القواعد الفقهیة و الاصولیة
خطابات قانونیه
الحکم الظاهری

نظریه قضایای حقیقیه-کلام محقق نائینی




فوائد الاصول، ج 1، ص 172

و قد وقع الخلط بين القضية الخارجية و الحقيقية في جملة من الموارد، كمسألة امر الآمر مع علمه بانتفاء الشرائط، و كمسألة التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، و كمسألة الشرط المتأخر، و غير ذلك مما يأتي الإشارة إليه كل في محله.
فان هذه الفروع كلها تبتنى على تخيل كون القضايا الشرعية من قبيل القضايا الخارجية، و هو ضروري البطلان، لوضوح ان القضايا الواردة في الكتاب و السنة انما
__________________________________________________
 (1) سورة آل عمران، 97

 

 

                        فوائد الاصول، ج‏1، ص: 173
هي قضايا حقيقية، و ليست إخبارات عما سيأتي بان يكون مثل قوله تعالى: و لله على الناس إلخ اخبارا بأن كل من يوجد مستطيعا فأوجه عليه خطابا يخصه، بل انما هي إخبارات عن إنشاءات في عالم اللوح المحفوظ. و بالجملة: كون القضايا الشرعية من القضايا الحقيقية واضح لا يحتاج إلى مزيد برهان و بيان

جهات امتیاز القضایا الخارجیه عن الحقیقیة

إذ عرفت ذلك فاعلم: ان الجهات التي تمتاز بها القضية الخارجية عن القضية الحقيقية و ان كانت كثيرة قد أشرنا إلى بعضها، إلا ان ما يرتبط بما نحن فيه من الواجب المشروط و المط، هي جهات ثلاث:

الجهة الأولى:
ان العبرة في القضية الخارجية، هو علم الآمر باجتماع الشروط و ما له دخل في حكمه، فلا يوجه التكليف على عمرو مثلا بوجوب إكرام زيد إلا بعد علمه باجتماع عمرو لجميع الشروط المعتبرة في حكمه: من العقل، و البلوغ، و القدرة، و غير ذلك مما يرى دخله في مناط حكمه، و لو فرض ان الآمر كان جاهلا بوجود شرط من شروط صدور الحكم، كمجي‏ء بكر الذي له دخل في تكليف عمرو بوجوب إكرام زيد، فلا محالة يعلق حكمه بصورة وجود الشرط، و يقول: ان جاء بكر فأكرم زيدا، و تكون القضية الخارجية من هذه الجهة- أي من جهة تعليقها على الشرط- ملحقة بالقضية الحقيقية، على ما سيأتي بيانه.
و الحاصل: ان المدار في صدور الحكم في القضية الخارجية انما هو على علم الآمر باجتماع شروط حكمه و عدم علمه، فان كان عالما بها فلا محالة يصدر منه الحكم و لو فرض خطاء علمه و عدم اجتماع الشروط واقعا، إذ لا دخل لوجودها الواقعي في ذلك، بل المناط في صدور الحكم هو وجودها العلمي، فان كان عالما بها يحكم و ان لم تكن في الواقع موجودة، و ان لم يكن عالما بها لا يحكم و ان كانت موجودة في الواقع الا على وجه الاشتراط بوجودها، فيرجع إلى القضية الحقيقية من هذه الجهة، فلا يعتبر في صدور الحكم في القضية الخارجية إلا علم الآمر باجتماع الشرائط.
و اما في القضية الحقيقية: فيعتبر فيها تحقق الموضوع خارجا، إذ الشرط في‏

 

 

                        فوائد الاصول، ج‏1، ص: 174
القضية الحقيقية هو وجود الموضوع عينا و لا عبرة بوجوده العلمي، لأن الحكم في القضية الحقيقية على الأفراد المفروض وجودها، فيعتبر في ثبوت الحكم وجود الأفراد، و لا حكم مع عدم وجودها و لو فرض علم الآمر بوجودها، فالحكم في مثل قوله:
العاقل البالغ المستطيع يحج، مترتب على واقع العاقل البالغ المستطيع، لا على ما يعلم كونه عاقلا بالغا مستطيعا، إذ لا أثر لعلمه في ذلك، فلو فرض انه لم يعلم ان زيدا عاقل بالغ مستطيع لترتب حكم وجوب الحج عليه قهرا بعد جعل وجوب الحج على العاقل البالغ المستطيع، كما انه لو علم ان زيدا عاقل بالغ مستطيع و في الواقع لم يكن كذلك لما كان يجب عليه الحج، فالمدار في ثبوت الحكم في القضية الحقيقية انما هو على وجود الموضوع خارجا، من دون دخل للعلم و عدمه في ذلك.
و بذلك يظهر: امتناع الشرط المتأخر، لأنه بعد ما كان الشي‏ء شرطا و قيدا للموضوع فلا يعقل ثبوت الحكم قبل وجوده، و إلا يلزم الخلف و عدم موضوعية ما فرض كونه موضوعا، على ما سيأتي بيانه، و إرجاع الشرط المتأخر إلى الوجود العلمي انما نشأ من الخلط بين القضية الخارجية و القضية الحقيقية، فان الوجود العلمي بتحقق الشرائط انما ينفع في القضية الخارجية كما عرفت، لا في القضية الحقيقية.
نعم في القضية العلم بترتب الملاك و المصلحة على متعلق حكمه له دخل أيضا في صدور الحكم، إلا ان ذلك يرجع إلى باب الدواعي التي تكون بوجودها العلمي مؤثرة، و أين هذا من باب الشروط الراجعة إلى قيود الموضوع كما سيأتي بيانه، فان العبرة في ذلك انما هو بوجودها العيني، و لا أثر لوجودها العلمي.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان الشرط في ثبوت الحكم في القضية الخارجية هو العلم باجتماع شرائط التكليف لا وجودها الواقعي، و في القضية الحقيقية هو وجودها الواقعي لا وجودها العلمي. فهذه إحدى الجهات الثلاث التي تمتاز بها القضية الحقيقية عن القضية الخارجية.
الجهة الثانية:
هي ان القضية الخارجية لا يتخلف فيها زمان الجعل و الإنشاء عن زمان ثبوت الحكم و فعليته، بل فعليته تكون بعين تشريعه و إنشائه، فبمجرد قوله: أكرم‏

 

 

                        فوائد الاصول، ج‏1، ص: 175
زيدا، يتحقق وجوب الإكرام، إلا إذا كان مشروطا بشرط لم يحرزه الآمر فتلحق بالقضية الحقيقية من هذه الجهة كما أشرنا إليه، و إلا لا يعقل تخلف الإنشاء عن فعلية الحكم زمانا، و ان كان متخلفا رتبة نحو تخلف الانفعال عن الفعل.
و اما في القضية الحقيقية: فالجعل و الإنشاء انما يكون أزليا، و الفعلية انما تكون بتحقق الموضوع خارجا، فان إنشاءه انما كان على الموضوع المقدر وجوده، فلا يعقل تقدم الحكم على الموضوع، لأنه انما إنشاء حكم ذلك الموضوع، و ليس للحكم نحو وجود قبل وجود الموضوع حتى يسمى بالحكم الإنشائي في قبال الحكم الفعلي، كما في بعض الكلمات.
و الحاصل: انه فرق بين إنشاء الحكم و بين الحكم الإنشائي، و الذي تتكفله القضايا الحقيقية الشرعية انما هو إنشاء الحكم، نظير الوصية، حيث ان الوصية انما هي تمليك بعد الموت و لا يعقل تقدمه على الموت، لأن الذي أنشأ بصيغة الوصية هو هذا أي ملكية الموصى له بعد موته، فلو تقدمت الملكية على الموت يلزم خلاف ما أنشأ، و لا معنى لأن يقال الملكية بعد الموت الآن موجودة، لأن هذا تناقض. فكذا الحال في الأحكام الشرعية، فان إنشاءها عبارة عن جعل الحكم على الموضوع المقدر وجوده، فما لم يتحقق الموضوع لا يكون شي‏ء أصلا، و إذا تحقق الموضوع يتحقق الحكم لا محالة و لا يمكن ان يتخلف.
فتحصل: انه ليس قبل تحقق الموضوع شي‏ء أصلا حتى يسمى بالحكم الإنشائي في قبال الحكم الفعلي، إذ ليس الإنشاء إلا عبارة عن جعل الحكم في موطن وجود موضوعه، فقبل تحقق موطن الوجود لا شي‏ء أصلا، و مع تحققه يثبت الحكم و يكون ثبوته عين فعليته، و ليس لفعلية الحكم معنى آخر غير ذلك.
و حاصل الكلام: انه ليس للحكم نحو ان من الوجود يسمى بالإنشاء تارة، و بالفعلي أخرى، بل الحكم هو عبارة عما يتحقق بتحقق موضوعه، و هذا هو الذي أنشأ أزلا قبل خلق عالم و آدم، فلو فرض انه لم يتحقق في الخارج عاقل بالغ مستطيع فلم يتحقق حكم أيضا أصلا، فالحكم الفعلي عبارة عن الذي أنشأ و ليس وراء ذلك شي‏ء آخر، فلو أنشأ الحكم على العاقل البالغ المستطيع، فلا محيص من‏

 

 

                        فوائد الاصول، ج‏1، ص: 176
ثبوت الحكم بمجرد تحقق العاقل البالغ المستطيع، و لا يعقل ان يتخلف عنه، فلو توقف ثبوت الحكم و فعليته على قيد آخر كعدم قيام الأمارة على الخلاف مثلا يلزم تخلف المنشأ عن الإنشاء، لأنا فرضنا ان ذلك القيد لم يؤخذ في إنشائه، بل إنشاء الحكم على خصوص العاقل البالغ المستطيع، فإذا وجد العاقل البالغ المستطيع و لم يوجد الحكم يلزم ان لا يوجد ما أنشأه و هو محال، إذ لا يعقل تخلف المنشأ عن الإنشاء. و معنى عدم معقولية تخلف المنشأ عن الإنشاء، هو انه لا بد من ان يوجد المنشأ على طبق ما أنشأ و على الوجه الذي أنشأه، فلو أنشأ الملكية في الغد فلا بد من وجود الملكية في الغد، و لا يعقل ان تتقدم عليه أو تتأخر عنه، بان توجد الملكية قبل الغد أو بعد الغد، لأنه يلزم تخلف المنشأ من الإنشاء، إذ الذي أنشأ هو خصوص ملكية الغد لا غير، فكيف تتقدم الملكية على الغد أو تتأخر عنه؟
و حاصل الكلام: انه لو كان زمام المنشأ بيد المنشئ و له السلطنة على إيجاده كيف شاء و بأي خصوصية أراد كما هو مفروض الكلام، فحينئذ يدور المنشأ مدار كيفية إنشائه، فله إنشائه في الحال كما في البيع الفعلي فلا بد ان يتحقق المنشأ في الحال و إلا يلزم التخلف، و له ان ينشئه في الغد فلا بد ان يكون البيع في الغد و إلا لزم التخلف. و ليس الإنشاء و المنشأ من قبيل الكسر و الانكسار التكويني، بحيث لا يمكن ان يتخلف زمان الانكسار عن الكسر، كما ربما يختلج في بعض الأذهان، و لأجل ذلك تخيل انه لا يعقل تخلف زمان وجود المنشأ عن زمان وجود الإنشاء، فكيف يعقل ان يكون إنشاءات الأحكام أزلية و منشئاتها تتحقق بعد ذلك عند وجود موضوعاتها في الخارج؟ مع انه يلزم ان يتخلف زمان الإنشاء عن زمان وجود المنشأ لأنه لا يمكن ان يتخلف زمان الوجود عن الإيجاد، و زمان الانكسار عن الكسر، و لأجل هذه الشبهة ربما وقع بعض في إشكال كيفية تصور كون إنشاءات الأحكام أزلية مع عدم وجود منشئاتها في موطن إنشائها، هذا.
و لكن لا يخفى ضعف الشبهة، و ان قياس باب الإنشائيات بباب التكوينيات في غير محله، فان في التكوينيات زمان الانكسار ليس بيد الكاسر، بل الذي بيده هو الكسر و اما الانكسار فيحصل قهرا عليه.

 

 

                        فوائد الاصول، ج‏1، ص: 177
و هذا بخلاف باب المنشآت، فانها أمور اعتبارية، و يكون زمامها بيد المعتبر النافذ اعتباره، و له إيجادها على أي وجه أراد. فالذي بيده زمام الملكية، له ان يوجد الملكية في الحال، و له ان يوجدها في المستقبل كما في الوصية، فلو أنشأ الملكية في المستقبل بمعنى انه جعل ملكية هذا الشي‏ء لزيد في الغد فلا بد من ان توجد الملكية في الغد، و إلا يلزم تخلف المنشأ عن الإنشاء.
و كذا الحال في الأحكام الشرعية، فان زمام الأحكام بيد الشارع، فله جعلها و إنشاؤها على أي وجه أراد، فلو جعل الحكم على موضوع ليس له وجود في زمان الجعل بل يوجد بعد الف سنة، فلا بد ان يوجد الحكم عند وجود موضوعه و لا يمكن ان يتخلف عنه. و السر في ذلك: هو انه الآن يلاحظ ذلك الزمان المستقبل و يجعل الحكم في ذلك الزمان، حيث ان اجزاء الزمان بهذا اللحاظ تكون عرضية كأجزاء المكان، فكما انه يمكن وضع الحجر في المكان البعيد عن الواضع إذا أمكنه ذلك لطول يده، كذلك يمكن وضع الشي‏ء في الزمان البعيد لمن كان محيطا بالزمان.
فظهر معنى كون إنشاءات الأحكام أزلية، و ان تحقق المنشأ يكون بتحقق الموضوع و لا يلزم منه تخلف المنشأ عن الإنشاء، و انما التخلف يحصل فيما إذا وجد غير ما أنشأه، اما لمكان الاختلاف في الكيف، و اما لمكان الاختلاف في الزمان، أو غير ذلك من سائر أنحاء الاختلافات. فتأمل في المقام جيدا، لئلا ترسخ الشبهة المتقدمة في ذهنك.
فظهر الفرق، بين القضية الخارجية و القضية الحقيقية، بعدم تخلف زمان الفعلية عن الإنشاء في الخارجية نظير الهبة، و تخلفه في الحقيقية نظير الوصية. فهذه هي الجهة الثانية التي تمتاز إحداهما عن الأخرى.
الجهة الثالثة:
ان السببية المتنازع فيها من حيث كونها مجعولة أو غير مجعولة و ان المجعول الشرعي هل هو نفس المسببات عند وجود أسبابها أو سببية السبب، انما يجري في القضايا الحقيقية، دون القضايا الخارجية، لوضوح ان القضايا الخارجية ليس لها موضوع أخذ مفروض الوجود حتى يتنازع في ان المجعول ما هو، بل ليس فيها إلا
                       

 

فوائد الاصول، ج‏1، ص: 178
حكم شخصي على شخص خاص، كقول الآمر لزيد اضرب عمرا، فلا معنى لأن يقال: ان المجعول في قوله اضرب عمرا ما هو، إذ ليس فيه الأحكام و علم باجتماع شرائط الحكم من المصالح، و المصالح غير مجعولة بجعل شرعي، بل هي أمور واقعية تكوينية تترتب على افعال المكلفين فلم يبق فيها إلا الحكم و هو المجعول الشرعي.
و هذا بخلاف القضايا الحقيقية، فانه لما أخذ فيها موضوع و رتب الحكم على ذلك الموضوع في ظرف وجوده، كان للنزاع في ان المجعول الشرعي ما هو، هل هو الحكم على فرض وجود الموضوع؟ أو سببية الموضوع لترتب الحكم عليه؟ مجال. و ان كان الحق هو الأول، و الثاني غير معقول، على ما أوضحناه في باب الأحكام الوضعية. و الغرض في المقام مجرد بيان ان النزاع انما يتأتى فيما إذا كان جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقية، و لا يتصور النزاع في القضايا الخارجية لانتفاء الموضوع فيها بالمعنى المتقدم، أي بمعنى أخذ عنوان الموضوع منظرة و مرآة لأفراد المقدر وجودها. فهذه جهات ثلث تمتاز بها القضية الحقيقية عن القضية الخارجية.



*****************

                        أجود التقريرات، ج‏1، ص: 125
اللزوم فلا بد من القول بالاشتغال للشك في سقوط الغرض بعد العلم بوجوده ففرق واضح بين الشك في أصل الغرض الزائد على وجود المأمور به و بين الشك في سقوطه بعد وجوده‏
المبحث الثالث في تقسيم الواجب إلى المطلق و المشروط و تحقيق المقام انما يتم ببيان أمور
 (الأول) ان القضية سواء كانت متضمنة لحكم شرعي أو لغيره تنقسم إلى خارجية و حقيقية
و المهم في المقام هو البحث عن الثانية إلّا انه يلزم التعرض لبيان أحكام الأولى ليرتفع به الخلط الواقع بينهما في كثير من المباحث و المراد من القضية الخارجية هي كل قضية يكون موضوعها امرا خارجياً خاصاً كان أو عاماً فالأوّل في التكليفيات كقول المولى لعبده اسقني هذا الماء و في غيرها مات زيد و الثاني في التكليفات كقول المولى أكرم كل من في داري إذا أراد به الأشخاص الموجودة في الدار فعلا و في غيرها قتل من في العسكر ثم ان القضية المتضمنة لحكم شرعي انما يمكن ان تكون خارجية بلحاظ زمان الحضور و اما في زمان الغيبة فهي لا محالة تكون حقيقية كما ستعرف إن شاء اللَّه تعالى ثم ان الحكم في القضايا الخارجية وضعياً كان أو تكليفيا شرعيا كان أو غير شرعي قد يكون مطلقاً و غير معلق على شي‏ء أصلا لعلم الأمر بوجود شرائطه كما في امر المولى عبده بسقي الماء حيث يعلم بوجود الماء و قدرة العبد عليه و قد يكون مشروطاً بشي‏ء لعدم علمه بوجوده كما في قول المولى اسقني الماء ان كنت قادراً عليه (اما) القسم الأول فالمناط فيه علم المولى بوجود الشرائط فان علم به أمر و ان كان علمه غير مطابق للواقع و إلّا فيستحيل منه الأمر المطلق و ان كانت الشرائط موجودة في الواقع فالمدار على العلم بوجودها لا على نفس وجودها واقعا و منه يظهر ان تقسيم الشرط إلى المقارن و المتقدم و المتأخر و إرجاع جميع ذلك إلى شرطية اللحاظ انما هو بلحاظ هذا القسم الّذي يدور حكم المولى فيه مدار علمه بوجود الشرائط سواء كان متعلق العلم متقدماً أو متأخراً أو مقارنا و تسريته إلى القضايا الحقيقية من باب الخلط بين القسمين و عدم التمييز بينهما و إلّا فالحكم في القضية الحقيقية غير مشروط بالعلم أصلا كما ان بحث جواز امر الأمر مع علمه بانتفاء الشرط نشأ من هذا الخلط أيضاً فانه انما يتم في القضايا الخارجية [1] (و اما) القضايا الحقيقية فليس الموضوع فيها شخصاً خاصاً حتى يفرض‏
__________________________________________________
 [1] سيجي‏ء ان النزاع المزبور لا يختص بخصوص القضايا الخارجية بل يعم القضايا الحقيقية أيضاً

 

                        أجود التقريرات، ج‏1، ص: 126
فيه علم الأمر بانتفاء الشرط أو عدمه كما ان النزاع في ان الخطاب يشمل الغائبين أو المعدومين أولا ناش من الخلط المذكور فانه انما يصح فيما إذا كان الموضوع أشخاصاً معينة لا فيما إذا كان بنحو القضايا الحقيقية فانه لا يشترط فيها وجود موضوع أصلا فيصح الخطاب مع عدم وجود المشافه أيضاً قطعاً كما يظهر إن شاء اللَّه تعالى (و بالجملة) خلط أحد القسمين بالآخر هو الّذي أوجب الاشتباه في كثير من المسائل الأصولية بل وقع في هذا الخلط بعض أهل المعقول في مقام توهم دورية الشكل الأول ببيان ان العلم بالنتيجة موقوف على العلم بالمقدمتين و العلم بالكبرى الكلية يتوقف على العلم بثبوت هذا الحكم لجميع الافراد و منها موضوع النتيجة فيتوقف العلم بالنتيجة على نفسه و جوابه أن الكبرى الكلية ان كانت من قبيل القضايا الخارجية كما في قضية كل من في العسكر قتل فالحق كما ذكره المتوهم من ان العلم بالنتيجة لو كان حاصلا من العلم بالمقدمتين لزم الدور لبداهة أن العلم بالكبرى يتوقف على فحص حال تمام الافراد و العلم بثبوت الحكم لها و من جملتها موضوع النتيجة لكن القضايا الخارجية لا تكون كبرى أصلا و لا تقع في طريق الاستنتاج أبدا و ان تشكل منها صورة برهان أيضاً (و اما) إذا كانت من قبيل القضايا الحقيقية فالعلم بالنتيجة و ان كان متوقفاً على العلم بالمقدمتين إلّا ان العلم بالكبرى لا يتوقف على وجود موضوع في الخارج و ثبوت هذا الحكم له أصلا بل هو تابع لمدركه سواء كان شرعياً كالآية المباركة الدالة على وجوب الحج على المستطيع أو عقليا كحكم العقل بأن من لوازم الجسم كونه متحيزا فتوهم توقف العلم بالكبرى على العلم بالنتيجة ناش من خلط القضية الحقيقية بالخارجية (و أما) القسم الثاني فهو يشترك مع القضية الحقيقية من جهة شرطه لا من جهة وجود موضوعه إذا عرفت ذلك فاعلم ان القضايا المتكفلة لبيان الأحكام الشرعية الكلية التي لا تختص بشخص دون شخص إذا كان مفادها راجعاً إلى كونه اخباراً عن إنشاءات متعددة بتعدد الأشخاص و الأزمنة بحيث يكون في حق كل شخص في أول وقت الصلاة مثلا إنشاء مخصوص يخصه فيرجع ذلك إلى القضية الخارجية و يكون حالها حالها في ان المدار فيها على العلم (لكن) من الضروري عدم كونها كذلك بل هي من قبيل القضايا الحقيقية على طبق الأحكام المجعولة في سائر القوانين الصادرة من أولياء الأمور فانه لا يصدر منهم في قوانينهم إنشاءات غير محصورة

 

                        أجود التقريرات، ج‏1، ص: 127
بالإضافة إلى اشخاص غير محصورة و توضيح الحال في القضايا الحقيقية هو ان موضوع الحكم في القضية الحقيقية لا بد و ان يكون عنواناً عاماً يشار به إلى الموضوعات الخارجية و مأخوذاً في القضية على نحو الفرض و التقدير حتى يحكم بمعرفيته على ذات المفروض مثلا إذا قلنا الخمر مسكر فموضوع القضية و ان كان هو عنوان الخمر و ما هو خمر بالحمل الأولى إلّا انه انما أخذ في الموضوع للإشارة إلى كل ما هو مصداق له في الخارج فمعناه انه إذا فرض شي‏ء في الخارج و صدق عليه انه خمر فهو مسكر و هذا معنى قولهم ان كل قضية حملية تنحل إلى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع و تاليها ثبوت المحمول له و كذلك الحال في الإنشاءات فان الحاكم بوجوب الحج على المستطيع مثلا لا بد و ان يفرض وجود المستطيع و يحكم على هذا الموضوع المفروض وجوده بأنه يجب عليه الحج فما لم يوجد في الخارج هذا الموضوع و كل قيد أخذ مفروض الوجود معه يستحيل فعلية الحكم بل هو باق بمرتبته الإنشائية و إذا وجد في الخارج فيخرج المفروض عن حد الفرض و التقدير إلى مرتبة الفعلية و التحقيق و يثبت له الحكم بنفس ذاك الإنشاء لا بإنشاء آخر إذ المفروض ان الحكم كان ثابتاً للموضوع على تقدير وجوده فبعد وجوده يكون هو بنفسه موضوع الحكم لا شي‏ء آخر إذ المنشأ هو الحكم لهذا الموضوع لا لأمر آخر غيره فالقول بأن الحكم أنشأ بمفهومه لا بواقعه و ان الحكم بعد وجود موضوعه يمكن ان يكون فعلياً و يمكن ان لا يكون كذلك مما لا يعقل إذ ليس حال الأحكام الشرعية الثابتة للموضوعات الا كحال ساير الأحكام الثابتة للموضوعات المقدر وجوداتها و يستحيل تخلفها عن وجود موضوعها.
ثم ان القضية الخارجية المطلقة التي أحرز الآمر تمام شروطها و ليس لإحراز المأمور لتلك الشروط دخل في تلك القضية أصلا تمتاز عن القضية الحقيقية بوجوه.
الأول ان فعلية الحكم في القضية الخارجية مساوقة لإنشائه وجوداً و لا تتأخر الفعلية عن الإنشاء إلا رتبة بخلاف القضية الحقيقية فان الفعلية فيها تدور مدار فعلية

 

                        أجود التقريرات، ج‏1، ص: 128
الموضوع خارجاً و تتأخر الفعلية عن الإنشاء زمانا [1] (و توهم) ان الإيجاب يكون فعلياً بنفس الإنشاء و ان كانت فعلية الوجوب متوقفة على وجود موضوعه (مدفوع) بأنه يستلزم تأخر الوجود عن الإيجاد و هو مما لا يعقل (و نظير) ما نحن فيه الملكية في باب الوصية و الهبة فانها في الأول تتأخر عن الإنشاء و توجد في زمان الموت فانها أنشئت على تقدير الموت لا مطلقا فتكون تابعة له و لا يعقل تقدمها عليه بخلاف الثاني فانها أنشئت مطلقة فتكون فعلية بلا احتياج إلى شي‏ء آخر (الوجه الثاني) قد عرفت ان المؤثر في القضية الخارجية من حيث الموضوع و الملاك ليس الأعلم الآمر أصاب أو أخطأ مثلا إذا علم الآمر ان في سقي الماء مصلحة و ان العبد قادر عليه فلا محالة يحكم و يلزم عبده بالسقي سواء كان في علمه مصيباً أو مخطئاً و لا فرق فيما له دخل في الحكم بين ما كان مقارناً أو متأخراً أو متقدماً لأن المؤثر في الحكم هو العلم لا الوجود الخارجي فتأخر القيد أو تقدمه أجنبي عما هو المؤثر في الحكم و هو علم الأمر الّذي هو مقارن للحكم دائماً (و اما) المؤثر في الحكم في القضية الحقيقة من جهة الملاك فهو علم الآمر أيضاً فانه إذا علم ان حج المستطيع ذو مصلحة ملزمة فلا محالة يوجب الحج على المستطيع أصاب أو أخطأ و أما من جهة الموضوع فالمتبع هو وجود الموضوع خارجاً علم به الآمر أو لم يعلم لأن المفروض ان الحكم انما أنشئ على تقدير وجود الموضوع فيدور مدار وجوده و لا دخل فيه لعلم الآمر أصلا الوجه الثالث ان النزاع المعروف في مجعولية المسببات أو السببية انما يجري في القضايا الحقيقية فان المؤثر في الأحكام فيها هو الوجود الخارجي فيقع النزاع في تعلق الجعل بالمسبب أو بالسببية (و اما) في القضية الخارجية فقد عرفت ان المؤثر فيها هو علم الآمر فقط و الوجود الخارجي للموضوع أجنبي عن الحكم و لا دخل له فيه أبدا فلا معنى للنزاع المذكور أصلا لعدم وجود سببية و مسبب حتى يتنازع في تعلق الجعل بأي منهما فالنزاع في القضايا الخارجية منتف بانتفاء موضوعه‏
__________________________________________________
 [1] لا يعتبر تأخر فعلية الحكم عن الإنشاء زماناً في كون القضية حقيقية بل هو امر قد يكون و قد لا يكون ضرورة انه إذا فرض وجود الموضوع خارجاً حين إنشاء الحكم في القضية الحقيقية فلا بد من مقارنتهما زماناً و انما الفارق بين كون القضية حقيقية و كونها خارجية هو ما تقدم من لزوم أخذ الموضوع في القضية الحقيقية مفروض الوجود دون الخارجية

 

                        أجود التقريرات، ج‏1، ص: 129
ثم أن ما ذكرناه من ان الحكم في القضية الحقيقية لا يكون فعليا الا عند وجود موضوعه في الخارج لا يفرق فيه بين القضايا الشرطية و الحملية لكون الحكم في القضية الحملية أيضاً مشروطاً بوجود الموضوع غاية الأمر أن الاشتراط في إحداهما مدلول مطابقي و في الأخرى ضمني تبعي‏

 















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است



****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Monday - 26/2/2024 - 23:1

ملاحظاتی در مورد نظریه قضایای حقیقیه

1. اخذ فرض الوجود در قضیه حقیقیه و غفلت از قضیه طبیعیه

2. وجود ثالث بین انشاء حکم و فعلیت آن به حکم منشا بنفس الانشاء . مراتب سه گانه: انشاء/منشأ/ تطبیق منشأ و مصداق آن

3. حصر فعلیت در تحقق موضوع و اهمال دو قسم فعلیت ابلاغی و فعلیت به معنای فاعلیت