وكان السيد بن محمد رحمه الله بلا شك كيسانيا ( 3 ) يذهب إلى أن
محمد بن الحنفية رضي الله عنه ( 4 ) هو القائم المهدي وأنه مقيم في جبال
رضوى وشعره في ذلك يدل على أنه كما ذكرنا كيسانيا فمن قوله :
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * وبنا إليه من الصبابة ألوق
حتى متى وإلى متى وكم المدى * يا ابن الوصي وأنت حي ترزق
إني لآمل أن أراك وأنني * من أن أموت ولا أراك لأفرق ( 1 )
غير أنه رحمه الله رجع عن ذلك وذهب إلى إمامة الصادق عليه السلام
وقال : تجعفرت باسم الله والله أكبر * وأيقنت أن الله يعفو ويغفر ( 2 )
ومن زعم أن السيد أقام على الكيسانية فهو بذلك كاذب عليه وطاعن
فيه ، ومن أوضح ما دل على بطلان ذلك دعاء الصادق عليه السلام وثناؤه عليه
فمن ذلك :
ما أخبرنا به أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرني محمد بن يحيى
اللؤلؤي قال حدثنا أبو العيناء قال حدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : قيل لأبي
عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام : وذكر عنده السيد بأنه ينال من
الشراب فقال عليه السلام : إن كان السيد زلت به قدم فقد ثبت له أخرى ( 3 ) .
وأخبرنا أبو عبيدة المرزباني قال : حدثني بعض أصحابنا عن محمد بن
زكريا الغلابي عن محمد بن عباد بن صهيبي عن أبيه قال : كنت عند أبي
عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فذكر السيد فدعا له فقال له يا ابن
رسول الله : أتدعو له وهو يشرب الخمر ويشتم أبا بكر وعمر ويوقن بالرجعة ؟
فقال حدثني أبي عن أبيه علي بن الحسين إن محبي آل محمد لا يموتون إلا
تائبين وأنه قد تاب ثم رفع رأسه وأخرج من مصلى عليه كتابا من السيد يتوب
فيه مما كان عليه ( 1 ) وفي آخر الكتاب :
أيا راكبا نحو المدينة جسرة * إلى آخرها . . .
أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرني الصولي قال حدثنا عمر بن
تركي القاضي قال حدثنا الفخدمي قال حدثني خلف الحادي ( 2 ) قال : قدم
السيد من الأهواز بمال ورقيق وكراع فجأته مهنئا له فقال لي : إن أبا بجير ( 3 )
إمامي وكان يعيرني بمذهبي ويأمل مني تحولا إلى مذهبه فكتبت أقول له قد
انتقلت إليه وقلت :
أيا راكبا نحو المدينة جسرة * عذافرة يطوي بها كل سبب
إذا ما هداك الله عاينت جعفرا * فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه * أتوب إلى الرحمان ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مبطنا * معاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد * وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى * ستيرا كفعل الخائف المترقب
فيقسم أموال الفقيد كأنما * تعيبه بين الصفى المنصب
فيمكث حينا ثم ينبع نبعة * كنبعة جدي من الأفق كوكب
يسير بنصر الله من بيت ربه * على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه * فيقتلهم قتلا كحران مغضب
فلما روى أن ابن خولة غايب * صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنا هو المهدي والقائم الذي * يعيش به من عدله كل مجدب
فإن قلت لا فالحق قولك والذي أمرت فحتم غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجة * على الخلق طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي * تطلع نفسي نحوه يتطرب
له غيبة لا بد من أن يغيبها * فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه * فيملأ عدلا كل شرق ومغرب
بذاك أدين الله سرا وجهرة * ولست وإن عوتبت فيه بمعتب ( 1 )
ثم قال : فقال له أبو بجير يوما : لو كان مذهبك الإمامة لقلت فيها شعرا
فأنشدته هذه القصيدة فسجد ، وقال : الحمد لله الذي لم يذهب حبي لك باطلا
ثم أمر لي بما ترى .
أخبرنا أبو عبيدة المرزباني قال : حدثني محمد بن يحيى قال : حدثنا
أبو حفص السلمي قال حدثنا المازني قال : أخبرني حردان عن أبي
حردان . . .
عن خلف الحادي قال : قلت للسيد ما معنى قولك :
عجبت لكر صروف الزمان * وأمر أبي خالد ذي البيان
ومن رده الأمر لا ينثني * إلى الطيب الطهر نور الجنان
علي ومن كان من عمه * برد الإمامة عطف العنان
وتحكيمه حجرا أسودا * وما كان من نطقه المستبان
بتسليم عم بغير امتراء * إلى ابن أخ منطقا باللسان
شهدت بذلك صدقا كما * شهدت بتصديق آي القرآن
علي إمامي لا أمتري * وخليت قولي بكان وكان
قال لي كان حدثني علي بن شجرة عن أبي بجير عن الصادق أبي
عبد الله عليه السلام أن أبا خلد الكابلي كان يقول بإمامة محمد بن الحنفية ،
الأغاني، ج7، ص: 167
10- أخبار السيّد الحميريّ
نسبه
: السيّد لقبه. و اسمه إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميريّ. و يكنى أبا هاشم. و أمه امرأة من الأزد ثم من بني الحدّان. و جدّه يزيد بن ربيعة، شاعر مشهور، و هو الذي هجا زيادا [1] و بنيه و نفاهم عن آل حرب؛ و حبسه عبيد [2] اللّه بن زياد لذلك و عذّبه، ثم أطلقه معاوية. و خبره في هذا طويل يذكر في موضعه [3] مع سائر أخباره؛ إذ كان الغرض هاهنا ذكر أخبار السيّد.
و وجدت في بعض الكتب عن إسحاق بن محمد النّخعيّ قال: سمعت ابن عائشة و القحذميّ يقولان: هو يزيد بن مفرّغ، و من قال: إنه يزيد بن معاوية فقد/ أخطأ. و مفرّغ لقب ربيعة؛ لأنه راهن أن يشرب عسّا من لبن فشربه حتى فرّغه؛ فلقّب مفرّغا. و كان شعّابا [4] بسيالة، ثم صار إلى البصرة.
شاعر متقدّم مطبوع، و ترك شعره لذمة الصحابة
: و كان شاعرا متقدّما مطبوعا. يقال: إن أكثر الناس شعرا في الجاهلية و الإسلام ثلاثة: بشّار، و أبو العتاهية، و السيّد؛ فإنه لا يعلم أن أحدا قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع.
و إنما مات ذكره و هجر الناس شعره لما كان يفرط فيه من سبّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أزواجه في شعره و يستعمله من قذفهم و الطعن عليهم،/ فتحومي شعره من هذا الجنس و غيره لذلك، و هجره الناس تخوّفا و تراقبا [5]. و له طراز من الشعر و مذهب قلّما يلحق فيه أو يقاربه. و لا يعرف له من الشعر كثير. و ليس يخلو من مدح بني هاشم أو ذمّ غيرهم ممّن هو عنده ضدّ لهم. و لو لا أنّ أخباره كلّها تجري هذا المجرى و لا تخرج عنه لوجب ألّا نذكر منها شيئا؛ و لكنّا شرطنا أن نأتي بأخبار من نذكره من الشعراء؛ فلم نجد بدّا من ذكر أسلم ما وجدناه له و أخلاها من سيّ ء اختياره [6] على قلّة ذلك ..
كان أبواه إباضيين و لما تشيع هما بقتله
: أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ عن إسماعيل بن الساحر راوية السيّد، قال ابن عمّار و حدّثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه:
__________________________________________________
[1] هو زياد ابن أبيه الأموي. كان واليا على العراق في أيام معاوية بن أبي سفيان.
[2] هو عبيد اللّه بن زياد ابن أبيه، ولى العراق لمعاوية ثم لابنه يزيد. و هو الذي أمر بقتال الحسين بن علي رضي اللّه عنه.
[3] ذكرت ترجمته في «الأغاني» (ج 17 ص 51- 73 طبع بولاق).
[4] الشعاب: مصلح الشعب و هو الصدع يكون في الإناء. و السيالة: أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
[5] لعله: «توقيا».
[6] لعله: «و أخلاه من سيء أخباره».
الأغاني، ج7، ص: 168
أن أبوى السيّد كانا إياضيّين [1]، و كان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبّة، و كان السيّد يقول: طالما سبّ أمير المؤمنين في هذه الغرفة. فإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له، قال: غاصت عليّ الرحمة غوصا.
و روي عن السيّد أن أبويه لمّا علما بمذهبه همّا بقتله؛ فأتى عقبة [2] بن سلّم الهنائيّ فأخبره بذلك، فأجاره و بوّأه منزلا وهبه له، فكان فيه حتى ماتا فورثهما.
قال راويته: إنه على مذهب الكيسانية
: و قد أخبرني الحسن [3] بن علي البرّيّ عن محمد بن عامر عن القاسم بن الرّبيع عن أبي داود سليمان بن سفيان المعروف بالحنزق [4] راوية السيّد الحميريّ قال: ما مضى و اللّه إلّا على مذهب الكيسانيّة [5]. و هذه القصائد التي يقولها الناس مثل:
تجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر
و
تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا
و قوله:
أيا راكبا نحو المدينة جسرة [6] عذافرة تهوي بها كلّ سبسب
إذا ما هداك اللّه لاقيت جعفرا فقل يا أمين اللّه و ابن المهذّب
لغلام للسيّد يقال له قاسم الخيّاط، قالها و نحلها للسيّد، و جازت على كثير من الناس ممّن لم يعرف خبرها، بمحل قاسم منه و خدمته إيّاه.
أوصافه الجسمية و مواهبه
: أخبرني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبو جعفر الأعرج ابن بنت الفضيل [7] بن بشّار قال:
كان السيّد أسمر، تامّ القامة، أشنب [8]، ذا وفرة [9]، حسن الألفاظ، جميل الخطاب، إذا تحدّث في مجلس قوم أعطى كلّ رجل في المجلس نصيبه من حديثه.
__________________________________________________
[1] الإباضية (بكسر الهمزة): أصحاب عبد اللّه بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد، و هم قوم من الحرورية، زعموا أن مخالفهم كافر لا مشرك تجوز مناكحته. و كفروا عليا و أكثر الصحابة. (انظر «شرح القاموس» مادة أبض و «الملل و النحل» للشهرستاني).
[2] هو عقبة بن سلّم الهنائي من بني هناءة (بطن من الأزد). ولي البصرة لأبي جعفر المنصور. (انظر الكلام عليه في «الطبري» ق 3 ص 145، 146، ص 344، 352، 353).
[3] في أ، م: «الحسين».
[4] في أ، ء، م: «الحترق».
[5] الكيسانية: فرقة من الشيعة الإمامية، و هم أصحاب كيسان مولى علي بن أبي طالب، و قيل: هو تلميذ لمحمد بن الحنفية. يجمعهم القول بأن الدين طاعة رجل. و مذهبهم مبسوط في علم الكلام.
[6] الجسرة: العظيمة من الإبل. و العذافرة: الشديدة منها.
[7] في أ، ء، م: «الفضل».
[8] الشنب: البياض و البريق و التجديد في الأسنان.
[9] الوفرة: ما جاوز شحمة الأذنين من الشعر.
الأغاني، ج7، ص: 169
حديث الفرزدق عنه و عن عمران بن حطان
: أخبرني أحمد قال حدّثني محمد بن عبّاد عن أبي عمرو الشّيبانيّ عن لبطة [1] بن الفرزدق قال:
/ تذاكرنا الشعراء عند أبي، فقال: إن هاهنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنّا معهما في شيء. فسألناه من هما؟ فقال: السيّد الحميريّ و عمران بن حطّان السّدوسيّ [2]، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ قد شغل كلّ واحد منهما بالقول في مذهبه.
كان نتن الإبطين
: أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثني/ عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبو جعفر ابن بنت الفضيل [3] بن بشار قال:
كان السيّد أسمر، تامّ الخلقة، أشنب، ذا وفرة، حسن الألفاظ، و كان مع ذلك أنتن الناس إبطين، لا يقدر أحد على الجلوس معه لنتن رائحتهما.
مدح الأصمعي شعره و ذم مذهبه
: قال حدّثني التّوزيّ قال: رأى الأصمعيّ جزءا فيه من شعر السيّد، فقال: لمن هذا؟ فسترته عنه لعلمي بما عنده فيه؛ فأقسم عليّ أن أخبره فأخبرته؛ فقال: أنشدني قصيدة منه؛ فأنشدته ثم أخرى و هو يستزيدني، ثم قال:
قبحه اللّه ما أسلكه لطريق الفحول! لو لا مذهبه و لو لا ما في شعره ما قدّمت عليه أحدا من طبقته.
مدح أبو عبيدة شعره
: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم قال: سمعت أبا عبيدة يقول: أشعر المحدثين السيّد الحميريّ و بشار.
قال راويته: إنه على مذهب محمد بن الحنفية
: أخبرني عمّي قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ عن أبي شراعة القيسيّ عن مسعود بن بشر:
/ أن جماعة تذاكروا أمر السيّد، و أنه رجع عن مذهبه في ابن الحنفيّة [4] و قال بإمامة جعفر [5] بن محمد. فقال
__________________________________________________
[1] في الأصول: «ليطه» بالياء المثناة من تحت. و التصويب عن «القاموس» مادة «لبط».
[2] كذا في ح: و ج 16 ص 152 من «الأغاني» طبع بولاق، و قد وردت فيه ترجمته. و في سائر الأصول هنا: «الدوسي»، و هو تحريف.
[3] انظر الحاشية رقم 5 في الصفحة السابقة.
[4] هو محمد بن علي بن أبي طالب، و أمه خولة بنت جعفر من بني حنيفة، و كنيته أبو القاسم. و كانت الكيسانية التي ذكرت آنفا و التي منها السيد الحميري تعتقد إمامته و أنه بجبل رضوى (جبل بالمدينة) في شعب منه و أنه لم يمت، دخل الجبل و معه أربعون من أصحابه و لم يوقف لهم على خبر، و هم أحياء يرزقون. و يقولون: إنه مقيم في هذا الجبل بين أسد و نمر و عنده عينان نضاختان تجريان عسلا و ماء، و أنه يرجع إلى الدنيا فيملؤها عدلا. و قد زعمت الشيعة أنه المهدي. هكذا ذكره ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (ج 1 ص 640 طبع بولاق) و «تهذيب التهذيب». و قد تضمنت القصيدة الدالية الواردة في هذه الترجمة جميع ما ذكر.
[5] هو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ذكر في «الملل و النحل» بعد كلام كثير: «و الشيعة متفقون في سوق الإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق مختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده». و جاء في
الأغاني، ج7، ص: 170
ابن الساحر راويته: و اللّه ما رجع عن ذلك و لا القصائد الجعفريّات إلا منحولة له قيلت بعده. و آخر عهدي به قبل موته بثلاث و قد سمع رجلا [1] يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال لعليّ عليه السّلام: «إنه سيولد لك بعدي ولد و قد نحلته اسمي و كنيتي» فقال في ذلك و هي آخر قصيدة قالها:
أشاقتك المنازل بعد هند و تربيها و ذات الدّلّ دعد
منازل أقفرت منهنّ محّت [2] معالمهن من سبل [3] و رعد
و ريح حرجف [4] تستنّ فيها بسافي التّرب تلحم ما تسدّي
ألم يبلغك و الأنباء تنمي مقال محمد فيما يؤدّي
إلى ذي علمه الهادي على و خولة خادم في البيت تردي [5]
/ألم تر أنّ خولة سوف تأتي بواري الزّند صافي الخيم [6] نجد
يفوز بكنيتي و اسمي لأنّي نحلتهماه [7] و المهديّ بعدي
يغيّب عنهم حتى يقولوا تضمّنه بطيبة بطن لحد
سنين و أشهرا و يرى برضوى بشعب بين أنمار و أسد
مقيم بين آرام و عين و حفّان [8] تروح خلال ربد
تراعيها السّباع و ليس منها ملاقيهنّ مفترسا بحدّ
أمنّ به الرّدى فرتعن طورا [9] بلا خوف لدى مرعى و ورد
حلفت بربّ مكة و المصلّى و بيت طاهر الأركان فرد
يطوف به الحجيج و كلّ عام يحلّ لديه وفد بعد وفد
لقد كان ابن خولة غير شك صفاء ولايتي و خلوص ودّي
فما أحد أحبّ إليّ فيما أسرّ و ما أبوح به و أبدي
سوى ذي الوحي أحمد أو عليّ و لا أزكى و أطيب منه عندي
__________________________________________________
«الملل و النحل» أيضا: «الباقرية و الجعفرية الواقفة أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر و ابنه جعفر الصادق قالوا بإمامتهما و إمامة والدهما زين العابدين إلا أن منهم من توقف على واحد منهما». ( «الملل و النحل» ص 124- 125).
[1] في ح: «راويا».
[2] محت: عفت.
[3] السبل: المطر. و في ب، س: «سيل» بالياء المثناة.
[4] ريح حرجف: باردة. و تستن: تعدو فيها إقبالا و إدبارا.
[5] تردي: تلعب، يقال: الجواري يردين رديا إذا رفعن رجلا و مشين على أخرى يلعبن.
[6] الخيم: الطبيعة و السجية.
[7] في الأصول: «نحلتهما هو المهدي».
[8] الحفان: صغار النعام.
[9] كذا بالأصل و لعله: «صورا» جمع صوراء و هي المائلة العنق على أن يكون المراد أنها لا ترفع رأسها خوف ما يزعجها.
الأغاني، ج7، ص: 171
/
و من ذا يابن خولة إذ رمتني بأسهمها المنّية حين وعدي
يذبّب عنكم و يسدّ مما تثلّم من حصونكم كسدّي
و ما لي أن أمرّ به و لكن أؤمّل أن يؤخّر يوم فقدي
فأدرك دولة لك لست فيها بجبّار فتوصف بالتّعدّي
على قوم بغوا فيكم علينا لتعدي منكم [1] يا خير معد
لتعل بنا عليهم حيث كانوا بغور من تهامة أو بنجد
/ إذا ما سرت من بلد حرام إلى من بالمدينة من معدّ
و ما ذا غرّهم و الخير منهم بأشوس [2] أعصل الأنياب ورد
و أنت لمن بغى وعدا و أذكى عليك الحرب و استرداك مرد
في البيتين الأوّلين من هذه القصيدة غناء، نسبته:
صوت
أشاقتك المنازل بعد هند و تربيها و ذات الدّلّ دعد
منازل أقفرت منهنّ محّت معالمهن من سبل و رعد
عروضه من الوافر. الشعر للسيّد الحميريّ. و الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن يحيى المكيّ. و ذكر الهشاميّ أنه لكردم. و ذكر عمرو بن بانة أن اللّحن لمالك ثقيل أوّل بالوسطى.
ذكر إسماعيل بن الساحر مذهبه و كان راويته
: و قال إسماعيل بن الساحر راوية السيّد: كنت عنده يوما في جناح له، فأجال بصره فيه ثم قال: يا إسماعيل، طال و اللّه ما شتم أمير المؤمنين عليّ في هذا الجناح. قلت: و من كان يفعل؟ قال: أبواي. و كان يذهب مذهب الكيسانيّة و يقول بإمامة محمد بن الحنفيّة، و له في ذلك شعر كثير. و قد روى بعض من لم تصحّ روايته أنه رجع عن مذهبه و قال بمذهب الإماميّة [3]، و له في ذلك:
تجعفرت باسم اللّه و اللّه أكبر و أيقنت أنّ اللّه يعفو و يغفر
/ و ما وجدنا ذلك في رواية محصّل، و لا شعره أيضا من هذا الجنس و لا في هذا المذهب، لأن هذا شعر ضعيف يتبيّن التوليد فيه، و شعره في قصائده الكيسانيّة مباين لهذا جزالة و متانة، و له رونق و معنى ليسا لما يذكر عنه في غيره.
__________________________________________________
[1] يقال: استعداه فأعداه أي استنصره فنصره. و يحتمل أن «منكم» صفة لمحذوف أي لتنصر حزبا أو فريقا منكم.
[2] الشوس: النظر بمؤخر العين و إمالة الوجه في شق العين التي ينظر بها، و يكون ذلك من الكبر و التيه أو الغضب. و أعصل الأنياب:
معوجها.
[3] الإمامية: هم القائلون بإمامة علي عليه السّلام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نصا ظاهرا و تعيينا صادقا من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين.
(انظر الكلام على ذلك بإسهاب في «الملل و النحل» ص 122 طبع أوروبا).
الأغاني، ج7، ص: 172
مدح الأصمعي شعره و ذم مذهبه
: أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمد بن يزيد الثّماليّ قال حدّثني التّوّزيّ قال قال لي الأصمعيّ:
أحبّ أن تأتيني بشيء من شعر هذا الحميريّ فعل اللّه به و فعل؛ فأتيته بشيء منه؛ فقرأه فقال: قاتله اللّه! ما أطبعه و أسلكه لسبيل الشعراء! و اللّه لو لا ما في شعره من سبّ السّلف لما تقدّمه من طبقته أحد.
مدح أبو عبيدة شعره و كان يرويه
: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:
أتيت أبا عبيدة معمر بن المثنّى يوما و عنده رجل من بني هاشم يقرأ عليه كتابا؛ فلما رآني أطبقه. فقال له أبو عبيدة: إن أبا زيد ليس ممّن يحتشم منه، فأقرأ. فأخذ الكتاب و جعل يقرؤه، فإذا هو شعر السيّد. فجعل أبو عبيدة يعجب منه و يستحسنه. قال أبو زيد: و كان أبو عبيدة يرويه. قال: و سمعت محمد/ بن أبي بكر المقدّميّ يقول:
سمعت جعفر [1] بن سليمان الضّبعي ينشد شعر السيّد.
أخبرني ابن دريد قال: سئل أبو عبيدة من أشعر المولّدين؟ قال: السيّد و بشّار.
كثرة شعره و عدم الإحاطة به
: و قال الموصليّ حدّثني عمّي قال:
جمعت للسيّد في بني هاشم ألفين و ثلاثمائة قصيدة؛ فخلت أن قد استوعبت شعره، حتى جلس إليّ يوما رجل ذو أطمار رثّة، فسمعني أنشد شيئا من شعره،/ فأنشدني له ثلاث قصائد لم تكن عندي. فقلت في نفسي: لو كان هذا يعلم ما عندي كلّه ثم أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجيبا، فكيف و هو لا يعلم و إنما أنشد ما حضره! و عرفت حينئذ أن شعره ليس ممّا يدرك و لا يمكن جمعه كله.
رأي بشار فيه
: أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن ابن عائشة قال:
وقف السيّد على بشّار و هو ينشد الشعر؛ فأقبل عليه و قال:
أيّها المادح العباد ليعظى إنّ اللّه ما بأيدي العباد
فاسأل اللّه ما طلبت إليهم و ارج نفع المنزّل العوّاد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه و تسمّي البخيل باسم الجواد
قال بشّار: من هذا؟ فعرّفه؛ فقال: لو لا أن هذا الرجل قد شغل عنّا بمدح بني هاشم لشغلنا، و لو شاركنا في مذهبنا لأتعبنا. و روي في هذا الخبر أنّ عمران بن حطّان الشّاري [2] خاطب الفرزدق بهذه المخاطبة و أجابه بهذا الجواب.
__________________________________________________
[1] يكني أبا سليمان النصري، كان ينزل في بني ضبيعة فنسب إليهم. و هو حسن الحديث معروف بالتشيع. (انظر «تهذيب التهذيب» ج 1 ص 96).
[2] الشاري: أحد الشراة و هم طائفة من الخوارج يزعمون أنهم شروا أنفسهم و ابتاعوا آخرتهم بدنياهم. قال أحدهم و هو معدان الإيادي:
الأغاني، ج7، ص: 173
إذا قال في شعره «دع ذا» أتى بعده سب السلف
: أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن سعيد بن المسيّب عن أبي سعيد السكّريّ عن الطّوسيّ قال: إذا رأيت في شعر السيّد «دع ذا» فدعه؛ فإنه لا يأتي بعده إلا سبّ السّلف أو بليّة من بلاياه.
قال له ابن سيرين في رؤيا قصها عليه: تكون شاعرا
: و روى الحسن بن عليّ بن المعتزّ الكوفيّ عن أبيه عن السيّد قال: رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في النوم و كأنه [1] في حديقة سبخة [2] فيها نخل طوال و إلى جانبها أرض كأنها/ الكافور ليس فيها شيء؛ فقال: أتدريّ لمن هذا النخل؟ قلت:
لا يا رسول اللّه؛ قال: لامرىء القيس بن حجر، فاقلعها و اغرسها في هذه الأرض ففعلت. و أتيت ابن سيرين فقصصت رؤياي عليه؛ فقال: أتقول الشعر؟ قلت: لا؛ قال: أما إنك ستقول شعرا مثل شعر امرىء القيس إلا أنّك تقوله [3] في قوم بررة أطهار. قال: فما انصرفت إلّا و أنا أقول الشعر.
أنشد غانم الوراق من شعره لجماعة فمدحوه
: قال الحسن و حدّثني غانم الورّاق قال: خرجت إلى بادية البصرة فصرت إلى عمرو بن تميم، فأثبتني بعضهم فقال: هذا الشيخ و اللّه راوية. فجلسوا إليّ و أنسوا بي، و أنشدتهم، و بدأت بشعر ذي الرمّة فعرفوه، و بشعر جرير و الفرزدق فعرفوهما؛ ثم أنشدتهم للسيّد:
أتعرف رسما بالسّويّين [4] قد دثر عفته أهاضيب [5] السحائب و المطر
و جرّت به الأذيال ريحان خلفة صبا و دبور بالعشيّات و البكر
منازل قد كانت تكون بجوّها هضيم الحشاريّا الشّوى سحرها النظر
قطوف الخطا خمصانة بختريّة [6] كأنّ محيّاها سنا دارة القمر
رمتني ببعد بعد قرب بها النّوى فبانت و لمّا أقض من عبدة الوطر
و لما رأتني خشية البين موجعا أكفكف منّي أدمعا فيضها [7] درر
/ أشارت بأطراف إليّ و دمعها كنظم جمان خانه السّلك فانتثر
و قد كنت ممّا أحدث البين حاذرا فلم يغن عنّي منه خوفي و الحذر
__________________________________________________
سلام على من بايع اللّه شاربا و ليس على الحرب المقيم سلام
[1] في أ، ء، م: «و كان».
[2] السبخة: الأرض التي تعلوها الملوحة و لا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.
[3] كذا في ح. و في ب، أ، ء، م: «تقول». و في س: «تقوم له» و هو تحريف.
[4] كذا في أ، ء، م. و في سائر الأصول: «الثوبين» و لم نقف عليها.
[5] الأهاضيب: حلبات القطر.
[6] البخترية: الحسنة المشية و الجسم.
[7] كذا في ح. و في سائر الأصول: «بيضها» بالباء الموحدة، و هو تحريف.
الأغاني، ج7، ص: 174
/ قال: فجعلوا يمرّقون [1] لإنشادي و يطربون، و قالوا: لمن هذا؟ فأعلمتهم؛ فقالوا: هو و اللّه أحد المطبوعين، لا و اللّه ما بقي في هذا الزمان مثله.
له من الشعر ما يجوز أن يقرأ على المنابر
: أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزبير بن بكّار قال: سمعت عمّي يقول:
لو أنّ قصيدة السيّد التي يقول فيها:
إنّ يوم التطهير يوم عظيم خصّ بالفضل فيه أهل الكساء [2]
قرئت على منبر ما كان فيها بأس، و لو أن شعره كلّه كان مثله لرويناه و ما عيّبناه.
و أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا العباس بن ميمون طائع قال حدّثنا نافع عن التّوّزيّ بهذه الحكاية بعينها فإنّه قالها في:
إن يوم التّطهير يوم عظيم
قال: و لم يكن التّوّزيّ متشيّعا.
سمع أعرابي شعره ففضله على جرير
: قال عليّ بن المغيرة حدّثني الحسين بن ثابت قال:
قدم علينا رجل بدويّ و كان أروى الناس لجرير، فكان ينشدني الشيء من شعره، فأنشد في معناه للسيّد حتى أكثرت. فقال لي: ويحك! من هذا؟ هو و اللّه أشعر من صاحبنا.
مدح السفاح فأمر له بما أراد
: أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ عن ابن عائشة قال:
لمّا استقام الأمر لبني العبّاس قام السيّد إلى أبي العباس السفّاح حين نزل عن المنبر فقال:
دونكموها يا بني هاشم فجدّدوا من عهدها [3] الدّراسا
دونكموها لا علا كعب [4] من كان عليكم ملكها نافسا
دونكموها فالبسوا تاجها لا تعدموا منكم له لابسا
__________________________________________________
[1] يمرقون: يغنون. و التمريق: ضرب من الغناء و هو غناء السفلة و الإماء. و في الأصول: «يمزقون» بالزاي المعجمة، و هو تصحيف.
[2] روى واثلة بن الأسقع (صحابي مشهور): أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جاء و معه علي و حسن و حسين آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا و فاطمة و أجلسهما بين يديه و أجلس حسنا و حسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهما كساءه ثم تلا هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
و قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي». (انظر «شرح الزرقاني على المواهب اللدنية» ج 7 ص 4 طبع بولاق). و قد جاءت هذه القصة بروايات أخر فانظرها في ( «روح المعاني» ج 7 ص 44).
[3] في أ، ء، م: «عهدنا».
[4] لا علا كعبه: لا شرفه اللّه و لا أسعده.
الأغاني، ج7، ص: 175
لو خيّر المنبر فرسانه ما اختار إلّا منكم فارسا
قد ساسها قبلكم ساسة لم يتركوا رطبا و لا يابسا
و لست من أن تملكوها إلى مهبط عيسى فيكم آيسا
فسّر أبو العباس بذلك، و قال له: أحسنت يا إسماعيل! سلني حاجتك؛ قال: تولّي سليمان بن حبيب الأهواز، ففعل.
أنشد لجعفر بن محمد شعرا فبكى
: و ذكر التّميميّ- و هو علي بن إسماعيل- عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد إذ استأذن آذنه للسيّد، فأمره بإيصاله، و أقعد حرمه خلف ستر. و دخل فسلّم و جلس. فاستنشده فأنشده قوله:
أمرر على جدث الحسي ن فقل لأعظمه الزكيّه
آ أعظما لا زلت من وطفاء [1] ساكبة رويّه
و إذا مررت بقبره فأطل به وقف المطيّه
/ و ابك المطهّر للمطهّر و المطهّرة النّقيّه
كبكاء معولة أتت يوما لواحدها المنيّه
قال: فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدّر على خدّيه، و ارتفع الصّراخ و البكاء من داره،/ حتى أمره بالإمساك فأمسك. قال: فحدّثت أبي بذلك لمّا انصرفت؛ فقال لي: و يلي على الكيسانيّ الفاعل ابن الفاعل! يقول:
فإذا مررت بقبره فأطل به وقف المطيّه
فقلت: يا أبت، و ما ذا يصنع؟ قال: أو لا ينحر! أو لا يقتل نفسه! فثكلته أمّه!.
يحاكم إليه رجلان من بني دارم في أفضل الناس بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم
: حدّثني أبو جعفر الأعرج- و هو ابن بنت الفضيل [2] بن بشّار- عن إسماعيل بن الساحر راوية السيّد- و هو الذي يقول فيه السيّد في بعض قصائده