بسم الله الرحمن الرحیم

بيعت يا ذلت؟-هیهات منا الذلة

السبط الشهیدعلیه السلام
بیعت یا ذلت-بلاگفا
صحت وسقم بعضي از احاديث-اسقونی شربة من الماء-إنّ الحیاة عقیدة و جهاد-إن کان دین محمّد لم یستقم إلّا بقتلی یا سیوف خذینی-مَهلاً مَهلا یَابنَ الزَّهراء
بيعت يا ذلت؟-هیهات منا الذلة
گفتگو و پرسش و پاسخ راجع به بيعت يا ذلت؟
بيعت يا ذلت؟-پاورقی رحمت واسعه




این کامل است که تتمیم شده است:
ربما يخطر في الذهن أنّه كيف يُجمع قول سيد الشهداء الإمام الحسين(ع): «مثلي لا يبايع مثله» مع ما نقله أهل السِّيَرِ أنّ عمر بن سعد كتب الى ابن زياد، و ذكر البيعة في ضمن ثلاث: بعث عمر بن سعد في ضمن كتاب إلى ابن زياد: «... أمّا بعد؛ فإنّ اللّه قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمّة؛ هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الّذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لكم رضا و للأمّة صلاح». في البداية قبل ابن زياد رأي عمر بن سعد؛ و لكن الشمر قال: «و اللّه لئن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة و العزّة و لتكوننّ أولى بالضعف و العجز فلا تعطِ هذه المنزلة فإنّها من الوهن و لكن ينزل على حكمك هو و أصحابه، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة و إن غفرت كان ذلك لك». فاستحسن ابن زياد رأيه و قال: «نِعْمَ ما رأيت! الرأي رأيك»؛ وقعة الطف، 187 إلى 188 ؛ تاريخ الطبري، ج 5، ص 414 و راجع أيضاً: الإرشاد، المفيد، ج‏ 2، ص 87 إلى 88 ؛ إعلام ‌الورى، ص 236؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 55؛ بحار الأنوار، ج‏ 44، ص 389 إلى 390.
فيقال في الجواب: أنّ سيد الشهداء(ع) لم يعمل على طبق ما يعلمه من الله تعالى بعاقبة الأمر و الشهادة الموعودة فحسب، بل كان عمله(ع)، خطوة بعد أخرى، وفقاً لظاهر الشرع الأنور، يدور بين الحرمة و الوجوب، فقال هذا الكلام «مثلي لا يبايع مثله» في المدينة، و أعلن لجميع البشر أنّ خلافة يزيد غاصبة و لا يجوز له أن يبايعه، و الوظيفة الشرعية تابعة لشرائط الموضوع و يمكن أن تتغيّر مرحلةً مرحلة، وفقاً للشرائط، فإنّ الإمام الحسن(ع) بدايةً لم يصالح معاوية، كما لم يبايع أميرُ المؤمنين(ع) أبا بكر طوال حياة السيدة فاطمة الزهراء(ع) نقلاً عن صحيح البخاري و مسلم: صحيح البخاري (5/139) ، صحيح مسلم (3/1380) «وكان لعلي من الناس وجه حياةَ فاطمة، فلما توفّيت استنكر عليٌّ وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته، و لم يكن يبايع تلك الأشهر» ، فليعتبر أولو الألباب كيف صيّر الإمام أمير المؤمنين(ع) محقق كتاب صحيح البخاري الدكتور مصطفى البغا مضطرّاً بين أمرين: إما الحكم بغصبيّة الخلافة، أو الحكم بأن ترك البيعة من أمير المؤمنين(ع)، طيلة ستة أشهر، كان مخالفاً لشرع الله!! ، و مع الأسف أنه حكم على فعل الإمام(ع) بأنّه كان خلاف الشرع! فانه علّق على عبارة صحيح البخاري: «و كان المسلمون إلى علي قريباً، حين راجع الأمر المعروف» فقال: «أي رجع إلى ما هو حق و خير و مطابق لشرع الله عز و جل و وافق الصحابة رضي الله عنهم بالمبايعة للخلافة» صحيح البخاري(5/139)
فنرى بوضوح أنّ الإمام(ع) قد أتمّ الحجة لجميع الأمة الإسلامية، و بعد ذاك بايع عن حجّة، و هكذا الإمام المجتبى(ع) إنّما صالح معاوية حين اضطرّ إليه، و أعلن لجميع الأمة أن ذاك لم يكن إلّا باضطرار، و وضح عند ما مهّد معاوية الأمر لابنه يزيد، فماذا حصل و ماذا قيل بداية أمر يزيد و عندما أعلن معاوية تنصيبه وليّاً لعهده و وضع شروط الصلح تحت قدميه؟
و قد ورد في السيرة الحلبية، ج 1، ص 510: «عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت لمروان بن الحكم حيث قال لأخيها عبدالرحمن بن أبي بكر لما بايع معاوية لولده قال مروان: سنة أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما فقال عبد الرحمن: بل سنّة هرقل و قيصر. و امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية فقال له مروان: أنت الّذي أنزل الله فيك: «و الّذي قال لوالديه أفّ لكما»؛ فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب و الله ما هو به، ثم قالت له: أمّا أنت يا مروان فأشهد أنّ رسول الله  صلى الله عليه و سلم  لعن أباك و أنت في صلبه».
كان واضحاً لدى الجميع أنّ خلافة يزيد غير مشروعة، و الأعجب أنّ هذا الخليفة غير القانوني قد أصدر أمراً في بداية الامر لوالي المدينة أن ابعث برأس الحسين إلينا، بهذه البساطة و قلّة الحياء! حيث ورد في بحار الأنوار، ج 44، ص 312: «وَ لْيَكُنْ مَعَ الْجَوَابِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ» و لذلك فإنّ عبارة «مثلي لا يبايع مثله» قالها الإمام الحسين(ع) في المدينة و كان هذا بعد كلام مروان و غضب الإمام(ع)، و إلا قبل ذلك قال(ع) على نحو المداراة: «مثلي لا يبايع بالسرّ، دعنا لحين تأخذ البيعة من جميع الناس»، و قد ذكر الطبري ذلك في تاريخه، (ج3، ص 270) «أمّا ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سراً ولا أراك تجتزئ بها مني سرّاً دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانية قال أجل قال فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمراً واحداً فقال له الوليد و كان يحب العافية فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان و الله لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم و بينه احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين فقال يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو كذبت و الله و أثِمْت ثمّ خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتى أتى منزله».
فكانت بيعة يزيد في ذلك الوقت محرّمة و لكن بعد كلام مروان و غضب الإمام(ع) أشار إلى حرمة هذا، حيث ورد في بحار الأنوار (ج 44، ص 324، الباب 37ـ ما جرى عليه بعد بيعة الناس) «قَالَ السَّيِّدُ: كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ الْبَيْعَةِ عَلَى أَهْلِهَا وَ خَاصَّةً عَلَى الْحُسَيْنِ(ع) وَ يَقُولُ: إِنْ أَبَى عَلَيْكَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ، فَأَحْضَرَ الْوَلِيدُ مَرْوَانَ وَ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ وَ لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً. ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْحُسَيْنِ(ع) فَجَاءَهُ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَوَالِيهِ وَ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَغَضِبَ الْحُسَيْنُ(ع) ثُمَّ قَالَ: وَيْلِي عَلَيْكَ يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ أَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِ عُنُقِي؟! كَذَبْتَ وَ اللَّهِ وَ أَثِمْتَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْوَلِيدِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ وَ يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ وَ لَكِنْ نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُونَ أَيُّنَا أَحَقُّ بِالْبَيْعَةِ وَ الْخِلَافَةِ ثُمَّ خَرَجَ(ع)».
(فهکذا نری أن جمیع الکلمات المنقولة منه علیه السلام في المدینة و مکة تشهد بوضوح علی حرمة بیعته ع لیزید، مثل ما نسب الی ابی مخنف: إنَّ الحسين عليه السلام لمّا خرج من المدينة أتى قبر الرّسول صلى الله عليه و آله فالتزمه و بكى بُكاءً شديداً و سلّم عليه و قال: بأبى أنت و أمى يا رسول اللَّه لقد خرجت من جوارك كرهاً، و فرّق بينى و بينك، و اخذت بالأنف قهراً أن ابايع يزيد بن معاوية شارب الخمور و راكب الفجور و ان فعلت كفرت و ان أبيت قتلت علينا أنا خارج من جوارك على الكره منّى فعليك منّى السلام يا رسول اللَّه.، و کذا مثل ما نقل ابن اعثم فی الفتوح: الفتوح،ج‏5،ص12 : فقال له ابن الزبير: فاعلم يا ابن علي أن ذلك كذلك، فما ترى أن تصنع إن دعيت إلى بيعة يزيد أبا عبد الله؟ قال: أصنع أني لا أبايع له أبدا، لأن الأمر إنما كان لي من بعد أخي الحسن، فصنع معاوية ما صنع و حلف لأخي الحسن أنه لا يجعل الخلافة لأحده من بعده من ولده و أن يردها إليّ إن كنت حيّا، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه و لم يفي‏ء لي و لا لأخي الحسن بما كان ضمن فقد و الله أتانا ما لا قوام لنا به، انظر أبا بكر أنّى أبايع ليزيد و يزيد رجل فاسق معلن الفسق يشرب الخمر و يلعب بالكلاب و الفهود و يبغض بقية آل الرسول! لا و الله لا يكون ذلك أبدا…. ص:21 : يا أخي! و الله لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت و الله يزيد بن معاوية أبدا و قد قال (صلّى الله عليه و سلّم): اللّهم! لا تبارك في يزيد) لكن الأمر وصل إلى مرحلةٍ بحيث كانت الوظيفة الشرعيّة شيئاً آخرَ، أي صار واجباً على الإمام(ع) أن يعلن للجميع (و یتمّ الحجة علیهم) أنّهم في الحقيقة لا يريدون بيعتي، بل يريدون قتلي على أيّ تقدير، أي أنّ وجودي مانع لخلافتهم، و لابدّ لهم أن يرفعوا هذا المانع، و إلّا إذا كان الأمر قد انجرّ إلى التقيّة الواجبة و حقن الدم بعد إتمام الحجة، كما عهد رسول الله (ص) إلى أبيه أمير المؤمنين(ع) ، لم يكن الإمام(ع) ليخالف وظيفته الشرعية الواضحة، (بل مع علمه الإلهي بعاقبة أمره من الشهادة، و مع علمه العادي الذی یعرفه کل احد خبیر بمقاصد یزید و ابن زیاد، أنهم یریدون قتله علی أيّ تقدیر، بایع أم لم یبایع، فمن الجدیر إتماما للحجة و إظهارا لمقاصدهم الخبیثة لجمیع البشر، أن یعرض علیهم البیعة حتی لا یقبلوا منه علی رؤوس الأشهاد الا النزول علی حکمهم) و لهذا لمّا كتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بثلاثة أمور مرّت ذكرها، رأوا أن مقاصدهم الخبيثة قد انماثت، و اضطرّوا إلى إظهار ما أضمروا، فقالوا لابدّ من النزول علی حكم ابن زياد! فإن عاقب فهو أولى بالعقوبة، و إن عفا كان ذلك له!! سبحان الله! ينزل أبو عبد الله الحسين(ع) على حكم ابن زياد الملعون الدعيّ، فيفعل في حقّ الإمام(ع) ما شاء! و غير خفيّ عند المطلّع على التاريخ أنه لا ريب أنّ ابن زياد كان يقتل الإمام(ع) بأذلّ قتلة، ليشيّد أركان خلافة يزيد و بني أمية في أوّل أمرها، فيصير دفع أمثال ابن الزبير سهلاً هيّناً جدّاً، (کما صرح بذلک العلماء، مثل العلامة المجلسی قده فی البحار ج‏45، ص 99: بل الظاهر أنه صلوات الله عليه لو كان يسالمهم و يبايعهم لا يتركونه لشدة عداوتهم و كثرة وقاحتهم بل كانوا يغتالونه بكل حيلة و يدفعونه بكل وسيلة و إنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك أ لا ترى‏ إلى مروان لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه و كان عبيد الله بن زياد عليه لعائن الله إلى يوم التناد يقول اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ثم نرى فيه رأينا أ لا ترى كيف أمنوا مسلما ثم قتلوه، و کذا قال صاحب الجواهر فی کلامه المتین جدا: ج‌21، ص 295: و ما وقع من الحسين عليه السلام مع أنه من الأسرار الربانية و العلم المخزون يمكن أن يكون لانحصار الطريق في ذلك، علما منه عليه السلام أنهم عازمون على قتله على كل حال كما هو الظاهر من أفعالهم و أحوالهم و كفرهم و عنادهم) و أيّة ذلّة أذلّ من هذا لوليّ الله عليه أفضل السلام، ففي هذه الشرائط قال الإمام(ع) «ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة و الذلّة و هيهات منّا الذلّة يأبى الله تعالى ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت...»، فلذا لم تكن مسألة بيعةٍ، بل مسألة النزول على الحكم، (أيّ ما) يريد ابن زياد أن يقتله أو يبقيه حيّاً، و هذه المذلّة كانت حراماً و كانت الشهادة واجبة، و من اللافت أنّ التقدير الإلهي لوليّه هو أنّه بأيّ فعل قد قام ـ غير الأسرار الباطنيّة ـ فهو دائرٌ بين الوجوب و الحرمة بحسب الظاهر، الآن لاحظوا هذه العبارة جيّداً و التي وردت في بحار الأنوار (ج 44، ص 383): «وَ كَتَبَ ابْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِلَى الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ يَا حُسَيْنُ فَقَدْ بَلَغَنِي نُزُولُكَ بِكَرْبَلَاءَ وَ قَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ أَنْ لَا أَتَوَسَّدَ الْوَثِيرَ وَ لَا أَشْبَعَ مِنَ الْخَمِيرِ أَوْ أُلْحِقَكَ بِاللَّطِيفِ الْخَبِيرِ أَوْ تَرْجِعَ إِلَى حُكْمِي وَ حُكْمِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ السَّلَامُ. فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُهُ عَلَى الْحُسَيْنِ(ع) وَ قَرَأَهُ رَمَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ اشْتَرَوْا مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: جَوَابُ الْكِتَابِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ عِنْدِي جَوَابٌ لِأَنَّهُ قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ؛ فَرَجَعَ الرَّسُولُ».
و كذلك ورد في بحار الأنوار(ج 44، ص 389): «وَ لَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ(ع) نُزُولَ الْعَسَاكِرِ مَعَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ بِنَيْنَوَى وَ مَدَدَهُمْ لِقِتَالِهِ أَنْفَذَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَلْقَاكَ فَاجْتَمَعَا لَيْلًا فَتَنَاجَيَا طَوِيلًا ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى مَكَانِهِ وَ كَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَطْفَأَ النَّائِرَةَ وَ جَمَعَ الْكَلِمَةَ وَ أَصْلَحَ أَمْرَ الْأُمَّةِ هَذَا حُسَيْنٌ قَدْ أَعْطَانِي أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَكَانِ الّذي مِنْهُ أَتَى أَوْ أَنْ يَسِيرَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ فَيَكُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ‏ فَيَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ رَأْيَهُ وَ فِي هَذَا لَكَ رِضًى وَ لِلْأُمَّةِ صَلَاحٌ. فَلَمَّا قَرَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابُ نَاصِحٍ مُشْفِقٍ عَلَى قَوْمِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَقَالَ: أَتَقْبَلُ هَذَا مِنْهُ وَ قَدْ نَزَلَ بِأَرْضِكَ وَ أَتَى جَنْبَكَ وَ اللَّهِ لَئِنْ رَحَلَ بِلَادَكَ وَ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي يَدِكَ لَيَكُونَنَّ أَوْلَى بِالْقُوَّةِ وَ لَتَكُونَنَّ أَوْلَى بِالضَّعْفِ وَ الْعَجْزِ فَلَا تُعْطِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَإِنَّهَا مِنَ الْوَهْنِ وَ لَكِنْ لِيَنْزِلْ عَلَى حُكْمِكَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَإِنْ عَاقَبْتَ فَأَنْتَ أَوْلَى بِالْعُقُوبَةِ وَ إِنْ عَفَوْتَ كَانَ ذَلِكَ لَكَ. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ الرَّأْيُ رَأْيُكَ اخْرُجْ بِهَذَا الْكِتَابِ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَلْيَعْرِضْ عَلَى الْحُسَيْنِ وَ أَصْحَابِهِ النُّزُولَ عَلَى حُكْمِي فَإِنْ فَعَلُوا فَلْيَبْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً وَ إِنْ هُمْ أَبَوْا فَلْيُقَاتِلْهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ وَ إِنْ أَبَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فَأَنْتَ أَمِيرُ الْجَيْشِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ. وَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، لَمْ أَبْعَثْكَ إِلَى الْحُسَيْنِ لِتَكُفَّ عَنْهُ وَ لَا لِتُطَاوِلَهُ وَ لَا لِتُمَنِّيَهُ السَّلَامَةَ وَ الْبَقَاءَ وَ لَا لِتَعْتَذِرَ عَنْهُ وَ لَا لِتَكُونَ لَهُ عِنْدِي شَفِيعاً انْظُرْ فَإِنْ نَزَلَ حُسَيْنٌ وَ أَصْحَابُهُ عَلَى حُكْمِي وَ اسْتَسْلَمُوا فَابْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً وَ إِنْ أَبَوْا فَازْحَفْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَقْتُلَهُمْ وَ تُمَثِّلَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَحِقُّونَ فَإِنْ قَتَلْتَ حُسَيْناً فَأَوْطِئِ الْخَيْلَ صَدْرَهُ وَ ظَهْرَهُ فَإِنَّهُ عَاتٍ ظَلُومٌ وَ لَسْتُ أَرَى أَنَّ هَذَا يَضُرُّ بَعْدَ الْمَوْتِ شَيْئاً وَ لَكِنْ عَلَيَّ قَوْلٌ قَدْ قُلْتُهُ لَوْ قَدْ قَتَلْتُهُ لَفَعَلْتُ هَذَا بِهِ فَإِنْ أَنْتَ مَضَيْتَ لِأَمْرِنَا فِيهِ جَزَيْنَاكَ جَزَاءَ السَّامِعِ الْمُطِيعِ وَ إِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِلْ عَمَلَنَا وَ جُنْدَنَا وَ خَلِّ بَيْنَ شِمْرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ وَ بَيْنَ الْعَسْكَرِ فَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَاهُ بِأَمْرِنَا وَ السَّلَامُ».
ففي سلوك أهل البيت(ع) هناك شعاران مهمّان مترتّبان أحدهما على الآخر و هما:
هيهات منّا البيعة المغرِية
هيهات منّا الذِّلة الموهِنة المخزِية
لم يكن بالإمكان قبل أن يبيّنوا للأمّة، أن يبايعوا بيعة مغرية بالجهل بل قد تصرفوا بنحوٍ لا يقع عقلاءُ الناس في كلّ زمن في الاشتباه، و لذا نؤكّد على حرمة البيعة مع يزيد و لزوم الإعلان الرسمي بحيث يبقى على مدى التاريخ: أيّها الناس على الإسلام السلام إذا ابتُليَتِ الأمّة براعٍ مثل يزيد (بحار الأنوار ج 44، ص 326، في جواب نصيحة مروان في المدينة)، و هنا هو مكان «هيهات منّا البيعة» ، و مثله لكلّ المعصومين(ع) ، ألا ترى ما أطرف طريقة أمير المؤمنين(ع) في مبايعة أبي بكر بحيث إنّ أحد المؤرخين السنة (ابن كثير في البداية و النهاية) يصالح بين طائفتين من علماء أهل السنة الذين بعضهم يقول إن أمير المؤمنين(ع) قد بايع أبا بكر من أول الأمر، و بعضهم يقول إنّه لم يبايع إلى مدّة، فيقول إنّه قد بايع مرتين!، بلى لم يسمحِ الشيعة أن يُنسَى ما وقع في البيعتين، إنّ البيعة الأولى كانت مع التقييد بالحبل والثانية كانت مع «في العين قذى و في الحلق شجى»، فبعد الإبلاغ و إتمام الحجّة فإنّ موضوع حرمة البيعة يعطي مكانه لموضوع وجوب التقيّة حيث قالوا(ع): «التقيّة ديني و دين آبائي»، لكن لمّا كانت التقيّة هي لحقن الدم، و في حال كون القتل حتميّاً يرتفع موضوع التقيّة و يأتي الدور لـ «هيهات منّا الذلّة». و المؤلم هو عبارة الشمر الملعون الّذي هو في نفس الوقت يبيّن الشرائط الحاكمة على ذاك العصر فيقول: «إن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة» الّذي يُستنتج منه أنّ القتل كان حتميّاً و حسب الظاهر أنّ ذلك كان معلوماً و لا يحتاج إلى العلم الغيبي الّذي لدى الإمام(ع)، لأنّ الملعون الأزلي عبيد الله لم يكن يترك الأولى و الراجح!!.
فإذن قد بُيّنَ تحليلٌ فقهيٌّ موحّدٌ و منسجمٌ لسلوك المعصومين(ع) و منهجهم بغضّ النظر عن الأسرار و العلوم الباطنيّة التي لديهم، و أصبح معلوماً أنّ التغاير لا محلّ له في سلوكهم(ع).
و لعلّ قضية التكذيب المشهور لعقبة بن سمعان الّذي كان خادماً للإمام(ع) يُحمَل على هذا، فبعد شهادة الإمام(ع)، قد واجه يزيد و بنو أميّة عاراً و فضيحة كبيرة، فلذا كانوا يسعون أن يُظهِروا أنّه لا علاقة لها بيزيد، و أنّ الجريمة كانت من فعل ابن زياد، و هكذا كانوا يظهرون أنّ الإمام(ع) كان (راغبا) حاضراً للبيعة مع يزيد لكن ابن زياد لم يسمح له، في حين أنّه كان من المحال أن يبايع الإمام(ع) يزيدَ إلا إذا وصلت شرائط التقيّة لمرحلة الوجوب، و لذلك إنّ خادم الإمام(ع) أي عقبة بن سمعان قد قال: إنّهم يكذبون، و الله لقد كنت ملازماً للإمام(ع) في كلّ مكان و لم يكن الإمام(ع) راضياً للبيعة مع يزيد للحظة واحدة، تاريخ الطبري(5/413): «عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، و من مكّة إلى العراق، و لم أفارقه حتى قتل، و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر إلى يوم مقتله إلا و قد سمعتها، ألا و الله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، و لا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، و لكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس» ، فهل يمكن أن نقول إنه يريد البيعة طوعاً؟ أي الّتي تكشف عن رضا الإمام(ع) بخلافة يزيد، إذ إنّ بني أمية كانوا يريدون أن يعطوا مشروعيةً لحكومتهم بهذا النحو، و نفاه ابن سمعان بقوله: و الله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس. و الله العالم.










این متن قبلی است که ناقص است:
کیف یجمع قول الامام الحسین سید الشهداء علیه السلام: «مثلی لا یبایع مثله» مع ما نقله اهل السیر أنّ عمر ابن سعد کتب الی ابن زیاد، و ذکر البیعة فی ضمن ثلاث:
بعث عمر بن سعد في ضمن كتاب إلى ابن زياد: «... أمّا بعد؛ فانّ اللّه قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمّة؛ هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لكم رضا و للأمّة صلاح». في البداية قبل ابن زياد رأي عمر بن سعد؛ و لكن الشمر قال: «و اللّه لئن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة و العزّة و لتكوننّ أولى بالضعف و العجز فلا تعطِ هذه المنزلة فإنها من الوهن و لكن ينزل على حكمك هو و أصحابه، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة و إن غفرت كان ذلك لك». فاستحسن ابن زياد رأيه و قال: «نعم ما رأيت! الرأي رأيك»؛ وقعة الطف، ص 187إلى 188؛ تاريخ الطبري، ج‏5، ص414 و راجع أيضاً: الإرشاد المفيد، ج‏2، ص87 إلى 88؛ إعلام ‌الورى، ص236؛ الكامل في التاريخ، ج4، ص55؛ بحار الأنوار، ج‏44، ص389 إلى390.
و الجواب: أنّ سید الشهداء علیه السلام لم یعمل علی طبق ما یعلمه من الله تعالی بعاقبة الامر و الشهادة الموعودة فحسب، بل کان عمله علیه السلام، خطوة بعد أخری، وفقا لظاهر الشرع الأنور، یدور بین الحرمة و الوجوب، فقال هذا الکلام «مثلی لا یبایع مثله» فی المدینة و أعلن جمیع البشر أنّ خلافة یزید غاصبة و لا یجوز له أن یبایعه، و الوظيفة الشرعية تابعة لشرائط الموضوع و يمكن أن تتغيّر مرحلة مرحلة وفقاً للشرائط، فإنّ الإمام الحسن (ع) بدايةً لم يصالح معاوية، کما لم یبایع أمير المؤمنين (ع) أبا بكر طوال حياة السيدة فاطمة الزهراء (ع) نقلاً عن صحيح البخاری و مسلم: صحيح البخاري(5/ 139) ، صحيح مسلم (3/ 1380) «وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر» ، فلیعتبر اولو الالباب کیف صیّر الامام امیر المؤمنین علیه السلام محقق کتاب صحیح البخاری الدکتور مصطفی البغا مضطرّاً بین امرین: إما الحکم بغصبیة الخلافة، أو الحکم بأن ترک البیعة من امیر المؤمنین (ع)، طیلة ستة أشهر، کان مخالفا لشرع الله!! ، و مع الأسف إنه حکم علی فعل الامام علیه السلام بأنّه کان خلاف الشرع! فانه علّق علی عبارة صحیح البخاری: «وكان المسلمون إلى علي قريبا، حين راجع الأمر المعروف» فقال: «أي رجع إلى ما هو حق وخير ومطابق لشرع الله عز وجل ووافق الصحابة رضي الله عنهم بالمبايعة للخلافة»صحيح البخاري(5/ 139)
فنری بوضوح انّ الامام (ع) قد أتمّ الحجة لجمیع الأمة الاسلامیة، و بعد ذاک بایع عن حجة، و هکذا الامام المجتبی (ع) انما صالح معاویة حین اضطرّ الیه، و أعلن جمیع الأمة أن ذاک لم یکن إلّا باضطرار، و وضح عند ما مهّد معاویة الامر لابنه یزید، فماذا حصل و ماذا قيل بداية أمر يزيد و عندما أعلن معاوية تنصيبه وليّاً لعهده و وضع شروط الصلح تحت قدميه؟
و قد ورد في السيرة الحلبية، ج1، ص510، «عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لمروان بن الحكم حيث قال لأخيها عبدالرحمن بن أبي بكر لما بايع معاوية لولده قال مروان: سنة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال عبدالرحمن: بل سنة هرقل وقيصر. وامتنع من البيعة ليزيد بن معاوية فقال له مروان: أنت الذي أنزل الله فيك: (والذي قال لوالديه أف لكما)؛ فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب والله ما هو به، ثم قالت له: أمّا أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لعن أباك وأنت في صلبه».
كان واضحاً لدى الجميع أنّ خلافة يزيد غير مشروعة، و الأعجب أنّ هذا الخليفة غير القانوني قد أصدر أمراً في بدایة الامر لوالي المدينة أن ابعث برأس الحسين إلينا، بهذه البساطة و قلّة الحياء! حيث ورد في بحار الأنوار، ج44، ص312 «وَ لْيَكُنْ مَعَ الْجَوَابِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ» و لذلك فإنّ عبارة «مثلي لا يبايع مثله» قالها الإمام الحسين (ع) في المدينة و كان هذا بعد كلام مروان و غضب الإمام (ع)، و إلا قبل ذلك قال (ع) على نحو المداراة: «مثلي لا يبايع بالسرّ، دعنا لحين تأخذ البيعة من جميع الناس»، و قد ذكر الطبري ذلك في تاريخه، (ج3، ص270) «أمّا ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا ولا أراك تجتزئ بها مني سرا دون أن نظهرها على رءوس الناس علانية قال أجل قال فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا فقال له الوليد وكان يحب العافية فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين فقال يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو كذبت والله وأثمت ثم خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتى أتى منزله».
فكانت بيعة يزيد في ذلك الوقت محرّمة و لكن بعد كلام مروان و غضب الإمام (ع) أشار إلى حرمة هذا، حيث ورد في بحار الأنوار (ج44، ص324، الباب37 ـ ما جرى عليه بعد بيعة الناس) «قَالَ السَّيِّدُ: كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ الْبَيْعَةِ عَلَى أَهْلِهَا وَ خَاصَّةً عَلَى الْحُسَيْنِ (ع) وَ يَقُولُ: إِنْ أَبَى عَلَيْكَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ، فَأَحْضَرَ الْوَلِيدُ مَرْوَانَ وَ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ وَ لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً. ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْحُسَيْنِ (ع) فَجَاءَهُ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَوَالِيهِ وَ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَغَضِبَ الْحُسَيْنُ (ع) ثُمَّ قَالَ: وَيْلِي عَلَيْكَ يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ أَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِ عُنُقِي؟! كَذَبْتَ وَ اللَّهِ وَ أَثِمْتَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْوَلِيدِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ وَ يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ وَ لَكِنْ نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُونَ أَيُّنَا أَحَقُّ بِالْبَيْعَةِ وَ الْخِلَافَةِ ثُمَّ خَرَجَ (ع)».
لكن الأمر وصل إلى مرحلةٍ بحيث كانت الوظيفة الشرعيّة شيئاً آخرَ، أي صار واجبا علی الامام (ع) أن یعلن للجمیع أنهم في الحقیقة لا یریدون بیعتی ، بل یریدون قتلی علی ايّ تقدیر، اي أنّ وجودی مانع لخلافتهم، و لابدّ لهم أن یرفعوا هذا المانع، و إلّا إذا کان الامر انجرّ الی التقیة الواجبة و حقن الدم بعد اتمام الحجة، کما عهد رسول الله (ص) الی ابیه امیر المؤمنین (ع) ، لم یکن الامام (ع) لیخالف وظیفته الشرعیة الواضحة، و لهذا لمّا کتب عمر بن سعد الی ابن زیاد بثلاثة امور مرّت ذکرها، رأوا أن مقاصدهم الخبیثة قد انماثت، و اضطرّوا الی اظهار ما أضمروا، فقالوا لابدّ من النزول علی حکم ابن زیاد! فإن عاقب فهو أولی بالعقوبة، و إن عفی کان ذلک له!! سبحان الله! ینزل ابو عبد الله الحسین (ع) علی حکم ابن زیاد الملعون الدعيّ، فیفعل في حقّ الامام (ع) ما شاء! و غیر خفيّ عند المطلّع علی التاریخ أنه لا ریب أنّ ابن زیاد کان یقتل الامام (ع) بأذلّ قتلة، لیشیّد ارکان خلافة یزید و بنی أمیة فی أول أمرها، فیصیر دفع أمثال ابن زبیر سهلاً هیّناً جدّاً، و أیّة ذلّة أذلّ من هذا لوليّ الله علیه أفضل السلام، ففي هذه الشرائط قال الامام (ع) «ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد رکز بین اثنتین بین السلّة و الذلّة و هیهات منّا الذلّة يأبي الله تعالي ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت...» ، فلذا لم تكن مسألة بيعةٍ، بل مسألة النزول على الحكم، یرید ابن زياد أن يقتله أو يبقيه حيّاً، و هذه المذلّة كانت حراماً و كانت الشهادة واجبة، و من اللافت أنّ التقدير الإلهي لوليّه هو أنّه بأيّ فعل قد قام ـ غير الأسرار الباطنيّة ـ فهو دائر بين الوجوب و الحرمة بحسب الظاهر، الآن لا حظوا هذه العبارة جيّداً و التي وردت في بحار الأنوار (ج44، ص 383) «وَ كَتَبَ ابْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِلَى الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ يَا حُسَيْنُ فَقَدْ بَلَغَنِي نُزُولُكَ بِكَرْبَلَاءَ وَ قَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ أَنْ لَا أَتَوَسَّدَ الْوَثِيرَ وَ لَا أَشْبَعَ مِنَ الْخَمِيرِ أَوْ أُلْحِقَكَ بِاللَّطِيفِ الْخَبِيرِ أَوْ تَرْجِعَ إِلَى حُكْمِي وَ حُكْمِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ السَّلَامُ. فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُهُ عَلَى الْحُسَيْنِ (ع) وَ قَرَأَهُ رَمَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ اشْتَرَوْا مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: جَوَابُ الْكِتَابِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ عِنْدِي جَوَابٌ لِأَنَّهُ قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ؛ فَرَجَعَ الرَّسُولُ».
و كذلك ورد في بحار الأنوار(ج44، ص 389) «وَ لَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ (ع) نُزُولَ الْعَسَاكِرِ مَعَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ بِنَيْنَوَى وَ مَدَدَهُمْ لِقِتَالِهِ أَنْفَذَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَلْقَاكَ فَاجْتَمَعَا لَيْلًا فَتَنَاجَيَا طَوِيلًا ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى مَكَانِهِ وَ كَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَطْفَأَ النَّائِرَةَ وَ جَمَعَ الْكَلِمَةَ وَ أَصْلَحَ أَمْرَ الْأُمَّةِ هَذَا حُسَيْنٌ قَدْ أَعْطَانِي أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي مِنْهُ أَتَى أَوْ أَنْ يَسِيرَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ فَيَكُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ‏ فَيَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ رَأْيَهُ وَ فِي هَذَا لَكَ رِضًى وَ لِلْأُمَّةِ صَلَاحٌ. فَلَمَّا قَرَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابُ نَاصِحٍ مُشْفِقٍ عَلَى قَوْمِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَقَالَ: أَتَقْبَلُ هَذَا مِنْهُ وَ قَدْ نَزَلَ بِأَرْضِكَ وَ أَتَى جَنْبَكَ وَ اللَّهِ لَئِنْ رَحَلَ بِلَادَكَ وَ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي يَدِكَ لَيَكُونَنَّ أَوْلَى بِالْقُوَّةِ وَ لَتَكُونَنَّ أَوْلَى بِالضَّعْفِ وَ الْعَجْزِ فَلَا تُعْطِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَإِنَّهَا مِنَ الْوَهْنِ وَ لَكِنْ لِيَنْزِلْ عَلَى حُكْمِكَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَإِنْ عَاقَبْتَ فَأَنْتَ أَوْلَى بِالْعُقُوبَةِ وَ إِنْ عَفَوْتَ كَانَ ذَلِكَ لَكَ. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ الرَّأْيُ رَأْيُكَ اخْرُجْ بِهَذَا الْكِتَابِ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَلْيَعْرِضْ عَلَى الْحُسَيْنِ وَ أَصْحَابِهِ النُّزُولَ عَلَى حُكْمِي فَإِنْ فَعَلُوا فَلْيَبْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً وَ إِنْ هُمْ أَبَوْا فَلْيُقَاتِلْهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ وَ إِنْ أَبَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فَأَنْتَ أَمِيرُ الْجَيْشِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ. وَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، لَمْ أَبْعَثْكَ إِلَى الْحُسَيْنِ لِتَكُفَّ عَنْهُ وَ لَا لِتُطَاوِلَهُ وَ لَا لِتُمَنِّيَهُ السَّلَامَةَ وَ الْبَقَاءَ وَ لَا لِتَعْتَذِرَ عَنْهُ وَ لَا لِتَكُونَ لَهُ عِنْدِي شَفِيعاً انْظُرْ فَإِنْ نَزَلَ حُسَيْنٌ وَ أَصْحَابُهُ عَلَى حُكْمِي وَ اسْتَسْلَمُوا فَابْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً وَ إِنْ أَبَوْا فَازْحَفْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَقْتُلَهُمْ وَ تُمَثِّلَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَحِقُّونَ فَإِنْ قَتَلْتَ حُسَيْناً فَأَوْطِئِ الْخَيْلَ صَدْرَهُ وَ ظَهْرَهُ فَإِنَّهُ عَاتٍ ظَلُومٌ وَ لَسْتُ أَرَى أَنَّ هَذَا يَضُرُّ بَعْدَ الْمَوْتِ شَيْئاً وَ لَكِنْ عَلَيَّ قَوْلٌ قَدْ قُلْتُهُ لَوْ قَدْ قَتَلْتُهُ لَفَعَلْتُهُ هَذَا بِهِ فَإِنْ أَنْتَ مَضَيْتَ لِأَمْرِنَا فِيهِ جَزَيْنَاكَ جَزَاءَ السَّامِعِ الْمُطِيعِ وَ إِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِلْ عَمَلَنَا وَ جُنْدَنَا وَ خَلِّ بَيْنَ شِمْرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ وَ بَيْنَ الْعَسْكَرِ فَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَاهُ بِأَمْرِنَا وَ السَّلَامُ».
ففي سلوك أهل البيت (ع) هناك شعاران مهمّان مترتّبان أحدهما علی الآخر و هما:
هيهات منّا البيعة المغرية
هيهات منّا الذلة الموهنة المخزية
لم يكن بالإمكان قبل أن يبيّنوا للأمّة، أن يبايعوا بيعة مغریة بالجهل بل قد تصرفوا بنحوٍ لا يقع في الاشتباه عقلاءُ الناس في كلّ زمن، و لذا نؤكّد على حرمة البيعة مع يزيد و لزوم الإعلان الرسمي بحيث يبقى على مدى التاريخ: أيّها الناس على الإسلام السلام إذا ابتُليَتِ الأمّة براعٍ مثل یزید(بحار الأنوار ج44، ص326 في جواب نصيحة مروان في المدينة)، و هنا هو مكان «هيهات منّا البيعة» ، و مثله لكلّ المعصومين (ع) ، ألا تری ما أطرف طريقة أمير المؤمنين (ع) في مبايعة أبي بكر بحيث إنّ أحد المؤرخين السنة (ابن کثیر فی البدایة و النهایة) يصالح بين طائفتين من علماء أهل السنة الذين بعضهم يقول إن أمير المؤمنين (ع) قد بايع أبا بكر من أول الأمر، و بعضهم يقول إنّه لم يبايع إلى مدّة، فيقول أنّه قد بايع مرتين!، بلى لم يسمحِ الشيعة أن يُنسَى ما وقع في البیعتین، إنّ البيعة الأولى كانت مع التقييد بالحبل والثانية كانت مع «في العين قذى و في الحلق شجى»، فبعد الإبلاغ و إتمام الحجّة فإنّ موضوع حرمة البيعة يعطي مكانه لموضوع وجوب التقيّة حيث قالوا (ع): «التقيّة ديني و دين آبائي»، لكن لمّا کانت التقيّة هي لحقن الدم، و في حال كون القتل حتميّاً يرتفع موضوع التقيّة و يأتي الدور لـ «هيهات منّا الذلّة». (و المؤلم هو عبارة الشمر الملعون الذي هو في نفس الوقت يبيّن الشرائط الحاكمة على ذاك العصر فيقول: «إن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة» الذي يُستنتج منه أنّ القتل كان حتميّاً و حسب الظاهر أن ذلك كان معلوماً و لا يحتاج إلى العلم الغيبي الذي لدى الإمام (ع)، لأنّ الملعون الأزلي عبيد الله لم يكن يترك الأولى و الراجح!!).
فإذن قد بُيّنَ تحليل فقهي موحّد و منسجم لسلوك و منهج المعصومين (ع) بغضّ النظر عن الأسرار و العلوم الباطنيّة التي لديهم، و أصبح معلوماً أنّ التغاير لا محلّ له في سلوكهم (ع).
و لعلّ قضیة التكذيب المشهور لعقبة بن سمعان الذي كان خادماً للإمام (ع) یحمل علی هذا، فبعد شهادة الإمام (ع)، قد واجه يزيد و بنو أميّة عاراً و فضيحة كبيرة، فلذا كانوا يسعون أن يُظهِروا أنّه لا علاقة لها بيزيد، و أنّ الجريمة كانت من فعل ابن زياد، و هكذا كانوا يظهرون أنّ الإمام (ع) كان حاضراً للبيعة مع يزيد لكن ابن زياد لم يسمح له، في حين أنّه كان من المحال أن يبايع الإمام (ع) يزيدَ إلا إذا وصلت شرائط التقية لمرحلة الوجوب، و لذلك إنّ خادم الإمام أي عقبة بن سمعان قد قال: إنّهم يكذبون، و الله لقد كنت ملازماً للإمام (ع) في كلّ مكان و لم يكن الإمام (ع) راضیاً للبيعة مع يزيد للحظة واحدة، تاريخ الطبري(5/ 413)«عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق، ولم أفارقه حتى قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس» ، فهل یمکن أن نقول إنه یرید البيعة طوعاً؟ أي الّتي تكشف عن رضا الإمام (ع) بخلافة يزيد، إذ إنّ بني أمية كانوا يريدون أن يعطوا مشروعيةً لحكومتهم بهذا النحو، و نفاه ابن سمعان بقوله: و الله ماأعطاهم ما یتذاکر الناس. و الله العالم.




متن تکمیل شده که با رنگ آبی مشخص شده است:

ربما يخطر في الذهن أنّه كيف يُجمع قول سيد الشهداء الإمام الحسين(ع): «مثلي لا يبايع مثله» مع ما نقله أهل السِّيَرِ أنّ عمر بن سعد كتب الى ابن زياد، و ذكر البيعة في ضمن ثلاث: بعث عمر بن سعد في ضمن كتاب إلى ابن زياد: «... أمّا بعد؛ فإنّ اللّه قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمّة؛ هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الّذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لكم رضا و للأمّة صلاح». في البداية قبل ابن زياد رأي عمر بن سعد؛ و لكن الشمر قال: «و اللّه لئن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة و العزّة و لتكوننّ أولى بالضعف و العجز فلا تعطِ هذه المنزلة فإنّها من الوهن و لكن ينزل على حكمك هو و أصحابه، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة و إن غفرت كان ذلك لك». فاستحسن ابن زياد رأيه و قال: «نِعْمَ ما رأيت! الرأي رأيك»؛ وقعة الطف، 187 إلى 188 ؛ تاريخ الطبري، ج 5، ص 414 و راجع أيضاً: الإرشاد، المفيد، ج‏ 2، ص 87 إلى 88 ؛ إعلام ‌الورى، ص 236؛ الكامل في التاريخ، ج 4، ص 55؛ بحار الأنوار، ج‏ 44، ص 389 إلى 390.

فيقال في الجواب: أنّ سيد الشهداء(ع) لم يعمل على طبق ما يعلمه من الله تعالى بعاقبة الأمر و الشهادة الموعودة فحسب، بل كان عمله(ع)، خطوة بعد أخرى، وفقاً لظاهر الشرع الأنور، يدور بين الحرمة و الوجوب، فقال هذا الكلام «مثلي لا يبايع مثله» في المدينة، و أعلن لجميع البشر أنّ خلافة يزيد غاصبة و لا يجوز له أن يبايعه، و الوظيفة الشرعية تابعة لشرائط الموضوع و يمكن أن تتغيّر مرحلةً مرحلة، وفقاً للشرائط، فإنّ الإمام الحسن(ع) بدايةً لم يصالح معاوية، كما لم يبايع أميرُ المؤمنين(ع) أبا بكر طوال حياة السيدة فاطمة الزهراء(ع) نقلاً عن صحيح البخاري و مسلم: صحيح البخاري (5/139) ، صحيح مسلم (3/1380) «وكان لعلي من الناس وجه حياةَ فاطمة، فلما توفّيت استنكر عليٌّ وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته، و لم يكن يبايع تلك الأشهر» ، فليعتبر أولو الألباب كيف صيّر الإمام أمير المؤمنين(ع) محقق كتاب صحيح البخاري الدكتور مصطفى البغا مضطرّاً بين أمرين: إما الحكم بغصبيّة الخلافة، أو الحكم بأن ترك البيعة من أمير المؤمنين(ع)، طيلة ستة أشهر، كان مخالفاً لشرع الله!! ، و مع الأسف أنه حكم على فعل الإمام(ع) بأنّه كان خلاف الشرع! فانه علّق على عبارة صحيح البخاري: «و كان المسلمون إلى علي قريباً، حين راجع الأمر المعروف» فقال: «أي رجع إلى ما هو حق و خير و مطابق لشرع الله عز و جل و وافق الصحابة رضي الله عنهم بالمبايعة للخلافة» صحيح البخاري(5/139)

فنرى بوضوح أنّ الإمام(ع) قد أتمّ الحجة لجميع الأمة الإسلامية، و بعد ذاك بايع عن حجّة، و هكذا الإمام المجتبى(ع) إنّما صالح معاوية حين اضطرّ إليه، و أعلن لجميع الأمة أن ذاك لم يكن إلّا باضطرار، و وضح عند ما مهّد معاوية الأمر لابنه يزيد، فماذا حصل و ماذا قيل بداية أمر يزيد و عندما أعلن معاوية تنصيبه وليّاً لعهده و وضع شروط الصلح تحت قدميه؟

و قد ورد في السيرة الحلبية، ج 1، ص 510: «عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت لمروان بن الحكم حيث قال لأخيها عبدالرحمن بن أبي بكر لما بايع معاوية لولده قال مروان: سنة أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما فقال عبد الرحمن: بل سنّة هرقل و قيصر. و امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية فقال له مروان: أنت الّذي أنزل الله فيك: «و الّذي قال لوالديه أفّ لكما»؛ فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب و الله ما هو به، ثم قالت له: أمّا أنت يا مروان فأشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن أباك و أنت في صلبه».

كان واضحاً لدى الجميع أنّ خلافة يزيد غير مشروعة، و الأعجب أنّ هذا الخليفة غير القانوني قد أصدر أمراً في بداية الامر لوالي المدينة أن ابعث برأس الحسين إلينا، بهذه البساطة و قلّة الحياء! حيث ورد في بحار الأنوار، ج 44، ص 312: «وَ لْيَكُنْ مَعَ الْجَوَابِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ» و لذلك فإنّ عبارة «مثلي لا يبايع مثله» قالها الإمام الحسين(ع) في المدينة و كان هذا بعد كلام مروان و غضب الإمام(ع)، و إلا قبل ذلك قال(ع) على نحو المداراة: «مثلي لا يبايع بالسرّ، دعنا لحين تأخذ البيعة من جميع الناس»، و قد ذكر الطبري ذلك في تاريخه، (ج3، ص 270) «أمّا ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سراً ولا أراك تجتزئ بها مني سرّاً دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانية قال أجل قال فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمراً واحداً فقال له الوليد و كان يحب العافية فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان و الله لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم و بينه احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين فقال يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو كذبت و الله و أثِمْت ثمّ خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتى أتى منزله».

فكانت بيعة يزيد في ذلك الوقت محرّمة و لكن بعد كلام مروان و غضب الإمام(ع) أشار إلى حرمة هذا، حيث ورد في بحار الأنوار (ج 44، ص 324، الباب 37ـ ما جرى عليه بعد بيعة الناس) «قَالَ السَّيِّدُ: كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ الْبَيْعَةِ عَلَى أَهْلِهَا وَ خَاصَّةً عَلَى الْحُسَيْنِ(ع) وَ يَقُولُ: إِنْ أَبَى عَلَيْكَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ، فَأَحْضَرَ الْوَلِيدُ مَرْوَانَ وَ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ وَ لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً. ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْحُسَيْنِ(ع) فَجَاءَهُ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَوَالِيهِ وَ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَغَضِبَ الْحُسَيْنُ(ع) ثُمَّ قَالَ: وَيْلِي عَلَيْكَ يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ أَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِ عُنُقِي؟! كَذَبْتَ وَ اللَّهِ وَ أَثِمْتَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْوَلِيدِ فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ وَ يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ وَ لَكِنْ نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُونَ أَيُّنَا أَحَقُّ بِالْبَيْعَةِ وَ الْخِلَافَةِ ثُمَّ خَرَجَ(ع)».

(فهکذا نری أن جمیع الکلمات المنقولة منه علیه السلام في المدینة و مکة تشهد بوضوح علی حرمة بیعته ع لیزید، مثل ما نسب الی ابی مخنف: إنَّ الحسين عليه السلام لمّا خرج من المدينة أتى قبر الرّسول صلى الله عليه و آله فالتزمه و بكى بُكاءً شديداً و سلّم عليه و قال: بأبى أنت و أمى يا رسول اللَّه لقد خرجت من جوارك كرهاً، و فرّق بينى و بينك، و اخذت بالأنف قهراً أن ابايع يزيد بن معاوية شارب الخمور و راكب الفجور و ان فعلت كفرت و ان أبيت قتلت علينا أنا خارج من جوارك على الكره منّى فعليك منّى السلام يا رسول اللَّه.، و کذا مثل ما نقل ابن اعثم فی الفتوح: الفتوح،ج‏5،ص12 : فقال له ابن الزبير: فاعلم يا ابن علي أن ذلك كذلك، فما ترى أن تصنع إن دعيت إلى بيعة يزيد أبا عبد الله؟ قال: أصنع أني لا أبايع له أبدا، لأن الأمر إنما كان لي من بعد أخي الحسن، فصنع معاوية ما صنع و حلف لأخي الحسن أنه لا يجعل الخلافة لأحده من بعده من ولده و أن يردها إليّ إن كنت حيّا، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه و لم يفي‏ء لي و لا لأخي الحسن بما كان ضمن فقد و الله أتانا ما لا قوام لنا به، انظر أبا بكر أنّى أبايع ليزيد و يزيد رجل فاسق معلن الفسق يشرب الخمر و يلعب بالكلاب و الفهود و يبغض بقية آل الرسول! لا و الله لا يكون ذلك أبدا…. ص:21 : يا أخي! و الله لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت و الله يزيد بن معاوية أبدا و قد قال (صلّى الله عليه و سلّم): اللّهم! لا تبارك في يزيد) لكن الأمر وصل إلى مرحلةٍ بحيث كانت الوظيفة الشرعيّة شيئاً آخرَ، أي صار واجباً على الإمام(ع) أن يعلن للجميع (و یتمّ الحجة علیهم) أنّهم في الحقيقة لا يريدون بيعتي، بل يريدون قتلي على أيّ تقدير، أي أنّ وجودي مانع لخلافتهم، و لابدّ لهم أن يرفعوا هذا المانع، و إلّا إذا كان الأمر قد انجرّ إلى التقيّة الواجبة و حقن الدم بعد إتمام الحجة، كما عهد رسول الله (ص) إلى أبيه أمير المؤمنين(ع) ، لم يكن الإمام(ع) ليخالف وظيفته الشرعية الواضحة، (بل مع علمه الإلهي بعاقبة أمره من الشهادة، و مع علمه العادي الذی یعرفه کل احد خبیر بمقاصد یزید و ابن زیاد، أنهم یریدون قتله علی أيّ تقدیر، بایع أم لم یبایع، فمن الجدیر إتماما للحجة و إظهارا لمقاصدهم الخبیثة لجمیع البشر، أن یعرض علیهم البیعة حتی لا یقبلوا منه علی رؤوس الأشهاد الا النزول علی حکمهم) و لهذا لمّا كتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بثلاثة أمور مرّت ذكرها، رأوا أن مقاصدهم الخبيثة قد انماثت، و اضطرّوا إلى إظهار ما أضمروا، فقالوا لابدّ من النزول علی حكم ابن زياد! فإن عاقب فهو أولى بالعقوبة، و إن عفا كان ذلك له!! سبحان الله! ينزل أبو عبد الله الحسين(ع) على حكم ابن زياد الملعون الدعيّ، فيفعل في حقّ الإمام(ع) ما شاء! و غير خفيّ عند المطلّع على التاريخ أنه لا ريب أنّ ابن زياد كان يقتل الإمام(ع) بأذلّ قتلة، ليشيّد أركان خلافة يزيد و بني أمية في أوّل أمرها، فيصير دفع أمثال ابن الزبير سهلاً هيّناً جدّاً، (کما صرح بذلک العلماء، مثل العلامة المجلسی قده فی البحار ج‏45، ص 99: بل الظاهر أنه صلوات الله عليه لو كان يسالمهم و يبايعهم لا يتركونه لشدة عداوتهم و كثرة وقاحتهم بل كانوا يغتالونه بكل حيلة و يدفعونه بكل وسيلة و إنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك أ لا ترى‏ إلى مروان لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه و كان عبيد الله بن زياد عليه لعائن الله إلى يوم التناد يقول اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ثم نرى فيه رأينا أ لا ترى كيف أمنوا مسلما ثم قتلوه، و کذا قال صاحب الجواهر فی کلامه المتین جدا: ج‌21، ص 295: و ما وقع من الحسين عليه السلام مع أنه من الأسرار الربانية و العلم المخزون يمكن أن يكون لانحصار الطريق في ذلك، علما منه عليه السلام أنهم عازمون على قتله على كل حال كما هو الظاهر من أفعالهم و أحوالهم و كفرهم و عنادهم) و أيّة ذلّة أذلّ من هذا لوليّ الله عليه أفضل السلام، ففي هذه الشرائط قال الإمام(ع) «ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة و الذلّة و هيهات منّا الذلّة يأبى الله تعالى ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت...»، فلذا لم تكن مسألة بيعةٍ، بل مسألة النزول على الحكم، (أيّ ما) يريد ابن زياد أن يقتله أو يبقيه حيّاً، و هذه المذلّة كانت حراماً و كانت الشهادة واجبة، و من اللافت أنّ التقدير الإلهي لوليّه هو أنّه بأيّ فعل قد قام ـ غير الأسرار الباطنيّة ـ فهو دائرٌ بين الوجوب و الحرمة بحسب الظاهر، الآن لاحظوا هذه العبارة جيّداً و التي وردت في بحار الأنوار (ج 44، ص 383): «وَ كَتَبَ ابْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِلَى الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ يَا حُسَيْنُ فَقَدْ بَلَغَنِي نُزُولُكَ بِكَرْبَلَاءَ وَ قَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ أَنْ لَا أَتَوَسَّدَ الْوَثِيرَ وَ لَا أَشْبَعَ مِنَ الْخَمِيرِ أَوْ أُلْحِقَكَ بِاللَّطِيفِ الْخَبِيرِ أَوْ تَرْجِعَ إِلَى حُكْمِي وَ حُكْمِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ السَّلَامُ. فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُهُ عَلَى الْحُسَيْنِ(ع) وَ قَرَأَهُ رَمَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ اشْتَرَوْا مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: جَوَابُ الْكِتَابِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ عِنْدِي جَوَابٌ لِأَنَّهُ قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ؛ فَرَجَعَ الرَّسُولُ».

و كذلك ورد في بحار الأنوار(ج 44، ص 389): «وَ لَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ(ع) نُزُولَ الْعَسَاكِرِ مَعَ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ بِنَيْنَوَى وَ مَدَدَهُمْ لِقِتَالِهِ أَنْفَذَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَلْقَاكَ فَاجْتَمَعَا لَيْلًا فَتَنَاجَيَا طَوِيلًا ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى مَكَانِهِ وَ كَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَطْفَأَ النَّائِرَةَ وَ جَمَعَ الْكَلِمَةَ وَ أَصْلَحَ أَمْرَ الْأُمَّةِ هَذَا حُسَيْنٌ قَدْ أَعْطَانِي أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَكَانِ الّذي مِنْهُ أَتَى أَوْ أَنْ يَسِيرَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ فَيَكُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ‏ فَيَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ رَأْيَهُ وَ فِي هَذَا لَكَ رِضًى وَ لِلْأُمَّةِ صَلَاحٌ. فَلَمَّا قَرَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْكِتَابَ قَالَ هَذَا كِتَابُ نَاصِحٍ مُشْفِقٍ عَلَى قَوْمِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَقَالَ: أَتَقْبَلُ هَذَا مِنْهُ وَ قَدْ نَزَلَ بِأَرْضِكَ وَ أَتَى جَنْبَكَ وَ اللَّهِ لَئِنْ رَحَلَ بِلَادَكَ وَ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي يَدِكَ لَيَكُونَنَّ أَوْلَى بِالْقُوَّةِ وَ لَتَكُونَنَّ أَوْلَى بِالضَّعْفِ وَ الْعَجْزِ فَلَا تُعْطِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَإِنَّهَا مِنَ الْوَهْنِ وَ لَكِنْ لِيَنْزِلْ عَلَى حُكْمِكَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَإِنْ عَاقَبْتَ فَأَنْتَ أَوْلَى بِالْعُقُوبَةِ وَ إِنْ عَفَوْتَ كَانَ ذَلِكَ لَكَ. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ الرَّأْيُ رَأْيُكَ اخْرُجْ بِهَذَا الْكِتَابِ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَلْيَعْرِضْ عَلَى الْحُسَيْنِ وَ أَصْحَابِهِ النُّزُولَ عَلَى حُكْمِي فَإِنْ فَعَلُوا فَلْيَبْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً وَ إِنْ هُمْ أَبَوْا فَلْيُقَاتِلْهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ وَ إِنْ أَبَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فَأَنْتَ أَمِيرُ الْجَيْشِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ. وَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، لَمْ أَبْعَثْكَ إِلَى الْحُسَيْنِ لِتَكُفَّ عَنْهُ وَ لَا لِتُطَاوِلَهُ وَ لَا لِتُمَنِّيَهُ السَّلَامَةَ وَ الْبَقَاءَ وَ لَا لِتَعْتَذِرَ عَنْهُ وَ لَا لِتَكُونَ لَهُ عِنْدِي شَفِيعاً انْظُرْ فَإِنْ نَزَلَ حُسَيْنٌ وَ أَصْحَابُهُ عَلَى حُكْمِي وَ اسْتَسْلَمُوا فَابْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ سِلْماً وَ إِنْ أَبَوْا فَازْحَفْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَقْتُلَهُمْ وَ تُمَثِّلَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَحِقُّونَ فَإِنْ قَتَلْتَ حُسَيْناً فَأَوْطِئِ الْخَيْلَ صَدْرَهُ وَ ظَهْرَهُ فَإِنَّهُ عَاتٍ ظَلُومٌ وَ لَسْتُ أَرَى أَنَّ هَذَا يَضُرُّ بَعْدَ الْمَوْتِ شَيْئاً وَ لَكِنْ عَلَيَّ قَوْلٌ قَدْ قُلْتُهُ لَوْ قَدْ قَتَلْتُهُ لَفَعَلْتُ هَذَا بِهِ فَإِنْ أَنْتَ مَضَيْتَ لِأَمْرِنَا فِيهِ جَزَيْنَاكَ جَزَاءَ السَّامِعِ الْمُطِيعِ وَ إِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِلْ عَمَلَنَا وَ جُنْدَنَا وَ خَلِّ بَيْنَ شِمْرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ وَ بَيْنَ الْعَسْكَرِ فَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَاهُ بِأَمْرِنَا وَ السَّلَامُ».

ففي سلوك أهل البيت(ع) هناك شعاران مهمّان مترتّبان أحدهما على الآخر و هما:

هيهات منّا البيعة المغرِية

هيهات منّا الذِّلة الموهِنة المخزِية

لم يكن بالإمكان قبل أن يبيّنوا للأمّة، أن يبايعوا بيعة مغرية بالجهل بل قد تصرفوا بنحوٍ لا يقع عقلاءُ الناس في كلّ زمن في الاشتباه، و لذا نؤكّد على حرمة البيعة مع يزيد و لزوم الإعلان الرسمي بحيث يبقى على مدى التاريخ: أيّها الناس على الإسلام السلام إذا ابتُليَتِ الأمّة براعٍ مثل يزيد (بحار الأنوار ج 44، ص 326، في جواب نصيحة مروان في المدينة)، و هنا هو مكان «هيهات منّا البيعة» ، و مثله لكلّ المعصومين(ع) ، ألا ترى ما أطرف طريقة أمير المؤمنين(ع) في مبايعة أبي بكر بحيث إنّ أحد المؤرخين السنة (ابن كثير في البداية و النهاية) يصالح بين طائفتين من علماء أهل السنة الذين بعضهم يقول إن أمير المؤمنين(ع) قد بايع أبا بكر من أول الأمر، و بعضهم يقول إنّه لم يبايع إلى مدّة، فيقول إنّه قد بايع مرتين!، بلى لم يسمحِ الشيعة أن يُنسَى ما وقع في البيعتين، إنّ البيعة الأولى كانت مع التقييد بالحبل والثانية كانت مع «في العين قذى و في الحلق شجى»، فبعد الإبلاغ و إتمام الحجّة فإنّ موضوع حرمة البيعة يعطي مكانه لموضوع وجوب التقيّة حيث قالوا(ع): «التقيّة ديني و دين آبائي»، لكن لمّا كانت التقيّة هي لحقن الدم، و في حال كون القتل حتميّاً يرتفع موضوع التقيّة و يأتي الدور لـ «هيهات منّا الذلّة». و المؤلم هو عبارة الشمر الملعون الّذي هو في نفس الوقت يبيّن الشرائط الحاكمة على ذاك العصر فيقول: «إن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة» الّذي يُستنتج منه أنّ القتل كان حتميّاً و حسب الظاهر أنّ ذلك كان معلوماً و لا يحتاج إلى العلم الغيبي الّذي لدى الإمام(ع)، لأنّ الملعون الأزلي عبيد الله لم يكن يترك الأولى و الراجح!!.

فإذن قد بُيّنَ تحليلٌ فقهيٌّ موحّدٌ و منسجمٌ لسلوك المعصومين(ع) و منهجهم بغضّ النظر عن الأسرار و العلوم الباطنيّة التي لديهم، و أصبح معلوماً أنّ التغاير لا محلّ له في سلوكهم(ع).

و لعلّ قضية التكذيب المشهور لعقبة بن سمعان الّذي كان خادماً للإمام(ع) يُحمَل على هذا، فبعد شهادة الإمام(ع)، قد واجه يزيد و بنو أميّة عاراً و فضيحة كبيرة، فلذا كانوا يسعون أن يُظهِروا أنّه لا علاقة لها بيزيد، و أنّ الجريمة كانت من فعل ابن زياد، و هكذا كانوا يظهرون أنّ الإمام(ع) كان (راغبا) حاضراً للبيعة مع يزيد لكن ابن زياد لم يسمح له، في حين أنّه كان من المحال أن يبايع الإمام(ع) يزيدَ إلا إذا وصلت شرائط التقيّة لمرحلة الوجوب، و لذلك إنّ خادم الإمام(ع) أي عقبة بن سمعان قد قال: إنّهم يكذبون، و الله لقد كنت ملازماً للإمام(ع) في كلّ مكان و لم يكن الإمام(ع) راضياً للبيعة مع يزيد للحظة واحدة، تاريخ الطبري(5/413): «عن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، و من مكّة إلى العراق، و لم أفارقه حتى قتل، و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر إلى يوم مقتله إلا و قد سمعتها، ألا و الله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، و لا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، و لكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس» ، فهل يمكن أن نقول إنه يريد البيعة طوعاً؟ أي الّتي تكشف عن رضا الإمام(ع) بخلافة يزيد، إذ إنّ بني أمية كانوا يريدون أن يعطوا مشروعيةً لحكومتهم بهذا النحو، و نفاه ابن سمعان بقوله: و الله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس. و الله العالم.