بسم الله الرحمن الرحیم
مجمع المسائل (للگلبايگاني)؛ ج1، ص: 263
هذا فى مرحلة الثّبوت و امّا فى مرحلة الاثبات ففى جميع الاقوال يحتاج إلى حصول اليقين او قيام امارة معتبرة شرعا و بدونها لا يحكم بوجوب الصّوم او الافطار و لعلّ ما اخرجه الوسائل فى باب 15 من احكام شهر رمضان حديث 1 تدلّ على ذلك لأنّ السّائل سأل عن قول اهل الحساب برؤية الهلال فى الاندلس و الافريقا فيجيب عليه السّلام بأنّه لا صوم مع الشكّ و لا يجيب بأنّ الرّؤية فى البلاد البعيدة لا تكفى و كذا ما اخرجه فى باب 12 حديث 2 من قوله عليه السّلام: فان شهد اهل بلد آخر فاقضه، فانّه مطلق يشمل البلاد البعيدة، و اللّٰه سبحانه و تعالى هو العالم.رؤيت هلال، ج4، ص: 2534
بقي في المقام فرع لم يتعرّض له المصنّف رحمه اللّه، و هو أنّه لو رئي الهلال في أحد البلدين المتقاربين- كبغداد و الكوفة و نحوهما من البلاد التي نقطع بعدم اختلافهما من حيث المطالع و المغارب إلى حدّ يوجب إمكان رؤية الهلال في بعضها دون بعض لو لا المانع الخارجي من وجود جبال و وهاد و أشجار و غلظ الهواء و نحو ذلك من الحواجب- ثبت حكمه لأهل البلد الآخر إجماعا بقسميه؛ لقوله عليه السّلام في موثّقة البصري: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» «1».و في صحيحة هشام: «و إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما» «2» و غير ذلك.
و أمّا لو تباعدا بحيث يحتمل فيهما ذلك، فالشيخ و الفاضلان «3» و جماعة «4» على أنّه لا يثبت حكم أحدهما للآخر؛ للأصل، و انصراف النصوص إلى البلاد المتقاربة.و لكن في التذكرة نقلا عن بعض العلماء أنّ حكم البلاد كلّها واحد مطلقا و لو كانت
.رؤيت هلال، ج4، ص: 2535
متباعدة «1»، و مال إليه في المنتهى «2» في أوّل كلامه، و احتمله في الدروس «3»، و اختاره غير واحد ممّن تأخّر و منهم المستند و الجواهر «4».و هو الأقوى،
لا لما في الدروس ...بل لأنّ المصير إلى القول الأوّل مبنيّ على أن يكون المدار في مبادئ الشهور على رؤية الهلال في بلد المكلّف أو ما يكشف عنه من الرؤية في البلاد المتقاربة، و لا شاهد عليه جدّا.بل الذي تشهد به الأدلّة إنّما هو كفاية الرؤية مطلقا و لو في بلد آخر من المعمورة مع عدم إمكان الرؤية في بلد المكلّف،
و ذلك لإطلاق قوله عليه السّلام: «صم للرؤية، و أفطر للرؤية» «1» و إطلاق ما دلّ على كفاية الرؤية في بلد آخر.و دعواهم الانصراف فيه يدفعها أنّ الندرة وجوديّة، فلا تصلح سببا للانصراف، مع إمكان منع الندرة أيضا؛ لأنّ الاطّلاع بحال البلاد المتباعدة و قيام البيّنة على الرؤية فيها بعد شهور أو سنة أمر غير نادر جدّا؛ لكثرة تردّد القوافل العظيمة بين البلاد المتباعدة في كلّ زمان.نعم، الاطّلاع في نفس يوم الشكّ ممّا لم يكن يتّفق في تلك الأزمنة؛ لامتناعه عادة، إلّا بآلة التلگراف المخترع في زماننا و نحوها، و هو غير مراد من تلك النصوص أيضا.
و لنصّ صحيحة محمّد بن عيسى:ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان، فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علّة فيفطر الناس فنفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر و إفريقيّة و الأندلس، فهل يجوز- يا مولاي- ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع عليه السّلام: «لا تصومنّ الشكّ، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته» «2».حيث إنّ النهي عن الصوم لأجل كونه شاكّا من قولهم كالصريح في أنّه لو كان قاطعا برؤية أهل تلك البلاد لكان له حكمهم، و الحال أنّها من البلاد البعيدة جدّا بالنسبة إلى بلاد الراوي، كما لا يخفى، بل و ظاهر السؤال أنّ [ظ: أنّه] في استخراج أهل الحساب أيضا إنّما
446.رؤيت هلال، ج4، ص: 2538
كان ممكن الرؤية في تلك البلاد خاصّة دون بلد الراوي، كما لا يخفى.و احتمال أن يكون المراد أنّ الرؤية في تلك البلاد موجبة للشكّ في إمكان الرؤية في بلدك، فلا تصم لأجل ذلك، فيدلّ على أنّ العبرة ببلد المكلّف خاصّة، كما ترى خلاف الظاهر جدّا و لو بالنظر إلى أنّه لو كان المراد ذلك لقال: صم بالرؤية في بلدك، صريحا، و لم يأمره بالصوم بالرؤية بقول مطلق الذي هو في مقابل العمل بقول أهل الحساب و نحوه من الأمور الظنّيّة، كما أشرنا إليه مرارا، و إلى أنّ من البعيد فرض الشكّ في إمكان الرؤية في بلد الراوي بعد فرض عدم رؤية جميع الناس طرّا مع عدم العلّة في السماء و كونه في استخراج أهل الحساب غير ممكن الرؤية، فليس إلّا الشكّ في الرؤية في تلك البلاد لقول أهل الحساب بإمكان الرؤية فيها.هذا كلّه، مضافا إلى أنّ موضوع الشهر ممّا لا اختراع فيه للشرع، بل إنّما هو كسائر الموضوعات العرفيّة التي علّق عليها الأحكام، فالمرجع فيه ليس إلّا العرف، و المدار فيه عندهم على الرؤية مطلقا و لو في البلاد المتباعدة، فتأمّل جيّدا.
رسالة حول مسألة رویة الهلال، ص ١٧٠
التنبيه الخامس، أنّ كتاب سبيل الرّشاد في شرح كتاب نجاة العباد للسّيّد أبى تراب الخونسارى- قدّه- لم يكن بأيدينا حين تأليف الموسوعة الاولى،
كي نطالعه و نلاحظ مواقع الاستدلال فيه على عدم لزوم الاشتراك في الآفاق.
و قد وهبنا الله تعالى في هذه الآونة، و بعد ما طالعناه وجدنا أنّ من جملة ما استدلّ به على مرامه صحيحة محمّد بن عيسى المرويّة في التّهذيب بإسناده عنه قال: كتب إليه أبو عمرو: أخبرني يا مولاي أنّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان و لا نراه، و نرى السّماء ليست فيه علّة، و يفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا أنّه يرى في تلك اللّيلة بعينها بمصر و إفريقيّة و الأندلس، هل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب، حتّى يختلف الفرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم
______________________________
(1) سورة 22 الحجّ الآية 78.
رسالة حول مسألة رؤية الهلال، ص: 171
خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا؟
فوقّع عليه السلام: لا تصومنّ بالشّك، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته.
و رواه في الوسائل في باب أنّه لا عبرة بإخبار المنجّمين، و أهل الحساب.
طريق الاستدلال: أنّ النّهى عن الصّوم لأجل كونه شاكّا من قولهم كالصّريح في أنّه لو كان قاطعا برؤية أهل تلك البلاد، لكان له حكمهم، و الحال أنّها من البلاد البعيدة بالنّسبة إلى بلاد الرّاوي كما لا يخفى.
بل و ظاهر السؤال أنّ في استخراج أهل الحساب أيضا إنّما كان يمكن الرّؤية في تلك البلاد خاصّة، دون بلد الرّاوي كما لا يخفى.
و احتمال أن يكون المراد أنّ الرّؤية في تلك البلاد موجبة للشّكّ في إمكان الرّؤية في بلدك، فلا تصم لأجل ذلك، فيدلّ على أنّ العبرة ببلد المكلّف خاصّة، كما ترى خلاف الظّاهر جدّا و لو بالنّظر إلى أنّه لو كان المراد ذلك لقال: صم بالرؤية في بلدك صريحا، و لم يأمر بالصّوم بالرّؤية بقول مطلق الّذي هو في مقابل العمل بقول أهل الحساب و نحوه من الأمور الظنّيّة، كما أشرنا إليه مرارا، و إلى أنّ من البعيد فرض الشّكّ في إمكان الرّؤية في بلد الرّاوي، بعد فرض عدم رؤية جميع النّاس طرّا، مع عدم العلّة في السّماء، و كونه في استخراج أهل الحساب غير ممكن الرّؤية.
فليس إلّا الشّكّ في الرّؤية في تلك البلاد، لقول أهل الحساب بإمكان الرّؤية فيها- انتهى.
أقول: فقه الحديث يدلّنا على أنّ السائل لم يرد سؤال تكليفه بالصّيام عن الإمام عليه السلام، و لم يشكل عليه شهر رمضان بالنسبة إلى بلده حيث صرّح في سؤاله بأنّه لم- ير الهلال و لم يره الناس و ليست في السّماء علة، و الظّاهر منه أيضا أنّ في استخراج أهل الحساب كانت الرّؤية ممتنعة في بلده حيث علّق إمكان الرّؤية على قولهم بتلك البلاد النّائية خاصّة.
بل كان بانيا على عدم دخول شهر رمضان في بلده، على ما هو المرتكز في ذهنه و أذهان الناس، من لزوم الرّؤية فيه بخصوصه.
و على هذا الأساس بنى على الإفطار قطعا كإفطار النّاس.
و لم يظهر من سؤاله هذا أدنى توهّم شكّ و شبهة بالنّسبة إلى إفطاره و إفطارهم.
و إنّما سأل عن أمر آخر، و هو جواز اختلاف الآفاق في الرّؤية و عدمه، و أنّه هل تجوز الرّؤية في بلد، فيترتّب عليها أحكام الصّيام، و عدم الرّؤية في آخر، فلا يترتّب عليها
رسالة حول مسألة رؤية الهلال، ص: 172
أحكامه، أم لا؟ بعد مفروغيّة ترتّب الصّيام في كلّ بلد على الرّؤية في ذلك البلد.
فلذا صرّح بأنّ قوما من الحسّاب ذهبوا إلى رؤيته في تلك اللّيلة بعينها في تلك الآفاق البعيدة فهل يجوز ما قاله الحسّاب حتّى تختلف الآفاق و يختلف الفرض على أهل الأمصار، ببيان ما هو مرتكز في ذهنه من ترتّب الصّيام على الرّؤية ليس غير، معبّرا عنه بأنّه هل يمكن بأن يكون صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟
فتبيّن أنّه لم يكن بصدد تكليف نفسه في بلده أبدا، بل كان متيقّنا على أنّه لم- يؤمر بالصّيام لمكان عدم الرّؤية عنده.
بل كان بصدد أن يعرف تكليف القاطنين في تلك البلاد، بأنّهم هل يمكن أن يصوموا المكان الرّؤية الحاكية عنها طائفة الحسّاب، و يفطروا لمكان الرّؤية في بلادهم أيضا باختلاف آفاقهم مع أفقه، أم لا يجوز ما قاله الحسّاب، فيكون جميع الآفاق متّحدة في إمكان الرّؤية و عدمه؟
و إذا لم يجز ما قاله الحسّاب، فلمكان استهلاله في آفاقه و عدم الإهلال مع فقدان علّة في السّماء علم عدم وجوده في تلك الآفاق أيضا، فعلم بطلان قول الحسّاب.
و ممّا ذكرنا يظهر أنّ قوله في أوّل سؤاله: بأنّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان، لم يكن المراد تردّدا و إشكالا في وظيفته من الصّيام قطعا.
بل المراد تحقّق الإشكال من حيث إمكان دخول شهر رمضان في ناحية كإفريقيّة و الأندلس، و عدم دخوله في ناحية أخرى كبلدة، و عدم إمكانه.
و يظهر أيضا أنّ ما وقّع عليه السّلام بقوله: لا تصومنّ بالشّكّ أفطر لرؤيته و صم لرؤيته، لم يكن بيان تكليفه في بلده و هو في هذه الحالة من اليقين على عدم دخول الشّهر.
بل كان بصدد بيان قاعدة كلّيّة لجميع الأفراد في كلّ مكان، في قالب الخطاب الشّخصيّ، بأنّ المدار على الرّؤية الفعليّة، و لا عبرة بقول المنجّمين الموجب للشّكّ.
فكلّ أحد في أيّ بلدة من البلاد، إذا تحقّقت الرّؤية يصوم، و إلّا فلا يصوم، نظير الخطابات القرآنيّة فيما يكون المخاطب فيها خصوص النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم، و المراد بيان تكليف قاطبة المكلّفين.
فعلم ممّا ذكرنا أنّ هذه الرّواية من حيث دلالتها على مفروغيّة الرّؤية الفعليّة في كلّ ناحية في ذهن السائل و عدم ردعه عليه السلام أوّلا،
رسالة حول مسألة رؤية الهلال، ص: 173
ثمّ سؤال إمكان تحقّق الاختلاف في الآفاق حتّى يكون تكليف كلّ ناحية على مدار الرّؤية فيها بخصوصها و عدم ردعه عليه السّلام كذلك ثانيا، ثمّ بيان القاعدة الكلّيّة بأنّ المدار على الرّؤية الفعليّة، لا على الشّكّ ثالثا، لا بدّ و أن تحسب من الرّوايات الدّالّة على لزوم الاشتراك في الآفاق، لا من الأدلّة الدّالّة على عدم اللزوم كما ذهب إليه السّيّد قدّس سرّه.
هیویات فقهیة، ص ١٠۴
الدليل الخامس: التمسّك بصحيحة اليقطيني.
ذكره السيد أبو تراب الخونساري قدس سره في شرح نجاة العباد.
و هي صحيحة محمد بن عيسى اليقطيني اليونسي قال: كتب إليه أبو عمر:
أخبرني يا مولاي، انه ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علة و يفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: أنه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر، و أفريقية، و الاندلس، هل يجوز- يا مولاي- ما قال الحساب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض على أهل الامصار فيكون صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع: «لا تصومنَّ الشك، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته» ».
تقريب الاستدلال: بظاهر الرواية أنه لو كان يقطع برؤيته في مصر مع عدم رؤيته
______________________________
(1) الوسائل: ابواب احكام شهر رمضان باب 15 حديث 1.
هيويات فقهية، ص: 105
في بلده لوجب عليه الصيام في بلده، إذ محط سؤاله في أنه هل يجوز الاعتماد على الحسّاب في ثبوت الهلال و الرؤية في مصر و الاندلس، و النهي في جوابه عليه السلام عن الاعتماد على أقوالهم، و أمره باتباع الرؤية، فمصبّ شكّ الراوي في تحقق الرؤية في مصر، و أنه هل يجوز أن يرونه في مصر أم لا، و ليس شكّه في كون البلد- بغداد- الذي هو فيه يرى فيه الهلال أو لا يرى؟
فسؤال الراوي في نفس مورد المسألة المبحوثة و هي رؤية الهلال في أفق متأخر عن بلد المكلف و سؤاله عن الاعتداد بقولهم و امكان تحققه، و كأنه لدى السائل مفروغ عنه وحدة حكم الآفاق المختلفة و الاكتفاء بالرؤية في مصر و الاندلس، و الامام عليه السلام لم يردع ارتكازه و مبنى سؤال الراوي و انما نهاه عن الاعتماد على الحسّاب لكونه شكاً و ليس بقطع و علم و لا علمي تعبدي.
كما أن الشك في الرواية ليس في بلد الراوي إذ هو قاطع بعدم رؤية الهلال في بغداد كما يظهر من تعبيره: «فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علة»، فالشك في تحقق الرؤية في مصر بقول الحسّاب و أن السائل مرتكز عنده أنه لو قطع بثبوت الرؤية في مصر لوجب عليه الصوم في بلده، و ظاهر جوابه عليه السلام أقراره على ذلك، غاية الامر لكونه شاكا، أمره الامام عليه السلام بالصوم للرؤية.
و فيه: أن هذه الصحيحة دلالتها على قول المشهور أوضح و أظهر.
بيان ذلك: أن سؤال الراوي انما هو عن جواز اختلاف الفرض على أهل الامصار فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا، و أنه إذا تحققت الرؤية في غير مصرنا هل يستلزم ذلك تحقق الرؤية في مصرنا، و الشاهد على ذلك قوله: «هل يجوز ما قال الحسّاب»، و الذي قاله الحسّاب: «أنه في مصر يرى و هنا في بغداد لا يرى»، أي أنه يمكن ان تتحقق الرؤية في مصر فتختلف عنا في العراق، هذا هو مصب سؤاله.
هيويات فقهية، ص: 106
فليس السؤال عن اختلاف الصوم بتبع اختلاف الرؤية إذ هذا مسلّم عند الراوي كما هو نص قوله: «حتى يختلف الفرض على أهل الامصار فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا»، و انّما مصبّ سؤاله عن وقوع اختلاف الرؤية التكويني و عن تبعض الرؤية من مكان لآخر، و حدوث مثل هذا الامر التكويني، و لذا لم يقل هل يجوز اختلاف الآفاق في الصيام، بل قال هل يجوز ما قاله الحسّاب، و ما قاله الحساب أمر تكويني و ليس أمراً شرعياً فهو ليس محمولًا شرعياً بل مقولًا و محمولًا تكوينياً، فهو يسأل عن أن قول الحساب هل يمكن وقوعه أو لا يمكن.
و كأنه مفروغ عنه عند الراوي أنه إذا تبعضت الرؤية من مكان لآخر فسيختلف حكم الصيام لذلك، و ظاهر جوابه عليه السلام امضاء هذا المرتكز و اقراره.
هذا و أما ما أفاده السيد في كلامه المتقدم من أن الراوي قاطع بعدم الرؤية في بلده.
ففيه: أنّ الأمر ليس كذلك و ان عبّر الراوي بقوله: «و ليس في السماء علة»، إلّا أنه في صدر السؤال قال: «انه ربما أشكل علينا»، و الاشكال يعني به مورد الحيرة و التأمل و الشك.
إذ صفو الجو ليس سبباً كافياً لان يقطع الانسان أن الهلال ليس موجودا بالفعل، إذ ساعة تكون الهلال و خروجه من تحت الشعاع تختلف عن الساعات اللاحقة للتكوّن و على أثر ذلك يختلف وضوح الرؤية من بلد لآخر و من مكان لآخر، فأول بلد الرؤية يكون القمر لتوّه متزحزح و مبتعد عن الشعاع و لذا هالة الشعاع تغطي عليه فيكاد أن لا يرى، و هذا بخلاف عاشر بلد الرؤية.
كما أن موضع رصد الهلال في الجوّ مع اختلاف الشهور يحتاج إلى خبرة و ممارسة، و كذا الحال في آن الرصد هل قبل الغروب أو حينه أو بعده و بأي مقدار
هيويات فقهية، ص: 107
من الدقائق و الوقت، أضف إلى ذلك اختلاف قوة البصر، كل ذلك يؤثر في الاستهلال و الرصد بالعين المجردة، و في عدم حصول الجزم بعدم الهلال من مجرد عدم الرؤية الفعلية في الأفق.
فصرف صحو الجو و عدم وجود علة في السماء لا يدل على عدم إهلال الهلال، لذلك عبّر الراوي: «أشكل علينا شهر رمضان»، فهو ليس بقاطع حتى يكون مركز الشك وقوع الرؤية في مصر.
فأول ما فرض الراوي في سؤاله أنه ربما أشكل علينا شهر رمضان، فمركز الشك في بلده لظنّه ملازمة وقوع الرؤية في مصر للرؤية في بغداد.
غاية الامر أن الراوي نفي حصول الرؤية الفعلية، لكن ذلك لا يلازم نفي الهلال في الافق لما تقدم ذكره من العوامل و الاسباب المؤثرة في حصول الرصد بالعين المجردة، و لذا عبّر الراوي بالعطف على النفي بالجملة الحالية: «فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علة»، لبيان نفي بعض العوامل المؤثرة و حيث أن الاستهلال بالعين المجردة هو نمط من عملية فحص عن موجود خارجي في الافق قد تصيبه و قد لا تصيبه و مطلق عدم الوجدان لا يلازم عدم الوجود، و لذلك شُرّع وجوب اتمام العدة كحكم ظاهري.
و هذا أمر مجرب و محسوس فكثير ما يستهلّ الانسان و لا يرى الهلال، بل قد يخفى حتى على الحذّاق المتمرّسين.
و هذا الاجابة تختلف عما أورده بعض المعاصرين «1» على السيد أبي تراب، حيث جعل مركز الشك في رؤيته في مصر دون بغداد و أن جواب الامام في عدم الاعتداد بالشك و الصوم بالرؤية هو كقضية حقيقية ليس السائل مصداقا لها إذ لم يكن شاكا في عدم وجوب الصيام.
رؤيت هلال، ج5، ص: 3834
حجة الإسلام و المسلمين الشيخ محمّد سند بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى الله على سيّدنا و نبيّنا محمّد و آله الطاهرين.
على ضوء ما جرى تداوله مع فتوى السيّد السيستاني (دام ظلّه) من تفرقته في الآفاق ليس بحسب اختلاف خطّ الطول أو الخطّ الفاصل بين الليل و النهار بل بحسب اختلاف خطّ العرض و إن لم يوجب اختلافا في وقت الطلوع و الغروب للشمس. تبيّن لدينا أنّه لا يشترط وحدة الأفق في ثبوت الهلال و ابتداء الشهر القمري و أنّه يكفي رؤية واحدة لتحقّق دخول الشهر لكلّ الأرض؛ لما بنينا عليه من ذكر ملاحظات أهمّها:...
رؤيت هلال، ج5، ص: 3837
سابعا: التأييد بصحيحة محمّد بن عيسى قال: كتب إليه أبو عمر: أخبرني يا مولاي، إنّه ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علّة و يفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر، و إفريقية، و الأندلس، هل يجوز- يا مولاي- ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع: «لا تصومنّ الشكّ، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته» «1». فإنّ ما ذكرناه سابقا في مفاد الرواية و إن كان متّجها إلى حدّ ما مع سؤال السائل إلّا أنّ تسميته عليه السّلام لليوم بيوم الشكّ شاهد على كفاية الرؤية في بلد ما لبقية البلدان و إن اختلفت الآفاق، و ذلك لفرض السائل عدم الرؤية مع صحو الجوّ و رتّب عليه سؤاله الآخر و هو اختلاف الحكم في دخول الشهر بين البلدان لعدم تحقّق الرؤية في بلد و تحقّقها في آخر، ففرضه عليه السّلام يوم شكّ دالّ على تلازم الحكم بمجرّد حصول رؤية في مصر و إن لم تحصل في العراق؛ فإنّ قول المنجّمين حيث إنّه حدسي غير معتبر فغايته أنّه يتولّد منه الشكّ. و من ثمّ استفاد المشهور من الرواية عدم الاعتداد بقول المنجّمين، إذ لو لم يكن لرؤية الهلال في مصر أثر مع عدم رؤيته في العراق، لما كان لنفي اعتبار قول المنجّمين معنى؛ فإنّ نفي الاعتبار هو بلحاظ مورد و مفاد ذلك القول من وقوع رؤيته في مصر، و الأثر إنّما يتمّ بلحاظ دخول الشهر لكلّ البلدان برؤيته في بلد ما، و إلّا لكان قولهم حول الرؤية في مصر أجنبية عن الحكم في العراق.
و يؤيّد مفاد هذا الصحيح موثّقة أبي حمزة الثمالي- على الأظهر- قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فقال له أبو بصير: جعلت فداك، الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ فقال: «في ليلة إحدى و عشرين، أو ثلاث و عشرين، قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: «ما أيسر ليلتين فيما تطلب!» قال: قلت: فربّما رأينا الهلال عندنا و جاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى؟ فقال: «ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها» .
فإنّه و إن أشكلنا عليها سابقا بأنّه تمسّك بالإطلاق الأحوالي لبعض أفراد العام أو المطلق
______________________________
(1). وسائل الشيعة، ج 10، ص 297، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 15، ح 1.
(2). وسائل الشيعة، ج 10، ص 354- 355، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 32، ح 3.
رؤيت هلال، ج5، ص: 3838
و هو ليس بحجّة، لكن الصحيح هو ظهور التعبير «في أرض أخرى» على تغاير البلدين في الأفق لا سيّما و أنّ المسافر الذي جاء بالخبر هو بلحاظ ليالي القدر أي يتأتّى مضيّ نصف الشهر، و هو كاف في طيّ مسافة بين بلدان مختلفة الآفاق.