بسم الله الرحمن الرحیم

شرح حملات مغول از ابن ابی الحدید

نهج البلاغة
شرح نهج البلاغة-ابن ابی الحدید
شناسنامه حدیث-ملاحم-مغول-چنگیز-هولاکو
شرح حال ابن أبي الحديد عبد الحميد بن هبة الله(586 - 656 هـ = 1190 - 1258 م)
شواهد سني بودن ابن ابي الحديد
إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه
کلمات فراء در باره قراءات-وبها كان علي بن أبي طالب يعلم الفتن
شرح حال هولاكو بن تولي‌قان بن جنكزخان(615 - 663 هـ = 1218 - 1265 م)
ذکر تطبیق سید بن طاوس قده روایت حاکم عدل را بر خودشان
الحروف المقطعة
فهرست علم الجفر


************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ؛ ج‏8 ؛ ص218
فصل في ذكر جنكزخان و فتنة التتر
و اعلم أن هذا الغيب الذي أخبر ع عنه قد رأيناه نحن عيانا و وقع في زماننا و كان الناس ينتظرونه من أول الإسلام حتى ساقه القضاء و القدر إلى عصرنا و هم التتار الذين خرجوا من أقاصي المشرق حتى وردت خيلهم العراق و الشام و فعلوا بملوك الخطا و قفجاق و ببلاد ما وراء النهر و بخراسان و ما والاها من بلاد العجم ما لم تحتو التواريخ منذ خلق الله آدم إلى عصرنا هذا على مثله فإن بابك الخرمي لم تكن نكايته و إن طالت مدته نحو عشرين سنة إلا في إقليم واحد و هو أذربيجان و هؤلاء دوخوا المشرق كله و تعدت نكايتهم إلى بلاد أرمينية و إلى الشام و وردت خيلهم إلى العراق و بخت‏نصر الذي قتل اليهود إنما أخرب بيت المقدس و قتل من كان بالشام من بني إسرائيل و أي نسبة بين من كان بالبيت المقدس من بني إسرائيل إلى البلاد و الأمصار التي أخربها هؤلاء و إلى الناس الذين قتلوهم من المسلمين و غيرهم‏



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 219
و نحن نذكر طرفا من أخبارهم و ابتداء ظهورهم على سبيل الاختصار فنقول إنا على كثرة اشتغالنا بالتواريخ و بالكتب المتضمنة أصناف الأمم لم نجد ذكر هذه الأمة أصلا و لكنا وجدنا ذكر أصناف الترك من القفجاق و اليمك و البرلو و التفريه و اليتبه و الروس و الخطا و القرغز و التركمان و لم يمر بنا في كتاب ذكر هذه الأمة سوى كتاب واحد و هو كتاب مروج الذهب للمسعودي فإنه ذكرهم هكذا بهذا اللفظ التتر و الناس اليوم يقولون التتار بألف و هذه الأمة كانت في أقاصي بلاد المشرق في جبال طمغاج من حدود الصين و بينهم و بين بلاد الإسلام التي ما وراء النهر ما يزيد على مسير ستة أشهر و قد كان خوارزمشاه و هو محمد بن تكش استولى على بلاد ما وراء النهر و قتل ملوكها من الخطا الذين كانوا ببخارى و سمرقند و بلاد تركستان نحو كاشغر و بلاساغون و أفناهم و كانوا حجابا بينه و بين هذه الأمة و شحن هذه البلاد بقواده و جنوده و كان في ذلك غالطا لأن ملوك الخطا كانوا وقاية له و مجنا من هؤلاء فلما أفناهم صار هو المتولي لحرب هؤلاء أو سلمهم فأساء قواده و أمراؤه الذين بتركستان السيرة معهم و سدوا طرق التجارة عنهم فانتدبت منهم طائفة نحو عشرين ألفا مجتمعة كل بيت منها له رئيس مفرد فهم متساندون و خرجوا إلى بلاد تركستان فأوقعوا بقواد خوارزمشاه و عماله هناك و ملكوا البلاد و تراجع من بقي من عسكر خوارزمشاه و سلم من سيف التتار إلى خوارزمشاه فأغضى على ذلك و رأى أن سعة ملكه تمنعه عن مباشرة حربهم بنفسه و أن غيره من قواده لا يقوم مقامه في ذلك و ترك بلاد تركستان لهم و استقر الأمر على أن تركستان لهم و ما عداها من بلاد ما وراء النهر كسمرقند و بخارى و غيرهما لخوارزمشاه فمكثوا كذلك نحو أربع سنين.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 220
ثم إن المعروف بجنكزخان و الناس يلفظونه بالراء و ذكر لي جماعة من أهل المعرفة بأحوال التتر أنه جنكز بالزاي المعجمة عن له رأي في النهوض إلى بلاد تركستان و ذلك أن جنكزخان هذا هو رئيس التتار الأقصين في المشرق و ابن رئيسهم و ما زال سلفه رؤساء تلك الجهة و كان شجاعا عاقلا موفقا منصورا في الحرب و إنما عن له هذا الرأي لأنه رأى أن طائفة من التتار لا ملك لهم و إنما يقوم بكل فرقة منهم مدبر لها من أنفسها قد نهضت فملكت بلاد تركستان على جلالتها غار من ذلك و أراد الرئاسة العامة لنفسه و أحب الملك و طمع في البلاد فنهض بمن معه من أقاصي الصين حتى صار إلى حدود أعمال تركستان فحاربه التتار الذين هناك و منعوه عن تطرق البلاد فلم يكن لهم به طاقة و هزمهم و قتل كثيرا منهم و ملك بلاد تركستان بأجمعها و صار كالمجاور لبلاد خوارزمشاه و إن كان بينهما مسافة بعيدة و صار بينه و بين خوارزمشاه سلم و مهادنة إلا أنها هدنة على دخن.
فمكثت الحال على ذلك يسيرا ثم فسدت بما كان يصل إلى خوارزمشاه على ألسنة التجار من الأخبار و أن جنكزخان على عزم النهوض إلى سمرقند و ما يليها و أنه في التأهب و الاستعداد فلو داراه لكان أولى له لكنه شرع فسد طرق التجار القاصدين إليهم فتعذرت عليهم الكسوات و منع عنهم الميرة و الأقوات التي تجلب و تحمل من أعمال ما وراء النهر إلى تركستان فلو اقتنع بذلك لكان قريبا لكنه أنهى إليه نائبة بالمدينة المعروفة بأوتران و هي آخر ولايته بما وراء النهر أن جنكزخان قد سير جماعة من تجار التتار و معهم شي‏ء عظيم من الفضة إلى سمرقند ليشتروا له و لأهله و بني عمه كسوة و ثيابا و غير ذلك.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 221
فبعث إليه خوارزمشاه يأمره بقتل أولئك التجار و أخذ ما معهم من الفضة و إنفاذها إليه فقتلهم و سير إليه الفضة و كان ذلك شيئا كثيرا جدا- ففرقه خوارزمشاه على تجار سمرقند و بخارى و أخذ ثمنه منهم لنفسه ثم علم أنه قد أخطأ فأرسل إلى نائبه بأوتران يأمره أن ينفذ جواسيس من عنده إليهم ليخبروه بعدتهم فمضت الجواسيس و سلكت مفاوز و جبالا كثيرة و عادوا إليه بعد مدة فأخبروه بكثرة عددهم و أنهم لا يبلغهم الإحصاء و لا يدركهم و أنهم من أصبر الناس على القتال لا يعرفون الفرار و يعملون ما يحتاجون إليه من السلاح بأيديهم و أن خيلهم لا تحتاج إلى الشعير بل تأكل نبات الأرض و عروق المراعي و أن عندهم من الخيل و البقر ما لا يحصى و أنهم يأكلون الميتة و الكلاب و الخنازير و هم أصبر خلق الله على الجوع و العطش و الشقاء و ثيابهم من أخشن الثياب مسا و منهم من يلبس جلود الكلاب و الدواب الميتة و أنهم أشبه شي‏ء بالوحش و السباع.
فأنهي ذلك كله إلى خوارزمشاه فندم على قتل أصحابهم و على خرق الحجاب بينه و بينهم و أخذ أموالهم و غلب عليه الفكر و الوجل فأحضر الشهاب الخيوفي و هو فقيه فاضل كبير المحل عنده لا يخالف ما يشير به فقال له قد حدث أمر عظيم لا بد من الفكر فيه و إجالة الرأي فيما نفعل و ذلك أنه قد تحرك إلينا خصم من الترك في عدد لا يحصى فقال له عساكرك كثيرة و تكاتب الأطراف و تجمع الجنود و يكون من ذلك نفير عام فإنه يجب على المسلمين كافة مساعدتك بالأموال و الرجال ثم تذهب بجميع العساكر إلى جانب سيحون و هو نهر كبير يفصل بين بلاد الترك و بين بلاد خوارزمشاه فتكون هناك فإذا جاء العدو و قد سار مسافة بعيدة لقيناه و نحن جامون مستريحون و قد مسه و عساكره النصب و اللغوب.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 222
فجمع خوارزمشاه أمراءه و من عنده من أرباب المشورة فاستشارهم فقالوا لا بل الرأي أن نتركهم ليعبروا سيحون إلينا و يسلكوا هذه الجبال و المضايق فإنهم جاهلون بطرقها و نحن عارفون بها فنظهر عليهم و نهلكهم عن آخرهم.
فكانوا على ذلك حتى وصل رسول من جنكزخان و معه جماعة يتهدد خوارزمشاه و يقول تقتل أصحابي و تجاري و تأخذ مالي منهم استعد للحرب فإني واصل إليك بجمع لا قبل لك به.
فلما أدى هذه الرسالة إلى خوارزمشاه أمر بقتل الرسول فقتل و حلق لحى الجماعة الذين كانوا معه و أعادهم إلى صاحبهم جنكزخان ليخبروه بما فعل بالرسول و يقولوا له إن خوارزمشاه يقول لك إني سائر إليك فلا حاجة لك أن تسير إلي فلو كنت في آخر الدنيا لطلبتك حتى أقتلك و أفعل بك و بأصحابك ما فعلت برسلك.
و تجهز خوارزمشاه و سار بعد نفوذ الرسول مبادرا لسبق خبره و يكبس التتار على غرة فقطع مسيرة أربعة أشهر في شهر واحد و وصل إلى بيوتهم و خركاواتهم فلم ير فيها إلا النساء و الصبيان و الأثقال فأوقع بهم و غنم الجميع و سبى النساء و الذرية.
و كان سبب غيبوبة التتار عن بيوتهم أنهم ساروا إلى محاربة ملك من ملوك الترك يقال له كشلوخان فقاتلوه فهزموه و غنموا أمواله و عادوا فلقيهم الخبر في طريقهم بما فعل خوارزمشاه بمخلفيهم فأغذوا السير فأدركوه و هو على الخروج من بيوتهم‏



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 223
بعد فراغه من الغنيمة فواقعوه و تصافوا للحرب ثلاثة أيام بلياليها لا يفترون نهارا و لا ليلا فقتل من الفريقين ما لا يعد و لم ينهزم منهم أحد.
أما المسلمون فصبروا حمية للدين و علموا أنهم إن انهزموا لم يبق للإسلام باقية ثم إنهم لا ينجون بل يؤخذون و يؤسرون لبعدهم عن بلاد يمتنعون بها و أما التتار فصبروا لاستنقاذ أموالهم و أهلهم و اشتد الخطب بين الطائفتين حتى أن أحدهم كان ينزل عن فرسه و يقاتل قرنه راجلا مضاربة بالسكاكين و جرى الدم على الأرض حتى كانت الخيل تزلق فيه لكثرته و لم يحضر جنكزخان بنفسه هذه الوقعة و إنما كان فيها قاآن ولده فأحصي من قتل من المسلمين فكانوا عشرين ألفا و لم يحص عدة من قتل من التتار. فلما جاءت الليلة الرابعة افترقوا فنزل بعضهم مقابل بعض فلما أظلم الليل أوقد التتار نيرانهم و تركوها بحالها و ساروا راجعين إلى جنكزخان ملكهم و أما المسلمون فرجعوا و معهم محمد خوارزمشاه فلم يزالوا سائرين حتى وافوا بخارى و علم خوارزمشاه أنه لا طاقة له بجنكزخان لأن طائفة من عسكره لم يلقوا خوارزمشاه بجميع عساكره بهم فكيف إذا حشدوا و جاءوا على بكرة أبيهم و ملكهم جنكزخان بينهم.
فاستعد للحصار و أرسل إلى سمرقند يأمر قواده المقيمين بها بالاستعداد للحصار و جمع الذخائر للامتناع و المقام من وراء الأسوار و جعل في بخارى عشرين ألف فارس يحمونها و في سمرقند خمسين ألفا و تقدم إليهم بحفظ البلاد حتى يعبر هو إلى خوارزم و خراسان فيجمع العساكر و يستنجد بالمسلمين و الغزاة المطوعة و يعود إليهم.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 224
ثم رحل إلى خراسان فعبر جيحون و كانت هذه الوقعة في سنة ست عشرة و ستمائة فنزل بالقرب من بلخ فعسكر هناك و استنفر الناس.
و أما التتار فإنهم رحلوا بعد أن استعدوا يطلبون بلاد ما وراء النهر فوصلوا إلى بخارى بعد خمسة أشهر من رحيل خوارزمشاه عنها و حصروها فقاتلوا العسكر المرابط بها ثلاثة أيام قتالا متتابعا فلم يكن للعسكر الخوارزمي بهم قوة ففتحوا أبواب المدينة ليلا و خرجوا بأجمعهم عائدين إلى خراسان فأصبح أهل بخارى و ليس عندهم من العسكر أحد أصلا فضعفت نفوسهم فأرسلوا قاضي بخارى‏ «1» ليطلب الأمان للرعية فأعطاه التتار الأمان و قد كان بقي في قلعة بخارى خاصة طائفة من عسكر خوارزمشاه معتصمون بها.
فلما رأى أهل بخارى بذلهم للأمان فتحوا أبواب المدينة و ذلك في رابع ذي الحجة من سنة ست عشرة و ستمائة فدخل التتار «2» بخارى و لم يتعرضوا لأحد من الرعية بل قالوا لهم كل ما لخوارزمشاه عندكم من وديعة أو ذخيرة أخرجوه إلينا و ساعدونا على قتال من بالقلعة و لا بأس عليكم و أظهروا فيهم العدل و حسن السيرة و دخل جنكزخان بنفسه إلى البلد و أحاط بالقلعة و نادى مناديه في البلدان لا يتخلف أحد و من تخلف قتل فحضر الناس بأسرهم فأمرهم بطم الخندق فطموه بالأخشاب و الأحطاب و التراب ثم زحفوا نحو القلعة و كان عدة من بها من الجند الخوارزمية أربعمائة إنسان فبذلوا جهدهم و منعوا القلعة عشرة أيام إلى أن وصل النقابون إلى سور القلعة فنقبوه و دخلوا القلعة فقتلوا كل من بها من الجند و غيرهم.
______________________________
(1) في ابن الأثير: «و هو بدر الدين قاضى‏خان».
(2) ابن الأثير: «فدخل الكفار».



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 225
فلما فرغوا منها أمر جنكزخان أن يكتب له وجوه البلد و رؤساؤهم ففعل ذلك فلما عرضوا عليه أمر بإحضارهم فأحضروا فقال لهم أريد منكم الفضة النقرة «1» التي باعها إياكم خوارزمشاه فإنها لي و من أصحابي أخذت فكان كل من عنده شي‏ء منها يحضره فلما فرغ من ذلك أمرهم بالخروج عن البلد بأنفسهم خاصة فخرجوا مجردين عن أموالهم ليس مع كل واحد منهم إلا ثيابه التي على جسده فأمر بقتلهم فقتلوا عن آخرهم و أمر حينئذ بنهب البلد فنهب كل ما فيه و سبيت النساء و الأطفال و عذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال ثم رحلوا عنه نحو سمرقند و قد تحققوا عجز خوارزمشاه عنهم و استصحبوا معهم من سلم من أهل بخارى أسارى مشاة على أقبح صورة و كل من أعيا و عجز عن المشي قتلوه.
فلما قاربوا سمرقند قدموا الخيالة و تركوا الرجالة و الأسارى و الأثقال وراءهم حتى يلتحقوا بهم شيئا فشيئا ليرعبوا قلوب أهل البلد فلما رأى أهل سمرقند سوادهم استعظموهم فلما كان اليوم الثاني وصل الأسارى و الرجالة و الأثقال و مع كل عشرة من الأسارى علم فظن أهل البلد أن الجميع عسكر مقاتلة فأحاطوا بسمرقند و فيها خمسون ألفا من الخوارزمية و ما لا يحصى كثرة من عوام البلد فأحجم العسكر الخوارزمي عن الخروج إليهم و خرجت العامة بالسلاح فأطمعهم التتار في أنفسهم و قهقروا عنهم و قد كمنوا لهم كمناء فلما جاوزوا الكمين خرج عليهم من ورائهم و شد عليهم من ورائهم جمهور التتار فقتلوهم عن آخرهم.
فلما رأى من تخلف بالبلد ذلك ضعفت قلوبهم و خيلت للجند الخوارزمي أنفسهم‏
______________________________
(1) النقرة: القطعة المذابة من الفضة أو الذهب.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 226
أنهم إن استأمنوا إلى التتار أبقوا عليهم للمشاركة في جنسية التركية فخرجوا بأموالهم و أهليهم إليهم مستأمنين فأخذوا سلاحهم و خيلهم ثم وضعوا السيف فيهم فقتلوهم كلهم ثم نادوا في البلد برئت الذمة ممن لم يخرج و من خرج فهو آمن فخرج الناس إليهم بأجمعهم فاختلطوا عليهم و وضعوا فيهم السيف و عذبوا الأغنياء منهم و استصفوا أموالهم و دخلوا سمرقند فأخربوها و نقضوا دورها و كانت هذه الوقعة في المحرم سنة سبع عشرة و ستمائة.
و كان خوارزمشاه مقيما بمنزله الأول كلما اجتمع له جيش سيره إلى سمرقند فيرجع و لا يقدم على الوصول إليها فلما قضوا وطرا من سمرقند سير جنكزخان عشرين ألف فارس و قال لهم اطلبوا خوارزمشاه أين كان و لو تعلق بالسماء حتى تدركوه و تأخذوه و هذه الطائفة تسميها التتار المغربة لأنها سارت نحو غرب خراسان و هم الذين أوغلوا في البلاد و مقدمهم جرماغون نسيب جنكزخان. و حكي أن جنكزخان كان قد أمر على هذا الجيش ابن عم له شديد الاختصاص به يقال له متكلى‏نويرة و أمره بالجد و سرعة المسير فلما ودعه عطف متكلى‏نويرة هذا فدخل إلى خركاه فيها امرأة له كان يهواها ليودعها فاتصل ذلك بجنكزخان فصرفه في تلك الساعة عن إمارة الجيش و قال من يثني عزمه امرأة لا يصلح لقيادة الجيوش و رتب مكانه جرماغون فساروا و قصدوا من جيحون موضعا يسمى بنج‏آب أي خمسة مياه و هو يمنع العبور فلم يجدوا به سفنا فعملوا من الخشب مثل الأحواض الكبار و لبسوه جلود البقر و وضعوا فيه أسلحتهم و أقحموا خيولهم الماء و أمسكوا بأذنابها



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 227
و تلك الأحواض مشدودة إليها فكان الفرس يجذب الرجل و الرجل يجذب الحوض فعبروا كلهم ذلك الماء دفعة واحدة فلم يشعر خوارزمشاه بهم إلا و هم معه على أرض واحدة و كان جيشه قد ملئ رعبا منهم فلم يقدروا على الثبات فتفرقوا أيدي سبأ و طلب كل فريق منهم جهة و رحل خوارزمشاه في نفر من خواصه لا يلوي على شي‏ء و قصد نيسابور فلما دخلها اجتمع عليه بعض عسكره فلم يستقر حتى وصل جرماغون إليه و كان لا يتعرض في مسيره بنهب و لا قتل بل يطوي المنازل طيا يطلب خوارزمشاه و لا يمهله ليجمع عسكرا فلما عرف قرب التتار منه هرب من نيسابور إلى مازندران فدخلها و رحل جرماغون خلفه و لم يعرج على نيسابور بل قصد مازندران فخرج خوارزمشاه عنها فكان كلما رحل عن منزل نزله التتار حتى وصل إلى بحر طبرستان فنزل هو و أصحابه في سفن و وصل التتار فلما عرفوا نزوله البحر رجعوا و أيسوا منه.
و هؤلاء الذين ملكوا عراق العجم و أذربيجان فأقاموا بناحية تبريز إلى يومنا هذا.
ثم اختلف في أمر خوارزمشاه فقوم يحكون أنه أقام بقلعة له في بحر طبرستان منيعة فتوفي بها و قوم يحكون أنه غرق في البحر و قوم يحكون أنه غرق و نجا عريانا فصعد إلى قرية من قرى طبرستان فعرفه أهلها فجاءوا و قبلوا الأرض بين يديه و أعلموا عاملهم به فجاء إليه و خدمه فقال له خوارزمشاه احملني في مركب إلى الهند فحمله إلى شمس الدين أنليمش ملك الهند و هو نسيبه من جهة زوجته والدة منكبوني بن خوارزمشاه الملك جلال الدين فإنها هندية من أهل بيت الملك فيقال إنه وصل إلى أنليمش و قد تغير



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 228
عقله مما اعتراه من خوف التتار أو لأمر سلطه الله تعالى عليه فكان يهذي بالتتار بكرة و عشية و كل وقت و كل ساعة و يقول هو ذا هم قد خرجوا من هذا الباب قد هجموا من هذه الدرجة و يرعد و يحول لونه و يختل كلامه و حركاته.
و حكى لي فقيه خراساني وصل إلى بغداد يعرف بالبرهان قال كان أخي معه و كان ممن يثق خوارزمشاه به و يختصه قال لهج خوارزمشاه لما تغير عقله بكلمة كان يقولها قرا تتر كلدي يكررها و تفسيرها التتر السود قد جاءوا و في التتر صنف سود يشبهون الزنج لهم سيوف عريضة جدا على غير صورة هذه السيوف يأكلون لحوم الناس فكان خوارزمشاه قد أهتر و أغري بذكرهم.
و حدثني البرهان قال رقي به شمس الدين أنليمش إلى قلعة من قلاع الهند حصينة عالية شاهقة لا يعلوها الغيم أبدا و إنما تمطر السحب من تحتها و قال له هذه القلعة لك و ذخائرها أموالك فكن فيها وادعا آمنا إلى أن يستقيم طالعك فالملوك ما زالوا هكذا يدبر طالعهم ثم يقبل فقال له لا أقدر على الثبات فيها و المقام بها لأن التتر سوف يطلبونني و يقدمون إلى هاهنا و لو شاءوا لوضعوا سروج خيلهم واحدا على واحد تحت القلعة فبلغت إلى ذروتها و صعدوا عليها فأخذوني قبضا باليد فعلم أنليمش أن عقله قد تغير و أن الله تعالى قد بدل ما به من نعمة فقال فما الذي تريد قال أريد أن تحملني في البحر المعروف ببحر المعبر إلى كرمان فحمله في نفر يسير من مماليكه إلى كرمان ثم خرج منها إلى أطراف بلاد فارس فمات هناك في قرية من قرى فارس و أخفي موته لئلا يقصده التتر و تطلب جثته‏ «1».
______________________________
(1) في ابن الأثير 9: 33 فصل واف عن خوارزم شاه و سيرته.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 229
و جملة الأمر أن حاله مشتبهة ملتبسة لم يتحقق على يقين و بقي الناس بعد هلاكه نحو سبع سنين ينتظرونه.
و يذهب كثير منهم إلى أنه حي مستتر إلى أن ثبت عند الناس كافة أنه هلك.
فأما جرماغون فإنه لما يئس من الظفر بخوارزمشاه عاد من ساحل البحر إلى مازندران فملكها في أسرع وقت مع حصانتها و صعوبة الدخول إليها و امتناع قلاعها فإنها لم تزل ممتنعة على قديم الوقت حتى أن المسلمين لما ملكوا بلاد الأكاسرة من العراق إلى أقصى خراسان بقيت أعمال مازندران بحالها تؤدي الخراج و لا يقدر المسلمون على دخولها إلى أيام سليمان بن عبد الملك. و لما ملكت التتار مازندران قتلوا فيها و نهبوا و سلبوا ثم سلكوا نحو الري فصادفوا في الطريق والدة خوارزمشاه و نساءه و معهن أموال بيت خوارزمشاه و ذخائرهم التي ما لا يسمع بمثلها من الأعلاق النفيسة و هن قاصدات نحو الري ليعتصمن ببعض القلاع المنيعة فاستولى التتار عليهن و على ما معهن بأسره و سيروه كله إلى جنكزخان بسمرقند و صمدوا صمد الري و قد كان اتصل بهم أن محمدا خوارزمشاه قصدها كما يتسامع الناس بالأراجيف الصحيحة و الباطلة فوصلوها على حين غفلة من أهلها فلم يشعر بهم عسكر الري إلا و قد ملكوها و نهبوها و سبوا الحرم و استرقوا الغلمان و فعلوا كل قبيح منكر فيها و لم يقيموا بها و مضوا مسرعين في طلب خوارزمشاه فنهبوا في طريقهم ما مروا به من المدن و القرى و أحرقوا و خربوا و قتلوا الذكران و الإناث و لم يبقوا على شي‏ء و قصدوا نحو همذان فخرج إليهم رئيسها و معه أموال جليلة قد جمعها من أهل همذان عينا و عروضا و خيلا و طلب منهم الأمان لأهل البلد فأمنوهم و لم يعرضوا لهم‏



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 230
و ساروا إلى زنجان و استباحوها و إلى قزوين فاعتصم أهلها منهم بقصبة مدينتهم فدخلوها بالسيف عنوة و قاتلهم أهلها قتالا شديدا بالسكاكين و هم معتادون بقتال السكين من حروبهم مع الإسماعيلية فقتل من الفريقين ما لا يحصى و يقال إن القتلى بلغت أربعين ألفا من أهل قزوين خاصة.
ثم هجم على التتار البرد الشديد و الثلج المتراكم فساروا إلى أذربيجان فنهبوا القرى و قتلوا من وقف بين أيديهم و أخربوا و أحرقوا حتى وصلوا إلى تبريز و بها صاحب أذربيجان أزبك بن البهلوان بن أيلدكر فلم يخرج إليهم و لا حدث نفسه بقتالهم لاشتغاله بما كان عليه من اللهو و إدمان الشرب ليلا و نهارا فأرسل إليهم و صالح لهم على مال و ثياب و دواب و حمل الجميع إليهم فساروا من عنده يطلبون ساحل البحر لأنه مشتى صالح لهم و المراعي به كثيرة فوصلوا إلى موقان و هي المنزل الذي نزلته الخرمية في أيام المعتصم و قد ذكره الطائيان في أشعارهما في غير موضع و الناس اليوم يقولون بالغين المعجمة عوض القاف و قد كانوا تطرقوا في طريقهم بعض أعمال الكرج فخرج إليهم منهم عشرة آلاف مقاتل فحاربوهم و هزموهم و قتلوا أكثرهم.
فلما استقروا بموقان راسلت الكرج أزبك بن البهلوان في الاتفاق على حربهم و راسلوا موسى بن أيوب المعروف بالأشرف و كان صاحب خلاط و إرمينية بمثل ذلك و ظنوا أنهم يصبرون إلى أيام الربيع و انحسار الثلوج فلم يصبروا و صاروا من موقان في صميم الشتاء نحو بلاد الكرج فخرجت إليهم الكرج و اقتتلوا قتالا شديدا فلم يثبتوا للتتار و انهزموا أقبح هزيمة و قتل منهم من لا يحصى فكانت هذه الوقعة في ذي الحجة من سنة سبع عشرة و ستمائة.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 231
ثم توجهوا إلى المراغة في أول سنة ثماني عشرة فملكوها في صفر و كانت لامرأة من بقايا ملوك المراغة تدبرها هي و وزراؤها فنصبوا عليها المجانيق و قدموا أسارى المسلمين بين أيديهم و هذه عادتهم يتترسون بهم في الحروب فيصيبهم حدها و يسلمون هم من مضرتها فملكوها عنوة و وضعوا السيف في أهلها و نهبوا ما يصلح لهم و أحرقوا ما لا يصلح لهم و خذل الناس عنهم حتى كان الواحد منهم يقتل بيده مائة إنسان و السيوف في أيديهم لا يقدر أحد منهم أن يحرك يده بسيفه نحو ذلك التتري خذلان صب على الناس و أمر سمائي اقتضاه.
ثم عادوا إلى همذان فطالبوا أهلها بمثل المال الذي بذلوه لهم في الدفعة الأولى فلم يكن في الناس فضل لذلك لأنه كان عظيما جدا فقام إلى رئيس همذان جماعة من أهلها و أسمعوه كلاما غليظا فقالوا أفقرتنا أولا و تريد أن تستصفينا دفعة ثانية ثم لا بد للتتار أن يقتلونا فدعنا نجاهدهم بالسيف و نموت كراما ثم وثبوا على شحنة كان للتتار بهمذان فقتلوه و اعتصموا بالبلد فحصرهم التتار فيه فقلت عليهم الميرة و عدمت الأقوات و أضر ذلك بأهل همذان و لم ينل التتار مضرة من عدم القوت لأنهم لا يأكلون إلا اللحم و الخيل معهم كثيرة و معهم غنم عظيمة يسوقونها حيث شاءوا و خيلهم لا تأكل الشعير و لا تأكل إلا نبات الأرض تحفر بحوافرها الأرض عن العروق فتأكلها.
فاضطر رئيس همذان و أهلها إلى الخروج إليهم فخرجوا و التحمت الحرب بينهم أياما و فقد رئيس همذان هرب في سرب قد كان أعده إلى موضع اعتصم به ظاهر البلد و لم يعلم حقيقة حاله فتحير أهل همذان بعد فقده و دخلوا المدينة و اجتمعت كلمتهم على القتال في قصبة البلد إلى أن يموتوا و كان التتار قد عزموا على الرحيل عنهم لكثرة من قتل منهم فلما لم يروا أحدا يخرج إليهم من البلد طمعوا و استدلوا على ضعف أهله فقصدوهم و قاتلوهم‏



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 232
و ذلك في شهر رجب من سنة ثماني عشرة و ستمائة و دخلوا المدينة بالسيف و قاتلهم الناس في الدروب و بطل السلاح للازدحام و اقتتلوا بالسكاكين فقتل من الفريقين ما لا يحصى و ظهر التتار على المسلمين فأفنوهم قتلا و لم يسلم منهم إلا من كان له نفق في الأرض يستخفي فيه ثم ألقوا النار في البلد فأحرقوها و رحلوا إلى مدينة أردبيل و أعمال أذربيجان فملكوا أردبيل و قتلوا فيها فأكثروا.
ثم ساروا إلى تبريز و كان بها شمس الدين عثمان الطغرائي قد جمع كلمة أهلها بعد مفارقة صاحب أذربيجان أزبك بن البهلوان للبلاد خوفا من التتار و مقامه بنقجوان فقوى الطغرائي نفوس الناس على الامتناع و حذرهم عاقبة التخاذل و حصن البلد فلما وصل التتار و رأوا اجتماع كلمة المسلمين و حصانة البلد طلبوا منهم مالا و ثيابا فاستقر الأمر بينهم على شي‏ء معلوم فسيروه إليهم فلما أخذوه رحلوا إلى بيلقان فقاتلهم أهلها فملكها التتار في شهر رمضان من هذه السنة و وضعوا فيهم السيف حتى أفنوهم أجمعين ثم ساروا إلى مدينة كنجة و هي أم بلاد أران و أهلها ذوو شجاعة و بأس و جلد لمقاومتهم الكرج و تدربهم بالحرب فلم يقدر التتار عليهم و أرسلوا إليهم يطلبون مالا و ثيابا فأرسلوه إليهم فساروا عنهم فقصدوا الكرج و قد أعدوا لهم فلما صافوهم هرب الكرج و أخذهم السيف فلم يسلم إلا الشريد و نهبت بلادهم و أخربت و لم يوغل التتار في بلاد الكرج لكثرة مضايقها و دربنداتها «1» فقصدوا دربند شروان فحصروا مدينة شماخي و صعدوا سورها في السلاليم و ملكوا البلد بعد حرب شديدة و قتلوا فيه فأكثروا «2».
______________________________
(1) الدربند: الباب و انظر معجم البلدان.
(2) ابن الأثير 9: 340



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 233
فلما فرغوا أرادوا عبور الدربند فلم يقدموا عليه فأرسلوا إلى شروانشاه ملك الدربند فطالبوه بإنفاذ رسول يسعى بينه و بينهم في الصلح فأرسل إليهم عشرة من ثقاته فلما وصلوا إليهم جمعوهم ثم قتلوا واحدا منهم بحضور الباقين و قالوا للتسعة إن أنتم عرفتمونا طريقا نعبر فيه فلكم الأمان و إلا قتلناكم كما قتلنا صاحبكم فقالوا لهم لا طريق في هذا الدربند و لكن نعرفكم موضعا هو أسهل المواضع لعبور الخيل.
و ساروا بين أيديهم إليه فعبروا الدربند و تركوه وراء ظهورهم و ساروا في تلك البلاد و هي مملوءة من طرائق مختلفة منهم اللان و اللكر و أصناف من الترك فنهبوها و قتلوا الكثير من ساكنيها و رحلوا إلى اللان و هم أمم كثيرة و قد وصلهم خبرهم و جمعوا و حذروا و انضاف إليهم جموع من قفجاق فقاتلوهم فلم يظفر أحد العسكرين بالآخر فأرسل التتار إلى قفجاق أنتم إخواننا و جنسنا واحد و اللان ليسوا من جنسكم لتنصروهم و لا دينهم دينكم و نحن نعاهدكم ألا نعرض لكم و نحمل إليكم من المال و الثياب ما يستقر بيننا و بينكم على أن تنصرفوا إلى بلادكم.
فاستقر الأمر بينهم على مال و ثياب حملها التتار إليهم و فارقت قفجاق اللان فأوقع التتار باللان فقتلوهم و نهبوا أموالهم و سبوا نساءهم فلما فرغوا منهم ساروا إلى بلاد قفجاق و هم آمنون متفرقون لما استقر بينهم و بين التتار من الصلح فلم يشعروا بهم إلا و قد طرقوهم و دخلوا بلادهم فأوقعوا بهم الأول فالأول و أخذوا منهم أضعاف ما حملوا إليهم و سمع ما كان بعيد الدار من قفجاق بما جرى.
ففروا عن غير قتال فأبعدوا فبعضهم بالغياض و بعضهم بالجبال و بعضهم لحقوا ببلاد الروس و أقام التتار في بلاد قفجاق و هي أرض كثيرة المراعي في الشتاء و فيها أيضا أماكن باردة في الصيف كثيرة المراعي و هي غياض على ساحل البحر.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 234
ثم سارت طائفة منهم إلى بلاد الروس و هي بلاد كثيرة عظيمة و أهلها نصارى و ذلك في سنة عشرين و ستمائة فاجتمع الروس و قفجاق عن منعهم عن البلاد فلما قاربهم التتار و عرفوا اجتماعهم رجعوا القهقرى إيهاما للروس أن ذلك عن خوف و حذر فجدوا في اتباعهم و لم يزل التتار راجعين و أولئك يقفون آثارهم اثني عشر يوما.
ثم رجعت التتار على الروس و قفجاق فأثخنوا فيهم قتلا و أسرا و لم يسلم منهم إلا القليل و من سلم نزل في المراكب و خرج في البحر إلى الساحل الشامي و غرق بعض المراكب.
و هذه الوقائع كلها تولاها التتر المغربة الذين قادهم جرماغون فأما ملكهم الأكبر جنكزخان فإنه كان في هذه المدة بسمرقند ما وراء النهر فقسم أصحابه أقساما فبعث قسما منهم إلى فرغانة و أعمالها فملكوها و بعث قسما آخر إلى ترمذ و ما يليها فملكوها و بعث قسما آخر إلى بلخ و ما يليها من أعمال خراسان فأما بلخ فإنهم أمنوا أهلها و لم يتعرضوا لها بنهب و لا قتل و جعلوا فيها شحنة «1» و كذلك فارياب و كثير من المدن إلا أنهم أخذوا أهلها يقاتلون بهم من يمتنع عليهم حتى وصلوا إلى الطالقان و هي عدة بلاد و فيها قلعة حصينة و بها رجال أنجاد فأقاموا على حصارها شهورا فلم يفتحوها فأرسلوا إلى جنكزخان يعرفونه عجزهم عنها فسار بنفسه و عبر جيحون و معه من الخلائق ما لا يحصى فنزل على هذه القلعة و بنى حولها شبه قلعة أخرى من طين و تراب و خشب و حطب و نصب عليها المنجنيقات و رمى القلعة بها فلما رأى أهلها ذلك فتحوها و خرجوا و حملوا حملة واحدة فقتل منهم من قتل و سلم من سلم و خرج السالمون فسلكوا تلك الجبال و الشعاب ناجين بأنفسهم و دخل التتار القلعة فنهبوا الأموال و الأمتعة و سبوا النساء و الأطفال.
______________________________
(1) الشحنة في البلد: من يقوم فيها بالكفاية لضبطها من جهة السلطان.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 235
ثم سير جنكزخان جيشا عظيما مع أحد أولاده إلى مدينة مرو و بها مائتا ألف من المسلمين فكانت بين التتار و بينهم حروب عظيمة شديدة صبر فيها المسلمون ثم انهزموا و دخلوا البلد و أغلقوا أبوابه فحاصره التتار حصارا طويلا ثم أمنوا متقدم البلد فلما خرج إليهم في الأمان خلع عليه ابن جنكزخان و أكرمه و عاهده ألا يتعرض لأحد من أهل مرو ففتح الناس الأبواب فلما تمكنوا منهم استعرضوهم بالسيف عن آخرهم فلم يبقوا منهم باقية بعد أن استصفوا أرباب الأموال عقيب عذاب شديد عذبوهم به.
ثم ساروا إلى نيسابور ففعلوا به ما فعلوا بمرو من القتل و الاستئصال ثم عمدوا إلى طوس فنهبوها و قتلوا أهلها و أخرجوا المشهد الذي به علي بن موسى الرضا ع و الرشيد هارون بن المهدي و ساروا إلى هراة فحصروها ثم أمنوا أهلها فلما فتحوها قتلوا بعضهم و جعلوا على الباقين شحنة فلما بعدوا وثب أهل هراة على الشحنة فقتلوه فعاد عليهم عسكر من التتار فاستعرضوهم بالسيف فقتلوهم عن آخرهم.
ثم عادوا إلى طالقان و بها ملكهم الأكبر جنكزخان فسير طائفة منهم إلى خوارزم و جعل فيها مقدم أصحابه و كبراءهم لأن خوارزم حينئذ كانت مدينة الملك و بها عسكر كثير من الخوارزمية و عوام البلد معروفون بالبأس و الشجاعة فساروا و وصلوا إليها فالتقى الفئتان و اقتتلوا أشد قتال سمع به و دخل المسلمون البلد و حصرتهم التتار خمسة أشهر و أرسل التتار إلى جنكزخان يطلبون المدد فأمدهم بجيش من جيوشه فلما وصل قويت منتهم به و زحفوا إلى البلد زحفا متتابعا فملكوا طرفا منه و ولجوا المدينة فقاتلهم المسلمون داخل البلد فلم يكن لهم به طاقة فملكوه و قتلوا كل من فيه فلما فرغوا منه و قضوا وطرهم من القتل و النهب فتحوا السكر «1» الذي يمنع‏
______________________________
(1) السكر بالكسر: ما سد به النهر.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 236
ماء جيحون عن خوارزم فدخل الماء البلد فغرق كله و انهدمت الأبنية فبقي بحرا و لم يسلم من أهل خوارزم أحد البتة فإن غيره من البلاد كان يسلم نفر يسير من أهلها و أما خوارزم فمن وقف للسيف قتل و من استخفى غرقه الماء أو أهلكه الهدم فأصبحت خوارزم يبابا.
فلما فرغ التتر من هذه البلاد سيروا جيشا إلى غزنة و بها حينئذ جلال الدين منكبري بن محمد خوارزمشاه مالكها و قد اجتمع إليه من سلم من عسكر أبيه و غيرهم فكانوا نحو ستين ألفا و كان الجيش الذي سار إليهم التتار اثني عشر ألفا فالتقوا في حدود غزنة و اقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة أيام ثم أنزل الله النصر على المسلمين فانهزم التتر و قتلهم المسلمون كيف شاءوا و تحيز الناجون منهم إلى الطالقان و بها جنكزخان و أرسل جلال الدين إليه رسولا يطلب منه أن يعين موضعا للحرب فاتفقوا على أن يكون الحرب بكابل فأرسل جنكزخان إليها جيشا و سار جلال الدين إليها بنفسه و تصافوا هناك فكان الظفر للمسلمين و هرب التتار فالتجئوا إلى الطالقان و جنكزخان مقيم بها أيضا و غنم المسلمون منهم غنائم عظيمة فجرت بينهم فتنة عظيمة في الغنائم و ذلك لأن أميرا من أمرائهم اسمه بغراق كان قد أبلي في حرب التتر هذه جرت بينه و بين أمير يعرف بملك خان نسيب خوارزمشاه مقاولة أفضت إلى أن قتل أخ لبغراق فغضب و فارق جلال الدين في ثلاثين ألفا فتبعه جلال الدين و استرضاه و استعطفه فلم يرجع فضعف جانب جلال الدين بذلك فبينا هو كذلك وصله الخبر أن جنكزخان قد سار إليه من الطالقان بنفسه و جيوشه فعجز عن مقاومته و علم أنه لا طاقة له به فسار نحو بلاد الهند و عبر نهر السند و ترك غزنة شاغرة كالفريسة للأسد فوصل إليها



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 237
جنكزخان فملكها و قتل أهلها و سبى نساءها و أخرب القصور و تركها كأمس الغابر.
ثم كانت لهم بعد ملك غزنة و استباحتها وقائع كثيرة مع ملوك الروم بني قلج‏أرسلان لم يوغلوا فيها في البلاد و إنما كانوا يتطرقونها و ينهبون ما تاخمهم منها و أذعن لهم ملوك فارس و كرمان و التيز و مكران بالطاعة و حملوا إليهم الإتاوة و لم يبق في البلاد الناطقة باللسان الأعجمي بلد إلا حكم فيه سيفهم أو كتابهم فأكثر البلاد قتلوا أهلها و سبق السيف فيهم العذل و الباقي أدى الإتاوة إليهم رغما و أعطى الطاعة صاغرا و رجع جنكزخان إلى ما وراء النهر و توفي هناك.
و قام بعده ابنه قاآن مقامه و ثبت جرماغون في مكانه بأذربيجان و لم يبق لهم إلا أصبهان فإنهم نزلوا عليها مرارا في سنة سبع و عشرين و ستمائة و حاربهم أهلها و قتل من الفريقين مقتلة عظيمة و لم يبلغوا منها غرضا حتى اختلف أهل أصبهان في سنة ثلاث و ثلاثين و ستمائة و هم طائفتان حنفية و شافعية و بينهم حروب متصلة و عصبية ظاهرة فخرج قوم من أصحاب الشافعي إلى من يجاورهم و يتاخمهم من ممالك التتار فقالوا لهم اقصدوا البلد حتى نسلمه إليكم فنقل ذلك إلى قاآن بن جنكزخان بعد وفاة أبيه و الملك يومئذ منوط بتدبيره فأرسل جيوشا من المدينة المستجدة التي بنوها و سموها قراحرم فعبرت جيحون مغربة و انضم إليها قوم ممن أرسله جرماغون على هيئة المدد لهم فنزلوا على أصفهان في سنة ثلاث و ثلاثين المذكورة و حصروها فاختلف سيفا الشافعية و الحنفية في المدينة حتى قتل كثير منهم و فتحت أبواب المدينة و فتحها الشافعية على عهد بينهم و بين التتار أن يقتلوا الحنفية و يعفوا عن الشافعية فلما دخلوا البلد بدءوا بالشافعية فقتلوهم قتلا ذريعا و لم يقفوا مع العهد الذي عهدوه لهم ثم قتلوا الحنفية ثم قتلوا سائر الناس‏



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 238
و سبوا النساء و شقوا بطون الحبالى و نهبوا الأموال و صادروا الأغنياء ثم أضرموا النار فأحرقوا أصبهان حتى صارت تلولا من الرماد.
فلما لم يبق لهم بلد من بلاد العجم إلا و قد دوخوه صمدوا نحو إربل في سنة أربع و ثلاثين و ستمائة و قد كانوا طرقوها مرارا و تحيفوا بعض نواحيها فلم يوغلوا فيها و الأمير المرتب بها يومئذ باتكين الرومي فنزل عليها في ذي القعدة من هذه السنة منهم نحو ثلاثين ألف فارس أرسلهم جرماغون و عليهم مقدم كبير من رؤسائهم يعرف بجكتاي فغاداها القتال و رواحها و بها عسكر جم من عساكر الإسلام فقتل من الفريقين خلق كثير و استظهر التتار و دخلوا المدينة و هرب الناس إلى القلعة فاعتصموا بها و حصرهم التتار و طال الحصار حتى هلك الناس في القلعة عطشا و طلب باتكين منهم أن يصالحوه عن المسلمين بمال يؤديه إليهم فأظهروا الإجابة فلما أرسل إليهم ما تقرر بينهم و بينه أخذوا المال و غدروا به و حملوا على القلعة بعد ذلك حملات عظيمة و زحفوا إليها زحفا متتابعا و علقوا عليها المنجنيقات الكثيرة و سير المستنصر بالله الخليفة جيوشه مع مملوكه و خادم حضرته و أخص مماليكه به شرف الدين إقبال الشرامي فساروا إلى تكريت فلما عرف التتر شخوصهم رحلوا عن إربل بعد أن قتلوا منها ما لا يحصى و أخربوها و تركوها كجوف حمار و عادوا إلى تبريز و بها مقام جرماغون و قد جعلها دار ملكه.
فلما رحلوا عن إربل عاد العسكر البغدادي إلى بغداد و كانت للتتار بعد ذلك نهضات و سرايا كثيرة إلى بلاد الشام قتلوا و نهبوا و سبوا فيها حتى انتهت خيولهم إلى حلب فأوقعوا بها و صانعهم عنها أهلها و سلطانها ثم عمدوا إلى بلاد كيخسرو صاحب الروم و ذلك بعد أن هلك جرماغون و قام عوضه المعروف ببابايسيجو و كان‏



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 239
قد جمع لهم ملك الروم قضه و قضيضه و جيشه و لفيفه و استكثر من الأكراد العتمرية و من عساكر الشام و جند حلب فيقال إنه جمع مائة ألف فارس و راجل فلقيه التتار في عشرين ألفا فجرت بينه و بينهم حروب شديدة قتلوا فيها مقدمته و كانت المقدمة كلها أو أكثرها من رجال حلب و هم أنجاد أبطال فقتلوا عن آخرهم و انكسر العسكر الرومي و هرب صاحب الروم حتى انتهى إلى قلعة له على البحر تعرف بأنطاكية فاعتصم بها و تمزقت جموعه و قتل منهم عدد لا يحصى و دخلت التتار إلى المدينة المعروفة بقيسارية ففعلوا فيها أفاعيل منكرة من القتل و النهب و التحريق و كذلك بالمدينة المعروفة بسيواس و غيرها من كبار المدن الرومية و بخع لهم صاحب الروم بالطاعة و أرسل إليهم يسألهم قبول المال و المصانعة فضربوا عليه ضريبة يؤديها إليهم كل سنة و رجعوا عن بلاده.
و أقاموا على جملة السكون و الموادعة للبلاد الإسلامية كلها إلى أن دخلت سنة ثلاث و أربعين و ستمائة فاتفق أن بعض أمراء بغداد و هو سليمان بن برجم و هو مقدم الطائفة المعروفة بالإيواء و هي من التركمان قتل شحنة من شحنهم في بعض قلاع الجبل يعرف بخليل بن بدر فأثار قتله أن سار من تبريز عشرة آلاف غلام منهم يطوون المنازل و يسبقون خبرهم و مقدمهم المعروف بجكتاي الصغير فلم يشعر الناس ببغداد إلا و هم على البلد و ذلك في شهر ربيع الآخر من هذه السنة في فصل الخريف و قد كان الخليفة المستعصم بالله أخرج عسكره إلى ظاهر سور بغداد على سبيل الاحتياط و كان التتر قد بلغهم ذلك إلا أن جواسيسهم غرتهم و أوقعت في أذهانهم أنه ليس خارج السور إلا خيام مضروبة و فساطيط مضروبة لا رجال تحتها و أنكم متى أشرفتم عليهم ملكتم سوادهم و ثقلهم و يكون قصارى أمر قوم قليلين تحتها أن ينهزموا إلى البلد و يعتصموا بجدرانه فأقبلت‏



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 240
التتر على هذا الظن و سارت على هذا الوهم فلما قربوا من بغداد و شارفوا الوصول إلى المعسكر أخرج المستعصم بالله الخليفة مملوكه و قائد جيوشه شرف الدين إقبالا الشرابي إلى ظاهر السور و كان خروجه في ذلك اليوم من لطف الله تعالى بالمسلمين فإن التتار لو وصلوا و هو بعد لم يخرج لاضطرب العسكر لأنهم كانوا يكونون بغير قائد و لا زعيم بل كل واحد منهم أمير نفسه و آراؤهم مختلفة لا يجمعهم رأي واحد و لا يحكم عليها حاكم واحد فكانوا في مظنة الاختلاف و التفرق و الاضطراب و التشتت فكان خروج شرف الدين إقبال الشرابي في اليوم السادس عشر من هذا الشهر المذكور و وصلت التتر إلى سور البلد في اليوم السابع عشر فوقفوا بإزاء عساكر بغداد صفا واحدا و ترتب العسكر البغدادي ترتيبا منتظما و رأى التتر من كثرتهم و جودة سلاحهم و عددهم و خيولهم ما لم يكونوا يظنونه و لا يحسبونه و انكشف ذلك الوهم الذي أوهمهم جواسيسهم عن الفساد و البطلان.
و كان مدبر أمر الدولة و الوزارة في هذا الوقت هو الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي و لم يحضر الحرب بل كان ملازما ديوان الخلافة بالحضرة لكنه كان يمد العسكر الإسلامي من آرائه و تدبيراته بما ينتهون إليه و يقفون عنده فحملت التتار على عسكر بغداد حملات متتابعة ظنوا أن واحدة منها تهزمهم لأنهم قد اعتادوا أنه لا يقف عسكر من العساكر بين أيديهم و أن الرعب و الخوف منهم يكفي و يغني عن مباشرتهم الحرب بأنفسهم فثبت لهم عسكر بغداد أحسن ثبوت و رشقوهم بالسهام و رشقت التتار أيضا بسهامها و أنزل الله سكينته على عسكر بغداد و أنزل بعد السكينة نصره فما زال العسكر البغدادي تظهر عليه أمارات القوة و تظهر على التتار أمارات الضعف و الخذلان إلى أن حجز الليل بين الفريقين و لم يصطدم الفيلقان و إنما



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 241
كانت مناوشات و حملات خفيفة لا تقتضي الاتصال و الممازجة و رشق بالنشاب شديد.
فلما أظلم الليل أوقد التتار نيرانا عظيمة و أوهموا أنهم مقيمون عندها و ارتحلوا في الليل راجعين إلى جهة بلادهم فأصبح العسكر البغدادي فلم ير منهم عينا و لا أثرا و ما زالوا يطوون المنازل و يقطعون القرى عائدين حتى دخلوا الدربند و لحقوا ببلادهم.
و كان ما جرى من دلائل النبوة لأن الرسول ص وعد هذه الملة بالظهور و البقاء إلى يوم القيامة و لو حدث على بغداد منهم حادثة كما جرى على غيرها من البلاد لانقرضت ملة الإسلام و لم يبق لها باقية.
و إلى أن بلغنا من هذا الشرح إلى هذا الموضع لم يذعر العراق منهم ذاعر بعد تلك النوبة التي قدمنا ذكرها.
قلت و قد لاح لي من فحوى كلام أمير المؤمنين ع أنه لا بأس على بغداد و العراق منهم و أن الله تعالى يكفي هذه المملكة شرهم و يرد عنها كيدهم و ذلك من قوله ع و يكون هناك استحرار قتل فأتى بالكاف و هي إذا وقعت عقيب الإشارة أفادت البعد تقول للقريب هنا و للبعيد هناك و هذا منصوص عليه في العربية و لو كان لهم استحرار قتل في العراق لما قال هناك بل كان يقول هنا لأنه ع خطب بهذه الخطبة في البصرة و معلوم أن البصرة و بغداد شي‏ء واحد و بلد واحد لأنهما جميعا من إقليم العراق و ملكهما ملك واحد فيلمح هذا الموضع فإنه لطيف.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 242
و كتبت إلى مؤيد الدين الوزير عقيب هذه الوقعة التي نصر فيها الإسلام و رجع التتر مخذولين ناكصين على أعقابهم أبياتا أنسب إليه الفتح و أشير إلى أنه هو الذي قام بذلك و إن لم يكن حاضرا له بنفسه و أعتذر إليه عن الإغباب بمديحه فقد كانت الشواغل و القواطع تصد عن الانتصاب لذلك‏
أبقى لنا الله الوزير و حاطه‏ بكتائب من نصره و مقانب‏ «1»
و امتد وارف ظله لنزيله‏ وصفت متون غديره للشارب‏
يا كالئ الإسلام إذ نزلت به‏ فرغاء تشهق بالنجيع السالب‏ «2»
في خطة بهماء ديمومية لا يهدى فيها السليك للاحب‏ «3»
لا يمتطي سلساتها مرهوبة الإبساس جلس لا تدر لعاصب‏
فرجت غمرتها بقلب ثابت‏ في حملة ذعرى و رأي ثاقب‏
ما غبت ذاك اليوم عن تدبيرها كم حاضر يعصى بسيف الغائب‏
عمر الذي فتح العراق و إنما سعد حسام في يمين الضارب‏ «4»
أثني عليك ثناء غير موارب‏ و أجيد فيك المدح غير مراقب‏
و أنا الذي يهواك حبا صادقا متقادما و لرب حب كاذب‏
حبا ملأت به شعاب جوانحي‏ يفعا و ها أنا ذو عذار شائب‏


______________________________
(1) المقانب: جمع مقنب: الجماعة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين.
(2) الفرغاء: الطعنة الواسعة.
(3) البهماء: التي لا يهتدى فيها، و الديمومية: منسوب إلى الديموم و هو الفلاة أيضا. و السليك أحد لصوص العرب و فتاكهم و اللاحب: الطريق الواضح.
(4) هو عمر بن الخطاب؛ فتحت العراق في عهده؛ و سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين يوم القادسية.



************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏8، ص: 243

إن القريض و إن أغب متيم‏ بكم و رب مجانب كمواظب‏
و لقد يخالصك القصي و ربما يمنى بود مماذق متقارب‏
سدت مسالكه هموم جعجعت‏ بالفكر حتى لا يبض لحالب‏
و من العناء مغلب في حظه‏ يبغي مغالبة القضاء الغالب‏

و هي طويلة و إنما ذكرنا منها ما اقتضته الحال‏

________________________________________
ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبه الله،


************
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 10جلد، مكتبة آية الله المرعشي النجفي - قم، چاپ: اول، 1404ق.