بسم الله الرحمن الرحیم
التبيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 124
و قوله تعالى: «و لتكملوا العدة» يقال: كمل يكمل كمالا، و أكمل إكمالا، و تكامل تكاملا، و كمله تكميلا، و استكمل استكمالا، و تكمل تكملا. و أصل الباب الكمال، و هو التمام.
الاعراب:
و عطف باللام في قوله تعالى: «و لتكملوا العدة» على أحد أمرين:
أحدهما- عطف جملة على جملة، لأن بعده محذوفا، كأنه قال: و لتكملوا العدة شرع ذلك أو أريد. و مثله قوله تعالى: «و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين» «2» أي أريناه. هذا قول الفراء.
الثاني- أن يكون عطفا على تأويل محذوف دل عليه ما تقدم من الكلام، لأنه لما قال: «يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر» دل على أنه فعل ذلك ليسهل عليكم، فجاز «و لتكملوا العدة» عطفا عليه. قال الشاعر:
__________________________________________________
(1) حسن ساقطة من المطبوعة، السمن- بكسر السين و فتح الميم.
(2) سورة الانعام آية: 75.
التبيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 125
يا رب غير آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء
و مشجج أما سواء قذاله فبدا و غيب ساره المعزاء «1»
فعطف على تأويل الكلام الأول كأنه قال: بها رواكد، و مشجج. و هذا قول الزجاج و هو الأجود، لأن العطف يعتمد على ما قبله، لا على ما بعده. و عطف الظرف على الاسم في قوله: «و من كان مريضا أو على سفر» جائز، لأنه معنى الاسم، و تقديره أو مسافرا، و مثله قوله: «دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما» كأنه قال مضطجعا أو قائما أو قاعدا.
المعنى:
و اليسر المذكور في الآية: الإفطار في السفر- في قول ابن عباس، و مجاهد، و قتادة، و الضحاك.
و العسر: الصوم فيه و في المرض. و العدة: المأمور بإكمالها، و المراد بها: أيام السفر، و المرض الذي أمر بالإفطار فيها و قال الضحاك، و ابن زيد: عدة ما أفطروا فيه.
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 496
...و أما العطف باللام في قوله «و لتكملوا العدة» ففيه وجهان (أحدهما) أنه عطف جملة على جملة لأن بعده محذوفا و تقديره و لتكملوا العدة شرع ذلك أو أريد ذلك و مثله قوله «و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين» أي و ليكون من الموقنين أريناه ذلك (و الثاني) أن يكون عطفا على تأويل محذوف و دل عليه ما تقدم من الكلام لأنه لما قال «يريد الله بكم اليسر» دل على أنه قد فعل ذلك ليسهل عليكم فجاز و لتكملوا العدة عطفا عليه قال الشاعر:
بادت و غير آيهن مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء
و مشجج إما سواء قذاله فبدا و غيب مماره المعزاء
أي سائرة فعطف على تأويل الكلام كأنه قال بها رواكد و مشجج هذا قول الزجاج و الأول قول الفراء.
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 498
و قوله «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» فيه وجهان (أحدهما) فمن شهد منكم المصر و حضر و لم يغب في الشهر و الألف و اللام في الشهر للعهد و المراد به شهر رمضان فليصم جميعه و هذا معنى ما
رواه زرارة عن أبي جعفر أنه قال لما سئل عن هذه ما أبينها لمن عقلها قال من شهد شهر رمضان فليصمه و من سافر فيه فليفطر
و
قد روي أيضا عن علي و ابن عباس و مجاهد و جماعة من المفسرين أنهم قالوا من شهد الشهر بأن دخل عليه الشهر و هو حاضر فعليه أن يصوم الشهر كله
(و الثاني) من شاهد منكم الشهر مقيما مكلفا فليصم الشهر بعينه و هذا نسخ للتخيير بين الصوم و الفدية و إن كان موصولا به في التلاوة لأن الانفصال لا يعتبر عند التلاوة بل عند الإنزال و الأول أقوى و قوله «و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر» قد مضى تفسيره في الآية المتقدمة و حد المرض الذي يوجب الإفطار ما يخاف الإنسان معه الزيادة المفرطة في مرضه و
روى أبو بصير قال سألت أبا عبد الله عن حد المرض الذي على صاحبه فيه الإفطار قال هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر و إن وجد قوة فليصم كان المرض على ما كان
و روي أيضا أن ذلك كل مرض لا يقدر معه على القيام بمقدار زمان صلاته و به قال الحسن و في ذلك اختلاف بين الفقهاء و أما السفر الذي يوجب الإفطار عندنا فما كان مباحا أو طاعة و كانت المسافة ثمانية فراسخ أربعة و عشرين ميلا و عند الشافعي ستة عشر فرسخا و عند أبي حنيفة أربعة و عشرين فرسخا و اختلف في العدة
مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص: 499
من الأيام الأخر فقال الحسن و جماعة هي على التضييق إذا برأ المريض أو قدم المسافر و قال أبو حنيفة موسع فيها و عندنا موقت بما بين رمضانين و تجوز متتابعة و متفرقة و التتابع أفضل فإن فرط حتى لحقه رمضان آخر لزمه الفدية و القضاء و به قال الشافعي و قوله «يريد الله بكم اليسر» أي في الرخصة للمريض و المسافر إذا لم يوجب الصوم عليهما و قيل يريد الله بكم اليسر في جميع أموركم «و لا يريد بكم العسر» أي التضييق عليكم و فيه دلالة على بطلان قول المجبرة لأنه بين أن في أفعال المكلفين ما يريده سبحانه و هو اليسر و فيها ما لا يريده و هو العسر و لأنه إذا كان لا يريد بهم العسر فإن لا يريد تكليف ما لا يطاق أولى و قوله «و لتكملوا العدة» تقديره يريد الله لأن يسهل عليكم و لأن تكملوا أي تتموا عدة ما أفطرتم فيه و هي أيام السفر و المرض بالقضاء إذا أقمتم و برأتم فتصوموا للقضاء بعدد أيام الإفطار و على القول الآخر فتقديره و لإكمال العدة شرع الرخصة في الإفطار و يحتمل أن يكون معناه و لتكملوا عدة الشهر لأنه مع الطاقة و عدم العذر يسهل عليه إكمال العدة و المريض و المسافر يتعسر عليهما ذلك فيكملان العدة في وقت آخر و من قال أن شهر رمضان لا ينقص أبدا استدل بقوله «و لتكملوا العدة» و قال بين تعالى أن عدة شهر رمضان محصورة يجب صيامها على الكمال و لا يدخلها نقصان و لا اختلال فالجواب عنه من وجهين (أحدهما) أن المراد أكملوا العدة التي وجب عليكم صيامها و قد يجوز أن يكون هذه العدة تارة ثلاثين و تارة تسعة و عشرين (و الآخر) ما ذكرناه من أن المراد راجع إلى القضاء و يؤيده أنه سبحانه ذكره عقيب ذكر السفر و المرض و قوله «و لتكبروا الله على ما هداكم» المراد به تكبير ليلة الفطر عقيب أربع صلوات المغرب و العشاء الآخرة و الغداة و صلاة العيد على مذهبنا و قال ابن عباس و جماعة التكبير يوم الفطر و قيل المراد به و لتعظموا الله على ما أرشدكم له من شرائع الدين «و لعلكم تشكرون» أي لتشكروا الله على نعمه.
زبدة التفاسير، ج1، ص: 304
و لتكملوا العدة معطوفه محذوف، دل عليه ما سبق، أي: و شرع جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر، و المرخص له بالقضاء مراعاة لعدة ما أفطر فيه، و الترخيص في إباحة الفطر لتكملوا العدة و لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون شرع ذلك. فهذه علل الفعل المحذوف على سبيل اللف، فإن قوله:
«و لتكملوا» علة الأمر بمراعاة العدة،
الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص: 24
قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة، كأنه بيان لمجموع حكم الاستثناء: و هو الإفطار في شهر رمضان لمكان نفي العسر، و صيام عدة من أيام أخر لمكان وجوب إكمال العدة، و اللام في قوله: لتكملوا العدة، للغاية، و هو عطف على قوله: يريد، لكونه مشتملا على معنى الغاية، و التقدير و إنما أمرناكم بالإفطار و القضاء لنخفف عنكم و لتكملوا العدة، و لعل إيراد قوله: و لتكملوا العدة هو الموجب لإسقاط معنى قوله: و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، عن هذه الآية مع تفهم حكمه بنفي العسر و ذكره في الآية السابقة.
الإستبصار فيما اختلف من الأخبار، ج2، ص: 70
مع أن ظاهر القرآن يفيد بأن الأمر بتكميل العدة إنما توجه إلى معنى القضاء لما فات من الصيام حيث قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة فأخبر الله تعالى أنه فرض على المسافر و المريض عند إفطارهما في السفر القضاء له في أيام أخر ليكملوا بذلك عدة ما فاتهم من صيام الشهر الذي مضى و ليس في ذلك تحديد لما يقع عليه القضاء و إنما هو أمر بما يجب من قضاء الفائت كائنا ما كان و هذه الجملة التي ذكرناها تدل على أن التعليل المذكور لتمام شهر رمضان بثلاثين يوما موضوع لا يصح عن الأئمة ع
تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان)، ج4، ص: 174
و الاعتلال أيضا في أن شهر رمضان لا يكون إلا ثلاثين يوما بقوله تعالى و لتكملوا العدة يبطل ثبوته عن إمام هدى بما ذكرناه من كمال الفرض المؤدى فيما نقص من الشهر عن ثلاثين يوما مع أن ظاهر القرآن يفيد بأن الأمر بتكميل العدة إنما يتوجه إلى معنى القضاء لما فات من الصيام حيث يقول الله تعالى- فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة فأخبر تعالى أنه فرض على المسافر و المريض عند إفطارهما في الشهر القضاء له في أيام أخر ليكملوا بذلك عدة ما فاتهم من صيام الشهر الذي مضى و ليس في ذلك تحديد لما يقع عليه القضاء و إنما هو أمر بما يجب من قضاء الفائت كائنا ما كان و هذه الجملة التي ذكرنا تدل على أن التعليل المذكور لتمام شهر رمضان ثلاثين يوما موضوع لا يصح عن الأئمة ع
جوابات أهل الموصل فى العدد و الرؤية، ص: 22 و 23
ثم احتج بكون شهر رمضان ثلاثين يوما لم ينقص عنها بقوله تعالى و لتكملوا العدة و هذا نص في قضاء الفائت بالمرض و السفر أ لا ترى إلى قوله و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة. [و بعد فلو كان المراد بقوله و لتكملوا العدة] صوم شهر رمضان ما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوما بل كانت الفائدة فيه كمال صيام عدة الشهر و قد تكمل عدة الشهر ثلاثين يوما إذا كان تاما و تكمل بتسعة و عشرين يوما إذا كان ناقصا و قد بينا ذلك في صيام الكفارة إذا صام شهرين متتابعين و إن كانا ناقصين أو أحدهما كاملا و الآخر ناقصا
فقه القرآن، ج1، ص: 208
و قوله و لتكملوا العدة اللام فيه يجوز أن يكون للأمر كقراءة من قرأ فبذلك فلتفرحوا بالتاء و إنما أورد اللام في أمر المخاطب هنا إشعارا أن النبي ع و أمته الحاضرين و الغائبين داخلون تحت هذا الخطاب(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2. قال الاخفش: ادخال اللام في أمر المخاطب لغة رديئة، لان هذا اللام انما تدخل في الموضع الذي لا يقدر فيه على أفعل، و إذا خاطبت قلت قم لانك قد استغنيت عنها. قال صدر الأفاضل الخوارزمي: و الامر كما ذكره الاخفش، الا ان من المواضع ما يحسن فيه الامر باللام للفاعل المخاطب، و ذلك إذا لم يكن المأمور ثمة بعضها غائب و بعضها مخاطب، لقوله صلى الله عليه و آله «لتأخذوا مصافكم»، فالتاء تفيد الخطاب و اللام تفيد الغيبة و بمجموع الامرين يستفاد العموم، و لو قال «خذوا» لاوهم خصوص الجماعة المخاطبة، و عليه قراءته صلى الله عليه و آله «فلتفرحوا»، الفاء في فلتفرحوا مزيدة، كما في «فاجزعى» من قوله:
لا تجزعى ان منفسا اهلكته | و إذا هلكت فعند ذلك فاجزعى | |
به نظر می رسد اینکه تعلیل (حالا چه با لام جارّة تعلیلیة و چه به صورت مفعول له منصوبی) بعد از واو بیاید و معطوف علیه آن به نگاه بدوی مبهم باشد، یکی از اسلوب هایی است که در موارد متعددی از قرآن استفاده شده است. آیه «و لتکملوا العدة» از این موارد است. چند مورد دیگر نیز ذکر می کنیم:
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ
آیا واقعا این یک اسلوب خاص است یا باید به طور متعارف به دنبال معطوف علیه باشیم؟!
المدخل لعلم تفسیر کتاب الله تعالی(احمد بن محمد حدادی، 420)، ص 249-250
باب الواوات
- إن سئل عن قوله تعالى: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ . ما هذه الواو؟ قلنا: قد اختلفوا فيها. قيل: إنّ الواو واو الاستئناف، و اللام من صلة فعل مضمر، و التقدير: و فعل ذلك لتكملوا العدّة و كذلك قوله تعالى: وَ كَذٰلِكَ نُرِي إِبْرٰاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . و قيل: إن الواو في الآية واو عطف، عطف اللام، أي بعدها على اللام المحذوفة. و التأويل: يريد اللّه بكم اليسر و لا يريد بكم العسر ليسعدكم و لتكملوا العدّة، فحذفت اللام الأولى لوضوح معناها، و بقيت الثانية معطوفة عليها؛ لأنّ قيام معناها في الكلام يجري مجرى إظهارها. و قيل: إنّ الواو معطوفة على اليسر. فالتأويل: يريد اللّه بكم اليسر و تكميل العدة و تكبيركم اللّه على ما هداكم. فقامت اللام مقام المفعول، كما قال اللّه تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّٰهِ . أي: يريدون إطفاء نور اللّه، فنابت اللام عن المفعول كقول كثيّر: - أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل أراد: أريد نسيان ذكرها.
معترک الاقران سیوطی، ص 16-18
(فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) : هذا من رحمة اللّه بهذه الأمة؛ حيث أباح لها التفريق فى قضاء رمضان، و هو من خصائص هذه الأمة، قال تعالى : «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» . فإن قلت: قد قلتم: إنّ هذا الصيام من خصائص هذه الأمة، فما معنى الصيام على غيرها؟ فالجواب أنه اختلف: فقيل ثلاثة أيام من كلّ شهر. و قيل: عاشوراء [220 ا]؛ ففي هذه الآية الشريفة نرى عذرين و نهيين و نسخين و رحمتين و كرامتين. أما العذران فقوله: «كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» . و الثانى: «أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ» ؛ أى قليلة تمضى سريعا. و أما النّسخان فقوله: «وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ» ، أى فى بدء الإسلام إنّ من لم يصم ثم أطعم لم يكن له بذلك. و الثانى أن المجامعة كانت حراما فى ليالى رمضان، فأباح اللّه لهم بسبب عمر قوله : «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ» - يعنى الجماع. و أما الأمران فقوله : «وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ؛ و قوله : «وَ لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ» . و أما النّهيان ففي المؤاكلة و المجامعة بالنهار؛ و هو قوله : «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ» . و أما الرحمتان: «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ» ؛ فرخّص له فى الإفطار و القضاء بأيام أخر. و أما الكرامتان فقوله: «شَهْرُ رَمَضٰانَ» . و ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر؛ فالصيام أفضل الطاعات؛ لأنه يصوم بأمر، و يفطر بأمر: كلوا و اشربوا.
معانى القرآن، ج1، ص: 113
و قوله: و لتكملوا العدة ... (185) «1» فى قضاء ما أفطرتم. و هذه اللام فى قوله «و لتكملوا العدة» لام كى لو ألقيت كان صوابا. و العرب تدخلها فى كلامها على إضمار فعل بعدها. و لا تكون شرطا «2» للفعل الذي قبلها و فيها الواو. أ لا ترى أنك تقول: جئتك لتحسن إلى، و لا تقول جئتك و لتحسن إلى. فإذا قلته فأنت تريد: و لتحسن إلى «3» جئتك. و هو فى القرآن كثير. منه قوله «و لتصغى إليه أفئدة الذين «4» لا يؤمنون بالآخرة» و منه قوله «و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين» «5» لو لم تكن فيه الواو كان شرطا، على قولك: أريناه ملكوت السموات ليكون. فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها «و ليكون من الموقنين» أريناه. و منه (فى غير) «6» اللام قوله «إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب» «7» ثم قال «و حفظا» «8» لو لم تكن الواو كان الحفظ منصوبا ب «زينا». فإذا كانت فيه الواو و ليس قبله شىء ينسق عليه
__________________________________________________
(1) فى أ: «و».
(2) أي علة.
(3) سقط فى أ.
(4) آية 113 سورة الأنعام.
(5) آية 75 منها.
(6) فى أ: «بغير».
(7) آية 6 سورة الصافات.
(8) آية 7 منها.
معانى القرآن، ج1، ص: 114
فهو دليل على أنه منصوب بفعل مضمر بعد الحفظ؛ كقولك فى الكلام: قد أتاك أخوك و مكرما لك، فإنما ينصب المكرم على أن تضمر أتاك بعده.
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ص: 663
[فضائل شهر رمضان]
14، 1 و إن الله عز و جل اختار من الشهور شهر رجب، و شعبان، و شهر رمضان:
فشعبان أفضل الشهور- إلا مما كان من شهر رمضان، فإنه أفضل منه، و إن الله عز و جل ينزل في شهر رمضان من الرحمة- ألف ضعف ما ينزل في سائر الشهور، و يحشر شهر رمضان في أحسن صورة، فيقيمه [في القيامة] على قلة «3» لا يخفى- و هو عليها على أحد ممن ضمه ذلك المحشر، ثم يأمر، فيخلع عليه من كسوة الجنة و خلعها و أنواع سندسها و ثيابها، حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر، و لا يعي علم مقداره أذن و لا يفهم «4» كنهه قلب.
ثم يقال للمنادي من بطنان العرش: ناد! فينادي: يا معشر الخلائق- أ ما تعرفون هذا فيجيب الخلائق يقولون: بلى لبيك داعي ربنا و سعديك، أما إننا لا نعرفه.
ثم يقول منادي ربنا: هذا شهر رمضان ما أكثر من سعد به منكم و ما أكثر من شقي به ألا فليأته كل مؤمن له، معظم بطاعة الله فيه، فليأخذ حظه من هذه الخلع فتقاسموها بينكم على قدر طاعتكم لله، و جدكم.
قال: فيأتيه المؤمنون- الذين كانوا لله [فيه] مطيعين، فيأخذون من تلك الخلع
__________________________________________________
(1). زاد في «ب» قال الشاعر:
لله في عالمه صفوة و صفوة الخلق بنو هاشم.
و صفوة الصفوة من هاشم محمد الطهر أبو القاسم
.
(2). «فبحبي أحبهم ... فببغضي أبغضهم» البحار.
(3). التل من الأرض: قطعة أرفع قليلا مما حولها. «قلعة» ب، ط. «تلعة» البحار، و هي ما علا من الأرض.
(4). «يعرف» ب، ط.
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ص: 664
على مقادير طاعتهم [التي كانت] في الدنيا.
فمنهم من يأخذ ألف خلعة، و منهم من يأخذ عشرة آلاف.
و منهم من يأخذ أكثر من ذلك و أقل، فيشرفهم الله تعالى بكراماته.
ألا و إن أقواما يتعاطون تناول تلك الخلع، يقولون في أنفسهم: لقد كنا بالله مؤمنين و له موحدين، و بفضل هذا الشهر معترفين، فيأخذونها و يلبسونها، فتنقلب على أبدانهم مقطعات «1» نيران، و سرابيل قطران، يخرج على كل واحد منهم بعدد كل سلكة «2» من تلك الثياب- أفعى و عقرب و حية، و قد تناولوا من تلك الثياب أعدادا- مختلفة على قدر أجرامهم: كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر.
فمنهم الآخذ ألف ثوب، و منهم الآخذ عشرة آلاف ثوب، و منهم من يأخذ أكثر من ذلك، و إنها لأثقل على أبدانهم من الجبال الرواسي على الضعيف من الرجال، و لو لا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون لماتوا- من أقل قليل ذلك الثقل و العذاب.
ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة في تلك السرابيل- من القطران و مقطعات النيران أفعى و حية و عقرب و أسد و نمر- و كلب من سباع النار، فهذه تنهشه، و هذه تلدغه و هذا يفترسه، و هذا يمزقه و هذا يقطعه.
يقولون: يا ويلنا- ما لنا تحولت علينا [هذه الثياب، و قد كانت من سندس و إستبرق- و أنواع خيار ثياب الجنة تحولت علينا] مقطعات النيران، و سرابيل قطران و هي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة! فيقال لهم: ذلك بما كانوا يطيعون في شهر رمضان و كنتم تعصون، و كانوا يعفون و كنتم تزنون، و كانوا يخشون ربهم و كنتم تجترءون، و كانوا يتقون السرقة و كنتم تسرقون، و كانوا يتقون ظلم عباد الله و كنتم تظلمون، فتلك نتائج أفعالهم الحسنة!
__________________________________________________
(1). المقطعات: القصار من الثياب.
(2). أي خيط.
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ص: 665
و هذه نتائج أفعالكم القبيحة.
فهم في الجنة خالدون لا يشيبون فيها و لا يهرمون، و لا يحولون عنها و لا يخرجون و لا يقلقون فيها و لا يغتمون، بل هم فيها مسرورون، فرحون، مبتهجون، آمنون، مطمئنون لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و أنتم في النار خالدون، تعذبون فيها و تهانون، و من نيرانها إلى زمهريرها تنقلون، و في حميمها تغمسون و من زقومها تطعمون، و بمقامعها «1» تقمعون و بضروب عذابها تعاقبون- لا أحياء أنتم فيها و لا تموتون أبد الآبدين، إلا من لحقته منكم رحمة رب العالمين، فخرج منها بشفاعة محمد أفضل النبيين- بعد [مس] العذاب الأليم و النكال الشديد.
ثم قال رسول الله ص: يا عباد الله- فكم من سعيد بشهر شعبان في ذلك، و كم من شقي هناك، أ لا أنبئكم بمثل محمد و آله قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، و آل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور.
و علي بن أبي طالب ع في آل محمد كأفضل أيام شعبان و لياليه، و هو ليلة النصف و يومه.
و سائر المؤمنين في آل محمد كشهر رجب في شهر شعبان، هم درجات عند الله و طبقات، فأجدهم في طاعة الله أقربهم شبها بآل محمد.
فضائل الأشهر الثلاثة، ص: 110
412- حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن عبد الله بن عامر قال حدثني أبي عن الرضا ع أنه قال: إذا كان يوم القيامة زفت الشهور إلى الحشر يقدمها شهر رمضان عليه من كل زينة حسنة «3» فهو بين الشهور يومئذ كالقمر بين الكواكب فيقول أهل الجمع بعضهم لبعض وددنا لو عرفنا هذه الصور فينادي مناد من عند الله جل جلاله يا معشر الخلائق هذه صور الشهور التي عدتها عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض سيدها و أفضلها شهر رمضان أبرزتها لتعرفوا فضل شهري على سائر الشهور و ليشفع للصائمين من عبادي و إمائي و أشفعه فيهم «4».
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج7، ص: 190
53- م، تفسير الإمام عليه السلام يحشر الله يوم القيامة شهر رمضان في أحسن صورة فيقيمه على تلعة «1» لا يخفى على أحد ممن ضمه ذلك المحشر ثم يأمر و يخلع عليه من كسوة الجنة و خلعها و أنواع سندسها و ثيابها حتى يصير في العظم بحيث لا ينفذه بصر و لا يعي علم مقداره أذن و لا يفهم كنهه قلب ثم يقال لمناد من بطنان العرش ناد فينادي يا معشر الخلائق أ ما تعرفون هذا فيجيب الخلائق يقولون بلى لبيك داعي ربنا و سعديك أما إننا لا نعرفه فيقول منادي ربنا هذا شهر رمضان ما أكثر من سعد به و ما أكثر من شقي به ألا فليأته كل مؤمن له معظم بطاعة الله فيه فليأخذ حظه من هذه الخلع فتقاسموها بينكم على قدر طاعتكم لله و جدكم قال فيأتيه المؤمنون الذين كانوا لله مطيعين فيأخذون من تلك الخلع على مقادير طاعتهم في الدنيا فمنهم
__________________________________________________
(1) بفتح التاء فسكون: ما علا من الأرض.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج7، ص: 191
من يأخذ ألف خلعة و منهم من يأخذ عشرة آلاف و منهم من يأخذ أكثر من ذلك و أقل فيشرفهم الله بكراماته ألا و إن أقواما يتعاطون تناول تلك الخلع يقولون في أنفسهم لقد كنا بالله مؤمنين و له موحدين و بفضل هذا الشهر معترفين فيأخذونها و يلبسونها فتقلب على أبدانهم مقطعات نيران و سرابيل قطران يخرج على كل واحد منهم بعدد كل سلكة من تلك الثياب أفعى و حية و عقرب و قد تناولوا من تلك الثياب أعدادا مختلفة على قدر أجرامهم كل من كان جرمه أعظم فعدد ثيابه أكثر فمنهم الآخذ ألف ثوب و منهم الآخذ عشرة آلاف ثوب و منهم من يأخذ أكثر من ذلك و إنها لأثقل على أبدانهم من الجبال الرواسي على الضعيف من الرجال و لو لا ما حكم الله تعالى بأنهم لا يموتون لماتوا من أقل قليل ذلك الثقل و العذاب ثم يخرج عليهم بعدد كل سلكة من تلك السرابيل من القطران و مقطعات النيران أفعى و حية و عقرب و أسد و نمر و كلب من سباع النار فهذه تنهشه و هذه تلدغه و هذا يفترسه و هذا يمزقه و هذا يقطعه يقولون يا ويلنا ما لنا تحولت علينا هذه الثياب و قد كانت من سندس و إستبرق و أنواع خيار ثياب الجنة تحولت علينا مقطعات النيران و سرابيل قطران و هي على هؤلاء ثياب فاخرة ملذذة منعمة فيقال لهم ذلك بما كانوا يطيعون في شهر رمضان و كنتم تعصون و كانوا يعفون و كنتم تزنون و كانوا يخشون ربهم و كنتم تحبرون و كانوا يتقون السرق و كنتم تسرقون و كانوا يتقون ظلم عباد الله و كنتم تظلمون فتلك نتائج أفعالهم الحسنة و هذه نتائج أفعالكم القبيحة فهم في الجنة خالدون و لا يشيبون فيها و لا يهرمون و لا يحولون عنها و لا يخرجون و لا يقلقون فيها و لا يغتمون بل هم فيها سارون مبتهجون آمنون مطمئنون و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و أنتم في النار خالدون تعذبون فيها و تهانون و من نيرانها إلى زمهريرها تنقلون و في حميمها تغتسلون «1» و من زقومها تطعمون و بمقامعها تقمعون و بضروب عذابها تعاقبون الأحياء أنتم فيها و لا تموتون أبد الآبدين إلا من لحقته منكم رحمة رب العالمين فخرج منها بشفاعة محمد أفضل النبيين بعد العذاب الأليم و النكال الشديد.
__________________________________________________
(1) في المطبوع: تغتمسون