بسم الله الرحمن الرحیم

انصراف-تعارف-کثرت افراد-اطلاق-عموم

فهرست فقه
قیاس و تنقیح مناط
قاعدة الاحکام تدور مدار الاسماء
مجلة فقه أهل البيت عليهم السلام-قاعدة الانصراف‌-الشيخ أحمد المبلغي‌
انصراف-تعارف-کثرت افراد-اطلاق-عموم
شبهه حکمیه-موضوعیه-مصداقیه-صدقیه

انسباق-انسیاق-





مستمسك العروة الوثقى؛ ج‌6، ص: 498
[ (مسألة 3): يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها]
(مسألة 3): يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللغات غير العربية (4)، و إن كان لا يتحقق وظيفة القنوت إلا بالعربي، و كذا في سائر أحوال الصلاة و أذكارها. نعم الأذكار المخصوصة لا يجوز إتيانها بغير العربي.
المحكي عن الصدوق في الفقيه و كثير من القدماء جواز القنوت بالفارسية، بل نسب الى المشهور، بل في محكي جامع المقاصد «أنه لا يعلم‌ قائلا بالمنع، سوى سعد بن عبد اللّه». و عن الفقيه «1» الاستدلال له بما‌
أرسله عن أبي جعفر (ع): «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه عز و جل» «2»‌
ثمَّ قال بعد هذا الخبر: (لو لم يرد هذا الخبر لكنت أخبره بالخبر الذي‌ روي عن الصادق (ع) أنه قال: «كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي» «3». و النهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد للّه).
أقول: النصوص المذكورة و غيرها مثل‌ صحيح ابن مهزيار: «سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه؟ قال (ع): نعم» «4»‌ ، و‌ صحيح الحلبي: «كلما ذكرت اللّه عز و جل به و النبي (ص) فهو من الصلاة» «5»‌ إطلاقها من حيث اللغة غير ظاهر.
بل دعوى انصرافها الى خصوص اللغة العربية، بمناسبة كون الأقوال الصلاتية عربية، قريبة جداً. و لذا استقرب في الحدائق، و عن شرح المفاتيح للوحيد المنع. و لو سلم إطلاقها، فلا تصلح لإثبات مشروعية القنوت بغير العربي لعدم الملازمة. و لذا استدل بعضهم على ذلك بما سبق من نفي التوقيت فيه.
لكن الظاهر من نفي التوقيت التعميم من حيث المضمون، لا من حيث اللغة. بل لا تبعد دعوى الانصراف فيه الى أنه كسائر الموظفات الصلاتية لا بد أن يكون باللغة العربية. و لذا قال في الجواهر: «قد يقوى في النظر عدم الاجتزاء به عن وظيفة القنوت، و ان قلنا بعدم بطلان الصلاة مع الدعاء‌ به. للأصل فيهما. و إمكان دعوى حصول القطع من ممارسة أحوال الشرع في العبادات، واجبها و مندوبها، و المعاملات، و الإيقاعات، و غيرها، بعدم اعتبار غير اللغة العربية، فارسية، و غيرها، و كل ما أمر فيه بلفظ و قول و كلام و نحوها لا ينساق الى الذهن منه إلا العربي الموافق للعربية ..»‌
و الاشكال في بعض ما ذكره لا يهم فيما هو المقصود من دعوى الانصراف في المقام الى خصوص اللغة العربية على نهجها الصحيح.
نعم يمكن الرجوع الى أصالة البراءة من المانعية في جواز الدعاء بالفارسية بعد عدم شمول ما دل على قادحية الكلام عمداً لذلك، كما أشار إليه في الجواهر. و من هنا يتجه التفصيل في المتن بين الدعاء بالفارسية فيجوز، و القنوت به فلا يصح و لا تؤدى به وظيفته. و اللّه سبحانه أعلم.











مستمسك العروة الوثقى؛ ج‌7، ص: 136
فصل في قضاء الولي يجب على ولي الميت رجلا كان الميت أو امرأة على الأصح (1)، حرا كان أو عبدا- (2) أن يقضي عنه ما فاته من الصلاة لعذر (1)، من مرض أو سفر أو حيض (2)، فيما يجب فيه القضاء و لم يتمكن من قضائه (3)، و ان كان الأحوط قضاء جميع ما عليه (4).
------------------
كما عن المحقق في بعض رسائله، و عن الذكرى و الموجز. لإطلاق رواية ابن سنان المتقدمة، لأن الميت يستوي فيه المذكر و المؤنث. لكن المحكي عن المشهور: العدم، لاختصاص أكثر النصوص بالرجل، كما ستأتي و انصراف الرواية المذكورة إليه. لكن اختصاص أكثر النصوص بالرجل لا يقتضي تقييد الأقل به إذا كان مطلقا ليرجع في المرأة إلى أصالة البراءة و الانصراف ممنوع. بل يمكن الاستدلال في المرأة بما دل من النصوص على وجوب قضاء الولي عنها في الصوم- لو تمَّ- كما هو المنسوب الى المعظم، بناء على عدم الفرق بينه و بين الصلاة.

على ما هو ظاهر المشهور. لإطلاق النصوص. و في القواعد: «في القضاء عن العبد إشكال». و عن الفخر: الجزم بالعدم. و لا وجه له ظاهر غير دعوى الانصراف الممنوعة، و غير كون الاولى بالعبد هو‌ المولى، و لا يجب عليه القضاء عنه إجماعا، المدفوع بما قيل: من أن المراد من الاولى به الاولى به من الأقارب. و لذا خصه المشهور بالولد الذكر الأكبر لا مطلق الاولى، كي يختص بالسيد المجمع على عدم وجوب قضائه.
نعم حكي عن الفخر توجيهه بما لو تمَّ لاقتضى قصور بعض النصوص عن إثبات الحكم في العبد، لا تقييد المطلق منها بالحر. فالعمل على الإطلاق.

كما هو المحكي عن المحقق- في بعض رسائله- و عن عميد الدين و الشهيدين. لانصراف نصوص القضاء اليه. لكنه ممنوع. و لذا حكي عن المشهور: وجوب قضاء جميع ما فاته و لو عمدا، بل نسب الى ظاهر النص و إطلاق الفتوى. و عن ظاهر الغنية: الإجماع عليه. و قيل- كما عن الحلي و ابن سعيد-: لا يقضي إلا ما فاته في مرض الموت. و لكنه غير ظاهر الوجه.
المرض و السفر ليسا عذرا في الصلاة، و إنما يكونان عذرا في الصوم. و الحيض عذر في الصلاة، لكن تركها فيه لا يوجب القضاء.
فكأن المراد من العذر فيه ما هو أعم من العذر الشرعي و العرفي، مقابل الفوات لا عن عذر، و لكن العبارة لا تساعد عليه.
هذا قيد زائد على ما ذكره المحقق و من تبعه. و منشؤه: دعوى الانصراف المتقدمة مع منعها.
بل هو الذي يقتضيه إطلاق الأدلة.





مستمسك العروة الوثقى؛ ج‌7، ص: 144
(مسألة 1): إنما يجب على الولي قضاء ما فات عن الأبوين من صلاة نفسهما (2)، فلا يجب عليه ما وجب عليهما بالاستئجار، أو على الأب من صلاة أبويه من جهة كونه وليا.
________________________________________
كما نص عليه غير واحد. لانصراف المطلقات إليها، و اختصاص غيرها بها.







مستمسك العروة الوثقى؛ ج‌12، ص: 146
(مسألة 23): يجوز الجمع بين الإجارة و البيع- مثلا- بعقد واحد (1)، كأن يقول: بعتك داري و آجرتك حماري بكذا. و حينئذ يوزع العوض عليهما بالنسبة، و يلحق كلًا منهما حكمه.
--------------------
قال في الشرائع- في ذيل مسألة بيع الصاع من صبرة-: «لو جمع بين شيئين مختلفين في عقد واحد- كبيع و سلف، أو إجارة و بيع، أو نكاح و إجارة- صح، و يقسط العوض على قيمة المبيع، و أجرة المثل، و مهر المثل». و في المسالك: «لا خلاف عندنا في ذلك كله».
و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه». و لكن قد يشكل ذلك من جهة عدم معلومية الثمن و لا الأجرة، للجهل بالنسبة. و جواز ذلك في بيع الصفقة أو إجارة الصفقة لا يقتضي الجواز هنا، لأجل أن الثمن أو الأجرة هناك معلوم، و إن كان ما يقابل كل واحد من أبعاض المبيع أو المستأجر مجهولًا، و هنا كل من الثمن و الأجرة مجهول. اللهم إلا أن يقال: إن العمدة في دليل المنع مع الجهل هو الإجماع، و هو منتف في المقام.
و في الجواهر: حكى عن الأردبيلي التأمل في الصحة، لما سبق، و للشك في مثل هذا العقد. و دفع الأول بما أشرنا إليه من أن المعلوم من قدح الجهالة ما إذا كان البيع عقداً مستقلا. و دفع الثاني: بأنه خلاف الإطلاق، و أنه لو بني على اختصاص العموم بالعقود المتعارفة، فظهور اتفاق الأصحاب عليه يقتضي دخوله في المتعارف. انتهى. و الأخير كما ترى، فان كونه غير متعارف أمر وجداني لا يقبل الشك، كي يكون اتفاق الأصحاب دليلًا على خلافه.
فالعمدة: منع الاختصاص بالمتعارف، بل ضرورة الفقه على خلاف ذلك، و إلا لزم تأسيس فقه جديد، كما أشرنا إلى ذلك في غير مورد من مباحث هذا الشرح. ثمَّ إنه لو بني على وجود إطلاق يقتضي قادحية الجهالة في المقام- كما يقتضيه استدلال الأصحاب على ذلك بما ورد من‌ نهي النبي (ص) عن بيع الغرر «1»- فاتفاق الأصحاب على المقام يقتضي الخروج عنه، فلاحظ.





مستمسك العروة الوثقى؛ ج‌14، ص: 299
ثمَّ إن المولى إذا أذن فتارة يعين مقدار المهر، و تارة يعمم، و تارة يطلق، فعلى الأولين: لا إشكال. و على الأخير:
ينصرف الى المتعارف (3). و إذا تعدى وقف على إجازته (4).
-----------------
قد تكرر بيان أن التعارف لا يوجب الانصراف المعتد به، و لو أوجب ذلك لزم تأسيس فقه جديد. لكن بناء الفقهاء في باب التوكيل في البيع و الشراء و الإجارة و أمثالها. على الانصراف الى المتعارف، و تقييد الإطلاق به، فاذا تعدى الوكيل كان العقد فضوليا، و لا يصح إلا بإجازة المالك. و وجهه: أن الوكيل يجب عليه ملاحظة مصلحة الموكل، فالتعدي عن مهر المثل خلاف مصلحته. و كأنه في المقام كذلك. و عليه فلا بد من ملاحظة مصلحة المالك في تصرف العبد، و التجاوز عن مهر المثل خلاف مصلحته. و إذا كان المهر في ذمة العبد يتبع به بعد العتق، و قد أذن له المولى، فلا بأس لو تجاوز المهر مهر المثل، لأنه لا يرتبط بمصلحة المولى.




مستمسك العروة الوثقى؛ ج‌8، ص: 14
(مسألة 1): الفرسخ ثلاثة أميال و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، الذي طوله أربع و عشرون إصبعاً، كل إصبع عرض سبع شعيرات (1)، كل شعيرة عرض سبع شعرات، من أوسط شعر البرذون.
(مسألة 2): لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ و لو يسيراً لا يجوز القصر، فهي مبنية على التحقيق، لا المسامحة العرفية (2) نعم لا يضر اختلاف الأذرع المتوسطة في الجملة (3) كما هو الحال في جميع التحديدات الشرعية.
----------------
(1) قيل: إنه المشهور. لكن تقدم في محكي كلام الأزهري: أنه ست شعيرات. و لعل الحاجة غير ماسة إلى معرفة ذلك، لأن الذراع المقدر بأربع و عشرين إصبعاً هو الذراع المتعارف عند الأعراب اليوم، الذي هو من المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، فإنه ست قبضات، أربع و عشرون إصبعاً، فيكون المعيار منه المتعارف، كما هو الحال في سائر التحديدات، و لا تنتهي النوبة إلى تحديده بالإصبع، فضلا عن تحديد الإصبع و الشعيرة.فلاحظ، و تأمل.
(2) كما تقتضيه ظواهر الأدلة في المقام و في سائر موارد التحديد.
(3) هذا ينافي ما تقدم من الضبط بالشعرة. و كيف كان فالعمل على أقل الأذرع المتوسطة.









مطارح الأنظار ( طبع جديد ) ؛ ج‏2 ؛ ص263
هداية [- شروط حمل المطلق على الإطلاق‏]
قد عرفت أنّ حمل المطلق على الإطلاق موقوف على أمرين: أحدهما عدميّ، و الآخر وجوديّ، و يتولّد من كلّ واحد منهما شرط للحمل على الإطلاق، كما أفاده بعض المحقّقين في فوائده‏ .
الأوّل: أن لا يكون منصرفا إلى بعض الأفراد.
و الوجه في ذلك: الاشتراط ظاهر بعد قيام الانصراف مقام التقييد اللفظي، إلّا أنّه لا بدّ من توضيح موارده، فنقول:
إنّ له أقساما:
أحدها: الشيوع الحضوري‏ بمعنى حضور بعض أقسام المعنى في الذهن بواسطة استيناس حاصل به مع القطع بعدم كونه مرادا بالخصوص كانصراف الماء إلى ما هو المتعارف شربه في البلد، كالفرات في العراق مثلا.
ثانيها: ما هو أقوى من ذلك مع ارتفاعه بالتأمّل، و هو المسمّى بالتشكيك البدوي.
و ثالثها: أن يكون الشيوع موجبا لاستقرار الشكّ و استمراره على وجه لا يزول بالملاحظة و التأمّل، نظير الشكّ الحاصل في المجاز المشهور عند التردّد في وصول الشهرة حدّا يمكن معها التصرّف. إلّا أنّه في المجاز محكوم بإرادة


مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏2، ص: 264
الحقيقة نظرا إلى أصالتها، و في المقام محكوم بالإجمال نظرا إلى أنّ الحكم بالإطلاق ممّا لا قاضي به. أمّا على المختار فلأنّ بعد احتمال البيان قويّا لا ضير في ترك الإطلاق و لا يجري فيه أصالة الحقيقة، و أمّا على المجازيّة [كما عليه المشهور] فلأنّ شيوع هذا المجاز هو الفارق بينه و بين غيره من عدم جريان أصالة الحقيقة عند احتماله.
و رابعها: بلوغ الشيوع حدّ الشياع في المجاز المشهور عند تعارضه مع‏ الحقيقة المرجوحة، إلّا أنّه يحكم في المجاز بالتوقّف و بالتقييد في المقام.
أمّا على المختار، فلما عرفت من صلاحيّته للبيان و بعد وجود ما يصلح له لا يحكم العقل بالإطلاق من غير فرق بين القرينة الداخلية- أعني الشيوع- و غيرها. و ما توهّم: من أنّ الشيوع لا يصلح أن يكون دليلا على الخصوصيّة و التقيّد ليلزم منه كون المطلق حقيقة، بل إنّما هو صالح لأن يراد من المطلق المقيّد فيكون مجازا حينئذ لا محالة، فهو فاسد، إذ لم نجد ما يقضي بذلك، فكما أنّه يمكن ذلك فيه فما نحن فيه أولى به.
و أمّا على المشهور، فلوضوح الفرق بين المجازات كما عرفت، و لعلّ الوجه هو الأخذ بالمعلوم، فإنّ المقيّد هو القدر المتيقّن على دخوله في المطلق، إلّا أنّ ذلك خلاف الاحتياط عند عدم التمكّن من المقيّد، فلا بدّ من بيان ما هو الملاك في التقييد. نعم، يتمّ ذلك في مقام العمل، فتأمّل.
و خامسها: بلوغ الشيوع حدّ الاشتراك ثمّ النقل. و قد يتوهّم على المختار من عدم لزوم مجاز في التقييد بلوغه ذلك الحدّ مشكل؛ لأنّ المعنى الموضوع له‏


مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏2، ص: 265
محفوظ في جميع المراتب و لا يختلف باختلاف الوجوه كما عرفت و النقل مسبوق بالمجاز لا محالة، فكيف يتصوّر ذلك؟
و الجواب عن ذلك: أنّ ما ذكرنا إنّما هو في مقام بيان عدم الملازمة بين التقييد و المجاز، و إلّا فقد يمكن أن يكون التقييد مجازا، كأن يراد من لفظ المطلق- الموضوع لنفس المعنى- المقيّد بواسطة القرينة، و لا امتناع في ذلك، كيف و العموم و الخصوص من العلائق التي تراعى بين المعاني الحقيقيّة و المجازيّة، و من موارد تلك العلاقة استعمال الكلّي و المطلق في الفرد و المقيّد، فيمكن حصول النقل بملاحظة هذا النحو من الاستعمال. نعم ذلك غير ممكن على الوجه الآخر الذي لا يلزم على تقديره مجاز؛ مع أنّه يمكن القول بإمكانه على ذلك التقدير أيضا، كأن يكون الذهن غير ملتفت إلى ما يوجبه التقييد لكثرة استيناسه بما يوجب التقييد، فينتقل تارة بعد تأكيد الأنس إلى المقيّد مع قطع النظر عمّا يوجبه، نظير حصول النقل على وجه المجازيّة أيضا.
ثمّ إنّ الانصراف كما يختلف مراتبه- كما عرفت- كذلك يختلف مراتبه؛ لأنّه بمنزلة التقييد، بل هو هو بعينه، إلّا أنّ المقيّد هنا لبّي، فقد يكون اللفظ من إحدى الجهات منصرفا و مطلقا من جهة غيرها، و يلحق بكلّ جهة حكمها، من دون سراية إلى الاخرى.
و لو شكّ في الانصراف أو في بلوغه حدّا لا يؤخذ معه بالإطلاق، ففي الأخذ به أو عدمه وجهان، و لعلّ الأوّل أقرب، لعدم العلم و لا ما يقوم مقامه من أصل و نحوه بالبيان، فاعتبار المتكلّم على ذلك قبيح و لا رافع له من حكم العرف بالبيان، فتأمّل.


مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏2، ص: 266
تفريع: إذا قام إجماع أو نحوه على ثبوت حكم المنصرف إلى الشائع للفرد النادر، فهل يوجب ذلك الحكم بإطلاقه من جميع الجهات التي يكون منصرفا بالنسبة إليها، أو لا فيقتصر على ثبوت الحكم لذلك المورد بالخصوص و يؤخذ بالانصراف في الجهات الباقية؟ وجهان بل قولان، فالمشهور على الثاني، و نسب إلى الشريف المرتضى‏ الأوّل حيث حكم بجواز التطهير بالمضاف. خلافا للمشهور لذهابهم إلى عدم الجواز لانصراف الغسل إلى ما يحصل بالماء المطلق.
فقال المرتضى: إنّ الغسل بالمضاف كما أنّه من الأفراد النادرة فكذلك الغسل بماء الكبريت و نحوه من الأفراد النادرة أيضا، و الإجماع على جواز التطهير بأمثال ماء الكبريت ثابت‏ و بذلك يستكشف عن كون المراد هو المطلق على وجه الاطلاق‏ .
و قال بعضهم: إنّ الحقّ في ذلك هو التفصيل، بأن يقال: إن علمنا أنّ مستند الإجماع على تعلّق الحكم الكذائي ببعض الأفراد النادرة هو تعلّق الحكم على المطلق ليكون فتوى المجمعين مستندا إلى ظاهر الإطلاق، فالتعويل على ما اختاره الشريف المرتضى كما هو كذلك في الفرع المتنازع فيه، فلا وجه لردّ السيّد بالانصراف و لا بدّ له من إبداء وجه غيره. و إن لم يعلم ذلك فلا، إذ لعلّ هناك دليلا خاصّا دلّ على تعلّق الحكم المذكور بخصوص هذا الفرد النادر، كما لا يخفى.


مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏2، ص: 267
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ النسبة المذكورة ممّا لا دليل عليها، فإنّ السيّد حكم بالإطلاق في ذلك المورد الخاصّ لا مطلقا، و هو في محلّه.
و يمكن أن يقال: إنّ ذلك غير وجيه بعد تعدّد جهات الإطلاق و الانصراف، فإنّهم لو استندوا إلى الإطلاق من جهة خاصّة لا ملازمة بين ذلك و بين استنادهم إليه من جهة أخرى، فإنّ الانصراف أيضا كما عرفت من التقييد، فكما لا ينافي ورود التقييد اللفظي الآخذ بالإطلاق من جهة لم يرد فيها فكذلك الانصراف.
و لكنّه لا بدّ من التأمّل من حيث نسبة ذلك إلى من هو أعرف منّا بمواقع الكلام.
الشرط الثاني: إذا فرض لإطلاق المطلق جهات عديدة، فالشرط في حمله على الاطلاق من كلّ جهة أن يكون واردا في مقام بيان تلك الجهة بخصوصها، فلا يجوز التعويل على الإطلاق في الجهة التي لم يرد المطلق في مقام بيانها.
و وجه الاشتراط ظاهر بعد ما عرفت من‏






مطارح الأنظار ( طبع جديد ) ؛ ج‏2 ؛ ص277
تذنيبان:
الأوّل: [الكلام في دعوى انصراف المطلق إلى بعض الأفراد]
قد تكرّر في كلماتهم دعوى انصراف المطلق إلى بعض الأفراد مثل ما يظهر من جماعة : من دعوى انصراف المسح في آية التيمم‏ إلى المسح بباطن اليد، و قد عرفت أنّ قضيّة الانصراف كالتقييد اللفظي من أنّ متعلّق الحكم هو الفرد الخاصّ [على وجه يدور معه الحكم وجودا و عدما فلا يصحّ التيمّم لو وقع المسح بظاهر اليد اختيارا و لو تعذّر الفرد الخاصّ‏] فيحتاج إثبات الحكم في فرد آخر إلى التماس دليل آخر، و مع ذلك فقد تراهم يتمسّكون بنفس الإطلاق لإثبات الحكم في الفرد الغير الشائع عند تعذّر الفرد الشائع، فقالوا بوجوب المسح بظاهر اليد عند تعذّر المسح بباطن اليد. و يمكن التفصّي عنه بوجهين:
أحدهما: أنّ الاستناد إلى الإطلاق بعد تعذّر القيد إنّما هو فيما إذا قلنا بالتقييد من حيث إنّ المقيّد هو القدر المتيقّن من المطلق، و لا شكّ أنّ الأخذ بالفرد الآخر بعد تعذّر القدر المتيقّن أيضا احتياط. و لا ينافي ذلك عدم حصول الامتثال به عند إمكان القدر المتيقّن؛ لأنّ الاحتياط في خلافه حينئذ.


مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏2، ص: 278
و فيه: أنّه و إن لم يكن بعيدا عن مذاق الجماعة، إلّا أنّه خلاف التحقيق في وجه الحمل، كيف! و القول بالاحتياط عند وجود الدليل الكاشف عن الواقع وجوبا ممّا لم نقف على قائل به، فإنّ المطلق ليس مجملا عندهم، بل يعاملون معه معاملة الدليل، كما لا يخفى، فلا وجه لأن يكون ذلك وجها لهذه المسألة الاتّفاقيّة.
الثاني من الوجهين: أنّ أفراد المطلق كقولك: «رقبة» تارة تلاحظ من جهة الإيمان و الكفر، و أخرى من جهة حال الاختيار و الاضطرار، فإنّ هذه أيضا جهة ملاحظة الاطلاق‏ و التقييد بالنسبة إليها، و تقييد المطلق من جهة لا يستلزم تقييده من جهة أخرى، فإذا فرضنا أنّ الرقبة قد قيّدت بالإيمان في إحدى الحالتين فقط، فلا بدّ من الأخذ بالإطلاق في غير تلك الحالة.
و إذ قد تقرّر ذلك نقول: يحتمل أن يكون الموارد التي رجعوا فيها إلى الإطلاق من هذا القبيل، كأن نقول: إنّ المسح في آية التيمّم إنّما هو محكوم بالإطلاق بالنسبة إلى ما هو يقع به‏ من الظاهر و الباطن، و انصرافه إلى أحد فرديه في حالة خاصّة- و هي حالة الاختيار- لا يقتضي انصرافه إلى أخرى، فيصحّ التمسّك بالإطلاق فيها.
نعم، لو كان المقيّد ممّا يعقل فيه إطلاق كان إطلاقه دليلا على التقييد في الحالتين، إلّا أنّ الانصراف حكمه حكم المقيّدات اللبيّة لا بدّ فيها من الاقتصار على ما هو المعلوم من التقييد؛ و ذلك نظير ما قلنا بصحّة الصلاة في الدار المغصوبة


مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏2، ص: 279
عند النسيان، فإنّ الخارج من إطلاق الأمر هو حال الذكر و الاختيار، لامتناع الاجتماع على تقدير عدم خروجها، و إطلاق الأمر باق يصحّ التعويل عليه في الحكم بالصحّة و حصول الامتثال عند عدم المزاحم‏ .
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين المجاز من خروج الشياع عن معنى اللفظ و غيره، و الوجه في ذلك: أنّ المتكلّم بالمطلق إذا حاول الشيوع و السراية لا بدّ له من أوّل الأمر أن يلاحظ المعنى على وجه السراية و الإشاعة، ثمّ يستكشف ذلك بملاحظة عدم ورود البيان و القيد مع كونه واردا في مقام البيان. كما أنّه إذا لم يرد ذلك و أراد نفس المعنى لا بدّ و أن يكون مقصوده من أوّل الأمر الكشف عن نفس المعنى بدون ملاحظة شي‏ء آخر، و يستكشف ذلك من عدم وروده في مقام البيان و من ورود القيد، فإذا فرضنا ورود قيد للماهيّة يكشف ذلك عن إهمالها من أوّل الأمر، و بعد تعذّر القيد لا يعقل أن ينقلب المعنى عمّا كان عليه من الإهمال، لامتناع خروج الشي‏ء عمّا وقع عليه.
إلّا أن يستند إلى ما ذكرنا في الجواب من تغاير جهات الإطلاق. و إهمال المعنى من جهة ورود القيد الكاشف عنه لا ينافي إطلاقه من جهة أخرى، لعدم ورود القيد مع وروده في مقام البيان من تلك الجهة. و انفكاك هذه الجهات بعضها عن بعض ممّا لا ينبغي الارتياب فيه كما يظهر بملاحظة العموم في هذه الجهات، كما لا يخفى.
و بالجملة، فلا وجه للفرق بين المذهبين في ورود الإشكال و دفعه، كما قرّرنا.


مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏2، ص: 280
نعم في المقام إشكال آخر يشبه بما تقدّم يحتمل فيه الفرق بينهما، و تقريره:
أنّهم قالوا في كثير من الموارد باختلاف حكم العاجز و القادر، فيجب على القادر الإتيان بالسورة و يسقط عن العاجز، فعلى المشهور من القول بالمجازيّة يكون الصلاة في قوله: أَقِيمُوا الصَّلاةَ مستعملة في المقيّد بخصوصها، فإذا فرضنا تعذّر القيد لا وجه للاستناد إلى المطلق‏ في إثبات الصلاة بدون القيد للعاجز و لو بضميمة قوله‏ : «الميسور لا يسقط بالمعسور» فإنّ ذلك يصلح وجها لتشريع وجوب الميسور بعد تعذّر المقيد، لا لإرادة وجوبه من الدليل الأوّل، لاستلزامه استعمال المطلق تارة في المقيّد و أخرى في المطلق على وجه الترتيب‏ ، فإنّ الإطلاق ليس في عرض المقيّد ، بل إنّما هو مترتّب على انتفاء المقيّد، و هذا موقوف على استعمال جديد و إنشاء لفظ آخر غير اللفظ المنشأ أوّلا و إن قلنا بجواز استعمال اللفظ في المعنيين أيضا؛ لأنّهما إنّما يكون أحدهما في عرض الآخر على تقدير جوازه، و على المختار يصحّ الاستناد إلى المطلق بضميمة قوله‏ : «الميسور لا يسقط بالمعسور» فإنّ المطلق لا يراد منه غير نفس المعنى، و له بيانان: أحدهما المقيّد و ثانيهما قوله: «الميسور» بالنسبة إلى الحالتين. و لا ضير فيه بوجه، لعدم اختلافه باختلاف أحواله و طواريه كما قدّمنا.










كفاية الأصول ( طبع آل البيت ) ؛ ص249
ثم إنه قد انقدح بما عرفت من توقف حمل المطلق على الإطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف لظهوره فيه أو كونه متيقنا منه و لو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف كما أنه منها ما لا يوجب ذا و لا ذاك بل يكون بدويا زائلا بالتأمل كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.
لا يقال كيف يكون ذلك و قد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا.
فإنه يقال مضافا إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له لا عدم إمكانه فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الإمكان إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق و لو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة تجب له مزية أنس كما في المجاز المشهور أو تعينا و اختصاصا به كما في المنقول بالغلبة فافهم.
تنبيه [أنواع الانصراف‏]
و هو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة كان واردا في مقام البيان من جهة منها و في مقام الإهمال أو الإجمال من أخرى فلا بد في حمله على الإطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة و لا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة كما لا يخفى.







أجود التقريرات ؛ ج‏1 ؛ ص532
(و ينبغي التنبيه في المقام على أمور)
الأول ان الانصراف و ان كان مانعاً من جواز التمسك بالإطلاق إلّا أنه يختص ببعض أقسام الانصراف‏
و لا يعم جميعها (توضيح ذلك) ان الانصراف قد ينشأ من غلبة الوجود في الخارج كانصراف لفظ الماء في بغداد إلى ماء الدجلة و في مكان آخر إلى غيره و يسمى هذا الانصراف بدوياً يزول بأدنى التفات و هذا لم يتوهم كونه مانعاً من التمسك بالإطلاق و قد ينشأ من التشكيك في الماهية في متفاهم العرف و هذا يكون على قسمين فان التشكيك تارة يكون بحيث يرى العرف بعض المصاديق خارجاً عن كونه فردا لما يفهم من اللفظ فينصرف اللفظ عنه لا محالة كانصراف لفظ ما لا يؤكل لحمه عن الإنسان و أخرى يكون بحيث يشك العرف في كون فرد مصداقاً لمفهوم اللفظ عند إطلاقه فينصرف اللفظ إلى غيره كانصراف لفظ الماء إلى غير ماء الزاج و الكبريت (اما القسم الأول) فلا ريب في ان اللفظ المطلق فيه يكون من قبيل الكلام المحفوف بالقرينة المتصلة فلا ينعقد له ظهور الا في غير ما ينصرف عنه اللفظ (و اما القسم الثاني) فالانصراف فيه و ان لم يوجب ظهور المطلق في إرادة خصوص ما ينصرف إليه إلّا ان المطلق مع هذا الانصراف يكون في حكم الكلام المحفوف بما يصلح لكونه قرينة فلا ينعقد له ظهور في الإطلاق فالانصراف الناشئ عن التشكيك في الماهية يمنع من انعقاد الظهور في الإطلاق على كل حال و اما تقسيم الانصراف في كلام بعض المحققين إلى ما يزيد على عشرة أقسام فلا فائدة تترتب عليه و انما المهم منها هو ما ذكرناه‏





مصباح الأصول ( مباحث الفاظ - مكتبة الداوري ) ؛ ج‏2 ؛ ص602
ما يوجب الانصراف من الاطلاق:
ثمّ انّ الماهية تارة تلحظ بالاضافة الى أفراد يكون صدقها عليها بالتواطئ و التساوي، و اخرى تلحظ بالاضافة الى أفراد يكون صدقها عليها بالتشكيك، حيث قد برهن في محلّه استحالة التشكيك في الماهيات، و نقصد بالتشكيك و التواطؤ هنا التشكيك و التواطؤ بحسب المتفاهم العرفي و ارتكازاتهم، و له عوامل عديدة:
1- علوّ مرتبة بعض أفراد الماهية على نحو يوجب انصرافها عنه عرفا، و من ذلك لفظ الحيوان، فانّه موضوع لغة لمطلق ما له الحياة، فيكون معناه اللغوي جامعا بين الانسان و غيره، الّا أنّه في الاطلاق العرفي ينصرف عن الانسان.
مصباح الأصول ( مباحث الفاظ - مكتبة الداوري )، ج‏2، ص: 603
و من هنا ذكرنا أنّ المتفاهم العرفي من مثله قوله عليه السّلام: «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» ، هو خصوص الحيوان في مقابل الانسان، فلا مانع من الصلاة في شعر الانسان و نحوه.
و كيف كان فلا شبهة في هذا الانصراف بنظر العرف، و لا يمكن التمسك بالاطلاق في مثل ذلك، لفرض أنّ الخصوصية المزبورة مانعة عن ظهور المطلق في الاطلاق، و تكون بمنزلة القرينة المتصلة الّتي تمنع عن انعقاد ظهوره فيه.
2- دنوّ مرتبة بعض أفرادها على نحو يكون صدقها عليه موردا للشك، كصدق الماء على ماء الكبريت أو ما شاكله، ففي مثل ذلك لا يمكن التمسك بالاطلاق ايضا، و ذلك لانّ المعتبر في التمسك به هو أن يكون صدق المطلق على الفرد المشكوك فيه محرزا، و الشك انّما كان من ناحية اخرى.
و أمّا فيما اذا لم يكن أصل الصدق محرزا فلا يمكن التمسك به، و ما نحن فيه من هذا القبيل، حيث انّ أصل الصدق مشكوك فيه فلا يمكن التمسك باطلاق لفظ الماء بالاضافة الى ماء الكبريت أو نحوه، غاية الامر أنّ الاوّل من قبيل احتفاف الكلام بالقرينة المتّصلة، و الثاني من قبيل احتفافه بما يصلح للقرينية، و لكنّهما يشتركان في نقطة واحدة، و هي المنع عن انعقاد ظهور المطلق في الاطلاق.
و أمّا الانصراف في غير هذين الموردين و ما شاكلهما فلا يمنع عن التمسك بالاطلاق، فانّه لو كان فانّما هو بدوي فيزول بالتأمل، و من ذلك الانصراف المستند الى غلبة الوجود فانّه بدوي و لا أثر له و لا يمنع عن التمسك بالاطلاق، حيث انّه يزول بالتّأمل و التدبّر.






أصول الفقه ( طبع انتشارات اسلامى ) ؛ ج‏1 ؛ ص242
الانصراف:
التنبيه الثاني: اشتهر أنّ انصراف الذهن من اللفظ إلى بعض مصاديق معناه أو بعض أصنافه يمنع من التمسّك بالإطلاق، و إن تمّت مقدّمات الحكمة، مثل انصراف المسح في آيتي التيمّم و الوضوء إلى المسح باليد و بباطنها خاصّة.
و الحقّ أن يقال: إنّ انصراف الذهن إن كان ناشئاً من ظهور اللفظ في المقيّد بمعنى أنّ نفس اللفظ ينصرف منه المقيّد لكثرة استعماله فيه و شيوع‏ إرادته منه، فلا شكّ في أنّه حينئذٍ لا مجال للتمسّك بالإطلاق، لأنّ هذا الظهور يجعل اللفظ بمنزلة المقيّد بالتقييد اللفظي، و معه لا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق حتّى يتمسّك بأصالة الإطلاق الّتي هي مرجعها في الحقيقة إلى أصالة الظهور.
و أمّا إذا كان الانصراف غير ناشئ من اللفظ بل كان من سبب خارجي، كغلبة وجود الفرد المنصرف إليه أو تعارف الممارسة الخارجيّة له، فيكون مألوفاً قريباً إلى الذهن من دون أن يكون للّفظ تأثير في هذا الانصراف،- كانصراف الذهن من لفظ «الماء» في العراق مثلًا إلى ماء دجلة أو الفرات- فالحقّ أنّه لا أثر لهذا الانصراف في ظهور اللفظ في إطلاقه، فلا يمنع من التمسّك بأصالة الإطلاق، لأنّ هذا الانصراف قد يجتمع مع القطع بعدم إرادة المقيّد بخصوصه من اللفظ؛ و لذا يُسمّى هذا الانصراف باسم «الانصراف البدوي» لزواله عند التأمّل و مراجعة الذهن.
و هذا كلّه واضح لا ريب فيه. و إنّما الشأن في تشخيص الانصراف أنّه من أيّ النحوين، فقد يصعب التمييز أحياناً بينهما للاختلاط على الإنسان في منشأ هذا الانصراف. و ما أسهل دعوى الانصراف على لسان غير المتثبّت! و قد لا يسهل إقامة الدليل على أنّه من أيّ نوعٍ.
فعلى الفقيه أن يتثبّت في مواضع دعوى الانصراف، و هو يحتاج إلى ذوقٍ عالٍ و سليقةٍ مستقيمة. و قلّما تخلو آية كريمة أو حديث شريف في مسألة فقهيّة عن انصرافات تُدّعى. و هنا تظهر قيمة التضلّع باللغة و فقهها و آدابها. و هو باب يكثر الابتلاء به، و له الأثر الكبير في استنباط الأحكام من أدلّتها.
أ لا ترى أنّ المسح في الآيتين ينصرف إلى المسح باليد، و كون هذا الانصراف مستنداً إلى اللفظ لا شكّ فيه، و ينصرف أيضاً إلى المسح‏ بخصوص باطن اليد. و لكن قد يُشكّ في كون هذا الانصراف مستنداً إلى اللفظ، فإنّه غير بعيد أنّه ناشئٌ من تعارف المسح بباطن اليد لسهولته، و لأنّه مقتضى طبع الإنسان في مسحه، و ليس له علاقة باللفظ؛ و لذا أنّ جملة من الفقهاء أفتوا بجواز المسح بظهر اليد عند تعذّر المسح بباطنها تمسّكاً بإطلاق الآية، و لا معنى للتمسّك بالإطلاق لو كان للّفظ ظهور في المقيّد. و أمّا عدم تجويزهم للمسح بظاهر اليد عند الاختيار فلعلّه للاحتياط، إذ أنّ المسح بالباطن هو القدر المتيقّن، و المفروض حصول الشكّ في كون هذا الانصراف بدويّاً فلا يطمئنّ كلّ الاطمئنان بالتمسّك بالإطلاق عند الاختيار. و طريق النجاة هو الاحتياط بالمسح بالباطن.






مباحث الأصول ؛ ج‏2 ؛ ص555
الانصراف و مدى منعه عن الإطلاق‏
و مثل ذلك، «الانصراف» الغير البدوي و هو الشك في المفهوم العرفي لمن لم يكن من عرف المتخاطبين و لم يمكنه رفع الشك، و لو بسبب إعمال علائم الحقيقة و المجاز. لكنه لا يكون مطلقا مع هذا الشك، كما لا يكون الإطلاق مقيّدا بسببه، بل شي‏ء من الوضع للمنصرف إليه. و الوضع للمنصرف عنه- أي لما يشمله- ليس تقييدا و لا إطلاقا جعليّا. و حيث يتردّد و لا مشخّص، لا يتجاوز عن المتيقّن دخوله في الوضع و هو المنصرف إليه؛ فلو دلّ دليل على حكم المنصرف عنه، لم يعارض بهذا الدليل؛ فليس كلّ شي‏ء لا يتعدّى عنه يقيّد به الإطلاق؛ فلو كان الاحتمال بسبب الانصراف مقارنا للوضع للوسيع، لم يكن محل للتقييد الجعلي لحصول الإطلاق بنفس الوضع، و لو كان مقارنا للوضع للمنصرف إليه، كان للتقيد الجعلي الشرعي مجال، كما في سائر الألقاب؛ فلا يحرز شأنيّة التقييد لو كان حتى يقبل الإطلاق لو لم يكن، فيؤخذ به؛ و ليس الإطلاق معلوم الحاجة إلى البيان، لاحتمال الوضع للوسيع، فلا يحكم بعدم الإطلاق أي بالتقييد، لأنّه مع الإطلاق المحتاج إلى البيان المفقود، يحمل الكلام على التقييد في نظائر ذلك ممّا مرّ؛ ففي المقام تحصل الوساطة بين الإطلاق و التقييد، و لا يجري التقييد الذي ذكرناه في بعض أقسام القدر المتيقّن، و قد مرّ منا أنّ الإطلاق و التقييد، يرجعان إلى موضوعيّة المطلق و المقيّد، و لا ربط لهما بالوضع للوسيع أو الضيّق، أو بالحقيقة و المجاز.
و ما ذكر من المقدّمات لا بدّ من إرجاعها إلى ما يرجع إلى إطلاق الحكم و تقييده، لا إلى الدالّ على موضوعه و أنّ مدلوله الوسيع أو الضيّق؛ فإنّ البحث عن الإطلاق متأخّر عن هذا قطعا.
مباحث الأصول، ج‏2، ص: 556
المناسبة بين الحكم و الموضوع و مدى منعه عن الإطلاق.
و أمّا «المناسبة بين الحكم و الموضوع»، فإن كانت واضحة، كانت موجبة للتقييد، و إلّا فلا تمنع عن الإطلاق، بل المعتبر المناسبة السنخيّة؛ فإن كانت مع العام، كان الإطلاق؛ و إن كانت مع الخاص، كان التقييد، لا الشخصيّة التي لا تفيد تقييد السنخ، و لا يفيد الإطلاق أيضا إلّا على السلب المقابل للإيجاب.





منتقى الأصول ؛ ج‏3 ؛ ص446
الانصراف‏
ثم انه بعد ان تقدم من ان استفادة الإطلاق بمقدمات الحكمة أو بما ذكرناه، يقع الكلام في مانعية الانصراف إلى بعض الافراد أو الأصناف عن التمسك بالإطلاق.
و قد ذكر صاحب الكفاية للانصراف افرادا ثلاثة:
الأول: الانصراف البدوي الزائل بالتأمّل، و مثل له بانصراف لفظ الماء إلى ماء الفرات أو دجلة في الموضع القريب منهما.
الثاني: الانصراف الملازم لظهور اللفظ في المنصرف إليه.
الثالث: الانصراف الملازم لتيقن المنصرف إليه، مع عدم كونه ظاهرا فيه بخصوصه.
و قد حكم بعدم مانعية الأول من الإطلاق، و مانعية الأخيرين من التمسك فيه‏ .
و قد أوقع المحقق النائيني الحديث عن الانصراف، و ذكر له صورا ثلاثة أيضا:
الأول: الانصراف البدوي و هو الناشئ عن غلبه خارجا.
الثاني: الانصراف الناشئ من التشكيك في الماهية بحسب متفاهم العرف، بحيث يرى العرف خروج بعض الافراد عن كونه فردا للطبيعة، كانصراف لفظ ما لا يؤكل لحمه عن الإنسان.
الثالث: الانصراف الناشئ من التشكيك في الماهية، بحيث يشكك العرف‏ في مصداقية بعض الافراد، كانصراف لفظ الماء إلى غير ماء الذاج و الكبريت.
و قد ذكر ان القسم الأول لا مجال لتوهم مانعيته عن الإطلاق.
و اما القسم الثاني فهو يمنع من التمسك بالإطلاق، لأن المورد يكون من قبيل احتفاف الكلام بالقرينة المتصلة، فلا ظهور الا في غير ما ينصرف عنه اللفظ.
و هكذا الحال في القسم الثالث، فانه يمنع من الإطلاق، لكون المطلق فيه يكون من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة .
أقول: حصره الانصراف غير البدوي بالناشئ عن التشكيك في غير محله، إذ قد يتحقق الانصراف في غير موارد التشكيك، كما قد يدعي انصراف قوله تعالى: أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‏ إلى البيع الصادر من المالك لا مطلق البيع.
ثم ان جعله انصراف لفظ ما لا يؤكل لحمه عن الإنسان من موارد الانصراف الناشئ من التشكيك يمكن ان يكون من جهة القوة و ان يكون من جهة الضعف، بان يقال ان الإنسان باعتبار انه أقوى افراد الحيوان و رافعها انصرف عنه لفظه، أو يقال ان الحيوانية العرفية فيه ضعيفة فينصرف عنه لفظ الحيوان إلى البهيمة.
و على كل فهذا ليس بمهم و انما المهم تحقيق الكلام فنقول: لا كلام فيما ذكره المحققان من عدم مانعية الانصراف البدوي، لعدم إخلاله بما يعتبر في باب الظهور، كما لا كلام فيما ذكراه من مانعية القسم الثاني من الإطلاق على أي مسلك من مسالكه، لأن وجود ما يوجب تعيين بعض الافراد يتنافى مع استفادة الإطلاق على جميع مسالكه و هو واضح.
منتقى الأصول، ج‏3، ص: 448
و اما مورد الانصراف لأجل التشكيك في صدق المفهوم على بعض الافراد، فقد عرفت تعليل مانعيته في كلام المحقق النائيني بأنه يكون من قبيل الاحتفاف بما يصلح للقرينية.
و تحقيق صحة هذا المعنى يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى. فالأولى تعليل المانعية بان الإطلاق إنما ينفع فيما إذا أحرز انطباق المعنى على المشكوك ثبوت الحكم له. فمع الشك فيه- يعني في الانطباق- لا ينفع الالتزام بان المراد هو المطلق، إذ لا يتوصل إلى إثبات الحكم له مع الشك في كونه فردا للطبيعي.
و من هنا يظهر ان مراد صاحب الكفاية في مانعية تيقن المنصرف إليه ان كان ما ذكرناه، فيكون مراده تيقن الفردية دون غيره، فهو تام لا إشكال فيه.
و ان كان من جهة وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب، فيكون مراده تيقن الإرادة مع إحراز ان غيره فرد للطبيعة، فقد عرفت الإشكال في مانعيته عن التمسك بالإطلاق فراجع.
ثم ان التعبير الوارد في تقريرات النائيني بان الانصراف ينشأ من رؤية العرف خروج بعض الافراد عن مصداقية الطبيعة ، لا يخلو من تسامح، إذ العرف مرجع في تعيين المفاهيم، اما تشخيص المصاديق للمفهوم المحدود عرفا فلا يرجع إليه فيه. فلا بد ان يكون المراد ان العرف يرى ان مفهوم اللفظ بنحو لا ينطبق على هذا الفرد. فتدبر.






بحوث في علم الأصول ؛ ج‏3 ؛ ص431
التنبيه الرابع- في الانصراف‏
و هو عبارة عن أنس الذهن بمعنى معين مما ينطبق عليه اللفظ، و هو على أقسام ثلاثة:
1- الانصراف الناشئ من غلبة الوجود كما إذا كان بعض افراد المطلق و حصصه أغلب وجودا من حصصه الأخرى، فقد توجب هذه الغلبة في الوجود أنس الذهن مع تلك الحصة الغالبة. و هذا النحو من الانصراف انصراف بدوي لا أثر له و لا يهدم الإطلاق لأنَّ فهم ذلك المعنى الخاصّ ليس مسببا عن اللفظ و مستندا إليه لكي يكون مشمولا لدليل حجية الظهور و انما هو بسبب غلبة خارجية و لا دليل على حجيته. اللهم إِلَّا إذا كانت الندرة بدرجة بحيث يرى ما وضع له اللفظ ليس مقسما شاملا لما ينصرف عنه و يكون هذا بحسب الحقيقة من نشوء ضيق و تحديد في المدلول.
2- الانصراف الناشئ من كثرة استعمال اللفظ في حصة معينة مجازا أو على نحو تعدد الدال و المدلول فانَّ ذلك قد يوجب شدة علاقة و أنس بين اللفظ و بين تلك الحصة و هذا أنس لفظي لا خارجي لأنه ناشئ من استعمال اللفظ في المعنى و إفادة المعنى به و هو الّذي يؤدي إلى الوضع التعيني إذا بلغ مرتبة عالية كما في المنقول أو المشترك و امّا إذا لم يبلغ تلك المرتبة فلا يتحقق وضع بل مجرد أنس و علاقة شديدة، و هذا قد يكون صالحا للاعتماد عليه في مقام البيان فالانصراف بهذا المعنى قد يوجب الإجمال و عدم تمامية الإطلاق.
بحوث في علم الأصول، ج‏3، ص: 432
3- الانصراف الناشئ من مناسبات عرفية أو عقلائية كما في التشريعات التي لها جذور عرفية مركوزة عرفا أو عقلائيا فانها قد توجب التقييد أيضا كما إذا قال «الماء مطهر» فانه ينصرف إلى الماء الطاهر لمركوزية عدم مطهرية النجس.




بحوث في علم الأصول ؛ ج‏7 ؛ ص527
4- التنبيه الرابع: في الانصراف: و الانصراف حالة معينة في اللفظ قد تؤدّي إلى عدم تمامية مقدمات الحكمة، و يقصد بالانصراف أنس الذهن بحصة خاصة من حصص الطبيعة التي وضع اللفظ لها، و هذا الأنس يوجب انصراف اللفظ إلى تلك الحصة المأنوسة، هذا بحسب المعنى.
و أمّا تحقيق حال الانصراف فنقول: إنّ انصراف اللفظ إلى خصوص حصة من حصص الطبيعة، سببه أحد أمور ثلاثة.
1- الأمر الأول‏: كثرة وجود هذه الحصة من بين سائر حصص الطبيعة خارجا، و ندرة وجود الباقي، كما يتصور الإنسان أنّ الإنسان أسود فيما إذا كان يعيش في بلد يكثر فيه الإنسان الأسود، و كذلك العكس، فقد يتصوّر الإنسان أنّه لا أسود فيما إذا كان يعيش في بلد يكثر فيه الإنسان اللّاأسود، فهذا أنس قائم على أساس كثرة الوجود خارجا، و الانصراف الذي ينشأ منه لا علاقة له باللفظ و الدليل أصلا، و لذا فهو لا أثر له في فهم المعنى من الدليل، و لا يوجب هدم الإطلاق، و لا إعاقة مقدمات الحكمة، لأنّ هذا الانصراف لم يكن بسبب اللفظ، اللّهمّ إلّا إذا كانت ندرة هذا النادر الذي انصرف عنه‏ الذهن بدرجة بحيث لا يرى عرفا انّه فرد من هذه الطبيعة، فإنّه مثله حينئذ ينهدم الإطلاق، لأنّه لا يكون اللفظ موضوعا للمقسم.
2- الأمر الثاني‏: من أسباب الانصراف هو كثرة استعمال اللفظ في خصوص حصة من بين حصص الطبيعة، لا على نحو المجاز فقط، بل قد يستعمل اللفظ فيها و تراد منه بنحو تعدد الدال و المدلول، و حينئذ، هذا الاستعمال الكثير و الاقتران المتكرر بين اللفظ و هذه الحصة، يوجب حدوث أنس ذهني بين اللفظ و تلك الحصة، و هذا الأنس بدوره يوجب انصراف الذهن إليها عند الإطلاق، فمثلا: لفظة «إمام»، معناها لغة: كلّ من يقتدى به، لكنها استعملت كثيرا في من يقتدى به في الصلاة، و أريد منها هذا المعنى كثيرا و لو بنحو تعدّد الدالّ و المدلول، فحصل بينه و بين هذه الحصة أنس أوجب الانصراف عند استعماله، و هذا الأنس الذهني لفظي، لأنّه حصل بسبب اللفظ، و هذا الأنس الذي نشأ من كثرة الاستعمال هو الذي يؤدي إلى الوضع التعيني في مرتبة من مراتبه- كما ألمحنا إلى ذلك في بحث الوضع- و عليه:
فهذا الأنس له مراتب بعضها أشدّ من بعض، بحيث تصل إلى مرتبة نسميها بالوضع التعيني، و من الواضح انّ هذا الأنس إذا وصل إلى هذه المرتبة من دون هجر المعنى الأول، فسوف يصبح اللفظ حينئذ مشتركا لفظيا بين المعنى الأعمّ و الحصة الخاصة، و حينئذ، إذا أطلق اللفظ بعد ذلك و تردّد بين المعنيين، يكون مجملا، كما هو الحال في كل مشترك إذا أطلق و لم يعيّن أحد معنييه بقرينة و نحوها، و أمّا إذا لم يصل إلى هذه المرتبة، و إنّما كان قريبا منها جدا، فحينئذ سوف تحصل مرتبة معتدّ بها من الأنس- و إن لم تصلح للوضع- فهي تصلح لأن يعتمد عليها المتكلّم في مقام بيان إرادة الحصة الخاصة، و لا يكون الاعتماد عليها حينئذ خارجا عن ذلك الظهور الحالي السياقي الذي هو الأساس في مقدمات الحكمة، و حينئذ، يمكن القول: إنّ إرادة المتكلّم للمقيّد مع هذه المرتبة من العلاقة بين اللفظ و الحصة لا يلزم منه خلف ذلك الظهور، لأنّ البيان الذي يجب على المتكلّم أن يوفّره، ليس بأقوى من ذلك، و حينئذ، يكون هذا الانصراف موجبا للخلل في مقدمات الحكمة، كما يوجب إجمال الكلام.
بحوث في علم الأصول، ج‏7، ص: 529
3- الأمر الثالث‏: من أسباب الانصراف هو، مناسبات الحكم و الموضوع العرفيّة الموجودة في الخطاب، و ذلك بأن يفرض انّ الخطاب متعرّض لعملية أو تشريع، و هذه العملية عرفيّة لها تطبيق عرفي أو تشريع له جذور عرفية، و العرف بما هو مركوز عنده من مناسبات، له نحو استيناس بمقدار هذه العمليّة و بحدود هذا التشريع، و حيث انّ استيناسه يكون بين الحكم و بين حصة معينة، لذلك ينصرف ذهنه إلى الحصة الخاصة، مثلا: إذا قيل: «الماء مطهّر»، فالمطهريّة حكم له منشأ عرفي، و المركوز في ذهن العرف، انّ الماء المطهّر يجب أن لا يكون قذرا في نفسه، فيفهم من دليل المطهّريّة بمناسبة الحكم و الموضوع، انّ المراد من الماء المطهّر هو، الماء الطاهر في نفسه لا النجس، فينصرف لفظ الماء إلى هذه الحصة الخاصة، و هذا الانصراف نشأ من مناسبات الحكم و الموضوع، و لذا لو تغيّر الحكم تغيّر الانصراف، فمثلا: لو ثبت كراهة نظر المحرم إلى الماء، فإنّه حينئذ لا ينصرف الذهن إلى الماء الطاهر، و لذا يتمسّك حينئذ بإطلاق الماء، فيشمل الطاهر و النجس، و مثله قوله تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ‏ فبما انّ مسح الرأس عملية عرفية لها تطبيق عرفي خارجا، حيث أنّ أيّ إنسان إذا أراد مسح رأسه، مسحه بكفه، فيوجب انصراف المسح إلى المسح باليد.
و هذا الانصراف حجة، و يكون هادما لمقدمات الحكمة و مانعا لها من الدلالة على الإطلاق، لأنّه يوجب ظهورا في الدليل في إرادة المقيّد، لأنّ مناسبات الحكم و الموضوع قرائن لبّية متصلة تكتنف الدليل و تشارك في ظهوره في مرحلة المدلول التصديقي، و إذا تمّ ظهوره في المقيّد لم يتمّ الإطلاق حينئذ.















ارسال شده توسط محمد مهدی ع

 

مناشیء انصراف چیست ؟

غلبه وجود - غلبه استعمال-ارتکاز متشرعه -مناسبت حکم و موضوع

اقسام انصراف در نظر شهید صدر

مباحث الاصول،القسم الاول،ج4ص518

وتحقيق الحال في ذلك: أنّ الانصراف المانع عن الإطلاق يتصوّر على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: أن يكون الانصراف ثابتاً في دائرة المدلول التصديقيّ والمراد الجدّيّ، وذلك كانصراف ما لا يؤكل لحمه في قوله: (تحرم الصلاة فيما لا يؤكل لحمه) عن شعر الإنسان، فإنّ الظاهر أنّه ليس ذلك بمعنى استعمال الكلمة الموضوعة للجامع في خصوص بعض الأفراد مجازاً، بل بمعنى كون مراده الجدّيّ غير شامل لشعر الإنسان.

القسم الثاني: أن يكون الانصراف ثابتاً في دائرة المراد الاستعماليّ، بأن ينصرف اللفظ في مفاده الاستعماليّ إلى قسم خاصّ من المدلول اللغويّ الأصليّ كما لو صار منقولاً من معناه الأصليّ، كما قد يكون كذلك في كلمة (الدابّة) المنصرفة في بعض الأوساط إلى الحمار بعد أن كانت موضوعة لمطلق ما يدبّ على الأرض مثلاً.

وهذان القسمان من الانصراف لا إشكال في مانعيّتهما عن انعقاد الإطلاق; لأنّ إحدى مقدّمات الحكمة هي عدم القرينة ونفس هذا الانصراف قرينة، فانعدمت بذلك المقدّمة الثالثة.

ولا فرق في ذلك بين ما مضى من المسلك البرهانيّ والمسلك العرفيّ.

القسم الثالث: أن يكون الانصراف بنحو يعدّ اللفظ مشتركاً لفظيّاً بين المعنى الأوّل والثاني أو يكون مجازاً مشهوراً ـ بناءً على أنّ المجاز المشهور يعارض الحقيقة ويجعل اللفظ مجملاً ـ فليست المسألة مسألة دلالة الانصراف على التقييد حتّى يقال بوضوح ـ كما مضى في القسمين الأوّلين ـ : إنّه انثلمت بذلك مقدّمة عدم القرينة.

ولعلّ من هذا القسم كلمة (العالم) في بعض الأوساط بأن يدّعى أنّه في خصوص الفقيه مجاز مشهور أو حقيقة بنحو الاشتراك اللفظيّ بينه وبين مطلق العالم، فهل هذا القسم من الانصراف يمنع عن الإطلاق أو لا؟

طرز البيان في ذلك يختلف باختلاف ما مضى من المسلكين في المقدّمة الثانية:

أمّا على المسلك البرهانيّ: فالكلام هنا يتفرّع على أنّه هل الأصل العقلائيّ يقتضي كون المتكلّم في مقام البيان بنحو يفهم المخاطب تمام المراد، وعليه فما لم يفهمه من القيد ـ ولو لأجل الإجمال ـ يكون بمقتضى الأصل خارجاً عن مراده، أو أنّه يقتضي كون المتكلّم في مقام البيان بأن يأتي بما يدلّ على مراده ولو بأحد معنييه بحيث يحصل في الكلام إجمال لوجود معنى آخر؟

فعلى الأوّل: لا يضرّ هذا القسم من الانصراف بالإطلاق; إذ المخاطب لا يفهم من الكلام القيد، فيلزم من وجوده في الواقع نقض الغرض فيكون منفيّاً.

وعلى الثاني: لا يتمّ الإطلاق; لأنّ المفروض أنّه لو كان القيد داخلاً في مراده كان هذا النحو من البيان له كافياً في عدم مخالفة ذلك الأصل العقلائيّ فلا يتأتّى قانون نقض الغرض.

وبما أنّ الحقّ هو الثاني فالتحقيق مضرّيّة هذا القسم من الانصراف بالإطلاق.

وبكلمة اُخرى نقول: إنّ اكتناف الكلام بما يصلح للقرينيّة يكون كاكتنافه بالقرينة الفعليّة في عدم انعقاد الإطلاق معه.

وأمّا على المسلك العرفيّ: فالكلام هنا يتفرّع على أنّ الدالّ على الإطلاق هل هو عدم ما يكون قرينة بالفعل، أو عدم ما يصلح للقرينيّة بلا فرق بين ما يكون قرينة بالفعل وما لا يكون كذلك؟ فعلى الأوّل يتمّ الإطلاق بخلافه على الثاني.

ويتعيّن الأوّل لو قلنا في المسلك العرفيّ بالاحتياج إلى أصالة كون المولى في مقام البيان، وفسّرناها بأنّ الأصل كونه في مقام البيان بنحو يفهم المخاطب تمام المراد ولا يكون الكلام مجملاً في إفادته لتمام المراد

 

 

 

 

المحکم فی اصول الفقه، ج2،ص64

[الكلام في الانصراف‏]

و مما ذكرنا يظهر حال الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد الذى كثيرا ما يذكرون مانعيته من التمسك بالإطلاق، فإنه إنما يمنع منه إذا كان مانعا من تمامية إحدى المقدمتين الاوليين، إما لكونه عرفا بمنزلة القرينة الحالية الظاهرة في التقييد، أو لكونه صالحا للقرينية عليه و إن لم يكن ظاهرا فيه، بل يكون موجبا للإجمال. سواء كان ناشئا من كثرة الاستعمال أم غيرها، كمناسبة الحكم و الموضوع.

أما لو لم يكن بأحد النحوين المذكورين فهو بدوي لا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق، كالناشئ من كثرة الابتلاء بالفرد أو من كونه أظهر الأفراد أو نحوهما.

و أما كثرة الاستعمال في بعض الأفراد الموجبة للاشتراك أو ما يقاربه بنحو يكون كالمجاز المشهور فهي موجبة لإجمال لفظ المطلق و تردده بين الماهية الواسعة و الضيقة، فيلزم الاقتصار على المتيقن.

و ليس ذلك من الانصراف في شي‏ء، لأنه عبارة عن قصور ظهور دليل الحكم عن بعض أفراد الموضوع، و المفروض في محل الكلام عدم إحراز عموم مفهوم الموضوع بما هو معنى إفرادي مع قطع النظر عن الحكم، كسائر موارد إجمال مفردات الكلام.

 

 

غلبه وجود

 

غلبه استعمال

مبانی الاحکام للحائری، ج1 ، ص669

ثمّ لا يخفى أنّ الإنصراف إمّا أن يكون من باب كثرة الاستعمال و غلبة ذلك، كما في لفظ «الكلب» فإنّه موضوعٌ لمطلق السّبع الّذي يعضّ، و لكن غُلّب في الإستعمال على الحيوان النّائح المعروف؛ و إمّا أن يكون من باب المناسبات بين الحكم و الموضوع، و هو الأكثر، كما في انصراف قوله (عليه السلام): «خلق اللَّه الماء طهوراً لا ينجّسه شي‏ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه.[7]» إلى حصول ذلك بالملاقاة، لا بالأعمّ منه و المجاورة، و إنصرافِ قوله عليه السلام: «ثمن العذرة من السحت.[8]» إلى عذرة غير المأكول لحمه.

 

 

 

 

ارتکاز متشرعه

[و كذا يشترط في صحّة الغسل طهارة الماء] (*) و يدلّ‌ عليها امور: الأوّل: أنّ‌ الارتكاز و السيرة قائمان على اشتراط الطهارة في المطهّريّة، فإنّ‌ عدم إمكان كون الفاقد للشيء معطيا له مطابق للارتكاز، فيوجب انصراف إطلاق الاغتسال و التطهير الواردين في الكتاب المجيد إلى ذلك، و سيرة المتشرّعة قائمة عليه.

شرح العروة للحائری، ج4،ص351

 

 

 

 

بهجة الفقیه،ص485
[الأول] في كراهة الصلاة في الحمّام أمّا عدم الحرمة و البطلان، فظاهر من ملاحظة سيرة المتشرّعة في عدم المبالاة بالصلاة في هذه الأُمور التي منها الحمّام، و منها ما يأتي و كذلك ايضاً بحسب ارتكاز المتشرّعة، مع أنّ‌ الصلاة لأهميّتها لا بدّ فيها من إيضاح أمر الشروط و الموانع. و أمّا الكراهة بلا منع تكليفي، أو وضعي، فقد حكي عن المشهور، و عن «الخلاف» و «الغنية»، الإجماع عليها، و ظاهر كلامهما و أمثالهما الكراهة المصطلحة. و يدلّ‌ على أصل المنع، مرسل «ابن أبي عمير» ، و مرسل «عبد اللّٰه بن الفضل» في النهي عن العشرة مواضع، منها الحمام، و الإرداف بالمكروهات، و الارتكاز و السيرة و الشهرة، و حكاية الإجماع يوجب الانصراف عن ظهور النهي في البطلان، إلّا أنّ‌ في الموثّق ، و الصحيح أنّه إذا كان الموضع نظيفاً فلا بأس .

 

 

 



مسئلة العروة الوثقی :
ماء الحمام بمنزلة الجاري ، بشرط اتصاله بالخزانة
فالحياض الصغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة
إذا كان ما في الخزانة وحده ، أو مع ما في الحياض بقدر
الكر ، من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة ،
أو عدمه
------------------------------
مستمسك العروة، ج ١، السيد محسن الحكيم، ص ١٩٠
......... وصريح جماعة من المتأخرين التقوي من الطرفين . لاطلاق أدلة
اعتصام الكر الشامل لمختلف السطوح ومتساويها . وقد يستشكل فيه ( تارة ) :
باختصاصها بالماء الواحد ، ومع اختلاف السطوح يتعدد وجود الماء . وفيه :
أن التعدد يتوقف على الانفصال وتخلل العدم وهو خلاف المفروض .
( وأخرى ) : باختصاص مورد تلك الأدلة بالحياض والغدران ونحوهما مما
يتساوى فيه السطوح . وفيه - مع أن بعضها لا مورد له معين - : أن
المورد لا يخصص الوارد ولا يقيده . ( وثالثة ) : بأن ما دل على اعتبار
المادة في ماء الحمام - المنصرف اطلاقها بحكم الغلبة إلى الكر ، يكون مقيدا
لذلك الاطلاق حتى في غير الحمام ، لالغاء خصوصية مورده عرفا . وفيه :
أن الغلبة لا تصلح للانصراف المعتد به ، وقد عرفت أن أدلة ماء الحمام
مجملة لأن مضمونها من قبيل القضية الخارجية . ( ورابعة ) : من جهة
انصرافه إلى خصوص متساوي السطوح ، وفيه : أن الانصراف المذكور
بدوي ، لأن منشأه أنس الذهن بذلك . ( وخامسة ) : بأن الأعلى لا ينجس
بنجاسة الأسفل اتفاقا فلا يطهر بطهارته . وفيه : أنه لا ملازمة بين الأمرين
ولذا لا إشكال في سراية النجاسة من الأعلى إلى الأسفل ، مع أن المستشكل
ممن لا يقول بتقوي الأعلى بالأسفل . وعمدة الفرق بين المقامين : أن أدلة
السراية قاصرة عن شمول الأعلى عند نجاسة الأسفل ، بخلاف أدلة اعتصام
الكر فإنها شاملة لمختلفي السطحين ، ومتساويهما كما عرفت .
------------------------------

مستمسك العروة، ج ١، السيد محسن الحكيم، ص ١٩١

نعم الذي ينبغي أن يقال : إنه لا ريب في أن المرتكز العرفي عدم
تقوي كل من العالي والسافل بالآخر . وهذا الارتكاز موجب لانصراف
المطلقات الدالة على اعتصام الكر إلى مستوي السطوح ، فيكون موضوع
الاعتصام مقيدا بذلك

، ومقتضاه انتفاؤه بانتفائه . وليس هذا الانصراف
ناشئا من أنس الذهن بالمقيد لسبب من الأسباب الخارجية ، من غلبة
أو محبة أو نحوهما - ليكون من الانصرافات البدوية التي لا يعول عليها في
رفع اليد عن الاطلاق . بل هو ناشئ من المناسبات الارتكازية العرفية
التي يعول عليها في تقييد المطلق ، كما يظهر من ملاحظة النظاير التي يطول
الكلام بذكرها فلاحظ

. ولا فرق بين العلو التسنيمي والتسريحي الذي
لا يلحق بالمساوي عرفا .
هذا كله مع اختلاف السطوح وجريان الماء ، فلو كان الماء ساكنا
- كما لو عمل ظرف من نحاس على هيئة المنبر - فالظاهر أنه لا إشكال في
تقوي كل من الأعلى والأسفل بالآخر . كما أنه مع تساوي السطوح ، وضعف
الاتصال كما لو وصل بين الغديرين بساقية ضعيفة جدا ، فالتقوي حينئذ
لا يخلو من إشكال ، لأنه خلاف الارتكاز العرفي . وكذا لو كان الماء في
أنبوب ضيق طوله فرسخ أو فرسخان ، لعين ما ذكر من الاشكال .
------------------------------

 



 

مصباح المنهاج،ج1، ص 220
[ مسألة 6: يعتبر في عدم تنجس الجاري {1}  اتصاله بالمادة فلو كانت المادة من فوق تترشح وتتقاطر فإن كان دون الكر ينجس
--------------------------------------------------------------
{1} لا ريب أن الجاري لغة متقوم بالجريان، لا بالمادة، فلا يشمل الراكد الذي له مادة، وقد تقدم عند الكلام في ماء العيون أنه لا مجال لدعوى شموله له عرفا أو اصطلاحا، وإن كان مثله في الاعتصام، كما أنه يشمل الجاري لا عن مادة.
إلا أن الظاهر المفروغية عن قصور نصوص المقام وفتاوى الأصحاب عنه في الجملة، ففي جامع المقاصد: " المراد به النابع، لأن الجاري لا عن نبع من أقسام الراكد يعتبر فيه الكرية - اتفاقا ممن عدا ابن أبي عقيل [1] - بخلاف النابع ".
ولعل منشأ ذلك ما ارتكز في أذهان المتشرعة من أن الجريان بنفسه ليس عاصما للماء، ولا موضوعية له في الأحكام، ولذا لا ريب في عدم ترتبها على ما يجري في الأرض باراقة الاناء ونحوها، بل اعتصام الجاري إنما هو باعتبار مادته، فان استحكام الانصراف المذكور أوجب انصراف الجاري عندهم لما له مادة، وحيث كان المعهود من ذلك الأنهار ونحوها مما يكون جريانه مستندا للنبع أخذوا النبع فيه، كما تقدم من جامع المقاصد.
لكن الانصاف أن المعهود من الجاري لا يختص بما يكون عن نبع، بل قد يستند إلى مثل ذوبان الثلوج، كبعض الأنهار، كما قد يستند إلى الدوالي والنواعير ونحوها مما يكون وروده متقطعا بنحو الثوالي المستلزم للجريان، فالمناسب لوجه الانصراف جعل المعيار في الجاري مطلق الاعتصام مع الجريان، سواء استند إلى كثرة الماء - كالأنهار المستندة لذوبان الثلج - أم للمادة التي هي من سنخ النبع أو الرشح، أو التي هي عبارة عن الماء الراكد المتدافع، كماء الأنابيب المتعارفة في زماننا.
وبالجملة: مقتضى الجمود على لفظ الجاري الاكتفاء بفعلبه الجريان، والارتكاز المتقدم لا يقتضي إلا التقييد بالاعتصام.

 

 

 

مناسبت حکم و موضوع

بحوث فی علم الاصول،ج3 ، ص

الانصراف الناشئ من مناسبات عرفية أو عقلائية كما في التشريعات التي لها جذور عرفية مركوزة عرفا أو عقلائيا فانها قد توجب التقييد أيضا كما إذا قال «الماء مطهر» فانه ينصرف إلى الماء الطاهر لمركوزية عدم مطهرية النجس.

 

 

مبانی الاحکام للحائری، ج1 ، ص669

ثمّ لا يخفى أنّ الإنصراف إمّا أن يكون من باب كثرة الاستعمال و غلبة ذلك......... و إمّا أن يكون من باب المناسبات بين الحكم و الموضوع، و هو الأكثر، كما في انصراف قوله (عليه السلام): «خلق اللَّه الماء طهوراً لا ينجّسه شي‏ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه.[7]» إلى حصول ذلك بالملاقاة، لا بالأعمّ منه و المجاورة، و إنصرافِ قوله عليه السلام: «ثمن العذرة من السحت.[8]» إلى عذرة غير المأكول لحمه.


 



تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی، ج3ص350
[1710] مسألة 9: لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرّم، و كذا بقراءة القرآن غير ما يوجب السجود، و أما الدعاء بالمحرّم كالدعاء على مؤمن ظلما فلا يجوز بل هو مبطل للصلاة (1)
----------------------------------------------------------------------------------------------
(1) فيه ان عدم جوازه ليس من جهة أنه حرام في نفسه، بل من جهة انه تجرّ على المولى عامدا ملتفتا الى حرمته. نعم لو كان جاهلا مركبا أو بسيطا و لكن كان قاصرا لم يكن تجرّيا و اما إنه مبطل للصلاة فهو من أجل أن الممنوع هو التكلم فيها إلّا إذا كان مناجاة مع اللّه تعالى أو دعاء، و لا شبهة في انصراف المناجاة و الدعاء عنه لأن مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن يكون التكلم مع اللّه تعالى فيما يرضيه لا فيما يبغضه
لأنه ليس تكلما مع اللّه تعالى و مناجاة و دعاء فلا محالة يكون مبطلا للصلاة.

نعم لو كان موضوع الحكم هو كلام الآدمي لم يكن مبطلا لها حيث انه لا يصدق عليه، و لكن قد مرّ أن موضوع الحكم هو التكلم بلا خصوصية زائدة، و قد ورد في صحيحة علي بن مهزيار: (الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه ...).[1]

و عليه فالضابط العام لذلك هو أن المصلي اذا تكلم في صلاته الفريضة بكل ما يمكن أن يناجي به ربه فان كان ناويا به المناجاة معه تعالى أو الدعاء لم تبطل‌
.............................
[1] الوسائل ج 7 باب: 13 من أبواب قواطع الصّلاة و ما يجوز فيها الحديث: 1.

تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى جلد : 3 صفحه : 351
صلاته، و إلّا بطلت و اذا كان ذلك محرما و مبغوضا للّه تعالى لم يصلح أن يناجي به ربه، فلو نوى به المناجاة لم يكن مصداقا لها بل هو مبطل للصلاة على أساس انه تكلم فيها و لم يكن مع اللّه تعالى شأنه.

 

 

 

 

فرمایش مرحوم صاحب کفایه در مقدمه ثالثه از مقدمات حکمت تفسیر به انتفاء ما یصلح للقرینیة شده است

شبهه انصراف از اقسام ما یصلح للقرینیة

كفاية الأصول ( طبع آل البيت ) ؛ ص247

فصل [في مقدمات الحكمة]
قد ظهر «2» لك أنه لا دلالة لمثل رجل إلا على الماهية المبهمة وضعا و أن الشياع و السريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة و هي تتوقف على مقدمات.
إحداها كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد
لا الإهمال أو الإجمال.
ثانيتها انتفاء ما يوجب التعيين‏
. ثالثتها انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب‏
و لو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين فإنه غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض لو كان بصدد البيان كما هو الفرض فإنه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخل بغرضه حيث إنه لم ينبه مع أنه بصدده و بدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به حيث لم يكن مع انتفاء الأولى إلا في مقام الإهمال أو الإجمال و مع انتفاء الثانية كان البيان بالقرينة و مع انتفاء الثالثة لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه و قد بينه لا بصدد بيان أنه تمامه كي أخل ببيانه فافهم [1].

 

 

 

أصول الفقه، ج‏5، ص: 429

كنت قد حرّرت ما أفاده شيخنا قدّس سرّه في توضيح مطلب الكفاية و الايراد عليه‏ «4» و هو ما يلي:
إنّ صاحب الكفاية قدّس سرّه‏ «1» يريد بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب ما يكون موردا لورود المطلق، كأن يقع السؤال عن حكم ماء بئر بضاعة «2» مثلا من حيث الطهارة و النجاسة، فيقال في الجواب الماء طاهر، فيكون ماء بئر بضاعة قدرا متيقّنا في مقام التخاطب، لكونه موردا لاطلاق قوله في الجواب الماء طاهر، و مع وجود هذا القدر المتيقّن لا تتمّ مقدّمات الحكمة، لاحتمال أنّه أراد خصوص بئر بضاعة من قوله الماء طاهر و قد اتّكل في بيان هذا التقييد على كون المقيّد قدرا متيقّنا في مقام التخاطب باعتبار كونه موردا لورود ذلك المطلق، فلا تكون إرادته له بلا بيان بل تكون مع البيان، لأنّه حينئذ يكون قد بيّن مراده و أفهمه للسامع بهذه الواسطة أعني كونه موردا لذلك الاطلاق، إذ لم يكن الغرض من كونه في مقام البيان إلّا كونه في مقام إفهامه للسامع تمام مراده، و قد حصل ذلك بواسطة كونه قدرا متيقّنا.
و ليس الغرض من كونه في مقام البيان أنّه في مقام بيان أنّه تمام مراده ليتوقّف ذلك على إفهامه للسامع أنّ ماء بئر بضاعة تمام مراده، لكي يقال إنّ وقوع بئر بضاعة موردا لورود هذا المطلق و كونه قدرا متيقّنا في مقام التخاطب لا يكون موجبا لافهام السامع أنّ بئر بضاعة تمام مراده.
و فيه: ما لا يخفى، لأنّ ورود المطلق في مورد خاصّ، و صيرورة ذلك‏المورد الخاص قدرا متيقّنا في مقام التخاطب، لا يكون موجبا للاعتماد عليه في مقام البيان بحيث إنّه لو كان مراده هو خصوص ذلك المورد لكان ذلك أعني كونه قدرا متيقّنا بيانا له، إذ لا أثر لكونه موردا لذلك المطلق إلّا صيرورته متيقّن الارادة و أنّه مراد على كلّ حال، فيكون حاله حال القدر المتيقّن في مقام الامتثال في عدم كون وجوده موجبا لعدم تمامية مقدّمات الحكمة ..........
أصول الفقه ؛ ج‏5 ؛ ص431
........ و لكن الظاهر من الكفاية أنّ مراده بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب ليس مجرّد ما يكون متيقّن الارادة بواسطة كونه موردا للاطلاق، ليرد عليه ما أفاده (دام‏
أصول الفقه، ج‏5، ص: 432
ظلّه) من أنّ حاله حال القدر المتيقّن في مقام الامتثال من جهة كونه أيضا متيقّن الارادة، و أنّه يكون مجزيا قطعا في مقام الامتثال.
و لا يخفى أنّ كون أثر القدر المتيقّن الخارجي هو الإجزاء قطعا إنّما هو في المطلق البدلي دون المطلق الشمولي، فإنّ الأمر فيه بالعكس، فإنّ المجزي فيه إنّما هو الالتزام و العمل على الاطلاق الذي هو الشمول.
و على أي حال، أنّ أخذ عدم القدر المتيقّن بهذا المعنى في مقدّمات الحكمة يوجب سقوط الاطلاق بالمرّة، إذ ما من مطلق إلّا و له قدر متيقّن في مقام الامتثال، إلّا إذا كانت القيود المحتملة متباينة، سواء كان المطلق شموليا أو كان بدليا، أمّا البدلي فواضح، و أمّا الشمولي فكذلك، سواء كان المراد القدر المتيقّن في مقام الارادة كالعدول فيما لو قال أكرم العلماء أو قال لا تهن العلماء، أو كان المراد هو القدر المتيقّن في مقام الامتثال كجميع العلماء عدولا و فسّاقا عند قوله أكرم العلماء أو قوله لا تهن العلماء.
و على كلّ حال ليس ذلك هو المراد بالقدر المتيقّن، بل مراده بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب هو اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية على التقييد لو كان المراد هو المقيّد على وجه أنّه لو أراد المقيّد لأمكن أن يكون متّكلا عليه في بيانه، فلا تكون إرادته لذلك المقيّد بلا بيان، بل تكون مع البيان.
و الفرق بينه و بين القدر المتيقّن في مقام الامتثال، أنّ ذلك لا يكون مصحّحا لأن يتّكل عليه المتكلّم في مقام البيان لو كان مراده هو خصوص ذلك المتيقّن، بخلاف القدر المتيقّن في مقام التخاطب بمعنى ما يكون صالحا للقرينية مثل الرتبة الثانية من الانصراف، و مثل القيد المتعقّب لاطلاقات متعدّدة بالنسبة إلى ما عدا الأخير، و مثل عود الضمير المقيّد على ما يكون مطلقا، إلى غير ذلك من‏
أصول الفقه، ج‏5، ص: 433
موارد اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية، فإنّ جميع ذلك ممّا يمكن أن يتّكل عليه المتكلّم في بيان إرادة المقيّد لو كان مراده هو المقيّد، و تكون إرادته حينئذ مع البيان.
نعم، كون المطلق واردا في مورد الخاص قابل للمناقشة في الصغرى، لامكان أن يقال إنّ ذلك أعني كون المطلق واردا في مورده لا يصيّره من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية، بأن يكون قرينة على إرادة خصوص المورد، فإنّ ذلك في غاية المنع، و لأجل ذلك تراهم يقولون إنّ المورد لا يخصّص الوارد، و أنّ أقصى ما فيه أن يكون ذلك موجبا لكونه متيقّن الارادة على وجه لا يمكن إخراجه، و لأجل ذلك نراهم يقولون إنّ العام أو المطلق نصّ في مورده، إلّا أنّ هذه المناقشة صغروية.
و الغرض أنّ اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية يكون موجبا لسقوط الاطلاق و عدم تمامية مقدّمات الحكمة، و أنّ مقدّمات الحكمة تتوقّف تماميتها على انتفاء ذلك، و هذا على الظاهر أمر غير قابل للانكار، و قد أوضحه الأستاذ (دام ظلّه) عند تعرّضه للمرتبة الثانية من مراتب الانصراف‏ «1»، غاية الأمر أنّ صاحب الكفاية يسمّي هذا المعنى أعني اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب.
و ممّا يشهد بأنّ ذلك هو مراده بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب، هو أنّ الأستاذ (دام ظلّه) أفاد في تفصيل مراتب الانصراف بالنسبة إلى المرتبة الثانية منه ما محصّله أنّها تكون موجبة لسقوط الاطلاق، لكونها صالحة للبيان، فتكون من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية الموجب لسقوط ظهوره و إجماله، فإنّ‏
______________________________
 (1) أجود التقريرات 2: 435.
أصول الفقه، ج‏5، ص: 434
صاحب الكفاية قدّس سرّه‏ «1» صرّح في تلك المرتبة بأنّ ذلك المنصرف إليه يكون قدرا متيقّنا من الكلام و إن لم تكن موجبة لظهوره فيه كما في المرتبة الأولى، إلّا أنّها تشاركها في إسقاط الاطلاق، فإنّ هذا التصريح دليل على أنّ مراده بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب هو ما يكون من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية، اللهمّ إلّا أن يقال إنّه لا يقول بأنّ المرتبة الثانية من الانصراف هي من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية، لكنّه بعيد للغاية.
و بالجملة: لا شبهة كما أفاده الأستاذ (دام ظلّه) في أنّ المرتبة الثانية من الانصراف هي من قبيل ما يصلح للقرينية و لبيان التقييد لو كان المراد هو المقيّد، و بملاحظة ما صرّح به في الكفاية من أنّها من قبيل القدر المتيقّن ينكشف لنا أنّ مراد الكفاية من القدر المتيقّن هو ما يكون من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية، و حينئذ فيكون مراده من انتفاء القدر المتيقّن الذي جعله من المقدّمات هو انتفاء ما يصلح للقرينية. و قد أفاد (دام ظلّه) أنّ اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية يكون موجبا لسقوط الاطلاق كما صرّح به (دام ظلّه) في بيان أقسام الانصراف، و أنّ الرتبة الثانية منه تكون موجبة لسقوط الاطلاق، لكونها من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية، فيكون الحاصل من ذلك أنّه لا بدّ في تمامية مقدّمات الحكمة من انتفاء ما يصلح للقرينية المعبّر عنه في الكفاية بانتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب.
حلى، حسين، أصول الفقه - قم، چاپ: اول، 1432 ق.

**************************************************************************************




****************
ارسال شده توسط:
محمد حسین
Monday - 29/11/2021 - 4:14

پیشنهاد یا مطلب تحقیقی یا ویرایشی یا هر نوع چیزی که مناسب میدانید ارسال فرمایید تا به متن فعلی فورا ضمیمه شود.

مصباح الفقیه آقا رضا همدانی ج2 ص369

و يجب أن يكون المسح بباطن الكفّ‌ ممّا دون الزند مع القدرة على الأقوى، فلا يجزئ المسح بظاهرها، فضلا عن الذراعين و غيرهما. و في الحدائق: قد ذكر جملة من أصحابنا أنّه لا يجوز المسح بغير اليد اتّفاقا، و أنّ‌ الظاهر تعيّنه بالباطن، لأنّه المتيقّن، إلاّ أن يتعذّر، فيجوز بالظاهر . انتهى. و مرادهم من اليد - بحسب الظاهر كما يشهد به عبارة الحدائق - خصوص الكفّ‌ لا الأعمّ‌ منها و من الساعد و العضد، لأنّها هي التي تتبادر  من إطلاق اليد، خصوصا إذا أسند إليها ما يناسبها، كالأكل و الأخذ و المسح و غيرها من الأفعال التي جرت العادة بحصولها من الكفّ‌. و لذا استدلّ‌ بعض لتعيين المسح بالكفّ‌ دون الذراع: بالأخبار المشتملة على ذكر اليد، و لم يخطر بباله أصلا - على ما يشهد به كلامه - أنّ‌ اليد لغة أعمّ‌ من الذراع.

و كيف كان، فلا شبهة في عدم جواز المسح بما عدا اليد مطلقا إجماعا، بل ضرورة، فلا يمكن الأخذ بإطلاق آية المسح و لو بعد تقييدها بكونه ببقيّة بلل الوضوء، و كذا الأخذ بإطلاق الأوامر الكثيرة الواردة في الأخبار التي لا تحصى، لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن جدّا. و لا يرفع هذا الاستهجان التقييد المزبور، لإمكان الأخذ من بقيّة البلل بسائر الآلات و المسح بها. و كذا لا يمكن الالتزام بإهمال هذه الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان، بدعوى عدم كونها مسوقة لبيان تمام ما يعتبر في الوضوء، بل المقصود منها بيانه في الجملة، و أنّ‌ تعيين آلة المسح موكول إلى مقام آخر، لأنّ‌ فساد هذه الدعوى أوضح من سابقتها، فلا بدّ من الالتزام بأنّ‌ تعيين آلة المسح - نظير كيفيّة المسح و الغسل و كثير من الخصوصيات المعتبرة في سائر الواجبات - موكول إلى ما هو المعهود المتعارف، فلا يحتاج معرفتها إلى بيان خارجي. و لا يستلزم ذلك توجيه الخطاب بما له ظاهر إرادة خلافه، لأنّ‌ معهودية حصوله بالآلة المتعارفة - و هي الكفّ‌ - قرينة مرشدة إلى إرادتها.

و الحاصل: أنّا لو لم نقل بظواهر مطلقات أوامر المسح في حدّ ذاتها في إرادة إيجاده بإمرار خصوص الكفّ‌ على النحو المتعارف، أي بباطنها، فلا محيص عن تنزيلها عليها بعد العلم بعدم إرادة مطلق المسح، خصوصا في الأوامر المقيّدة بكونه ببقيّة بلل الوضوء، المعلوم ورودها في مقام بيان تمام الحكم مع عدم التعرّض لبيان آلة المسح في أغلبها و التعرّض لذكر اليد في بعضها استطرادا لا لبيان كونه آلة للمسح، فهذه كلّها أمارات عدم الحاجة إلى البيان و كون المراد منها إيجاد المسح على النحو المتعارف.

و يؤيّده فعل الإمام عليه السّلام في مقام البيان في الموارد الكثيرة، كما يدلّ‌ عليه الأخبار البيانيّة تصريحا في ببعضها و ظهورا في بعضها الآخر من حيث عدم التعرّض لتعيين الماسح، إذ من المعلوم أنّ‌ المسح لو صدر على خلاف المتعارف، لنقل في هذه الأخبار، فعدم النقل في مثلها دليل على عدمه.

و قد ناقش فيما ادّعيناه من التبادر شيخنا المرتضى - قدس سره - بقوله: و التبادر لأجل غلبة الوجوه، فهو مجرّد حضور الفرد الغالب في الذهن لا على أنّه المراد، و لذا لا يعتمد عليه في غسل الوجه و اليدين، و لا بالنسبة إلى باطن الكفّ‌، مع أنّ‌ غلبة الوجود بالنسبة إلى إطلاق الآية ممنوعة جدّا و في الموضوعات البيانيّة ما مرّ من قصور الدلالة، فالتمسّك بالإطلاق غير بعيد. نعم، لو شكّ‌ في الإطلاقات من حيث كون الغلبة موجبة لإجمالها، نظير المجاز المشهور، وجب الرجوع إلى الاحتياط اللازم من قوله عليه السّلام «لا صلاة إلاّ بطهور» . انتهى.

و فيه: أنّ‌ غلبة وجوده بهذه الكيفيّة مسبّبة عن تعارفه، لا عن تعذّر حصوله بغير اليد، أو تعسّره، و مثلها يوجب الانصراف جزما، كما لو أمر المولى عبده بغسل ثوبه أو بدنه يحمل على إرادة غسله بالماء المطلق دون المضاف، لكونه هو الفرد الذي توجد طبيعة الغسل في ضمنه غالبا. نعم لا يختصّ‌ ذلك بماء بلده أو بغير ماء النفط و الكبريت ممّا يعزّ وجوده، لأنّ‌ منشأ انسبقا الذهب إلى ما عداه عدم حضوره عند المكلّف أو ندرة وجوده، لا عدم تعارف الغسل به، فكيف يقاس عليه انصراف الذهن عن الذراعين فيما نحن فيه مع كونهما نصب عيني الآمر و المكلّف، و لا يلتفتان إلى المسح بهما!؟ بل لوفرض حصول المانع للمكلّف من المسح بكفّه كما لو التفّت كفّه بخرقة، بادر إلى إزالة المانع عنها للمسح، و لا ينسبق إلى ذهنه جوازه بذراعيه.

و لو قيل: إنّ‌ المراد من المسح - على ما يتفاهم منه عرفا - إنّما هو إيجاد الطبيعة المطلقة، و تشخّصها في الخارج غالبا بكيفيّة لا يوجب تقييدها في مقام التصوّر و الطلب، فالمطلوب مطلق، و امتثاله غالبا لا يتحقّق في الخارج إلاّ بالكيفيّة الخاصّة. قلت: هذه الدعوى ممّا يكذّبها الانصراف البدوي المسلّم بيننا و بين المدّعي، إذ لا فرق بين الآمر و المأمور من هذه الجهة، فإنّ‌ الآمر يتصوّر  وجود الطبيعة في الخارج فيوجبها، و المأمور يتصوّر وجودها فيوجدها، فما ينسبق إلى ذهن المأمور من تصوّر مفهوم اللفظ بعينه هو الذي ينسبق إلى ذهن الآمر و يجعله في حيّز الطلب، و هذا هو السرّ في انصراف المطلقات إلى الأفراد الشائعة. و أمّا عدم صيرورة غلبة الوجود منشأ للانصراف فليس لأجل أنّ‌ ما تصوّره الآمر حال الطلب أعمّ‌ من الفرد النادر، كما قد يتوهّم، ضرورة أنّ‌ الآمر بغسل الثوب لا يخطر بباله ماء النفط و الكبريت أصلا، بل لا يقصد إلاّ الأمر بغسله بالمياه الموجودة عندهم، إلاّ أنّ‌ العقل بعد التأمّل و فرض الموجود معدوما و المعدوم موجودا يحكم بأنّ‌ غرض الآمر أعمّ‌ ممّا تصوّره فعلا في مقام الطلب، و لذا لو صرّح بغسله بالماء الموجود لا يفهم من كلامه التقييد، و من المعلوم أنّ‌ العقل لا يحكم بذلك إلاّ بعد علمه بكون الفرد النادر بحيث لو كان الآمر ملتفتا إليه لقصده، كماء النفط مثلا، لا المائعات المضافة، و كذا الذراعان فيما نحن فيه.

و ملخّص الكلام: أنّ‌ الانصرافات البدويّة ما لم يكن في العقل ما يصرفها تستقرّ، و ما نحن فيه منها، كما لا يخفى. و أمّا نقضه بغسل الوجه و اليدين ففيه أوّلا: إنّا ادّعينا الانصراف في الأوامر المطلقة بعد العلم بعدم إرادة إطلاقها، و دوران الأمر بين حملها على المتعارف أو الالتزام بإهمالها، و وضح فساد الثاني دليل على إرادة الأوّل، فلا يتوجّه النقض بالغسل. و ثانيا: منع الانصراف بالنسبة إلى الغسل، إذ لا ملازمة بينالانصرافين، ألا ترى أنّه لا يتبادر من الأمر بغسل رأس اليتيم مباشرته، بخلاف الأمر بمسحه، و سرّه: أنّ‌ استعمال الآلة في الغسل من العوارض الغريبة التي لا يتوقّف تصوّر مفهوم الغسل على تصورها لا إجمالا و لا تفصيلا، فربّما لا يلتفت إليها الذهن عند الأمر به، و هذا بخلاف المسح، فإنّه من مقوّمات مفهومه، كالماء و نحوه في الغسل، فلا بدّ عند تصوّر مفهوم المسح من تصوّره إجمالا أو تفصيلا، فمعهوديّة هذا النحو من الخصوصيات التي هي بمنزلة الفصول المنوّعة للطبيعة هي التي توجب انصراف إطلاق الطبيعة إليها دون القسم الأوّل.

و الحاصل: أنّ‌ استعمال اليد في الغسل من المقدّمات، و في المسح من قيوده المقسّمة، فلا يقاس أحدهما بالآخر من حيث السببيّة للانصراف. هذا، مع أنّ‌ العلم الحاصل من الإجماع بعدم مدخليّة الخصوصيّة في الغسل دون المسح يكفي فارقا بين المقامين. و أمّا نقضه بباطن الكفّ‌: ففيه: أنّه أوّل الكلام. و لو أراد من باطن الكفّ‌ بعضه كرؤوس الأصابع، ففيه - بعد تسليم غلبة وقوع المسح بخصوص رؤوس الأصابع - عدم كونها موجبة لصيرورة المسح بما فوقها خلاف المتعارف. مضافا إلى إمكان استفادة جواز المسح بالكفّ‌ من صحيحة البزنطي ، الواردة في كيفيّة مسح القدمين، و غيرها من الأخبار البيانيّة،كما لا يخفى.

و بما ذكرنا من عدم إمكان حمل المطلقات على إطلاقها ظهر ضعف ما في ذيل كلامه من نفي البعد عن التمسّك بالإطلاقات، لأنّ‌ مطلقات الباب لا تشتمل على ذكر اليد حتى يمكن الأخذ بإطلاقها، فلا بدّ إمّا من الالتزام بإهمالها، أو تنزيلها على المتعارف. و أمّا الأخبار المشتملة على ذكر اليد فهي مسوقة لبيان حكم آخر، فلا يجوز الأخذ بإطلاقها لإثبات هذا الحكم، فلاحظ و تدبّر. و لو تعذّر المسح بباطن الكفّ‌ و إن كان لجفاف مائه لنسيان و نحوه، فسيجيء حكمه عند تعرض المصنّف - رحمه اللّه - له. و إن كان لمرض و شبهه، يجب عليه المسح بظاهرها أو الذراع، كما يجب ذلك في حقّ‌ الأقطع اليد و الرّجل. مضافا إلى ما يظهر من دعوى غير واحد القطع بذلك كونه من المسلّمات التي لا يشوبها شائبة خلاف، بل يمكن التمسّك لوجوبه: بالاستصحاب، و قاعدة الميسور، كما تقدّم تقريبهما في مسألة الأقطع. و أمّا بقاء المسح على وجوبه فلا ينبغي التأمّل فيه بعد إثبات وجوب الوضوء، بل لا يشكّ‌ أحد من العوام في ذلك، لما شاع في الألسن و ارتكز في العقول من أنّ‌ الميسور لا يسقط بالمعسور. مضافا إلى إطلاقات أوامر المسح كتابا و سنّة. و تنزيلها على المتعارف - كما تقدّم - لا ينافي ذلك، فإنّ‌ المتعارف في حقّ‌ العاجز المسح بظاهر الكفّ‌ أو الذراع، كما أنّ‌ المتعارف لفاقد الكفّ‌ المسح بالذراع، فهذا الترتّب عرفيّ‌ ينطبق عليه الإطلاق من دون أن يكون اللفظ مستعملا في معان متعدّدة، كما هو ظاهر. هذا، مع أنّ‌ مقتضى الاستصحاب أيضا وجوب المسح عليه، و أمّا تعيين آلة المسح فلا حاجة إليه حتى يورد بكون الأصل مثبتا، لأنّ‌ إلزام العقل بوجوب تفريغ الذمّة عمّا علم وجوبه يغنينا عن ذلك، كإلزامه بإيجاد المقدّمات العلميّة للواجبات المستصحبة. و هل يتعيّن عليه المسح بظاهر الكفّ‌ أم يكفي بالذراع أيضا؟ فيه وجهان، أحوطهما: الأوّل، بل لا يبعد دعوى كونه أوّل مراتب ميسور المتعذّر، و كونه هو الفرد المتعارف الذي ينصرف إليه الإطلاق بالنسبة إلى المتمكّن، إلاّ أنّها قابلة للمنع، فالأقوى خلافه، و اللّه العالم.



*****************************************************