابة الوجه الثالث المذكور آنفا ص 314.
 (2) أول كلام المجيب هو أن يكون الرجحان بالذات و المرجوحية بالنسبة الى الغير مثل الصلاة في الحمام بالنسبة الى الصلاة في البيت.
 (3) اي المرجوحية بالنسبة الى الغير و المرجوحية للغير كما اختلط الغيري مع ما للغير في كلام المصنف حيث عبر بلفظ المرجوحية للغير و شبه بها الوجوب و الاستحباب في الغسل، و ظاهر التشبيه كونهما من باب واحد و ان العطف تفسيري، هذا كما في حاشية. و في أخرى ذكر ان هذا تعليل لقوله انه رجوع عن أول الكلام. و حاصله ان كلام المجيب أولا في المرجوحية بالنسبة الى الغير و قد رجع عنه و قال بالمرجوحية للغير و لا ريب ان الثاني غير الأول.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 341
و أما على القول الآخر «1»، فالاستحباب الغيري معناه أنه يستحب أن يكون هذا الفعل في حال كون المكلف مغتسلا، لا انه يستحب الغسل له، إلا أن يقال:
استحباب الفعل في حال الغسل لا يتم إلا بالغسل، و ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، فيستحب الغسل.
فالمناص هو اعتبار تعدد الجهة و إلا فلا يصح التكليف، لأن المكلف به على مذهب المجيب هو الفرد، و هو شي‏ء واحد شخصي لا تعدد فيه أصلا.
و من المواضع التي ذكرناها هو الصلاة في المسجد، فإن المستحب و الواجب أيضا متضادان، و كذلك أفضل أفراد الواجب التخييري، فإنه واجب من حيث كونه فردا من الكلي، و مستحب من حيث الشخص.
و ما أدري ما يقول المجيب هنا قبالا لما ذكره في الفرد المرجوح، اللهم إلا أن يقول: الفرد الأفضل راجح بالنسبة الى الفرد الآخر و إن كان فاقدا لذلك الرجحان، و المزية الموجودة في الأفضل بالنظر الى أنه أحد فردي المخير لا بالنسبة الى ذاته، فحينئذ يخرج عن المقابلة.
و منها: ما ورد في الأخبار الكثيرة و أفتى به الفقهاء من تداخل الأغسال الواجبة و المستحبة، و كذلك الوضوءات و نحو ذلك. و اضطرب فيه كلام الأصحاب في توجيه هذا المقام، و ذهب كل منهم الى صوب، و الكل بعيد عن الصواب.
و أما على ما اخترناه فلا إشكال، و قد بينا ذلك في كتاب «مناهج الأحكام» «2».
__________________________________________________
 (1) بكون غسل الجنابة واجبا لنفسه و مستحبا لغيره.
 (2) و هو كتاب للمصنف في الفقه.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 342
الثالث: أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب و نهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان، فإنا نقطع أنه مطيع عاص لجهتي الأمر بالخياطة و النهي عن الكون «1».
و أجيب عنه: بأن الظاهر في المثال المذكور إرادة تحصيل خياطة الثوب بأي وجه اتفق سلمنا، لكن المتعلق فيه مختلف، فإن الكون ليس جزء من مفهوم الخياطة بخلاف الصلاة سلمنا، لكن نمنع كونه مطيعا و الحال هذه، و دعوى حصول القطع بذلك في حيز المنع، حيث لا نعلم إرادة الخياطة كيفما اتفقت «2».
و فيه «3»: أن هذا الكلام بظاهره مناقض لمطلب المجيب «4» من تعلق الحكم بخصوصية الفرد، فإن إرادة الخياطة بأي وجه اتفق، هو معنى كون المطلوب هو الطبيعة.
و أيضا فإنما الكلام في جواز اجتماع الأمر و النهي في نفس الأمر عقلا و عدمه، و الظهور من اللفظ لا يوجب جوازه إذا كان مستحيلا عقلا، اللهم إلا أن يقال: مراد المجيب، أن وجوب الخياطة توصلي، و لا مانع من اجتماعه مع الحرام، و هذا معنى قوله: بأي وجه اتفق.
و فيه: ما أشرنا من أن المحال وارد على مذهب المجيب في صورة الاجتماع، توصليا كان الواجب أو غيره. نعم يصير الحرام مسقطا عن الواجب، لا ان الواحد يصير واجبا و حراما، و ليس مناط الاستدلال نفس الصحة بأن يتمسك بها في‏
__________________________________________________
 (1) الوجه الأول فيما احتج فيه المخالف نقله في «المعالم»: ص 247.
 (2) و هذا الجواب في «المعالم»: ص 248.
 (3) جواب عن الايراد الأول.
 (4) و هو صاحب «المعالم».

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 343
جواز الاجتماع حتى يجاب بالانفكاك في التوصلي، و يقال بأنه صحيح من أجل إسقاط الحرام، ذلك لا لجواز الاجتماع، فلا يدل مطلق الصحة على جواز الاجتماع مطلقا، بل مناطه أن الامتثال العرفي للأمر بنفسه شاهد على جواز الاجتماع.
و كلام المستدل من قوله: مطيع عاص من جهتي الأمر و النهي، صريح في أن حصول الإطاعة من جهة موافقة الأمر، لا لأن الحرام مسقط عن الواجب. فلا فائدة في هذا الجواب «1».
و بالجملة، فالقول باجتماع الواجب التوصلي مع الحرام على مذهب المجيب إنما يصح إذا أريد به سقوط الواجب عنه بفعل الحرام.
و أما على المذهب المنصور، فيصح بإرادة ذلك و إرادة حصول الإطاعة من جهة كونه من أفراد المأمور به في بعض الأحيان أيضا.
هذا كله مع ما ذكرنا من أن وجوب الفرد من باب المقدمة، فيكون هو أيضا توصليا، سيما و محل البحث الذي هو الكون الذي هو جزء الصلاة، وجوبه بالنسبة الى أصل الصلاة توصلي كما ذكرنا في مقدمة الواجب.
نعم، قد يحصل للجزء وجوب غيري أيضا كما أشرنا في ذلك المبحث، و بسببه يختلف الحكم.
قوله «2»: فإن الكون ليس جزء من مفهوم الخياطة «3».
فيه: أن إنكار كون تحريك الأصبع و إدخال الإبرة في الثوب و إخراجه عنه،
__________________________________________________
 (1) و هو الجواب الذي قد ذكره بقوله: اللهم إلا أن يقال ... الخ.
 (2) جواب عن الايراد الثاني.
 (3) و هذا الكلام لصاحب «المعالم» فيه ص 248.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 344
جزء للخياطة، و الفرق بينه و بين حركات القيام و الركوع و السجود مكابرة، و لعله حمل الكون في كلام المستدل على خصوص الكون الذي هو من لوازم الجسم، فإنه هو الذي يمكن منع جزئيته، كما يمكن منع ذلك في الصلاة أيضا.
و لا ريب أن مراد المستدل المنع من جميع صور الكون في هذا المكان، أو ما يشتمل عليه الخياطة لينطبق على مدعاه.
قوله «1»: حيث لا نعلم إرادة الخياطة كيفما اتفقت «2».
فيه: أن أهل العرف قاطعون بأنه ممتثل حينئذ، و لو عاقبة المولى على عدم الامتثال من جهة الخياطة، لذمه العقلاء أشد الذم، و لكن لو عاقبه على الجلوس في المكان، لم يتوجه عليه ذم.
نعم، لو علم أن مراده الخياطة في غير هذا المكان، و أن الخياطة في هذا المكان ليست مطلوبة، لكان لما ذكره وجه «3».
و أما بمجرد عدم العلم بإرادة الخياطة كيفما اتفقت، فمنع الامتثال بعد ملاحظة فهم العرف، مكابرة، و مع ذلك كله فذلك مناقشة في المثال. فلنمثل بما ذكره بعض المدققين «4» بأمر المولى عبده بمشي خمسين خطوة في كل يوم، و نهاه عن الدخول في الحرم، فإذا مشى المقدار المذكور الى داخل الحرم، يكون عاصيا مطيعا من الجهتين.
__________________________________________________
 (1) جواب عن الايراد الثالث.
 (2) و هو لصاحب «المعالم» أيضا ص 248.
 (3) قال في «التوضيح»: لا يخفى ان هذا إنما هو بملاحظة فهم العرف و إلا فلا استحالة عقلا في كون المكلف مطيعا و عاصيا هنا أيضا لجهتي الأمر و النهي. كذا أفاد سلمه الله في الدرس كما قال، انتهى.
 (4) قيل إنه أراد به المدقق الشيرواني.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 345
احتجوا «1»: بأن الأمر طلب لإيجاد الفعل، و النهي طلب لعدمه، فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع، و تعدد الجهة غير مجد مع اتحاد المتعلق، إذ الامتناع إنما نشأ من لزوم اجتماع المتنافيين في شي‏ء واحد، و ذلك لا يندفع إلا بتعدد المتعلق، بحيث يعد في الواقع أمرين، هذا مأمور به، و ذلك منهي عنه، و من البين أن التعدد في الجهة لا يقتضي ذلك «2»، و الكون الحاصل في الصلاة في الدار المغصوبة شي‏ء واحد و يمتنع أن يكون مأمورا به و منهيا عنه، فتعين بطلانها.
و أيضا، كيف يجوز على الله تعالى أن يقول للمصلي إذا أراد الصلاة في الدار المغصوبة: لا تركع فإذا ركعت لعاقبتك، و يقول أيضا: اركع هذا أو غيره و إلا لعاقبتك.
أقول: و يظهر الجواب عن ذلك بالتأمل فيما مر «3»، و نقول هاهنا أيضا.
قوله: فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع إن أراد ان الأمر بالصلاة من حيث إنه هو هذا الفرد الذي بعينه هو الغصب، و النهي عن الغصب الذي بعينه هو الكون الحاصل في الصلاة ممتنع الاجتماع، فهو كما ذكره، لكن الأمر و النهي لم يردا إلا مطلقين.
و الحاصل، أن جهتي الأمر و النهي هنا تقييديتان لا تعليليتان «4» كما أشار إليه‏
__________________________________________________
 (1) القائلون بعدم جواز اجتماع الأمر و النهي و منهم صاحب «المعالم».
 (2) و هذا الكلام إلى هنا في «المعالم» ص 247 و ما بعده أيضا له و لكن بتصرف من المصنف.
 (3) و هو تعلق الأمر و النهي في الطبيعة لا بالفرد فلا قبح من طرف الأمر.
 (4) قال في الحاشية: قيل: ان المراد من التقييدية ما كان مكثرا للموضوع و منوعا لمتعلق الحكم بجعل الجهة قيدا فيه، مثل أكرم العالم فلا تكرم الفاسق، فإذا اجتمع العنوانان في محل واحد مثل زيد العالم الفاسق كانت الجهة تقييدية. و المراد من التعليلية ما كان علة للحكم في موضوعه الواحد الشخصي، مثل أكرم زيدا لأنه عالم و لا تكرمه لأنه-

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 346
بعض المحققين «1»، و ما ذكره من عدم إجداء تعدد الجهة، ممنوع.
قوله «2»: بحيث يعد في الواقع أمرين.
إن أراد بذلك لزوم تعددهما في الحس، ففيه منع ظاهر.
و إن أراد مطلق التعدد، فلا ريب أنهما متعددان، و لم ينتف إحدى الحقيقيتين في الخارج بسبب اتحاد الفرد، و لم يصيرا شيئا ثالثا أيضا، بل هما متغايران في الحقيقة متحدان في نظر الحس في الخارج، و ذلك كاف في اختلاف المورد، و قد عرفت ورودها في الشرع في غاية الكثرة، فإن الجنب الذي يغتسل يوم الجمعة غسلا واحدا عن الجنابة و الجمعة، يجوز ترك هذا الغسل له من حيث إنه جمعة، و لا يجوز تركه من حيث إنه جنابة، و لا تعدد في الخارج في نظر الحس مطلقا.
و كذلك المكروهات و غيرها مما مر.
__________________________________________________
- فاسق. و الحاصل، أن مرجع كون الأمر و النهي تقييديتين الى تعلق الأحكام بالطبائع، و مرجع كونها تعليليتين الى تعلقها بالأفراد، ففي الأخير يمتنع اجتماع الأمر و النهي لأنه أمري دون الأول لأنه أمر مأموري.
 (1) و هو سلطان العلماء في حاشيته على «المعالم» ص 292 و لربما من المناسب ذكره ما أفاده المحقق الداماد حيث قال في كتابه «السبع و الشداد» ص 68: إن الوجوب و الحرمة من الأمور المتضادة و الحيثيات المتقابلة بالذات، فلا يصح اجتماعهما في ذات فعل واحد بالشخص كهذا الكون في هذا المكان بحيثيتين تعليليتين لكونه جزءا من الصلاة المأمور بها، و كونه تصرفا عدوانيا في الدار المغصوبة، بل لا بد من اختلاف حيثيتين تقييديتين يجعل أولا نفس ذلك الكون الشخصي الموصوف بالوجوب و الحرمة كونين ثم يعرض الوجوب الحرمة لهما من تلقاء الاستناد إلى تينك الحيثيتين التقييديتين. انتهى.
 (2) في «المعالم»: ص 247.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 347
قوله: و أيضا كيف يجوز ... الخ.
قد عرفت أن الشارع لا يقول له: لا تركع، و لا: اركع هذا، أو غيره، بل يقول: لا تغصب. و يقول: اركع، و لا يقول: اركع هذا الركوع، لما مر أن التخيير اللازم باعتبار وجوب المقدمة إنما هو بالنسبة الى الأفراد المباحة.
نعم ذلك مسقط عن المباح كما أشرنا. و التكليف «1» الباقي في حال الفعل على تسليم تعلقه حال الفعل إنما هو بإتمام مطلق المكلف به لا مع اعتبار الخصوصية و بشرطها، فلا يرد أنه يستلزم مطلوبية الفرد الخاص.
فإن قلت: إن الحكيم العالم بعواقب الامور، المحيط بجميع أفراد المأمور به، كيف يخفى عليه هذا الفرد، فإذا كان عالما به فمقتضى الحكمة أنه لا يريده، فلا يكون من أفراد المأمور به، فيكون باطلا.
قلت: لعل هذا البحث استدراك من أجل ما ذكرنا «2» من كون دلالة الواجب على مقدماته تبعيا و من باب الإشارة، و إن محاورات الشارع على طبق محاورات العرف، و المعتبر في الدلالة هو المقصود من اللفظ، و هو استدراك حسن.
__________________________________________________
 (1) جواب عن سؤال مقدر، تقديره ان التكليف الباقي بالفعل بعد الشروع فيه على القول ببقائه بعد الشروع الى الفراغ عنه، و عدم سقوطه بمجرد الشروع يستلزم مطلوبية هذه الصلاة بخصوصها المنهي عنها، فعاد المحذور. و ملخص الجواب ان التكليف الباقي بعد الشروع في هذه الصلاة إنما هو باتمام مطلق الصلاة المأمور بها لا إنه ينقلب التكليف بهذه الصلاة بقيد الخصوصية، هذا كما في الحاشية.
 (2) ذكرناه في بحث المقدمة من أن دلالة الأمر بالشي‏ء على وجوب مقدماته تبعية من باب الاشارة، و معناه ان وجوب المقدمات ليس مرادا من الخطاب، و الدلالة عليه ليست مقصودة، بل هو لازم للمراد منه باللزوم العقلي الذي يحكم به العقل بملاحظة الخطاب و شي‏ء آخر من القضايا العقلية.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 348
لكنا نجيب عنه: بأن المأمور به إيجاب الطبيعة لا الفرد.
و لا نقول نحن: إن هذا الفرد مما أمر به الشارع، و إيجاد الطبيعة لا يستلزم خصوصية هذا الفرد.
فإن قلت: نعم، لكن لما رخص الشارع في إيجاد الطبيعة مطلقا و أمرنا بإيجادها في ضمن الأفراد من باب المقدمة، فلا بد أن يكون إيجادها في ضمن هذا الفرد مستثنى من الإيجادات.
قلت كاشفا للحجاب عن وجه المطلوب و رافعا للنقاب عن السر المحجوب:
إنه لا استحالة في أن يقول الحكيم: هذه الطبيعة مطلوبي و لا أرضى بإيجادها في ضمن هذا الفرد أيضا، و لكن لو عصيتني و أوجدتها فيه؛ لعاقبتك لما خالفتني في كيفية الإيجاد لا لأنك لم توجد مطلوبي، لأن ذلك الأمر المنهي عنه شي‏ء خارج عن العبادة.
فهذا معنى مطلوبية الطبيعة الحاصلة في ضمن هذا الفرد، لا أنها مطلوبة مع كونها في ضمن الفرد، فقد أسفر الصبح و ارتفع الظلام، فإلى كم قلت و قلت.
و من ذلك يظهر الجواب عن الإشكال في نية التقرب، لأن قصد التقرب إنما هو في الإتيان بالطبيعة لا بشرط، الحاصلة في ضمن هذا الفرد، لا بإتيانه في ضمن هذا الفرد الخاص المنهي عنه «1».
ثم إن هاهنا تنبيهين:
الأول: أن مقتضى عدم جواز اجتماع الأمر و النهي في شي‏ء واحد، عدم إمكان كون الشي‏ء الواحد مطلوبا و مبغوضا.
__________________________________________________
 (1) و قد رد على هذه المقالة بعد أن أظهر التعجب من ذكرها المحقق الاصفهاني في «هدايته»: 3/ 76.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 349
و أما اقتضاء ذلك تخصيص الأمر بالنهي و الحكم بالبطلان دون العكس، فكلا «1»، فإن قول الشارع: صل، مطلق، و الأمر يقتضي الإجزاء في ضمن كل ما صدق عليه المأمور به كما مر.
و قوله: لا تغصب، أيضا مطلق يقتضي حرمة كل ما صدق عليه أنه غصب، و القاعدة المبحوث عنها «2» بعد استقرارها على عدم الجواز، لا يقتضي إلا لزوم إرجاع أحد العامين الى الآخر، فما وجه تخصيص الأمر و القول بالبطلان كما اختاروه، بل لنا أن نقول: الغصب حرام، إلا إذا كان كونا من أكوان الصلاة، كما تقول: الصلاة واجبة، إلا إذا كانت محصلة للغصب.
و لذلك ذهب بعض المتأخرين «3» الى الصحة مع القول بعدم جواز الاجتماع في أصل المسألة، و يؤيده «4» بعض الأخبار الدالة على أن للناس من الأرض حقا في الصلاة «5»، فلا بد من الرجوع الى المرجحات الخارجية.
و قد ذكروا في وجه ترجيح النهي وجوها.
__________________________________________________
 (1) هذا الردع إشارة الى أنه ليس كذلك.
 (2) و هي قاعدة قبح اجتماع الأمر و النهي.
 (3) لأجل كون الأمر مخصصا لعموم النهي، ذهب بعض المتأخرين الى القول بصحة الصلاة مثلا إذا أوقعها المكلف في الدار الغصبي مع قوله جواز اجتماع الأمر و النهي.
و قيل: ان هذا البعض هو الملا محمد هادي بن محمد صالح المازندراني و قيل: هو صاحب «الوافية» على ما في بعض الحواشي. راجع «الوافية»: ص 97.
 (4) أي و يؤيد قول بعض المتأخرين.
 (5) و مثل قوله تعالى: إن الأرض لله الأعراف 128، و ما ورد من أن الأرض مهر لفاطمة الزهراء عليها صلوات الله و سلامه. «كشف الغمة»: 1/ 472، «المختصر»:
ص 133.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 350
منها: أن دفع المفسدة أهم من جلب المنفعة.
و هو مطلقا ممنوع، إذ في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين.
و منها: أن النهي أقوى دلالة لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد، بخلاف الأمر، و قد مر ما يضعفه في مبحث تكرار النهي «1».
و منها: ما يقال إن الاستقراء يقتضي ترجيح محتمل الحرمة على محتمل الوجوب، كحرمة العبادة في أيام الاستظهار و التجنب عن الإناءين المشتبهين، و نحو ذلك.
و فيه: أنه لم يظهر أن هذا الحكم في أمثال ذلك لأجل ترجيح الحرمة على الوجوب، بل لعله كان لدليل آخر، مع أن الحرمة في الإناءين مقطوع بها بخلافه هنا، بل يمكن القلب بأن الاجتناب عن النجاسة واجب، و ترك الوضوء حرام، مع أن ذلك الاستقراء على فرض ثبوته، لم يثبت حجيته مع معارضته بأصل البراءة.
و كذلك ما دل من الأخبار على تغليب الحرام على الحلال معارض بما دل على أصل الإباحة «2» فيما تعارض فيه النصان.
__________________________________________________
 (1) و هو المنع عن دلالة التكرار و ترك جميع الأفراد في جميع الأوقات، بل القدر المسلم هو استلزامه انتفاء جميع الأفراد في الجملة و في زمان يمكن فعله فيه، و أما استلزامه لترك الجميع في الأوقات و الأزمان فلا.
 (2) قال في الحاشية: الأنسب بما نحن فيه أن يقول تغليب الحرام على الواجب، إذ الكلام في محتمل الحرمة مع الوجوب لا في محتمل الحرمة مع الاباحة. و اعلم أن ما دل على تغليب الحرام على الإباحة أمور أحدها: الكتاب منه قوله تعالى: و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. نظرا الى ان المشتبه بالحرام معرض للتهلكة. ثانيها: السنة منها قوله:
لا تجامعوا في النكاح على الشبهة، وقفوا عند الشبهة. و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة. ثالثها: العقل لحكمه بوجوب دفع الضرر-

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 351
و بالجملة، فلا بد من مرجح يطمئن إليه النفس، ثم الحكم على مقتضاه بالصحة أو البطلان.
الثاني: أن ما عنون به القانون، هو الكلام في شي‏ء ذي جهتين يمكن انفكاك كل منهما عن الآخر.
و أما ما يمكن الانفكاك عن أحدهما دون الآخر، كقوله: صل و لا تصل في الدار المغصوبة، فقد مرت الإشارة الى جواز الاجتماع فيه عقلا و لغة و إن فهم العرف خلافه، و سيجي‏ء الكلام فيه.
و أما ما لا يمكن الانفكاك عن أحد الطرفين مثل من دخل دار غيره غصبا ففيه أقوال:
الأول: إنه مأمور بالخروج و ليس منهيا عنه و لا معصية في الخروج.
و الثاني: إنه عاص لكن لم يتعلق به النهي عن الخروج.
و الثالث: إنه مأمور به و منهي عنه أيضا، و يحصل العصيان بالفعل و الترك كليهما، و هو مذهب أبي هاشم «1» و أكثر أفاضل متأخرينا «2»، بل هو ظاهر الفقهاء و هو
__________________________________________________
- المحتمل. أ لا ترى أن العقلاء يحترزون فيما لو أخبرهم صبي بوجود السبع على طريقهم. و ما دل على الاباحة أيضا أمور الأول: الكتاب منه قوله تعالى: و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. و قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها. و الثاني:
السنة منها قوله عليه السلام: أيما امرئ ركب أمرا بجهالة فلا شي‏ء عليه. و قوله عليه السلام: كل شي‏ء فيه حرام و حلال فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه. الثالث:
الاجماع المنقول في كلمات جماعة. الرابع: العقل لأنه حاكم بقبح العقاب بلا بيان حكما قطعيا.
 (1) راجع «مفتاح الكرامة» كتاب الصلاة 3/ 345.
 (2) في «الفصول» حكي عن القاضي و عزي ذلك أيضا إلى جماعة من أصحابنا.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 352
و هو الأقرب «1»، فإنهما دليلان يجب إعمالهما، و لا موجب للجمع و التقييد، إذ الموجب إما فهم العرف كما في العام و الخاص المطلقين على ما أشرنا اليه و سنبينه، أو العقل كما لو دخل في دار الغير سهوا، فإن الأمر بالخروج و النهي عنه موجب لتكليف ما لا يطاق، فهو مأمور بالخروج لا غير.
و أما فيما نحن فيه، فإنه و إن كان يلزم تكليف ما لا يطاق أيضا و لكن لا دليل على استحالته إن كان الموجب هو سوء اختيار المكلف، كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلفا بالحج إذا أخره اختيارا و إن فات استطاعته.
لا يقال: إن الخروج أخص من الغصب مطلقا «2»، و فهم العرف يقتضي الجمع بين العام و الخاص إذا كانا مطلقين.
لإنا نقول: إن الخروج ليس مورد الأمر من حيث هو خروج، بل لأنه تخلص عن الغصب، كما أن الكون في الدار المغصوبة ليس حراما إلا من جهة أنه غصب، و النسبة بين الخروج و الغصب عموم من وجه.
و الظاهر أن ذلك الأمر إنما استفيد من جهة كونه من مقدمات ترك الغصب الواجب، و مقدمة الترك أعم من الخروج. و إن انحصر أفراده في الخروج بحسب العادة، فإن الظاهر أن العام الذي أفراده الموجودة في الخارج منحصرة في الفرد
__________________________________________________
 (1) أي القول الثالث الذي هو مذهب أبي هاشم و غيره هو الأقرب الى الصواب من القولين الأولين.
 (2) إذ لا يخفى عليك أن هذا خلاف العام و الخاص المطلقين في مثل صل و لا تصل في الدار المغصوبة، فإن المنهي عنه هنا أخص من المأمور به مطلقا، و مقتضاه تقديم النهي على الأمر و تخصيص الأمر به، و الأمر فيما نحن فيه على العكس، فظهر أن هذا لو تم فإنه لا يتم به القول الأول من الأقوال الثلاثة.

                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 353
بحسب العادة، بل في نفس الأمر أيضا لا يخرج عن كونه عاما في باب التعارض.
فلو فرض ورود الأمر بالخروج أيضا بالخصوص، فالظاهر أنه من جهة أنه الفرد الغالب الوجود لإمكان التخلص بوجه آخر، إما بأن يحمله غيره على ظهره و يخرجه من دون اختياره، أو غير ذلك.
فليضبط ذلك فإنه فائدة جليلة لم أقف على تصريح بها في كلامهم.
و أما القول الأول، فاختاره ابن الحاجب و موافقوه «1»، مستدلين بأنه إذا تعين الخروج، للأمر دون النهي بدليل يدل عليه، فالقطع بنفي المعصية عنه إذا خرج بما هو شرطه من السرعة، و سلوك أقرب الطرق و أقلها ضررا، إذ لا معصية بإيقاع المأمور به الذي لا نهي عنه.
و فيه: ما عرفت أنه لا وجه لتخصيص النهي بذلك الأمر، فالنهي باق بحاله و يلزمه حصول المعصية أيضا.
و أما القول الثاني «2»، فاختاره فخر الدين الرازي «3» و قال: إن حكم المعصية
__________________________________________________
 (1) القول الأول هو القول بأنه مأمور بالخروج و ليس منهيا عنه و لا معصية في الخروج.
و المراد من موافقيه هو العضدي و غيره.
 (2) و القول الثاني هو القول بأنه عاص لم يتعلق به النهي عن الخروج، و دليله استصحاب حكم المعصية عليه مع إيجابه الخروج.
 (3) محمد بن عمر ابو عبد الله فخر الدين الرازي (544- 606 ه) من كبار أئمة المتكلمين الاشاعرة من الشافعية و مع غزارة علمه في الكلام كان يقول: من لزم مذهب العجائز كان هو الفائز. له مصنفات كثيرة في علوم مختلفة منها: «المحصول في علم الاصول» و هو من عيون مراجع أصول الفقه، و هو مختصر مستمد من كتابين لا يكاد مؤلفه يخرج عنهما غالبا احدهما «المستصفى» للغزالي و الآخر «المعتمد»-


                        القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 354
عليه مستصحب مع إيجابه الخروج «1».
و فيه: أنه لا معنى للمعصية إلا في ترك المأمور به أو فعل المنهي عنه، فإذ لا نهي، فلا معصية، مع أن النهي أيضا مستصحب، و لا وجه لتخصيصه كما مر.
ثم يمكن أن يقال على أصولنا «2»: أن النزاع بين هذا القول و بين ما اخترناه لفظي، إذ مبنى ما اخترناه من اجتماع الأمر و النهي جعل التكليف من قبيل التكليف الابتلائي و التنبيه على استحقاق العقاب، لا طلبا للترك في نفس الأمر، مع علم الأمر بأنه لا يمكن حصوله مع امتثال الأمر.
و مراد المنكر هو طلب حصول الترك في الخارج.
و قد يوجه كلامه بوجه آخر بعيد.
__________________________________________________
- لأبي الحسين البصري. و قد اعتنى جماعة من دارسي كتاب «المحصول» هذا فاختصره البيضاوي في كتابه «منهاج الوصول الى علم الاصول» و قيل ان الصحيح هو ان البيضاوي لم يأخذ كتابه «المنهاج» هذا من «المحصول» مباشرة و إنما اخذه من كتاب «الحاصل» لتاج الدين الأرموي الذي هو مختصر من «المحصول». و من مصنفاته أيضا «المعالم في أصول الفقه» و عليه بعض الشروح.
 (1) و عزاه في «الفصول»: ص 138 إليه أيضا.
 (2) معاشر العدلية من كون التكاليف الشرعية تابعة للمصالح الخفية كاشفة عنها كما في أوامر الطبيب للمريض، لا خالية عنها بالمرة و كانت جعلية صرفة.
                       


















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است