بسم الله الرحمن الرحیم
التبيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 124
و قوله تعالى: «و لتكملوا العدة» يقال: كمل يكمل كمالا، و أكمل إكمالا، و تكامل تكاملا، و كمله تكميلا، و استكمل استكمالا، و تكمل تكملا. و أصل الباب الكمال، و هو التمام.
الاعراب:
و عطف باللام في قوله تعالى: «و لتكملوا العدة» على أحد أمرين:
أحدهما- عطف جملة على جملة، لأن بعده محذوفا، كأنه قال: و لتكملوا العدة شرع ذلك أو أريد. و مثله قوله تعالى: «و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين» «2» أي أريناه. هذا قول الفراء.
الثاني- أن يكون عطفا على تأويل محذوف دل عليه ما تقدم من الكلام، لأنه لما قال: «يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر» دل على أنه فعل ذلك ليسهل عليكم، فجاز «و لتكملوا العدة» عطفا عليه. قال الشاعر:
__________________________________________________
(1) حسن ساقطة من المطبوعة، السمن- بكسر السين و فتح الميم.
(2) سورة الانعام آية: 75.
التبيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 125
يا رب غير آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء
و مشجج أما سواء قذاله فبدا و غيب ساره المعزاء «1»
فعطف على تأويل الكلام الأول كأنه قال: بها رواكد، و مشجج. و هذا قول الزجاج و هو الأجود، لأن العطف يعتمد على ما قبله، لا على ما بعده. و عطف الظرف على الاسم في قوله: «و من كان مريضا أو على سفر» جائز، لأنه معنى الاسم، و تقديره أو مسافرا، و مثله قوله: «دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما» كأنه قال مضطجعا أو قائما أو قاعدا.
المعنى:
و اليسر المذكور في الآية: الإفطار في السفر- في قول ابن عباس، و مجاهد، و قتادة، و الضحاك.
و العسر: الصوم فيه و في المرض. و العدة: المأمور بإكمالها، و المراد بها: أيام السفر، و المرض الذي أمر بالإفطار فيها و قال الضحاك، و ابن زيد: عدة ما أفطروا فيه.
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 496
...و أما العطف باللام في قوله «و لتكملوا العدة» ففيه وجهان (أحدهما) أنه عطف جملة على جملة لأن بعده محذوفا و تقديره و لتكملوا العدة شرع ذلك أو أريد ذلك و مثله قوله «و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين» أي و ليكون من الموقنين أريناه ذلك (و الثاني) أن يكون عطفا على تأويل محذوف و دل عليه ما تقدم من الكلام لأنه لما قال «يريد الله بكم اليسر» دل على أنه قد فعل ذلك ليسهل عليكم فجاز و لتكملوا العدة عطفا عليه قال الشاعر:
بادت و غير آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء
و مشجج إما سواء قذاله فبدا و غيب مماره المعزاء
أي سائرة فعطف على تأويل الكلام كأنه قال بها رواكد و مشجج هذا قول الزجاج و الأول قول الفراء.
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 498
و قوله «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» فيه وجهان (أحدهما) فمن شهد منكم المصر و حضر و لم يغب في الشهر و الألف و اللام في الشهر للعهد و المراد به شهر رمضان فليصم جميعه و هذا معنى ما
رواه زرارة عن أبي جعفر أنه قال لما سئل عن هذه ما أبينها لمن عقلها قال من شهد شهر رمضان فليصمه و من سافر فيه فليفطر
و
قد روي أيضا عن علي و ابن عباس و مجاهد و جماعة من المفسرين أنهم قالوا من شهد الشهر بأن دخل عليه الشهر و هو حاضر فعليه أن يصوم الشهر كله
(و الثاني) من شاهد منكم الشهر مقيما مكلفا فليصم الشهر بعينه و هذا نسخ للتخيير بين الصوم و الفدية و إن كان موصولا به في التلاوة لأن الانفصال لا يعتبر عند التلاوة بل عند الإنزال و الأول أقوى و قوله «و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر» قد مضى تفسيره في الآية المتقدمة و حد المرض الذي يوجب الإفطار ما يخاف الإنسان معه الزيادة المفرطة في مرضه و
روى أبو بصير قال سألت أبا عبد الله عن حد المرض الذي على صاحبه فيه الإفطار قال هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر و إن وجد قوة فليصم كان المرض على ما كان
و روي أيضا أن ذلك كل مرض لا يقدر معه على القيام بمقدار زمان صلاته و به قال الحسن و في ذلك اختلاف بين الفقهاء و أما السفر الذي يوجب الإفطار عندنا فما كان مباحا أو طاعة و كانت المسافة ثمانية فراسخ أربعة و عشرين ميلا و عند الشافعي ستة عشر فرسخا و عند أبي حنيفة أربعة و عشرين فرسخا و اختلف في العدة
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 499
من الأيام الأخر فقال الحسن و جماعة هي على التضييق إذا برأ المريض أو قدم المسافر و قال أبو حنيفة موسع فيها و عندنا موقت بما بين رمضانين و تجوز متتابعة و متفرقة و التتابع أفضل فإن فرط حتى لحقه رمضان آخر لزمه الفدية و القضاء و به قال الشافعي و قوله «يريد الله بكم اليسر» أي في الرخصة للمريض و المسافر إذا لم يوجب الصوم عليهما و قيل يريد الله بكم اليسر في جميع أموركم «و لا يريد بكم العسر» أي التضييق عليكم و فيه دلالة على بطلان قول المجبرة لأنه بين أن في أفعال المكلفين ما يريده سبحانه و هو اليسر و فيها ما لا يريده و هو العسر و لأنه إذا كان لا يريد بهم العسر فإن لا يريد تكليف ما لا يطاق أولى و قوله «و لتكملوا العدة» تقديره يريد الله لأن يسهل عليكم و لأن تكملوا أي تتموا عدة ما أفطرتم فيه و هي أيام السفر و المرض بالقضاء إذا أقمتم و برأتم فتصوموا للقضاء بعدد أيام الإفطار و على القول الآخر فتقديره و لإكمال العدة شرع الرخصة في الإفطار و يحتمل أن يكون معناه و لتكملوا عدة الشهر لأنه مع الطاقة و عدم العذر يسهل عليه إكمال العدة و المريض و المسافر يتعسر عليهما ذلك فيكملان العدة في وقت آخر و من قال أن شهر رمضان لا ينقص أبدا استدل بقوله «و لتكملوا العدة» و قال بين تعالى أن عدة شهر رمضان محصورة يجب صيامها على الكمال و لا يدخلها نقصان و لا اختلال فالجواب عنه من وجهين (أحدهما) أن المراد أكملوا العدة التي وجب عليكم صيامها و قد يجوز أن يكون هذه العدة تارة ثلاثين و تارة تسعة و عشرين (و الآخر) ما ذكرناه من أن المراد راجع إلى القضاء و يؤيده أنه سبحانه ذكره عقيب ذكر السفر و المرض و قوله «و لتكبروا الله على ما هداكم» المراد به تكبير ليلة الفطر عقيب أربع صلوات المغرب و العشاء الآخرة و الغداة و صلاة العيد على مذهبنا و قال ابن عباس و جماعة التكبير يوم الفطر و قيل المراد به و لتعظموا الله على ما أرشدكم له من شرائع الدين «و لعلكم تشكرون» أي لتشكروا الله على نعمه.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 304
و لتكملوا العدة معطوفه محذوف، دل عليه ما سبق، أي: و شرع جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر، و المرخص له بالقضاء مراعاة لعدة ما أفطر فيه، و الترخيص في إباحة الفطر لتكملوا العدة و لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون شرع ذلك. فهذه علل الفعل المحذوف على سبيل اللف، فإن قوله:
«و لتكملوا» علة الأمر بمراعاة العدة،
الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص: 24
قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة، كأنه بيان لمجموع حكم الاستثناء: و هو الإفطار في شهر رمضان لمكان نفي العسر، و صيام عدة من أيام أخر لمكان وجوب إكمال العدة، و اللام في قوله: لتكملوا العدة، للغاية، و هو عطف على قوله: يريد، لكونه مشتملا على معنى الغاية، و التقدير و إنما أمرناكم بالإفطار و القضاء لنخفف عنكم و لتكملوا العدة، و لعل إيراد قوله: و لتكملوا العدة هو الموجب لإسقاط معنى قوله: و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، عن هذه الآية مع تفهم حكمه بنفي العسر و ذكره في الآية السابقة.
الإستبصار فيما اختلف من الأخبار، ج2، ص: 70
مع أن ظاهر القرآن يفيد بأن الأمر بتكميل العدة إنما توجه إلى معنى القضاء لما فات من الصيام حيث قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة فأخبر الله تعالى أنه فرض على المسافر و المريض عند إفطارهما في السفر القضاء له في أيام أخر ليكملوا بذلك عدة ما فاتهم من صيام الشهر الذي مضى و ليس في ذلك تحديد لما يقع عليه القضاء و إنما هو أمر بما يجب من قضاء الفائت كائنا ما كان و هذه الجملة التي ذكرناها تدل على أن التعليل المذكور لتمام شهر رمضان بثلاثين يوما موضوع لا يصح عن الأئمة ع
تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان)، ج4، ص: 174
و الاعتلال أيضا في أن شهر رمضان لا يكون إلا ثلاثين يوما بقوله تعالى و لتكملوا العدة يبطل ثبوته عن إمام هدى بما ذكرناه من كمال الفرض المؤدى فيما نقص من الشهر عن ثلاثين يوما مع أن ظاهر القرآن يفيد بأن الأمر بتكميل العدة إنما يتوجه إلى معنى القضاء لما فات من الصيام حيث يقول الله تعالى- فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة فأخبر تعالى أنه فرض على المسافر و المريض عند إفطارهما في الشهر القضاء له في أيام أخر ليكملوا بذلك عدة ما فاتهم من صيام الشهر الذي مضى و ليس في ذلك تحديد لما يقع عليه القضاء و إنما هو أمر بما يجب من قضاء الفائت كائنا ما كان و هذه الجملة التي ذكرنا تدل على أن التعليل المذكور لتمام شهر رمضان ثلاثين يوما موضوع لا يصح عن الأئمة ع
جوابات أهل الموصل فى العدد و الرؤية، ص: 22 و 23
ثم احتج بكون شهر رمضان ثلاثين يوما لم ينقص عنها بقوله تعالى و لتكملوا العدة و هذا نص في قضاء الفائت بالمرض و السفر أ لا ترى إلى قوله و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة. [و بعد فلو كان المراد بقوله و لتكملوا العدة] صوم شهر رمضان ما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوما بل كانت الفائدة فيه كمال صيام عدة الشهر و قد تكمل عدة الشهر ثلاثين يوما إذا كان تاما و تكمل بتسعة و عشرين يوما إذا كان ناقصا و قد بينا ذلك في صيام الكفارة إذا صام شهرين متتابعين و إن كانا ناقصين أو أحدهما كاملا و الآخر ناقصا
فقه القرآن، ج1، ص: 208
و قوله و لتكملوا العدة اللام فيه يجوز أن يكون للأمر كقراءة من قرأ فبذلك فلتفرحوا بالتاء و إنما أورد اللام في أمر المخاطب هنا إشعارا أن النبي ع و أمته الحاضرين و الغائبين داخلون تحت هذا الخطاب(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2. قال الاخفش: ادخال اللام في أمر المخاطب لغة رديئة، لان هذا اللام انما تدخل في الموضع الذي لا يقدر فيه على أفعل، و إذا خاطبت قلت قم لانك قد استغنيت عنها. قال صدر الأفاضل الخوارزمي: و الامر كما ذكره الاخفش، الا ان من المواضع ما يحسن فيه الامر باللام للفاعل المخاطب، و ذلك إذا لم يكن المأمور ثمة بعضها غائب و بعضها مخاطب، لقوله صلى الله عليه و آله «لتأخذوا مصافكم»، فالتاء تفيد الخطاب و اللام تفيد الغيبة و بمجموع الامرين يستفاد العموم، و لو قال «خذوا» لاوهم خصوص الجماعة المخاطبة، و عليه قراءته صلى الله عليه و آله «فلتفرحوا»، الفاء في فلتفرحوا مزيدة، كما في «فاجزعى» من قوله:
لا تجزعى ان منفسا اهلكته | و إذا هلكت فعند ذلك فاجزعى | |