بسم الله الرحمن الرحیم

رواج قرائت حفص عن عاصم در حکومت عثمانی

فهرست مباحث علوم قرآنی
الجزائر تضع ضوابط جديدة خاصة بإستيراد المصاحف والكتب الدينية
شرح حال عاصم بن أبي النجود قراء سبعة(000 - 127 هـ = 000 - 745 م)
قول عاصم لحفص ما أقرأتك فمن طريق السلمي و ما أقرأت ابا بكر فمن طريق زر بن حبیش
قول عاصم ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي
متفردات عاصم
موارد اختلاف حفص و ابن عیاش در روایت از عاصم




اشتباه اين منابع در نسبت دادن عبارت تتارخانية به ابن عابدين:



معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (ص: 54)
المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)
توفي عاصم في آخر سنة سبع وعشرين ومائة.
وقال إسماعيل بن مجالد: سنة ثمان وعشرين رواه البخاري عن أحمد بن سليمان عنه فلعله في أولها.
مات وحديثه مخرج في الكتب الستة وليس حديثه بالكبير -رحمه الله تعالى، وأعلى ما يقع لنا القرآن العظيم من جهته، فإنني قرأت القرآن كله على أبي القاسم سحنون المالكي عن أبي القاسم الصفراوي عن أبي القاسم بن عطية، عن ابن الفحام عن ابن نفيس، عن السامري عن الأشناني عن عبيد بن الصباح عن حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن، عن علي وعن زر عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم، عن جبريل -عليه السلام- عن الله -عز وجل، فنسأل الله أن يجعله شاهدا لنا وشافعا1.
__________
1 انظر/ سير أعلام النبلاء "5/ 256-261". تهذيب التهذيب "5/ 381". شذرات الذهب "1/ 175". طبقات القراء لابن الجزري "1/ 346".




السبعة في القراءات (ص: 71)
وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم
لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش فيما يقال لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا
وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش وكان أبو بكر لا يكاد يمكن من نفسه من أرادها منه فقلت بالكوفة من أجل ذلك وعز من يحسنها وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات



الموسوعة الفقهية الكويتية (33/ 56)
قال ابن عابدين: ومشايخنا اختاروا قراءة أبي عمرو حفص عن عاصم.


الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 541)
ومشايخنا اختاروا قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم اهـ من التتارخانية عن فتاوى الحجة


http://www.ibnamin.com/recitations_current_places.htm
موقع الشيخ محمد الأمين
فالفقيه ابن عابدين الحنفي الدمشقي (1198-1252هـ \ ‏1748-1836م) يذكر في "حاشيته" أن اختيار الحنفية في القراءات هو قراءتي حفص عن عاصم والدوري عن أبي عمرو، قال (1|541): "ومشايخنا اختاروا قراءةَ أبي عَمْرٍو وحفصٍ عن عاصم".



در الموسوعة يك واو است و در حاشيه ابن عابدين دو واو است و در فايل پي دي اف خود كتاب تتارخانيه اصلا واو نيست: و مشايخنا اختاروا قراءة ابي عمر حفص عن عاصم انتهي و كنيه حفص ابو عمر است.

الفتاوي التاتارخانية لفريد الدين عالم بن العلاء الاندريبي الدهلوي الهندي متوفي 786


در جلد دوم 20 جلدي چاپ (تحقيق شبير احمد القاسمي) جديد ص 72 عبارت تتارخانيه بدون هيچ واو است:

https://archive.org/stream/Fatawatatarkhania/Fattatar02#page/n73/mode/2up

و در جلد اول چهار جلدي (تحقيق قاضي سجاد حسين) فايل پي دي اف هم بدون هيچ واو است فراجع:

http://download1508.mediafire.com/6qnrubs5xrsg/6ck77gthh4uvvhd/الفتاوي+التاتارخانيه1.pdf


http://www.book.alashraf.ws/download.php?id=1850

http://download1508.mediafire.com/g9820vpar4rg/6ck77gthh4uvvhd/
%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A7%D9%88%D9%8A
+%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%AA
%D8%A7%D8%B1%D8%AE%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%871.pdf







أرشيف ملتقى أهل الحديث - 1 (45/ 426)
لقد انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، بالإضافة لمذهب مالك في الحجاز. فلما مات مالك، صار المذهب الحنفي المذهب الرسمي الوحيد. فانتشر في العراق وفي مشرقها من بلاد العجم: فارس وما وراء النهر (تركستان) وأفغانستان والهند. كما كان المذهب الرسمي لعدد من دول المشرق كدولة السلاجقة، والدولة الغرنوية ثم الدولة العثمانية. وبسبب فتواه الذي أجاز الخلافة لغير قريش، استحسن الأتراك مذهبه خلال حكم الدولة العثمانية واعتبروا المذهب الحنفي مذهب الدولة. ثم أخذوا يحملون الناس على اعتناق مذهبه، حتى أصبح أكبر مذهب إسلامي له أتباع بين المسلمين، بسبب طول فترة حكم الدولة العثمانية الذي امتد حوالي سبعة قرون من الزمن. بل بلغ بهم الأمر إلى فرض قراءة حفص عن عاصم، بدلاً من القراءات المنتشرة في العالم الإسلامي (وبخاصة قراءة الدوري)، لمجرد أن أبا حنيفة كان يقرأ بها! ونشر الأتراك مذهبه في شرق أوربا والعراق وشمال الشام، لكنهم فشلوا في فرضه في المناطق البعيدة عن نفوذهم كالجزيرة وإفريقيا.






الكتاب: رد المحتار على الدر المختار
المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)


[حاشية ابن عابدين]
1- اسم الكتاب: رد المحتار على الدر المختار في شرح تنوير الأبصار المعروف بـ (حاشية ابن عابدين)
2- اسم المؤلف: محمد أمين بن عمر المشهور بابن عابدين (1252هـ- 1836م)
3- تصنيف الكتاب: فقه
4- مذهبه: حنفي
5- التعريف بالكتاب: أهم كتاب بإطلاق عند متأخري الحنفية, بما يمتاز به من التدقيق والتخريج, وبيان الأحكام للمسائل التي ظهرت في العصور المتأخرة, وصارت حاشيته عمدة الفقهاء والقضاة والمفتين والعلماء. والكتاب حاشية على الدر المختار للحصفكي (1088 هـ) والدر المختار شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي (1004هـ) فاجتمع في الحاشية جهود ثلاثة علماء وعرفت الحاشية باسم رد المحتار على الدر المختار في شرح تنوير الأبصار أو حاشية ابن عابدين - وقد توفي ابن عابدين قبل أن يتم حاشيته, فجاء ابنه الشيخ محمد علاء الدين (1306هـ) فأتم الكتاب في مجلدين وسماه: قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار.


ابن عابدين (1198 - 1252 هـ = 1784 - 1836 م)
محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي: فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره.
مولده ووفاته في دمشق.
له (رد المحتار على الدر المختار - ط) خمس مجلدات، فقه، يعرف بحاشية ابن عابدين، و (رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار) و (العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية - ط) جزآن، و (نسمات الأسحار على شرح المنار - ط) أصول، و (حاشية على المطول) في البلاغة، و (الرحيق المختوم - ط) في الفرائض، و (حواش على تفسير البيضاوي) التزم فيها أن لا يذكر شيئا ذكره المفسرون، و (مجموعة رسائل - ط) مجلدان، وهي 32 رسالة، و (عقود اللآلي في الأسانيد العوالي - ط) وهو ثبته .
نقلا عن : الأعلام للزركلي



الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 541)
(قوله ويجوز بالروايات السبع) بل يجوز بالعشر أيضا كما نص عليه أهل الأصول ط (قوله بالغريبة) أي بالروايات الغريبة والإمالات لأن بعض السفهاء يقولون ما لا يعلمون فيقعون في الإثم والشقاء، ولا ينبغي للأئمة أن يحملوا العوام على ما فيه نقصان دينهم، ولا يقرأ عنده قراءة أبي جعفر وابن عامر وعلي بن حمزة والكسائي صيانة لدينهم فلعلهم يستخفون أو يضحكون وإن كان كل القراءات والروايات صحيحة فصيحة، ومشايخنا اختاروا قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم اهـ من التتارخانية عن فتاوى الحجة

قواعد الفقه (ص: 573)
والتتارخانية للعلائي المتوفي سنة (686)


www.al-sunna.net/articles/file.php?id=804
ثم إني قد قرأت في الفتاوى التتارخانية لعالم بن العلاء الانصاري الاندريني الدهلوي الهندي هذا النص





اشتباه مظنون نيشابوري در تفسيرش كه حفص را شريك ابو حنيفة دانسته:


حفص بن سليمان مقري شاگرد عاصم غير از حفص بن عبد الرحمن فقيه شاگرد و شريك ابو حنيفه است:

تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (1/ 11)
المؤلف: نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري (المتوفى: 850هـ)
5- عاصم بن بهدلة الأسدي، قرأ عاصم على زر بن حبيش على عبد الله بن مسعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ أيضا على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي معلم الحسن والحسين على علي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي سنة ثمان وعشرين ومائة ورواته أربعة: أبو عمر حفص ابن أبي داود سليمان بن المغيرة البزاز الأسدي وكان شريك أبي حنيفة. روى عنه أبو محمد هبيرة بن محمد التمار طريق الحسنون بن الهيثم طريق أحمد بن علي الخرّاز وأبو حفص عمرو بن الصباح طريق عبد الصمد بن محمد.



أخبار أبي حنيفة وأصحابه (ص: 46)
المؤلف: الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصَّيْمَري الحنفي (المتوفى: 436هـ)
أخبرنا احمد بن محمد قال ثنا علي بن عمرو الحريري قال ثنا علي بن محمد القاضي قال ثنا الحسين بن الحكم الجبري قال ثنا علي بن حفص البزاز قال كان حفص بن عبد الرحمن شريك أبي حنيفة وكان أبو حنيفة يجهز عليه فبعث إليه دفعة متاعا وأعلمه ان في ثوب كذا عيبا فإذا بعته فبين فباع حفص المتاع ونسي ان يبين العيب ولم يعلم ممن باعه فلما علم أبو حنيفة بذلك تصدق بثمن المتاع كله



تاريخ بغداد ت بشار (15/ 490)
وقال النخعي: حدثنا الحسين بن الحكم الحبري، قال: حدثنا علي بن حفص البزاز، قال: كان حفص بن عبد الرحمن شريك أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة يجهز عليه، فبعث إليه في رفقة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيبا، فإذا بعته فبين، فباع حفص المتاع ونسي أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.



ميزان الاعتدال (1/ 560)
2126 - حفص بن عبد الرحمن [س] الفقيه، أبو عمر البلخي، قاضى نيسابور.
عن عاصم الأحول، وسليمان التيمي، وتفقه بأبي حنيفة.
وعنه محمد بن رافع، وسلمة ابن شبيب، وجماعة.
قال أبو حاتم: صدوق مضطرب الحديث.
وقال النسائي: صدوق.
وقيل: كان ابن المبارك يزوره لدينه وتعبده، ولى القضاء، ثم ندم، وأقبل على العبادة.
وقال الحاكم: حفص أفقه أصحاب أبي حنيفة الخراسانيين مات سنة تسع وتسعين ومائة.
وقال السليماني: فيه نظر.




التراجم الساقطة من كتاب إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ص: 234)
المؤلف: مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين (المتوفى: 762هـ)
137 - (س) حفص بن عبد الرحمن بن عمر بن فروخ بن فضالة أبو عمر البلخي الفقيه (3):
.....
روى عن كامل أبي العلاء و..... وحفص بن سليمان الغاضري





الوافي، ج‏17، ص: 512
[22] 17742- 22 الكافي، 5/ 172/ 16/ 1 التهذيب، 7/ 21/ 7/ 1 علي عن أبيه عن الحسن بن الحسين عن صفوان عن البجلي قال اشتريت محملا و أعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذه فقال قد بعته فضحكت ثم قلت لا و الله لا أدعك أو أقاضيك فقال لي أ ترضى بأبي بكر بن عياش «2» قلت نعم فأتيناه فقصصنا عليه قصتنا فقال أبو بكر بقول من تحب أن أقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره قلت بقول صاحبي قال سمعته يقول من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له‏
__________________________________________________
(2). قوله «بأبي بكر بن عياش» هو القارئ المشهور من رواة عاصم و كانت المصاحف مكتوبة على قراءته على ما ذكره في خلاصة المنهج، و فسر القرآن في الخلاصة أيضا على قراءته، و أما اليوم فالمصاحف على قراءة حفص و هو الراوي الآخر لعاصم، و قال ابن النديم إنها قراءة علي عليه السلام، و قال أبو بكر بن عياش وجدت قراءة عاصم على قراءة علي عليه السلام إلا في عشر كلمات كانت مخالفة فأصلحتها و أدخلتها. «ش».





ملا فتح الله فرزند ملا شكر الله شريف كاشانى-- در سال 988 ه. ق رحلت نموده و در كاشان مدفون گشتند
خلاصة المنهج، ج‏1، ص: 3
و از قرائت معتبره برواية بكر از عاصم كه در ميان عجم شهرتى تمام دارد اختصار خواهد رفت و ببعضى كلمات كه حفص را با او طريق مخالفت و معنى كلام بسبب آن اختلاف تغيير مييابد اشارتى با او خواهد شد



تفسير منهج الصادقين في إلزام المخالفين، ج‏1، ص: 6
و او را دو راوى مشهور است يكى شعبة بن سالم اسدى كوفيست كه مولا بنى اسد است و مكنى است بابى بكر وفات او در كوفه بوده در سال صد و نود و چهار، دوم حفص بن مغيره اسدى بزاز كوفيست و كنية او ابو عمرو است و او رجحان دارد بر ابو بكر در اتفاق قراءة و ضبط آن وفاتش هم در كوفه بوده است در سال صد و هشتاد

شايد اتقان باشد نه اتفاق! حسين













http://www.ibnamin.com/recitations_current_places.htm
موقع الشيخ محمد الأمين

أماكن انتشار القراءات اليوم
رواية حفص الدوري عن أبي عمرو البصري: هي الرواية الأكثر ذيوعًا في الصومال، والسودان، وتشاد، ونيجيريا، وأواسط إفريقية بصفة عامة.
رواية ورش المصري عن نافع المدني: وهي الرواية المنتشرة في بلاد المغرب العربي (الجزائر والمغرب وموريتانيا)، وفي غرب إفريقيا (السنغال والنيجر ومالي ونيجيريا وغيرها) وإلى حد ما بعض نواحي مصر وليبيا وتشاد وجنوب وغرب تونس. وهي الرواية التي كان لَها الانتشار في القرون الأولى في مصر، ومنها انتشرت إلى تلك البلدان.
رواية قالون عن نافع: شائعة في ليبيا (القراءة الرسمية) وفي أكثر تونس.
رواية حفص عن عاصم: كانت رواية نادرة الوجود حتى نشرها الأتراك الأحناف في آخر العهد العثماني. وقد انتشرت في جميع المشرق وفي الجزيرة ومصر. والحنفية يتعصبون لرواية عاصم لأن أبا حنيفة كوفي أخذ عن عاصم.

تاريخ انتشار القراءات
انتشار القراءات في الأقطار القديمة
الشام
بعث عمر بن الخطاب عدداً من خيرة الصحابة لتعليم أهل الأمصار. فممن بعث: أبا موسى الأشعري إلى البصرة، وعبد الله بن مسعود الهذلي إلى الكوفة، وأبا الدرداء الخزرجي إلى الشام. وكان لهؤلاء أثراً بالغاً في الفقه والقراءات في تلك الأمصار. وكان أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي الدرداء، إلى أن بعث إليهم عثمان –بعد انتهاء جمع القرآن– بالمصحف الشامي مع المغيرة بن أبي شهاب. فأقبل يذكر الحافظ ابن عساكر (1|319) عنهم أنه «لما قدم كتاب عثمان إلى أهل الشام في القراءة، قالوا سمعنا وأطعنا وما اختلف في ذلك اثنان. انتهوا إلى ما أجمعت عليه الأمة، وعرفوا فضله». وقد وقع بعض التوقف في شأن بعض القراءات المرسومة في المصحف العثماني من أبي الدرداء حين وصل المصحف إلى دمشق، فقال في قوله تعالى في سورة الليل {وما خلق الذكر والأنثى}: «وهؤلاء يريدونني أن أقرأ {وما خلق} فلا أتابعهم» وكان يقرؤها هكذا {والذكر والأنثى}. (انظر شرح ابن حجر 10|335).
على أن قراء الشام (وعلى رأسهم شيخهم ابن عامر، فمن جاء بعده) أخذوا بقراءة عثمان، وتفانوا فيها، حتى كانت مصدر فخر لهم. ويذكر ابن الجزري في غاية النهاية (2|360 #3806) عن أبي زرعة الدمشقي: «كان القراء بدمشق يحكمون القراءة الشامية العثمانية ويضبطونها: هشام وابن ذكوان والوليد بن عتبة (176-240)». مع أن قراءة ابن عامر قد تكون قد تأثرت بصحابة آخرين كأبي الدرداء وفضالة وواثلة وغيرهم، وربما بأداء نافع. لكن الغالب عليها –خاصة في الفرش– هي قراءة عثمان. قال ابن الجزري في النشر في القراءات العشر (2|264): «كان الناس بدمشق وسائر بلاد الشام حتى الجزيرة الفراتية وأعمالها لا يأخذون إلا بقراءة ابن عامر، وما زال الأمر كذلك إلى حدود الخمسمئة». وفي عام 500هـ أتى مقرئ حاذق من العراق بقراءة الدوري عن أبي عمر (التي كانت طاغية في العالم الإسلامي) فمالوا إليها وانتشرت بينهم. إلى أن جاء الأتراك وفرضوا قراءة حفص عن عاصم، تعصباً لمذهب أبي حنيفة، كما سيأتي تفصيله.

البصرة
استقر في البصرة عدد كبير من الصحابة ممن علموا الناس القرآن، أشهرهم أبو موسى الأشعري t. كما أن علماء البصرة يقتدون بعلماء الحجاز، فانتشرت القراءات الحجازية كذلك. وكان الناس على رأس المئتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو (شبه حجازية) ويعقوب (بصرية خالصة). ثم غلبت قراءة يعقوب في القرن الخامس الهجري. إلا أن قراءة أبا عمرو قد رجعت للبصرة وسادت في معظم العالم الإسلامي، إلى أن قضى عليها الأتراك. ويمكن الاعتراف ههنا لعلماء البصرة وقرائهم في هذا المجال بالريادة والسبق المطلق (سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد الفردي) في تسجيل اللمسات الأولى في معظم علوم القراءة، وخصوصا ما يتعلق منها بطريقة الكتابة وضبط المصحف ابتداء من أبي الأسود الدؤلي (ت 69هـ، رائد علم النحو)، ومرورا بنصر بن عاصم الليثي (ت 90هـ) ويحيى بن يعمر العدواني (الذين قاما بتشكيل المصحف بأمر من الحجاج)، وانتهاء إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ، أول من صنف في "النقط" ورسمه في كتاب، وذكر علله).

الكوفة
تعلم أهل الكوفة الفقه والقرآن من عبد الله بن مسعود الهذلي. وكان ابن مسعود من الصحابة الأوائل العارفين بالقرآن، لكنه كان يقرأ بحرف هذيل وليس بحرف قريش. كما أن بعض حروفه قد نسخت بالعرضة الأخيرة، وبقي عليها. ولذلك رفض الرجوع عن مصحفه إلى المصحف الذي جمعه زيد بن ثابت وأمر عثمان بإرساله مع أبي عبد الرحمن السلمي. على أنه رجع إلى المدينة قبل وفاته، واصطلح مع عثمان، ورجع لرأي الجماعة لما تبين له الحق. لكن قراءته بقيت مسيطرة على الكوفة. ذكر ابن مجاهد في كتاب السبعة في القراءات (ص67): قال سليمان الأعمش (ت 148): «أدركت أهل الكوفة وما قراءة زيد فيهم إلا كقراءة عبد الله فيكم، ما يقرأ بها إلا الرجل والرجلان».
وقد بذل أبو عبد الرحمن قصارى جهده لنشر قراءة زيد المطابقة لمصحف عثمان الذي أرسله معه إلى الكوفة. ومما شجع أهل الكوفة على قبول تلك القراءة كونها مطابقة لقراءة علي بن أبي طالب، الذي عامة أهل الكوفة من شيعته. ثم جاء الحجاج في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، فبذل قصارى جهده في تعميم المصحف العثماني على سائر الأمصار. وعمل على استئصال شأفة مصحف ابن مسعود بكل سبيل، حتى أنه نعت في خطاب له الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بـ"عبد هذيل" وقال (كما في سنن أبي داود 2|514): «يزعم أن قراءته من عند الله، والله ما هي إلا رجز من رجز الأعراب، ما أنزلها الله على نبيه عليه السلام». ولا شك أن الحجاج كان مخطئاً خطأً فادحاً في دعواه أن قراءة ابن مسعود ليست من عند الله. بل هي كذلك، لكن بعض حروفها قد نسخت في العرضة الأخيرة.
وكان والد الحجاج مدرساً للقرآن، وكان الحجاج كذلك في مطمع شبابه مدرّساً للقرآن، ثم عمل بالجند لكنه بقي شديد التعظيم للقرآن ولأهل القرآن. قال ابن كثير: «وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيراً». وروي عن عمر بن عبد العزيز، أنه قال‏:‏ «ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبه القرآن، وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة‏:‏ "اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل"‏».‏ وكان بليغاً من أفصح الناس حتى قال أبو عمرو بن العلاء (النحوي المشهور)‏:‏ «ما رأيت أفصح من الحجاج ومن الحسن وكان الحسن (البصري) أفصح»‏.‏ وكان متقناً للتلاوة حتى قال ابن عوف‏:‏ «كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ عرفت أنه طالما درس القرآن‏». وقد كانت لأبي جعفر -شيخ نافع- رواية عن كل من مروان والحجاج. وذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار (1|91): أن المفسر المدني المشهور عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «كنا نقرأ على أبي جعفر القارئ، وكان نافع يأتيه فيقول: يا أبا جعفر، ممن أخذت حرف كذا وكذا؟ فيقول: "من رجل قارئ من مروان بن الحكم"، ثم يقول: ممن أخذت حرف كذا وكذا؟ فيقول: "من رجل قارئ من الحجاج بن يوسف"، فلما رأى ذلك نافع تتبع القراءة يطلبها». فهذا مقرئ أهل المدينة في أيام الصحابة، يأخذ بقراءة الحجاج ويعلّمها، وهو مما يدل على إتقان الحجاج للقرآن. والذي تجدر ملاحظته هنا أن الحجاج حجازي، وكان متبعاً للهجة الحجاز التي قرأ بها عامة الصحابة من المهاجرين والأنصار. ولذلك كان شديد التعظيم لقراءة عثمان بن عفان وهي موافقة لقراءة علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما). وكانت قراءات الكوفة ترجع في معظمها إلى رجلين: علي بن أبي طالب القرشي، وعبد الله بن مسعود الهذلي. ومع أن هذيل كانت تقطن الحجاز فقد كانت لهجتها غريبة عليه، قريبة جداً من لغة بني تميم النجدية. والحجاج لم يكن يرى صحة قراءة ابن مسعود، لذلك بذلك جهداً بالغاً في نشر قراءة قريش.
وقد أنشأ الحجاج في البصرة لجنة خاصة من القراء، لمتابعة هذه القضية وتقطيع كل مصحف يجدوه مخالفا لمصحف عثمان، على أن يعطوا صاحبه ستين درهما تعويضاً (انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة 37). على أن العديد من العلماء قد أثنوا على الحجاج فيما فعل. فيقول الإمام أبو بكر الباقلاني في نكت الانتصار (ص382) في تقويم موقفه هذا: «وقد أصاب الحجاج، وتوعد من يقرأ بما ينسب إلى عبد الله مما لم يثبت ولم تقم به حجة، فيعترض به على مصحف عثمان الذي ثبت عليه الإجماع». وبالغ الحجاج فلم يقبل حتى بقراءة ابن مسعود بغير مخالفة مصحف عثمان. لأن القرآن نزل بلغة قريش، وقراءة ابن مسعود بلغة هذيل. وقد غفل الحجاج عن أن القرآن قد نزل على سبعة ألسن، فمن هنا كان نيله من ابن مسعود وقراءته "وكان يعاقب عليها" (التمهيد لابن عبد البر8|298). وكان ذلك مما اضطر بعض أصحاب عبد الله إلى إخفاء مصاحفهم ودفنها زمن الحجاج كما فعل الحارث بن سويد التيمي. ذكره الزمخشري في تفسير سورة الفتح من الكشاف (3|540).
والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً ولا مُشكّلاً. فأمر الخليفةُ عبد الملك الحجاجَ أن يُعنى بهذا الأمر الجلل، وندب الحجاجُ رجلينَ لهذا هما: نصر بن عاصم و يحيى بن يعمر و هما تلميذي أبي الأسْود الدؤلي (وكان هذا يقرأ بقراءة علي). بمعنى أن المصحف صار لأول مرة منقطاً ومشكلاً وفقاً لقراءة قريش (قراءة علي وعثمان، وهي موافقة لقراءة زيد بن ثابت الأنصاري كذلك). ولعل الواحد منا يتخيل أن هذا سيجعل قراءة قريش هي الغالبة، لكن الذي حدث أن قراء الكوفة مثل عاصم والأعمش قد نشروا قراءة هذيل نكاية بالحجاج فقط. فيذكر عاصم بن بهدلة أنه سمع الحجاج يقول‏:‏ «لا أجد أحدًا يقرأ علي قراءة ابن أم عبد -يعني ابن مسعود- إلا ضربت عنقه»... فذكر ذلك عند الأعمش‏.‏ فقال‏:‏ «وأنا سمعته يقول، فقلت في نفسي: "لأقرأنها على رغم أنفك"»‏.‏ قال ابن كثير: «وإنما نقم على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لكونه خالف القراءة على المصحف الإمام الذي جمع الناس عليه عثمان، والظاهر أن ابن مسعود رجع إلى قول عثمان وموافقيه، والله أعلم»‏.‏
وقبل أن نلوم الحجاج في تفضيله للغة قريش، فله سلف في ذلك. فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول لابن مسعود‏:‏ «أقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل؛ فإن القرآن لم ينزل بلغة هذيل»‏. وقد ثبت في الصحيح عن عثمان أنه قال‏:‏ «إن القرآن نزل بلغة قريش، وقال للرهط القرشيين الذين كتبوا المصحف هم وزيد‏:‏ «إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش؛ فإن القرآن نزل بلغتهم». وكذلك قوله تعالى في القرآن: ‏{‏‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ‏} ‏[‏إبراهيم‏:4‏]، يدل على ذلك، فإن قومه هم قريش، كما قال: {‏‏وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ‏} [‏الأنعام‏:‏66‏]. مع أنه لا يخفى على عمر ولا على عثمان قضية اختلاف القراءات. فليس إنكارهما على ابن مسعود لأنهما ينكران قراءته، لكنهما يريان أن الأولى تعليم الناس قراءة قريش. قال أبو شامة: «ويحتمل أن يكون مراد عمر ثم عثمان بقولهما نزل بلسان قريش، إن ذلك كان أول نزوله ثم إن الله تعالى سهله على الناس. فجوز لهم أن يقرؤه على لغاتهم على أن لا يخرج ذلك عن لغات العرب لكونه بلسان عربي مبين. فأما من أراد قراءته من غير العرب، فالاختيار له أن يقرأه بلسان قريش لأنه الأولى. وعلى هذا يُحمل ما كتب عمر إلى ابن مسعود، لأن جميع اللغات بالنسبة لغير العربي مستوية في التعبير. فإذا لا بد من واحدة، فلتكن بلغة النبي r. وأما العربي المجبول على لغته، فلو كلف قراءته قريش، لعسر عليه التحول، مع إباحة الله له أن يقرأه بلغته».
فلذلك عندما جمع عثمان المصاحف أرسل عبد الرحمن السلمي مع مصحف الكوفة ليعلم الناس قراءة قريش فبقي يعلم إلى وفاته في أيام الحجاج، ومعلوم أنه قد قرأ على علي بن أبي طالب، وقد أخذ منه عاصم، لكن كراهية الكوفيين السياسية للحجاج دفعتهم إلى تقديم قراءة ابن مسعود كيداً للحجاج. ومن المؤسف أن تدخل السياسية في مسألة القراءات. كما روي عن الإمام مالك أنه كان يكره القراءة بالنبر (أي بتحقيق الهمز)، لأن رسول الله r لم تكن لغته الهمز، أي لم يكن يظهر الهمز في الكلمات المهموزة مثل: مومن، ياجوج وماجوج، الذيب. وهكذا كانت لغة عامة الحجازيين بما فيهم الأنصار. ففي "المصباح المنير": «و[الرأس]: مهموز في أكثر لغاتهم، إلاَّ بني تميم، فإنَّهم يتركون الهمز لزوماً». جاء في "المدونة": «باب: الصلاة خلف أهل الصلاح وأهل البدع وإمامة الرجل في داره وإمامة من لا يحسن القرآن: ... وسئل مالك عمن صلى خلف رجل يقرأ بقراءة ابن مسعود؟ قال: يخرج ويدعه ولا يأتم به». فهذا الإمام مالك كذلك وافق الحجاج في اختياره.
وأكثر ما يتحسر عليه المرء هو ضياع النسخ الأولى من المصحف المُشكّل، التي يُعتقد أنها موضوعة على قراءة قريش، قراءة علي وعثمان رضي الله عنهم. ولا أعلم في حد علمي أحداً من الباحثين بحث في هذه المخطوطات القديمة، والله أعلم.
وبالرغم من كل تلك الجهود، فإن قراءة ابن مسعود بقيت بالكوفة. ومع أن قراءة عثمان التي حمل عاتق نشرها الحجاج كانت مطابقة لقراءة علي (إذ كلاهما من قريش)، لكن أهل الكوفة يحبون الشذوذ عن الجماعة. ثم جاء عاصم بن بهدلة واستلم رئاسة الإقراء بالكوفة. قراءته هي توليف بين قراءة عبد الله بن مسعود الهذلي، وبين قراءة علي بن أبي طالب القرشي. لكن المتأمل لمعالم هذه القراءة، يجد قوة تأثير ابن مسعود عليها (إن لم تكن الغالبة). فإن الهمز –مثلاً– هو لغة هذيل، وليس لغة قريش. وانتشرت قراءة عاصم انتشاراً كبيراً في أهل الكوفة، على كثرة قراءها وتعددهم. ونالت بقبول العلماء والقراء. ثم ظهر رجل فارسي يسمى حمزة، فمزج بن سائر قراءات الكوفة. ومن تأمل أسانيده لوجدها ترجع إلى علي وابن مسعود، وربما أُبي، مع الالتزام بموافقة مصحف عثمان. لكن انتقده العلماء لأخذه بقراءات شاذة وتكلفه في الأداء أحكاماً شاذة عن مذاهب العرب. ومنهم من بدع قراءته وأبطل الصلاة خلفه، مع أن فرش الحروف عنده صحيح.
قال ابن مجاهد في كتاب السبعة (ص71): «وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة، وليست بالغالبة عليهم. لأن أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش –فيما يقال– لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً. وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأَحَدٍ ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش. وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات». فهذا سبب شيوع قراءة حمزة رغم شذوذها. وعلى أية حال فأهل الكوفة يحبون الشذوذ بخلاف باقي الأمصار. تجد ذلك عندهم في القراءات والاعتقاد والفقه والحديث بل حتى في اللغة العربية. وأسند ابن مجاهد (ص76) عن محمد بن الهيثم المقرئ (ت 249هـ) قوله: «أدركت الكوفة ومسجدها الغالب عليه قراءة حمزة، ولا أعلمني أدركت حلقة من حلق المسجد يقرأون بقراءة عاصم». وقراءتي الكسائي وخلف راجعتان إليه متأثرتان به.
على أن قراءة الدوري عن أبي عمرو قدمت إلى الكوفة من البصرة وانتشرت مع الزمن، حتى طغت على عامة المشرق الإسلامي لعدة قرون. إلى أن أتى العثمانيون وفرضوا قراءة حفص عن عاصم بالقوة. ومن جنوب العراق (وبخاصة النجس وكربلاء) انتشرت قراءة عاصم كذلك إلى البلاد الشيعية، فلا يقرأ الشيعة اليوم إلا بها.

شمال إفريقيا والأندلس
أول قراءة انتشرت في إفريقيا هي قراءة ابن عامر، على يد الدعاة الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز، وبخاصة إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر. وكذلك أول قراءة عرفتها الأندلس هي قراءة ابن عامر الشامي، بسبب أن الجند الشامي الذي فتحها كان يقرأ بها. وكذلك انتشر مذهب الأوزاعي الشامي. قال المقري في نفح الطيب (2|185): «واعلم أن أهل الأندلس كانوا في القديم على مذهب الأوزاعي وأهل الشام منذ أول الفتح». وقد ذكروا أن صعصعة بن سلام (ت 192 هـ) هو أول من أدخل فقه الأوزاعي إلى الأندلس (انظر جذوة المقتبس للحميدي ص244 #510). واستمر المغاربة والأندلسيون يقرءون القرآن الكريم برواية هشام عن ابن عامر ما يزيد على القرن.
ثم في المئة الثانية، انتشرت في القيروان قراءة حمزة على يد المقرئين القادمين من بغداد والكوفة مع الولاة العباسيين، «ولم يكن يقرأ لنافع إلا خواص من الناس» (كما في غاية النهاية 2|217). وكان الغازي بن قيس (ت 199هـ) الرائد الأول في إدخال قراءة نافع، في حين أنه أيضا أول من أدخل موطأ مالك إلى الأندلس (انظر غاية النهاية 2|2 وترتيب المدارك 3|114). ثم انتشرت في الأندلس وأقصى المغرب رواية ورش عن نافع، خاصة مع انتشار المذهب المالكي. قال الإمام الذهبي في معرفة القراء (1|150): «ولمكان أبي الأزهر (عبد الصمد العتقي، من أصحاب مالك) اعتمد الأندلسيون قراءة ورش».
ويذهب ابن الفرضي إلى أن محمد بن خيرون (306 هـ) هو الذي استبدل قراءة حمزة في إفريقيا بقراءة نافع. لكن أثبت د. عبد الهادي حميتو أن الاستبدال حصل قبل ذلك بكثير. قال: «ونخلص من هذا إلى تأكيد انتشار قراءة نافع بافريقية قبل الوقت الذي حدده ابن الفرضي. وأن هذا الانتشار قد كان في زمن سحنون، وربما في العقود الأولى من المئة الثالثة. ثم تزايد الإقبال عليها من لدن الجمهور بتدخل من السلطة القضائية لصالحها، وبالأخص على عهد ولاية سحنون للقضاء سنة 234 هـ». وتم التحول الأغلبي من مذهب الكوفة (الفقه الحنفي وقراءة حمزة) إلى مذهب المدينة (الفقه المالكي وقراءة نافع) على يد سحنون وتلامذته. ففي عهد تصدره–ما بين عودته من رحلته سنة 191 وبين وفاته سنة 240هـ– تمت النقلة العظيمة في افريقية والجهات المغربية التابعة لها إلى مذاهب أهل المدينة، وتم وضع الأسس العتيدة لها بالمنطقة.
قال عياض في ترتيب المدارك (1|25): «إن افريقية وما وراءها من المغرب كان الغالب عليها في القديم مذهب الكوفيين، إلى أن دخل علي بن زياد وابن أشرس والبهلول بن راشد وبعدهم أسد بن الفرات وغيرهم بمذهب مالك، فأخذ به كثير من الناس. ولم يزل يفشو إلى أن جاء سحنون (ت240هـ) فغلب في أيامه، وفض حلق المخالفين». وقال (4|313): «ذكر أبو عمرو الداني في كتابه (طبقات القراء والمقرئين) أن ابن طالب (من أصحاب سحنون) أيام قضائه، أمر ابن برغوث المقرئ (272 هـ) بجامع القيروان، ألا يقرئ الناس إلا بحرف نافع». ثم اختار أهل تونس من قراءة نافع الرواية المدنية، وهي رواية قالون، واختار أهل المغرب رواية ورش المصري، من طريق يوسف الأزرق المدني.

سرد تاريخي لانتشار القراءات
قال شيخنا أبو خالد السلمي عن القراءات: إن الذي توصلت إليه من خلال النقول التي تجمعت لديّ حول السرد التاريخي لانتشار القراءات في الأمصار وانحسارها منها ما يلي:
1) إلى عصر الإمام ابن مجاهد الملقب بـ ( مُسبّع السبعة ) والذي ألف كتابه سنة 300 هـ كانت القراءات السبع يقرأ بها في الأمصار، ولكن كان الغالب على أهل المدينة قراءة نافع، وعلى أهل مكة قراءة ابن كثير، وعلى أهل الشام قراءة ابن عامر، وعلى أهل البصرة قراءة أبي عمرو ويعقوب، وعلى أهل الكوفة قراءة عاصم وحمزة، قال مكي بن أبي طالب: وكان الناس على رأس المئتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، واستمروا على ذلك فلما كان على رأس الثلاثمئة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب. اهـ
وسبب عدم إيراد ابن مجاهد لقراءة يعقوب في كتابه رغم أنها كانت القراءة الأغلب على أهل البصرة في زمنه أنه لم يكن لديه إسناد بها، فأورد بدلها قراءة الكسائي الكوفي رغم إيراده قارئين كوفيين هما عاصم وحمزة ورغم أنها كانت أقل شهرة في الكوفة منهما لتوفر إسنادها لديه.
2) في عصر ابن مجاهد قلّ انتشار رواية حفص عن عاصم بالكوفة وكانت رواية شعبة عن عاصم هي أشهر رواية عن عاصم بالكوفة، بينما كانت قراءة حمزة أكثر شهرة من قراءة عاصم بالكوفة كما يشهد لذلك قول ابن مجاهد: وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم. لأن أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش –فيما يقال– لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً. وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأَحَدٍ ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش. وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات. اهـ
3) في القرن الخامس الهجري كانت قراءة يعقوب هي الغالبة على أهل البصرة كما يستفاد ذلك من قول الإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني 371 ـ444 هـ قال أبو عمرو الداني: ائتم بيعقوب في اختياره عامة البصريين بعد أبي عمرو، وسمعت طاهر بن غلبون يقول: إمام الجامع بالبصرة لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب. اهـ
4) أما أهل الشام فاستمروا يقرؤون بقراءة ابن عامر إلى نهاية القرن الخامس حتى قدم عليهم أحد أئمة القراء وهو ابن طاووس فأخذ يعلم رواية الدوري عن أبي عمرو ويقرئ بها أهل الشام فأخذت في الانتشار التدريجي بالشام حتى حلت محل قراءة ابن عامر، كما يستفاد هذا من قول ابن الجزري: ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقينا إلى قريب الخمسمئة وأول من لقن لأبي عمرو فيما قيل ابن طاووس. اهـ
5) كان الإمام ورش شيخ الإقراء بالديار المصرية ورحل إلى نافع فقرأ عليه أربع ختمات ثم رجع إلى مصر وأخذ ينشر قراءة نافع وعنه انتشرت قراءة نافع في أرجاء المغرب العربي وكثير من البلاد الإفريقية، وهناك سبب آخر مهم لانتشار قراءة نافع في المغرب العربي وهي أنها قراءة إمامهم مالك بن أنس رحمه الله فكما أخذ المغاربة بفقه أهل المدينة أخذوا أيضا بقراءتهم، غير أن أهل المغرب الأدنى (ليبيا وتونس) وما حاذاها من البلاد الإفريقية كتشاد انتشرت فيهم رواية قالون عن نافع لسهولتها وخلوها من المدود الطويلة والإمالات التي في رواية ورش.
6) رواية الدوري عن أبي عمرو غلبت على أهل العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان وشرق إفريقيا إلى القرن العاشر الهجري. ويستفاد هذا من النقل التالي عن الإمام ابن الجزري (ت 833هـ) قال: قال ابن مجاهد وحدثونا عن وهب بن جرير قال قال لي شعبة تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسنادا وقال أيضا حدثني محمد بن عيسى بن حيان حدثنا نصر بن علي قال قال لي أبي قال شعبة انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا قال نصر قلت لأبي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو وقلت للأصمعي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو قال ابن الجزري وقد صح ما قاله شعبة رحمه الله فالقراءة عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو فلا تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه خاصة في الفرش وقد يخطئون في الأصول ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمئة فتركوا ذلك لأن شخصا قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه وأقام سنين كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة.اهـ
7) في الوقت الذي انتشرت فيه رواية الدوري عن أبي عمرو في الأقطار المشار إليها في الفقرة السابقة وهي (العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان وشرق إفريقيا ) كانت رواية حفص عن عاصم بدأت تنتشر لدى الأتراك، وبدأت الدولة العثمانية تبسط سلطانها على معظم أرجاء العالم الإسلامي، فصارت ترسل أئمة وقضاة ومقرئين أتراك إلى أرجاء العالم العربي فانتشرت رواية حفص عن طريقهم وكذا عن طريق المصاحف التي تنسخها الدولة العثمانية برواية حفص، فأخذت رواية حفص عن عاصم تحل تدريجيا محل رواية الدوري عن أبي عمرو، فآل الأمر إلى انحسار انتشار رواية الدوري فلم تبق إلا في اليمن والسودان والقرن الإفريقي، وقد اطلعت على كتب تجويد لعلماء يمنيين مؤلفة في حدود سنة 1370 هـ على وفق رواية الدوري وفيها أنها الرواية المقروء بها في حضرموت وأنحاء كثيرة من اليمن حتى ذلك الوقت، ونظرا لضعف سلطان الدولة العثمانية على بلاد المغرب العربي ولشدة تمسك أهله بمذهب مالك فقد ظلت قراءة نافع هي السائدة به إلى اليوم، وذكر ابن عاشور (1379هـ \ 1972م) في تفسيره "التحرير والتنوير" أن القراءات التي يُقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام هي: قراءة نافع براوية قالون، في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي ليبيا. وبرواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان (يقصد غرب إفريقيا). وقراءة عاصم براوية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب البلاد المصرية، والهند، وباكستان، وتركيا، والأفغان، قال ابن عاشور: وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يُقرأ بها في السودان المجاور لمصر.اهـ
8) في الوقت الحاضر كما لا يخفى كان لوسائل الإعلام العصرية المرئية والمسموعة دور كبير في نشر رواية حفص في الأقطار التي لا زالت تقرأ برواية الدوري أو قالون أو ورش، وكذلك لانتشار المصاحف المطبوعة برواية حفص في تلك الأقطار، حتى كادت بقية الروايات عدا رواية حفص تنقرض، والأمر لله تعالى من قبل ومن بعد، وله في تقاديره الحكمة البالغة، غير أنه بحمد الله بدأت في السنوات الأخيرة بوادر صحوة علمية عظيمة تجاه القراءات القرآنية في العديد من الأقطار الإسلامية، وبدأ الشباب يقبلون على تعلم القراءات العشر وتعليمها وقراءتها والإقراء بها، وهي ظاهرة صحية مبشرة بالخير، والحمد لله رب العالمين.

تعليق على ما أفاده شيخنا:
ابن الجزري (751-833هـ \ 1350-1430م) (عاش في أيام تيمورلنك) يقول أن القراءة في عصره بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة الدوري عن أبي عمرو. لم يذكر خراسان وتركيا مع أنه درّس طويلاً ببلادهم، لكن لم تكن تلك البلاد مبرزة في القراءة لعجمة أهلها، فلعله أهمل ذكر تلك الديار اعتمادا على ذكره لأشهر الديار. لكن الزمخشري (ت 538) خراساني كتب تفسيره على قراءة أبي عمرو. وكذلك فعل الواحدي، مما يدل أنها كانت هي القراءة المنتشرة في المشرق كذلك. لكن أبا السعود قد كتب تفسيره برواية حفص عن عاصم، مما يدل على وجودها في تركيا آنذاك. وقد كانت رواية قالون عن نافع منتشرة في اليمن كذلك كما يظهر من اعتماد الشوكاني (ت1250) لها في تفسيره فتح القدير، ومن قبله الصنعاني (شيخ شيخه) في مفاتح الرضوان، واستمر هذا للعهد الجمهوري حيث خرج مصحف مرتل للمقرئ محمد حسين عامر برواية قالون. أما حضرموت فكانت على رواية الدوري كما سبق.
لكن متى انتشرت قراءة حفص وهي التي لم تشتهر إلا عند بعض القراء؟ لم يذكر ابن الجزري عن العثمانيين في عصره قراءتهم بها، ولا عن أهل المشرق. فمتى انتشرت؟ لا شك أن ذلك تم خلال الحكم العثماني (بدأ عام 922هـ \ 1516م)، لكن لا أعرف متى بالضبط بدأ الانتشار. ولا يكاد الدارس يجد نصاً في الموضوع، بسبب انتشار الجهل في ذلك العصر (أي بعد ابن الجزري) وقلة التأليف. فنجد محمد بن بدر الدين المنشي الرومي الحنفي يصنف تفسيره سنة 981هـ=1574م برواية حفص، مما يدل على انتشارها في تركيا بعد عصر ابن الجزري. ونجد محمد المرعشي الملقب ساﭽقلي زاده (ت 1150هـ=1737م) يقول في جهد المقل (ص293): "والمأخوذ به في ديارنا (مرعش في جنوب تركيا) قراءة عاصم برواية حفص عنه". و يظهر أنه بعد انتشار قراءة حفص في تركيا قبل القرن السادس عشر الميلادي، فإنه بدئ الانتشار في الشام في القرن الثامن عشر الميلادي، وفي بداية القرن التاسع عشر في مصر. فالفقيه ابن عابدين الحنفي الدمشقي (1198-1252هـ \ ‏1748-1836م) يذكر في "حاشيته" أن اختيار الحنفية في القراءات هو قراءتي حفص عن عاصم والدوري عن أبي عمرو، قال (1|541): "ومشايخنا اختاروا قراءةَ أبي عَمْرٍو وحفصٍ عن عاصم". وقد قرأ على سعيد الحموي شيخ القراء ‏بدمشق. مما يدل على استمرار قراءة أبي عمرو في الشام حتى ذلك العصر المتأخر. ولا شك أن انحسارها عن مصر واليمن أخذ وقتاً أطول لبعد تلك البلاد عن مركز الدولة العثمانية. والذي ذكره شيخنا السلمي أنها بقيت في حضرموت لما بعد سنة 1370هـ=1951م. ققراءة حفص لم تنتشر في تلك البقاع إلا في وقتنا الحالي.
ومما ساهم في نشر قراءة حفص انتشار الجهل بشكل كبير وغياب العلماء. ويذكر شيخ قراء الشام كريّم راجح في مقابلة له مع قناة المجد أن كل علماء الشام ما كانوا يعرفون من أحكام التجويد إلا الادغامات وبعض المدود على ما أذكر. يعني ولا حتى قراءة حفص. إذ أنه بعد وفاة الإمام المحقّق ابن الجزريّ الدمشقي ت833هـ فَتَر التّأليف في القراءات وانعَدَم أو كادَ إلى حدود القرن الثّالث عشر الهجريّ. حتّى أعاد الشيخ أحمد الحلواني الكبير (1228-1307هـ=1890م) القراءات القرآنيّة إلى بلاد الشّام روايةً وتلاوةً وتلقيناً. فربما في ذلك الزمن تحديداً تم تأكيد قراءة حفص كقراءة رسمية، حيث أنه لما قدم مكة سنة 1253هـ=1838م قرأ على شيخه أحمد المرزوقي بقراءة حفص أولاً مما يدل على تفضيله لها، وإلا فالمصاحف التي كانت توزعها الدولة العثمانية كانت على رسم حفص قبل ذلك العصر. أما بعد انتهاء الحقب العثماني فقد استمر الخطأ على ما هو عليه. فالكثير من الدول الإسلامية تمنع بالقانون القراءة بغير قراءة حفص. والمطابع لا تطبع بغيرها. ووسائل الإعلام السمعية (كالمذياع) أو المرئية، لا تسمح إلا بقراءة حفص.
وكانت الرواية المنتشرة في مصر منذ القرن الثالث الهجري إلى أواخر القرن الخامس: هي قراءة أهل المدينة، خاصة برواية ورش عثمان بن سعيد المصري عن نافع المدني. ثم حلت محلها قراءة أبي عمرو بن العلاء برواية الدوري. واستمر العمل عليها حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري. انظر الإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ على الضباع ص 72. ولم تكن رواية حفص معروفة في مصر حتى الحكم التركي. بل إننا نجد القرطبي (نزيل مصر) أحيانا لا يشير إلى خلاف حفص، مع أنه متطلع عليها بلا شك، وهذا يدل على أنها لم تكن رواية منتشرة مشهورة بين العامة في عصره. فرواية حفص لم تدخل إلى مصر إلا بعد فترة طويلة من دخول العثمانيين الذي حدث في أوائل الربع الثاني من القرن العاشر الهجري (أوائل القرن السادس عشر الميلادي). وفي دراسة قام بها الدكتور سيف الله (ونشرها في موقع الصحوة الإسلامية) على مخطوطات المصاحف، ذكر فيها ملاحظة المستشرق أدريان بروكيت: أنه لا يوجد نقص من المخطوطات من القرون السابقة التي تحمل قراءة أبي عمرو، خاصة في مصر. وهذا الوضع صار يتغير باستمرار منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بتأثير المطابع، حيث أن قراءة أبي عمرو لم تُطبع قط. اهـ. فطباعة القرآن كان لها الشأن الأكبر في التمكين لرواية حفص والقضاء على الروايات الأخرى. فأقدم مصحف طبع في مدينة هامبورك بألمانيا سنة 1694م (=1106هـ تقريباً) كان مضبوطاً برواية حفص عن عاصم (ينظر: كتاب رسم المصحف ص508). واشتهر من خطاطي الدولة العثمانية الحافظ عثمان (ت1110هـ) الذي كتب بخطه خمسة وعشرين مصحفاً (ينظر: محمد طاهر الكردي: تاريخ الخط العربي ص339)، واشتهرت المصاحف التي خطها الحافظ عثمان في العالم الإسلامي شهرة واسعة "وقد طُبِعَ مصحفه مئات الطبعات في مختلف الأقطار الإسلامية، وانتشر في العالم الإسلامي، وفاق الطبعات السابقة واللاحقة" (وليد الأعظمي: تراجم خطاطي بغداد ص131)، وهذا قبل ظهور مصحف الأزهر ومصحف المدينة طبعاً.
وهكذا قام الأتراك والمستشرقون وبعض جهلة العرب بالقضاء على القراءات القرآنية المتواترة بهذه الطريقة. يقول الشيخ عبد الرشيد الصوفي (الصومالي الأصل القطري المنزل): رواية حفص عن عاصم لم يكتب لها الانتشار والذيوع في المشرق الإسلامي سوى في المئتي سنة الأخيرة، حيث كان أهل المشرق من مصر والشام والعراق والحجاز والجزيرة العربية واليمن والسودان وغيرها لا يعرفون ولا يقرؤون إلا بقراءة أبي عمرو البصري براوييه الدوري أو السوسي، بدليل أن معظم من ألف في علم التفسير كان النص القرآني في تفسيره بقراءة أبي عمرو البصري، مثل تفسير الجلالين. وأنا لديّ مصحف مخطوط في مصر قبل نحو 250 سنة يقول كاتبه في المقدمة: "وقد خُط هذا المصحف على ما يوافق قراءة أبي عمرو البصري، لأن أهل مصر لا يعرفون سواها ولا يقرؤون إلا بها" انتهى. ويقول عن سبب انتشار رواية حفص: عندما بدأت المطابع في زمن الخلافة العثمانية وأرادوا أن يطبعوا المصحف بالآلة الطابعة التي كانت بدائية جدا في ذلك الزمان، بحثوا عن أقرب الروايات تقاربا في اللفظ والكتابة، فوجدوا رواية حفص عن عاصم هي الأقرب للمطلوب. فاستقر رأيهم على أن تكون رواية حفص هي المعتمدة في الطباعة، حيث لا توجد فيها إمالات أو حروف مسهلة. ولذلك فإن البلاد التي ابتعدت عن السلطة العثمانية في هذا الزمن، ظلت على قراءة أبي عمرو مثل أهل السودان واليمن والصومال وغيرها، حتى أنهم لما كانت تأتيهم المصاحف برواية حفص كانوا يذهبون بها إلى المطوع ليصحح لهم ظنا منهم أن بها أخطاء.
ثم بعد العهد التركي، صارت كثير من الدول الإسلامية تعتبر رواية حفص هي الرواية الرسمية،وتقمع بالقانون من تسول له نفسه أن يقرأ بقراءة متواترة. وغدت الإذاعات والمرئيات لا تقرأ بغير رواية حفص. وكان أول تسجيل صوتي للقرآن الكريم في العالم الإسلامي بصوت الشيخ خليل الحصري برواية حفص. كما أصبح تدريس القرآن برواية حفص في المدارس والمعاهد والجامعات والكتاتيب في أغلب الأقطار، ثم يُبنـى عليها بقية القراءات العشر المتواترة في المعاهد القرآنية المتخصصة. وقد بدئ المستشرقون أولاً بالترويج لقراءة حفص عن طريق طباعة القرآن بها، ثم تبعهم الأتراك الحنفية، ثم وصلت الطباعة لمصر واختاروا قراءة حفص (هو اختيار المدعو حفني ناصف 1342هـ=1923م، حيث طبع مصحف الملك فؤاد بالخط الغير قياسي). وعن طريق مصر انتشرت قراءة مصر إلى نجد والحجاز ثم إلى اليمن في العهد الجمهوري. وصار مصحفي مصر والمدينة المنورة برواية حفص، مما ساهم بالترويج لتلك القراءة في إفريقيا وغيرها. ومع أن مجمع فهد طبع المصحف أخيراً بروايات ورش والدوري وقالون (وقريباً شعبة والسوسي والبزي وقنبل) فعادة لا يتم توزيع إلا رواية حفص بكميات كبيرة لنشرها وحدها. لذلك قامت وزارة الثقافة المغربية بمنعه، حفاظاً على قراءة ورش التي تكاد تنقرض في الجزائر وغيرها. وحتى ترجمة القرآن للإسبانية، كان النص القرآني فيه بحروف ورش، لكنهم غيروه حديثاً إلى حفص! والسودان كان في السابق يقرأ قراءة الدوري، لكن تحت تأثير مصر والسعودية تم اعتماد رواية حفص رسمياً، ولم تبق قراءة الدوري إلا في كتاتيب دارفور القديمة. ولحسن الحظ فإن حكومة السودان تنبهت إلى هذه الكارثة، وقامت بطباعة "مصحف إفريقيا" بالدوري وغيره. وكذلك الصومال كانت بالكامل تقرأ بالدوري، لكن نتيجة ظروف الحرب وتوزيع مصاحف ورش السعودية، أصبحت قراءة حفص منافسة قوية للدوري.
وقامت عدد من الدول العربية مثل السعودية وغيرها بمنع قراءة أي قراءة غير حفص في المساجد. وهو شيء مؤسف أن يحدث في الحرمين وهو المكان الذي يأمل المسلم أن يستمع فيه لمختلف القراءات. كما أنه من المضحك المبكي أن يربط البعض بين السلفية وبين قراءة حفص، فترى المقرئين في الجزائر يتبارون بالقراءة بحفص بدلاً من ورش ليثبتوا سلفيتهم! مع أن السلف كانوا يقرؤون بمختلف القراءات، ولم يحدث أن يجبروا الناس على قراءة معينة. فمنع القراءات المتواترة هو منع لجزء من القرآن. والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (159) سورة البقرة. بل بلغ الجهل مبلغاً في بعض الأحداث المنتسبين للسلفية إلى سرقة مصاحف ورش من مساجد الجزائر واستبدالها بمصاحف حفص التي توزع مجاناً. "لعن الله السارق. يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". فتحت أي مبرر تتم سرقة المصاحف وإتلافها؟ والجواب أن هؤلاء الجهلة يعتبرون المصحف على رواية ورش بدعة محلية يجب التصدّي لها. والغريب أن بعض مشايخهم يعتبر أن ورش أقرب إلى العامية حيث لا ينطق بالهمزة و هي تختلف في كتابتها عن الكتب المدرسية، و هو بذلك يشكك في صحتها! بل عديد من المشايخ الجهلة يعتبرون أن قراءة حفص هي الأفصح والدليل أنها موافقة لقواعد الإملاء في الهمز وغيره! سبحان الله، أفلا يعلمون أن قواعد الإملاء الحديثة إنما تم إنشائها لتوافق قراءة حفص؟ وإلا فعامة العرب لا تستعمل الهمز.
والترجيح بين القراءات في الفصاحة فيه نظر شديد، لأن كل قراءة متواترة هي من عند الله، وقد نزلت بالعربية الفصحى قطعاً {قرآناً عربياً}، ولهجات قبائل العرب تختلف. فإن أردنا أن نقول أن الأفصح هو الأشهر أو الأفصح هو لهجة قريش، فنصيب قراءة حفص الكوفي قليل. وعامة العرب لا تهمز إلا أعراب بني تميم ومن لحق بهم من هذيل. قال خلف بن هشام (كما في إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري 1|164): «وقريش لا تهمز، ليس الهمز من لغتها، وإنما همزت بلغة القراء غير قريش من العرب». وقال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (1|166): «العرب لا تنطق بهمزة ساكنة، إلا بنو تميم، فإنهم يهمزون، فيقولون "الذئب" و"الكأس" و"الرأس"». قال الشيخ الضباع في "الهمزات في القراءات العشر": وإنما تنوعت العرب في تخفيف الهمز بالأنواع المذكورة (يعني التسهيل والإبدال والإسقاط والنقل) لكونه أثقل الحروف نطقا، وأبعدها مخرجا.‏ وكانت قريش والحجازيون أكثرهم له تخفيفا، بل قال بعضهم هو لغة أكثر العرب الفصحاء. ‏وها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول لابن مسعود‏:‏ أقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل؛ فإن القرآن لم ينزل بلغة هذيل‏. وقد ثبت في الصحيح عن عثمان أنه قال‏:‏ إن القرآن نزل بلغة قريش، وقال للرهط القرشيين الذين كتبوا المصحف هم وزيد‏:‏ إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش؛ فإن القرآن نزل بلغتهم. وكذلك قوله تعالى في القرآن ‏:‏ ‏{‏‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ‏} ‏[‏إبراهيم‏:‏ 4‏]‏، يدل على ذلك، فإن قومه هم قريش، كما قال‏:‏ ‏{‏‏وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ‏} ‏[‏الأنعام‏:‏66‏].
بقي المشرق. متى انتشرت قراءة حفص في تركستان والهند وأندونيسيا؟ بل حتى الشيعة صاروا يقرؤون بها مع أنه ليس عندهم إسناد متصل في القرآن، إذ هم عالة على أهل السنة، وكذلك الأباضية. لم أظفر بأي كتابة عن هذا الموضوع. والله أعلم.

*************
نسخه خود سایت:
http://www.ibnamin.com/recitations_current_places.htm

أماكن انتشار القراءات اليوم

رواية حفص الدوري عن أبي عمرو البصري: هي الرواية الأكثر ذيوعًا في الصومال، والسودان، وتشاد، ونيجيريا، وأواسط إفريقية بصفة عامة.


رواية ورش المصري عن نافع المدني: وهي الرواية المنتشرة في بلاد المغرب العربي (الجزائر والمغرب وموريتانيا)، وفي غرب إفريقيا (السنغال والنيجر ومالي ونيجيريا وغيرها) وإلى حد ما بعض نواحي مصر وليبيا وتشاد وجنوب وغرب تونس. وهي الرواية التي كان لَها الانتشار في القرون الأولى في مصر، ومنها انتشرت إلى تلك البلدان.


رواية قالون عن نافع: شائعة في ليبيا (القراءة الرسمية) وفي أكثر تونس.


رواية حفص عن عاصم: كانت رواية نادرة الوجود حتى نشرها الأتراك الأحناف في آخر العهد العثماني. وقد انتشرت في جميع المشرق وفي الجزيرة ومصر. والحنفية يتعصبون لرواية عاصم لأن أبا حنيفة كوفي أخذ عن عاصم.

 

 

تاريخ انتشار القراءات

انتشار القراءات في الأقطار القديمة

الشام
بعث عمر بن الخطاب عدداً من خيرة الصحابة لتعليم أهل الأمصار. فممن بعث: أبا موسى الأشعري إلى البصرة، وعبد الله بن مسعود الهذلي إلى الكوفة، وأبا الدرداء الخزرجي إلى الشام. وكان لهؤلاء أثراً بالغاً في الفقه والقراءات في تلك الأمصار. وكان أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي الدرداء، إلى أن بعث إليهم عثمان –بعد انتهاء جمع القرآن– بالمصحف الشامي مع المغيرة بن أبي شهاب. فأقبل يذكر الحافظ ابن عساكر (1|319) عنهم أنه «لما قدم كتاب عثمان إلى أهل الشام في القراءة، قالوا سمعنا وأطعنا وما اختلف في ذلك اثنان. انتهوا إلى ما أجمعت عليه الأمة، وعرفوا فضله». وقد وقع بعض التوقف في شأن بعض القراءات المرسومة في المصحف العثماني من أبي الدرداء حين وصل المصحف إلى دمشق، فقال في قوله تعالى في سورة الليل {وما خلق الذكر والأنثى}: «وهؤلاء يريدونني أن أقرأ {وما خلق} فلا أتابعهم» وكان يقرؤها هكذا {والذكر والأنثى}. (انظر شرح ابن حجر 10|335).

على أن قراء الشام (وعلى رأسهم شيخهم ابن عامر، فمن جاء بعده) أخذوا بقراءة عثمان، وتفانوا فيها، حتى كانت مصدر فخر لهم. ويذكر ابن الجزري في غاية النهاية (2|360 #3806) عن أبي زرعة الدمشقي: «كان القراء بدمشق يحكمون القراءة الشامية العثمانية ويضبطونها: هشام وابن ذكوان والوليد بن عتبة (176-240)». مع أن قراءة ابن عامر قد تكون قد تأثرت بصحابة آخرين كأبي الدرداء وفضالة وواثلة وغيرهم، وربما بأداء نافع. لكن الغالب عليها –خاصة في الفرش– هي قراءة عثمان. قال ابن الجزري في النشر في القراءات العشر (2|264): «كان الناس بدمشق وسائر بلاد الشام حتى الجزيرة الفراتية وأعمالها لا يأخذون إلا بقراءة ابن عامر، وما زال الأمر كذلك إلى حدود الخمسمئة». وفي عام 500هـ أتى مقرئ حاذق من العراق بقراءة الدوري عن أبي عمر (التي كانت طاغية في العالم الإسلامي) فمالوا إليها وانتشرت بينهم. إلى أن جاء الأتراك وفرضوا قراءة حفص عن عاصم، تعصباً لمذهب أبي حنيفة، كما سيأتي تفصيله.

 

البصرة

استقر في البصرة عدد كبير من الصحابة ممن علموا الناس القرآن، أشهرهم أبو موسى الأشعري t. كما أن علماء البصرة يقتدون بعلماء الحجاز، فانتشرت القراءات الحجازية كذلك. وكان الناس على رأس المئتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو (شبه حجازية) ويعقوب (بصرية خالصة). ثم غلبت قراءة يعقوب في القرن الخامس الهجري. إلا أن قراءة أبا عمرو قد رجعت للبصرة وسادت في معظم العالم الإسلامي، إلى أن قضى عليها الأتراك. ويمكن الاعتراف ههنا لعلماء البصرة وقرائهم في هذا المجال بالريادة والسبق المطلق (سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد الفردي) في تسجيل اللمسات الأولى في معظم علوم القراءة، وخصوصا ما يتعلق منها بطريقة الكتابة وضبط المصحف ابتداء من أبي الأسود الدؤلي (ت 69هـ، رائد علم النحو)، ومرورا بنصر بن عاصم الليثي (ت 90هـ) ويحيى بن يعمر العدواني (الذين قاما بتشكيل المصحف بأمر من الحجاج)، وانتهاء إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ، أول من صنف في "النقط" ورسمه في كتاب، وذكر علله).

 

الكوفة

تعلم أهل الكوفة الفقه والقرآن من عبد الله بن مسعود الهذلي. وكان ابن مسعود من الصحابة الأوائل العارفين بالقرآن، لكنه كان يقرأ بحرف هذيل وليس بحرف قريش. كما أن بعض حروفه قد نسخت بالعرضة الأخيرة، وبقي عليها. ولذلك رفض الرجوع عن مصحفه إلى المصحف الذي جمعه زيد بن ثابت وأمر عثمان بإرساله مع أبي عبد الرحمن السلمي. على أنه رجع إلى المدينة قبل وفاته، واصطلح مع عثمان، ورجع لرأي الجماعة لما تبين له الحق. لكن قراءته بقيت مسيطرة على الكوفة. ذكر ابن مجاهد في كتاب السبعة في القراءات (ص67): قال سليمان الأعمش (ت 148): «أدركت أهل الكوفة وما قراءة زيد فيهم إلا كقراءة عبد الله فيكم، ما يقرأ بها إلا الرجل والرجلان».

وقد بذل أبو عبد الرحمن قصارى جهده لنشر قراءة زيد المطابقة لمصحف عثمان الذي أرسله معه إلى الكوفة. ومما شجع أهل الكوفة على قبول تلك القراءة كونها مطابقة لقراءة علي بن أبي طالب، الذي عامة أهل الكوفة من شيعته. ثم جاء الحجاج في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، فبذل قصارى جهده في تعميم المصحف العثماني على سائر الأمصار. وعمل على استئصال شأفة مصحف ابن مسعود بكل سبيل، حتى أنه نعت في خطاب له الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بـ"عبد هذيل" وقال (كما في سنن أبي داود 2|514): «يزعم أن قراءته من عند الله، والله ما هي إلا رجز من رجز الأعراب، ما أنزلها الله على نبيه عليه السلام». ولا شك أن الحجاج كان مخطئاً خطأً فادحاً في دعواه أن قراءة ابن مسعود ليست من عند الله. بل هي كذلك، لكن بعض حروفها قد نسخت في العرضة الأخيرة.

وكان والد الحجاج مدرساً للقرآن، وكان الحجاج كذلك في مطمع شبابه مدرّساً للقرآن، ثم عمل بالجند لكنه بقي شديد التعظيم للقرآن ولأهل القرآن. قال ابن كثير: «وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيراً». وروي عن عمر بن عبد العزيز، أنه قال‏:‏ «ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبه القرآن، وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة‏:‏ "اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل"‏».‏ وكان بليغاً من أفصح الناس حتى قال أبو عمرو بن العلاء (النحوي المشهور)‏:‏ «ما رأيت أفصح من الحجاج ومن الحسن وكان الحسن (البصري) أفصح»‏.‏ وكان متقناً للتلاوة حتى قال ابن عوف‏:‏ «كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ عرفت أنه طالما درس القرآن‏». وقد كانت لأبي جعفر -شيخ نافع- رواية عن كل من مروان والحجاج. وذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار (1|91): أن المفسر المدني المشهور عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «كنا نقرأ على أبي جعفر القارئ، وكان نافع يأتيه فيقول: يا أبا جعفر، ممن أخذت حرف كذا وكذا؟ فيقول: "من رجل قارئ من مروان بن الحكم"، ثم يقول: ممن أخذت حرف كذا وكذا؟ فيقول: "من رجل قارئ من الحجاج بن يوسف"، فلما رأى ذلك نافع تتبع القراءة يطلبها». فهذا مقرئ أهل المدينة في أيام الصحابة، يأخذ بقراءة الحجاج ويعلّمها، وهو مما يدل على إتقان الحجاج للقرآن. والذي تجدر ملاحظته هنا أن الحجاج حجازي، وكان متبعاً للهجة الحجاز التي قرأ بها عامة الصحابة من المهاجرين والأنصار. ولذلك كان شديد التعظيم لقراءة عثمان بن عفان وهي موافقة لقراءة علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما). وكانت قراءات الكوفة ترجع في معظمها إلى رجلين: علي بن أبي طالب القرشي، وعبد الله بن مسعود الهذلي. ومع أن هذيل كانت تقطن الحجاز فقد كانت لهجتها غريبة عليه، قريبة جداً من لغة بني تميم النجدية. والحجاج لم يكن يرى صحة قراءة ابن مسعود، لذلك بذلك جهداً بالغاً في نشر قراءة قريش.

وقد أنشأ الحجاج في البصرة لجنة خاصة من القراء، لمتابعة هذه القضية وتقطيع كل مصحف يجدوه مخالفا لمصحف عثمان، على أن يعطوا صاحبه ستين درهما تعويضاً (انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة 37). على أن العديد من العلماء قد أثنوا على الحجاج فيما فعل. فيقول الإمام أبو بكر الباقلاني في نكت الانتصار (ص382) في تقويم موقفه هذا: «وقد أصاب الحجاج، وتوعد من يقرأ بما ينسب إلى عبد الله مما لم يثبت ولم تقم به حجة، فيعترض به على مصحف عثمان الذي ثبت عليه الإجماع». وبالغ الحجاج فلم يقبل حتى بقراءة ابن مسعود بغير مخالفة مصحف عثمان. لأن القرآن نزل بلغة قريش، وقراءة ابن مسعود بلغة هذيل. وقد غفل الحجاج عن أن القرآن قد نزل على سبعة ألسن، فمن هنا كان نيله من ابن مسعود وقراءته "وكان يعاقب عليها" (التمهيد لابن عبد البر8|298). وكان ذلك مما اضطر بعض أصحاب عبد الله إلى إخفاء مصاحفهم ودفنها زمن الحجاج كما فعل الحارث بن سويد التيمي. ذكره الزمخشري في تفسير سورة الفتح من الكشاف (3|540).

والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً ولا مُشكّلاً. فأمر  الخليفةُ عبد الملك الحجاجَ أن يُعنى بهذا الأمر الجلل، وندب الحجاجُ رجلينَ لهذا هما: نصر بن عاصم و يحيى بن يعمر و هما تلميذي أبي الأسْود الدؤلي (وكان هذا يقرأ بقراءة علي). بمعنى أن المصحف صار لأول مرة منقطاً ومشكلاً وفقاً لقراءة قريش (قراءة علي وعثمان، وهي موافقة لقراءة زيد بن ثابت الأنصاري كذلك). ولعل الواحد منا يتخيل أن هذا سيجعل قراءة قريش هي الغالبة، لكن الذي حدث أن قراء الكوفة مثل عاصم والأعمش قد نشروا قراءة هذيل نكاية بالحجاج فقط. فيذكر عاصم بن بهدلة أنه سمع الحجاج يقول‏:‏ «لا أجد أحدًا يقرأ علي قراءة ابن أم عبد -يعني ابن مسعود- إلا ضربت عنقه»... فذكر ذلك عند الأعمش‏.‏ فقال‏:‏ «وأنا سمعته يقول، فقلت في نفسي: "لأقرأنها على رغم أنفك"»‏.‏ قال ابن كثير: «وإنما نقم على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لكونه خالف القراءة على المصحف الإمام الذي جمع الناس عليه عثمان، والظاهر أن ابن مسعود رجع إلى قول عثمان وموافقيه، والله أعلم»‏.‏

وقبل أن نلوم الحجاج في تفضيله للغة قريش، فله سلف في ذلك. فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول لابن مسعود‏:‏ «أقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل؛ فإن القرآن لم ينزل بلغة هذيل»‏. وقد ثبت في الصحيح عن عثمان أنه قال‏:‏ «إن القرآن نزل بلغة قريش، وقال للرهط القرشيين الذين كتبوا المصحف هم وزيد‏:‏ «إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش؛ فإن القرآن نزل بلغتهم». وكذلك قوله تعالى في القرآن: ‏{‏‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ‏} ‏[‏إبراهيم‏:4‏]، يدل على ذلك، فإن قومه هم قريش، كما قال: {‏‏وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ‏} [‏الأنعام‏:‏66‏]. مع أنه لا يخفى على عمر ولا على عثمان قضية اختلاف القراءات. فليس إنكارهما على ابن مسعود لأنهما ينكران قراءته، لكنهما يريان أن الأولى تعليم الناس قراءة قريش. قال أبو شامة: «ويحتمل أن يكون مراد عمر ثم عثمان بقولهما نزل بلسان قريش، إن ذلك كان أول نزوله ثم إن الله تعالى سهله على الناس. فجوز لهم أن يقرؤه على لغاتهم على أن لا يخرج ذلك عن لغات العرب لكونه بلسان عربي مبين. فأما من أراد قراءته من غير العرب، فالاختيار له أن يقرأه بلسان قريش لأنه الأولى. وعلى هذا يُحمل ما كتب عمر إلى ابن مسعود، لأن جميع اللغات بالنسبة لغير العربي مستوية في التعبير. فإذا لا بد من واحدة، فلتكن بلغة النبي r. وأما العربي المجبول على لغته، فلو كلف قراءته قريش، لعسر عليه التحول، مع إباحة الله له أن يقرأه بلغته».

فلذلك عندما جمع عثمان المصاحف أرسل عبد الرحمن السلمي مع مصحف الكوفة ليعلم الناس قراءة قريش فبقي يعلم إلى وفاته في أيام الحجاج، ومعلوم أنه قد قرأ على علي بن أبي طالب، وقد أخذ منه عاصم، لكن كراهية الكوفيين السياسية للحجاج دفعتهم إلى تقديم قراءة ابن مسعود كيداً للحجاج. ومن المؤسف أن تدخل السياسية في مسألة القراءات. كما روي عن الإمام مالك أنه كان يكره القراءة بالنبر (أي بتحقيق الهمز)، لأن رسول الله r لم تكن لغته الهمز، أي لم يكن يظهر الهمز في الكلمات المهموزة مثل: مومن، ياجوج وماجوج، الذيب. وهكذا كانت لغة عامة الحجازيين بما فيهم الأنصار. ففي "المصباح المنير": «و[الرأس]: مهموز في أكثر لغاتهم، إلاَّ بني تميم، فإنَّهم يتركون الهمز لزوماً». جاء في "المدونة": «باب: الصلاة خلف أهل الصلاح وأهل البدع وإمامة الرجل في داره وإمامة من لا يحسن القرآن: ... وسئل مالك عمن صلى خلف رجل يقرأ بقراءة ابن مسعود؟ قال: يخرج ويدعه ولا يأتم به». فهذا الإمام مالك كذلك وافق الحجاج في اختياره.

وأكثر ما يتحسر عليه المرء هو ضياع النسخ الأولى من المصحف المُشكّل، التي يُعتقد أنها موضوعة على قراءة قريش، قراءة علي وعثمان رضي الله عنهم. ولا أعلم في حد علمي أحداً من الباحثين بحث في هذه المخطوطات القديمة، والله أعلم.

وبالرغم من كل تلك الجهود، فإن قراءة ابن مسعود بقيت بالكوفة. ومع أن قراءة عثمان التي حمل عاتق نشرها الحجاج كانت مطابقة لقراءة علي (إذ كلاهما من قريش)، لكن أهل الكوفة يحبون الشذوذ عن الجماعة. ثم جاء عاصم بن بهدلة واستلم رئاسة الإقراء بالكوفة. قراءته هي توليف بين قراءة عبد الله بن مسعود الهذلي، وبين قراءة علي بن أبي طالب القرشي. لكن المتأمل لمعالم هذه القراءة، يجد قوة تأثير ابن مسعود عليها (إن لم تكن الغالبة). فإن الهمز –مثلاً– هو لغة هذيل، وليس لغة قريش. وانتشرت قراءة عاصم انتشاراً كبيراً في أهل الكوفة، على كثرة قراءها وتعددهم. ونالت بقبول العلماء والقراء. ثم ظهر رجل فارسي يسمى حمزة، فمزج بن سائر قراءات الكوفة. ومن تأمل أسانيده لوجدها ترجع إلى علي وابن مسعود، وربما أُبي، مع الالتزام بموافقة مصحف عثمان. لكن انتقده العلماء لأخذه بقراءات شاذة وتكلفه في الأداء أحكاماً شاذة عن مذاهب العرب. ومنهم من بدع قراءته وأبطل الصلاة خلفه، مع أن فرش الحروف عنده صحيح.

قال ابن مجاهد في كتاب السبعة (ص71): «وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة، وليست بالغالبة عليهم. لأن أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش –فيما يقال– لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً. وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأَحَدٍ ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش. وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات». فهذا سبب شيوع قراءة حمزة رغم شذوذها. وعلى أية حال فأهل الكوفة يحبون الشذوذ بخلاف باقي الأمصار. تجد ذلك عندهم في القراءات والاعتقاد والفقه والحديث بل حتى في اللغة العربية. وأسند ابن مجاهد (ص76) عن محمد بن الهيثم المقرئ (ت 249هـ) قوله: «أدركت الكوفة ومسجدها الغالب عليه قراءة حمزة، ولا أعلمني أدركت حلقة من حلق المسجد يقرأون بقراءة عاصم». وقراءتي الكسائي وخلف راجعتان إليه متأثرتان به.

على أن قراءة الدوري عن أبي عمرو قدمت إلى الكوفة من البصرة وانتشرت مع الزمن، حتى طغت على عامة المشرق الإسلامي لعدة قرون. إلى أن أتى العثمانيون وفرضوا قراءة حفص عن عاصم بالقوة. ومن جنوب العراق (وبخاصة النجس وكربلاء) انتشرت قراءة عاصم كذلك إلى البلاد الشيعية، فلا يقرأ الشيعة اليوم إلا بها.

 

شمال إفريقيا والأندلس

أول قراءة انتشرت في إفريقيا هي قراءة ابن عامر، على يد الدعاة الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز، وبخاصة إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر. وكذلك أول قراءة عرفتها الأندلس هي قراءة ابن عامر الشامي، بسبب أن الجند الشامي الذي فتحها كان يقرأ بها. وكذلك انتشر مذهب الأوزاعي الشامي. قال المقري في نفح الطيب (2|185): «واعلم أن أهل الأندلس كانوا في القديم على مذهب الأوزاعي وأهل الشام منذ أول الفتح». وقد ذكروا أن صعصعة بن سلام (ت 192 هـ) هو أول من أدخل فقه الأوزاعي إلى الأندلس (انظر جذوة المقتبس للحميدي ص244 #510). واستمر المغاربة والأندلسيون يقرءون القرآن الكريم برواية هشام عن ابن عامر ما يزيد على القرن.

ثم في المئة الثانية، انتشرت في القيروان قراءة حمزة على يد المقرئين القادمين من بغداد والكوفة مع الولاة العباسيين، «ولم يكن يقرأ لنافع إلا خواص من الناس» (كما في غاية النهاية 2|217). وكان الغازي بن قيس (ت 199هـ) الرائد الأول في إدخال قراءة نافع، في حين أنه أيضا أول من أدخل موطأ مالك إلى الأندلس (انظر غاية النهاية 2|2 وترتيب المدارك 3|114). ثم انتشرت في الأندلس وأقصى المغرب رواية ورش عن نافع، خاصة مع انتشار المذهب المالكي. قال الإمام الذهبي في معرفة القراء (1|150): «ولمكان أبي الأزهر (عبد الصمد العتقي، من أصحاب مالك) اعتمد الأندلسيون قراءة ورش».

ويذهب ابن الفرضي إلى أن محمد بن خيرون (306 هـ) هو الذي استبدل قراءة حمزة في إفريقيا بقراءة نافع. لكن أثبت د. عبد الهادي حميتو أن الاستبدال حصل قبل ذلك بكثير. قال: «ونخلص من هذا إلى تأكيد انتشار قراءة نافع بافريقية قبل الوقت الذي حدده ابن الفرضي. وأن هذا الانتشار قد كان في زمن سحنون، وربما في العقود الأولى من المئة الثالثة. ثم تزايد الإقبال عليها من لدن الجمهور بتدخل من السلطة القضائية لصالحها، وبالأخص على عهد ولاية سحنون للقضاء سنة 234 هـ». وتم التحول الأغلبي من مذهب الكوفة (الفقه الحنفي وقراءة حمزة) إلى مذهب المدينة (الفقه المالكي وقراءة نافع) على يد سحنون وتلامذته. ففي عهد تصدره–ما بين عودته من رحلته سنة 191 وبين وفاته سنة 240هـ– تمت النقلة العظيمة في افريقية والجهات المغربية التابعة لها إلى مذاهب أهل المدينة، وتم وضع الأسس العتيدة لها بالمنطقة.

 قال عياض في ترتيب المدارك (1|25): «إن افريقية وما وراءها من المغرب كان الغالب عليها في القديم مذهب الكوفيين، إلى أن دخل علي بن زياد وابن أشرس والبهلول بن راشد وبعدهم أسد بن الفرات وغيرهم بمذهب مالك، فأخذ به كثير من الناس. ولم يزل يفشو إلى أن جاء سحنون (ت240هـ) فغلب في أيامه، وفض حلق المخالفين». وقال (4|313): «ذكر أبو عمرو الداني في كتابه (طبقات القراء والمقرئين)  أن ابن طالب (من أصحاب سحنون) أيام قضائه، أمر ابن برغوث المقرئ (272 هـ) بجامع القيروان، ألا يقرئ الناس إلا بحرف نافع». ثم اختار أهل تونس من قراءة نافع الرواية المدنية، وهي رواية قالون، واختار أهل المغرب رواية ورش المصري، من طريق يوسف الأزرق المدني.

 

سرد تاريخي لانتشار القراءات

قال شيخنا أبو خالد السلمي عن القراءات: إن الذي توصلت إليه من خلال النقول التي تجمعت لديّ حول السرد التاريخي لانتشار القراءات في الأمصار وانحسارها منها ما يلي:
1) إلى عصر الإمام ابن مجاهد الملقب بـ ( مُسبّع السبعة ) والذي ألف كتابه سنة 300 هـ كانت القراءات السبع يقرأ بها في الأمصار، ولكن كان الغالب على أهل المدينة قراءة نافع، وعلى أهل مكة قراءة ابن كثير، وعلى أهل الشام قراءة ابن عامر، وعلى أهل البصرة قراءة أبي عمرو ويعقوب، وعلى أهل الكوفة قراءة عاصم وحمزة، قال مكي بن أبي طالب: وكان الناس على رأس المئتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، واستمروا على ذلك فلما كان على رأس الثلاثمئة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب. اهـ
وسبب عدم إيراد ابن مجاهد لقراءة يعقوب في كتابه رغم أنها كانت القراءة الأغلب على أهل البصرة في زمنه أنه لم يكن لديه إسناد بها، فأورد بدلها قراءة الكسائي الكوفي رغم إيراده قارئين كوفيين هما عاصم وحمزة ورغم أنها كانت أقل شهرة في الكوفة منهما لتوفر إسنادها لديه.
2) في عصر ابن مجاهد قلّ انتشار رواية حفص عن عاصم بالكوفة وكانت رواية شعبة عن عاصم هي أشهر رواية عن عاصم بالكوفة، بينما كانت قراءة حمزة أكثر شهرة من قراءة عاصم بالكوفة كما يشهد لذلك قول ابن مجاهد: وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم. لأن أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش –فيما يقال– لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً. وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأَحَدٍ ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش. وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات. اهـ
3) في القرن الخامس الهجري كانت قراءة يعقوب هي الغالبة على أهل البصرة كما يستفاد ذلك من قول الإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني 371 ـ444 هـ قال أبو عمرو الداني: ائتم بيعقوب في اختياره عامة البصريين بعد أبي عمرو، وسمعت طاهر بن غلبون يقول: إمام الجامع بالبصرة لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب. اهـ
4) أما أهل الشام فاستمروا يقرؤون بقراءة ابن عامر إلى نهاية القرن الخامس حتى قدم عليهم أحد أئمة القراء وهو ابن طاووس فأخذ يعلم رواية الدوري عن أبي عمرو ويقرئ بها أهل الشام فأخذت في الانتشار التدريجي بالشام حتى حلت محل قراءة ابن عامر، كما يستفاد هذا من قول ابن الجزري: ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقينا إلى قريب الخمسمئة وأول من لقن لأبي عمرو فيما قيل ابن طاووس. اهـ
5) كان الإمام ورش شيخ الإقراء بالديار المصرية ورحل إلى نافع فقرأ عليه أربع ختمات ثم رجع إلى مصر وأخذ ينشر قراءة نافع وعنه انتشرت قراءة نافع في أرجاء المغرب العربي وكثير من البلاد الإفريقية، وهناك سبب آخر مهم لانتشار قراءة نافع في المغرب العربي وهي أنها قراءة إمامهم مالك بن أنس رحمه الله فكما أخذ المغاربة بفقه أهل المدينة أخذوا أيضا بقراءتهم، غير أن أهل المغرب الأدنى (ليبيا وتونس) وما حاذاها من البلاد الإفريقية كتشاد انتشرت فيهم رواية قالون عن نافع لسهولتها وخلوها من المدود الطويلة والإمالات التي في رواية ورش.
6) رواية الدوري عن أبي عمرو غلبت على أهل العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان وشرق إفريقيا إلى القرن العاشر الهجري. ويستفاد هذا من النقل التالي عن الإمام ابن الجزري (ت 833هـ) قال: قال ابن مجاهد وحدثونا عن وهب بن جرير قال قال لي شعبة تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسنادا وقال أيضا حدثني محمد بن عيسى بن حيان حدثنا نصر بن علي قال قال لي أبي قال شعبة انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا قال نصر قلت لأبي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو وقلت للأصمعي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو قال ابن الجزري وقد صح ما قاله شعبة رحمه الله فالقراءة عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو فلا تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه خاصة في الفرش وقد يخطئون في الأصول ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمئة فتركوا ذلك لأن شخصا قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه وأقام سنين كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة.اهـ

7) في الوقت الذي انتشرت فيه رواية الدوري عن أبي عمرو في الأقطار المشار إليها في الفقرة السابقة وهي (العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان وشرق إفريقيا ) كانت رواية حفص عن عاصم بدأت تنتشر لدى الأتراك، وبدأت الدولة العثمانية تبسط سلطانها على معظم أرجاء العالم الإسلامي، فصارت ترسل أئمة وقضاة ومقرئين أتراك إلى أرجاء العالم العربي فانتشرت رواية حفص عن طريقهم وكذا عن طريق المصاحف التي تنسخها الدولة العثمانية برواية حفص، فأخذت رواية حفص عن عاصم تحل تدريجيا محل رواية الدوري عن أبي عمرو، فآل الأمر إلى انحسار انتشار رواية الدوري فلم تبق إلا في اليمن والسودان والقرن الإفريقي، وقد اطلعت على كتب تجويد لعلماء يمنيين مؤلفة في حدود سنة 1370 هـ على وفق رواية الدوري وفيها أنها الرواية المقروء بها في حضرموت وأنحاء كثيرة من اليمن حتى ذلك الوقت، ونظرا لضعف سلطان الدولة العثمانية على بلاد المغرب العربي ولشدة تمسك أهله بمذهب مالك فقد ظلت قراءة نافع هي السائدة به إلى اليوم، وذكر ابن عاشور (1379هـ \ 1972م) في تفسيره "التحرير والتنوير" أن القراءات التي يُقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام هي: قراءة نافع براوية قالون، في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي ليبيا. وبرواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان (يقصد غرب إفريقيا). وقراءة عاصم براوية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب البلاد المصرية، والهند، وباكستان، وتركيا، والأفغان، قال ابن عاشور: وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يُقرأ بها في السودان المجاور لمصر.اهـ

8) في الوقت الحاضر كما لا يخفى كان لوسائل الإعلام العصرية المرئية والمسموعة دور كبير في نشر رواية حفص في الأقطار التي لا زالت تقرأ برواية الدوري أو قالون أو ورش، وكذلك لانتشار المصاحف المطبوعة برواية حفص في تلك الأقطار، حتى كادت بقية الروايات عدا رواية حفص تنقرض، والأمر لله تعالى من قبل ومن بعد، وله في تقاديره الحكمة البالغة، غير أنه بحمد الله بدأت في السنوات الأخيرة بوادر صحوة علمية عظيمة تجاه القراءات القرآنية في العديد من الأقطار الإسلامية، وبدأ الشباب يقبلون على تعلم القراءات العشر وتعليمها وقراءتها والإقراء بها، وهي ظاهرة صحية مبشرة بالخير، والحمد لله رب العالمين.

تعليق على ما أفاده شيخنا:

ابن الجزري (751-833هـ \ 1350-1430م) (عاش في أيام تيمورلنك) يقول أن القراءة في عصره بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة الدوري عن أبي عمرو. لم يذكر خراسان وتركيا مع أنه درّس طويلاً ببلادهم، لكن لم تكن تلك البلاد مبرزة في القراءة لعجمة أهلها، فلعله أهمل ذكر تلك الديار اعتمادا على ذكره لأشهر الديار. لكن الزمخشري (ت 538) خراساني كتب تفسيره على قراءة أبي عمرو. وكذلك فعل الواحدي، مما يدل أنها كانت هي القراءة المنتشرة في المشرق كذلك. لكن أبا السعود قد كتب تفسيره برواية حفص عن عاصم، مما يدل على وجودها في تركيا آنذاك. وقد كانت رواية قالون عن نافع منتشرة في اليمن كذلك كما يظهر من اعتماد الشوكاني (ت1250) لها في تفسيره فتح القدير، ومن قبله الصنعاني (شيخ شيخه) في مفاتح الرضوان، واستمر هذا للعهد الجمهوري حيث خرج مصحف مرتل للمقرئ محمد حسين عامر برواية قالون. أما حضرموت فكانت على رواية الدوري كما سبق.

لكن متى انتشرت قراءة حفص وهي التي لم تشتهر إلا عند بعض القراء؟ لم يذكر ابن الجزري عن العثمانيين في عصره قراءتهم بها، ولا عن أهل المشرق. فمتى انتشرت؟ لا شك أن ذلك تم خلال الحكم العثماني (بدأ عام 922هـ \ 1516م)، لكن لا أعرف متى بالضبط بدأ الانتشار. ولا يكاد الدارس يجد نصاً في الموضوع، بسبب انتشار الجهل في ذلك العصر (أي بعد ابن الجزري) وقلة التأليف. فنجد محمد بن بدر الدين المنشي الرومي الحنفي يصنف تفسيره سنة 981هـ=1574م برواية حفص، مما يدل على انتشارها في تركيا بعد عصر ابن الجزري. ونجد محمد المرعشي الملقب ساﭽقلي زاده (ت 1150هـ=1737م) يقول في جهد المقل (ص293): "والمأخوذ به في ديارنا (مرعش في جنوب تركيا) قراءة عاصم برواية حفص عنه". و يظهر أنه بعد انتشار قراءة حفص في تركيا قبل القرن السادس عشر الميلادي، فإنه بدئ الانتشار في الشام في القرن الثامن عشر الميلادي، وفي بداية القرن التاسع عشر في مصر. فالفقيه ابن عابدين الحنفي الدمشقي (1198-1252هـ \ ‏1748-1836م) يذكر في "حاشيته" أن اختيار الحنفية في القراءات هو قراءتي حفص عن عاصم والدوري عن أبي عمرو، قال (1|541): "ومشايخنا اختاروا قراءةَ أبي عَمْرٍو وحفصٍ عن عاصم". وقد قرأ على سعيد الحموي شيخ القراء ‏بدمشق. مما يدل على استمرار قراءة أبي عمرو في الشام حتى ذلك العصر المتأخر. ولا شك أن انحسارها عن مصر واليمن أخذ وقتاً أطول لبعد تلك البلاد عن مركز الدولة العثمانية. والذي ذكره شيخنا السلمي أنها بقيت في حضرموت لما بعد سنة 1370هـ=1951م. ققراءة حفص لم تنتشر في تلك البقاع إلا في وقتنا الحالي.

 

ومما ساهم في نشر قراءة حفص انتشار الجهل بشكل كبير وغياب العلماء. ويذكر شيخ قراء الشام كريّم راجح في مقابلة له مع قناة المجد أن كل علماء الشام ما كانوا يعرفون من أحكام التجويد إلا الادغامات وبعض المدود على ما أذكر. يعني ولا حتى قراءة حفص. إذ أنه بعد وفاة الإمام المحقّق ابن الجزريّ الدمشقي ت833هـ فَتَر التّأليف في القراءات وانعَدَم أو كادَ إلى حدود القرن الثّالث عشر الهجريّ. حتّى أعاد الشيخ أحمد الحلواني الكبير (1228-1307هـ=1890م) القراءات القرآنيّة إلى بلاد الشّام روايةً وتلاوةً وتلقيناً. فربما في ذلك الزمن تحديداً تم تأكيد قراءة حفص كقراءة رسمية، حيث أنه لما قدم مكة سنة 1253هـ=1838م قرأ على شيخه أحمد المرزوقي بقراءة حفص أولاً مما يدل على تفضيله لها، وإلا فالمصاحف التي كانت توزعها الدولة العثمانية كانت على رسم حفص قبل ذلك العصر. أما بعد انتهاء الحقب العثماني فقد استمر الخطأ على ما هو عليه. فالكثير من الدول الإسلامية تمنع بالقانون القراءة بغير قراءة حفص. والمطابع لا تطبع بغيرها. ووسائل الإعلام السمعية (كالمذياع) أو المرئية، لا تسمح إلا بقراءة حفص.

 

وكانت الرواية المنتشرة في مصر منذ القرن الثالث الهجري إلى أواخر القرن الخامس: هي قراءة أهل المدينة، خاصة برواية ورش عثمان بن سعيد المصري عن نافع المدني. ثم حلت محلها قراءة أبي عمرو بن العلاء برواية الدوري. واستمر العمل عليها حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري. انظر الإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ على الضباع ص 72. ولم تكن رواية حفص معروفة في مصر حتى الحكم التركي. بل إننا نجد القرطبي (نزيل مصر) أحيانا لا يشير إلى خلاف حفص، مع أنه متطلع عليها بلا شك، وهذا يدل على أنها لم تكن رواية منتشرة مشهورة بين العامة في عصره. فرواية حفص لم تدخل إلى مصر إلا بعد فترة طويلة من دخول العثمانيين الذي حدث في أوائل الربع الثاني من القرن العاشر الهجري (أوائل القرن السادس عشر الميلادي). وفي دراسة قام بها الدكتور سيف الله (ونشرها في موقع الصحوة الإسلامية) على مخطوطات المصاحف، ذكر فيها ملاحظة المستشرق أدريان بروكيت: أنه لا يوجد نقص من المخطوطات من القرون السابقة التي تحمل قراءة أبي عمرو، خاصة في مصر. وهذا الوضع صار يتغير باستمرار منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بتأثير المطابع، حيث أن قراءة أبي عمرو لم تُطبع قط. اهـ. فطباعة القرآن كان لها الشأن الأكبر في التمكين لرواية حفص والقضاء على الروايات الأخرى. فأقدم مصحف طبع في مدينة هامبورك بألمانيا سنة 1694م (=1106هـ تقريباً) كان مضبوطاً برواية حفص عن عاصم (ينظر: كتاب رسم المصحف ص508). واشتهر من خطاطي الدولة العثمانية الحافظ عثمان (ت1110هـ) الذي كتب بخطه خمسة وعشرين مصحفاً (ينظر: محمد طاهر الكردي: تاريخ الخط العربي ص339)، واشتهرت المصاحف التي خطها الحافظ عثمان في العالم الإسلامي شهرة واسعة "وقد طُبِعَ مصحفه مئات الطبعات في مختلف الأقطار الإسلامية، وانتشر في العالم الإسلامي، وفاق الطبعات السابقة واللاحقة" (وليد الأعظمي: تراجم خطاطي بغداد ص131)، وهذا قبل ظهور مصحف الأزهر ومصحف المدينة طبعاً.

 

وهكذا قام الأتراك والمستشرقون وبعض جهلة العرب بالقضاء على القراءات القرآنية المتواترة بهذه الطريقة. يقول الشيخ عبد الرشيد الصوفي (الصومالي الأصل القطري المنزل): رواية حفص عن عاصم لم يكتب لها الانتشار والذيوع في المشرق الإسلامي سوى في المئتي سنة الأخيرة، حيث كان أهل المشرق من مصر والشام والعراق والحجاز والجزيرة العربية واليمن والسودان وغيرها لا يعرفون ولا يقرؤون إلا بقراءة أبي عمرو البصري براوييه الدوري أو السوسي، بدليل أن معظم من ألف في علم التفسير كان النص القرآني في تفسيره بقراءة أبي عمرو البصري، مثل تفسير الجلالين. وأنا لديّ مصحف مخطوط في مصر قبل نحو 250 سنة يقول كاتبه في المقدمة: "وقد خُط هذا المصحف على ما يوافق قراءة أبي عمرو البصري، لأن أهل مصر لا يعرفون سواها ولا يقرؤون إلا بها" انتهى. ويقول عن سبب انتشار رواية حفص: عندما بدأت المطابع في زمن الخلافة العثمانية وأرادوا أن يطبعوا المصحف بالآلة الطابعة التي كانت بدائية جدا في ذلك الزمان، بحثوا عن أقرب الروايات تقاربا في اللفظ والكتابة، فوجدوا رواية حفص عن عاصم هي الأقرب للمطلوب. فاستقر رأيهم على أن تكون رواية حفص هي المعتمدة في الطباعة، حيث لا توجد فيها إمالات أو حروف مسهلة. ولذلك فإن البلاد التي ابتعدت عن السلطة العثمانية في هذا الزمن، ظلت على قراءة أبي عمرو مثل أهل السودان واليمن والصومال وغيرها، حتى أنهم لما كانت تأتيهم المصاحف برواية حفص كانوا يذهبون بها إلى المطوع ليصحح لهم ظنا منهم أن بها أخطاء.

 

ثم بعد العهد التركي، صارت كثير من الدول الإسلامية تعتبر رواية حفص هي الرواية الرسمية، وتقمع بالقانون من تسول له نفسه أن يقرأ بقراءة متواترة. وغدت الإذاعات والمرئيات لا تقرأ بغير رواية حفص. وكان أول تسجيل صوتي للقرآن الكريم في العالم الإسلامي بصوت الشيخ خليل الحصري برواية حفص. كما أصبح تدريس القرآن برواية حفص في المدارس والمعاهد والجامعات والكتاتيب في أغلب الأقطار، ثم يُبنـى عليها بقية القراءات العشر المتواترة في المعاهد القرآنية المتخصصة. وقد بدئ المستشرقون أولاً بالترويج لقراءة حفص عن طريق طباعة القرآن بها، ثم تبعهم الأتراك الحنفية، ثم وصلت الطباعة لمصر واختاروا قراءة حفص (هو اختيار المدعو حفني ناصف 1342هـ=1923م، حيث طبع مصحف الملك فؤاد بالخط الغير قياسي). وعن طريق مصر انتشرت قراءة مصر إلى نجد والحجاز ثم إلى اليمن في العهد الجمهوري. وصار مصحفي مصر والمدينة المنورة برواية حفص، مما ساهم بالترويج لتلك القراءة في إفريقيا وغيرها. ومع أن مجمع فهد طبع المصحف أخيراً بروايات ورش والدوري وقالون (وقريباً شعبة والسوسي والبزي وقنبل) فعادة لا يتم توزيع إلا رواية حفص بكميات كبيرة لنشرها وحدها. لذلك قامت وزارة الثقافة المغربية بمنعه، حفاظاً على قراءة ورش التي تكاد تنقرض في الجزائر وغيرها. وحتى ترجمة القرآن للإسبانية، كان النص القرآني فيه بحروف ورش، لكنهم غيروه حديثاً إلى حفص! والسودان كان في السابق يقرأ قراءة الدوري، لكن تحت تأثير مصر والسعودية تم اعتماد رواية حفص رسمياً، ولم تبق قراءة الدوري إلا في كتاتيب دارفور القديمة. ولحسن الحظ فإن حكومة السودان تنبهت إلى هذه الكارثة، وقامت بطباعة "مصحف إفريقيا" بالدوري وغيره. وكذلك الصومال كانت بالكامل تقرأ بالدوري، لكن نتيجة ظروف الحرب وتوزيع مصاحف ورش السعودية، أصبحت قراءة حفص منافسة قوية للدوري.

 

وقامت عدد من الدول العربية مثل السعودية وغيرها بمنع قراءة أي قراءة غير حفص في المساجد. وهو شيء مؤسف أن يحدث في الحرمين وهو المكان الذي يأمل المسلم أن يستمع فيه لمختلف القراءات. كما أنه من المضحك المبكي أن يربط البعض بين السلفية وبين قراءة حفص، فترى المقرئين في الجزائر يتبارون بالقراءة بحفص بدلاً من ورش ليثبتوا سلفيتهم! مع أن السلف كانوا يقرؤون بمختلف القراءات، ولم يحدث أن يجبروا الناس على قراءة معينة. فمنع القراءات المتواترة هو منع لجزء من القرآن. والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (159) سورة البقرة. بل بلغ الجهل مبلغاً في بعض الأحداث المنتسبين للسلفية إلى سرقة مصاحف ورش من مساجد الجزائر واستبدالها بمصاحف حفص التي توزع مجاناً. "لعن الله السارق. يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". فتحت أي مبرر تتم سرقة المصاحف وإتلافها؟ والجواب أن هؤلاء الجهلة يعتبرون المصحف على رواية ورش بدعة محلية يجب التصدّي لها. والغريب أن بعض مشايخهم يعتبر أن ورش أقرب إلى العامية حيث لا ينطق بالهمزة و هي تختلف في كتابتها عن الكتب المدرسية، و هو بذلك يشكك في صحتها! بل عديد من المشايخ الجهلة يعتبرون أن قراءة حفص هي الأفصح والدليل أنها موافقة لقواعد الإملاء في الهمز وغيره! سبحان الله، أفلا يعلمون أن قواعد الإملاء الحديثة إنما تم إنشائها لتوافق قراءة حفص؟ وإلا فعامة العرب لا تستعمل الهمز.

 

والترجيح بين القراءات في الفصاحة فيه نظر شديد، لأن كل قراءة متواترة هي من عند الله، وقد نزلت بالعربية الفصحى قطعاً {قرآناً عربياً}، ولهجات قبائل العرب تختلف. فإن أردنا أن نقول أن الأفصح هو الأشهر أو الأفصح هو لهجة قريش، فنصيب قراءة حفص الكوفي قليل. وعامة العرب لا تهمز إلا أعراب بني تميم ومن لحق بهم من هذيل. قال خلف بن هشام (كما في إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري 1|164): «وقريش لا تهمز، ليس الهمز من لغتها، وإنما همزت بلغة القراء غير قريش من العرب». وقال أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (1|166): «العرب لا تنطق بهمزة ساكنة، إلا بنو تميم، فإنهم يهمزون، فيقولون "الذئب" و"الكأس" و"الرأس"». قال الشيخ الضباع في "الهمزات في القراءات العشر": وإنما تنوعت العرب في تخفيف الهمز بالأنواع المذكورة (يعني التسهيل والإبدال والإسقاط والنقل) لكونه أثقل الحروف نطقا، وأبعدها مخرجا.‏ وكانت قريش والحجازيون أكثرهم له تخفيفا، بل قال بعضهم هو لغة أكثر العرب الفصحاء. ‏وها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول لابن مسعود‏:‏ أقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل؛ فإن القرآن لم ينزل بلغة هذيل‏. وقد ثبت في الصحيح عن عثمان أنه قال‏:‏ إن القرآن نزل بلغة قريش، وقال للرهط القرشيين الذين كتبوا المصحف هم وزيد‏:‏ إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش؛ فإن القرآن نزل بلغتهم. وكذلك قوله تعالى في القرآن ‏:‏ ‏{‏‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ‏} ‏[‏إبراهيم‏:‏ 4‏]‏، يدل على ذلك، فإن قومه هم قريش، كما قال‏:‏ ‏{‏‏وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ‏} ‏[‏الأنعام‏:‏66‏].

 

بقي المشرق. متى انتشرت قراءة حفص في تركستان والهند وأندونيسيا؟ بل حتى الشيعة صاروا يقرؤون بها مع أنه ليس عندهم إسناد متصل في القرآن، إذ هم عالة على أهل السنة، وكذلك الأباضية. لم أظفر بأي كتابة عن هذا الموضوع. والله أعلم.

 



















مقدمات في علم القراءات (ص: 63)
1 - انتشار القراءات التي يقرأ بها في العالم الإسلامي:
كانت قراءات الأئمة العشرة منتشرة في الأمصار الإسلامية، يقرأ أهل كل مصر وما حوله بقراءة إمامهم، واستمر الحال على ذلك قرونا، وذكر الداني أن إمام الجامع الكبير في البصرة لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب (1)، وكان أهل مصر يقرءون برواية ورش حتى القرن الخامس الهجري، ثم انتشرت بينهم قراءة أبي عمرو البصري (2).
ويبدو أن الأمر استمر على هذا الحال زمنا بعد ذلك، حتى امتد حكم الدولة العثمانية للبلاد العربية، في القرن العاشر الهجري فانتشرت رواية حفص عن عاصم في معظم العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت بسبب اعتماد الدولة العثمانية لها، ثم طباعة المصحف بها، وازدادت انتشارا في زماننا هذا بسبب كثرة المصاحف المطبوعة بها، وانتشار التسجيلات بها وعبر الإذاعات ووسائل الإعلام المتعددة.
فرواية حفص عن عاصم يقرأ بها معظم المسلمين في الدول الإسلامية وغيرها.
ويقرأ برواية قالون عن نافع، في ليبيا وأجزاء من تونس والجزائر (3).
وبرواية ورش عن نافع في غرب مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وتشاد والكمرون ونيجيريا وأغلب البلاد الإفريقية الغربية، وفي شمال
وغرب السودان (4).
ويقرأ برواية الدوري عن أبي عمرو في السودان والصومال، وحضر موت في اليمن (5).
وينتشر طلبة علم القراءات والراغبون في تلقيها في أماكن عديدة ودول كثيرة.
__________
(1) عبد الرازق موسى، تحقيق: الإيضاح على متن الدرة، ص 27.
(2) الضباع، الإضاءة ص 57.
(3) د. عبد الرحمن الجمل، المغني في علم التجويد، ص 26.
(4) أبو بكر محمد أبو اليمن، المختصر المفيد في معرفة أصول رواية أبي سعيد، ص 14. والمرجع السابق، ص 26.
(5) أبو بكر العطاس، تيسير الأمر لمن يقرأ من العوام بقراءة أبي عمرو، ص 16 و 21.





القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية (ص: 99)
المبحث الثاني نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن الرسم بسبب شكل القرآن
م/ السورة والآية/ الرسم قبل الشكل/ رسم المصحف الشائع (1) / الوجوه الغائبة من المتواتر
......
__________
(1) نقصد هنا بالمصحف الشائع المصحف الموافق لرواية حفص عن عاصم؛ إذ هو السائد اليوم في أغلب بلدان العالم الإسلامي، وقد غلب شيوعه في العالم الإسلامي منذ أن بدأت طباعته في تركيا ومصر؛ إذ كانت هي القراءة الشائعة في مصر وتركيا.
ويجب التّنبيه أنني أنصّ على من قرأ خلاف المصحف الشائع، فتعين أن من لم يذكر في المنفردين قرأ وفق المصحف الشائع.






جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين - عبد القيوم السندي (ص: 13)
وهل يقرأ القرآن إلا برواية من روايات القراءات المتواترة؟ كما نقرأ نحن اليوم برواية الإمام حفص عن عاصم، ويقرأ أهل ليبيا برواية الإمام قالون عن نافع، ويقرأ أهل موريتانيا ونيجيريا وبعض البلاد الأفريقية الأخرى برواية الإمام ورش عن نافع، وكذا يقرأ أهل إثيوبيا وإريتريا والصومال وما جاورها برواية الإمام الدوري عن أبي عمرو، وقراءة الإمام أبي عمرو هي التي كانت رائجة في أكثر البلاد الإسلامية في عهد الإمام ابن الجزري (أي في القرن الثامن والتاسع الهجري) 1 كما هو حال رواية الإمام حفص اليوم، حيث تقرأ في أكثر من ثلثي العالم الإسلامي.





أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
واقتصر فيه على قراءة حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الذي أخذ عن عاصم بن أبي النجود الكوفي التابعي أحد القراء السبعة المشهورين. كما أخذ هجاءه وعناوين سوره من مكية ومدنية وترقيم آياته بحسب مصحف الحافظ عثمان المطبوع في الأستانة.








أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
حول ظهور رواية حفص وانتشارها

ـ[خالدعبدالرحمن]•---------------------------------•[26 Dec 2003, 09:34 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الاخوة الكرام،اود مشاركتكم بهذا السؤال الذي ما زال يراودني منذ حوالي الشهرين، ومبدؤه هو:
1 - انه من المعلوم لكل مؤمن ان الله سبحانه هو مصرف الأمور بعلمه وحكمته، وان ليس في الأرض من تدبير او حدث يشذ عن مشيئته!
2 - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن بأوجه نقلتبالتواتر، و قيض الله للأمة من يرسخها علما وتعليما، من القراء العشر ورواتهم!
والسؤال:
اذا كانت الروايات المنقولة بالتواتر هي قراءة محمد صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العزة (اي كلها قرآن)
فلماذا يظهر الله سبحانه قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية حفص عن عاصم، ويطوى وتغيب القراءات الأخرى؟؟!!!
فرواية عاصم وهي التي بدأت في الكوفة تقرأ في المساجد الثلاثة، وفي كل اصقاع الأرض وتطبع بفرشها واصلها المصاحف، وتدرس في مدارس المسلمين حيث وليت وجهك،ويعلمها بالضرورة حتى اولئك الذين يقرؤون في بلدانهم برواية ورش او قالون (وهم قلة!) والعكس ليس صحيحا في حالة الذين تعلموا رواية حفص (فقلما تجد من يجيد قراءة غيرها)
ومن يقرأ اليوم برواية حمزة او الكسائي او هشام ... أو .... أو .... ؟
اعتقد ان هذا موضوع جدير بالعناية والأهتمام!
وجزى الله الجميع خيرا

ـ[محمد الأمين]•---------------------------------•[28 Dec 2003, 04:06 ص]ـ
هذا باطل

إذ أن القراءة التي كانت منتشرة في العالم الإسلامي هي قراءة الدوري، فلماذا لا يكون هذا دليلا على أنها الأصح؟

مع العلم أن قراءة حفص عن عاصم كانت قراءة مهجورة حتى فرضها الاحتلال العثماني بالحديد والنار. فكيف تجعل هذا دليلاً على صحتها؟

ـ[عبدالرحمن السديس]•---------------------------------•[28 Dec 2003, 01:53 م]ـ
القراءات المنتشرة في العالم الإسلامي اليوم هي:
رواية حفص عن عاصم.وهي منشرة في الجزيرة والشرق عموما ومصر والشام ..
وقالون عن نافع وتكثر في أفريقيا فهناك دول كاملة تقرأ لقالون.
وورش عن نافع، وهي كاتي قبلها.
والدوري عن أبي عمر وهي موجود في أفريقيا كذلك.
والسوسي عن ابي عمرو وهي أقلها انتشارا
وكل هذه الروايات قد طبعت مصاحفها في مجمع المدينة عدا الأخير، وطبع مع مصحف التجويد في الدار الشامية بدمشق ..
وأما الانتشار فقد تغير من وقت فقد كان أهل الشام يقرؤن بحرف ابن عامر ثم قرؤا برواية الدوري ... ثم الآن بحفص ..
وهذا التغير كان بعدة عوامل منها سياسية ومنها وجود العلماء المقرئين و .. والله أعلم.




أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
فقراءة حفص عن عاصم كانت قراءة نادرة لم تنتشر ولا حتى بالكوفة، وإنما أخذ أهلها قراءة عاصم عن أبي بكر. ثم لما ضنّ بها أبو بكر، اضطروا للأخذ بقراءة حمزة والكسائي رغم كراهيتهم لها، وما التفتوا لرواية حفص هذا.

ثم لو نظرنا في العالم الإسلامي لوجدنا أنه خلال فترة من الزمن سادت قراءتي أبو عمرو و نافع على العالم الإسلامي. ولم يكن لقراءة حفص عن عاصم ذكر. ثم مع قدوم الاحتلال التركي تم فرض رواية حفص بالحديد والنار على العالم الإسلامي. فهل كانت تلك القراءة باطلة ثم أصبحت صحيحة؟

وهل علينا أن نقوم بعمل تصويت على أحسن قراءة والتي تفوز تكون الأصح؟!!!

هذا قول فاسد.






أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
وقال مكي بن أبي طالب: وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالكوف على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة اين عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، واستمروا على ذلك فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب.



أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
ـ[راجي رحمة ربه]•---------------------------------•[02 Jan 2004, 02:23 ص]ـ
أولا أؤكد أن القراءات التي بين أيدينا كلها قرآن نؤمن به، ولا يضره جهل الجاهلين وطعن المغرضين لأن الله حافظ كتابه من كيد المبطلين.

أما عن سبب انتشارها مع تطاول الزمان فالفقير إلى الله يميل إلى الرأي الذي يدركه كل من اشتغل بالقراءات وهو أن رواية حفص تعد هي القاعدة في القراءات ومعظم الباقي من القراءات يوجد فيها ما في حفص من قواعد ثم تزيد عليه بوجه ما بل وجوه: كالإمالات والتسهيلات والإدغامات إلخ.
فهي إذن أسهل القراءات لطلبة العلم بل ولتعليم البسطاء من العامة
لأنها الأوفق للرسم العثماني على وجهه الأصل.
بينما غيرها تحتاج إلى جهد أكبر وتلقي وممارسة وأنتم أعلم بتقاصر الهمم مع مرور الزمن

وها أنتم ترون المخطوطات معظمها مكتوب على النحو العربي المباشر ككتب الحديث والفقه وغيرهما
اللهم إلا ما يقال في تسهيل الهمزات أما الباقي فكأنه هو هو اللسان الأول.

أما القول بأنها انتشرت بالحديد والنار فهذا قول لا وزن له عند عالم له نظر ثاقب.

ـ[محمد الأمين]•---------------------------------•[02 Jan 2004, 04:18 ص]ـ
لو كنت صادقاً لكانت انتشرت قبل العثمانيين بعصور طويلة.

لكن الحقيقة معروفة.





أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
قال ابن مجاهد وحدثونا عن وهب بن جرير قال قال لي شعبة تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسنادا وقال أيضا حدثني محمد بن عيسى بن حيان حدثنا نصر بن علي قال قال لي أبي قال شعبة انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا قال نصر قلت لأبي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو وقلت للأصمعي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو قال ابن الجزري وقد صح ما قاله شعبة رحمه الله فالقراءة عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو فلا تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه خاصة في الفرش وقد يخطئون في الأصول ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمائة فتركوا ذلك لأن شخصا قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه وأقام سنين كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة.اهـ





أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
فأظهر الله لنا أن حفصا الذي ثبت أنه من أركان السند الذي يقرأ به 70% من العالم الإسلامي هو من أهل القرآن ومن أهل الله وخاصته

فكأن الله سبحانه وتعالى بهذه التزكية بناء على ما سبق وما في القرآن العظيم من قوله: بل هو آيات في صدور الذين أوتو العلم

فهذا كله إشارة إلى أن حفصا إمام عظيم وقارئ جليل، لا يضره من طعن فيه ومن تعنت في وصفه من علماء الجرح، لأنه وإن كان لم يتفرغ للحديث الشريف فهذا لم يضره ولن ينقص من قدره.
وأن من اتهمه بالكذب فقد أخطأ خطأ بينا وقوله مردود عليه ولا كرامة كائنا من كان، بل ولو شاهد واقع الأمة اليوم لاستحى من نفسه أن يتسرع في تلك الأوصاف التي رمى بها حفصا رضي الله عنه.







أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
ـ[محمد الأمين]•---------------------------------•[12 Jan 2004, 09:05 ص]ـ
أما حفص فمتفق على أنه مجروح في عدالته

واتفق المتأخرون على أن قراءته غير متواترة

ـ[الشيخ أبو أحمد]•---------------------------------•[12 Jan 2004, 08:10 م]ـ
كتب محمد الامين "أما حفص فمتفق على أنه مجروح في عدالته

واتفق المتأخرون على أن قراءته غير متواترة"؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

فمن لهذا, وما هذا بربكم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ـ[أمين الشنقيطي]•---------------------------------•[12 Jan 2004, 08:40 م]ـ
السلام عليكم أخى الكريم/ أبو أحمد وبعد:
من يتناول أهل العلم بهذا الشكل ينبغي ألا تتعجب منه،ومما يسعدنا أن هذا المذكور سنده نفسه، وسندنا ولله الحمد فحول العلماء، ومارأيك فى من كان فى صفه إمام الحديث الذهبي، فى معرفة القراء، وغيره من الكبار، أرجوا أن تعرض عما سبق ودعنا نأخذ فى طريقة ميسرة لحفظ علومنا وفقنا الله وإياك،ولأهل الملتقى كل المحبة وصادق العرفان.

ـ[محمد الأمين]•---------------------------------•[12 Jan 2004, 08:42 م]ـ
عذراً، أنا قصدت في كلامي: "المتقدمون" (أي السلف الصالح) وليس "المتأخرون"

المتأخرون يقولون متواترة، لكن السلف وهم أعلم بها ما قالوا ذلك.

هذا مع وصف ابن معين لحفص باتقان التجويد، فقد وصفه بالكذب كذلك. وكونه قارئاً متقناً لا يتعارض مع الكذب. وقد شاهدنا في عصرنا الكثير ممن عندهم علم غزير وصوت جميل، لكن عدالتهم مجروحة.

ـ[راجي رحمة ربه]•---------------------------------•[13 Jan 2004, 02:14 ص]ـ
بل ليس بكذاب وحاشاه.

وأخطأ ابن معين فماذا كان، وهل كلام ابن معين قرآن منزل.
أليس هناك متعنتون أو معتدلون صدرت منهم أقوال متعنتة
ألا يخطئ البشر

نعم ليس بالمتقن للحديث، أما الكذب فقد تبين بطلان هذا لأن الله والرسول زكى أهل القرآن وإن لم يكن مثل حفص أهل القرآن فمن ياترى؟

وها هو الزمان يشهد بخطأ ابن معين وبعدالة حفص، ومن لا يعجبه ذلك فهو وشأنه

أما ثلاثة أرباع الأمة فقد قبلته فبعدا لمن يتعلل بابن معين ليطعن في أهل القرآن.





أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
روى حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن قال: لم أخالف عليا في شيء من قراءته. وكنت أجمع حروف علي فألقى بها زيدا في المواسم بالمدينة فما اختلفا إلا في التابوت كان زيد يقرأ بالهاء وعلي بالتاء.

وروى أبان العطار عن عاصم بن بهدلة عن أبي عبد الرحمن قال أخذت القراءة عن علي.

وقد جاء عنه بأسانيد أكثرها ضعيف أنه أخذ قرأ على غير علي أيضا (مثل عثمان وزيد ومثل أبيه)، وهو محتمل جداً. لكنه ينص (إن صدق حفص) على أنه لم يخالف علياً في قراءته.






أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
(1) متى انتشرت قراءة عاصم:

اشتهرت قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي المتوفى سنة (127هـ) من رواية تلميذيه أبي بكر شعبة بن عياش (ت 193هـ)، وحفص بن سليمان الأسدي (ت 180 هـ)، وهي اليوم أكثر القراءات السبع انتشاراً، من رواية حفص خاصة، ولا يُدرى متى تحققت هذه الغلبة لقراءة عاصم، وقد وقفت على بعض النصوص التي ترجع بهذه الغلبة إلى ما يقرب من ستة قرون:

قال أبو حيان الأندلسي المتوفى سنة 754هـ، في كتابه: البحر المحيط، وهو يتحدث عن رواية ورش عن نافع: " وهي الرواية التي ننشأ عليها ببلادنا [يعني الأندلس] ونتعلمها في المكتب "، وقال عن قراءة عاصم: " وهي القراءة التي ينشأ عليها أهل العراق " [البحر المحيط 1/ 115 - 116 طبعة دار الكتب العلمية].

وهذا النص مهم جداً في تصحيح الوهم الذي وقع فيه البعض عندما ذهب إلى أن العثمانيين هم الذين فرضوا على الناس رواية حفص عن عاصم فرضاً، فهذا النص يُبرِّئهم من هذه التهمة، لأن أبا حيان الأندلسي عاش قبل قيام دولة بني عثمان وامتدادها بأكثر من قرنين من الزمان، وليس بعيداً أن تكون قراءة عاصم قد انتشرت في بلدان المشرق الإسلامي قبل عصر أبي حيان بمدة ليست قصيرة.
ولا يكاد الدارس يجد نصاً آخر في الموضوع، في ما اطلعت عليه، حتى عصر محمد المرعشي الملقب ساچقلي زاده، والمتوفى سنة 1150 هـ = 1737 م، الذي قال: (جهد المقل ص293): " والمأخوذ به في ديارنا [مرعش مدينة في جنوب تركيا الآن] قراءة عاصم برواية حفص عنه ".

وأحسب أن تتبع المصاحف المخطوطة، وتحديد القراءات التي ضُبطت بها، والتاريخ الذي كتبت فيه، يمكن أن يرسم خارطة لانتشار القراءات القرآنية زماناً ومكاناً، لأن نَسْخَ المصاحف على قراءة معينة يعني وجود من يقرأ بها في الحقبة التي كتبت فيها، والمكان الذي نسخت فيه، لكن ذلك عمل كبير يحتاج إلى تضافر جهود الباحثين من مختلف البلدان لمراجعة آلاف النسخ من المصاحف المخطوطة المكتوبة في عصور مختلفة، وقد لا يكون تحقيق ذلك ممكناً الآن أو في وقت قريب، لكنه مفتاح نضعه في يد من يبحث عن العصر الذي انتشرت فيه قراءة عاصم من رواية حفص.

(2) أسباب انتشار رواية حفص عن عاصم

إن تاريخ القراءات القرآنية يشير إلى ازدياد اختيارات القراء في عصر التابعين وتابعيهم، حتى بلغ عدد القراء المشهورين العشرات، وجعل ذلك ابن مجاهد يختار سبع قراءات ضمَّنها في كتابه (السبعة)، وأدرج ما عداها في كتابه الآخر (شواذ السبعة)، وتلقت الأمة اختياره بالقبول، وصارت القراءات السبع التي اختارها ابن مجاهد هي الصحيحة المشهورة، وأُلحقت بها بعد ابن مجاهد القراءات الثلاث المتممة لها عشراً.

واستمرت رواية القراءات العشر حتى عصرنا الحاضر على يد العلماء المتخصصين بالقراءة، لكن تعليم جمهور الناس القرآن يقتضي التركيز على قراءة واحدة من تلك القراءات، ويبدو أن قراءة عاصم هي التي اعتمدها المعلمون في العراق منذ عصور متقدمة، ثم امتدت شهرتها في بلدان المشرق الإسلامي حتى صارت أشهر القراءات، وطُبعت عليها المصاحف دون غيرها.

وكانت هذه القراءة قد حظيت بتقدير خاص منذ وقت مبكر، فنجد الإمام أحمد (ت 241 هـ) يسأله ابنه صالح: أي القراءة أحب إليك؟ فقال قراءة نافع، قال: فإن لم توجد؟ قال: قراءة عاصم [ينظر: علم الدين السخاوي: جمال القراء 2/ 464].

وقال مكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 هـ): " فقراءته مختارة عند مَن رأيت مِن الشيوخ، مقدمة على غيرها، لفصاحة عاصم، ولصحة سندها، وثقة ناقلها " [التبصرة ص 219 - طبعة الهند]، ويبدو أن ذلك كان مقدمة لانتشارها بعد ذلك.

ويمكن أن نشير إلى بعض العوامل التي أرجح أنها أسهمت في انتشار رواية حفص عن عاصم أكثر من انتشار رواية شعبة والقراءات القرآنية الأخرى:

(1) تفرغ حفص لتعليم قراءة شيخه وتنقله بين الأمصار:

من المعروف أن أبا بكر شعبة بن عياش كان لا يُمَكِّنُ من نفسه من أراد أخذ قراءة عاصم منه (ينظر: ابن مجاهد: كتاب السبعة - ط 1 - ص71) بينما كان حفص بن سليمان متفرغاً لتعليمها، متنقلاً بين الأمصار لنشرها، فلم يلبث أن غادر الكوفة إلى بغداد بعد اتخاذها عاصمة للخلافة، فأقرأ فيها، وجاور بمكة فأقرأ فيها أيضاً (ينظر ابن الجزري: غاية النهاية1/ 254)، وكثر تلامذته وانتشرت قراءة عاصم عن طريقه، وكان من القراء من اشتهر برواية حفص دون غيرها، مثل أحمد بن سهل الأشناني البغدادي (ت 307 هـ) الذي أخذ القراءة عن عُبيد بن الصبَّاح تلميذ حفص (ينظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 185).

(2) اطراد أصول رواية حفص عن عاصم:

ويمكن أن نذكر سبباً آخر لانتشار رواية حفص عن عاصم، وهو اطراد أصول القراءة فيها، من الهمز والإمالة والإدغام والترقيق والتفخيم، مما يسهِّل على الدارس تعلمها، وهذا أمر يجعلها متميزة عن رواية شعبة وغيرها من القراءات الأخرى، التي يشق على المتعلم ضبط ما فيها من صور تسهيل الهمزة وإمالة الألفات وإدغام المتقاربين.

وينبغي أن يلحظ الدارس لهذا الموضوع تطابق ظواهر النطق بين رواية حفص عن عاصم والنطق الفصيح للعربية، وقد يكون ذلك عاملاً آخر مكَّن لها في مجال التعليم أيضاً، وقربها من نفوس المتعلمين.

(3) الطباعة:

وقد يكون للطباعة شأن في التمكين لرواية حفص، فأقدم مصحف طبع في مدينة هامبورك بألمانيا سنة 1694 م (=1106هـ تقريباً) كان مضبوطاً برواية حفص عن عاصم (ينظر: كتاب رسم المصحف - طبعة دار عمار - ص 508).

واشتهر من خطاطي الدولة العثمانية الحافظ عثمان (ت1110هـ) الذي كتب بخطه خمسة وعشرين مصحفاً (ينظر: محمد طاهر الكردي: تاريخ الخط العربي ص 339) واشتهرت المصاحف التي خطها الحافظ عثمان في العالم الإسلامي شهرة واسعة " وقد طُبِعَ مصحفه مئات الطبعات في مختلف الأقطار الإسلامية، وانتشر في العالم الإسلامي، وفاق الطبعات السابقة واللاحقة " (وليد الأعظمي: تراجم خطاطي بغداد ص 131)، وهذا قبل ظهور مصحف الأزهر ومصحف المدينة طبعاً.

وطباعة المصاحف برواية حفص عن عاصم كانت تعكس واقع الحال في بلدان المشرق الإسلامي، فلولا انتشار هذه القراءة في هذه البلدان لما أقبل الناشرون على طبع المصاحف بهذه الرواية، لكن الطباعة في الوقت نفسه أسهمت في التمكين لها، وساعدت على دخولها في بقاع جديدة من أرض الإسلام.

وأحسب أن الموضوع يتطلب بحثاً مستمراً لاقتناص الشواهد من المصادر والمصاحف المخطوطة، حتى يمكن في النهاية رسم خارطة لانتشار القراءات القرآنية تستند إلى الوثائق التاريخية وليس إلى الاجتهادات الشخصية، هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

غانم قدوري الحمد


ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[11 Jun 2005, 11:00 ص]ـ
شيخنا الفاضل الدكتور غانم قدوري الحمد جزاكم الله خيرا ونفع بكم

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=30415&highlight=%C7%E1%CA%C7%D1%ED%CE%ED

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[11 Jun 2005, 11:31 ص]ـ
ذكرتم - وفقكم الله ونفع بكم

(
وطباعة المصاحف برواية حفص عن عاصم كانت تعكس واقع الحال في بلدان المشرق الإسلامي، فلولا انتشار هذه القراءة في هذه البلدان لما أقبل الناشرون على طبع المصاحف بهذه الرواية، لكن الطباعة في الوقت نفسه أسهمت في التمكين لها، وساعدت على دخولها في بقاع جديدة من أرض الإسلام.) (

ولكن كانت هناك محاولات لفرض قراءة حفص
انظر على سبيل المثال
ما كتبه الأستاذ لبيب السعيد حول هذا الأمر ومحاولته -جزاه الله خيرا - منع الناس من فرض راوية حفص

وكذا انظر ما كتب حول جهود طباعة المصاحف برواية الدوري في السودان

ثم الا ترون شيخنا - حفظكم الله - أن كل هذا يدل على انتشار ذلك في عصر الدولة العثمانية

بدليل انه في عصر ابن الجزري كانت القراءة المنتشرة في الحجاز والشام ومصر واليمن قراءة أبي عمر
(انظر نص ابن الجزري الذي نقله شيخنا المقرىء السلمي - حفظه الله

ونقلكم النفيس عن أبي حيان - رحمه الله
يدل على ان قراءة عاصم كان لها انتشار في العراق

وابن الجزري وابوحيان في عصر واحد

فمتى حصل التغير في الحجاز والشام ومصر واليمن
ثم متى حصل التغير في العراق
اذ أن القراءة الغالبة في العراق كانت قراءة أبي عمرو
وانظر المصاحف القديمة
انظر على سبيل المثال
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=29865&highlight=%C7%E1%C8%E6%C7%C8

وفيه قول شيخنا السلمي - وفقه الله -
(وقد حملت المصحف الشريف واستمتعت بالنظر إليه ومطالعة جمال خطه وللفائدة فقد وجدت أن المصحف مكتوب وفق رواية الدوري عن أبي عمرو وهي الرواية التي كانت سائدة في معظم أرجاء العالم الإسلامي حتى القرن العاشر الهجري))
بالاضافة الى نص ابن الجزري

وأما قولكم - حفظكم الله -
(وقد يكون للطباعة شأن في التمكين لرواية حفص (
كما ترون - حفظكم الله - انتشار قراءة عاصم في هذه الدول قبل ظهور الطباعة
تأثير طباعة المصاحف برواية حفص هي على المناطق التي احتفظت بالقراءات الأخرى
مثل تونس و المغرب وليبيا والجزائر والسودان ونيجيريا ... الخ
ومع هذا فإن أهل نيجيريا رفضوا قبول المصحف المطبوع بقراءة حفص وارسلوا نسخة من مصحفهم
وطلبوا من الأزهر أن يطعبوا مثل هذا المصحف
وأنهم لن يغيروا القراءة المتواترة عندهم

ذكر ذلك غير واحد

فالطباعة أمرها كما ترون متأخر على انتشار قراءة عاصم في الشام والحجاز ومصر

وتونس وجدت بها مصاحف على قراءة حفص بل وطبعت مصاحف برواية حفص
ومع هذا تمسك سكان تونس بقراءة أهل المدينة

(وأحسب أن تتبع المصاحف المخطوطة، وتحديد القراءات التي ضُبطت بها، والتاريخ الذي كتبت فيه، يمكن أن يرسم خارطة لانتشار القراءات القرآنية زماناً ومكاناً، لأن نَسْخَ المصاحف على قراءة معينة يعني وجود من يقرأ بها في الحقبة التي كتبت فيها، والمكان الذي نسخت فيه)
)
وهذا وان كان قد يستدل به ولكن كما ترون لايمكن الاعتماد عليه فقد ذكرت لكم مثال قريب
وهو وجود مصاحف برواية حفص في تونس

ثم قد نجد مصاحف في العراق على سبيل المثال
بقراءة ابي عمر وهذا لايلزم منه بالضرورة ان القراءة المنتشرة في تلك الحقبة بين العامة هي قراءة ابي عمرو
لأننا قد نجد مصاحف في العراق في نفس الفترة بقراءة أخرى

والله أعلم بالصواب

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[11 Jun 2005, 01:03 م]ـ
وقولكم - حفظكم الله ونفع بكم
(فأقدم مصحف طبع في مدينة هامبورك بألمانيا سنة 1694 م (=1106هـ تقريباً) كان مضبوطاً برواية حفص عن عاصم (
هذا مرده الى ان القراءة المنتشرة في تركيا والشام ومصر والحجاز في تلك الفترة هي قراءة عاصم برواية حفص

فمن المتوقع جدا أن يطبعوا المصحف برواية حفص لان المركز السياسي لبلاد المسلمين تركيا والمركز الثقافي مصر
والقراءة المنتشرة في تركيا ومصر في تلك الفترة قراءة عاصم والمصحف المتدوال بين العامة المصحف المكتوب بقراءة عاصم

وهذا التاريخ (1106 في بداية القرن الثاني عشر الهجري
فمن 923 وحتى 1106
هناك 183 سنة
وهذه الفترة كافية لانتشار قراءة عاصم في الحجاز ومصر والشام

قال شيخنا االسلمي - وفقه الله

(وقد اطلعت على كتب تجويد لعلماء يمنيين مؤلفة في حدود سنة 1370 هـ على وفق رواية الدوري وفيها أنها الرواية المقروء بها في حضرموت وأنحاء كثيرة من اليمن حتى ذلك الوقت)
)

السؤال
ماذا عن الديار التي لم تخضع للدولة العثمانية
مثال الهند والصين وبلاد المسلمين في بلاد ماوراء النهر
في تركستان الشرقية والغربية
واندونيسيا
ماهو سبب انتشار قراءة عاصم في هذه الديار

ماهو
هل هو التأثير الثقافي للعثمانيين على هذه الدول
؟
أم ان قراءة عاصم كانت منتشرة عندهم قبل الدولة العثمانية وانها كانت هي قراءة العامة
وحتى ان قلنا ذلك فمتى اختاروا قراءة عاصم وبرواية حفص عنه
----
مثال ا اندونيسيا وجنوب الهند والجزر هولاء كانوا يخضعون لتأثير حضرمي
فهم شافعية كما ترون فاذا كانت القراءة المنتشرة في حضرموت هي قراءة ابي عمرو
فلا شك أن هذه المناطق كانت تتبع حضرموت (ثقافيا (
فمتى بدأ التغير في هذه المناطق
هل بعد انتشار الطباعة
محل بحث
اما مناطق تركستان والهند فكانت تخضع لحكم المغول ومن تبعهم وقد كانوا من الحنفية
فلا يستغرب منهم تقديم قراءة عاصم

ونحن هنا لانقول أن المذهب الفقهي = السبب الرئيسي في انتشار القراءة
ولكن للمذهب دور في الاختيار والترجيح والقبول





أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[14 Jun 2005, 10:13 ص]ـ
قال الشيخ الضباع - رحمه الله

((إنما ابتدأتُ به لشهرة قراءته بين الناس في جل الأقطار المشرقية و لإجماع العامة عليها في مصر في هذا الزمان.
وكانت قراءة عامة المصريين علي ما ظهر لي من· تتبع سير القراء وتآليفهم منذ الفتح الإسلامي إلي أواخر القرن الخامس الهجري علي طريقة أهل المدنية سيما التي رواها ورش المصري عن نافع القارئ المدني.
· ثم اشتهر بعدها بينهم قراءة أبي عمرو البصري و استمر العمل عليها قراءة وكتابة في مصاحفهم إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري.
ثم حلت محلها قراءة· عاصم بن أبي النجود)
انتهى
وعلى هذا
ه1150
فرواية حفص لم تنتشر في مصر إلا بعد فترة من دخول العثمانيين في منتصف القرن الثاني العاشر الهجري (أي بعد الثلث الأول من القرن الثامن عشر الميلادي).



أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتِم: سألتُ أبي عنه، فقال: «لا يُكْتَب حديثُه، هو ضَعيف الحديث، لا يصدق، متروكُ الحديث». قلت: ما حاله في الحروف؟ قال: «أبو بَكْر بن عَيّاش أثْبت مِنْه».




أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
وقال أبو أحمد بن عَدِي، عن السّاجيّ، عن أحمد بن محمد البَغداديّ، عن يَحْيَى بن مَعين: «كان حَفْص بن سُلَيمان، وأبو بَكْر بن عَيّاش مِن أعلم النّاس بقراءة عاصِم، وكان حَفْص أقْرأ مِن أبي بَكْر، وكان كذّاباً، وكان أبو بكر صَدُوقاً». أي يرى ابن معين أن حفصاً -وإن كان كذاباً في الحديث- فإنه أتقن من أبي بكر لقراءة عاصم. وقد خالفه في ذلك أبو حاتم الرازي كما سبق نقله. ويظهر لي أن كلاهما متقن للقراءة، والله أعلم.

وهناك ملاحظة مهمة كان عليّ أن أشير لها باكراً. وقد سألني أحد المشايخ الأفاضل على الخاص عنها. والذي أريد أن أؤكد على أني لم أقل ولا أقول أن قراءة حفص موضوعة، لأنه مع حدة كلام النقاد عنه، لم يرمه أحد بالكذب في حروف القرآن، بل كلامهم على الحديث النبوي فقط. فلو أنه خالف عاصماً في حرف واحد، لما تهاونوا في ذكر ذلك وتكذيبه. وقراءة عاصم لا تخفى عليهم، فهي المفضلة عند أهل الكوفة، وقد روى عن عاصم الجمع الغفير من كبار المقرئين. ثم هذا حمزة -مع إقرارهم بصلاحه وصدقه وإتقانه- فإن أئمة السلف لم يتوانوا في انتقاد قراءته أشد الانتقاد وإبطال الصلاة خلف من يقرأ بها، مع علمهم بأن أحرفها صحيحة، لكن أحكام التجويد التي فيها (من نحو المبالغة في المد ونحو ذلك) لم يقرأ بها أحد قبل حمزة. ولو كانت قراءة حفص كذلك، لما توانوا عن الطعن بها. فلما لم يحدث ذلك، عرفنا أن قراءة حفص صحيحة. والله أعلم بالصواب.





أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
ـ[محمد الأمين]•---------------------------------•[01 Aug 2005, 04:20 ص]ـ
أخي الفاضل جمال حسني

لا شك أن الدولة العثمانية قد حمت الإسلام لقرون كما تفضلت. لكن لا ننسى أنها كانت من أسباب التخلف العلمي عند المسلمين بسبب تركيزها على الجيش من غير تشجيع لأي من العلوم. ولذلك لم تلبث الحياة العلمية إلا وبدأت بالانقراض بعد عصر سليمان القانوني (العصر الذهبي للدولة).

ثم الدولة العثمانية صوفية قبورية لها اليد الطولى في نشر الخرافات في العالم الإسلامي، وأكثر القبور في بلاد الشام والأناضول التي تعبد من دون الله إنما بنيت في العهد العثماني، كما أن أكثر القبور في مصر تعود للعهد العبيدي.






أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
ـ[المقرئ]•---------------------------------•[01 Aug 2005, 06:52 م]ـ
(بعيدا عما ذكره بعض المشاركين وأخص منهم محمد الأمين فإني أبرأ إلى الله مما كتبت يداه في رواية حفص عن عاصم)

أعتقد أن هناك زاوية في البحث لم تفتح مع أنها من أقرب السبل إلى معرفة زمن انتشار قرءة رواية حفص عن عاصم

ولعلي أبدأ الكلام عليها وهي من اختصاص المفسرين:

يظهر لنا بجلاء بدايات انتشار رواية حفص في العصور المتأخرة من خلال تفسير المفسرين

فلو تتبعنا ما تفرد به حفص عن عاصم من بين القراء ووتتبعنا آراء المفسرين من كل قطر فإنه يفتح لنا مؤشرا قويا حول انتشارها

فمثلا لو نظرنا إلى بعض تفاسير الأندلسيين المختصرة لكشفت لنا بوضوح انتشار قراءة نافع وقد كنت قيدت أمثلة كثيرة في بعض تفاسيرهم انظر على سبيل المثال تفسير ابن أبي زمنين القرطبي رحمه الله يطهر لك هذا جليا
وكذلك لو رجعت إلى الياقونة لغلام ثعلب وهو متقدم جدا تبين لك بعض أثر هذا الموضوع وذلك اقتصاره أحيانا على قراءة واحدة مما تفرد به بعض القراء عن السبعة وكذلك بتقديم تفسير بعض القراءات على الأخرى والتقديم له معنى

ويظهر هذا جليا عند المفسرين الذين لا يعتنون بالقراءات، فأعتقد أن مثل هذا المؤشر يحتاج إلى نظر من إخواننا المفسرين وقد كنت قيدت يعض هذا في بعض كتب التفسير ولعل الله أن ييسر نقله

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[28 Aug 2005, 11:34 ص]ـ
ماذكره شيخنا المقرىء حول تتبع كتب التفاسير حسن ولكن المشكلة أن الطباعة أفسدت كل شيء

فهم يكتبون الآية حسب قراءة حفص
والتفسير في واد والمكتوب شيء آخر
بل أعظم من ذلك
يقول المفسر وقرأ الحسن الشياطون فتجده الشياطين
ونحو ذلك

وقد أشار الى ذلك جمع من العلماء
منهم الشيخ مساعد الطيار كما في كلامه حول تفسير الطبري

وقد تتبعنا بعض التفاسير فوجدنا عجبا
المفسر يفسر معنى والمكتوب بخلاف ذلك
نجده حتى في الوجيز للواحدي
ويظهر لي ان الواحدي اعتمد على قراءة أبي عمرو وانها الراوية التي كانت منتشرة في المشرق
وقد ذكرت ان الزمخشري اعتمد على قراءة أبي عمرو

الشاهد أنك تجد (نشرا) (بشرا) المفسر يفسر تفسير ونجد المكتوب بخلاف ذلك تماما

ولكنا نجد أن رواية حفص عن عاصم كانت منتشرة في بلاد الروم

نجد ذلك في تفسير أبي السعود وهو واضح جلي لايحتاج الى ضرب أمثلة للتأكيد على ذلك
فما ذكره الشيخ الضباع محل بحث
حتى وان كان كلامه حول مصر

نرجع الى موضوعنا نجد في ترجمة بعضهم في سنة 923

في ترجمة عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر (العيدورس كما في النور السافر
(وكان يقرأ لأبي عمرو ونافع ويقرأ لعاصم برواية حفص
)
وهذا النص قد نخرج منه بفائدة جليلة
بيان ذلك
أننا نجد في عصرنا أن قراءة أبي عمرو منتشرة في بلدان وقراءة نافع في بلاد أخرى
وقراءة عاصم برواية حفص في أغلب البلدان
فهي الروايات التي ظلت منتشرة ويقرأ بها العامة

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[28 Aug 2005, 11:38 ص]ـ
وهذا رابط موضوع الدكتور مساعد - حفظه الله - الذي أشرت إليه
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=3975#post3975

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[28 Aug 2005, 11:56 ص]ـ
ومما يدل على عدم انتشار رواية حفص عند كثير ممن هم في طبقة الطبري

قول النحاس - رحمه الله
: وحكى محمد بن الجهم عن الفراء قال: قرأ عاصم والأعمش {وليبدلنهم} مشددة وهذا غلط على عاصم وقد ذكر بعده غلطا أشد منه وهو أنه حكى عن سائر الناس التخفيف

)

وأنت إذا تأملت هذا عرفت أن رواية حفص لم تكن مشهورة منتشرة عند النحاس
وإلا لم يعترض بهذا الاعتراض ولاعتذر لقول الفراء بأنه اراد رواية دون رواية

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[28 Aug 2005, 12:00 م]ـ
بل أننا نجد القرطبي أحيانا لايشير الى خلاف حفص وهذا يدل على أنها لم تكن رواية منتشرة مشهورة بين العامة في عصر القرطبي
والقرطبي في مصر

مع أن القرطبي في عصر قد دونت الكتب وهو ينقل من كتب هذا الفن ورواية حفص منتشرة بين القراءة في بلده الاصلي أو في مصر
وهو يعرف ذلك
ولكنها لم تكن منتشرة بين العامة

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[28 Aug 2005, 12:05 م]ـ
وللفائدة
فهذا تصحيف وقفت عليه في تفسير القرطبي في أكثر من نسخة علما بأني لم أتتبع النسخ

(في القرطبي
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم} نهى المؤمنين أي يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود فقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم} أي تساررتم {فلا تتناجوا} هذه قراءة العامة وقرأ يحيى بن وثاب و عاصم و رويس عن يعقوب فلا تنتجوا من الانتجاء
انتهى
قوله عاصم تصحيف
صوابه حمزة

واحتمال وقوع التصحيف في مثل هذا الحرف وارد
يصعب علي شرحه
لان حمزة لو رسم بطريقة معينة - على طريقة المتقدمين
فقد يقع البعض في خطأ فيظن حمزة = عاصم

والله أعلم

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[28 Aug 2005, 12:11 م]ـ
إلا أن الرواية المنتشرة بالعراق الى عصر متأخر هي رواية أبي بكر بن عياش عن عاصم
-كما تجده في نقول الشيخ الفاضل غانم الحمد - وفقه الله -

لا رواية حفص

نجد في ترجمة بعض العلماء المتأخرين
وقد توفي سنة 755

(وقرأ الشيخ زين الدين القرآن ببغداد على الشيخ عبد الله الواسطي ....
لعاصم من طريق أبي بكر

)
فرواية أبي بكر هي التي كانت تنتشر في العراق لارواية حفص

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[28 Aug 2005, 12:16 م]ـ
وفي ترجمة بعضهم
(
محمد بن بدر الدين الملقب محيي الدين الشهير بالمنشي الرومي الأقحصاري الحنفي المفسر
كان من إجلاء العلماء المحققين صنف تفسيره المشهور واقتصر فيه على قراءة حفص
وشرع فيء تأليفه ببلدته إقحصار من أعمال صار وخان في مستهل شهر رمضان سنة
إحدى وثمانين وتسعمائة وله في هذا التفسير لطائف كثيرة منها إنه استخرج معميين أحدهما
اسم محمد استخرجه من أول سورة الحمد وأول سورة البقرة وفيه عمل عجيب وحله
سهل ممتنع إذا استخراجه على أن تكون ألف ولام الحمد ميما والثاني في اسم هود
واستخرجه من سورة هود من قوله تعالى وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وإشارته
ظاهرة قلت قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء يرشد إلى أمثال هذا الاستخراج على
الوجه الذي لا يبعد عن الطبع من غير احتياج إلى معونة خارجية على أن بعضهم
استخرج اسم هاشم من قوله تعالى والقمر إذا تلاها بالعمل العددي وهو أن عدد قمر
ثلثمائة وأربعون وهي عدد تلاها فهو هاشم وهذا الاستخراج قريب إلى الاستحسان لا
كاستخراج اسم شهاب من قوله تعالى والليل إذا يغشاها على أن يراد من لفظة ليل مرادفه
الفارسي وهو شب غشي ها فهذا وإن كان صحيحا إلا أن استعمال الفارسي فيه بعد
والفقير وقفت على تفسير المنشى هذا فرأيت له عبارات لطيفة مستحسنة وقد قرظ له
عليه جماعة منهم شيخ الإسلام محمد بن محمد بن إلياس المعروف بجوي زاده فقال فيه:
أكرم بتفسير كروض ناضر لم يمل حبر مثله بمحابر
حاو لكل فوائد كقلائد وبدائع خطرت ببال عاطر
بعبارة قد أحكمت وبراعة قد أبكمت لسن البليغ الماهر
شمس المعارف والفضائل أشرقت يهدي سناها كل قلب حائر
مولاي محي الدين دمت منولا من يم فضلك كل در فاخر
)
انتهى
من خلاصة الأثر

تأمل قوله
(واقتصر فيه على قراءة حفص)
هذا يدل على انتشار قراءة حفص
ثانيا ان الاقتصار على قراءة حفص في التفسير جديد
والا لو كان منتشرا لما ذكره

فمن هنا نستطيع فهم هذا الموضوع بشكل أوسع

والله أعلم بالصواب

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[07 Mar 2007, 03:25 م]ـ
ما سبب انتشار رواية حفص؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المستشار: يسري حسين محمد سعد
تاريخ الإضافة: 13/ 02/2007 ميلادي - 25/ 1/1428 هجري
زيارة: 176

--------------------------------------------------------------------------------

السؤال:

سؤال من علي عبد السلام فردوس:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وسائر رسل الله أجمعين سلام الله عليكم أجمعين

أود أن أسال سؤالاً عن رواية حفص عن عاصم هل هي القراءة الأولى للقرآن الكريم؟

ولماذا كان انتشارها أكثر من بقية الروايات في العالم الإسلامي؟

هل رواية حفص هي الأفصح للغة العربية أم هي الأسهل قراءة للناس في لفظها؟

أم هي التي كان يقرؤها الصحابة الكرام كثيرا؟

علما أنا فيها كلمة واحدة ممالة من الألف الى الكسرة هي كلمة (مجرايها) فقط،علما اذا قرأناها من غير إمالة هي فصيحة

_ وماذا عن رواية شعبة عن عاصم لماذا أهملت، مع العلم أن قارئها هو نفس الإمام (عاصم)؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجواب:

الحمد لله الكريم المنان, سابغ النعم والإحسان, الرحيم بأوليائه, يخرجهم من الظلمات إلى النور, ويهديهم إلى سواء السبيل. وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, وعمل بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:

لقد اشتهر في كل طبقة من طبقات الأمة جماعة عنيت بحفظ القرآن الكريم وإقرائه. ولما وقع الخلاف على ما يحتمله رسم المصحف العثماني؛ من التشكيل والإمالة والإدغام والهمز والنقل, وغيرها من القراءات, وتمسك القراء بما أخذوه بالتلقي؛ أجمع أهل العلم على اختيار قارئ مشهور بالثقة والأمانة والنقل من كل مصر للأخذ عنه, بشرط التواتر وموافقة رسم المصحف العثمانى وموافقة اللغة العربية ولو بوجه.
وكان قد اشتهرت قراءات الأئمة السبعة على رأس المئتين في الأمصار, وفي أوائل المئة الثالثة من الهجرة في بغداد جمع ابن مجاهد قراءات أهل المدينة ومكة والشام والبصرة والكوفة؛ على قراءة القراء السبعة. ثم أضيفت القراءات الثلاث؛ قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف, واختير أربعة قراءات من الشواذ. وأُلفت الكتب الكثيرة في القراءات, حتى وصل الحال إلى اختيار قراءات الأئمة العشرة ورواتهم المشهورة, وجرى العمل على ذلك إلى يومنا هذا.
وأصبحت الآن تؤخذ بالتلقي والإقراء بموجب متن الشاطبية والدرة, وطيبة النشر.

وثمة أسباب لانتشار رواية حفص عن عاصم الكوفي منها:
1 - عدم وجوب القراءة بكل القراءات؛ قال تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}.
وجاء في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فاقرؤوا منه ما تَيَسَّرَ". وعند مسلم؛ قال جِبْرِيلُ عليه السَّلام للنبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ, فَأَيُّمَا حَرْفٍ قرأوا عليه فَقَدْ أَصَابُوا". وهذا يفيد اختيار الأيسر, ويفيد عدم وجوب القراءة بكل الروايات, ولو كان واجبًا لوقع الاهتمام الشديد بكل الروايات, وكان لها الانتشار كرواية حفص أو أشد.

فهذا سبب قوي يدفع إلى ترك القراءة التي فيها أعمال كثيرة للغالبية من الناس؛ إلا من كانت عنده الهمة والرغبة في تعلم القراءات والقراءة والإقراء بها, وهم كُثر ولله الحمد والمنة, حتى زاد في هذا العصر الاهتمام بهذا العلم الجليل, وإني لأذكر أنه كان في كل مصر معهد واحد لتدريس القراءات, والآن في كل محافظة معهد لتعليم القراءات.
ولما كانت قراءة حفص من السهولة واليسر بمكان - كما سيأتي تفصيله في السبب الرابع - لا جرم كَثُر إقبال الناس عليها تلاوة وحفظًا وتعليمًا.

2 - اشتهرت روايته عن عاصم بن أبي النجود في الكوفة وكانت دار الخلافة حينئذ, يفد إليها العلماء وطلاب العلم, وكان حفص متفرغًا للإقراء عن غيره من القراء, ولما انتقلت الخلافة إلى بغداد انتقل حفص إليها, وأيضًا جاور بمكة وأقرأ بها, ومكة محل التقاء علماء العالم الإسلامي. ودار الخلافة بغداد كانت محط العلماء والمتعلمين, وكَثُر فيها الناس لوفرة العيش فيها؛ فاشتهرت روايته في بغداد أيضًا, وكثر عدد الآخذين لرواية حفص, ومن ثم انتشرت في سائر البلدان, وخاصة بلاد المشرق, وكان السائد في بلاد المغرب قراءة ورش وأبي عمرو.
فزيادة العناية بقراءة حفص في هذا الوقت؛ بالإقراء والتلقين والتدوين, وكتابة المصحف بما يوافقها وتداوله؛ سببًا قويًّا وعاملاً أساسًا في رواجها وانتشارها.
والذي يغلب على الظن أن هذه القراءة ظلت تتنقل مع الدولة في دور الخلافة من عصر إلى عصر؛ قراءة وتعليمًا وكتابة في المصاحف, حتى في عصرنا هذا.

3 - إتقان حفص لروايته عن عاصم, وقوة سنده من الأسباب المهمة في انتشار روايته؛ إذ يقول الشاطبي:
فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعَاصِمٌ اسْمُهُ فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَلاَ
وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفضَّلاَ

وذلك أن حفصًا كان ابن زوجة شيخه عاصم بن أبي النجود, وكان معه في دار واحدة.
قال أبو عمرو الداني: وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة, ونزل بغداد فأقرأ بها, وجاور بمكة فأقرأ بها أيضًا. وقال ابن المنادي: وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر ابن عياش - يعني: شعبة - ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم, وأقرأ الناس دهرًا, وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى علي رضي الله عنه. يعني: سندًا.
فثناء الفقهاء والعلماء على إتقانه وضبط قراءته أدى إلى الإقبال الشديد على روايته.
4 - إن قراءة حفص يسيرة سهلة الأداء, والنفس ترغب في التيسير, والرواية ليس فيها عمل كثير إضافي كغيرها من قراءة الكوفيين؛ فضلاً عن غيرهم, كالإمالة الكثيرة في قراءة حمزة والكسائي وخلف - وهم قراء الكوفة -, وأيضًا المد المشبع في المنفصل والمتصل, والسكت المتكرر على الهمز الذي قبله ساكن موصولاً كان أم مفصولاً, والوقف على الهمز في قراءة حمزة وهشام, وإمالة هاء التأنيث حال الوقف عند الكسائي, والمدود أيضًا في قراءة ورش عن نافع, أو صلة ميم الجمع وسكونها واختلاف المد المنفصل في قراءة قالون عن نافع أيضًا, والصلة المتكررة أيضًا في قراءة ابن كثير المكي وأبي جعفر المدني, أو الإدغام الكثير للمثلين الكبير والمتقاربين في رواية السوسي عن أبي عمرو, أو العمل في الهمز المتتالي سواء كان في كلمة أو كلمتين, عند نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر؛ وهذا يعد عاملاً آخر للإقبال على رواية حفص.

5 - كما تعد أيضًا طباعة المصاحف برسم قراءة حفص؛ عاملاً أساسًا في انتشار هذه الرواية على مر العصور, وخاصة في هذا العصر الذي انتشرت فيه الطباعة بمختلف أنواعها ولا تجد أرضًا إلا والغالب فيها المصاحف المطبوعة برواية حفص عن عاصم، اللهم إلا النذر من بلاد المغرب وإفريقيا؛ الذي بدأ يغزوها هذا الانتشار الواسع لمطبوعات المصاحف الجديدة.

6 - الإذاعات والمرئيات بمختلف أنواعها؛ من القديم إلى الحديث كان الغالب فيها إذاعة رواية حفص. وهذا شيء ملحوظ ومشاهد. وكان أول تسجيل صوتي للقرآن الكريم في العالم الإسلامي بصوت الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص.

7 - تدريس القرآن برواية حفص في المدارس والمعاهد والجامعات والكتاتيب في أغلب الأقطار؛ حتى في معاهد القراءات بداية يدرسون القرآن برواية حفص؛ تلاوة وحفظًا وتجويدًا, ثم يُبنى عليها بقية القراءات العشر المتواترة, والأربعة من الشواذ.

8 - وثمة سبب لعله هو أقوى الأسباب وأهمها: أن الله عزَّ جلَّ قد وضع لهذه الرواية القبول والإقبال, لأسباب نعلمها أو لا نعلمها؛ فهي مع ذلك لا تنفي القراءات الأخرى وأهميتها, ولا تحط من شأنها فكلٌّ كلام رب العالمين, وتنزيل من حكيم حميد. والله تعالى أعلى وأعلم.

كما ندعو أهل الاختصاص في هذا العلم, إلى العمل على نشره وتداوله بين المسلمين, وتسجيل القراءات وإذاعتها على الناس؛ تلاوة وتعليمًا, وترغيبهم فيها, واتخاذ الطرق التي تيسرها لهم؛ ليتعرفوا كلام الله بحلاوته وطلاوته.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والعمل الصالح.

انتهى

المصدر موقع الألوكة http://www.alukah.net/Counsels/CounselDetails.aspx?CounselID=18

http://www.alukah.net/Counsels/CounselDetails.aspx?CounselID=18

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[07 Mar 2007, 03:32 م]ـ
وفي الموضوع أعلاه تعقب على بعض ما جاء في رد الأستاذ
(المستشار: يسري حسين محمد سعد
) - وفقه الله

يعرف ذلك من قراءة الموضوع والحوار
ومن الموضوع الآخر الذي وضعت رابطه في المشاركة رقم

ـ[ابن وهب]•---------------------------------•[22 Oct 2008, 09:31 ص]ـ
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=64387#post64387






أرشيف ملتقى أهل التفسير (ص: 0)
اما مناطق تركستان والهند فكانت تخضع لحكم المغول ومن تبعهم وقد كانوا من الحنفية
فلا يستغرب منهم تقديم قراءة عاصم

ونحن هنا لانقول أن المذهب الفقهي = السبب الرئيسي في انتشار القراءة
ولكن للمذهب دور في الاختيار والترجيح والقبول





فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (4/ 26)
السؤال الثالث من الفتوى رقم (7339) :
س3: هل يجوز قراءة القرآن في الصلاة برواية ورش، علما بأنا تداولنا القراءة برواية حفص عن عاصم؟
ج3: القراءة برواية ورش عن نافع صحيحة معتبرة في نفسها لدى علماء القراءات، لكن القراءة بها لمن لم يعهدها، بل عهد غيرها -كالقراءة برواية حفص مثلا- تثير بلبلة في نفوس المأمومين، فتترك القراءة بها لذلك، أما إذا كان القارئ بها في صلاته منفردا فيجوز؛ لعدم المانع.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز