بسم الله الرحمن الرحیم
کلام زرکشی در تواتر قراءات
فهرست مباحث علوم قرآنی
قراءة العامة-الناس-المسلمین-الجمهور-المشهور-اهل الحرمین-اهل المدینة-المدنیون-العراقیون-الکوفیون-البصریون
فلیقرء کل رجل منکم کما علم-اقرءوا کما علمتم-تعلمتم-کما یقرء الناس
تواتر قراءات سبع
القراءة سنة متبعة-رد حماد الراویة-ابن المقسم
قول نافع ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته وما شذ فيه واحد فتركته حتى ألفت هذه القراءة
تواتر نقل اجماع بر تواتر قرائات سبع-مفتاح الکرامة
اشکال در تواتر قراءات به معنای انکار اصل تعدد نزول قراءات نیست
سخن نحاس سند تاریخی برای نفی قاری محوری
محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين(745 - 794 هـ = 1344 - 1392 م)
اشکال فخر رازی بر تواتر قرائات سبع
عبد الله بن كثير المكي قراء سبعة(45 - 120 هـ = 665 - 738 م)
این احتمال، قوی به نظر میرسد که ایده تفاوت گذاشتن بین قرآن کریم و قراءات که زرکشی ابداع کرد و گفت حقیقتان متغایرتان، اساسا برای جواب از اشکال فخر رازی بود، فخر در تفسیر کبیرش به کرات با قاطعیت میگوید که اساس قرآن بر تواتر است و اگر متواتر نباشد قرآن نیست، و سپس دچار اشکال میشود که در دو سه مورد ذکر میکند(اشکال فخر رازی بر تواتر قرائات سبع)، و زرکشی چون نتوانسته جانب تواتر را حل کند، بین قراءات که نزد او و فخر دچار اشکال تواتر هستند با قرآن که چارهای ندارند متواتر بدانند جدا کند، و به نظر میرسد که اگر هر دو کلاس اقراء رفته بودند اصلا دچار اشکال نمیشدند تا محتاج به این تفرقه بی معنا شوند، و به کلام محمد سالم محیسن در ذیل این صفحه مراجعه کنید که میگوید این تفاوت صحیح نیست.
اما به عبارات زرکشی در البحر المحیط برخورد کردم که در ذیل آمده است، و احتمالات دیگری هم مطرح میشود، مثل اینکه قرآن متواتر است یعنی تواتر میدانی قراءات، و قراءات متواتر نیستند یعنی با سند تدوینی کلاسیک(ج۲ ص ۳۲۱) و یا اینکه قرآن متواتر است یعنی هر چه از غیر جنس اصول است و همچنین اصل اصول، اما مراتب و کیفیات اصول پس متواتر نیستند (ج۲ ص۲۱۴)
البرهان في علوم القرآن (1/ 318)
المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ)
النوع الثاني والعشرون: معرفة اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغييرحركة أو إثبات لفظ بدل آخر
وذلك متواتر وآحاد ويوجد هذا الوجه من علم القراءة وأحسن الموضوع للقراءات السبع كتاب التيسير لأبي عمرو الداني وقد نظمه أبو محمد القاسم الشاطبي في لاميته التي عم النفع بها وكتاب الإقناع لأبي جعفر بن الباذش وفي القراءات العشر كتاب المصباح لأبي الكرم الشهرزوري
واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما
ثم هاهنا أمور:
أحدها: أن القراءات السبع متواترة عند الجمهور وقيل بل مشهورة ولا عبرة بإنكار المبرد قراءة حمزة {والأرحام} و {مصرخي} ولا بإنكار مغاربة النحاة كابن عصفور قراءة ابن عامر {قتل أولادهم شركائهم} والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد لم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة وهذا شيء موجود في كتبهم وقد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز إلى شيء من ذلك
الثاني: استثنى الشيخ أبو عمرو بن الحاجب قولنا إن القراءات السبع متواترة ما ليس من قبيل الأداء ومثله بالمد والإمالة وتخفيف الهمزة يعني فإنها ليست متواترة وهذا ضعيف والحق أن المد والإمالة لا شك في تواتر المشترك بينهما وهو المد من حيث هو مد والإمالة من حيث إنها إمالة ولكن اختلف القراء في تقدير المد فمنهم من رآه طويلا ومنهم من رآه قصيرا ومنهم من بالغ في القصر ومنهم من تزايد فحمزة وورش بمقدار ست لغات وقيل خمس وقيل أربع وعن عاصم ثلاث وعن الكسائي ألفان ونصف وقالون ألفان والسوسي ألف ونصف
قال الداني في التيسير أطوالهم مدا في الضربين جميعا يعني المتصل والمنفصل ورش وحمزة ودونهما عاصم ودونه ابن عامر والكسائي ودونهما أبو عمرو من طريق أهل العراق وقالون من طريق أبي نشيط بخلاف عنه وهذا كله على التقريب من غير إفراط وإنما هو على مقدار مذاهبهم من التحقيق والحذف انتهى كلامه
فعلم بهذا أن أصل المد متواتر والاختلاف والطرق إنما هو في كيفية التلفظ به وكان الإمام أبو القاسم الشاطبي يقرأ بمدتين طولى لورش وحمزة ووسطى لمن بقي
وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه كره قرأة حمزة لما فيها من طول المد وغيره فقال لا تعجبني ولو كانت متواترة لما كرهها وكذلك ذكر القراء أن الإمالة قسمان إمالة محضة وهي أن ينحى بالألف إلى الياء وتكون الياء أقرب بالفتحة إلى الكسر وتكون الكسرة أقرب وإمالة تسمى بين بين وهي كذلك إلا أن الألف والفتحة أقرب وهذه أصعب الإمالتين وهي المختارة عند الأئمة ولا شك في تواتر الإمالة أيضا وإنما اختلافهم في كيفيتها مبالغة وحضورا
أما تخفيف الهمزة وهو الذي يطلق عليه تخفيف وتليين وتسهيل أسماء مترادفة فإنه يشمل أربعة أنواع من التخفيف وكل منها متواتر بلا شك:
أحدها: النقل وهو نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، نحو: {قد أفلح} بنقل حركة الهمزة وهي الفتحة إلى دال قد وتسقط الهمزة فيبقى اللفظ بدال مفتوحة بعدها فاء وهذا النقل قراءة نافع من طريق ورش في حال الوصل والوقف وقراءة حمزة في حال الوقف
الثاني: أن تبدل الهمزة حرف مد من جنس حركة ما قبلها إن كان قبلها فتحة أبدلت ألفها نحو باس وهذا البدل قراءة أبي عمرو بن العلاء ونافع من طريق ورش في فاء الفعل وحمزة إذا وقف على ذلك
الثالث: تخفيف الهمز بين بين ومعناه أن تسهل الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها فإن كانت مضمومة سهلت بين الهمزة والواو أو مفتوحة فبين الهمزة والألف أو مكسورة فبين الهمزة والياء وهذا يسمى إشماما وقرأ به كثير من القراء وأجمعوا عليه في قوله تعالى: {قل آلذكرين} ونحوه وذكره النحاة عن لغات العرب...........
البرهان في علوم القرآن (1/ 321)
الثالث: أن القراءات توقيفية وليست اختيارية خلافا لجماعة منهم الزمخشري حيث ظنوا أنها اختيارية تدور مع اختيار الفصحاء واجتهاد البلغاء ورد على حمزة قراءة {والأرحام} بالخفض ومثل ما حكي عن أبي زيد والأصمعي ويعقوب الحضرمي أن خطئوا حمزة في قراءته: {وما أنتم بمصرخي} بكسر الياء المشددة وكذا أنكروا على أبي عمرو إدغامه الراء عند اللام في: {يغفلكم}
وقال: الزجاج إنه خطأ فاحش ولا تدغم الراء في اللام إذا قلت مرلي بكذا لأن الراء حرف مكرر ولا يدغم الزائد في الناقص للإخلال به فأما اللام فيجوز إدغامه في الراء ولو أدغمت اللام في الراء لزم التكرير من الراء وهذا إجماع النحويين انتهى
وهذا تحامل وقد انعقد الإجماع على صحة قراءة هؤلاء الأئمة وأنها سنة متبعة ولا مجال للاجتهاد فيها ولهذا قال سيبويه في كتابه في قوله تعالى: {ما هذا بشرا} وبنو تميم يرفعونه إلا من درى كيف هي في المصحف
وإنما كان كذلك لأن القراءة سنة مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكون القراءة بغير ما روي عنه انتهى
البرهان في علوم القرآن (1/ 323)
الرابع: ما تضمنه التيسير والشاطبية قال الشيخ أثير الدين أبو حيان لم يحويا جميع القراءات السبع وإنما هي
نزر يسير منها ومن عني بفن القراءات وطالع ما صنفه علماء الإسلام في ذلك علم ذلك العلم اليقين وذلك أن بلادنا جزيرة الأندلس لم تكن من قديم بلاد إقراء السبع لبعدها عن بلاد الإسلام واجتازوا عند الحج بديار مصر وتحفظوا ممن كان بها من المصريين شيئا يسيرا من حروف السبع وكان المصريون بمصر إذ ذاك لم تكن لهم روايات متسعة ولا رحلة إلى غيرها من البلاد التي اتسعت فيها الروايات كأبي الطيب بن غلبون وابنه أبي الحسن طاهر وأبي الفتح فارس بن أحمد وابنه عبد الباقي وأبي العباس بن نفيس وكان بها أبو أحمد السامري وهو أعلاهم إسنادا
البرهان في علوم القرآن (1/ 326)
الخامس: أن باختلاف القراءات يظهر الاختلاف في الأحكام ولهذا بنى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءات في {لمستم} و {لامستم}
وكذلك جواز وطء الحائض عند الانقطاع وعدمه إلى الغسل على اختلافهم في: {حتى يطهرن}
وكذلك آية السجدة في سورة النمل مبنية على القراءتين قال الفراء من خفف: {ألا} كان الأمر بالسجود ومن شدد لم يكن فيها أمر به وقد نوزع في ذلك
إذا علمت ذلك فاختلفوا في الآية إذا قرئت بقراءتين على قولين أحدهما أن الله تعالى قال بهما جميعا والثاني أن الله تعالى قال بقراءة واحدة إلا أنه أذن أن يقرأ بقراءتين
وهذا الخلاف غريب رأيته في كتاب البستان لأبي الليث السمرقندي ثم اختاروا في المسألة توسطا وهو أنه إن كان لكل قراءة تفسير يغاير الآخر فقد قال بهما جميعا
وتصير القراءات بمنزلة آيتين مثل قوله: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} وإن كان تفسيرهما واحدا كالبيوت والبيوت والمحصنات والمحصنات بالنصب والجر فإنما قال بأحدهما وأجاز القراءة بهما لكل قبيلة على ما تعود لسانهم
فإن قيل: إذا صح أنه قال بأحدهما فبأي القراءتين قال؟ قيل: بلغة قريش انتهى
السادس: أن القراءات لم تكن متميزة عن غيرها إلا في قرن الأربعمائة جمعها أبو بكر ابن مجاهد ولم يكن متسع الرواية والرحلة كغيره والمراد بالقراءات السبع المنقولة عن الأئمة السبعة:
أحدهم عبد الله بن كثير المكي القرشي مولاهم أبو سعيد وقيل أبو محمد وقيل أبو بكر وقيل أبو الصلت ويقال له الداري وهو من التابعين وسمع عبد الله بن الزبير وغيره توفي بمكة سنة عشرين ومائة وقيل اثنتين وعشرين
الثاني: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم مولى جعونة بن شعوب الليثي هو مدني أصله من أصبهان كنيته أبو رويم وقيل أبو الحسن وقيل أبو عبد الرحمن وقيل....
البرهان في علوم القرآن (1/ 331)
وقال الشيخ موفق الدين الكواشي كل ما صح سنده واستقام مع جهة العربية وافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبع المنصوص عليها ولو رواه سبعون ألفا مجتمعين أو متفرقين فعلى هذا الأصل يبني من يقول القراءات عن سبعة كان أو سبعة آلاف ومتى فقد واحد من هذه الثلاثة المذكورة في القراءة فاحكم بأنها شاذة ولا يقرأ بشيء من الشواذ وإنما يذكر ما يذكر من الشواذ ليكون دليلا على حسب المدلول عليه أو مرجحا
البرهان في علوم القرآن (1/ 334)
الأمر السابع: أن حاصل اختلاف القراء يرجع إلى سبعة أوجه:
الأول: الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركات بقائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو {البخل} و {البخل} و {ميسرة} و {ميسرة} {وما هن أمهاتهم} ، {وهن أطهر لكم} و {أطهر لكم} {وهل نجازي إلا الكفور} {وهل يجازى إلا الكفور}
البرهان في علوم القرآن (1/ 336)
الأمر الثامن: قال أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن إن القصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها وذلك كقراءة عائشة وحفصة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر
وكقراءة ابن مسعود والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما
البرهان في علوم القرآن (1/ 339)
النوع الثالث والعشرون: معرفة توجيه القراءات وتبيين وجه ما ذهب إليه كل قارئ
وهو فن جليل وبه تعرف جلالة المعاني وجزالتها وقد اعتنى الأئمة به وأفردوا فيه كتبا منها كتاب الحجة لأبي علي الفارسي، وكتاب الكشف لمكي وكتاب الهداية للمهدوي وكل منها قد اشتمل على فوائد وقد صنفوا أيضا في توجيه القراءات الشواذ ومن أحسنها كتاب المحتسب لابن جني وكتاب أبي البقاء وغيرهما
وفائدته كما قال الكواشي: أن يكون دليلا على حسب المدلول عليه أو مرجحا إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى وهذا غير مرضي لأن كلتيهما متواترة وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت عن ثعلب أنه قال إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى وهو حسن.
وقال أبو جعفر النحاس وقد حكى اختلافهم في ترجيح: {فك رقبة} بالمصدرية والفعلية فقال والديانة تحظر الطعن على القراءة التي قرأ بها الجماعة ولا يجوز أن تكون مأخوذة إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" فهما قراءتان حسنتان لا يجوز أن تقدم إحداهما على الأخرى
وقال في سورة المزمل: السلامة عند أهل الدين أنه إذا صحت القراءتان عن الجماعة ألا يقال أحدهما أجود لأنهما جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيأثم من قال ذلك وكان رؤساء الصحابة رضي الله عنهم ينكرون مثل هذا
وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله: قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة {ملك} و {مالك} حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين واتصاف الرب تعالى بهما ثم قال حتى إني أصلي بهذه في ركعة وبهذه في ركعة
وقال صاحب التحرير وقد ذكر التوجيه في قراءة {وعدنا} و {واعدنا} لا وجه للترجيح بين بعض القراءات السبع وبعض في مشهور كتب الأئمة من المفسرين والقراء والنحويين وليس ذلك راجعا إلى الطريق حتى يأتي هذا القول بل مرجعه بكثرة الاستعمال في اللغة والقرآن أو ظهور المعنى بالنسبة إلى ذلك المقام
وحاصله أن القارئ يختار رواية هذه القراءة على رواية غيرها أو نحو ذلك وقد تجرأ بعضهم على قراءة الجمهور في: {فنادته الملائكة} فقال أكره التأنيث لما فيه من موافقة دعوى الجاهلية في زعمها أن الملائكة إناث وكذلك كره بعضهم قراءة من قرأ بغير تاء لأن الملائكة جمع وهذا كله ليس بجيد والقراءتان متواترتان فلا ينبغي أن ترد إحداهما البتة وفي قراءة عبد الله {فناداه جبريل} ما يؤيد أن الملائكة مراد به الواحد
فصل: في توجيه القراءة الشاذة
وتوجيه القراءة الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة ومن أحسن ما وضع فيه كتاب المحتسب لأبي الفتح إلا أنه لم يستوف وأوسع منه كتاب أبو البقاء العكبري وقد يستبشع ظاهر الشاذ بادي الرأي فيدفعه التأويل كقراءة: {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم}
على بناء الفعل الأول للمفعول دون الثاني وتأويل الضمير في: {وهو} راجع إلى الولي
وكذلك قوله: {هو الله الخالق البارئ المصور} بفتح الواو والراء على أنه اسم مفعول وتأويله أنه مفعول لاسم الفاعل الذي هو الباري فإنه يعمل عمل الفعل كأنه قال الذي برأ المصور
وكقراءة: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وتأويله أن الخشية هنا بمعنى الإجلال والتعظيم لا الخوف وكقراءة: {فإذا عزمت فتوكل على الله} بضم التاء على التكلم لله تعالى وتأويله على معنى فإذا أرشدتك إليه وجعلتك تقصده وجاء قوله: {على الله} على الالتفات وإلا لقال: {فتوكل علي} وقد نسب العزم إليه في قول أم سلمة ثم عزم الله لي وذلك على سبيل المجاز وقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو}
البرهان في علوم القرآن (1/ 226)
المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ)
وقال بعض المتأخرين الأشبه بظواهر الأحاديث أن المراد بهذه الأحرف اللغات وهو أن يقرأ كل قوم من العرب بلغتهم وما جرت عليه عادتهم من الإظهار والإدغام والإمالة والتفخيم والإشمام والهمز والتليين والمد وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلمة الواحدة فإن الحرف هو الطرف والوجه كما قال تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على وجه واحد وهو أن يعبده في السراء دون الضراء وهذه الوجوه هي القراءات السبع التي قرأها القراء السبعة فإنها كلها صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف
وهذه القراءات السبع اختيارات أولئك القراء فإن كل واحد اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءة ما هو الأحسن عنده والأولى ولزم طريقة منها ورواها وقرأ بها واشتهرت عنه ونسبت إليه فقيل حرف نافع وحرف ابن كثير ولم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره بل سوغه وحسنه وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر وكل صحيح
وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عنهم وكان الإنزال على الأحرف السبعة توسعة من الله ورحمة على الأمة إذ لو كلف كل فريق منهم ترك لغته والعدول عن عادة نشئوا عليها من الإمالة والهمز والتليين والمد وغيره لشق عليهم
ويشهد لذلك ما رواه الترمذي عن أبي بن كعب أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: "يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط فقال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" وقال حسن صحيح
تفسير القرطبي (1/ 46)
(فصل) [قول كثير من العلماء أن القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة، ليست هي الأحرف السبعة]
قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة، ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف، ذكره ابن النحاس وغيره.
وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، وذلك أن كل واحد منهم اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى، فالتزمه طريقة ورواه وأقرأ به واشتهر عنه، وعرف به ونسب إليه، فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير، ولم يمنع واحد منهم اختیار الآخر ولا أنكره بل سوغه وجوزه، وكل واحد من هؤلاء السبعة روى عنه اختیاران أو أكثر، وكل صحيح. وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة مما رووه وراؤه من القراءات وكتبوا
البرهان في علوم القرآن (1/ 338)
فائدة
قيل قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو راجعة إلى أبي وقراءة ابن عامر إلى عثمان بن عفان وقراءة عاصم وحمزة والكسائي إلى عثمان وعلي وابن مسعود
البرهان في علوم القرآن (1/ 472)
مسألة: في التكبير بين السور ابتداء من سورة الضحى
يسحب التكبير من أول سورة الضحى إلى أن يختم وهى قراءة أهل مكة أخذها ابن كثير عن مجاهد عن ابن عباس وابن عباس عن أبي وأبي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن خزيمة والبيهقي في شعب الإيمان وقواه ورواه من طريق موقوفا على أبي بسند معروف وهو حديث غريب وقد أنكره أبو حاتم الرازي على عادته في التشديد واستأنس له الحليمي بأن القراءة تنقسم إلى أبعاض متفرقة فكأنه كصيام الشهر وقد أمر الناس أنه إذا أكملوا العدة أن يكبروا الله على ما هداهم فالقياس أن يكبر القارئ إذا أكمل عدة السور
وذكر غيره أن التكبير كان لاستشعار انقطاع الوحي قال وصفته في آخر هذه السور أنه كلما ختم سورة وقف وقفة ثم قال الله أكبر ثم وقف وقفة ثم ابتدأ السورة التي تليها إلى آخر القرآن ثم كبر كما كبر من قبل ثم أتبع التكبير الحمد والتصديق والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء
وقال سليم الرازي في تفسيره يكبر القارئ بقراءة ابن كثير إذا بلغ والضحى بين كل سورتين تكبيرة إلى أن يختم القرآن ولا يصل آخر السورة بالتكبير بل يفصل بينهما بسكتة وكأن المعنى في ذلك ما روي أن الوحي كان تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما فقال ناس إن محمدا قد ودعه صاحبه وقلاه فنزلت هذه السورة فقال الله أكبر قال ولا يكبر في قراءة الباقين ومن حجتهم أن في ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرآن بأن زيد عليه فيتوهم أنه من القرآن فيثبتوه فيه
البرهان في علوم القرآن (4/ 359)
الثالث: قبل قسم كقوله: {لا أقسم بيوم القيامة} .
المعنى أقسم بدليل قراءة ابن كثير: {لأقسم} وهي قراء قويمة لا يضعفها عدم نون التوكيد مع اللام لأن المراد بأقسم فعل الحال ولا تلزم النون مع اللام.
الكتاب: البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ)
الناشر: دار الكتبي
الطبعة: الأولى، 1414هـ - 1994م
عدد الأجزاء: 8
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
[مسألة القراءات السبع]
القراءات عن الأئمة السبعة متواترة عند الأكثرين، منهم إمام الحرمين في البرهان "، خلافا لصاحب البديع " من الحنفية، فإنه اختار أنها مشهورة. وقال السروجي في باب الصوم من الغاية ": القراءات السبع متواترة عند الأئمة الأربعة، وجميع أهل السنة خلافا للمعتزلة فإنها آحاد عندهم.
وقال في باب الصلاة: المشهور عن أحمد كراهة قراءة
(2/209)
************
حمزة لما فيها من الكسر والإدغام وزيادة المد، ونقل عنه كراهة قراءة الكسائي، لأنها كقراءة حمزة في الإمالة والإدغام. وهذا خطأ، لأن الأمة مجمعة ما عدا المعتزلة على أن كل واحدة من السبع ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتواتر فكيف تكره؟ . اهـ.
وقال بعض المتأخرين: التحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة، وأما تواترها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ففيه نظر، فإن إسناد الأئمة السبعة لهذه القراءات موجودة في كتبهم، وهي نقل الواحد عن الواحد، فلم تستكمل شروط التواتر. وقد يجاب عن هذا على تقدير التسليم بأن الأمة تلقتها بالقبول، واختاروها لمصحف الجماعة، وقطعوا بأنها قرآن، وأن ما عداها ممنوع من إطلاقه، والقراءة به، قاله القاضي أبو بكر في الانتصار ". وبهذا الطريق حكم ابن الصلاح أن أحاديث الصحيحين مقطوع بها وإن رويت بالآحاد، لتلقي الأمة لها بالقبول، وهو قول جمهور الأصوليين، أي: أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول أفاد القطع، وإذا كان كذلك فيما يثبت بالواحد، فما ظنك فيما وجد فيه غالب شروط التواتر أو كلها؟ لكن كلام ابن الصلاح هذا قد رده كثير من الناس كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتاب المرشد الوجيز ": كل فرد فرد منها متواتر، أما المجموع منها فلا حاجة إلى البينة على تواتره.
قال: وقد شاع ذلك على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم.
قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب.
(2/210)
************
قال: ونحن نقول بهذا، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق، واتفقت عليه الفرق مع أنه شائع من غير نكير، فإن القراءات السبع المراد بها: ما روي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم ينقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم تختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه بقيت نسبته إليهم في بعض الطرق، فالمصنفون لكتب القراءات يختلفون في ذلك اختلافا كثيرا، ومن تصفح كتبهم أحاط بذلك، فلا ينبغي أن يقرأ بكل قراءة تعزى إلى إمام من هؤلاء السبعة حتى يثبت ذلك ويوافق لغة العرب.
قال: وأما من يهول في عبارته قائلا: بأن القراءات السبعة متواترة، لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف فخطؤه ظاهر، لأن الأحرف المراد بها غير القراءات السبعة.
والحاصل: أنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها تنقسم إلى متواتر وغيره، وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو، ونقل الحركة لورش، ووصل ميمي الجمع وهاء الكناية لابن كثير، أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءات إليه بعد أن يجهد نفسه في استقراء الطرق والواسطة إلا أنه يبقى عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل فرد فرد من ذلك. وهاهنا تسكب العبرات، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادا إلا اليسير منها، بل الضابط: أن كل قراءة اشتهرت بعد صحة إسنادها وموافقتها خط المصحف، ولم ينكر من جهة العربية فهي القراءة المعتمدة، وما عدا ذلك شاذ وضعيف. اهـ.
(2/211)
************
وكذا كلام غيره من القراء يوهم أن القراءات السبعة ليست متواترة كلها وأن أعلاها ما اجتمع فيه صحة السند وموافقة خط المصحف والإمام، والفصيح من لغة العرب، وأنه يكفي فيها الاستفاضة، وليس الأمر كما ذكر هؤلاء، والشبه دخلت عليهم من انحصار أسانيدها في رجال معروفين، فظنوها كأخبار الآحاد. وقد أوضح الإمام كمال الدين بن الزملكاني - رحمه الله - ذلك.
فقال: انحصار الأسانيد في طائفة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم، فقد كان يتلقاه أهل كل بلد بقراءة إمامهم الجم الغفير عن مثلهم، وكذلك دائما، فالتواتر حاصل لهم، ولكن الأئمة الذين قصدوا ضبط الحروف، وحفظوا عن شيوخهم منها جاء السند من جهتهم، وهذا كالأخبار الواردة في حجة الوداع هي آحاد، ولم تزل حجة الوداع منقولة عمن يحصل بهم التواتر عن مثلهم في عصر، فهذه كذلك، وهذا ينبغي التفطن له، وأن لا يغتر بقول القراء فيه، والله أعلم.
وقال القاضي ابن العربي في القواصم ": وقال بعضهم كيفية القراءة اليوم أن يقرأ بما اجتمع فيه ثلاثة شروط: ما صح نقله، وصح في العربية لفظه، ووافق خط المصحف، وذكر خلافا كثيرا في ذلك.
قال: وإنما أوجب ذلك كله أن جميع السبع لم يكن بإجماع، وإنما كان بإخبار واحد واحد، والمختار: أن يقرأ المسلمون على خط المصحف فكل ما صح في النقل لا يخرجون عنه، ولا يلتفتون إلى ما سواه.
قال: والمختار لنفسي إذا قرأت بما نسبت لقالون أن لا أهمز ولا أكسر منونا ولا غير منون، فإن
(2/212)
************
الخروج من كسرة إلى ياء مضمومة لم أقدر عليه، وما كنت لأمد مد حمزة، ولا أقف على الساكن، ولا أقرأ بالإدغام الكبير، ولو رواه سبعون ألفا، ولا أمد ميم ابن كثير ولا أضم هاء عليهم وإليهم، وهذه كلها أو أكثرها عندي لغات لا قراءات، لعدم ثبوتها، وإذا تأملتها رأيتها اختيارات مبنية على معان ولغات.
قال: وأقوى القراءات سندا قراءة عاصم وابن عامر، وقراءة أبي جعفر ثابتة لا كلام فيها.
قال: وطلبت أسانيد الباقين فلم أجد فيها مشهورا، ورأيت بناء أمرها على اللغات، وأطلق الجمهور تواتر السبع، واستثنى ابن الحاجب وغيره ما ليس من قبيل الأداء، كالمد، واللين، والإمالة، وتخفيف الهمز يعني أنها ليست بمتواترة، وهذا ضعيف.
والحق: أن المد والإمالة لا شك في تواتر المشترك منها وهو المد من حيث هو مد، والإمالة من حيث هي إمالة، ولكن اختلفت القراء في تقدير المد في اختياراتهم، فمنهم من رآه طويلا، ومنهم من رآه قصيرا، ومنهم من بالغ في القصر، ومنهم من تزايد كحمزة وورش بمقدار ست ألفات، وقيل خمس، وقيل: أربع، وعن عاصم: ثلاث، وعن الكسائي: ألفين ونصف، وقالون: ألفين، والسوسي: ألف ونصف.
وقال الداني في التيسير " أطولهم مدا في الضربين جميعا يعني المتصل والمنفصل ورش وحمزة، ودونهما عاصم، ودونه ابن عامر والكسائي، ودونهما أبو عمرو من طريق أهل العراق، قال: وقالون من طريق
(2/213)
************
أبي نشيط بخلاف عنه، وهذا كله على التقريب من غير إفراط، وإنما هو على مقدار مذاهبهم من التحقيق والحذف. اهـ.
فعلم بهذا أن أصل المد متواتر، والاختلاف والطرق إنما هو في كيفية التلفظ. وكان الإمام أبو القاسم الشاطبي (- رحمه الله -) يقرأ بمدين طولي لورش وحمزة، ووسطي لمن بقي، وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه كره قراءة حمزة لما فيها من طول المد وغيره، وقال: لا تعجبني، ولو كانت متواترة لما كرهها. إلا أن يقال. إنما كره كيفيتها لا أصلها. وكذلك أجمعوا على أصل الإمالة، وإنما اختلفوا في حقيقتها مبالغة وقصرا، فإنها عندهم قسمان: محضة، وهي أن ينحى بالألف إلى الياء، وبالفتحة إلى الكسرة، وبين بين، وهي كذلك إلا أن الألف والفتحة أقرب وهي أصعب الإمالين، وهي المختارة عند الأئمة، وكذلك تخفيف الهمزة أصله متواتر، وإنما الخلاف في كيفيته. وأما الألفاظ المختلفة فيها بين القراء فهي ألفاظ قراءة واحدة، والمراد تنوع القراء في أدائها، فإن منهم من يرى المبالغة في تشديد الحرف المشدد، فكأنه زاد حرفا، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يرى الحالة الوسطى، فهذا هو الذي ادعى أبو شامة عدم تواتره، ونوزع فيه، فإن اختلافهم ليس إلا في الاختيار، ولا يمنع قوم قوما.
مسألة [يجوز إثبات قراءة حكما لا علما بخبر الواحد]
قال القاضي أبو بكر في الانتصار ": قال قوم من الفقهاء
(2/214)
************
والمتكلمين: يجوز إثبات قراءات وقراءة حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة، وكره ذلك أهل الحق، وامتنعوا منه.
وقال قوم من المتكلمين: إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة وأوجه وأحرف إذا كان صوابا في اللغة، ومما سوغ التكلم بها ولم يقحم حجة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قرأ بها بخلاف موجب رأي القائسين واجتهاد المجتهدين، وأبى ذلك أهل الحق ومنعوه وخطئوا من قال بذلك وصار إليه. اهـ.
[مسألة ليست القراءات اختيارية]
وليست القراءات اختيارية، ولهذا قال سيبويه في كتابه " في قوله تعالى: {ما هذا بشرا} [يوسف: 31] وبنو تميم يرفعونها إلا من درى كيف هي في المصحف، وإنما كان ذلك، لأن القراءة سنة مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا تكون القراءة بغير ما روي عنه. اهـ. خلافا للزمخشري حيث اعتقد أن القراءات اختيارية تدور مع اختيار الفصحاء واجتهاد البلغاء. ورد على حمزة قراءته {والأرحام} بالخفض، ومثله ما حكي عن أبي زيد، والأصمعي، ويعقوب الحضرمي أنهم خطئوا حمزة في قراءته {وما أنتم بمصرخي} [إبراهيم: 22] بكسر الياء المشددة.
وقالوا: إنه ليس ذلك في كلام العرب،
(2/215)
************
وأنه كان يلحن في القراءات، وما يروى أيضا أن يزيد بن هارون أرسل إلى أبي الشعثاء بواسط لا تقرأ في مسجدنا قراءة حمزة. وما حكي عن المبرد أنه قال: لا تحل القراءة بها يعني قراءة {والأرحام} بالكسر.
والصواب: أن حمزة إمام مجمع على جلالته ومعقود على صحة روايته، ولقد هجن المبرد فيما قال، إن صح عنه، فقد ند قلت: هذه القراءة عن جماعة من الصحابة والتابعين، منهم ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، ومجاهد وقتادة، والنخعي، والأعمش، والقراءة سنة متبوعة متلقاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توقيفا، فلا يجوز لأحد أن يقرأ إلا بما سمعه، ولا مجال للاجتهاد في ذلك، وقراءة حمزة متواترة، وهي موافقة لكلام العرب. وقد جاء في أشعارهم ونوادرهم مثلها كثيرا، ولهذا اعتد بها ابن مالك في هذه المسألة، واختار جواز العطف على المضمر المجرور من غير إعطاء الجار وفاقا للكوفيين.
[مسألة البسملة في القرآن]
البسملة من أول الفاتحة بلا خلاف عندنا، وفيما عداها من السور سوى براءة للشافعي أقوال:
أصحها: أنها آية من كل سورة، ومن أحسن الأدلة فيه ثبوتها في
(2/216)
************
سواد المصحف وأجمع الصحابة أن لا يكتب في المصحف ما ليس بقرآن، وأن ما بين الدفتين كلام الله.
الثاني: بعض آية.
والثالث: ليست من القرآن بالكلية، وعزي للأئمة الثلاثة
والرابع: أنها آية منفردة أنزلت للفصل بين السور، وهذا غريب لم يحكه أحد من الأصحاب، لكنه يؤخذ مما حكاه ابن خالويه في الطارقيات " عن الربيع سمعت الشافعي يقول: أول الحمد بسم الله الرحمن الرحيم، وأول البقرة ألم.
قال العلماء: وله وجه حسن، وهو أن البسملة لما ثبتت أولا في سورة الفاتحة فهي في باقي السور إعادة لها وتكرار، فلا يكون من تلك السور ضرورة، ولا يقال: هي آية من أول كل سورة، بل هي آية في أول كل سورة.
قال بعض المتأخرين: وهذا القول أحسن الأقوال، وبه تجتمع الأدلة، فإن إثباتها في المصحف بين السور منتهض في كونها من القرآن، ولم يقم دليل على كونها آية من أول كل سورة. وحكى المتولي من أصحابنا وجها: أنه إن كان الحرف الأخير من السورة قبله ياء ممدودة كالبقرة، فالبسملة آية كاملة، وإن لم يكن منها ك {اقتربت الساعة} [القمر: 1] فبعض آية.
وحكى الماوردي وغيره وجهين في أنها هل هي قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن أم على سبيل الحكم، لاختلاف العلماء فيها؟ ومعنى سبيل الحكم أنه لا تصح الصلاة إلا بها في أول الفاتحة، ولا يكون قارئا لسورة
(2/217)
************
بكمالها غير الفاتحة إلا إذا ابتدأها بالبسملة سوى براءة، لإجماع المسلمين على أن البسملة ليست بآية فيها.
وضعف الإمام وغيره قول من قال: إنها قرآن على القطع.
قال الإمام: هذه غباوة عظيمة من قائله، لأن ادعاء العلم حيث لا قاطع محال.
وقال الماوردي: قال جمهور أصحابنا: هي آية حكما لا قطعا، فعلى قول الجمهور يقبل في إثباتها خبر الواحد كسائر الأحكام، وعلى القول الآخر بخلافه كسائر القرآن، وهو ضعيف كما قال الإمام، إذ لا خلاف بين المسلمين أنه لا يكفر نافيها، ولو كانت على سبيل القطع لكفر. على أن ابن الرفعة حكى وجها عن صاحب الفروع " أنه قال بتكفير جاحدها، وتفسيق تاركها. ولنا مسلكان:
أحدهما: القطع بأنها منه، فإن الصحابة أثبتوها في المصحف على الوجه الذي أثبتوا به سائر القرآن، وأجمعوا. على أن ما بين الدفتين كلام الله مع شدة اعتنائهم بتجريده عما ليس منه، فيجب أن يكون من القرآن كسائر الآي المكررة، في الشعراء، والرحمن، والمرسلات. وأما الخلاف فيها، فإنه لا يهتك حرمة القطع، فكم من حكم يقيني قد اختلف فيه. أما في العقليات وما مبناه اليقين كالحسيات فكثير، وأما في الفروع فإن القائلين بأن المصيب فيها واحد ذهب أكثرهم إلى أنه لا يتعين. وكان القاضي أبو الطيب يقطع بخطأ مخالفه. ونقل مثل ذلك عن أحمد بن حنبل، وربما حلف على المسألة.
والحق: أنها منقسمة إلى يقينية وظنية كما سبق، لكن لما غلب على مسائل الخلاف الظن ظن أن جميعها كذلك، وليس كذلك.
وأما فصل التكفير فلازم لهم حيث لم يكفروا المثبتين كما يكفر من زاد
(2/218)
************
شيئا من المكررات، ثم الجواب أن مناط التكفير غير مناط القطع، فكم من قطعي لا يكفر منكره بل لا بد أن يكون مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة.
والثاني: أنه يكتفى بالظن كما فعل غير واحد. ثم نقول: نفس الآية لا تثبت إلا بقاطع، فأما تكرارها في المحال فلا يتوقف على القاطع.
[مسألة في القراءة الشاذة]
] حقيقة الشاذ لغة: المنفرد. وفي الاصطلاح عكس المتواتر، وقد سبق أن المتواتر قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب. قال الشيخ أبو شامة: فمتى اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة. قال: وقد أشار إلى ذلك جماعة من الأئمة المتقدمين ونص عليه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني. ذكره شيخنا أبو الحسن السخاوي في كتاب جمال القراء ".
(2/219)
************
ثم الكلام في مواضع:
أحدها: بالنسبة إلى المراد بها والمعروف أنها ما وراء السبع، والصواب: ما وراء العشر، وهي ثلاثة أخر: يعقوب وخلف وأبو جعفر يزيد بن القعقاع، فالقول بأن هذه الثلاثة غير متواترة ضعيف جدا، وقد ذكر البغوي في تفسيره " الإجماع على جواز القراءة بها.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العواصم: ضبط الأمر على سبع قراءات ليس له أصل في الشرع، وقد جمع قوم ثماني قراءات، وقوم عشرا، أصل ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم -، قال: «أنزل القرآن على سبع أحرف» فظن قوم أنها سبع قراءات وهذا باطل، وتيمن آخرون بهذا اللفظ فجمعوا سبع قراءات. وبعد أن ضبط الله الحروف والسور، فلا مبالاة بهذه التكليفات. وسبق عنه أن قراءة أبي جعفر ثابتة لا كلام فيها. اهـ.
الثاني: بالنسبة إلى القراءة بها.
قال الشيخ أبو الحسن السخاوي: ولا تجوز القراءة بشيء من الشواذ لخروجها عن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن، وهو المتواتر وإن كان موافقا للعربية وخط المصحف، لأنه جاء من طريق الآحاد، إن كانت نقلته ثقات.
قال أبو شامة: والشأن في الضبط ما تواتر من ذلك وما اجتمع عليه، ونقل الشاشي في المستظهري " عن القاضي الحسين أن الصلاة بالقراءة الشاذة لا تصح، وقال النووي في فتاويه ": تحرم.
الثالث: في الاحتجاج بها في الأحكام وتنزيلها منزلة الخبر. اعلم أن الآمدي نسب القول بأنها ليست بحجة إلى الشافعي. وكذا ادعى
(2/220)
************
الإبياري في شرح البرهان " أنه المشهور من مذهب مالك والشافعي وتبعه ابن الحاجب وكذلك النووي، فقال في شرح مسلم " مذهبنا: أن القراءة الشاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت خبرا، والموقع لهم في ذلك دعوى إمام الحرمين في البرهان ": أن ذلك ظاهر مذهب الشافعي، وتبعه أبو نصر بن القشيري والغزالي في المنخول " وإلكيا الطبري في التلويح "، وابن السمعاني في القواطع " وغيرهم، فقال إلكيا: القراءة الشاذة مردودة لا يجوز إثباتها في المصحف، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.
قال: وأما إيجاب أبي حنيفة التتابع في صوم كفارة اليمين لأجل قراءة ابن مسعود، فليس على تقدير أنه أثبت نظمه من القرآن، ولكن أمكن أنه كان من القرآن في قديم الزمان، ثم نسخت تلاوته، فاندرس مشهور رسمه فنقل آحادا، والحكم باق، وهذا لا يستنكر في العرف.
قال: والشافعي لا يرد على أبي حنيفة اشتراط التتابع على أحد القولين من هذه الجهة، ولكنه يقول: لعل ما زاده ابن مسعود تفسيرا منه، ومذهبا رآه، فلا بعد في تقديره، ولم يصرح بإسناده إلى القرآن. فإن قالوا: لا يجوز ضم القرآن إلى غيره، فكذلك لا يجوز ضم ما نسخت تلاوته إلى القرآن تلاوة. وهذا قد يدل من وجهة على بطلان نقل هذه القراءة عن ابن مسعود، فإنا على أحد الوجهين نبعد قراءة ما ليس من القرآن مع القرآن.
وقال: والدليل القاطع على إبطال نسبة القراءات الشاذة إلى القرآن أن
(2/221)
************
الاهتمام بالقرآن من الصحابة الذين بذلوا أرواحهم في إحياء معالم الدين يمنع تقدير دروسه وارتباط نقله بالآحاد.
قلت: وذكر أبو بكر الرازي في كتابه أنهم إنما عملوا بقراءة ابن مسعود لاستفاضتها وشهرتها عندهم في ذلك العصر، وإن كان، إنما نقلت إلينا الآن بطريق الآحاد، لأن الناس تركوا القراءة بها، واقتصروا على غيرها، وكلامنا إنما هو في أصول القوم. اهـ. وذكر أبو زيد في الأسرار " وصاحب المبسوط " من الحنفية اشتراط الشهرة في القراءة عند السلف، ولهذا لم يعملوا بقراءة أبي بن كعب، " فعدة من أيام أخر متتابعة " لأنها قراءة شاذة غير مشهورة، وبمثلها لا يثبت الزيادة على النص، فأما قراءة ابن مسعود فقد كانت مشهورة في زمن أبي حنيفة حتى كان الأعمش يقرأ ختما على حرف ابن مسعود، وختما من مصحف عثمان، والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور. اهـ.
تنبيهان [التنبيه] الأول
إن الحامل لهم على نسبة أنها ليست بحجة للشافعي عدم إيجابه التتابع في صوم كفارة اليمين مع علمه بقراءة ابن مسعود، وهو ممنوع، فقد سبق من كلام إلكيا إبطال استنباطه منه، وقد نص - رحمه الله - في مختصر البويطي " على أنها حجة في باب الرضاع، وفي باب تحريم الجمع، فقال: ذكر الله الرضاع بلا توقيت. وروت عائشة التوقيت بخمس، وأخبرت أنه مما أنزل من القرآن، وهو وإن لم يكن قرآنا فأقل حالاته أن يكون عن رسول
(2/222)
************
الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن القرآن لا يأتي به غيره كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، «لأقضين بينكما بكتاب الله» ، فحكمنا به على هذا، وليس هو قرآنا يقرأ اهـ.
وظاهره أنه يعمل بها من جهة كونها خبرا لا قرآنا، وجرى عليه جمهور الأصحاب منهم الشيخ أبو حامد والماوردي، والروياني في الصيام والرضاع، والقاضي أبو الطيب في الصيام ووجوب العمرة، والقاضي الحسين في الصيام، والمحاملي والرافعي في كتاب السرقة، واحتجوا في إيجاب قطع اليمين من السارق بقراءة ابن مسعود " فاقطعوا أيمانهما ".
وقال الروياني في البحر " في كتاب الصلاة أنها تجري مجرى الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الأثر عن الصحابة، نعم الشرط عند الشافعي في ذلك أن لا يخالف رسم المصحف، ولا يوجد غيرها مما هو أقوى منها، ولذلك لم يحتج بقراءة ابن عباس: " وعلى الذين يطيقونه فدية " مع أن مذهبه وجوب الفدية كما نص عليه في المختصر ".
قال شارحوه: إنما عدل الشافعي عن الاستدلال بهذه القراءة، لأنها تشذ عن الجماعة، وتخالف رسم المصحف.
قلت: أو لأنه رأى أنه لا استدلال بها مع وجود ما هو أقوى منها، فإن الله تعالى كان قد خير أولا بين الصيام وبين الإفطار والفدية، ثم ختم الصيام بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] وبقي من لم يطق على حكم الأصل في جواز الفطر ووجوب الفدية. ويخرج من كلام الشيخ أبي إسحاق الشيرازي شرط آخر، فإنه قال في كتابه التذكرة في الخلاف ": القراءة الشاذة إنما تلحق بخبر الواحد إذا قرأها قارئها على أنه قرآن، فإن ذكرها على أنها تفسير فلا، كقراءة ابن عمر: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها " وقراءة أبي بن كعب: " فعدة من أيام متتابعات ". اهـ.
(2/223)
************
وفيما قاله في التفسير نظر على رأي من يجعله في حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وممن صرح بها من الأصوليين أبو بكر الصيرفي فقال في كتاب الدلائل والأعلام ": ما روي آحادا من آي القرآن كرواية ابن عمر آية الرجم وخبر عائشة في الرضاع وخبر زيد بن أرقم: «لو كان لابن آدم واديان من الذهب لابتغى لهما ثالثا» فإنها ثابتة الأسانيد صحيحة من جهة النقل. ونحن نثبت ما قالوا على ما قالوا غير متأولين عليهم ما لم يظهر لنا إلا أن لا نجد وجها غير التأويل، وذلك لأن من القرآن ما نسخ رسمه وبقي حكمه، وإنما تجب تلاوة المرسوم، فأما ما بقي حكمه فلا تجب تلاوته.
والذي أجمع المسلمون عليه في الرسم هو الواجب تلاوته، والذي لم يرسم يتلى وينقل حكمه إذ كان القرآن المتلو يوجب شيئين:
أحدهما: إثبات حكمه وتلاوته والقطع عليه بما يعمل به والتسمية بما سماه الناقل، وليس يثبت المتلو بخبر الواحد، وإذا كان خبر الواحد قد يخص ظاهر المتلو ويثبته تثبيت الأحكام كان أيضا كذلك ما أثبت حكمه من جهة الخبر أنه قرآن في الحكم لا في الرسم والتلاوة.
انتهى.
وقال الماوردي في موضع آخر: إن أضافها القارئ إلى التنزيل أو إلى سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أجريت مجرى خبر الواحد، وإلا فهي جارية مجرى التأويل. اهـ. ويخرج من هذا التفصيل مذهب ثالث، وبه صرح الباجي في المنتقى " فقال: القراءة الشاذة هل تجري مجرى خبر الواحد؟ فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: التفصيل بين أن تسند أم لا. اهـ.
(2/224)
************
ويخرج من كلام أبي الحسين في المعتمد " مذهب رابع، فإنه قال في باب الأخبار: القرآن المنقول بالآحاد إما أن يظهر فيه الإعجاز أو لا، فإن لم يظهر جاز أن يعمل بما تضمنه من عمل إذا نقل إلينا بالآحاد، كقراءة ابن مسعود: " متتابعات " وإن ظهر فهو حجة للنبوة، ولا يكون حجة إلا وقد علم أنه لم يعارض في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع سماع أهل عصره له، ولا يعلم ذلك إلا وقد تواتر نقل ظهوره في ذلك العصر. وأطلق القاضي ابن العربي دعوى الإجماع على أنها لا توجب علما ولا عملا، وليس كما قال. وجعل القرطبي شارح مسلم " محل الخلاف بين الحنفية وغيرهم فيما إذا لم يصرح الراوي بسماعها وقطع بعدم حجيتها.
قال: فأما لو صرح الراوي بسماعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاختلفت المالكية في العمل بها على قولين، والأولى الاحتجاج بها تنزيلا لها منزلة الخبر.
[التنبيه] الثاني
أن هاهنا سؤالا، وهو أن يقال: إن كان مذهب الشافعي أنها حجة فهلا أوجب التتابع في صوم الكفارة اعتمادا على قراءة ابن مسعود " متتابعات " وهلا قال في الصلاة الوسطى: إنها صلاة العصر اعتمادا على قراءة عائشة: " وصلاة العصر "؟ وإن كان مذهبه أنها ليست بحجة فكيف اعتمد في التحريم في الرضاع بخمس على حديث عائشة؟ وكيف قال: إن الأقراء هي الأطهار؟ واعتمد في الأم " على أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ: " لقبل عدتهن " والذي يفصل عن هذا الإشكال أن لا يطلق القول في ذلك، بل يقال: لا يخلو إما أن تكون القراءة الشاذة وردت لبيان حكم أو لابتدائه،
(2/225)
************
فإن وردت لبيان حكم، فهي عنده حجة، كحديث عائشة في الرضاع وقراءة ابن مسعود: " أيمانهما "، وقوله: " لقبل عدتهن ".
وإن وردت ابتداء حكم، كقراءة ابن مسعود: " متتابعات "، فليس بحجة إلا أنه قد قيل: إنها لم تثبت عن ابن مسعود، ويدل له ما رواه الدارقطني بإسناد صحيح عن عائشة كان مما أنزل: " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " فسقطت " متتابعات ".
أو يقال: القراءة الشاذة إما أن ترد تفسيرا أو حكما، فإن وردت تفسيرا فهي حجة كقراءة ابن مسعود: أيمانهما وقوله: وله أخ أو أخت من أم وقراءة عائشة: " والصلاة الوسطى صلاة العصر "، وإن وردت حكما فلا يخلو إما أن يعارضها دليل آخر أم لا، فإن عارضها فالعمل للدليل كقراءة ابن مسعود في صيام المتمتع: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات "، فقد صح أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: «إن شئت فتابع أو لا» ، وإن لم يعارضها دليل آخر فللشافعي قولان، كوجوب التتابع في صوم الكفارة.
وأما تحرير مذهب أبي حنيفة فنقل إمام الحرمين وابن القشيري، عنه أنه ينزلها منزلة خبر الواحد، قال ابن القشيري: وهذا يناقض قوله: إن الزيادة في الحديث من بعض النقلة لا تقبل، وقال أبو زيد الدبوسي في كتاب تقديم الأدلة ": لا تثبت القراءة بخبر الواحد، ولهذا قالت الأئمة، فيمن قرأ في صلاته بكلمات تفرد بها ابن مسعود: إن صلاته لا تجوز كما لو قرأ خبرا من أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: وإنما أخذنا بقراءة ابن مسعود: " متتابعات " لإيجاب التتابع في الكفارة، فأخذنا بها عملا كما لو روى خبرا
(2/226)
************
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه إنما قرأها ناقلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما لم يثبت قرآنا لفوات شرطه بقي خبرا، فإن قيل: ينبغي أن يفعلوا كذلك في البسملة ليجب الجهر بها في الصلاة، وحرمة قراءتها على الجنب والحائض الذي هو حكم القرآن.
قلنا: لأنا لو فعلنا ذلك لم يكن حكما بظاهر ما توجبه التسمية، بل كان عملا بمقتضى أنها من الفاتحة، ولا عموم للمقتضى عندنا، وإنما لا يعمل فيما لا بد منه.
(2/227)
الإتقان في علوم القرآن (1/ 273)
التنبيه الثاني
قال الزركشي في البرهان: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد للبيان والإعجاز والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما والقراءات السبع متواترة عند الجمهور. وقيل: بل مشهورة.
قال الزركشي: والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر فإن إسنادهم بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد.
قلت: في ذلك نظر لما سيأتي واستثنى أبو شامة - كما تقدم الألفاظ المختلف فيها عن القراء.
واستثنى ابن الحاجب ما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتحقيق الهمزة.
وقال غيره: الحق أن أصل المد والإمالة متواتر ولكن التقدير غير متواتر للاختلاف في كيفيته. كذا قال: الزركشي، قال: وأما أنواع تحقيق الهمزة فكلها متواترة.
وقال ابن الجزري: لا نعلم أحدا تقدم ابن الحاجب إلى ذلك وقد نص على تواتر ذلك كله أئمة الأصول كالقاضي أبو بكر وغيره وهو الصواب لأنه إذا ثبت تواتر اللفظ ثبت تواتر هيئة أدائه لأن اللفظ لا يقوم إلا به ولا يصح إلا بوجوده
الإتقان في علوم القرآن (1/ 252)
واشتهر من هؤلاء في الآفاق الأئمة السبعة:
نافع وقد أخذ عن سبعين من التابعين منهم أبو جعفر.
وابن كثير وأخذ عن عبد الله بن السائب الصحابي.
وأبو عمرو وأخذ عن التابعين.
وابن عامر وأخذ عن أبي الدرداء وأصحاب عثمان.
وعاصم وأخذ عن التابعين.
وحمزة وأخذ عن عاصم والأعمش والسبيعي ومنصور بن المعتمر وغيره. والكسائي وأخذ عن حمزة وأبي بكر بن عياش.
ثم انتشرت القراءات في الأقطار وتفرقوا أمما بعد أمم واشتهر من رواة كل طريق من طرق السبعة راويان:
مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة (ط - الحديثة)، ج7، ص: 216
..........
______________________________
و قال الزركشي في «البرهان «1»»: التحقيق أنّها متواترة عن الأئمة السبعة، أمّا تواترها عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم ففيه نظر، فإنّ أسنادهم لهذه القراءات السبع موجود في الكتب و هو نقل الواحد عن الواحد، انتهى.
قلت: لعلّه أشار إلى قولهم: إنّ ابن كثير أخذ عن عبد اللّٰه بن السائب و هو أحد تلامذة ابيّ و لم يقولوا إنّه أخذ عن غيره من تلامذة ابيّ كأبي هريرة و ابن عباس و لا عن غيرهم، فظاهرهم أنّه إنّما نقل عن واحد و لم يقولوا فيه كما قالوا في نافع و غيره انّه أخذ عن جماعة، و لكن لعلّ ذلك لاشتهار أخذه عنه و إن أخذ عن غيره.
تفسير القاسمي = محاسن التأويل (1/ 189)
بحث أسانيد الأئمة السبعة هل هي متواترة أم آحاد
قال الزركشيّ، في البرهان: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان. فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم للبيان والإعجاز. والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها، من تخفيف وتشديد وغيرهما. والقراءات السبع متواترة عند الجمهور، وقيل بل هي مشهورة، ثم قال الزركشيّ: والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة. أما تواترها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ففيه نظر، فإن إسنادهم بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات. وهي نقل الواحد عن الواحد. نقله في الإتقان.
ونقل السروجيّ الحنفيّ في «باب الصوم» من كتاب «الغاية شرح الهداية» :
عن المعتزلة، أن السبع آحاد. وعن جميع أهل السنة، أنها متواترة. ومراده بالجميع المجموع. وإلا فقد اختار صاحب البدائع، من متأخري الحنفية، فيما نقله الكمال ابن أبي شريف، أن السبع مشهورة. حكاه القسطانيّ في اللطائف. ثم قال:
(فإن قلت:) الأسانيد إلى الأئمة السبعة وأسانيدهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، على ما في كتب القراءات، آحاد. لا يبلغ عدد التواتر. فمن أين جاء التواتر؟
(أجيب) بأن انحصار الأسانيد المذكورة في طائفة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم. وإنما نسبت القراءات إلى الأئمة. ومن ذكر في أسانيدهم، والأسانيد إليهم، لتصدّيهم لضبط الحروف وحفظ شيوخهم فيها. ومع كل منهم في طبقته ما يبلغها عدد التواتر. لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد، بقراءة إمامهم، الجمّ الغفير عن مثلهم. وكذلك دائما، مع تلقي الأمة لقراءة كل منهم بالقبول.
وقال السخاويّ ولا يقدح في تواتر القراءات السبع إذا أسندت من طريق الآحاد كما لو قلت: أخبرني فلان عن فلان أنه رأى مدينة سمرقند، (وقد علم وجودها بطريق التواتر) - لم يقدح ذلك فيما سبق من العلم بها. فقراءة السبع كلها متواترة.
القراءات وأثرها في علوم العربية (1/ 10)
المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
(1) ثانيا: فان قيل: هل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟
أقول: لقد ورد عن «بدر الدين الزركشي» ت 794 هـ (2) ما يفيد أنهما حقيقتان متغايرتان، واليك ما ورد عنه في ذلك:
قال الزركشي: «القرآن، والقراءات» حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على «محمد» صلّى الله عليه وسلم للبيان والاعجاز.
والقراءات: هي اختلاف الفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما.
ولا بد من التلقي والمشافهة، لأن القراءات اشياء لا تحكم الا بالسماع، والمشافهة أهـ (3).
تعقيب:
ولكني أرى ان «الزركشي» مع جلالة قدره، قد جانبه الصواب في ذلك وأرى ان كلا من «القرآن، والقراءات» حقيقتان بمعنى واحد.
يتضح ذلك بجلاء من تعريف كل منهما، ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في نزول القراءات.
فسبق ان قلنا: ان القرآن مصدر مرادف للقراءة الخ.
اذا فهما حقيقيان بمعنى واحد.
وقال صلّى الله عليه وسلم فيما يرويه «عبد الرحمن بن ابي ليلى» ت 83 هـ عن «أبيّ بن كعب» ت 20 هـ: ان النبي صلّى الله عليه وسلم كان عند «أضاة بنى غفار» (1) فأتاه «جبريل» عليه السلام فقال: «ان الله يأمرك ان تقرئ امتك القرآن على حرفين، فقال: اسأل الله معافاته ومغفرته، وان أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال «ان الله يأمرك ان تقرئ امتك القرآن على حرفين، فقال: اسأل الله معافاته ومغفرته، وان أمتي لا تطيق ذلك.
ثم جاء الثالثة فقال: ان الله يأمرك ان تقرئ امتك القرآن على ثلاثة احرف، فقال: اسأل الله معافاته ومغفرته، وان أمتي لا تطيق ذلك.
ثم جاء الرابعة قال: ان الله يأمرك ان تقرئ امتك القرآن على سبعة
احرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد اصابوا» أهـ (2)
الى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي سيأتي ذكرها، وكلها تدل دلالة واضحة على أنه لا فرق بين كل من «القرآن، والقراءات»، اذ كل منهما الوحي المنزل على نبينا «محمد» صلّى الله عليه وسلم.
القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة (ص: 57)
المؤلف: حليمة سال
العلاقة بين القرآن والقراءات:
للعلماء في ذلك رأيان:
الأول: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان:
قال الإمام الزركشي: "واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما" (1)، وتبعه الإمام القسطلاني (2) والدمياطي (3) وذهب إليه جمع من المعاصرين (4).
الثاني: أن القرآن والقراءات بمعنى واحد، قال به بعض المعاصرين:
قال الدكتور محمد سالم محيسن: "القرآن والقراءات حقيقتان بمعنى واحد، يتضح ذلك بتعريف كل منهما ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في نزول القراءات" (5).
ولا يتضح الأمر إلا بذكر التعريف المختار لكل من القرآن والقراءات ثم ملاحظة الفرق بينهما: فالقرآن هو كلام الله المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلا متواترا، المتعبد بتلاوته، المعجز المتحدي بأقصر سورة منه (6).
_________
(1) - الزركشي، البرهان في علوم القرآن. ص318.
(2) - القسطلاني، لطائف الإشارات لفنون القراءات. ج1/ص171.
(3) - الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر. ج1/ص68.
(4) - الصالح، الدكتور صبحي. مباحث في علوم القرآن. ص 108.
(5) - محيسن، محمد سالم. القراءات وأثرها في علوم العربية. بيروت- لبنان، دار الجيل، ط1، 1998م، ج1/ص17.
(6) - الشوكاني، محمد بن علي بن محمد. إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق: محمد سعيد البدري دار الفكر، بيروت - لبنان 1412، الطبعة: الأولى،1412هـ - 1992م، ص29.
القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة (ص: 58)
وأما علم القراءات فهو علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقا واختلافا، مع عزو كل وجه إلى ناقله (1).
من خلال التعريفين السابقين لكل من القرآن والقراءات، يتضح بأن بينهما فرقا ظاهرا، فالقرآن الكريم كلام الله المنزل كما سبق في التعريف، والقراءات: كيفيات أداء هذه الكلمات القرآنية بتعليم الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الآثار السابقة، فالقراءات كيفيات قراءة القرآن المنزلة على النبي صلى الله عليه وسلم التي علمها جبريل -عليه السلام-.
وقال الدكتور أحمد محمد مفلح القضاة معقبا على رأي الزركشي:"وهذا الإطلاق من الإمام يفيد كون القرآن والقراءات شيئين متغايرين مختلفين مطلقا من كل وجه، وهو إن كان يقصده الإمام فليس بصواب، لأن القراءات الصحيحة المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول ما هي إلا جزء من القرآن الكريم، فبينهما ارتباط وثيق، وهو ارتباط الجزء بالكل (2).
وأقول: إن القراءات القرآنية هي كيفيات قراءة القرآن الكريم، فأي فرق بين الشيء وماهيته، أو بين الشيء وكيفيته، فهما في الحقيقة سواء.
القراءات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بتلقين الصحابة- رضوان الله عليهم- القراءة وتعليمهم إياها وقراءة الآيات التي أنزلت عليهم، ومن هنا نشأ علم القراءات بالتلقين الشفوي عن
_________
(1) - عبد الفتاح القاضي، البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة. بيروت-لبنان، دار الكتاب العربي، ط1، 2004م، ص7. وهذا التعريف قريب من تعريف ابن الجزري انظر: ابن الجزري. منجد المقرئين. ص6.
(2) - القضاة، أحمد محمد مفلح، وآخرون. مقدمات في علم القراءات. عمان-الأردن، دار عمار، ط1،2001م، ص49.
مقدمات في علم القراءات (ص: 48)
المؤلف: محمد أحمد مفلح القضاة، أحمد خالد شكرى، محمد خالد منصور (معاصر)
ثالثا: الفرق بين القرآن والقراءات (3):
القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المعجز المتعبد بتلاوته والمنقول إلينا نقلا متواترا، والمبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس، وعليه: فالقرآن الكريم هو
الوحي الذي أنزله الله عز وجل على قلب محمد صلّى الله عليه وسلم، ونقل بالتواتر.
فهل هناك فرق بين القرآن والقراءات، وقد علمنا بأن القراءات هي كيفيات أداء كلمات القرآن، مع اختلافها معزوا إلى ناقله، ومنها المتواتر والشاذ على ما سيأتي.
بادئ بدء لا بد من القول بأن الإمام بدر الدين الزركشي يرى بأن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، حيث يقول: «واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، وكيفيتها، من تخفيف وتثقيل ... » (1). ومنه أيضا: التخفيف والهمز والتسهيل والتحقيق، والفتح والإمالة، وغيرها من أوجه الاختلاف سواء وقع في الأصول أو في فرش الكلمات.
وتابع الزركشي في هذا القول القسطلاني في لطائف الإشارات، والشيخ أحمد ابن محمد الدمياطي، صاحب إتحاف فضلاء البشر.
وهذا الإطلاق من الإمام الزركشي يفيد كون القرآن والقراءات شيئين متغايرين مختلفين مطلقا من كل وجه، وهو إن كان يقصده الإمام فليس بصواب؛ لأن القراءات الصحيحة المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول ما هي إلا جزء من القرآن الكريم، فبينهما ارتباط وثيق، وهو ارتباط الجزء بالكل.
ولعل ما قصده الإمام الزركشي أن بينهما ارتباطا وثيقا، وتداخلا لا ينكر، حيث قال: «ولست في هذا أنكر تداخل القرآن بالقراءات، إذ لا بد أن يكون الارتباط بينهما وثيقا، غير أن الاختلاف على الرغم من هذا يظل موجودا بينهما، بمعنى أن كلّا منهما شيء يختلف عن الآخر لا يقوى هذا التداخل بينهما على أن يجعلهما شيئا واحدا، فما القرآن إلا التركيب واللفظ، وما القراءات إلا اللفظ ونطقه، والفرق بين هذا وذاك واضح، وبيّن» (2).
والذي يبدو أن القرآن والقراءات ليسا متغايرين تغايرا كاملا، بل هما متغايران من وجه، حيث إن القرآن يشمل مواضع الاتفاق والاختلاف التي صحت وتواترت عن النبي صلّى الله عليه وسلم، والقراءات هي أوجه الاختلاف سواء كانت متواترة أو شاذة، ومعلوم بأن الشاذ لا يصح كونه قرآنا.
__________
(1) الزركشي، البرهان (1: 318).
(2) المصدر السابق.
مقدمات في علم القراءات (ص: 50)
كما أنهما ليسا متفقين مطلقا، بل هما متفقان من وجه أيضا، فإن القرآن هو الوحي النازل على النبي صلّى الله عليه وسلم، والقراءات الصحيحة المتواترة جزء من هذا القرآن.
ويرى الدكتور محمد سالم محيسن أن: القرآن والقراءات حقيقتان بمعنى واحد، أي: أنهما شيء واحد، ودليله: أن كلّا منهما وحي منزل على الرسول صلّى الله عليه وسلم (1).
والظاهر أن هذا الرأي ليس بصواب؛ لما يأتي (2):
1 - أن القراءات على اختلاف أنواعها لا تشمل كلمات القرآن كله، لأنها موجودة في بعض ألفاظه، فكيف يقال بأنهما حقيقتان متحدتان.
2 - أن تعريف القراءات يشمل المتواتر والشاذ، والقراءات المتواترة من القرآن قطعا، والقراءات الشاذة لا تعتبر قرآنا، فكيف يقال بأن القرآن والقراءات على هذا الإطلاق حقيقة متحدة.
لذا، فإن المتتبع لروايات الأحرف السبعة، وما تتضمنه من معان ودلالات يجدها تدلل على أن القرآن الكريم هو الوحي الذي أنزله الله عز وجل على نبيه صلّى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز بما يتضمنه من أوجه الاختلاف التي تواترت وهي الأحرف السبعة، والتي سبق بيان معناها، وأنها كيفيات مختلفة لأداء كلمات القرآن الكريم، ومن هذه الكيفيات ما نسخ، ولم يتواتر، ومنها ما صح وتواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو جملة ما بقي من الأحرف السبعة.
والمدقق في: كلمات القرآن الكريم المتواتر: يجد أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الكلمات التي لم تنزل إلا بوجه واحد، وبكيفية واحدة، وهي أكثر القرآن الكريم.
القسم الثاني: الكلمات التي نزلت بعدة أوجه، وهي جملة ما بقي من الأحرف السبعة، وهي أوجه الاختلاف التي ينقلها القراء بالتواتر جيلا بعد جيل.
وعليه: فإن القرآن والقراءات المتواترة حقيقة واحدة باعتبار كونهما وحيا من عند الله تبارك وتعالى؛ فإن القراءات المتواترة والاختلاف الثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلم في بعض الكلمات جزء من الوحي النازل على النبي صلّى الله عليه وسلم.
والقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان باعتبار طبيعة كل منهما، فإن القرآن هو كل ما نزل من عند الله عز وجل سواء كان بوجه أو وجوه ونقل بالتواتر، وهو في الحالتين نزل للإعجاز والبيان، والقراءات بنوعيها المتواتر والشاذ؛ وهي الكلمات المختلف فيها.
ولذا فإن القرآن الكريم أعم من القراءات القرآنية المتواترة، كما أن القراءات الشاذة ليست من القرآن، والقراءات القرآنية المتواترة جزء من القرآن، ولا تنافي بينهما فكل قراءة صحيحة ثابتة عن النبي صلّى الله عليه وسلم هي بعض من أبعاض القرآن الكريم، نزلت رخصة وتخفيفا على الأمة كما ثبت ذلك في أحاديث الأحرف السبعة.
__________
(1) القراءات وأثرها في علوم العربية (1: 17 - 18).
(2) الدكتور شعبان محمد إسماعيل، القراءات: أحكامها، ومصدرها، ود. حازم سعيد حيدر، علوم القرآن بين البرهان والإتقان، ص 224 و 225.
صفحات في علوم القراءات (ص: 17)
المؤلف: د. أبو طاهر عبد القيوم عبد الغفور السندي
علاقة القراءات بالقرآن الكريم:
للعلماء في ذلك آراء ثلاثة:
1- يرى الإمام بدر الدين الزركشي "ت794هـ" أنهما حقيقتان متغايرتان.
ودليله:
أن القرآن هو الوحي المنزَّل على محمد -صلى الله عليه وسلم- للبيان والإعجاز.
والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما.
ولا بُدَّ فيها من التلقي والمشافهة؛ لأن فيها أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة1.
وقد تبعه في ذلك الإمام شهاب الدين القسطلاني "ت923هـ" في كتابه "لطائف الإشارات لفنون القراءات"
__________
1 راجع: البرهان 1/ 318.
صفحات في علوم القراءات (ص: 18)
1/ 171، 172، والإمام شهاب الدين البنا الديماطي "ت1117هـ" في كتابه "إتحاف فضلاء البشر" 1/ 68، 69.
2- ويرى الدكتور محمد سالم محيسن: أنهما حقيقتان بمعنى واحد؛ لأن القرآن مصدر مرادف للقراءة، والقراءات جمع قراءة؛ إذن فهما حقيقتان بمعنى واحد، كما أن أحاديث نزول القرآن على الأحرف السبعة تدل دلالة واضحة على أنه لا فرق بينهما؛ إذ كل منهما وحي منزل1.
3- ويرى الدكتور شعبان محمد إسماعيل: أنهما ليسا متغايرين تغايرًا تامًّا، كما أنهما ليسا متحدين اتحادًا كليًّا؛ بل بينهما ارتباط وثيق كارتباط الجزء بالكل.
وذلك لأن:
أ- القراءات لا تشتمل كلمات القرآن كله؛ بل توجد في بعض ألفاظه فقط.
ب- تعريف القراءات يشمل المتواترة والشاذة، وقد أجمعت الأمة على عدم قرآنية القراءات الشاذة2.
ولعل هذا الذي يقصده الإمام الزركشي؛ حيث قال:
"ولست في هذا أنكر تداخل القرآن بالقراءات؛ إذ
__________
1 انظر: "في رحاب القرآن" 1/ 209، 210.
2 راجع: "القراءات أحكامها ومصدرها" ص23 وما بعدها، وهامش كتاب إتحاف فضلاء البشر 1/ 69.
صفحات في علوم القراءات (ص: 19)
لا بُدَّ أن يكون الارتباط بينهما وثيقًا، غير أن الاختلاف على الرغم من هذا يظل موجودًا بينهما؛ بمعنى أن كلًّا منهما شيء يختلف عن الآخر لا يقوى التداخل بينهما على أن يجعلهما شيئًا واحدًا، فما القرآن إلا التركيب واللفظ.
وما القراءات إلا اللفظ ونطقه، والفرق بين هذا وذاك واضح بيِّن"1.
والذي أراه هنا -والله أعلم- هو أن نفصِّل القول في القراءات:
فالقراءات قسمان: المقبولة والمردودة.
أ- المقبولة: هي التي تتوفر فيها الشروط الثلاثة:
1- أن تكون متواترة.
2- أن توافق اللغة العربية ولو بوجه.
3- أن توافق رسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا.
وهذا القسم هو الذي قال فيه العلماء:
1- يجب على كل مسلم اعتقاد قرآنيته.
2- يُقرأ به تعبدًا في الصلوات وخارجها.
3- يكفر جاحد حرف منه.
وهذا ما يقال في القرآن كذلك، وهل يقرأ القرآن إلا
__________
1 البرهان 1/ 318.
صفحات في علوم القراءات (ص: 20)
براوية من روايات القراءات المتواترة؟
وعلى هذا فالقرآن هو عين القراءات المتواترة وبالعكس، فهما حقيقتان بمعنى واحد، وعلى هذا يحمل قول الدكتور/ محمد سالم محيسن.
ب- المردودة: وهي التي اختل فيها شرط من الشروط الثلاثة لقبولها، وهي التي يطلق عليها الشاذة، وقد قال العلماء فيها:
1- لا يجوز اعتقاد قرآنيتها.
2- لا تجوز القراءة بها تعبدًا.
3- يجب تعزير من أصر على قراءتها تعبدًا وإقراءً.
وعلى هذا فالقراءات هي غير القرآن، وبينهما تغاير كلي، فهما حقيقتان متغايرتان؛ لأن الشاذة حتى لو ثبتت قراءة منها بسند صحيح لا يعتقد قرآنيتها؛ بل تعتبر من الأخبار الآحاد، والخبر الواحد من أقسام الحديث، والحديث غير القرآن.
هذا ما يظهر لي، والله أعلم بالصواب.