اجزاء امر ظاهری

فهرست علوم
فهرست فقه
القواعد الفقهیة و الاصولیة
اجزاء امر اضطراری
قاعده التصحیح بقدر الامکان و الابطال بقدر الضرورة
شواهد موافق و مقابل قاعده التصحیح
شبهه ابن قبه
صحیحه زراره الثانیه



فهرست مطالب:

اختلاف در روز عرفه
کلمات علماء در مبحث اجزاء امر ظاهری
کلام کاشف الغطاء
شریف العلماء
صاحب فصول
تبدل رأی مجتهد
کلام علامه حلی
محقق قمی
هدایه المسترشدین
سید مجاهد
کلام شیخ انصاری
بررسی کلام شیخ انصاری
قول به اجزاء در میان متاخرین







****************
حسن خ
Friday - 1/7/2022 - 19:28

اختلاف در روز عرفه

صاحب جواهر

جواهر، ج 19، ص 30-32

و في الدروس ان رابع الواجبات السلامة من الجنون و الإغماء و السكر و النوم في جزء من الوقت، فلو استوعب بطل، و اجتزاء الشيخ بوقوف النائم فكأنه بنى على الاجتزاء بنية الإحرام، فيكون كنوم الصائم، و أنكره الحلبيون و يتفرع عليه من وقف بها و لا يعلمها فعلى قوله يجزي، قلت: قد عرفت سابقا في أول كتاب الحج اعتبار العقل، نعم لا وجه للجزم بالبطلان مع الاستيعاب و ان أدرك الاضطراري أو اختياري المشعر، اللهم إلا ان يريد بطلان الوقوف لا الحج، كما انه لا وجه لما حكاه عن الشيخ من الاجتزاء بوقوف النائم مع فقده النية التي قد عرفت اعتبارها، ثم قال: خامسها الوقوف في اليوم التاسع من ذي الحجة بعد زواله، فلو وقفوا ثامنه غلطا لم يجز، و لو وقفوا عاشره احتمل الاجزاء دفعا للعسر، إذ يحتمل مثله في القضاء، و لما روي عن النبي صلى الله عليه و آله «حكم يوم تحجون» و عدمه لعدم الإتيان بالواجب، و الفرق بينه و بين الثامن انه لا يتصور نسيان العدد من الحجيج، و يأمنون ذلك في القضاء، و قوى الفاضل التسوية في عدم الاجزاء، و الحادي عشر كالثامن، و لو غلطت طائفة منهم لم يعذروا مطلقا، و ابن الجنيد يرى عدم العذر مطلقا، و لو رأى الهلال وحده أو مع غيره وردت شهادتهم وقفوا بحسب رؤيتهم و ان خالفهم الناس، و لا يجب عليهم الوقوف مع الناس، و لو غلطوا في المكان أعادوا، و لو وقفوا غلطا في النصف الأول من اليوم أو جهلا لم يجز، و لا يخفى عليك ان ما ذكره من الاحتمال أولا لا ينطبق على مذهب الإمامية، و ان ذكر الفاضل في التحرير ما يقرب منه، قال: لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة انه اليوم العاشر ففي الإجزاء نظر، و كذا لو غلطوا في العدد فوقفوا يوم التروية، و لو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجة ورد الحاكم شهادتهما وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم و ان وقفت الناس يوم العاشر عندهما و الأصل في هذه الاحتمالات خرافات العامة.

قال في المنتهى: لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة انه يوم العاشر قال الشافعي: أجزأهم، ل قول النبي صلى الله عليه و آله: «حجكم يوم تحجون» و لأن ذلك لا يؤمن مثله في القضاء مع اشتماله على المشقة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل و إنفاق المال الكثير، قال: و لو وقفوا يوم الثامن لم يجزهم، لأنه لا يقع فيه الخطأ، لأن نسيان العدد لا يتصور، و لو شهد شاهدان عشية عرفة برؤية الهلال و لم يبق من النهار و الليل ما يمكن الإتيان فيه الى عرفة قال: وقفوا من الغد، و لو أخطأ الناس أجمع في العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة قال بعض الجمهور: يجزيهم، لأن النبي صلى الله عليه و آله قال: «يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه» و ان اختلفوا فأصاب بعضهم و أخطأ بعض وقت الوقوف لم يجزهم، لأنهم غير معذورين في هذا، و ل‍ قول النبي صلى الله عليه و آله : «فطركم يوم تفطرون، و ضحاياكم يوم تضحون» و في الكل إشكال، قلت: بل منع، ضرورة عدم ثبوت ما ذكروه من الروايات، و عدم انطباقه على أصول الإمامية و قواعدهم إلا على ما توهمه بعض منا من قاعدة الاجزاء في نحو بعض الفروع المذكورة. ثم إنه في المنتهى ذكر مسألة الشهود الذين ردت شهادتهم، و ذكر ما عن الشافعي من انهم يقفون على حسب رؤيتهم و إن وقف الناس في غير ذلك، ثم قال: و هو الحق كشهود العيد في شهر رمضان، خلافا لبعض العامة فلا يجزيهم حتى يقفوا مع الناس، و هو واضح الفساد، و كيف كان فالغرض أن بعض الاحتمالات المزبورة في المسائل السابقة مما لا ينطبق على المعروف من أصول الإمامية.

نعم بقي شيء مهم تشتد الحاجة اليه، و كأنه أولى من ذلك كله بالذكر، و هو انه لو قامت البينة عند قاضي العامة و حكم بالهلال على وجه يكون يوم التروية عندنا عرفة عندهم، فهل يصح للامامي الوقوف معهم و يجزي لأنه من أحكام التقية و يعسر التكليف بغيره، أو لا يجزي لعدم ثبوتها في الموضوع الذي محل الفرض منه، كما يومي اليه وجوب القضاء في حكمهم بالعيد في شهر رمضان الذي دلت عليه النصوص التي منها «لأن أفطر يوما ثم أقضيه أحب إلى من ان يضرب عنقي» لم أجد لهم كلاما في ذلك، و لا يبعد القول بالاجزاء هنا إلحاقا له بالحكم للحرج، و احتمال مثله في القضاء، و قد عثرت على الحكم بذلك منسوبا للعلامة الطباطبائي، و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.




کلام آیت الله بروجردی

استفتاءات ، ج 1، ص 371-373

س 14 - لو ثبت هلال ذي الحجّة عند العامّة ولم يثبت عند الشيعة، فهل يكفيه إدراك أحد الموقفين الاضطراريين، أيّاً كان سواءً‌ كان اضطراري عرفة وحده أو اضطراري مشعر الحرام وحده‌؟ ولو لم يتمكّن من الإدراك، ووقع مع العامّة في عرفة ونزل إلى المشعر ولم يتمكّن من الرجوع إلى الموقفين الاضطراريين أو أحدهما، فهل يجزيه ذلك‌؟ وهل يفرق الحال في إجزاء الوقوف معهم على تقديره بين ما لو كان عالماً بعدم صحّة حكمهم بالهلال وبين ما لو احتمل صحّته‌؟ نرجوا بسط الكلام مولانا! من المعلوم أنّ‌ فتوى المرحوم آية اللّٰه السيّد أبي الحسن - طاب ثراه - لا تجدي من كان مقلّداً له حتّى لو قلّدكم بجواز البقاء على تقليده؛ لأنّها ليست من المسائل الّتي عمل بها المقلّد. مولانا! هل يفرق الحال بين ما لو كان عدم التمكّن من إدراك الموقفين الاضطراريين أو أحدهما في أوّل سنة استطاعته، فالإجزاء، وبين ما لو كان مستطيعاً سنين وكان مسبوقاً، فالعدم‌؟

ج - هذه المسألة محلّ‌ خلاف بين فقهائنا رضوان اللّٰه عليهم، يُحكى عن المشهور بطلان الحجّ‌، وحكى صاحب الجواهر رحمه الله من عمّنا العلّامة الطباطبائي قدس سره صحّته ، والشهرة عندي غير ثابتة. والأقوى عندي التفصيل، فيصحّ‌ إذا كان يحتمل موافقة العمل للواقع بكون أوّل شهر ذي الحجّة ما حكموا به، ويبطل إذا كان عالماً بمخالفة العمل للواقع أو انكشف المخالفة فيما بعد. أمّا الثاني؛ فواضح، وأمّا الأوّل؛ فلأنّ‌ الحجّ‌ من الأعمال الّتي كانت السياسة والحكومة دخيلة فيه من صدر الإسلام في عصر النبي صلى الله عليه و آله ومن بعده من الخلفاء حتّى في عصر أمير المؤمنين عليه السلام، فكانوا يعيّنون في كلّ‌ سنة شخصاً أميراً على الحجّ‌ يحجّ‌ بالناس ويأمرهم بالوقوف والرحال، وكان الناس كلّهم يتّبعونه في ذلك، وكان الأمير تابعاً للقضاة الّذين ينصبهم الخلفاء لذلك ماذا حكم القاضي بأنّ‌ اليوم ثامن ذي الحجّة كان الأمير يرحِّل بالناس إلى منى ويرحِّل في الغد منه إلى عرفات. وكانت أئمّتنا - صلوات اللّٰه وسلامه عليهم - يحجّون مع الناس ويرتحلون برحتلهم ويقفون معهم في وقوفهم، فلو كان حكم القاضي وأمر أمير الحاج غير متّبع لحكي عن أبي جعفر، أو أبي عبد اللّٰه، أو أبي الحسن عليهم السلام في طول مدّتهم في ذلك شيىء، ولم يحك عن أحدهم شيىء في ذلك، واللّٰه العالم بحقائق


استفتاءات، ج1 ، ص374

س 18 - چون احتمال اختلاف در رؤيت هلال ذى الحجّه مى‌رود چنان چه اختلاف در تقاويم مصرى و ايرانى موجود است، حال در صورت وقوع اختلاف و ممانعت از انجام حتّى وقوف اضطرارى، تكليف حُجّاج چيست‌؟ و آيا براى مستطيع تشرّف به بيت اللّٰه در اين صورت واجب است يا نه‌؟ ج - احتمال اختلاف مذكور مانع از وجوب حج نيست، و در صورت عدم علم به مخالفت واقع، إجزاء عمل خالى از قوّت نيست.




مناسک حج(امام و مراجع)، ص ۶١٢-۶١٣

[1352] س - فرموده‌ايد اگر از طرف قاضى مكه حكم شد كه فلان روز عيد است و ما يقين به خلاف نداشته باشيم متابعت آنان جايز است، آيا اگر در همين فرض بتوان احتياط كرد و وقوف عرفات و مشعر و اعمال منا را بدون محذور انجام داد تا متابعت قطعى واقع شود، آيا اين كار لازم است يا نه‌؟ ج - بايد تبعيت كنند ولو با علم به خلاف.


(1) . آية الله بهجت: آنكه علم به خلاف فرض شود، كه انسان بداند روزى كه به حكم قاضى روز عرفه (نهم) است، واقعاً روز ترويه و هشتم باشد، كه در اين صورت وقوف با آنها كافى نخواهد بود. بلى با عدم علم به خلاف و عدم قيام حجت شرعيه بر خلاف و با صدق تقيه بر نحو معهود متعارف، اقوى كفايت موافقت با عامه است چنان‌كه سيره قطعيه غير مردوعه بر آن دلالت دارد و عدم مانعيت علم به خلاف از صحت عمل با ناچارى و تقيه، خالى از وجه نيست و عمل به واقع در جميع صور، ظاهراً مجزى است و با عدم شرايط تقيه صحت عمل مورد تأمل است با موافقت عامه، ولو علم به خلاف عمل ايشان بر حسب حكم حاكم ايشان نباشد.

آية الله تبريزى: نظر ايشان عيناً نظر آية الله خويى است اما با اين اضافه: و ممكن است در صورت دوم چاره كند به اينكه در روز عيد آنها (روز نهم واقعاً) از طريق منا به مكه برگردد و بعد از راه عرفات و مشعر به منا برود، به نحوى كه قبل از غروب وقوف در عرفات بنمايد ولو آناً ما (ولو يك لحظه) و در حال حركت، و به همين نحو وقوف در مشعر را در شب درك كند و بعد براى اعمال به منا برود.

آية الله خويى: آنكه علم به خلاف فرض شود، كه انسان بداند روزى كه به حكم قاضى روز عرفه (نهم) است، واقعاً روز ترويه و هشتم باشد، كه در اين صورت وقوف با آنها كافى نخواهد بود. و در اين حال اگر مكلف تمكن از عمل به وظيفه را داشته باشد ولو به وقوف اضطرارى در مزدلفه بدون محذور حتى محذور مخالفت تقيه، بايد عمل به وظيفه نمايد، و در غير اين صورت حجش بدل به عمره مفرده شده و حجى نخواهد داشت. و چنانچه استطاعتش از همين سال بوده و براى سال‌هاى بعد باقى نخواهد ماند، وجوب حج از او ساقط خواهد بود، مگر اينكه استطاعت تازه‌اى پيدا كند كه در اين صورت دوباره حج مى‌نمايد.

آية الله زنجانى: مجزى است ولو با علم به خلاف.

آية الله سبحانى: اگر علم قطعى به خلاف نباشد حج صحيح است و به خاطر اختلاف افق علم قطعى به خلاف شكل است اگر علم قطعى به خلاف حاصل شود مثلاً روز نهم حكم مفتى عربستان روز هشتم واقعى باشد و نتواند احتياط كند (مقدارى ولو كم از بعدازظهر روز دهم آنها در عرفات حضور داشته باشد و شب يازدهم پس از طلوع فجر در مشعر باشد) احرام حج او به عمره مفرده تبديل مى‌شود و اگر او در همان سال مستطيع شده و استطاعت او براى سال‌هاى عد باقى نماند حج از او ساقط مى‌شود مگر اينكه مجدداً مستطيع شود.

آية الله سيستانى: اگر براى مكلف ممكن شود كه اعمال حج را در اوقات مخصوص خود، برطبق ضوابط شرعى، در باب ثبوت هلال به جا آورد و آنها را به همين صورت به جا آورد، حجش در هر صورت صحيح است و اگر آنها را به صورت ياد شده به جا نياورد، اگرچه به علت عذرى باشد پس اگر از نظر و حكم قاضى عامه نيز در وقوف در عرفات و مشعر پيروى نكرد، شكى در بطلان حج او نيست ولى اگر از او پيروى كند صحت حج او مورد اشكال است.

آية الله صافى، آية الله گلپايگانى: هرگاه نزد قاضى عامه، اول ماه ذى‌حجه ثابت شود و براى شيعه شرعاً ثابت نشده باشد و به اين جهت روز نهم ذى‌حجه در نزد آنها روز هشتم به نظر شيعه باشد، احتياط واجب آن است كه اگر ممكن است وقوف اختيارى عرفات را در روزى كه نزد شيعه نهم است انجام دهد و اگر ممكن نشد اضطرارى آن را درك كند، و به مشعر رفته و وقوف در آنجا را نيز درك نمايد و اعمال روز عيد را در منا به عمل آورد، و اگر درك اضطرارى عرفات هم ممكن نشد درك اختيارى مشعر كافى است و حجش صحيح است و بنا بر اقوى چنانچه گفته خواهد شد، درك اضطرارى عرفه و اضطرارى مشعر نيز كفايت مى‌كند و اگر از جهت تقيه ناچار به متابعت باشند و از عمل به وظيفه خود خائف باشند اقوى صحت و كفايت همين حج است از حجة الاسلام، هرچند عالم به خلاف باشند و اگر بدون خوف متمكن از عمل به وظيفه باشند احوط آن است كه با آنها رجا متابعت كند و بعد واجب است عمل به وظيفه خود نمايند حتى با عدم علم به خلاف.




حج سال 1428/ 1386

بزرگترین اشتباه تاریخی عربستان در شروع ماه ذی الحجه در این سال رخ داد و در حالی که روز دوشنبه را اول ماه اعلام کرد، در بعضی کشورها از جمله ایران روز چهارشنبه اول ماه ذی الحجه اعلام و باعث شد ایران مراسم عید قربان را دو روز بعد از عربستان اجرا کند.
در همان سال طبق گزارش روزنامه الخلیج چاپ امارات 22 اختر شناس از عربستان تقاضا کردند، در اعلام اول ماه در روز دوشنبه تجدید نظر و همانند سال 1996 مناسک را حداقل با یک روز تأخیر برگزار کند، ولی متأسفانه دولت عربستان این موضوع را قبول نکرد و در پایان همان ماه بعد از گذشت 30 روز از ماه هلال ماه محرم به هیچ عنوان قابل رویت نبود و مجبور شد با 31 روز کردن ماه ذی الحجه از تمام حجاج آن سال معذرت خواهی و اعلام کند که مناسک حج در زمان خود انجام نشده و کفاره تمام حجاج را دولت پرداخت می کند.


سایت المحجة،

مقاله الخلاف حول رؤية هلال ذي الحجة: هل له مسوّغ علمي؟

حالة هلال ذي الحجة 1428

كان الاقتران قد وقع الساعة الخامسة و40 دقيقة بالتوقيت العالمي الموحد من مساء الأحد 9 دجنبر 2007، وغرب القمر قبل الشمس في مجموع البلاد العربية. مما يعني استحالة رؤية الهلال ذلك اليوم في هذه البلاد قاطبة. في غضون ذلك أعلنت المملكة العربية السعودية مساء الأحد دخول الشهر بناء على شهادة على الرؤية. وحذت حذوها اتباعا دون تحقق الرؤية دول المشرق العربي المختلفة مثل دول الخليج وسوريا ومصر وكذلك تونس والجزائر. بينما تأخر دخول الشهر في بلدان أخرى مثل المغرب وباكستان وإيران والهند بيومين. ولم تثبت في كل هذه المناطق رؤية الهلال مساء الإثنين، ناهيك عن الأحد. هذا ونشير إلى أن الجالية الإسلامية في جنوب إفريقيا ذات التقاليد العريقة في مراقبة الأهلة أعلنت رؤية الهلال مساء الإثنين، وذلك مطابق تماما للتوقعات الفلكية ومرده إلى التباين الكبير في خطوط العرض بين جنوب إفريقيا والمنطقة العربية كما لا يخفى. وقد أصدر علماء الفلك المنضوون في “المشروع الإسلامي لرصد الأهلة” يوم 11 دجنبر بيانا تحت عنوان “إجماع الفلكيين العرب على استحالة رؤية الهلال يوم الأحد”، دعوا فيه السعودية إلى الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه.



سایت المحجه

 إجماع الفلكيين العرب على استحالة رؤية الهلال يوم الأحد

الحمد لله مبدع الكون وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد فانطلاقا من قول المولى عز وجلّ في محكم التنزيل {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} وقوله {والشمس والقمر بحسبان} وقول الرسول الكريم “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته وإذا غم عليكم فقدروا له” ومواصلة لمسيرة الرقي والتطوير التي يشهدها عالمنا العربي والإسلامي في مختلف جوانب الحياة فإن وازعنا الإسلامي يملي علينا واجبا نحو أماتنا الإسلامية ويطالبنا بالوفاء بالعهد وتوضيح جوانب القضية لأصحاب القرار في أوطاننا العزيزة وعليه وجب علينا توضيح ملابسات رؤية هلال شهر ذي الحجة 1428 هـ. وقد جرت العادة أن يعلق المشروع الإسلامي لرصد الأهلة على البدايات الخاطئة للأشهر الهجرية باسمه وحده، إلا أن الخطأ الجلي هذه المرة بإعلان المملكة العربية السعودية رؤية الهلال يوم الأحد 09 كانون أول/ديسمبر 2007 (وأن الاثنين هو أول أيام شهر ذي الحجة وأن أول أيام عيد الأضحى هو يوم الأربعاء) استدعى من المشروع الإسلامي تكثيف الجهود واستشارة العديد من علماء الفلك والشريعة في العالم العربي والإسلامي، وكتابة هذا البيان الموضح للحقائق العلمية لرؤية هلال شهر ذي الحجة موقعا عليه عدد كبير من المختصين في مجال رؤية الهلال من العلماء العرب و المسلمين، كما هو موضح في نهاية هذا البيان.

فهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها رؤية الهلال والقمر غير موجود في السماء أصلا! فمن المعلوم أن تحري الهلال يتم بعد غروب الشمس قريبا من المنطقة التي غربت عندها الشمس، حيث يتواجد الهلال الجديد بالقرب من الشمس دائما، فإن ثبتت رؤيته كان اليوم التالي أول أيام الشهر وإلا كان اليوم التالي هو المتمم ويبدأ الشهر الجديد في اليوم الذي يليه، فأما بالنسبة لوضع القمر يوم الأحد فقد غاب القمر قبل غروب الشمس في جميع مناطق العالم الإسلامي.

فعلى سبيل المثال غرب القمر في عمّان والقدس الشريف قبل 29 دقيقة من غروب الشمس.

وفي القاهرة والمنامة قبل 27 دقيقة.

وفي أبوظبي والدوحة ومسقط قبل 26 دقيقة.

وفي الرباط قبل 25 دقيقة.

وفي مكة المكرمة قبل 22 دقيقة.

وفي نواكشوط قبل 13 دقيقة.

وجميع هذه القيم تعني استحالة رؤية الهلال يوم الأحد من جميع هذه المناطق لعدم وجود القمر في السماء بعد غروب الشمس، فيا ترى كيف شاهد هؤلاء الشهود العدول الهلال بعد غروب الشمس و قد غرب القمر أصلا قبل غروب الشمس؟! بل إن الاقتران المركزي وهو نفسه المحاق (وهو ما يسميه البعض خطأ تولد الهلال) قد حدث يوم الأحد بعد غروب الشمس في معظم مناطق العالم الإسلامي، حيث حدث الاقتران في الساعة 17:40 بتوقيت غرينتش، ويحتاج القمر للانتقال من المحاق إلى الهلال لحوالي 12 إلى 18 ساعة! أي أن الشهود العدول قد رأوا الهلال قبل تشكله بحوالي 24 ساعة!!

وعليه يجب التثبت من صحة هذه البلاغات بالوسائل المتاحة في هذا العهد الزاهر كما هو معمول به في التحريات الجنائية والقضائية وفي مجال التشخيص الطبي والدراسات الميدانية والتجريبية الأخرى. إن قبول مثل هذه الشهادات لا يدل إلا على عدم الإلمام التام بثوابت علمية أضحت الآن من المسلمات، والشاهد على صحتها العديد من الأدلة التي نراها كل يوم!

أما آن للمسؤولين أن يعلموا بأن الرجوع إلى المعطيات العلمية ستفند مثل هذه الشهادات الخاطئة؟ وهي السبيل الأمثل للعمل بحديث رسول الله  : >لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له<(رواه البخاري ورواه مسلم بلفظ أغمي)، بدلا من أن نصوم لرؤية هذا الكوكب أو تلك الطائرة أو لرؤية سراب!

إننا لا نسرد مجرد فرضيات أو أحاديث غير مؤكدة، فقد شاركنا في الجلسات الرسمية لإثبات رؤية الهلال في أكثر من دولة وكنا شهودا على ما يحدث، فكم من شاهد جاء يحلف برؤية الهلال ولكن بعد مناقشته اكتشفنا أنه رأى كوكب الزهرة، وفي حادثة أخرى كان دخان الطائرات النفاثة هو الهلال! وقد يتساءل أحدهم عن وجه الشبه بين هذه الأجرام و بين الهلال، في الحقيقة لا يوجد وجه شبه فيما بينها على الأغلب، إلا أن عدم دراية المتحري بماهية الهلال يدفعه للاعتقاد بأنه شاهد الهلال لمجرد رؤيته لأي جسم مضيء في السماء! فإذا كان الذي يناقش الشاهد على دراية بأساسيات رؤية الهلال فسيتمكن عندئذ من معرفة ما شاهده هذا الشاهد، أما إن كان من يتلقى الشهادة غير ملم بأساسيات رؤية الهلال فعندها تكمن المشكلة و تقع الأخطاء!

فنجد في السنة الشريفة وتطبيق الصحابة الكرام رضي الله عنهم دليلا واضحا قطعيا كتثبت القاضي إياس بن معاوية، ورَدّ شهادة أحدهما وهو الصحابي الجليل أنس بن مالك عندما رأى شكل هلال بسبب الشعرة المنحنية أمام عينه. ا

عودة لهلال شهر ذي الحجة، فعلى الرغم من غروب القمر قبل الشمس يوم الأحد أعلن مجلس القضاء الأعلى في السعودية رؤية الهلال، وإننا نتساءل كيف تقبل هذه الشهادات على الرغم من وجود الأدلة القطعية التي تؤكد خطأ هذه الشهادات؟ لماذا يتم تجاهل العلم بهذه الطريقة؟ هل يحاول المسؤولون إخبارنا أنهم غير واثقين بدقة الحسابات الفلكية؟ ونستغرب هنا أشد الاستغراب لا لتشكيكهم بالحسابات الفلكية بل لعدم اهتمامهم بالتأكد منها، فالتأكد منها لا يحتاج لجهد ولا حتى لوقت، بل يحتاج لرغبة بذلك وحسب! فها نحن نتحدى أن تخالف مواعيد غروب القمر المواعيد المحسوبة مسبقا، فقد قال جل وعلى {الشمس والقمر بحسبان} فإن كنا لا نرى أحيانا غروب القمر في أول وآخر يومين من الشهر فقد تبقى 25 يوما تقريبا بإمكان أي مشكك أن يراقب بعينه المجردة كيف سيغيب القمر في نفس الدقيقة المحسوبة مسبقا، إننا على أتم استعداد لتقديم مواعيد غروب القمر لأي منطقة في العالم حتى يتأكد المشككون! يؤسفنا ويعيبنا أن نناقش هذه المسألة في القرن الواحد والعشرين في العصر الذي استخدم فيه الغرب الحسابات الفلكية فوصلوا إلى المريخ والزهرة التي نراها من الأرض فيظنها البعض الهلال! هذه هي مواعيد غروب القمر في مكة المكرمة لخمسة أيام قادمة فليراقبوا وليتأكدوا من خطأ بداية شهر ذي الحجة: الأربعاء 12 ديسمبر 2007م (20:03)، الخميس (21:00)، الجمعة (21:57)، السبت (22:52)، الأحد (23:48).

ومما هو أسوأ من ذلك هو ادعاء البعض أن الحسابات الفلكية دقيقة دائما باستثناء الفترة القريبة من تولد الهلال، وعلى قدر فداحة هذا الطرح فهو أسهل للدحض، فمواعيد كسوف الشمس محسوبة لأجزاء من الثانية و قد قمنا فعلا عام 1999م بتوقيت الكسوف أمام جموع من الحاضرين وشاهد الحاضرون كيف غادر قرص القمر الشمس في نفس الثانية المحسوبة مسبقا، فحساب موقع القمر لحظة الاقتران مشهود بدقتها بأدلة شاهدها القاصي والداني! في الحقيقة لقد كانت دقة الحسابات الفلكية في العهد البابلي قبل آلاف السنين أكثر دقة من مقدار الخطأ الذي ينسبه البعض للحسابات في عصرنا الحالي. .

ومن الجدير بالذكر أن رؤية الهلال يوم الإثنين (دع عنك الأحد) في منطقتنا كانت بغاية الصعوبة أو غير ممكنة، ففي الهند لم يتمكن أحد من فرق الرصد من رؤية الهلال، وهذا مطابق للحسابات الفلكية المسبقة، وكذلك لم تتمكن فرق التحري الرسمية في باكستان من رؤية الهلال، وفي إيران لم يتمكن الراصدون المزودون بالمناظير الفلكية من رؤية الهلال حتى من قمم الجبال! وفي سلطنة عمان تمت محاولة تحري الهلال باستخدام مراقب فلكية محوسبة بقطر 10 بوصة و14 بوصة، وكذلك لم يتمكن الراصدون من رؤية الهلال.

وفي المملكة المغربية التي تتحري هلال كل شهر هجري من أكثر من 200 موقع وتشارك القوات المسلحة بعملية التحري لم تستطع أي من فرق الرصد رؤية الهلال!

وفي الأردن حاول راصدون رؤية الهلال باستخدام مرقب بقطر 10″ ولم ير الهلال.

وفي الجزائر حاول الراصدون رؤيته باستخدام المناظير ولم ير الهلال أيضا.

وفي مصر لم يتمكن الراصدون من رؤية الهلال بالعين المجردة!

ولم يتمكن الراصدون من رؤية الهلال في السعودية حتى باستخدام المرقب.

وكذلك لم ير الهلال من الكويت حتى باستخدام المناظير!

لاحظ أننا نتحدث عن يوم الاثنين وليس الأحد!

فإن كان الشهود العدول قد شاهدوا الهلال بالعين المجردة يوم الأحد فهذا يعني أن الهلال يوم الاثنين هو ابن ليلتين أي أنه كبير وواضح جدا يراه حتى ضعيف البصر، فلماذا يا ترى لم يره المتخصصون من قمم الجبال من مختلف مناطق العالم يوم الاثنين؟

هل يعقل أن يجعل الله سبحانه وتعالى علامة بدء الشهر عبارة عن علامة معقدة وصعبة لا تتيسر إلا للندرة! ولا تتيسر إلا في منطقة واحدة في العالم دوما؟

هذا يتنافى مع حكمة الله عز وجل بجعل علامة بدء الشهر علامة يراها الجميع كمواقيت الصلاة! يستوي فيها العالم والشخص العادي! ولكن بالنسبة لهذا الهلال يبدو أن رؤيته قد تيسرت للندرة ولم يتمكن المتخصصون من رؤية الهلال في اليوم التالي حتى باستخدام المراقب! فلو علم الأقدمون هذا الواقع لما اخترعوا التلسكوب واكتفوا بالعين المجردة!

وفيما يتعلق ببداية شهر ذي الحجة فقد اتبعت معظم الدول إعلان السعودية، أما الدول التي تلتزم فعلا برؤية الهلال ولم تر الهلال يوم الاثنين فقد أعلنت بداية شهر ذي الحجة يوم الأربعاء وسيكون عيد الأضحى فيها يوم الجمعة 21 ديسمبر.

ومن هذه الدول الهند وباكستان وإيران والمملكة المغربية. لاحظ الفرق بين عيد السعودية يوم الأربعاء وعيد بقية الدول يوم الجمعة! في حين أعلنت تركيا ودول أخرى أن بداية شهر ذي الحجة هي يوم الثلاثاء وأن الخميس هو أول أيام عيد الأضحى.

هل يعقل أن يختلف العالم الإسلامي في يوم عيده بمدة ثلاثة أيام، وقد حدث في بعض السنوات أن كانت مدة الاختلاف تصل إلى أربعة أيام!

وتجدر الإشارة إلى خطأ معلومة انتشرت حتى اعتقدها البعض مسلمة وهي وجوب إتباع السعودية في شهر ذي الحجة نظرا للحج، وهذا غير صحيح لا من الناحية المنطقية ولا العلمية ولا حتى الشرعية، فأما بالنسبة للحاج الذاهب إلى السعودية فعليه الالتزام بما أعلنته السعودية، وأما بالنسبة لموعد عيد الأضحى في الدول الإسلامية، فمنذ عهد الرسول  وكل منطقة تتبع رؤيتها وذلك لتعذر الاتصال بين المناطق المتباعدة والذي لم يصبح متيسرا إلا في آخر 50 إلى 100 سنة خلت فقط!

والحالة التي تؤكد بطلان هذه الفرضية هي عندما لا يرى الهلال في السعودية في حين أنه يرى في المناطق الغربية، إذ أنه من المعلوم أن رؤية الهلال تصبح أسهل كلما اتجهنا إلى الغرب، فهل ستهمل المملكة المغربية مثلا رؤية الهلال عندهم ولا تبدأ الشهر لعدم ثبوت رؤية الهلال في السعودية! بالطبع لا، فهذا غير مقبول من جميع الجوانب!

وعند سؤال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حول هذه المسألة أكد عدم ضرورة اتباع السعودية إذ أن شهر ذي الحجة كمثله من الأشهر الأخرى و قال في فتواه بتاريخ 15 ربيع أول 1421هـ ما نصه: “الهلال تختلف مطالعه بين أرض و أخرى في رمضان و غيره و الحكم واحد في الجميع”، و قد كان السؤال: “فلقد اطلعنا على فتوى سماحتكم في كتاب فتاوى إسلامية حول رؤية الهلال في بلد لا تلزم جميع البلاد بأحكامه، فهل ينطبق هذا على رؤية هلال عيد الأضحى (شهر ذي الحجة)؟” ا

إننا لا ندعو أو نرغب إلى مخالفة دول معينة أو أننا ندعو لاختلاف الدول الإسلامية في بداية الأشهر، و لكن إذا أردنا الأخذ بمبدأ اتحاد المطالع فليكن على أساس رؤية صحيحة وليست رؤية نحن متأكدون من خطئها! قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

إن الخطأ المتكرر في بدايات الأشهر الهجرية في السعودية بات جليا حتى لغير الفلكيين، وللتدليل على ذلك نقتبس فيما يلي أجزاء من بحث قام بكتابته الأخ محمد بن أحمد التركي. فعلى سبيل المثال قال فضيلة الشيخ عبد الله آل محمود مفتي قطر ورئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية رحمه الله: “قد ثبت بالتجربة والاختبار كثرة كذب المدعين لرؤية الهلال في هذا الزمان؛ وكون الناس يرون الهلال قويا مضيئا صباحا من جهة الشرق ثم يشهد به أحدهم مساء من جهة الغرب وهو مستحيل قطعا، ويشهدون برؤيته الليلة ثم لا يراه الناس الليلة الثانية من كل ما يؤكد بطلان شهادتهم.. كما شهدوا في زمان فات برؤية هلال شوال وأمر الناس بالفطر فأفطروا، وعند خروجهم إلى مصلى العيد لصلاة العيد انخسفت الشمس والناس في مصلى العيد، ومن المعلوم أن الشمس لا يخسف بها في سنّة الله إلا في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين، أي ليالي الإسرار، كما أن القمر لا ينكسف إلا في ليالي الأبدار؛ أي ثلاث عشرة أو أربع عشرة أو خمس عشرة، كما حقق ذلك أهل المعرفة بالحساب وعلماء الفلك وحققه شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع عديدة وأبطل ما يعارضه.. فالاستمرار على هذا الخطأ الناشئ عن الشهادات المزورة لا يجيزه النص ولا القياس، ولن نعذر عند الله وعند خلقه بالسكوت عنه.. فلأن نخطئ في التوثيق والاحتياط أولى من أن نخطئ في التساهل والاستعجال.” هذه مقتطفات من بحث كتبه الشيخ في 28 ذي القعدة 1393!

وقال فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع: “أرجو من المجلس الأعلى للقضاء أن يعيد النظر في مسلكه وأن يبعد بلادنا عن الانتقادات المتكررة في إثبات دخول الشهر وخروجه وما يقع لأولئك من أدلة على عدم التثبت وذلك بكسوف الشمس ليلة إثباته في حالات وقعت.” قال هذا في كلام له نشر في العدد 622 من جريدة المسلمين في شعبان 1417. وقال الشيخ عبد الله آل محمود في رسالته للعلماء بعد خطأ شوال 1400: “إن الهلال لن يُطلب من جحور الجرذان والضباء بحيث يراه واحد دون الناس كلهم! وإنما نصبه الله في السماء لاهتداء جميع الناس في صومهم وحجهم وسائر مواقيتهم الزمانية؛ {ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} وما كان ميقاتا للناس لزم أن يشاهدوه جليا كمشاهدتهم لطلوع الفجر عندما يريدون الإمساك للصوم وعندما يريدون صلاة الفجر، وقال: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق} فيا معشر علماء الإسلام أنقذونا وأنقذوا أنفسكم وأنقذوا الناس معكم من هذا الخطأ المتكرر كل عام حتى صار عند أكثر الناس من المألوف المعروف.” ا

إننا نأمل أن تتراجع السعودية عن هذا الإعلان الخاطئ كما تراجعت عنه عام 1416 هـ، حيث أعلنت في البداية أن الخميس 18 نيسان/إبريل 1996م هو أول أيام شهر ذي الحجة، وفي اليوم التالي ادركت السعودية خطأ هذا الإعلان وأعلنت رسميا أن الجمعة 19 نيسان/إبريل 1996م هو أول أيام شهر ذي الحجة، ويمكن الرجوع للصحف السعودية لمن شاء التأكد من ذلك. فالرجوع للحق والتمسك به نهج المصطفى وخلق حميد ومن خصال المؤمنين.

اللهم هل بلغنا اللهم فاشهد، اللهم وفقنا للعمل بما علمتنا ونشره، ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وخالق السموات والأرض.

< الـموقعون على البيان (مرتبة حسب تـــاريخ وصول الموافقة على إضافة التوقيع) :

1- د. خالد الزعاق / مدير مرصد بريدة – السعودية.

2- م. صخر سيف / جمعية الإمارات للفلك وعضو لجنة تحري الهلال الرسمية في الإمارات

3- د. إلياس محمد فرنيني / أستاذ مشارك – فيزياء الفلك – جامعة الإمارات العربية المتحدة

4- السيد صالح محمد الصعب / رئيس قسم الفلك بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية سابقا – السعودية

5-  د. هيمن زين العابدين متولي / مدرس الفلك وعلوم الفضاء بكلية العلوم – جامعة القاهرة -مصر

6- السيد جلال علي الجهاني / مدرس الفقه وأصوله – جامعة روتردام الإسلامية – هولندا

7- أ.د. شرف القضاة / أستاذ الحديث النبوي الشريف – كلية الشريعة – الجامعة الأردنية – الأردن

8- م. محمد البوسعيدي / خبير فلكي -شؤون البلاط السلطاني، سلطنة عمان

9- السيد سليمان البوسعيدي / فلكي – شؤون البلاط السلطاني، سلطنة عمان

10- د. صالح بن محمد العجيري / الخبير الفلكي المعروف -الكويت

11- د. نضال قسوم / أستاذ الفلك -الجامعة الأمريكية في الشارقة -الإمارات

12- م. محمد شوكت عودة / رئيس لجنة رصد الأهلة والمواقيت في الجمعية الفلكية الأردنية – الأردن

13- أ.د. محمد عبد العزيز راسم / أستاذ الفيزياء الفلكية بكلية العلوم – جامعة القاهرة – مصر

14- الشيخ الخمّار عبدالعزيز البقالي / رئيس جمعية الأئمة -هولندا

15- السيد حسن أحمد الحريري / رئيس مجموعة دبي للفلك -الإمارات

16- د. خالد السبيعي / عضو الجمعية الفلكية الأمريكية والجمعية الفلكية الملكية. دولة قطر

17- السيد عدنان عبدالمنعم قاضي/ باحث فلكي في الشؤون الإسلامية، السعودية

18- أ.د. جمال ميموني / أستاذ الفلك في جامعة مينتوري – قسنطينة – الجزائر

19- م. علي العمراوي / الجمعية الفلكية المغربية – المملكة المغربية

20- د. معاوية شداد / أستاذ الفلك -جامعة الخرطوم -السودان

21- د. عبد الخالق الشدادي/أستاذ الفلك – المدرسة المحمدية للمهندسين، جامعة محمد الخامس- الرباط -المغرب

22- د.م. جلال الدين خانجي / خبير فلك شرعي- عضو المشروع

المهندس محمد شوكت عودة

رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة



استفتاءات(منتظری)، ج ٣، ص ١٧٩

مسائل حج «سؤال 3214» احتراماً همان‌گونه كه مستحضريد رؤيت هلال ماه ذى‌الحجة الحرام 1428 ق در عربستان سعودى با ايران و ساير بلاد هم افقِ‌ با آن، دو روز اختلاف دارد. (كه به نظر مى‌رسد بيشتر داراى جنبه سياسى است) و از آن‌جا كه اعمال و مناسك حج در ايام خاص بايد صورت بگيرد از جمله وقوف در عرفات، منى، مشعرالحرام و... و نيز به صرف اين‌كه بايد در كنگره عظيم حج با ساير مسلمين وحدت و انسجام اسلامى را حفظ كنيم، افرادى كه براى نخستين بار جهت انجام مناسك حج به مكۀ مكرمه مشرف شده‌اند و شايد بار ديگر نتوانند به هر عللى شركت كنند، با توجه به اين تغيير تقويم؛ آيا به فتواى حضرت‌عالى توانسته‌اند حجة‌الاسلام را به جا آورند؟ يعنى اعمال و مناسك آنها صحيح است يا مجدداً بايد به حج مشرف شوند؟ به هر حال در اين گونه موارد و تغيير تقويم‌ها تكليف چيست‌؟ جواب: در زمان خلفاى اموى و عباسى، اميرالحاج از ناحيۀ آنان تعيين مى‌شد و حاكميت با آنان بود و مع ذلك ائمه ما عليهم السلام در حج با آنان هماهنگ بودند و هيچ شنيده نشده كه آن بزرگواران مخفيانه وقوف به عرفات يا مشعر را تكرار كرده باشند، پس در صورتى كه يقين به مخالفت نظرِ آنان - نسبت به ماه با واقعيت - نداشته باشيد متابعت آنان مجزى است، ولى در صورت يقين به اشتباه آنان متابعت آنان مشكل است، در اين رابطه مى‌توانيد به مسأله 515 صفحۀ 191 از «مناسك حج» اين جانب مراجعه كنيد.



استفتاءات حج(مظاهری)، ص ١٨٣-١٨۴

تعيين روز عرفه و عيد قربان سؤال 685 آيا جايز است حج‌گزار براى تعيين روز عرفه و عيد قربان و... تحقيق و تفحّص كند يا بايد تابع دولت عربستان باشد؟ * بايد تحقيق و تفحص نكند و تابع آن‌ها در اعمال حج باشد. سؤال 686 اگر كسى در تعيين روز عرفه و عيد قربان و... گمان يا يقين حاصل كرد كه دولت عربستان اشتباه اعلام كرده است، چه تكليفى براى اعمال حج دارد؟ * بايد طبق رفتار آن‌ها رفتار كند. سؤال 687 آيا جايز است حج‌گزار به جهت احتياط در تعيين وقت روز عرفه وقوف كند و روز عيد اعمال منى را انجام دهد و مجدداً ظهر به عرفات برگردد و وقوف كند و همينطور اعمال را احتياطاً دو بار انجام دهد؟ * لازم نيست، بلكه جايز نيست. سؤال 688 تبعيّت از اعلام روز عيد از سوى دولت عربستان، وقتى يقين به خلاف آن نداشته باشيم واجب است يا در هر صورت واجب است‌؟ * در هر صورت واجب است. سؤال 689 اگر كسى بعد از حج گمان بَرد يا يقين كند كه روز عيد قربان اشتباه اعلام شده است، حّج او چه حكمى دارد؟ * حجّ‌ او صحيح است.

مناسک الحج(للشبیری)، ص 219

(المسألة 630) سؤال: إذا ثبت لدى العامة هلال ذي الحجة، و حدّدوا الموقف بمقتضاه و حكموا، و لم يثبت ذلك عند الشيعة، هل يجزي متابعتهم و الوقوف معهم‌؟ الجواب: في مفروض السؤال يجب متابعتهم، و يجزي الوقوف معهم ما لم يعلموا بالخلاف.



تهذیب فی مناسک الحج و العمره، ج 3، ص 174-175

(المسألة السابعة) إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة، و حكم على طبقه و لم يثبت عند الشيعة، ففيه صورتان: الاولى: ما إذا احتملت مطابقة الحكم للواقع، فعندئذ وجبت متابعتهم و ترتبت جميع آثار ثبوت الهلال الراجعة إلى مناسك حجّه، من الوقوف و أعمال منى يوم النحر و غيرها، و يجرى هذا في الحج على الأظهر و من خالف ما تقتضيه التقية بتسويل نفسه ان الاحتياط في مخالفتهم بان اقتصر بالوقوف في الغد ارتكب أمراً غير جائز و يفسد وقوفه (1). و الحاصل انه تجب متابعة الحاكم السني و يصّح معها الحج، و الاحتياط بالمعنى المتقدم غير مشروع و لا سيّما إذا كان فيه خوف تلف النفس و نحوه كما قد يتفق ذلك.

(1) في ثبوت هلال ذي الحجة بحكم قضاه العامة إذا ثبت هلال ذي الحجة عند العامّة بحكم قضاتهم فمع احتمال المطابقة للواقع يجب متابعتهم في الوقوف، و يجزي ذلك على الأظهر و ذلك فان حكم قاضيهم طريق شرعي إلى دخول الشهر و إحرازه لليوم التاسع، حيث ان اختلاط العامة و الخاصة في الوقوفين و أفعال منى لم يحدث اليوم بل كان مستمراً من زمان الأئمة (عليهم السّلام) و كانوا يقفون معهم بعرفة و المزدلفة و لم ينقل عنهم سلام اللّٰه عليهم ردعهم عن ذلك أو أمرهم بالاحتياط بالوقوفين الاضطراريين، و مما ذكر يظهر ان عدم الثانية: ما إذا فرض العلم بالخلاف: و إن اليوم الذي حكم القاضي بأنه يوم عرفة هو يوم التروية واقعاً، ففي هذه الصورة لا يجزي الوقوف معهم فان تمكن المكلف من العمل بالوظيفة و الحال هذه و لو بأن يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون ان يترتب عليه أي محذور، و لو كان المحذور مخالفة التقية عمل بوظيفته، و إلا بدّل حجّة بالعمرة المفردة، و لا حجّ‌ له، فان كانت استطاعته من السنة الحاضرة و لم تبق بعدها، سقط عنه وجوب الحج إلا إذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد، و يمكن ان يحتال في هذه الصورة بالرجوع إلى مكّة من منى يوم عيدهم ثم يرجع بطريق عرفات و المشعر إلى منى، بحيث يدرك قبل الغروب الوقوف بعرفة آناً ما، و لو في حال الحركة ثم يدرك المشعر بعد دخول الليل كذلك زماناً ما ليلاً ثم ينتقل إلى منى. [الثالث: من واجبات الحج تمتعاً الوقوف بالمزدلفة] الثالث: من واجبات الحج تمتعاً الوقوف بالمزدلفة (1)، و المزدلفة اسم لمكان يقال له المشعر الحرام، و حدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر، و هذه كلّها أجزاء الاضطراري في مورد حكم قضاتهم مع عدم العلم بالخلاف من التعمد الى ترك الوقوف الاختياري كما هو مقتضى الطريق المعتبر، هذا هو الحكم في الصورة الأولى و أما في الصورة الثانية فلا يعتبر حكم قاضيهم طريقاً فإنه لا يعتبر طريق مع العلم بكونه مخالفاً للواقع فيتعين في الفرض الوقوف الاضطراري إذا أمكن للمكلف و إلا سقط عنه وجوب الحج و تبدّلت وظيفته إلى العمرة المفردة، و ما ذكرنا من الاحتيال للإتيان بالحج الصحيح في هذه الصورة أمر ممكن في زماننا هذا تصل النوبة إلى إتمام عمله بالعمرة و اللّٰه سبحانه هو العالم.



سند العروه الوثقی، ج 4، ص 78

(1) قد حررنا البحث في هذه المسألة في بحث التقية من كتاب الطهارة . مضافاً إلى ما حررناه في الدورة السابقة من أن الوقوف بموقف العامة إما في صورة الشك أو العلم بالخلاف، و قد فصل في الدروس بين وقوفهم في الثامن أو الحادي عشر فلا يجزي، و بين اليوم العاشر، فيحتمل الاجزاء للعسر إذ يحتمل مثله في القضاء، و للنبوي حجكم يوم تحجون. و حكي عن الفاضل عدم الاجزاء مطلقاً، و كذا ابن الجنيد و ظاهرهم صورة العلم بالخلاف، و الاجزاء و الاكتفاء في صورة الشك. و من الطبقة الرابعة ذهب صاحب الجواهر إلى الاكتفاء في صورة الشك للعسر و السيرة، لكن ذهب إلى العدم في مناسكه، و استشكل الشيخ الانصاري في رسالته في التقية في الاكتفاء بوقوفهم تبعاً لما ذكره صاحب الجواهر من عدم التقية في الموضوعات، و استثنى صورة تأدية المخالفة لهم للرد لحكم حاكمهم من جهة مذهبه لا من جهة خطائه. و أما متأخري العصر فذهب جلهم إلى الاكتفاء في صورة الشك، بل ذهب جماعة منهم إلى ذلك في صورة العلم بالخلاف ايضا فيما اقتضت التقية ذلك. نعم ذهب البعض منهم إلى عدم الاكتفاء مطلقاً فيما لو كان حكم حاكمهم بالهلال ليس على الموازين عندهم.





****************
حسن خ
Saturday - 2/7/2022 - 20:13

کلمات علماء در مبحث اجزاء

کلام شهید ثانی

فائدة، و هي خاتمة القسم الأول:
ليس كل مجتهد في العقليات مصيبا، بل الحق فيها واحد. فمن أصابه أصاب، و من أخطأه أخطأ و أثم إجماعا.
و أما المجتهد في المسائل الفرعية ففيه خلاف يبنى على أنّ كل صورة هل لها حكم معيّن أم لا؟
و قد لخّص الرازي هذا الخلاف «4» فقال: اختلف العلماء في الواقعة التي لا نصّ فيها على قولين:
أحدهما: و به قال الأشعري و جمهور المتكلمين، أنه ليس لله تعالى فيها
__________________________________________________
(1) نقل الأول عن القاضي أبي بكر و اختاره في الإحكام 4: 242، و اختار الثاني في المحصول 2:
533، و نقله الآمدي عن أحمد و ابن سريج و القفال.
(2) الكافي 7: 412 باب كراهية الارتفاع إلى قضاء الجور حديث 5، الفقيه 3: 9 حديث 3233، التهذيب 6: 301 حديث 845، الاحتجاج: 94، الوسائل 18: 75 أبواب صفات القاضي باب 9 حديث 1.
(3) المحصول 2: 533.
(4) راجع المحصول 2: 503.

تمهيد القواعد، ص: 322
قبل الاجتهاد حكم معيّن، بل حكمه تعالى فيها تابع لظن المجتهد. و هؤلاء هم القائلون بأن «كل مجتهد مصيب».
و اختلف هؤلاء فقال بعضهم: لا بد أن يوجد في الواقعة ما لو حكم اللَّه تعالى فيها بحكم لم يحكم إلا به، و قال بعضهم: لا يشترط ذلك.
و القول الثاني: أنّ له تعالى في كل واقعة حكما معينا.
و على هذا فثلاثة أقوال:
أحدها: و هو قول طائفة من الفقهاء و المتكلمين، يحصل الحكم من غير دلالة و لا أمارة، بل هو كدفين يعثر عليه الطالب اتفاقا، فمن وجده فله أجران، و من أخطأه فله أجر.
و القول الثاني: عليه أمارة، أي دليل ظني، و القائلون به اختلفوا فقال بعضهم: لم يكلف المجتهد بإصابته لخفائه و غموضه، فلذلك كان المخطئ فيه معذورا مأجورا، و هو قول جمهور الفقهاء؛ و ينسب إلى الشافعي و أبي حنيفة.
و قال بعضهم: إنه مأمور بطلبه أولا، فإن أخطأ و غلب على ظنه شي‏ء آخر تغير التكليف، و صار مأمورا بالعمل بمقتضى ظنه.
و القول الثالث: أن عليه دليلا قطعيا، و القائلون به اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه، لكن اختلفوا، فقال الجمهور: إن المخطئ فيه لا يأثم و لا ينقض قضاؤه، و قال بشر المريسي بالتأثيم، و الأصم بالنقض.
و الّذي نذهب إليه: أنّ له تعالى في كل واقعة حكما معينا عليه دليل ظني، و أنّ المخطئ فيه معذور، و أنّ القاضي لا ينقض قضاؤه «1».
إذا علمت ذلك فللمسألة فروع:
منها: أنّ المجتهد في القبلة إذا ظهر خطؤه، هل يجب عليه القضاء أم لا؟
__________________________________________________
(1) هذا حاصل كلام الرازي في المحصول 2: 503.

تمهيد القواعد، ص: 323
المنصوص عندنا وجوب الإعادة إن علم في الوقت، لا في خارجه مطلقا «1».
و لنا «2» قول آخر: أنّ المستدبر يعيد مطلقا «3» و هذا كله مبني على أن المجتهد قد لا يكون مصيبا.
و منها: لو صلّى خلف من لا يرى وجوب السورة أو التسليم أو نحو ذلك، و لم يفعله، أو فعله على وجه الاستحباب حيث يعتبر الوجه، ففي صحة الاقتداء به قولان مرتبان. و ينبغي على القول بالتخطئة عدم الجواز.
و منها: إنفاذ المجتهد حكم مجتهد آخر يخالفه في مأخذ الحكم، و في جوازه أيضا وجهان مرتبان. إلى غير ذلك من الفروع، و اللَّه ولي التوفيق.




کلام کاشف الغطاء

البحث السادس و الأربعون ينبغي للفقيه إذا حاول الاستدلال على مطلب من المطالب الفقهيّة أن يتّخذ الأدلّة الظنّيّة من الأخبار و غيرها
__________________________________________________
 (1) ما بين القوسين ليس في «س»، «م».

                        كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 215
من الطرق الشرعيّة الظنيّة ذخيرة لوقت الاضطرار و فقد المندوحة؛ لأنّه غالباً غنيّ عنها بالآيات القرآنيّة، و الأخبار المتواترة المعنويّة، و السيرة القطعيّة المتلقّاة خلفاً بعد سلف من زمان الحضرة النبويّة و الإماميّة إلى يومنا هذا.
و ليس مذهبنا أقلّ وضوحاً من مذهب الحنفيّة، و الشافعيّة، و الحنبليّة، و المالكيّة، و الزيديّة، و الناووسيّة، و الواقفيّة، و الفطحيّة و غيرهم؛ فإنّ لكلّ طائفة طريقة مستمرّة يتوارثونها صاغراً بعد كابر، بل أهل الملل ممّن عدا المسلمين على بُعد عهدهم عن أنبيائهم الماضين لهم طرائق و سِيَر يمشون فيها على الأثر، و لا يصغون إلى إنكار من أنكر.
فما أدري و ليتني علمت أنّه ما السبب و ما الباعث في أنّ بعض أصحابنا رضوان اللّه عليهم لم يزالوا ساعين في إخماد ضوء الشريعة الغرّاء، و إثبات الخفاء في مذهب أئمّة الهدى! حتّى فتحوا للأعداء أكبر «1» الأبواب، و نسبوا أكابر فقهائنا إلى الخطأ، و أبعدوهم عن الصواب، و بعثوا على تجرّي الأطفال على فحول العلماء الذين لولاهم لم يعرف الحرام من الحلال، و تلك مصيبة عامّة نسأل اللّه تعالى الوقاية منها.
البحث السابع و الأربعون في أنّه لا ريب أنّ في الواقع أحكاماً مختلفة منقسمة إلى الأحكام الخمسة أو الستّة، عقليّة أو عاديّة أو عرفيّة أو شرعيّة.
و هذه هي التي أخبر عنها مُبدع الأشياء في الكتب المنزلة من السماء، و كذا الأنبياء و الأوصياء، و بَذَلَ الجهد في معرفتها العلماء و الفضلاء، فصرفوا الأعمار في تتبّع السير و الآثار، و أجالوا الفكر في الأخبار المرويّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم المختار، و أهل بيته الأئمّة الأطهار. فمن وقف عليها أصاب، و من زاغ عنها زاغ عن الصواب «2».
و هي قد تتعلّق بعنوان لا يتغيّر، كالمكلّفين من مطلق البشر، و كالأُنثى و الذكر،
__________________________________________________
 (1) في «ح»: أكثر.
 (2) في «س»: الثواب.

                        كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 216
و قد تتعلّق بما يتبدّل و يتغيّر، كعنوان الحضر و السفر، و ناوي الإقامة و كثير السفر و العاصي به، إلى غير ذلك ممّا يعلم منه دوران الحكم مدار ذلك العنوان. فلا بحث في أنّ الحكم في أمثال ذلك واقعيّ، لا ظاهريّ، كما يظهر من تتبّع الأدلّة.
و أمّا عنوان الإدراك، علماً أو ظنّاً أو شكّاً أو وهماً؛ فإنّما هو مرأة ينكشف بها الحكم و لا يختلف باختلافها، و تعلّقه بالحكم الشرعيّ كتعلّقه بالعرفيّ و العاديّ، و تعلّقه بموضوعات الأحكام.
فصفة العلم، و الجهل، و النسيان، و الذكر، و الظنّ، و الشكّ، و الوهم لا تؤثّر في حكم المعلوم، و المجهول، و المنسيّ، و المذكور، و المظنون، و المشكوك، و الموهوم شيئاً، كما في الموضوعات و غير الشرعيّ من الأحكام؛ إلا إذا قضى الدليل بتبدّل الحكم بعروضها، فتكون كسائر العناوين، كما في الجاهل بالقصر و الإتمام، و الجهر و الإخفات، و الجاهل بكيفيّات العقود و الإيقاعات و الأحكام من الكفّار و شبههم من طوائف الإسلام، و الناسي لغير الأركان في الصلاة، و الشاكّ بعد تجاوز المحلّ، و كثير الشكّ، و هكذا.
و أمّا ما لم يرد فيه نصّ بالخصوص فيبقى على القاعدة من أصل عدم الصحّة، و على ظاهر العمومات المقتضية للأحكام الواقعيّة في العبادات، و شطورها، و شروطها، و منافياتها، و المعاملات كذلك، فتكون بحكم الأعذار المانعة عن استحقاق العقاب، و دخول النار.
و الأمر المتوجّه إليها، و النهي المتوجّه إلى تركها إنّما هو للقيام بالعبوديّة، و الدخول تحت اسم الطاعة، و رفع التجرّي.
و الإجزاء المستفاد من الأمر الظاهري يتحقّق بحصولها، و لا شكّ في ذلك بالنسبة إلى الناسي و الجاهل بالموضوع غالباً، و المقلّد مشافهة لمن زعم اجتهاده اشتباهاً فبان جاهلًا أو كافراً أو مخالفاً أو فاسقاً، أو بالواسطة فبان كذلك، أو بواسطة كتاب المجتهد فظهر كتاب غيره، أو بان للمجتهد بطريق القطع بطلان رأيه و عدم قابليّة مأخذه من دون تقصير في الفحص عنها؛ فإنّه لا شكّ في عدم مدخليّة هذه الصفات في انقلاب الحكم، و إنّما هي صفات عذرٍ بها يُدفع العذاب، و ينال بها الأجر و الثواب.

                        كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 217
و أمّا المجتهد بالأحكام الشرعيّة فحاله كحال المجتهد في الأحكام العاديّة و العرفيّة، و كحال العبيد إذا اجتهدوا في معرفة حكم ساداتهم، و كلّ من تحت أمر مفترضي الطاعة إذا اجتهد في موافقة أمرهم و طاعتهم، و هو من قسم الإدراك الذي هو طريق إلى الواقع، لا من قبيل الصفات و الموضوعات التي هي متعلّق حكم الشارع.
و من نظر في الأخبار، و جال حول تلك الديار، و اطّلع على تخطئة الأئمّة لفحول الأصحاب، و تخطئة بعضهم لبعض من غير شكّ و ارتياب، و فيما اشتهر على لسان الفريقين من رواية «أنّ الفقيه إذا أخطأ كان له حسنة، و إن أصاب فعشر» «1» ما يغني.
لكنّا نختار فيه حيث لا نعلم بطلان ما سبق بل نظنّ قسماً ثالثاً لا يدخل في قسم الواقعيّات و تبدّل الموضوعات لما ذكرنا من الأُصول و القواعد و ظاهر العمومات في كتاب اللّه و في الروايات، مضافاً إلى أدلّة أُخر، قد اتّضح حالها فيما مرّ. و لا من الأعذار المحضة التي يرتفع حكمها بارتفاع الاجتهاد.
و عليه يلزم على المجتهد و مقلّديه بعدوله عن الاجتهاد، الحكم على ما مرّ بالفساد و لزوم الإعادة و القضاء فيما فيه قضاء و إن كان هو الموافق للأصل و غيره من الأدلّة كما مرّ؛ لترتّب الحرج على ذلك، و خلوّ الأخبار و المواعظ و الخطب عن بيانه، مع أنّ وقوع مثله من الأصحاب كثير لا يعدّ بحساب، على أنّه لا رجحان للظّنّ على الظنّ السابق حين ثبوته.
و إن جعلنا الصحّة عبارة عن ترتّب الآثار، كسقوط القضاء أو موافقة الأمر مطلقاً و لو ظاهريّاً، كان عمل المجتهد و مقلّديه صحيحاً.
و إن اعتبرنا فيها موافقة الأمر الواقعيّ سمّيناه فاسداً.
و على كلّ حال فالقول بتصويب المجتهد على معنى أنّه ليس للّه حكم واقعيّ، بل حكمه ما أودع في قلوب المجتهدين منافٍ لضرورة المذهب بل و الدين «2» بل دين‏
__________________________________________________
 (1) صحيح مسلم 3: 552 ح 1716، سنن الترمذي 3: 615 ح 1326 بتفاوت، سنن النسائي 8: 224، سنن ابن ماجة 2: 776 ح 2314، مسند أحمد 4: 62، و ج 5: 375، كنز العمال 5: 802 ح 14428.
 (2) في «ح»: بل و.

                        كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 218
الأنبياء السابقين.
و يلزم عليه أنّ كثيراً من أقوال المجتهدين مع البناء عليها يلزم معها مخالفة العقل و حصول الفساد على المسلمين، و يلزم الجمع بين المتناقضات من الأحكام؛ لاختلاف الاجتهاد، كالحريّة، و الملكيّة و الزوجيّة، و الأُبوّة، و النبوّة، و القرابة، و الوقف، و العتق، و خلافها، و نحو ذلك، لابتنائها على موضوعات متفرّعة «1» على اختلاف آراء المجتهدين، حتّى ينتظم قياس من الشكل الأوّل بديهي الإنتاج. و التعلّل بوجوه ذكروها أوهن من بيت العنكبوت.
و أمّا القول بالتصويب على معنى أنّ الاجتهاد من الصفات و حكمه حكم الموضوعات فخطأ أيضاً؛ لما ذكرناه سابقاً، و لأنّه يلزمه مثل ما لزم المصوّب.
و لو عرض على أدنى العوام القول باجتماع الصفات المتضادّة باعتبار اختلاف الاجتهادات، لعدّه من الخرافات. ففي القول بالإصابة بمعنييها خروج عن الإصابة.
كما أنّ القول بعدم الفرق بين الأُصول الدينيّة و الفروع الشرعيّة في ترتّب المؤاخذة للمجتهدين على الخطأ في الأحكام الواقعيّة مردود بالسيرة القطعيّة، و بعض ما مرّ من الأدلّة الشرعيّة، و بمنافاة مذهب العدليّة، و اللّه أعلم. و هو قول غريب أشدّ غرابة من القول بالتصويب.
و يلزم على ذلك مساواة العلماء الأبرار للأشقياء الفجّار في استحقاق الدخول في النار، و هذا ممّا لا يرضى به الجاهل، فضلًا عن العالم العاقل.




کلام شریف العلماء

الأمر الثالث فى تاسيس الاصل و هو من حيث دلالة اللفظ و عدم الدلالة التوقف‏
لانه من التوقيفيات فلا يكون يمكن الاصل عدم الاجزاء و لا الاجزاء لان الاوّل الدلالة الامر الاول على الاتيان بالمامور به ثانيا فى الجملة و كما مر و الثانى لدلالة الامر الثانى الدال على البدليّة المطلقة و كلاهما خلاف الاصل و امّا الاصل من حيث اللبّ و العمل فهل هو الاجزاء لاصل البراءة ام عدمه لاصل الاشتغال وجهان يمكن ان يقال بالاوّل لان الجاهل بالعبادة مثلا كالمعتقد بعدم وجوب السورة فى الصّلاة مع وجوبها فى الواقع امّا ان لا يكون مكلّفا بشي‏ء اصلا او يكون مكلفا بما اعتقده و ليس مكلفا بغيره لا تعليقا و لا تنجيزا او يكون مكلفا بغيرها اعتقده فقط او يكون مكلفا بالامرين اما تنجيزا فيهما او تعليقا فيهما او مختلفا و الكلّ بط الا الثانى الملازم للاجزاء لبطلان الاول بالوفاق بطلان الثالث بذلك و بلزوم التكليف بما لا يطاق و كذا الرابع و اما الخامس فالظ انه مخالف للاجماع و امّا الاختلاف بان يكون ما اعتقده واجبا تعليقيّا و ما لم يعتقد واجبا تنجيزيا فالوفاق على بطلانه و لزوم التكليف بما لا يطاق و امّا عكس هذه الصورة فيرفعه اصالة البراءة نظرا الى ان ما اعتقده واجب تنجيزا و قدر متيقن فى التكليف و انما الشك فى وجود تكليف آخر واقعى تعليقى و الاصل البراءة عنه و لكن التحقيق ان يقال ان الاصل فى الامر العقلى و الظاهرى الشرعى عدم‏


ضوابط الأصول، ص: 184
الاجزاء و فى الواقعى الاضطرارى الاجزاء و امّا اصالة عدم الاجزاء فى العقلى فلانّا نختار من الاحتمالات الأخر اعنى كون ما لم يعتقده واجبا عليه تعليقا كما ان ما اعتقده واجب تنجيزا اما كون ما لم يعتقده واجبا تعليقيا فلما ثبت من تبعية الاحكام للصفات و من عدم اختلاف الاحكام الواقعيّة بالعلم و الجهل و من ان الكل شريك فى التكليف فلا ريب اجمالا فى ثبوت تكليف واقعى بالنسبة الى الجاهل امّا مطابق لما اتى به ام مخالف و امّا وجود التكليف التنجيزى بما اعتقده فواضح فنقول ح‏
اذا اتى بما اعتقده و ظهر الخلاف لا يعلم ارتفاع التكليف الواقعى فيستصحب وجودها مع قاعدة الاشتغال الماخوذة من طريقة اهل العقول و حكم العقل و هو لا يحصل الّا بالاعادة و هذا معنى عدم الاجزاء و مثل هذا نقول فى الامر الظاهرى الشرعى و امّا اصالة الاجزاء فى الواقعى الاضطراري فلاجل ان التكليفين كليهما واقعيان واحد الواقعيين قدر متيقّن كونه مامورا به فينفى الآخر بالاصل البراءة و الفرق بينه و بين الاولين وجود القدر المتيقن هنا دونهما

الامر الرّابع فى بيان مقتضى الدّليل الاجتهادى‏
فاعلم انّه فى الواقعى الاضطرارى الدّليل الاجتهادى على طبق الاصل و هو بناء العقلاء على الاكتفاء بالبدل و فهم العرف البدليّة على الاطلاق فى الدّليل اللّفظى و امّا الامر العقلى الظاهري فالحقّ فيه عدم الاجزاء اجتهادا و الدّليل بناء العقلاء المؤيد بالاصل المتقدم و امّا الظاهري الشرعى فالحقّ فيه الاجزاء الفهم العرف الاكتفاء على الاطلاق و على ذلك بنائهم ايضا لفظيّا كان الدّليل ام لبيّا و الحاصل ان المولى اذا امر عبده بالخصوص على كفاية لشي‏ء الفلانى عن الاصلى فبناء العقلاء على الكفاية على الاطلاق مضافا فى اللفظى الى فهم العرف و امّا فى العقليّات فلا دليل بالخصوص على ان التكليف هو هذا الشي‏ء بل الحاكم العقل عموما كالشرع و امّا الواقعى الاختيارى فالاجزاء فيه قطعى اذ بعد الاتيان بالامر الواقعى الاولى على وجهه و لا معنى للامر باتيانه ثانيا تداركا للاول كما هو محلّ النزاع اذ المفروض انه لا خلل فى الاوّل اصلا فيكون الامر باتيانه ثانيا تداركا سفها و غلطا نعم لا باس باتيانه ثانيا استقلالا لا تداركا و هو خارج عن محلّ الكلام‏




ضوابط الاصول، ص 406

و من جملة الاخبار الدالّة على حجّية مطلق الاستصحاب ما رواه الزرارة مضمرا عن الباقر ع فى زيادات ابواب الطهارة من التهذيب قال قلت اصاب ثوبى دم رعاف او غيره او شي‏ء من منىّ فعلمت اثره الى ان قال قلت فان ظننت انه قد اصاب و لم اتيقن فنظرت فلم أر شيئا ثم صلّيت فرأيت فيه قال تغسله و لا تعيد الصّلاة قلت لم ذلك قال لانك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغى ان تنقض اليقين بالشك ابدا اه و تلك الرّواية دالّة على امور ثلاثة الاوّل حجية الاستصحاب فان قوله فليس ينبغى بمنزلة الكبرى الكلية على ان نفس منصوص العلة حجة فهذان شاهدان على الدلالة و امّا الايرادات السابقة فاكثرها غير واردة هنا الثانى قاعدة الاجزاء اذا اتى بالمامور به على الوجه الظاهري ثم انكشف خلافه لان سؤال السّائل بعد جواب المعصوم ع بعدم الاعادة انما هو عن ان عدم الاعادة لاىّ شي‏ء مع انى كنت جاهلا بالموضوع فجوابه ع بقوله لانك كنت اه نصّ فى ان حكمه الظاهري هو ما فعل بحيث لو اعاد لكان داخلا فى النهى نظرا الى صدق انتقاضه اليقين السّابق بالشك و بالجملة الرّواية دالّة على الاجزاء سواء كان السّؤال عمّا يقع او عمّا وقع امّا على الاوّل فواضح للعلم بالحكم الظاهري من الرواية فيستفاد الاجزاء بالنسبة الى ما يقع و ان اشترطنا اعتبار العلم بالمطابقة فى مفهوم الأجزاء و امّا على الثانى فيرجع الى مسئلة صحة عبادة الجاهل و لكن الرّواية من حيث قاعدة الأجزاء نصّ لعدم كون العلم بالمطابقة الظّاهرية مأخوذا فى مفهوم الأجزاء

ثم الكلام هنا يأتي في مقامين الأول أن موافقة الأمر الظاهري هل يوجب سقوط القضاء بالنسبة إلى الأمر الواقعي أو لا الثاني أن موافقة كل من الأمرين هل يقتضي سقوط القضاء بالنسبة إليه أو لا ...




کلام صاحب فصول

الفصول الغرویه، ص 118

و التحقيق في المقام ما أشرنا إليه من أن الأمر بالصلاة هناك أمر ظاهري لا يقتضي العمل بحسبه إلا الإجزاء الظاهري فإذا انكشف الخلاف انكشف عدم حصول الإجزاء و الامتثال للأمر الواقعي فيترتب عليه أحكامه و تحقيق ذلك أن الأحكام الشرعية سواء كانت تكليفية أو وضعية إنما تتبع متعلقاتها الواقعية لا الاعتقادية علما كان أو ظنا لأن الألفاظ التي تعلقت تلك الأحكام بها موضوعة بإزاء المعاني الواقعية على ما يشهد به صريح العرف و اللغة و أما العلم أو ما قام مقامه فإنما هو طريق إليها فلا يعتبر إلا من حيث كونه كاشفا عنها موصلا إليها فالمكلف في الفرض المذكور مأمور بالصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية و قد جعل الشارع له مضافا إلى العلم الذي هو طريق عقلي طرقا فإذا عول على بعض تلك الطرق ثم انكشف له فساده من عدم إيصاله إلى الواقع تبين أنه لم يأت بما أمر الشارع به من الصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية فيلزم استدراكها و لو خارج الوقت لصدق الفوات في حقه غاية ما في الباب أن لا يكون إثما به لتحقق العذر في حقه و ببيان آخر هناك أمران أمر بالصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية مشروطا فعليته أو بقاؤه بعدم العذر المانع و منه أداء الطريق العقلي أو الشرعي كالاستصحاب إلى خلاف الواقع و أمر فعلي بالصلاة المقرونة بالطهارة الظاهرية الثابتة بأحد الطرق الشرعية و إن تخلف عنها الإيصال إلى الواقع و هذا الأمر ناش من وضع الطريق عند العلم بالأمر الأول فإن تطابق الأمران امتثلهما المكلف و عد امتثالهما واحدا لأولهما إلى أمر واحد و إن تعددت الجهة كما مر نظيره في المحرم و إلا امتثل الأمر الذي أتى بالفعل على وجهه و بقي في عهدة الآخر و ما يتخيل من أن المفهوم من أدلة حجية الاستصحاب أو خبر العدلين أو العدل الواحد على القول به أو غير ذلك كون التكليف على حسب مؤداها لا غير حتى إنه لو عمل بمقتضاها كان ممتثلا بحسب الواقع سواء تبين له الخلاف أو لم يتبين فيجب تأويل ما يقتضي بظاهره أن يكون التكليف على حسب الواقع فليس بشي‏ء بل المفهوم من تلك الأدلة إنما هو مجرد وجوب التعويل عليها كالأدلة الدالة على وجوب التعويل على العلم و لا منافاة بينها و بين ما دل على أن التكليف الواقعي على حسب الواقع و هي ظواهر تلك الخطابات كما يشهد به صحة التصريح بهما من غير أن يكون هناك شوب منافاة و تعارض فإذا لا داعي إلى ارتكاب التأويل في غير ما قام عليه الدليل نعم مقتضى الأصول الأولية
وجوب تحصيل العلم بحصول المطلوب ما لم يقم دليل على خلافه و تلك الأدلة قامت على الاكتفاء بغيره و بالجملة فلا سبيل إلى جعل الامتثال للأمر الظاهري موجبا للامتثال للأمر الواقعي عند اختلاف المورد إذ حصول الامتثال بأمر من غير إتيان بمورده غير معقول نعم يجوز أن يكون مسقطا لبقاء التكليف به عند قيام دليل على السقوط فيقيد به الإطلاق المقتضي لعدم السقوط و أما حكمنا بالامتثال في بعض موارد المقام كما في التلبس بالصلاة قبل دخول الوقت أو في الثوب النجس على تفصيل تقرر في محله فلتعميمنا مورد الحكم الواقعي هناك إلى ما أدى إليه الطريق المعتبر شرعا لدلالة الدليل عليه و ذهب الفاضل المعاصر على ما يظهر من كلامه إلى القول بأن موافقة الأمر الظاهري يجزي عن الأمر الواقعي بمعنى أنه يقتضي سقوطه ما لم يدل دليل على خلافه و احتج عليه بالأصل و بأن الظاهر من الأمر الثاني إسقاط الأمر الأول بشهادة العرف و اللغة ثم قال نعم لو ثبت من الخارج أن كل مبدل إنما يسقط بالبدل ما دام غير متمكن منه فلما ذكر وجه و أنى لك بإثباته بل الظاهر الإسقاط مطلقا فيرجع النزاع إلى إثبات هذه الدعوى لا أن الأمر مطلقا يقتضي القضاء أو يفيد سقوطه فتصير المسألة فقهية لا أصولية انتهى أقول لا ريب في أن قضية إطلاق الأمر بشي‏ء عدم سقوطه بفعل غيره و إن كان مأمورا به بأمر آخر و دعوى سقوطه به تقييد للأمر و لو فسر المأمور به بما يؤدي إليه طريق شرعي كان مجازا و على كل من التقديرين لا بد من قيام دليل عليه و ليس في الأمر الثاني ما يقتضي ذلك لا عرفا و لا لغة كما عرفت و التمسك بأصالة البراءة و أصل العدم في مثل المقام فاسد من وجهين الأول أن الذي يتجه فيه أصل الاشتغال لا أصل البراءة و أصل بقاء

الفصول الغروية في الأصول الفقهية، ص: 119
التكليف لا أصل العدم و ذلك للقطع بحصول الاشتغال و الشك في البراءة عنه و سقوطه فيستصحب الثاني أن الاستناد إلى الأصول الظاهرية إنما يصح حيث لا يعارضها ظاهر خطاب و قد عرفت أن الظاهر من إطلاق الأمر عدم السقوط و أما ما ادعاه من أن ما أمر به بالأمر الظاهري بدل عما أمر به بالأمر الواقعي فممنوع إذ لا شاهد عليه على أنا نقطع بأن الصلاة بالطهارة اليقينية أو الظنية لم يؤمر بها من حيث كونها بدلا عن الصلاة بالطهارة الواقعية بل من حيث كونها هي فالاعتداد بالظن أو اليقين إنما هو من حيث كونه كاشفا عنها موصلا إليها و أما ما ثبت بدليته على تقدير العجز عن المبدل كالتيمم عن الوضوء و كالقعود و ما بعده من الحالات المترتبة عن القيام فالدعوى متجهة فيه إذ الظاهر من البدلية عرفا و لغة سقوط الأمر بالمبدل منه مطلقا نعم إذا كان الأمر بالبدل على تقدير عدم التمكن من المبدل في تمام الوقت فعلم ذلك أو ظن حيث يعتبر الظن و أتى به ثم انكشف الخلاف رجع إلى الأصل السابق ثم لا يخفى أن الغرض الأصلي من هذا المبحث بيان كيفية دلالة الأمر الذي هو دليل شرعي لا بيان حال البدل و المبدل اللذين هما فعل المكلف فالمسألة أصولية لا فقهية




مفاتیح الاصول، ص 127

الأوّل [القول في بيان الإجزاء و عدمه‏]
إذا أمره الشّارع بشي‏ء عبادة كان أو لا فأتى المأمور بفعل معتقدا على وجه القطع و اليقين أنّه المأمور به في الواقع كما إذا علم أن ما أتى به وضوء صحيح موافق للواقع أو ما رده وديعة طلبها صاحبها ثم تبين و علم بعد ذلك أن ما أتى به ليس هو المأمور به على وجهه أمّا لفقد نفسه أو لفقد جزئه أو ركنه أو شرطه فهل مجرّد اعتقاده ذلك أو الامتثال الظاهري يكون كافيا في سقوط التكليف فلا يجب عليه الإعادة و لا القضاء فيما يجب فيه القضاء و يترتب عليه الثواب و لا يستحق على الترك العقاب كما إذا أتى بالمأمور به على وجهه بحسب الواقع أو لا إشكال من إطلاق المعظم أن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء بمعنى الخروج عن عهدة التكليف و سقوط التعبّد به ثانيا و أنّه كان مكلّفا حين العمل بمعتقده و لم يكن مكلفا بما في الواقع لأنه تكليف بما لا يطاق فالمأمور به بالنسبة إلى المفروض هو هذا العمل الّذي أتى به على وجهه فيلزم منه أن يترتب عليه جميع ما يترتب على الإتيان بما هو متعلق الأمر الشرعي بحسب الواقع و أنّه كان خير العمل و بعده متيقنا ببراءة ذمته عن الواقع و بإتيانه بالمأمور به و سقوط التكليف عنه فيجب استصحاب المذكورات بعد انكشاف الخطاء عملا بعموم قوله عليه السلام لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله و نحوه و أن في لزوم الإعادة حرجا عظيما في كثير من الصّور و من أنّه لم يأت بالمطلوب على الوجه الذي أراده الطالب و كان فيه المصلحة و غاية اعتقاده رفع المؤاخذة عنه لا سقوط التّكليف و أن مقتضى إطلاق الأمر لزوم الإتيان بالمأمور به على وجهه مطلقا و لو أتى بما يعتقد أنّه هو المأمور به بحسب الواقع و أن العقلاء لا يعذرون من أتى بحجر معتقدا أنّه الجوهر الّذي أمره الآمر بإتيانه و أن المعهود من سيرة الإسلام و المسلمين أن الأصل هو الإتيان بالتكليف الواقعي و أن التفويت في نفس الأحكام الشّرعية و الموضوعات الصّرفة باطل و أمّا الوجوه المتقدمة الدالة على السقوط ضعيفة جدّا يظهر وجهه بالتأمل فإذن الأصل عدم السقوط و الإتيان بالمأمور به بحسب الواقع حيث يثبت فساده و يكون مقتضى إطلاق الأدلة أو عمومها لزوم الإتيان به مطلقا نعم قد يعدل عن هذا الأصل لدليل من خارج كقاعدة الحرج أو ورود نصّ معتبر أو انعقاد إجماع على عدم لزوم الإعادة في فرض خاص و كذلك يمكن أن يقال الأصل لزوم الإتيان بما هو المطلوب الواقعي فيما إذا جعل الشارع شيئا بدلا عن الواقع ثم تبيّن خلافه فعلى هذا الأصل فيما إذا تبيّن للمجتهد فساد ظنه الإعادة و الأصل الإعادة فيما إذا صلّى بالشك في الطهارة أو بالظن بالإتيان بالأفعال و الأركان ثم تبين الخطاء و إن كان في بعض الصور لا يجب شرعا الإعادة و لا يكون ما فعله تبعا لأمر الشارع كافيا و في بعض الصّور يجب الإعادة شرعا و لا يكون ذلك كافيا و بالجملة مجرّد جعل الشارع شيئا بدلا عن الواقع أو حكم العقل به لا يكون موجبا لسقوط التكليف بعد انكشاف الخطاء و إنّما غاية ذلك جواز الاعتماد على البدل حيث لا يظهر المخالفة للواقع فتأمل‏
الثاني‏
لا فرق في جميع ما ذكرناه في هذه المسألة بين الواجب و المستحب كما لا يخفى‏

إذا تمهّد هذه المقدمات فنقول:
اختلف الأصوليّون في أنّ إتيان المأمور به على وجهه؛ هل يقتضي الإجزاء، بمعنى سقوط القضاء بعد اتّفاقهم على اقتضائه الامتثال؟
على قولين، المشهور نعم «2»، و خالف فيه أبو هاشم «3» و عبد الجبار «4».
__________________________________________________
(1) قالوا: إنّ من فات عليه الجمعة مع وجوبها عليه لا يقضي الجمعة، بل يصلّي الظهر أداء لو كان الوقت باقيا و قضاء في خارج الوقت، و مع هذا يصح أن يقال الجمعة تقضى ظهرا.
(2) و إليه ذهب العلّامة في «المبادي» و المحقّق صاحب «المعارج» فيه، بل في «العدّة»: ذهب الفقهاء بأجمعهم و كثير من المتكلّمين إلى كونه مجزيا إذا فعل على الوجه الّذي تناوله الأمر. و ذهب إليه الرازي في «المحصول» و نقله إلى: أكثر العامّة و عزاه الآمدي إلى أصحابه الأشاعرة و أكثر المعتزلة كما ذكر المحقّق الاصفهاني في «الهداية»: 2/ 701 و الغزالي فصّل كما في «المستصفى»: 2/ 10.
(3) عبد السّلام بن محمّد ابو هاشم الجبائي البصري (247- 321 ه) من أعيان المتكلّمين المعتزلة و من أصولييهم. تبعته فرقة معتزليّة تسمى البهشمية له مصنّفات منها: «العدة في اصول الفقه» و «كتاب الاجتهاد» و «تذكرة العالم- فى أصول الفقه» و أبو هاشم هو صاحب المسألة التي تذكر في بعض الكتب و التي قال عنها إمام الحرمين إنّها حارت فيها عقول الفقهاء و هي: أنّ من توسط جمعا من الجرحى و جثم على صدر واحد منهم و علم أنّه لو بقي على ما هو عليه لهلك من تحته و لو انتقل عنه لم يجد موقع قدم إلّا بدن آخر و في انتقاله اهلاك المنتقل إليه فكيف حكم اللّه و ما الوجه؟
(4) القاضى عبد الجبار المعتزلي (...- 415 ه) من أئمة الاصوليين و شيخ المعتزلة قد-
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 296
لنا: أنّ الأمر لا يقتضي إلّا طلب الماهيّة المطلقة، بدون اعتبار مرّة و لا تكرار كما مرّ تحقيقه.
و معناه أنّ المطلوب به إيجاد الطبيعة، و هو يحصل بإيجاد فرد منه، و المفروض حصوله، فحصل المطلوب، فلا يبقى طلب آخر، فقد سقط الوجوب، بل المشروعيّة أيضا، لما مرّ تحقيقه في نفي دلالة الأمر على التكرار.
فلو قيل: إنّ حصول الامتثال بالنسبة إلى ذلك الأمر إنّما هو بالنسبة إلى بعض الأحوال دون بعض، و إنّما السّاقط هو الأمر بالبدل دون المبدل.
فأقول: إنّ ذلك باطل من وجهين:
الأوّل: أنّ ذلك خروج عن المتنازع، إذ ما ذكرته يصير أمرين، و كلامنا في الأمر الواحد.
و الثاني: أنّ المكلّف بالصلاة مع الوضوء مثلا إنّما هو مكلّف بصلاة واحدة كما هو مقتضى صيغة الأمر، من حيث إنّ المطلوب بها الماهيّة لا بشرط، فإذا تعذّر
__________________________________________________
- اسند اليه منصب القضاء بعد ذلك انحسر شأنه و ضعف أمره و رجع الى ما يشبه ما كان عليه من الفقر. و من مؤلفاته في اصول الفقه «كتاب العمد» و هو كتاب قال عنه ابن خلدون: إنّه أحد الكتب الأربعة التي هي أركان المؤلفات الأصولية و هي بالاضافة الى «كتاب العمد» هذا «البرهان» لإمام الحرمين و «المستصفى» للغزّالي و «المعتمد» لأبي الحسين البصري المعتزلي، اثنان للمعتزلة و اثنان للشافعيّة. و يعدّ «كتاب العمد» موسوعة أصوليّة يتميّز بكثرة نصب الأدلّة و الاستطراد في كلّ ما يمكن أن يراد عليها من اعتراضات ثمّ الاجابة عنها، كما أنّه يتضمّن آراء لعلماء ليس من المتوقع العثور على أقوالهم بعد أن اندثرت كتبهم. و قد شرحه تلميذه أبو الحسين البصري المعتزلي.
و قد توفي في الري و دفن بها في داره على رأي أكثر المترجمين له بعد أن تجاوز التسعين من عمره.
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 297
عليه ذلك، فهو مكلّف بهذه الصلاة مع التيمّم، و هو أيضا لا يقتضي إلّا فعلها مرّة، و ظاهر الأمر الثاني إسقاط الأمر الأوّل، فعوده يحتاج إلى دليل، و الاستصحاب و أصالة العدم و عدم الدّليل كلّها يقتضي ذلك «1»، مضافا الى فهم العرف و اللّغة، و ما ترى أنّ الصلاة بظنّ الطهارة تقضى بعد انكشاف فساد الظنّ، فإنّما هو بأمر جديد و دليل خارجي «2».
نعم لو ثبت من الخارج أنّ كلّ مبدل إنّما يسقط عن المكلّف بفعل البدل ما دام غير متمكّن عنه، فلما ذكر وجه «3»، و أنّى لك بإثباته، بل الظاهر الإسقاط مطلقا «4».
فيرجع النزاع في المسألة إلى إثبات هذه الدّعوى إلّا أنّ الأمر مطلقا يقتضي القضاء أو يفيد سقوطه، فالمسألة تصير فقهيّة لا اصوليّة «5».
و قد استدلّوا على المشهور أيضا بوجهين آخرين:
الأوّل: أنّه لو كان مكلّفا بذلك الأمر بعينه بفعل ما أتى به على وجهه ثانيا فيلزم تحصيل الحاصل، و هو محال.
و إن كان مكلّفا بذلك الأمر بإتيان غير المأتيّ به أوّلا فيلزم أن لا يكون المأتيّ به أوّلا تمام المأمور به، هذا خلف.
أمّا الثاني، فظاهر، و أمّا الأوّل، فهو مبنيّ على ما حقّقناه من أنّ حصول الامتثال‏
__________________________________________________
(1) أي اسقاط الأمر الأوّل.
(2) من الاجماع و الأخبار الدالة على أنّ الطهارة شرط واقعي للصلاة لا علمي.
(3) هذا جواب الشرط أعني لو قيل.
(4) اسقاط المبدل بعد الاتيان بالبدل سواء حصل التمكن من المبدل أم لا.
(5) لأنّه بحث عن وصول الدليل لا عن كيفية الاستنباط عنه. و مراده بالفقه، الفقه الاستدلالي و قد ردّ في «الفصول»: ص 118 على هذا المقالة.
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 298
لا يبقى معه طلب آخر، فتحصيل الامتثال الثاني لا يتمّ الّا بإعادة الامتثال الأوّل، و هو تحصيل الحاصل.
و بذلك يندفع «1» ما يقال: إن فعله ثانيا مثل المأتيّ به أوّلا، لا نفسه، فإنّ ذلك إنّما يصحّ لو كان فعله ثانيا بأمر آخر كما يستفاد من التحرير الثاني في محلّ النزاع.
و أمّا على التحرير الأوّل، فلا يبقى طلب و أمر حتّى يستدعي إثباته ثانيا بحيث يكون غير الأوّل.
و أمّا ما قيل في ردّه «2»: من أنّ المطلوب هو الطبيعة لا الأفراد، و لا شكّ في أنّ تحصيل الطبيعة بعد حصوله أوّلا تحصيل للحاصل، فهو قريب من الهذيان، إذ ذلك يستلزم أن يكون فعل جميع الأنواع المندرجة تحت جنس بعد فعل واحد منها تحصيل للحاصل.
الثاني: أنّه لو لم يكتف بإتيان المأمور به على وجهه في حصول الامتثال و اقتضى الأمر فعله ثانيا، لزم كون الأمر للتكرار، و هو خلاف التحقيق، أو خلاف المفروض.
و يرد عليه «3»: انّ منكر الدلالة على الإجزاء لا يقول بأنّ الأمر يقتضي ذلك بحيث لا يتخلّف منه بالذّات، كما يقوله القائل بالتكرار، بل يقول أنّه لا مانع من اقتضاء ذلك «4» كما أشرنا في المقدّمات «5».
__________________________________________________
(1) هذا عن التفتازاني في «شرح الشرح».
(2) الردّ هو على قول التفتازاني السّابق الذّكر، و هو من الباغنوي. و أيضا قيل أنّ الرادّ هو المدقّق الشيرواني، كما أفاده في الحاشية و ذكره في «الفصول»: ص 117 بقوله:
و أجاب بعض المعاصرين.
(3) الايراد من المصنّف على التفتازاني المذكور.
(4) و هو اقتضاء الأمر التكرار.
(5) لعلّه أراد من المقدمات بعضها لأنّه إنّما أشار إليه في المقدّمتين إحداهما المقدمة-
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 299
و أيضا التكرار على القول به إنّما هو على مقتضى العقل و العادة إلّا أن يمنع مانع عنه، كما مرّ في مبحثه، و ما نحن فيه ليس كذلك.
احتجّ المانع: بوجوب إتمام الحجّ الفاسد «1»، فلو كان الأمر مقتضيا للإجزاء لكان إتمامه مسقطا للقضاء «2».
و فيه: أنّ القضاء للفائت و هو الحجّ الصحيح و إتمام الفاسد، أمر على حدة و لا يجب له قضاء، و بأنّه لو كان مسقطا للقضاء لما وجب القضاء على من صلّى بظنّ الطهارة ثمّ انكشف فساد ظنّه.
و قد أجيب عن ذلك بوجوه ضعيفة:
منها: أنّ تسمية ذلك قضاء مجاز، بل هو أمر على حدة.
و فيه: أنّه مستلزم للواسطة بين القضاء و الأداء و ليس بإعادة أيضا.
و منها: منع بطلان اللّازم.
و التحقيق في الجواب يظهر بعد التأمّل فيما ذكرنا.
فنقول: إنّ هذا القضاء إنّما يجب من جهة دلالة الدليل على أنّ المطلوب هو الصلاة بالطهور، و يجوز الاكتفاء بالظنّ ما لم يحصل اليقين بخلافه، فإذا حصل، فيقضى الفائت، فالقضاء إنّما هو للمبدل بالدليل لا البدل، فيصحّ إطلاق القضاء
__________________________________________________
- الثانية أعني قوله: ثم إنّ الظاهر انّ التكليف ... الخ. و ثانيهما المقدمة الثالثة أعني قوله:
كذلك مع قطع النظر عن كون الأمر للطبيعة أو المرّة أو التكرار. هذا كما في الحاشية.
(1) و هو لأبي هاشم كما في «المبادي»: ص 111.
(2) قال في التوضيح: توضيح ذلك الجواب انّه إن اريد بالقضاء في قوله لكان اتمام الحج فاسدا مسقطا للقضاء و قضاء الحج المأمور به فالملازمة ممنوعة، و إن اريد به قضاء الاتمام فبطلان اللازم ممنوع.
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 300
المصطلح عليه حقيقة.
هذا و إنّي لم أقف في كلماتهم على تصريح بما ذكرنا «1»، و وجدنا كلماتهم مختلطة في بيان المقصود، فعليك بالتأمّل فيما يرد عليك من الفروع لكي لا تخبط، و اللّه الهادي.
__________________________________________________
(1) من تحرير محلّ النزاع و تقرير الأدلّة و تحقيق المبحث و غير ذلك.




****************
حسن خ
Sunday - 3/7/2022 - 19:29

تغییر رأی مجتهد

علامه حلی

نهایه الوصول، ج 5، ص 225

البحث السادس: في نقض الاجتهاد
إذا تغيّر اجتهاد المجتهد فإن كان في حقّه مثل أن يكون قد أدّاه اجتهاده إلى جواز التزويج بغير ولي أو إلى أنّ الخلع فسخ فنكح امرأة خالعها ثلاثا، ثمّ تغيّر اجتهاده فيهما؛ فإن كان الحكم الأوّل قد اتّصل به حكم حاكم و قضاء قاض، سواء كان المجتهد نفسه أو غيره، لم ينقض النكاح و كان صحيحا، لأنّ قضاء القاضي لمّا اتّصل به فقد تأكّد فلا يؤثر فيه بغير الاجتهاد محافظة على حكم الحاكم و مصلحته. «2»
و فيه نظر، لأنّ الحكم من القاضي تابع للحكم في نفسه لا متبوعا، لأنّ الحكم عندنا لا يتغيّر بحكم القاضي و عدمه، فإن كان سائغا لم يتغيّر، و كذا إن كان غيره فلا يصير حكم القاضي ما ليس بحلال في نفسه حلالا.
و إن لم يتّصل به حكم الحاكم لزمه مفارقتها إجماعا، و إلّا كان‏
__________________________________________________
(1). راجع المحصول: 2/ 522- 523.
(2). راجع المحصول: 2/ 523.


نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 226
مستديما «1» يحل الاستمتاع بها على خلاف معتقده، و مرتكبا لما يحرم بتحريمه، و هو خلاف الإجماع.
و إن كان قد أفتى غيره و عمل بفتواه ثمّ تغير الاجتهاد، كما لو أفتاه بأنّ الخلع فسخ فنكح العامّي ثم تغيّر اجتهاد المفتي، فقد اختلفوا في أنّ المقلّد هل يجب عليه مفارقة الزوجة لتغيّر اجتهاد المفتي و الحق وجوبه؛ كما لو قلّد من ليس من أهل الاجتهاد من هو من أهله في جهة القبلة ثمّ تغير اجتهاد المجتهد إلى جهة أخرى في أثناء صلاة المقلّد، فإنّه يجب عليه التحوّل إلى الجهة الأخرى؛ بخلاف قضاء القاضي فإنّه متى اتّصل بالحكم استقرّ على ما تقدّم من الإشكال.
و أمّا قضاء القاضي فإن كان قد خالف دليلا قاطعا كنص أو إجماع أو قياس جلي و هو ما نص فيه على العلّة، فإنّه ينقض إجماعا لظهور خطائه قطعا. و إن لم يكن قد خالف دليلا قاطعا بل اجتهد و حكم باجتهاده، فإنّه لا يجوز نقض حكمه، و إلّا لزم اضطراب الأحكام و عدم استقرار الشرع، إذ لو جاز للحاكم أن ينقض حكم نفسه أو حكم غيره بتغيّر اجتهاده المفيد للظن لجاز نقض البعض عند تغيّر الاجتهاد، و هكذا إلى غير النهاية، و هو يقتضي عدم الوثوق بحكم الحاكم، و هو خلاف المصلحة الّتي نصب الحاكم لها.

تهذیب الوصول، ص 288

البحث الثاني: الحادثة إن نزلت بالمجتهد في «3» نفسه،
عمل على ما أدّاه اجتهاده إليه، فإن تساوت الأمارات تخيّر أو عاد إلى الاجتهاد.
و إن تعلقت بغيره، و كان مما يجري فيه الصلح كالمال، اصطلحا أو ترافعا إلى حاكم يفصل بينهما، و لا يجوز الرجوع بعد الحكم.
و إن لم يجر فيه الصلح، كالطلاق بصيغة يعتقدها أحدهما دون الآخر، رجعا إلى حاكم غيرهما، سواء كان صاحب الواقعة مجتهدا أو حاكما أو لا؛ إذ ليس للحاكم أن يحكم لنفسه على غيره، بل ينصب من قبله من يقضي بينهما.
و إن نزلت بالمقلّد رجع إلى المفتي، فإن تعدد رجع إلى ما اتفقوا عليه، فإن اختلفوا عمل بالأعلم الأزهد، فإن تساويا تخيّر.
فإن حكم بوقوع الخلع ثلاثا فسخا فنكح، ثمّ اعتقد مساواته للطلاق، فالأقرب بقاء النكاح، لأنّ حكم الحاكم لمّا اتصل بالنكاح تأكد، فلا يفسد بتغيّر الاجتهاد. أمّا لو اعتقد قبل النكاح فإنّه يحرم عليه إمساكها.
__________________________________________________
(1)- في د: (بمجرد التشهي) بدل: (إمّا تشهيا).
(2)- في أ، ب: (و المصيب).
(3)- لم ترد في ج، د: (في).

تهذيب الوصول الى علم الأصول، ص: 289
و لو كان الزوج عاميّا، فأمسك بقول المفتي، ثمّ تغير اجتهاد المفتي، فالأقرب أنّه يرجع عن النكاح، لأنّ الحكم أقوى من الإفتاء، فإن الحكم لا ينقض إلّا أن يخالف دليلا قطعيا، لا ظاهرا.

میرزای قمی

[في حال الإفتاء و التّقليد]
و أمّا حال الإفتاء و التّقليد، فأمّا التّقليد في العبادات فواضح، لأنّه عمل بقول المفتي في المسألة، و كذلك في الحلّ و الحرمة و نحوهما في المطاعم و المشارب، و الأفعال و الأعمال البدنيّة، غير العقود و الإيقاعات.
و أمّا العقود و الإيقاعات ممّا يحصل بين الاثنين غالبا، فلها جنبتان:

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 531
إحداهما: الجواز، و عدم الجواز.
و الثّانية: الصّحّة، و البطلان.
و أمّا الأوّل: فيتبع المقلّد رأي مجتهده فيه.
و أمّا الثّاني: هو أيضا ظاهر مع التّراضي، و ببنائهما على متابعة مجتهد في الأصل و في الاستمرار. و لمّا كان قد يحصل فيه النّزاع من جهة المنع عن ترتّب الآثار، فيحتاج الى التّرافع و رفع النّزاع.
ثمّ إنّ النّزاع بين طرفي العقود و المعاملات إمّا أن يكون من محض مخالفة الطّبع، أو من جهة مخالفة الطّرفين في حكم الشّرع، بأن يكونا مجتهدين متخالفين أو مقلّدين لمجتهدين مخالفين، فلنمثّل هناك مثلا ليتّضح الأمر، و هو مثال عقد البكر البالغة الرّشيدة مع وجود الأب، و لها صور عديدة:
الأولى: أن يكونا مقلّدين لمجتهد يرى أنّ الخيار لها.
الثّانية: الصّورة بحالها مع كون رأيه أنّ الخيار للوليّ، و لا إشكال في الجواز و الصّحة في الصّورتين.
الثالثة: أن يكونا مقلّدين لمجتهد واحد و لكن وقع النّزاع بينهما بحسب الطّبع و الهوى، و لا ريب حينئذ أيضا في صحّة ما وافق رأي المجتهد، و بطلان ما خالفه، كما لا ريب في جوازه.
الرّابعة: أن يكون أحدهما مقلّدا لمجتهد و الآخر مقلّدا لمجتهد آخر مخالف له، أو يكونان مجتهدين مخالفي الرّأي، [إن‏] قلنا بعدم اشتراط الذّكورة في المجتهد كما هو الظّاهر، و حينئذ فإمّا أن يتنازعا قبل العقد أو بعد عقد كلّ منهما لرجل على حدة، أو بعد عقد أحدهما، و في كلّ من الصّور يحتاج الى المرافعة الى مجتهد، فإن كان النّزاع قبل العقد، فإن وافق رأي الحاكم لأحدهما، فيحكم له، و إن كان‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 532
رأيه التّخيير في العمل لو فرض قول به في هذه المسألة أو في مسألة أخرى، فالتّعيين بيد الحاكم أو بالقرعة، و إن تنازعا بعد عقد كلّ منهما، فإن ترتّبا، فالحكم لما وافق رأي الحاكم إن كان رأيه التّعيين و الحكم لما يختاره إن كان رأيه التّخيير.
و إن تقارنا زمانا، فيظهر حكمه ممّا تقدم.
و ممّا ذكرنا، يظهر أحكام صور أخرى متصوّرة هنا، مثل ما لو لم يكونا مجتهدين و لا مقلّدين، أو كان أحدهما مجتهدا أو مقلّدا و الآخر جاهلا أو غافلا، و سيجي‏ء تمام الكلام.
[نقض الحكم في الاجتهاديّات من الحاكم إذا تغيّر اجتهاده‏]
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّهم ذكروا أنّه لا يجوز نقض الحكم في الاجتهاديّات من الحاكم إذا تغيّر اجتهاده، و لا من غيره إذا خالفه ما لم يخالفا [يخالف‏] قاطعا، بخلاف الفتوى.
و احتجّوا عليه: بأنّ جواز نقضه يؤدّي الى جواز نقض النّقض من مجتهد آخر، فيتسلسل و يفوت مصلحة نصب الحاكم، و هو فصل الخصومات.
و ادّعوا الإجماع عليه، و يدلّ عليه الاستصحاب و نفي العسر و الحرج.
و أمّا جواز نقض الفتوى فكلامهم في ذلك غير محرّر، فإن أرادوا جواز نقض الفتوى بالحكم بعد تحقّق المرافعة و المخاصمة، فله وجه في الجملة كما أشرنا، فإنّ أحد طرفي الدّعوى إن بنى مطلبه على فتوى مجتهد، و الآخر على خلافه، و تخاصما عند الحاكم، فله نقض مقتضى الفتوى بحكمه إذا خالفه رأيه في المسألة، و كذا إذا كانا مجتهدين، و سنذكر وجه التّقييد بقولنا في الجملة.
و إن أرادوا جواز نقض الفتوى بالفتوى، فهو مشكل. و الذي نقطع بأنّهم أرادوه من جواز نقض الفتوى في هذا المقام أنّه يجوز مخالفة المفتي، أمّا من المستفتي، فإذا لم يعمل بعد بالفتوى، لأنّ إجماعهم إنّما انعقد على عدم جواز العدل و بعد [العدول‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 533
بعد] العمل ما لم يظهر بطلان الفتوى من رأس أو عدم استحقاق المجتهد للتقليد.
و أمّا قبل العمل، فجوّزوا العدول و إن اعتقد بالحكم بتقليد مجتهده، و كذلك بعد العمل في واقعة أخرى إذا تغيّر رأي مجتهده أو تبدّل مجتهده بمجتهد آخر يخالفه.
و أمّا المفتون فمطلقا، لجواز عمل كلّ مجتهد على ما رآه و إن كان مخالفا للآخر، و هذا هو ظاهر الشّهيد رحمه اللّه، فإنّه قال في «القواعد» «1» بعد العبارة التي نقلناها عنه في مباحث الأخبار: و بالجملة، فالفتوى ليس فيها منع للغير عن مخالفة مقتضاها من المفتين و لا من المستفتين، أمّا من المفتين فظاهر، و أمّا من المستفتين، فلأنّ المستفتي له أن يستفتي آخر، الى آخر ما ذكره.
و أمّا جواز نقض الفتوى بالفتوى بمعنى إبطالها من رأس أو تغييرها من الحال مطلقا، ففيه غموض و إشكال، و توضيحه، أنّ الفتوى على أقسام:
منها: ما يستلزم الاستدامة ما لم يطرأ عليه مزيل بحكم وضعيّ.
و منها: ما لا يستلزمه.
فالأوّل: مثل الفتوى في العقود و الإيقاعات.
و الثّاني: مثل الفتوى في نجاسة الماء القليل بالملاقاة، و عدم نجاسة الكرّ، و أمثال ذلك من حلّيّة المطاعم و حرمتها، ممّا اختلف فيه، و غير ذلك. فإن فرض أن يفتي أحد بجواز عقد البكر بإذنها و فرضنا غيبة أبيها، و عقدناها بتلك «2» الفتوى، ثمّ تغيّر رأي المجتهد قبل حضور أبيها و قبل تحقّق المخاصمة و المرافعة
__________________________________________________
(1) 1/ 321.
(2) في نسخة الأصل (بذلك).

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 534
بينهما، فالعمل على هذه «1» الفتوى و إجراء العقد عليها ممّا يستلزم الدّوام، فإنّ العقد يقتضي الاستمرار، إمّا دائما أو الى أجل كالمنقطع. و قطع الاستمرار فيه يتوقّف على ما وضعه الشّارع لذلك، مثل الطّلاق و الارتداد و انقضاء المدّة أو هبتها، و حصول الرّضاع اللّاحق أو ثبوت الرّضاع السّابق إذا لم يعلم الزّوجان بحال الرّضاع قبل العقد، و لم يثبت في آية و خبر أنّ تجدّد الرّأي من القواطع.
و كذلك بجواز نكاح المتراضعين بعشر رضعات عند من لا يراه محرّما، و كذلك بيع العنب لمن يعلم أنّه يجعله خمرا، و بين أرواث «2» ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل لحمه في غير عذرة الإنسان، و غيرهما ممّا لا يحصى. و كما أنّ مقتضى الحكم رفع النّزاع، و مقتضى نصب الحاكم عدم جواز مخالفته في الحكم لئلّا يناقض الغرض المقصود منه، فكذلك مقتضى الرّجوع الى المفتي، و نصب المفتي لإرشاد المستفتين ان يبنوا أمر دينهم و شرائعهم و معاشهم و معادهم على قوله.
فالشّارع الذي جوّز رجوع المستفتي الى المفتي في جواز النّكاح و عدمه، و جواز البيع و عدمه، رخّصه [في‏] أن يبني أمر معاشه و معاملاته على فتوى مفتيه.
و أمر المعاش بعضه ممّا هو من الأمور الدّائمة، فاليوم الذي يحصل فيه الرّخصة للمستفتي في إيجاد ذلك الأمر الذي هو من الأمور الدّائمة، فقد حصلت «3» الرّخصة لإدامته. و كما أنّ مخالفة الحاكم و مناقضة حكمه ينافي الظّلم [النظام‏]
__________________________________________________
(1) في نسخة الأصل (هذا).
(2) روث و أرواث جمع روثة و هو رجيع ذوات الحوافر.
(3) في نسخة الأصل (حصل).

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 535
و يوجب عدم الاستقرار، فكذلك مخالفة المفتي في هذا القسم من الفتوى.
و لا يضرّ تجدّد رجحان الحرمة في نظر المقلّد من جهة تغيير رأي مجتهده حتّى يستبعد جواز التّصرّف مع رجحان الحرمة، كما لا يضرّ ذلك في صورة الحكم مع تغيّر الرّأي.
[الكلام في المجتهد إذا تغيّر رأيه‏]
و كذلك الكلام في المجتهد إذا تغيّر رأيه و كان هو صاحب المعاملات و النّكاح، و لا يستبعد ذلك فيه، كما لا يستبعد لو طرأ عليه حكم حاكم آخر كما ذكروه.
و أمّا الحكم بوجوب الاجتناب عن الماء القليل الملاقي للنجس، فليس حكما بشي‏ء يوجب الاستمرار و الدّوام، إذ وجوب الاجتناب ليس ممّا يستلزم هذا المعنى، و كذلك الحكم بجواز الاستعمال لا يستلزم الدّوام، و إن استعمله، فبعد تجدّد الرّأي يحكم بغسل ما لاقاه، و وجوب الاجتناب عنه، بل هو كذلك إذا أفتى بنجاسة قدح خاصّ وقع فيه النّجاسة قطعا، كما أشرنا إليه سابقا أيضا، إذ الحكم بنجاسته لا يستلزم دوام ذلك الحكم ما دام القدح باقيا، فيجوز القول بعدم الوجوب إذا تجدّد الرّأي مع كون الماء باقيا على حاله، و كذا العكس.
و الحاصل، أنّ الحكم بوجوب الاجتناب أو عدمه لا يستلزم الدّوام مطلقا، و لكن حكم الزّوجيّة إذا حصلت بسبب الفتوى، يستلزم الدّوام، إذ العلّة الموجدة في الثّانية هي العلّة المبقية بعد العمل بها بخلاف الأولى، بل لك أن تقول: إنّ هذا ليس من مسألة نقض الفتوى و عدمه، بل هو من النّزاع في جواز نقض ما حصل من الفتوى، و هو يختلف باختلاف الموارد، بخلاف أصل الفتوى، فإنّه يجوز نقضه و مخالفته مطلقا بلا اختلاف في الموارد، و إن شئت إجراء هذا الكلام في العقود، فافرض المثال فيما أفتى المجتهد بجواز النّكاح ثمّ تجدّد رأيه قبل التّزويج، فإنّ ذلك ممّا يجوز نقضه بلا إشكال كما لو تجدّد الرّأي في نجاسة القليل و عدمها قبل‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 536
الاستعمال أيضا، و هذا بخلاف الحكم فإنّه لا يجوز نقضه، سواء عمل به أم لا.
إذا عرفت هذا، علمت أنّه لا يتمّ تفريع حرمة المنكوحة بلا وليّ و إن كان بتجويز المجتهد إذا تغيّر رأي مجتهده، إن لم يلحقه حكم حاكم و لم يباشر عقدها الحاكم بنفسه أو بترخيصه على أنّه متابعة للفتوى، و يجوز نقضه و فسخه إذا تجدّد رأي المجتهد أو مات و جاء مجتهد آخر يخالفه، بخلاف ما إذا وقع العقد بفعل الحاكم أو رخصته الخاصّة.
و كذلك عقد العارفة بالمخالف إذا وقع بتقليد مجتهد يرى ذلك، بل قال بعضهم:
إنّه يحرم عليه مع لحوق حكم الحاكم أيضا، و كذلك في المجتهد الذي نكح امرأة جاز نكاحها عنده لنفسه أوّلا، ثمّ تغيّر رأيه و رآها حراما. قالوا: يحرم عليه إلّا أن يلحقه حكم حاكم، و بعضهم حرّمه مع لحوق حكم الحاكم أيضا.
و وجه عدم التّماميّة منع جواز نقض الفتوى بالفتوى مطلقا، كما أشرنا، بل المسلّم إنّما هو قبل العمل، كما يظهر من استدلال الشّهيد رحمه اللّه المتقدّم، فإنّ جواز العدول إنّما هو قبل العمل إجماعا، كما سيجي‏ء في القانون الآتي.
و كذلك يتحقّق بترك العمل على مقتضى الفتوى الأولى فيما يتجدّد بعد ذلك من الموارد الواردة عليه، فعدم لحوق النّقض بالحكم حينئذ إنّما هو لعدم التحقّق في الحكم بسبب الامتناع بالذّات، إذ الحكم إنّما هو شخص واحد لا يتجاوز الى مورد آخر، بخلاف الفتوى، فكلّ حكم مشتمل على الفتوى فهو يتعدّى و ينتقض من حيث الفتوى في مادّة أخرى، و لا يتعدّى من حيث الحكم و لا ينتقض.
و يدلّ على عدم جواز النّقض في الفتوى بالمعنى المذكور أيضا، الاستصحاب و لزوم العسر و الحرج، و لزوم الهرج و المرج، و عدم الانتظام في أمر الفروج و الأموال و الأملاك و غيرها، مع أنّ التّحقيق أنّ الرّأي لم يتجدّد في المسألة في‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 537
الصّورة المفروضة، فإنّ الرّأي إنّما هو جواز التّزويج أو عدم جوازه، لا جواز فسخ التّزويج الحاصل على النّهج المشروع المكلّف به حينئذ و عدمه، و ترتّب الفسخ و عدمه على جواز العقد و عدمه يحتاج الى دليل.
و الحاصل، أنّ جواز نقض الفتوى بالفتوى في أمثال العقود و الإيقاعات بعد وقوعها مطلقا مشكل، و لم يظهر عليه دليل.
و ما يظهر من دعوى الاتّفاق من كلام بعضهم فيما لو تغيّر رأي المجتهد في المعاملة التي حلّلها أوّلا و بنى عليها لنفسها و حرّمها، فهو ممنوع، مع أنّ دعوى الإجماع على المسائل التي لم تثبت تداولها في زمان الأئمة عليهم السّلام بعيدة لا يعبأ بها، و لو فرض أن نقول بإمكانه. و قلنا: بأنّه إجماع منقول، فهو لا يقاوم ما ذكرناها من الأدلّة. و لو سلّمناه فإنّما نسلّم في مورده، و هو ما لو تغيّر رأي المجتهد و كان الواقعة مختصّة به، و سيجي‏ء كلام المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه في عدم جواز نقض الفتوى بتغيير الاجتهاد.
و إن قلنا: بنقضها، فلا بدّ أن نقول ببطلان المهر المسمّى مثلا، و لزوم مهر المثل و عدم استحقاق الإنفاق، و جواز الرّجوع الى ما أنفقه، و غير ذلك، إذ المذكورات من توابع العقد الصّحيح، و المفروض انتقاضه.
و لو قلنا: بصحّته الى الحين و نقضه من حين التّغيير، و أنّ المراد جواز العمل بالرّأي الثّاني من حين التّغيير لا إبطال العمل بالرّأي الأوّل من رأس، فمع أنّه ليس بنقض حقيقي، بل ليس بتغيير رأي حقيقة في هذه المادّة الخاصّة كما أشرنا سابقا، لأنّه ليس حكما بتحريم العقد مثلا بعد الحكم بحلّه، بل هو حكم بحرمة الاستدامة بعد الحكم بحلّه، المستلزم لحلّ استدامته، فلا بدّ من القول بلزوم الإطلاق و التزام توابع العقد الصّحيح، إذ ذلك الانفساخ من باب الارتداد لا من باب ثبوت الرّضاع‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 538
السّابق، و لم يقل به أحد.
و بالجملة، مدار الكلّ من زمان غيبة الإمام عليه السّلام الى الآن على تقليد المجتهدين، بل الغالب في الخلائق أنّهم لا يجتهدون و لا يقلّدون. هب أمر هؤلاء فاسد، و لكن أمر المقلّدين في البلاد البعيدة الّذين لا مناص لهم عن التّقليد و أوج معرفتهم هو ذلك، إنّما هو على العمل بفتوى مجتهدهم في العبادات و المعاملات، و لا ريب أنّ المعاملات أكثرها خلافيّة، و هذا الإشكال يجري في كلّها، فلا بدّ لكلّ مقلّد أن يجري بيعه و إجارته و مزارعته و نكاحه و طلاقه، كلّها في حضور المجتهد أو بمباشرته أو بمرافعته، لو سلّمنا أنّ بمحض ذلك يتحقّق الحكم و إن لم يحصل الخصام بالفعل، و إلّا فليستعدّ لفسخ مناكحاته و معاملاته، و تبدّل حالاته بمجرّد تبدّل رأي مجتهده أو تبدّله بآخر، ثمّ بعد الفسخ بسبب تغيّر الرّأي أو التّجدّد لتصحيحه ثانيا برأي آخر، ثمّ فسخه برأي آخر، و هكذا، فيستلزم التّسلسل و عدم الاستقرار، و لا أقل من موت مجتهده مع قول أكثر العلماء، بل كلّهم على ما ادّعاه بعضهم من عدم جواز تقليد الموتى، و أنّ النّاس صنفان: إمّا مجتهد، و إمّا مقلّد، فلا بدّ أن يعرض جميع معاملاته التي فعل، و كلّ ما في تحت يده ممّا حصل له بمعاملاته على مجتهد آخر ليمضيه أو ليفسخه.
و الحاصل، أنّ كلّ ما دلّ على جواز العمل برأي المجتهد و هو لزوم العسر و الحرج و غيره، يدلّ على جواز البقاء على مقتضى أمثال هذه العقود و المعاملات، و ممّا يتفرّع على ما ذكرنا، جاز نكاح امرأة وقع طلاقها على خلاف رأيه. مثلا: اختلف العلماء في بعض أقسام الطّلاق، فعلى القول باختصاص عدم جواز النّقض بالحكم دون الفتوى، يلزم أن يحكم المجتهد الذي يرى بطلان ذلك برجوع المرأة الى الرجل إذا وقع الطلاق بتقليد مجتهد يرى ذلك و إن لم يحصل‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 539
مخاصمة و مرافعة، أو لا بدّ أن يباشر الطلاق المجتهد بنفسه بقصد الإطلاق و الإلزام، أو يأذن فيه بالخصوص كذلك أو يمضيه بعد الوقوع لو سلّمنا كفايتها مطلقا في صيرورتها حكما.
و أمّا على ما حقّقناه من عدم جواز نقض الفتوى أيضا بالفتوى، و جواز إمضاء أحكامها و إن خالف رأيه فيجوز للمجتهد الذي لا يرى صحّة مثل هذا الطّلاق إمضاءه إذا وقع بتقليد مجتهد يجوّزه، و معنى إمضائه الحكم، بترتّب آثاره عليه، و من جواز نكاح هذه المطلّقة لغيره. فكما قلنا: إنّه لا يجوز للمجتهد الذي لا يرى نكاح الباكرة بدون إذن الوليّ أن ينقض النّكاح الواقع بتقليد مجتهد يجوّزه قبل تحقّق المرافعة، فكذا لا يجوز له أن يمنع نكاح المطلّقة على غير مقتضى رأيه، لأنّ ذلك من آثار الطّلاق، فإمضاؤه و إبقاؤه معناه حكمه بترتّب آثاره عليه، و جواز عقدها ثانيا من آثاره، و ذلك نظير الحكم بين المتخالفين، فكما أنّ معنى عدم جواز نقضه لمجتهد آخر هو لزوم ترتّب ثمراته عليه و إن خالف رأيه، فيحلّ لذلك المجتهد الأكل من المال الذي انتقل الى المدّعي بحكم الحاكم المخالف له في الرّأي، بل لو ادّعى عليه أحد بعد ذلك في هذا المال و لم يقم البيّنة، فيحكم بكون المال ماله، و هكذا سائر الثّمرات، فكذا الفتوى.
و القول بعدم جواز نكاح من وقع طلاقها كذلك في عصر المجتهد الثّاني عسر عظيم.
فإن قيل: يندفع العسر، بادّعاء المرأة خلوّها عن المانع عند من لم يطّلع بحقيقة الحال.
قلنا: لا يتمّ ذلك فيما لو علم كونها مطلّقة في الجملة.
فإن قيل: عدم المعرفة بخصوصية الطّلاق كاف لحمله على الصّحيح.

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 540
قلنا: ذلك باطل، إذ الصّحيح إذا كان مختلفا فيه، فيحمل على الصّحيح عند الفاعل لا عند هذا المجتهد.
و ممّا ذكرنا، يندفع ما عسى أن يورد على الأصل المسلّم عند الكلّ من حمل أفعال المسلمين على الصّحّة في كلّ ما كان من هذا القبيل- يعني العقود و الإيقاعات المستعقبة للآثار التي عليها بناء معاش الخلق- فنرى المسلمين في كلّ عصر و مصر ليس بناؤهم في البيع و الشّرى و القرض و النّكاح و الطّلاق و سلوك علمائهم معهم إلّا على الحمل على ترتّب الآثار مع احتمال أن تكون معاملاتهم على غير طبق ما يصحّ عند ذلك العالم، و إلّا فلا معنى لحمل فعل كلّ مسلم على الصحّة مع كون أغلب الأفعال محتملا لوجوه كثيرة، بعضها باطلة عند الكلّ، و بعضها صحيحة عند الكلّ، و بعضها ممّا اختلف فيه.
ففي الغالب يحصل احتمال مخالفة ما وقع من المعاملة لما هو رأي هذا الذي يحملها على الصحّة، و مع ذلك لا يلتفتون إليه. فترى العلماء يجرون أحكام الزّوجية بين الزّوجين من دون الفحص عن حالهما أنّ النّكاح هل وقع صحيحا بينهما أم لا، مع أنّ احتمال كون الزّوجيّة باطلة عند ذلك العالم ليس باحتمال نادر لا يلتفت إليه، فإنّه يحتمل أن تكون الزّوجة باكرة تزوّجت بزوجها بدون إذن أبيها أو متراضعة معه بعشر رضعات، مع أنّ ذلك العالم لا يجوّزهما، أو النّكاح وقع على شرط يبطل النّكاح بسببه عند ذلك الحاكم.
و كذلك البيوع و سائر المعاملات، فإنّ الخلاف في العقود و الإيقاعات و المداينات في غاية الكثرة، و مع ذلك فبناء العلماء و العوامّ على ترتّب آثار أفعال النّاس من دون تفحّص عن ذلك.
و أنت خبير بأنّ مجرّد حمل فعل المسلم على الصّحة لا يكفي في ذلك، لما

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 541
ذكرنا من أنّ المراد بحمل فعله على الصّحّة هو الصّحّة عند الفاعل لا عند الحامل، و الصحّة عند الفاعل كيف ينفع في ترتّب الآثار عند الحامل، فعدم الفحص عن ذلك إنّما يترتّب على أنّ تلك الأسباب من العقود و الإيقاعات إذا وقعت على وجه صحيح عند الفاعل، فلا بدّ أن يترتّب عليها مسبّباتها و إن لم يكن كذلك عند الحامل.
لا يقال: إنّ ذلك مبنيّ على قاعدة أخرى، و هو إلحاق النّادر بالغالب بادّعاء أنّ الغالب في تلك الأسباب من العقود و الإيقاعات و غيرهما هو الصّحّة عند الكلّ، فإنّ ذلك ممّا لا يخفى على المطّلع بالفقه و الخلافات الحاصلة فيه، سيّما و كلّ واحد من أبواب الفقه مستتبعة للمخالفات الكثيرة في توابعها.
ففي الطّلاق مثلا، نقول خلافات كثيرة، من جهة الألفاظ في الصّيغة و من جهة الأحكام و الشّرائط في كلّ واحد من أقسامه، و أنّه هل وقع رجعيّا أو خلعيّا؟ فإن كان رجعيّا فهل وقع على اللّفظ الصّحيح عند الحامل أم لا؟ و هل وقع عند رجلين عدلين سوى من يجري صيغة الطّلاق أو كان أحد العدلين هو وكيل الزّوج؟ و أنّ العدلين هل كانا عادلين على ما هو مذهب الحامل أو الزّوج أو الوكيل؟ فإنّ في العدالة و الكاشف عنها اختلافا معروفا. و هل وقع الطّلاق في حضور العدلين مع معرفتهما للزوجين أم لا؟ و هل وقع الطّلاق في حال الحمل أو غيره، أو في الغيبة أو الحضور، و إن كان في حال الحمل فهل كان في المرّة الأولى أو الثّانية؟ ففي كلّ ذلك اختلافات.
و إن كان خلعيّا فهل تحقّقت «1» الشّروط فيه من الكراهة على النّهج المطلوب‏
__________________________________________________
(1) في نسخة الاصل (تحقّق).

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 542
أم لا، و على الوجه الذي يعتبر عند الحامل أو الفاعل، لوقوع الخلاف في حدّ الكراهة، و في صحّة الطّلاق بعوض من دون الكراهة، و غير ذلك ممّا لا يحصى.
و كذلك الكلام في النّكاح و البيع و القرض ممّا يطول الكلام بذكرها.
ثمّ مع قطع النّظر عن تلك الاختلافات في أصل تلك الأبواب أو المسائل، هل وقع ذلك بالاجتهاد أو التّقليد أو بدون أحدهما. و على الثّالث فهل كان ذلك مع الغفلة و الجهالة أو مع التّقصير و المسامحة؟ و هل يترتّب الآثار على القسم الثّالث بقسميه أو بأحد القسمين منه دون الآخر؟ و هكذا.
و بالجملة، تغيّر الرّأي في أصل المعاملة و تبدّل المجتهد إنّما يقتضي إنشاء المعاملة بعد ذلك لو أراد إنشاء معاملة جديدة على الرّأي الثّاني، لا إبطال ما يترتّب على الرّأي الأوّل أو قول المجتهد الأوّل، و لو حصل به أنحاء الانتقالات و التّصرّفات مثل ان جعل المبيع مهرا للزوجة و انتقل من الزّوجة الى وارثها و باع الوارث بغيره و هكذا، و لا ريب أنّ كلّ ذلك عسر و حرج عظيم ينفيه العقل و الشّرع.
و لو فرض أنّ المجتهد الثّاني اخترع هذا الرّأي، و قال: هذا إبداع رأي لا تجدّد رأي، و تغيّره يعني أنّ رأيي لزوم إبطال آثار الرّأي الأوّل، فكلامنا حينئذ مع ذلك المجتهد و بيان عذره عند اللّه تعالى و إقامة البرهان، و هو خارج عن موضوع المسألة.
نعم، إذا ظهر عنه بطلان الرّأي السّابق من رأس، فهو كلام آخر غير تغيّر الرّأي، فإنّ من تغيّر رأيه في الاجتهاديّات لا يحكم ببطلان الاجتهاد السّابق، و لذلك ربّما يعود الى الرّأي السّابق أيضا، و سيجي‏ء الكلام فيه.
و بالجملة، الكلام في العقود مخالف للعبادات، فلو تجدّد رأيه في وجوب‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 543
قراءة السّورة بعد ما كان يرى استحبابها في الرّكعة الثّانية، فيجب عليه القراءة في الثّانية، و كذا لو تغيّر رأي مجتهده، و هكذا الحال في القبلة إذا تجدّد الرّأي في الرّكعة الثّانية.
و يقع الإشكال فيما لو جعل فرش المسجد من آجر معمول من الطّين النّجس تقليدا لمن يرى الخزفيّة استحالة، ثمّ تجدّد الرّأي أو تغيّر المجتهد، فهل يجب نزعه و تبديله أم لا، و أنّه ممّا يفيد الاستمرار كالزّوجيّة حتّى يرد عليه عدم جواز النّزع، أو لأنّ المناط في ذلك هو تبعيد المسجد عن النّجاسة و هو متجدّد آناً فآنا، و ليس ممّا يناط بالاستمرار و الدّوام، و لا يبعد التّفصيل بأن يقال: لا يجب النّزع، و يجب الاجتناب.
و أشكل منه لو حكم بجواز بناء المسجد عن ذلك الآجر، فإن قلنا بوجوب تبعيد مطلق المسجد حتّى جدرانه عن النّجس، فيلزم تخريب المسجد، و هو مشكل.
فإن قلت: قد ذكرت أنّ الفتوى يجوز نقضها بالحكم و إنّ ما لا دليل عليه هو نقض الفتوى بالفتوى، و كثير ممّا ذكرته في نقضها بالفتوى من المفاسد، يجري في نقضها بالحكم أيضا، مثل لزوم العسر و الحرج و غيره.
قلت: تحقّق المخاصمة غالبا إنّما هو في أوّل الأمر، و لا يترتّب عليه عسر و حرج، و لو فرض تحقّقها بعد مدّة، فتحقّقها مع عدم ثبوت التّراضي عليه في أوّل الأمر نادر و لا يلزمه من المفاسد في ذلك ما يلزم من المفاسد في أصل نقض الفتوى بالفتوى.
و اتّباع نفي العسر و الحرج في ذلك عن أحد المتخاصمين يوجب ثبوته على الآخر، بخلاف صور الفتوى التي لم يحصل فيها مخاصمة، كما هو الغالب في‏

القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج‏4، ص: 544
المسائل الخلافيّة التي هي مبنى أمور معاش الخلق، و مع ثبوت التّراضي في أوّل الأمر مثل: إن بنيا في المسائل الخلافيّة على رأي مجتهد، ثمّ بعد ذلك حصل الاختلاف بينهما بمجرّد الطّبع و الهوى أو بسبب التمسّك بتغيّر رأي المجتهد أو تبدّله بآخر و ترافعا الى مجتهد يرى ذلك باطلا، فالحكم بجواز النّقض في ذلك أيضا مشكل، للزوم أكثر ما ذكر عليه.
و فذلكة المقام في بيان حال تجدّد الرّأي و حصول المخالفة بين الرّأيين، و بيان الصّور التي يحصل المخالفة بين الرّأيين، و بيان ما يجوز نقضه بالحكم و ما لا يجوز، إنّ الصّور التي يتصوّر فيها تخالف الرّأيين مع قطع النّظر عن المرافعة و المخاصمة خمسة.




هدایه المسترشدین

هدایه المسترشدین، ج 3، ص 709

بقي الكلام في المقام في الأعمال الواقعة على مقتضى فتواه الأوّل قبل رجوعه عنه، فهل يحكم بمضيّها بعد العدول عنه أو لا؟ و تفصيل القول في ذلك أنّ الأخذ بالفتوى الأوّل إمّا أن يكون في العبادات و الطاعات أو في العقود و الإيقاعات أو في الأحكام، و على كلّ حال فإمّا أن يقطع المفتي بفساد فتواه السابق أو يظنّه أو يتردّد فيه، و على كلّ حال فإمّا أن يكون المسألة قطعيّة أو اجتهاديّة، ثمّ إنّه إمّا أن يراد معرفة حال العمل الواقع عن المفتي أو الأعمال الواقعة عن مقلّديه.
فنقول: إن كانت المسألة قطعيّة و قد قطع المفتي بذلك، فالظاهر حينئذ فساد ما أتى به من الأفعال الواقعة على مقتضى فتواه الأوّل، لعلمه بوقوعه على خلاف ما قرّره الشارع، من غير فرق في ذلك بين العبادات و المعاملات.
__________________________________________________
(1) العبارة غلط و الغرض بيان أولويّة هذه الصورة في الحكم بوجوب الإعلام و أنّ الحكم في هذه الصورة مقطوع به و لا يبعد أن يكون في الأصل هكذا، بل قطعيّ البطلان. هامش المطبوع.

هداية المسترشدين ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 710
و الحقّ انتفاء الاثم عنه مع عدم تقصيره في استنباط الحكم، كما مرّت الإشارة إليه. و كذا الحال بالنسبة إلى مقلّده إذا رجع إليه أو إلى غيره ممّن يعتقد كون المسألة قطعيّة، و أمّا إذا رجع إلى من يعتقد كونها اجتهاديّة فحكم بصحّة ما فعله اجتزى به، و لا يلزمه الرجوع إلى المفتي الأوّل إلّا أن يكون قد تعيّن عليه تقليده من جهة اخرى، و وقوع عباداته على مقتضى الأمر لا يقضي بصحّتها، لكون الأمر ظاهريّا صرفا و هو لا يقضي بالإجزاء بعد انكشاف الخلاف. و إن ظنّ خلاف ما أفتى به أو تردّد فيه مع قضاء اصول الفقاهة عنده بخلاف فتواه السابق جرى حكم العدول في المسائل الاجتهاديّة بالنسبة إليه، لاندراج المسألة في جملتها بحسب اعتقاده. و كذا الحال فيمن قلّده إن رجع في ذلك إليه أو إلى من يوافقه في ذلك. و إن رجع إلى من يعتقد كون المسألة قطعيّة جرى عليها حكمها المتقدّم من البناء على الفساد، كما أنّه يحكم بعدم ترتّب الآثار على العقود و الإيقاعات المفروضة الواقعة عن المجتهد المفروض و من قلّده في ذلك، إذ أقصى ما يترتّب على الاجتهاد حينئذ ارتفاع الاثم، و أمّا الصحّة الشرعيّة فلا، كما عرفت.
و إن كانت المسألة اجتهاديّة لكن بلغ اجتهاده الثاني إلى حدّ القطع بفساد الأوّل، فالّذي نصّ عليه بعضهم هو الحكم بفساد ما أتى به من العبادات الواقعة على النحو المذكور، فيجب عليه الإعادة و القضاء فيما يثبت فيه القضاء بالفوات، و يدلّ عليه ما أشرنا إليه في الصورة المتقدّمة و هو الأظهر. و ظاهر بعض فضلاء العصر عدم وجوب الإعادة و القضاء في المقام و في المسألة المتقدّمة أيضا- نظرا إلى قضاء الأمر بالإجزاء و عدم تكليفه بغير ما أدّى إليه الاجتهاد، إذ المفروض بذل وسعهم في فهم المسألة- و هو ضعيف، لما عرفت من كون تكليفه بما أدّى إليه ظنّه ظاهريّا فلا يراد منه الأخذ بالظنّ إلّا من حيث كونه كاشفا عن الواقع موصلا إليه، و الفعل المفروض مطلوب شرعا من حيث إنّه واقع لا من حيث ذاته و لو مع مخالفته للواقع، فلمّا كان ذلك قبل انكشاف الخلاف محكوما في الشرع بأنّه الواقع كان مجزيا، فبعد انكشاف المخالفة لا يمكن الحكم بأداء الواجب، فيجب عليه‏

هداية المسترشدين ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 711
الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه فيما ثبت وجوب قضائه بعد فواته.
و سيأتي إن شاء اللّه توضيح القول في ذلك في مباحث التقليد. هذا بالنسبة إلى العبادات. و أمّا بالنظر إلى غيرها من العقود و الإيقاعات و الأحكام فلابدّ من حكمه بالنقض إلّا فيما إذا انضمّ إلى الفتوى حكم الحاكم فيجري فيه الكلام الآتي، و الوجه فيه ظاهر بعد القول بالتخطئة و عدم كون فتوى المجتهد باعثا على تغيير الحكم بحسب الواقع، و الظاهر أنّه ممّا لا كلام فيه عندنا. و لا فرق فيه أيضا بين الأعمال الصادرة عن المجتهد أو عن مقلّديه إن رجعوا في ذلك إليه. و أمّا إن رجعوا إلى غيره ممّن لا قطع له بالحكم فحكم بصحّة الأفعال الواقعة منهم جروا عليه.

و إن بلغ اجتهاده الثاني إلى حدّ الظنّ أو تردّد في المسألة و قضى أصل الفقاهة عنده بخلاف ما أفتى به أوّلا فظاهر المذهب عدم وجوب الإعادة و القضاء للعبادات الواقعة منه و من مقلّديه، و يدلّ عليه بعد لزوم العسر و الحرج في القول بوجوب القضاء أنّ غاية ما يفيده الدليل الدالّ على وجوب الأخذ بالظنّ الأخير هو بالنسبة إلى حال حصوله و أمّا بالنظر إلى ما قبل حصوله فلا دليل على وجوب الأخذ به، و قد وقع الفعل المفروض على مقتضى حكم الشرع، و ما دلّ عليه الدليل الشرعي فيكون مجزئا، و الظنّ المذكور القاضي بفساده لم يقم دليل على وجوب الأخذ به بالنسبة إلى الفعل المتقدّم. و حينئذ فلا داعي إلى الخروج عن مقتضى الظنّ الأوّل بعد وقوع الفعل حال حصوله و كون إيقاعه على ذلك الوجه مطلوبا للشرع، و منه يعلم الحال بالنسبة إلى من قلّده.
نعم لو سئل عن الواقعة المفروضة غير من قلّده و كانت المسألة قطعيّة عند من استفتاه فأفتاه بوجوب الإعادة و القضاء لزمه ذلك.
فإن قلت: إنّه كما قضى الظنّ الأوّل بصحّة الفعل الواقع على مقتضاه فقد قضى الظنّ الثاني باشتغال الذمّة بالفعل المطابق لمقتضاه، فغاية الأمر حينئذ عدم وجوب القضاء لعدم تحقّق صدق الفوات، و أمّا الإعادة فلا وجه لسقوطه عنه، إذ مع بقاء


هداية المسترشدين ( طبع جديد )، ج‏3، ص: 712
الوقت و قضاء الظنّ الثاني باشتغال الذمّة بأداء الفعل على الوجه الّذي اقتضاه الظنّ المفروض لابدّ من الإتيان به على ذلك الوجه، فلا يفتقر الحكم بالاشتغال حينئذ إلى تعلّق أمر آخر حتّى يمكن دفعه بالأصل.
قلت: بعد الحكم شرعا بحصول البراءة بأداء الفعل على مقتضى الظنّ الأوّل لا يبقى مجال للحكم بالاشتغال به بناء على الوجه الثاني، لوضوح أنّه ليس هناك إلّا تكليف واحد، فإذا كان الوجه الأوّل طريقا إلى تفريغ الذمّة شرعا و لم يقم دليل على فساد ذلك الطريق و عدم جواز الأخذ به صحّ الحكم بالبراءة، و حينئذ فلا وجه للحكم بالاشتغال من جهة الظنّ الثاني. نعم لو لم يأت بالفعل على الوجه الأوّل تعيّن الإتيان به على نحو ما يقتضيه الظنّ الثاني.
فإن قلت: كما قضى الظنّ الأوّل بحصول البراءة بإتيان الفعل على الوجه الأوّل فقد قضى الظنّ الثاني بعدم حصول البراءة إلّا بإتيانه على الوجه الثاني، و كما أنّ الأوّل طريق شرعي فكذا الثاني فأيّ وجه للترجيح؟
قلت: لا ريب أنّه بعد تعارض الظنّين المفروضين لا وجه للحكم بترجيح الأوّل بل يتعيّن الأخذ بالثاني، كما إذا لم يأت به على الوجه الأوّل حسب ما ذكرناه. و أمّا في الصورة المفروضة فلا تعارض بين الظنّين المفروضين، إذ بعد الحكم بحصول البراءة بالفعل الأوّل لا اشتغال في ظاهر الشرع حتّى تكون قضيّة الثاني توقّف البراءة عنه بإتيانه على الوجه الثاني.
نعم لو قضى الظنّ الثاني بعدم حصول البراءة بما أتى به أوّلا تمّ الكلام المذكور، إلّا أنّك قد عرفت أنّه لا دليل على حجّية الظنّ الثاني إلّا بالنسبة إلى ما بعد حصوله أمّا بالنظر إلى الفعل الواقع قبل حصوله فلا. و حينئذ فمع عدم حجّية الظنّ المفروض إلّا بذلك الوجه المخصوص لا يبقى مجال للمعارضة بين الظنّين حسب ما قرّرناه.

سید مجاهد

مفاتیح الاصول، ص 580

الثاني‏
إذا اجتهد ثانيا فإن وافق الاجتهاد الأول فلا كلام و إن خالفه و اختار غير ما اختار أولا وجب عليه الرّجوع إلى الثاني في عمل نفسه و فتواه و حكمه كما صرّح به في المعارج و النهاية و التهذيب و القواعد و التحرير و المبادي و شرحه و الكشف و مجمع الفائدة و كذا يجب على المقلّد بعد أن عرف الرجوع تقليده فيما اختاره ثانيا و أخبرا سواء قلده في الأول أم لا و قد ادعى في شرح المبادي و الظاهر

مفاتيح الأصول، ص: 581
أنه من فخر المحققين الإجماع على الحكمين فقال إذا اجتهد في مسألة فأداه اجتهاده إلى حكم ثم اجتهد ثانيا في تلك المسألة فأداه اجتهاده إلى غير ذلك الحكم فإنه يجب عليه الرّجوع إلى ما أدّاه اجتهاده ثانيا إليه إجماعا و يجب على المستفتي العمل بما أداه اجتهاده إليه ثانيا و الرّجوع عن الأوّل إجماعا انتهى و هل يجب على المجتهد الّذي تغير رأيه إعلام من استفتاه قبل الرجوع بالرجوع أو لا يظهر من النهاية و التهذيب الأول لأنه قال و عرّف المستفتي ذلك و يظهر من المعارج و المنية الثاني فإن في الأول الأولى تعريف من استفتاه رجوعه و في الثاني الأليق ذلك و احتجا كما في النهاية بأنه عامل بقوله و قد رجع عنه فلو استمر لبقي عاملا بالفتوى من غير دليل و لا فتوى مفت و زاد في النهاية و المنية فقالا كما روي عن ابن مسعود أنه كان يقول باشتراط الدّخول في تحريم نكاح أم الزوجة فلقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ذاكرهم فكرهوا أن يتزوجها فرجع ابن مسعود إلى من كان أفتاه بذلك و قال سألت أصحابي فكرهوا انتهى و فيه نظر و الأقرب عندي عدم وجوب الإعلام للأصل و كون الوجوب مستلزما للحرج و الضرر و هما منفيان شرعا و أن الظاهر من السيرة عدم الوجوب لأن تجدد الرأي للأصحاب غير عزيز و لم تسمع من أحد منهم أنه تعرض للإعلام بالرجوع في هذه المدة الطويلة و أن الإعلام بالرجوع قد يوجب سقوط وقع الاجتهاد عن القلوب و نفرة طباع العامة منه و مع ذلك فليس في ترك الإعلام ترتب مضرة على المستفتي لأنه معذور قبل الاطلاع على الرّجوع و أعماله من العبادات و المعاملات محكومة بالصّحة حينئذ فتأمل و هل يجب على المتغير رأيه إذا كتب الرّأي الأوّل في كتاب أو رسالة أو نحو ذلك إبطاله و محوه أو زيادة التنبيه على الرجوع أو لا الأقرب الثاني عملا بالأصل السّليم عن المعارض المعتضد بظهور سيرة العلماء بعدم الالتزام بذلك كما لا يخفى و يظهر من مجمع الفائدة أولوية الأوّل بل وجوبه فإنه قال إذا حكم القاضي بحكم أيّ حكم كان ثم يظهر بطلان ذلك له قبل العزل و بعده أو لغيره نقض ذلك و أبطله و حكم بما يوافق الحق و الصواب أو الظاهر أن الفتوى و الاجتهاد كذلك و ينبغي إعلام من استفتاه و إفتائه و إن كان في كتاب ضرب عليه وجهه أنه خلاف الحق و الصواب أ فوجب رفعه لئلا يقع الناس في غير الحق و لا يبقى الباطل معمولا به و معتقدا لأحد و هو ظاهر إلا أن المراد بظهور البطلان غير ظاهر و قد يشتبه ذلك بتغير الاجتهاد الذي لا يجب نقض الحكم و لا إخراجه من الكتاب كما نراه في الكتب فإن في كتاب واحد يوجد الفتويان المختلفان و قد لا يكون بينهما فاصلة إلا قليلا و إن كنا نحن نجد أن ضرب ذلك أيضا أولى و إعلام من أخذه و عمل لئلا يعمل بعده و يعلم فتواه المتأخر نعم لا يجب إبطال العمل الذي عمل به مثل أن صلّى صلوات و ترك جلسة الاستراحة ثم ظهر له وجوبها لم يجب عليه و لا على مقلديه قضاء تلك الصّلوات انتهى‏

...

الخامس‏
إذا اجتهد أولا فاختار صحّة معاملة أو إيقاع كما إذا اختار صحّة بيع المعاطاة و جواز نكاح الباكرة الرشيدة بغير ولي و عمل بما صار إليه كما إذا باع داره مثلا بطريق المعاطاة و تزوج باكرة رشيدة بغير إذن وليها ثم تغير رأيه و اجتهاده فاختار ثانيا فساد ذلك فهل يجب حينئذ الحكم بفساد ما فعل و ترتيب أحكام الفاسدة عليه فيرد الثمن على المشتري في المثال الأوّل و يفارق الزوجة من غير طلاق في المثال الثاني أو لا بل يحكم بصحة خصوص ما فعل و يستمر عليه و إن وجب عليه في غيره الرّجوع إلى الاجتهاد الثاني بطلان الأول بحسب الواقع و أنه لم يكن حكما شرعيا في نفس الأمر فالظاهر أنه يلزمه الحكم بفساد ما فعل بالاجتهاد الأول و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب و وجهه ظاهر و إن لم يحصل العلم بذلك فإن اتصل بالاجتهاد الأول حكم بمعنى أن الحاكم حكم به كأن يحكم في المثالين المتقدمين بصحة بيع المعاطاة و نكاح الباكرة الرشيدة من دون إذن الولي الذين صدرا منه فصرّح في التهذيب و الأحكام و المختصر و شرحه للعضدي و شرح المنهاج للبدخشي على الظاهر بالاستمرار على ما فعل بالاجتهاد الأوّل و صحة المعاملتين المفروضتين لما ذكره في النهاية و التهذيب و المنية و غيرهما فقالا لأن حكم الحاكم لما اتصل بالنكاح فقد تأكد فلا يؤثر فيه تغير الاجتهاد و زاد في الأول فقال محافظة على حكم الحاكم و مصلحة لكنه قال كما في المنية فيه نظر لأن حكم القاضي تابع للحكم في نفسه لا متبوعا لأن الحكم عندنا لا يتغير بحكم القاضي و عدمه انتهى و يظهر من الحاجبي و العضدي عدم جواز الاستمرار على الاجتهاد الأول فيما فعل احتجاجا بأنه يستلزم الاستمرار على ما يعتقد كونه حراما و فيه نظر و عندي أن القول بالاستمرار حينئذ في غاية القوة و ربما يظهر من موضع آخر من المنية المصير إليه فإنه قال أما لو تغير الاجتهاد المتأيّد في الحكم و القضاء بالاجتهاد الطاري عليه فإنه لا يؤثر و لا ينقض الحكم به إذ لو جاز للحاكم نقض حكم نفسه أو حكم غيره بمجرّد تغير اجتهاده المفيد للظن لجاز نقض النقض عند تغير الاجتهاد مرة أخرى و هكذا إلى غير النهاية و ذلك يفضي إلى عدم الوثوق بحكم الحاكم و عدم استقراره و هو خلاف المصلحة التي ينصب الحاكم لها و صرّح بما ذكره أيضا في الإحكام مدعيا عليه الاتفاق و كذا

مفاتيح الأصول، ص: 582
الحاجبي و العضدي في مقام آخر مدّعيين عليه الإنفاق و صرّح في النهاية بأنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الحاكم هو المجتهد المتغير رأيه أو غيره و هو جيد و إن لم يتصل بما فعل بالاجتهاد الأول حكم الحاكم فصرّح في النهاية و التهذيب و المنية و المختصر و شرحه للعضدي و شرح المنهاج للبدخشي ظاهرا بأنه لا يجوز الاستمرار عليه بعد تغير الاجتهاد بل يلزم الحكم ببطلانه و لهم وجهان أحدهما دعوى الإجماع على ذلك في النهاية و المنية و ثانيهما ما ذكره في النهاية فإنه قال و إن لم يتصل حكم الحاكم لزمه معارضها إجماعا و إلا كان مستديما لحلّ الاستمتاع بها على خلاف معتقده و مرتكبا لما يجزم بتحريمه و هو خلاف الإجماع انتهى و في شرح المنهاج للبدخشي على الظاهر لأنه ظن خطائه بصواب الاجتهاد الثاني و العمل بالظن واجب انتهى و ما صاروا إليه هو المعتمد عندي‏




*************************

*************************

شیخ انصاری

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 153
هداية في أنّ الأمر الظاهري الشرعي هل يقتضي الإجزاء فيما لو انكشف الخلاف بواسطة قيام أمارة ظنّية اخرى؟
و اعلم أولا: أنّ ذلك تارة يتحقّق في الموضوعات، كما إذا بنى المصلّي على طهارة ثوبه بواسطة الاستصحاب أو غير ذلك من الاصول المقرّرة لتميّز الموضوعات التي لا تشترط بالفحص، ثمّ قامت عنده بيّنة شرعيّة على نجاسة ذلك الثوب.
و اخرى يتحقق في الأحكام: فتارة بالنسبة إلى المجتهد، و اخرى بالنسبة إلى المقلّد.
أمّا بالنسبة إلى المجتهد، فكما إذا حكم بعدم وجوب السورة في الصلاة بواسطة أمارة ظاهريّة: من آية أو رواية أو أصل و نحوها، ثمّ ظهرت «1» أمارة اخرى حاكمة بوجوبها فيها. و لا بدّ أن يكون العمل بالأمارة الاولى مقرونا بما يعتبر فيه من الشروط واقعا، كأن يكون المجتهد متفحّصا عن المعارض للأمارة الاولى على وجه يعتبر في الفحص؛ إذ بدون ذلك لا يكون هناك أمر ظاهريّ شرعي، بل هو ملحق بالظاهريّ العقلي، كما إذا توهّم اقترانها بالشرائط أو تخيّل دلالة الرواية على شي‏ء فبدا له خطؤه أو إلى العمل «2» بالأمارة مع اعتقاد فساده.
__________________________________________________
(1) في «ع» و «م» بدل «ظهرت»: «ظهر له».

(2) كذا في النسخ، و المناسب: «أو العمل».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 154
و أمّا بالنسبة إلى المقلّد، فكما إذا رجع عن تقليد المجتهد في موارد وجوبه- كفسقه أو موته أو زوال ملكته أو حصول ملكة الاجتهاد له- أو موارد جوازه على القول به، مع المنافاة بين ما يأخذ به في الحال من رأي مجتهد آخر أو رأيه و بين ما عمل به أوّلا.
فمن فروع هذه الهداية ما قد يعنون في مباحث الاجتهاد و التقليد من تجدّد رأي المجتهد.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ بعد قيام الأمارة اللاحقة في الموارد المتقدّمة و أشباهها لا إشكال في وجوب الأخذ بها في الوقائع اللاحقة الغير المرتبطة بالوقائع السابقة، فإنّ ذلك هو مقتضى اعتبار تلك الأمارة، فبعد قيام البيّنة على نجاسة الثوب المستصحب الطهارة لا بدّ من ترتيب آثار النجاسة عليه من عدم جواز الصلاة معه و نحوه. و كذا فيما إذا ظهر خطأ المجتهد له فيما أفتى به من طهارة الغسالة مثلا، و كذا فيما إذا رجع المقلّد عن تقليد المفتي بالطهارة إلى فتوى القائل بالنجاسة مثلا. و لا ينبغي أن يكون ذلك مطرحا للأنظار.
كما أنّه لا إشكال في مضيّ الوقائع السابقة التي لا يترتب «1» عليها في الزمان اللاحق حكم، كما إذا كان المبادرة و التعجيل واجبا فبادر إليه المكلّف ثمّ تبيّن خطؤه فيما بادر إليه، فإنّ قضية اللطف- كما مرّ «2»- إيصال مصلحة التعجيل إلى المكلّف، و لا يعقل القول بعدم مضيّ مثل تلك الواقعة.
__________________________________________________
(1) في «ع» و «م» بدل «يترتّب»: «يطرأ».
(2) راجع الصفحة 139.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 155
و إنّما الإشكال في الوقائع اللاحقة «1» المرتبطة بالوقائع السابقة، مثل عدم اشتغال المكلّف في الوقت بإعادة ما عمل به بمقتضى الأمارة السابقة، أو معاملة الطهارة مع ما لاقى شيئا مستصحب الطهارة بعد قيام البيّنة على نجاسته، أو معاملة الزوجيّة مع الزوجة المعقودة بالفارسيّة بعد اعتقاد فساد العقد بها، إلى غير ذلك من الأمثلة في الموارد المختلفة، كما هو ظاهر.
فذهب جماعة من متأخّري المتأخّرين- ممّن عاصرناهم أو يقارب عصرهم عصرنا- إلى الإجزاء و عدم لزوم الإعادة «2»، حتّى أنّ بعض الأفاضل «3» قد نسبه إلى ظاهر المذهب في تعليقاته على المعالم.
و قضيّة ما زعموا: أن يكون قيام الأمارة اللاحقة بمنزلة النسخ للآثار المترتّبة على الأمارة السابقة، ففي الوقائع المتجدّدة الغير المرتبطة يؤخذ بالناسخ، فلا يجوز إيقاع المعاطاة بعد ذلك، و لكنّه يؤخذ بالمنسوخ في الآثار المرتبطة، فلا يحكم بعدم ملكيّة المبيع المعاطاتي. و قد صرّح بذلك بعض الأجلّة «4» أيضا.
و الحقّ الحقيق بالتصديق هو عدم الإجزاء، فلا بدّ من الإعادة و عدم ترتيب «5» الأحكام المترتّبة على الأمارة «6» السابقة، وفاقا للنهاية «7» و التهذيب «8»
__________________________________________________
(1) لم يرد «اللاحقة» في «ع» و «م».
(2) كالمحقّق القمّي في القوانين: 399، و صاحب الفصول في الفصول: 409.
(3) و هو الشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين 3: 711.
(4) و هو صاحب الفصول في الفصول: 409.
(5) في «ع» و «م»: «ترتّب».
(6) في «م» بدل «الأمارة»: «الآثار».
(7) نهاية الوصول: 440.
(8) تهذيب الوصول: 102.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 156
و المختصر «1» و شرحه «2» و شرح المنهاج «3»- على ما حكاه سيد المفاتيح عنهم «4»- بل و في محكيّ النهاية الإجماع عليه «5».
و ادّعى «6» العميدي قدّس سرّه الاتّفاق على ذلك، قال- في مسألة نكاح امرأة خالعها زوجها في المرّة الثالثة معتقدا أنّ الخلع فسخ لا طلاق ثمّ تبدّل اجتهاده و اعتقد كونه طلاقا- ما هذا لفظه: «فإن كان قد حكم بصحّة ذلك النكاح حاكم قبل تغيّر اجتهاده بقي النكاح على حاله، و إن لم يحكم به حاكم لزمه مفارقتها اتّفاقا» «7».
و في المقام وجوه من التفصيل يطّلع عليها إن شاء اللّه.
[وجه القول بعدم الإجزاء و هو المختار]
لنا على ما اخترناه في المقام: أنّ المقتضي للإعادة و عدم ترتيب «8» الآثار على الأمارة السابقة موجود، و المانع عن ذلك غير موجود، فلا بدّ من القول به.
أما الأوّل، فلما تقدّم في الهداية السابقة: أنّ الطرق المجعولة الشرعيّة إنّما جعلت طرقا إلى الواقع، من دون أن يكون تلك الطرق مخصّصة للأحكام الواقعيّة المتوجّهة «9» إلى المكلّفين- على ما هو المتّفق عليه عند أرباب التخطئة، كما هو الصواب- ففيما إذا انكشف فساد الأمارة القائمة على الواقع لا بدّ من الأخذ بما هو
__________________________________________________
(1) انظر المختصر و شرحه للعضدي في شرح مختصر الاصول: 473.
(2) في النسخ: «شروحه»، و في المفاتيح: «شرحه للعضدي».
(3) لم نعثر عليه.
(4) مفاتيح الاصول: 581.
(5) حكاه عنه في مفاتيح الاصول: 582.
(6) في «ط»: و بل ادّعى.
(7) منية اللبيب: 364.

لینک نسخه ای از کتاب منیه اللبیب تألیف عمیدالدین عبدالمطلب بن محمد بن علی بن الاعرج الحسینی الحلی المتوفی 754

در مورد این نسخه آمده است که ظاهراً به خط خود مولف است و در حاشیه کتاب تعلیقاتی به خط علامه حلی دایی مولف به چشم می خورد.

(8) في «ع» و «م»: «ترتّب».
(9) في «م»: «الموجّهة».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 157
الواقع؛ فإنّ ما يدلّ على وجوب امتثال الأوامر الواقعيّة- من العقل و النقل- موجود في المقام، فإن كان معلوما فلا كلام- كما تقدّم- و إلّا فيجب الأخذ بما جعله الشارع طريقا إليه، و هي الأمارة اللاحقة. و لازم الأخذ بها هو فساد الأمارة الاولى و بقاء التكاليف الواقعيّة.
فإنّ الخبر الدال على جزئيّة السورة، مفاده أنّ السورة في الواقع جزء للصلاة الواقعيّة، و لا يفرق في ذلك بين من عمل بالأمارة الاولى و من لم يعمل بها، كما إذا كان الشخص تاركا للصلاة مثلا، و قضيّة ذلك عدم تحقّق الصلاة بدون ذلك الجزء، فيترتّب على ذلك- بحكم الأدلّة الدالّة على إطاعة الأوامر الواقعيّة و امتثال أوامر اللّه تعالى- إيجاد الصلاة ثانيا و عدم الاتّكال بما فعله في المرّة الاولى مطابقا للأمارة التي انكشف فسادها.
و لعمري أنّ بعد هاتين المقدّمتين- اللتين إحداهما: أنّ الأمارة التي أخذ بها سابقا ليست مغيّرة للواقع، و الثانية: أنّ مفاد الأمارة الثانية هو جزئيّة السورة مثلا للصلاة في الواقع، من غير فرق بين العامل بالأمارة الاولى و تاركها- كان الحكم بعدم الإجزاء و عدم ترتّب الآثار على منار، بحيث لا يعدّ منكره إلّا مكابر، أو غير ملتفت إلى حقيقة المقدّمتين.
و الحاصل: أنّ فساد الأمارة الاولى يوجب حصول صغرى عند العامل، مفادها: فساد العبادة أو المعاملة التي وقعت على طبقها، و يتلوها كبرى شرعيّة ثابتة بالقطع: من لزوم إعادة الواجب الواقعيّ الثابت بمقتضى الأمارة الثانية التي يجب العمل بها بالفرض.
فإن قلت: لا دليل على وجوب العمل بالأمارة بالنسبة إلى الوقائع السابقة، بل المأتيّ به أوّلا إنّما كان تكليفه في ذلك الزمان، و تكليفه بعد الوصول إلى الأمارة الثانية إنّما هو العمل بها.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 158
قلت: ما ذكر إنّما يلائم «1» القول بأنّ الطرق الشرعيّة موضوعات لما يستفاد منها، فيكون مفادها في عرض الواقع و قد فرغنا عن إبطال ذلك فيما مرّ «2»؛ فإنّ لازمه التصويب الباطل، مضافا إلى ظواهر الأدلّة الدالّة على حجيّة الطرق الشرعيّة، فإنّها تنادي بأعلى صوتها على بقاء الواقع و عدم تخصيصه بواسطة تلك الطرق. و أمّا وجوب الإعادة و القضاء فهو من الوقائع اللاحقة، فإنّ التعويل على الأمارة السابقة و عدم الاشتغال بإعادة ما قد امر به في الوقت أو في خارجه من الامور الطارئة للمكلّف في اللاحق، غاية الأمر أنّ منشأ وجوب ذلك هو فساد المأتيّ به بمقتضى الأمارة الاولى؛ و لذا قلنا: بأنّ الإعادة و القضاء من الوقائع اللاحقة «3» المرتبطة بالوقائع السابقة، و ذلك أمر ظاهر.
فإن قلت: سلّمنا أنّ الإعادة و القضاء من الوقائع اللاحقة، لكن لا نسلّم وجوب الأخذ بالأمارة بالنسبة إلى «4» الوقائع الغير المرتبطة بالسابقة. و ذلك و إن كان تبعيضا بالنسبة إلى مدلول الأمارة، لكن التبعيض في الشرعيّات كثير، أمّا بالنسبة إلى الأحكام المترتّبة على الاصول فممّا لا حصر له، و أمّا بالنسبة إلى غيرها فكثير أيضا، كما إذا ورد خبر واحد يدلّ على نجاسة من فوّض أمر الخلق و الرزق إليهم عليهم السّلام، فإنّ ذلك لا يصير مستندا في المسألة الاعتقاديّة، لكنّه يؤخذ به بالنسبة إلى المسألة الفرعيّة. و كما إذا حصل الظنّ بالقبلة المستلزم لحصول الظنّ بالوقت، فإنّه يتبعّض بالنسبة إليهما، فيؤخذ بالظنّ في الأوّل دون الثاني. و كما إذا
__________________________________________________
(1) في «م» بدل «يلائم»: «يلزم».
(2) راجع الصفحة 140- 141.
(3) لم يرد «اللاحقة» في «ع».
(4) في «ع» و «م» زيادة: «غير».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 159
قيل بعدم اعتبار الخبر الظنّي في اللغات، مع ورود رواية دالّة على ثبوت موضوع من الموضوعات اللغويّة مع استلزامه حكما شرعيّا، فإنّه يؤخذ به في الثاني دون الأوّل، كما في رواية زرارة عن الإمام عليه السّلام في تفسير آية «المسح» حيث استدلّ الإمام عليه السّلام بورود «الباء» للتبعيض مثلا «1»، إلى غير ذلك، فلا ضير في الأخذ بالأمارة في بعض الوقائع دون بعض، و نحن ندّعي أنّ الأدلّة الدالّة على حجيّة الأمارات لا تدلّ على اعتبارها إلّا في الوقائع اللاحقة الغير المرتبطة بالوقائع السابقة.
قلت: و هذه الدعوى دون إثباتها خرط القتاد بعد ملاحظة الأدلّة الدالّة على حجيّة تلك الأمارات، و متى يمكن إثباتها! فإنّ أخبار الاستصحاب «2» و الروايات الدالّة على حجيّة الأخبار الظنيّة «3» و غير ذلك ممّا لا مجال لأن يتوهّم فيها التقييد ببعض الآثار، و ذلك أمر ظاهر لمن راجعها و انصف، و إن كان قد يمكن أن يناقش في أمارة دلّ على اعتبارها بعض الوجوه اللبيّة، مثل الإجماع و نحوه. و لكنّ الإنصاف أنّ مثل هذه التعسّفات لا ينبغي أن يرتكب فيها أيضا.
و أما الثاني «4»- و هو بيان فقدان المانع عمّا ذكرناه- فذلك «5» موقوف على إيراد ما يمكن أن يكون مستندا للخصم في المقام، و بيان عدم صلاحيّته للمنع.
__________________________________________________
(1) الوسائل 1: 290، الباب 23 من أبواب الوضوء، الحديث الأوّل.
(2) راجع فرائد الاصول 3: 55- 82.
(3) راجع فرائد الاصول 1: 297- 310.
(4) عطف على قوله «أمّا الأوّل» في الصفحة 156.
(5) كذا في «ق»، و في غيرها: «و ذلك».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 160
فنقول: إنّ من بعض القائلين بالإجزاء يظهر دعوى تطبيقه على القواعد «1»، و يظهر من بعض آخر وجود الدليل عليه المخرج عن القاعدة القاضية بعدم الإجزاء «2».
أمّا ما يمكن أن يكون وجها للأوّل فامور:
أحدها: ما مرّ ذكره سابقا و أشرنا إليه آنفا «3»، من أنّ مفاد الأمارات الظاهريّة إنّما يكون في عرض الواقع، فيختلف الأحكام الواقعيّة على حسب اختلاف الأمارات «4» فيكون الآتي بما دلّ عليه وجه من الوجوه الظنيّة آتيا بما هو المأمور به في الواقع، على نحو ما عرفت فيما تقدّم.
و قد فرغنا عن إبطال هذا التوهّم في الطرق الشرعيّة «5»، فهو سخيف جدّا لا يكاد يلتفت إليه العاقل فضلا عن الفاضل، مضافا إلى أنّ القول بذلك يوجب سقوط الإعادة و القضاء فيما لو ظهر فساد الأمارة الاولى على وجه قطعي- كما مرّ- و الكلام في المقام إنّما هو بعد التسليم على أنّ الكشف القطعي يوجب الإعادة، و ذلك ظاهر.
ثمّ إنّ الطريقية في الأمارات الظاهريّة لا أظنّ أن يشكّ فيها أحد من أصحابنا، كما يعاضده طريقة العرف و العقلاء، إلّا أنّه مع الشك في كون الأمارات طرقا إلى الواقع فالأصل يقضي بالبناء على الطريقيّة أيضا، إذ البدليّة و التخصيص‏
__________________________________________________
(1) كصاحب الفصول في الفصول: 409.
(2) لم نعثر عليه.
(3) راجع الصفحة 135.
(4) في «ع» و مصحّحة «ط» زيادة: «و الموضوعات».
(5) راجع الصفحة 139- 140.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 161
- كما هو مقتضى الموضوعيّة- يحتاج إلى دليل، و عند عدمه- كما هو ظاهر- فالأصل عدم سقوط الواقع بعد الإتيان بما هو أجنبيّ عنه، فإنّ الصلاة بدون السورة- بعد فرض وجوبها معها- ممّا لا ربط لها بالواقع، فيشكّ في كونها مجزية عنها، و الأصل بقاء الواجب و عدم سقوطه بذلك.
و بالجملة: فالقول بالسقوط ملازم للتصويب، و لذا فرّع في تمهيد القواعد وجوب الإعادة و القضاء على مسألة التخطئة و التصويب «1».
الثاني: ما قد قيل: من أنّ الواقعة الواحدة لا تتحمّل اجتهادين «2»، و لعلّ المراد به منع الدليل الدال على وجوب اتّباع الأمارة الثانية في الواقعة المجتهد فيها، و إلّا فهو بظاهره ممّا لا يكاد يعقل. و قد عرفت فيما تقدّم فساده بما لا مزيد عليه «3».
الثالث: أن يقال- بعد تسليم عدم الموضوعيّة، و القول بكون الأمارات الظاهريّة طرقا إلى الواقع، و دلالة الدليل على لزوم اتّباع الآخذ بها في جميع ما يستفاد منها-: إنّه يكفي في صحّة الأعمال الواقعة على حسب الأمارة الاولى- سواء كانت عبادة أو معاملة، كالصلاة بدون السورة و العقد على المرضعة عشر رضعات- وقوعها عند العامل حال صدور العمل على الوجه الصحيح و إن اعتقد بعد ذلك فساده، فالزوجيّة و سقوط القضاء من آثار النكاح الصحيح و الصلاة الصحيحة، و المفروض وقوع الصلاة الصحيحة و النكاح الصحيح حال وقوعهما لدى العامل، فلا يجب عليه الإعادة «4» و لا على وليّه القضاء بعد موته و إن كان الولي ممن يرى فساد الصلاة بلا سورة بحسب اجتهاده أو تقليده.
__________________________________________________
(1) تمهيد القواعد: 323.
(2) قاله صاحب الفصول في الفصول: 409.
(3) راجع الصفحة 156- 159.
(4) لم يرد «الإعادة» في «ع».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 162
و ربما يؤيّد ذلك بما أفاده الفخر في الإيضاح «1»، حيث استدلّ على صحة نكاح الكفّار حال كفرهم، بقوله تعالى: وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ «2» و قوله:
وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ «3» فإنّ التعبير عنهما على وجه الإضافة كاشف عن تحقّق نسبة الزوجيّة الواقعيّة بينهما و بين بعليهما. و لكنّه بعيد جدّا؛ لإمكان كون الإضافة على وجه المناسبة، و ذلك ظاهر «4».
و كيف كان، فهذا الوجه أيضا أضعف من سابقيه «5»؛ إذ بعد ما هو المفروض:
من أنّ الطرق الظاهريّة من قبيل المرايا للواقع و لا يعقل فيها اعتبار الموضوعيّة، لا معنى للقول بأنّه يكفي في ترتيب الآثار وجود الفعل عند العامل صحيحا حين صدور العمل، فلا يجوز لمن يرى خلافه بمرآة معتبرة عنده ترتيب الآثار المرتّبة عليه، سواء في ذلك العامل و غيره، فإنّ العلقة الواقعيّة و الرابطة الحقيقيّة بين المرء و زوجه لا تتحقّق في الواقع إلّا فيما لم يتحقّق بينهما الرضاع المحرّم، و لا مدخل لاعتقاد الزوج و الزوجة في ذلك، فإنّ تأثير العلم في الواقعيّات التي يتعلّق بها غير معقول؛ لكونه دورا ظاهرا، غاية الأمر رفع العقاب عن الجاهل بعد عدم التقصير؛ لعدم تحقّق مقتضيه، و هي المخالفة التي لا واقع لها إلّا بعد العلم.
فالاجتهاد و التقليد و غيرهما طرق إلى الواقع، و لا يترتّب على الطريق شي‏ء بعد كشف فساده على وجه منزّل منزلة العلم، و هي الأمارة الثانية- كما هو المفروض- مضافا إلى أنّ ذلك يقتضي القول بالإجزاء على تقدير كشف الفساد على‏
__________________________________________________
(1) إيضاح الفوائد 3: 102.
(2) القصص: 9.
(3) المسد: 4.
(4) لم يرد «و ذلك ظاهر» في «م» و «ع».
(5) في «ع» و «م»: «سابقه».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 163
وجه القطع، و لا فارق بينهما. و لعلّه لا ينبغي الالتزام به، و إن كان ممّن يقول بالإجزاء في مثل المقام على مقتضى القاعدة ليس بذلك البعيد.
و ليت شعري! كيف يعقل أن يقال: إنّ العصير العنبي الموجود بين أيدينا إنّما كان طاهرا قبل قيام الأمارة الثانية على نجاسته، فيحكم بطهارة ملاقيه قبل ذلك، و لكنّه نجس بعد قيام الأمارة فيجب الاجتناب «1» عنه و عن ملاقيه؟!
الرابع: استصحاب الآثار المترتّبة على ما قامت عليه الأمارة الثانية، من الطهارة و النجاسة و جواز الأكل و البيع و الوطء، فإنّ قبل قيامها كانت تلك الأحكام ثابتة، و لا يعلم تميّز بينهما بعد قيام الأمارة، فيجب «2» الحكم بالاستصحاب بعده.
و فساده ممّا لا يكاد يخفى على أوائل «3» العقول؛ إذ من المعلوم عدم ترتّب تلك الآثار بنفسها، بل إنّما كان ذلك «4» بواسطة قيام الأمارة الاولى، و المفروض ظهور فسادها بما هو منزّل منزلة العلم، فلا وجه للاستصحاب، و ذلك ظاهر في الغاية.
الخامس: أنّ الأخذ بالأمارة الثانية في الوقائع المترتّبة على الوقائع السابقة دون الأمارة الاولى ترجيح بلا مرجّح و تخصيص بدون ما يقضي به؛ فإنّ المفروض أنّ الأمارتين كلتاهما ظنّيتان، فلا يعلم بمطابقة إحداهما دون الاخرى للواقع، و لا وجه للأخذ بإحداهما دون الاخرى.
قال الشيخ الأجل كاشف الغطاء عن وجوه التحقيقات- بعد كلام له في المقام- ما لفظه: على أنّه لا رجحان للظنّ على الظنّ السابق حين ثبوته، انتهى «5».
__________________________________________________
(1) في «م» بدل «الاجتناب»: «الاحتياط».
(2) في «ع» بدل «فيجب»: «فينسحب».
(3) في «ع» و «م» بدل «أوائل»: «أهل».
(4) لم يرد «ذلك» في «م».
(5) كشف الغطاء 1: 217.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 164
قلت: و فساد هذا الوجه ممّا لا يكاد يخفى:
أمّا أوّلا: فلأنّ المفروض قيام الدليل على اعتبار الظنّ الثاني، و معنى اعتباره- على ما هو ظاهر تنزيله منزلة العلم- أنّه يجب الأخذ به على حسب كشفه عن الواقع، و من المعلوم عدم سقوط الواقع بمقتضى كشف الظنّ الثاني عن الواقع، فيجب الإتيان بما هو مسقط عنه عقلا و نقلا. فإن اريد من عدم الترجيح عدم دلالة الأمارة الثانية على فساد العمل الواقع أوّلا على حسب الأمارة الاولى فهو في غاية السقوط؛ فإنّ ذلك أمر قهريّ لازم من الظنّ بجزئيّة السورة. و إن اريد عدم دلالة دليل على اعتبار الظنّ بالنسبة إلى غير الواقعة الغير المرتبطة بسابقتها فقد عرفت فساده بما لا مزيد عليه.
و أمّا ثانيا: فلأنّه بعد فرض عدم الترجيح لأحد الظنّين على الآخر لا وجه للأخذ بالأمارة الاولى فيها أيضا.
لا يقال: إنّ ذلك طريق جمع بينهما.
لأنّا نقول: كلّا، بل ذلك طرح للأمارة الثانية، و لا قاضي بالجمع بعد كشف فساد الاولى بالثانية.
و بالجملة: فمطالبة الترجيح ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه؛ فإنّ ذلك إنّما يستقيم عند التعارض، و لا يعقل التعارض في المقام، سواء قلنا بأن الأمارات المعمولة في الأحكام مغيّرة للواقع أم لا نقول به. أمّا على الأوّل فهو ظاهر؛ إذ لا يعارض «1» بعد اختصاص كلّ منهما بموضوع لا يرتبط بموضوع الآخر. و أمّا على الثاني؛ فلأنّ قضيّة اعتبار الثاني فساد الأوّل، و لا تعارض بين الدليل و ما ليس بدليل.
و أمّا ما يمكن أن يكون وجها لخروج ما نحن بصدده عن القاعدة المقرّرة، فوجوه:
__________________________________________________
(1) كذا، و المناسب: «لا تعارض».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 165
أحدها: و هو عمدة ما يتمسّك به في عدم جواز الأخذ بالأمارة الثانية، من أنّ ذلك يوجب حرجا عظيما و يورث عسرا شديدا، و هو منفيّ في الشريعة السمحة السهلة.
و بيان اللزوم: أنّ من رأى طهارة الغسالة و جواز العقد بالفارسيّة و عدم وجوب السورة و عدم نشر الحرمة بعشر رضعات في أوائل بلوغه بواسطة تقليد أو اجتهاد، و عمل بتلك الوقائع في مدّة مديدة، فلم يجتنب عن الغسالة و صاحب مع ذلك جمعا كثيرا و جمّا غفيرا، و اشترى عقارا كثيرا بالعقود الفارسيّة، و صلّى جميع دهره بلا سورة، و عقد على المرتضعة المذكورة أو مرضعتها، ثمّ بدا له- باجتهاد أو تقليد- نجاسة الغسالة و فساد العقود الفارسيّة و وجوب السورة و نشر الحرمة، إلى غير ذلك من الأحكام في الموارد المختلفة، لو وجب عليه النقض بالنسبة إلى تلك الآثار، كأن يجب عليه قضاء الصلاة التي صلّى مع عدم الاجتناب عن الغسالة، و تطهير ثيابه و غيرها من عقاره و منقوله، و يكون أملاكه معزولة عنه، و المرأة بائنة عنه من دون طلاق، إلى غير ذلك، كان ذلك عسرا شديدا و حرجا أكيدا يقطع بنفيه في هذه الشريعة.
و الجواب عن ذلك- بعد النقض بصورة العلم بالخلاف فإنّه يجب حينئذ نقض الآثار السابقة قطعا، و ما «1» لو وقع الأعمال السابقة منه على وجه النسيان فإنّ بعد التذكّر لا ينبغي الإشكال في وجوب الأخذ بما يراه طريقا، و لزوم نقض الأحكام التي رتّبها على المنسيّ فيه حال النسيان، كما لو نسي نجاسة الشي‏ء الفلاني أو أوجد عقدا فارسيّا بواسطة نسيانه فساده، فإنّه يجب الأخذ بأحكام النجاسة و عدم الملك و نحو ذلك-: بأنّ الحرج قد يكون شخصيّا فيدور سقوط التكليف مدار ثبوته، و قد
__________________________________________________
(1) في «ع» و «ط» بدل «و ما»: «بما».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 166
يكون نوعيّا، كأن يكون تشريع الحكم عسرا في الغالب على الغالب، فلا يكون سقوطه دائرا مدار ثبوته في شخص الواقعة.
فإن اريد من لزوم الحرج لزومه في شخص بعض الوقائع لبعض الأشخاص، فذلك لا يقضي بالقول بالإجزاء و عدم النقض على وجه الاطّراد؛ فإنّ بعض الوقائع- لو لم نقل بأكثرها- ممّا لا يوجب ذلك، كما إذا عمل بالأمارة وقت الفريضة فصلّى بلا سورة ثمّ اطّلع في الوقت على أمارة اخرى دالّة على وجوبها، فإنّه لا ريب في عدم الحرج في إعادة صلاة واحدة.
و إن اريد منه الحرج الغالبي:
فلا نسلّم ثبوته أوّلا.
و لا دليل على اعتبار الحرج الغالبي في نفي الأحكام ثانيا.
أمّا بيان الثاني فتفصيله موكول إلى غير المقام- كما أومأنا إليه في الشبهة المحصورة- و ملخّصه هنا: أنّ الأدلّة الدالّة على رفع العسر و الحرج يستفاد من ظاهر ما هي العمدة منها إناطة الرفع بوجود العسر و الحرج وجودا و عدما، فيكون العسر من قبيل العلّة دون الحكمة، و إن كان قد يستأنس لكونه من قبيل الحكمة ببعض الآثار الواردة فيه التي مضمونها: أنّ التكاليف وضعت على حسب أقلّ الناس طاقة «1»، إلّا أنّ الإنصاف أنّه لا وجه لجعل مثل هذه الآثار حاكمة على الأدلّة الواقعيّة في غير مورد العسر و الحرج.
و أما بيان الأوّل ففي غاية الظهور؛ إذ لا إشكال في أنّ القول بالنقض لا يوجب العسر على الغالب.
و توضيحه: أنّ موارد الرجوع و ظهور الخلاف على قسمين: فتارة
__________________________________________________
(1) في «ع» بدل «طاقة»: «طاعة».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 167
يكون الرجوع من الأحوط إلى غيره، كما إذا رجع المفتي بنجاسة الغسالة إلى الإفتاء بطهارتها.
و اخرى يكون الرجوع من غير الأحوط إلى الأحوط، كما إذا رجع القائل بالطهارة إلى النجاسة.
و القسم الثاني أيضا على قسمين: فتارة يكون العمل مطابقا للاحتياط، و اخرى يكون مخالفا للاحتياط. و القسم الثاني أيضا ينقسم إلى قسمين؛ إذ العمل به إمّا أن يكون على وجه الاجتهاد أو التقليد.
لا ينبغي التأمّل في عدم لزوم الحرج فيما إذا رجع عن الاحتياط إلى غيره، و فيما إذا رجع عن غيره إليه مع العمل بالاحتياط، و فيما إذا عمل بغير الاحتياط على وجه التقليد مع إمكان العمل بقول من يطابق رأيه رأي المفتي بخلاف الاحتياط، فينحصر فيما إذا رجع عن غير الاحتياط إلى الاحتياط مع العمل بخلافه مع كونه مجتهدا، أو «1» انحصار المجتهد في القائل بالنجاسة بالنسبة إلى المقلّد.
و هذا أيضا على قسمين؛ لأنّ العمل به قد يكون في زمان قليل و قد يكون في مدّة طويلة، و القول بالنقض في الأوّل لا يوجب عسرا و حرجا جدّا، و في الثاني على تقدير استلزامه فهو قليل في الغاية، و هو لا يستلزم رفع الحكم عن جميع الموارد التي لا يوجب الحرج؛ كيف! و لو لا ذلك لكان أكثر الأحكام الثابتة في الشريعة منفيّة؛ إذ ما من حكم منها إلّا و يمكن فرض استلزامه في بعض الصور و الفروض عسرا، كما يلاحظ في الوضوء و الصلاة و الحجّ و الزكاة و نحوها.
و بالجملة: فالقول بأنّ عدم الإجزاء و النقض يلازم الحرج الغالبي على غالب الناس، فيه منع قوي، بل التحقيق أنّ التعويل على عموم نفي‏
__________________________________________________
(1) في «ط» بدل «أو»: «إذ».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 168
الحرج في الموارد التي يتحقّق فيها الحرج شخصا «1» من دون أن يكون موردا لعمل الأصحاب في غاية الإشكال.
الثاني من الوجوه: جريان السيرة على عدم النقض.
و مخالفته للواقع يظهر ممّا مرّ: من ندرة الوقوع، فإنّ ما هو المعلوم بحسب السيرة هو الأخذ بالوقائع السابقة و عدم ترتّب آثار خلافها، و هو أعمّ من المدّعى من وجوه شتّى، فإنّ ذلك ربّما يكون بواسطة عدم الرجوع، و على تقديره فربّما لا يكون من موارد النقض، و على تقديره فربّما لا يكون العمل مطابقا للمنقوض، و على تقديره فربّما ينتقل من تقليده إلى تقليد موافق للأوّل. و في مورد الانحصار أو رجوع المجتهد لا نسلّم جري السيرة على عدم النقض، بل الظاهر جريانها على النقض.
هذا، مضافا إلى ندرة تحقّق الرجوع لا سيّما بالنسبة إلى أرباب الأنظار الصائبة التي تعسر اجتهادهم، فإنّ العلّامة- رحمه اللّه- مع اشتهاره باختلاف الفتاوى في كتبه ممّا لا سبيل إلى اثبات الرجوع في فتاويه المختلفة على الوجه المذكور.
الثالث: أنّ ذلك يوجب رفع الوثوق و الهرج و المرج.
و فيه: أنّه إن اريد بذلك ما يكون رجوعه إلى قاعدة اللطف الواجب على الحكيم في مقام التشريع، فهو يوجب القول بالعصمة. و إن اريد ما هو أهون من ذلك، فهو وجه استحسانيّ لا نقول به مطلقا، و لا سيّما في قبال الأدلّة الواقعيّة القاضية بالإعادة و القضاء.
و منه يظهر الوجه في فساد ما قد يوجد في كلمات الشيخ الأجل كاشف الغطاء «2»: من خلوّ الخطب و المواعظ عن ذلك؛ فإنّ ذلك لا يرجع إلى دليل.
__________________________________________________
(1) في «م»: «شخصيّا».
(2) كشف الغطاء 1: 217.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 169
الرابع: ما يظهر من البعض «1»، من دعوى كونه ظاهر المذهب، بل قد ادّعى بعض من لا تحقيق له «2» الإجماع بل الضرورة.
و فيه- مع كونه معارضا بدعوى الإجماع من العميدي «3» و العلّامة «4» على خلافه-: أنّ ذلك ممّا لا سبيل إلى إثباته، بل المتتبّع الماهر في مطاوي كلماتهم يظهر له بطلان الدعوى المذكورة؛ إذ لم نجد فيما وصلنا من كلمات المتقدّمين و المتأخّرين ما يلوح منه الحكم بعدم النقض، بل يظهر من جملة من الفتاوى في نظير المقام خلاف ذلك، كما ستطّلع عليه «5»، مثل ما إذا اقتدى القائل بوجوب السورة بمن لا يرى ذلك مع غلبة «6» تركها منه، إلى غير ذلك.
و بالجملة: فعلى تقدير كون الطرق الظاهريّة طرقا إلى الواقع لا وجه للقول بالإجزاء إلّا بواسطة دليل خارج، و قد عرفت انتفاء ما يصلح لذلك.
و في المقام وجوه من التفصيل لا بأس بإيرادها:
فمنها: ما زعمه بعض الأجلّة في الفصول، قال:
«إن كانت الواقعة ممّا يتعيّن في وقوعها شرعا أخذها بمقتضى الفتوى فالظاهر بقاؤها على مقتضاها السابق، فيترتّب عليه لوازمها بعد الرجوع؛ إذ الواقعة الواحدة لا تحتمل اجتهادين و لو بحسب زمانين؛ لعدم دليل عليه؛ و لئلّا يفضي إلى العسر و الحرج المنفيّين عن الشريعة السمحة، لعدم وقوف المجتهد غالبا
__________________________________________________
(1) هداية المسترشدين 3: 711.
(2) في «م» بدل «من لا تحقيق له»: «المحقّقين عليه».
(3) منية اللبيب: 364.
(4) نهاية الوصول: 440.
(5) انظر الصفحة 189- 190.
(6) في «ط» بدل «غلبة»: «علمه».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 170
على رأي واحد، فيؤدّي إلى الاختلاف «1» فيما يبني فيه عليها «2» من الأعمال؛ و لئلّا يرتفع الوثوق في العمل، من حيث إنّ الرجوع في حقّه محتمل، و هو مناف للحكمة الداعية إلى تشريع حكم الاجتهاد.
و لا يعارض ذلك بصورة القطع؛ لندرته و شذوذه؛ و لأصالة بقاء آثار الواقعة، إذ لا ريب في ثبوتها قبل الرجوع بالاجتهاد و لا قطع بارتفاعها بعده؛ إذ لا دليل على تأثير الاجتهاد المتأخّر فيها، فإنّ القدر الثابت من أدلّته جواز الاعتماد عليه بالنسبة إلى غير ذلك، فيستصحب.
و أمّا عدم جريان الأصل بالنسبة إلى نفس الحكم- حيث لا يستصحب بالنسبة إلى الموارد المتأخّرة عن زمن الرجوع- فلمصادمة الإجماع، مع اختصاص مورد الاستصحاب- على ما حقّقناه- بما يكون قضيّته البقاء على تقدير عدم طروّ المانع، و ليس بقاؤه بعد الرجوع منه؛ لأنّ الشكّ فيه في تحقّق المقتضي، فإنّ العلّة في الثبوت الظن، فأصالة بقاء الحكم يعارضه أصالة عدم علّة اخرى، و القول بأنّ العلّة في المقام إعداديّة و ربّما يستغنى عن العلل الإعدادية في البقاء، غير مجد؛ لأنّ الأصل بقاء الحاجة. و لا يتوجّه مثله في استصحاب بقاء الآثار؛ فإنّ المقتضي لبقائها حينئذ متحقّق، و هو وقوع الواقعة على الوجه الذي ثبت كونه مقتضيا لاستتباع آثارها، و إنّما الشكّ في مانعيّة الرجوع.
و بالجملة: فحكم رجوع المجتهد من الفتوى حكم النسخ من حيث بقاء آثار موارده المتقدّمة، فلو بنى على عدم جزئيّة شي‏ء للعبادة و عدم شرطيّته، فأتى بها على الوجه الذي بنى عليه ثمّ رجع، بنى على صحّة ما أتى به، حتّى أنّها لو كانت صلاة و بنى فيها على عدم وجوب السورة ثمّ رجع بعد تجاوز المحل بنى على صحّتها
__________________________________________________
(1) في المصدر: «الاختلال».
(2) في «م»: «عليه».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 171
من جهة ذلك، أو بنى على صحّتها في شعر الأرانب ثمّ رجع و لو في الأثناء إذا نزعها «1» قبل الرجوع، و كذا لو بنى على طهارة شي‏ء ثمّ صلّى في ملاقيه «2» و رجع و لو الأثناء، فلا يلزمه الاستئناف.
و كذلك الأمر في بقيّة مباحث العبادات و سائر مسائل العقود، فلو عقد بصيغة يرى صحّتها ثمّ رجع بنى على صحّتها و استصحاب أحكامها، من بقاء الملكيّة و الزوجيّة و البينونة و الحريّة و غير ذلك.
و من هذا الباب حكم الحاكم، فالظاهر أنّ عدم انتقاضه موضع و فاق.
و لا فرق بين بقاء حكم فتواه التي فرّع عليه الحكم و عدمه.
فمن الأوّل: ما لو ترافع إليه المتعاقدان بالفارسيّة في النكاح فحكم بالزوجيّة، أو في البيع فحكم بالنقل و الملكيّة، فإنّ حكم فتواه التي يتفرّع عليها الحكم- و هي صحّة هذا العقد- يبقى بعد الرجوع.
و من الثاني: ما لو اشترى أحد المتعاقدين لحم حيوان بقول الحاكم بحلّيته، فترافعا إليه فحكم بصحّة العقد و انتقال المثمن إلى المشتري، ثمّ رجع إلى القول بالتحريم، فإنّ الحكم بصحة العقد و انتقال الثمن إلى البائع يبقى بحاله، و لا يبقى الحكم بحلّيته في حق المشتري بحاله، و هكذا.
و قد يتخيّل: أنّ الحاكم إذا حكم بطهارة «3» ماء قليل لاقاه النجاسة- أو ما أشبه ذلك من الأحكام- ثمّ رجع، لم ينتقض حكمه بالطهارة بالنسبة إلى ذلك الماء؛ للإجماع على أن الحكم لا ينتقض بالرجوع.
__________________________________________________
(1) في «ع» و «م» بدل «إذا نزعها»: «أو انتزعها».
(2) كذا في «ق»، و في سائر النسخ و المصدر: «ملاقيها»، و هو سهو لرجوع الضمير إلى «شي‏ء».
(3) كذا في المصدر، و في النسخ: «بنجاسة» و هو سهو.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 172
و هو غير جيّد؛ لأنّ المراد بالحكم هناك ما يتعلّق بالدعاوى و المرافعات، و لهذا لا يلزم متابعته في الحكم بالطهارة.
و لو كانت الواقعة ممّا لا يتعيّن «1» أخذها بمقتضى الفتوى فالظاهر تغيّر الحكم بتغيّر الاجتهاد؛ كما لو بنى على حلّية حيوان فذكّاه ثمّ رجع، بنى على تحريم المذكّى منه و غيره «2». أو على طهارة شي‏ء- كعرق الجنب من الحرام- فلاقاه ثمّ رجع، بنى على نجاسته و نجاسة ملاقيه قبل الرجوع و بعده. أو على عدم تحريم الرضعات العشر فتزوّج من أرضعته ذلك ثمّ رجع، بنى على تحريمها؛ لأنّ ذلك كلّه رجوع عن حكم الموضوع، و هو لا يثبت بالاجتهاد على الإطلاق، بل ما دام باقيا على اجتهاده، فإذا رجع ارتفع، كما يظهر من تنظير ذلك بالنسخ.
و أمّا الأفعال المتعلّقة بالموضوع المتفرّعة على الاجتهاد «3»، فهي في الحقيقة إمّا من مشخّصات عنوان الموضوع- كالملاقاة- أو من المتفرّعات على حكم الموضوع- كالتذكية و العقد- فلا أثر فيها «4» في بقاء حكم الموضوع» «5».
ثمّ أطال في دفع ما استدلّ به على عدم النقض في القسم الأوّل بجملة من الإيرادات المذكورة فيما سبق.
و لعمري، إنّ التفصيل المذكور ممّا لا يرجع إلى معنى معقول؛ فإنّا و إن بالغنا في التأمّل في كلامه لم نجد له معنى محصّلا على وجه ينطبق عليه الأمثلة المذكورة في الموردين.
__________________________________________________
(1) كذا في المصدر، و في النسخ بدل «لا يتعيّن»: «لا ينتقض».
(2) في «م»: أو غيره.
(3) في المصدر زيادة: «السابق».
(4) في المصدر بدل «فيها»: «لها».
(5) الفصول: 409- 410.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 173
و لعلّ مراده رحمه اللّه على ما يظهر من تفسير «1» القسمين مع قطع النظر عن الأمثلة- أنّ الوقائع على قسمين:
قسم: يتعيّن فيه الأخذ بمقتضى الاجتهاد و التقليد على وجه لو وقع من العامل التارك للطريقين لا يقع صحيحا، سواء كان العمل مطابقا للواقع أم لا.
و قسم: يعتبر فيه مطابقة الواقع و لا يلاحظ فيه الاجتهاد و التقليد على وجه لو صدر من الجاهل نقول بصحّته فيما لو طابق الواقع.
ففي القسم الأوّل لا نقض؛ إذ المقتضي للصحّة- و هو وقوع الواقعة على طبق الاجتهاد و التقليد- واقع، و لا مدخل للواقع في ذلك، فيكون من قبيل النسخ من حيث ارتفاع حكم المنسوخ عن الموارد المتأخّرة دون المتقدّمة.
و أمّا في القسم الثاني فلمّا كان المدار على الواقع «2» و إنّما يكون الاجتهاد طريقا إليه- لو وقع الفعل على طبق الاجتهاد- كان الحكم بالنقض في محلّه.
و لو فرض أنّ مراده هو ما ذكرناه، ففيه أنّه:
إن اريد من اعتبار وقوع الواقعة على وجه الاجتهاد أن يكون الاجتهاد موضوعا لثبوت الأحكام المترتّبة عليه، من صحّة الصلاة و الزوجيّة و البينونة و الحرّية و الرقّية و الملكيّة و نحوها- كما كنّا نقول به فيمن علم بنجاسة ثوبه بين الصلاة بالنسبة إلى العلم- فهو القول بالتصويب؛ إذ لا واقع في البين حينئذ.
و إن اريد من اعتبار وقوع الواقعة بمقتضى الفتوى أن يكون وقوعها صحيحة في الخارج متوقّفا على الأخذ بالاجتهاد و الفتوى- و لازمه وجود الواقع إلّا أنّ‏
__________________________________________________
(1) في «ط»، «ق» و «م» بدل «تفسير»: «نفس».
(2) في «ع» زيادة: «دائما».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 174
الطريق إليه لا بدّ و أن يكون الاجتهاد- فهذا خلاف الإجماع على ما حكي أوّلا بالنسبة إلى بعض الأحكام، كما في المعاملات، فإنّها من قبيل الأسباب التي لا مدخل للاجتهاد و التقليد في صحّتها، فلو أوقع المكلّف بيعا مشتملا على جميع ما يعتبر فيه من دون اجتهاد أو تقليد، فالحقّ هو الصحّة.
و لعلّ المفصّل المذكور- أيضا- مذعن بالصحّة في غير المقام.
بل التحقيق- على ما بسطنا فيه الكلام في محلّه-: أنّ المدار في جميع الأحكام هو وقوعها مطابقة للواقع- سواء كانت عبادة أو معاملة- و لا مدخل للاجتهاد و التقليد فيها بعد إحراز مطابقتها للواقع.
سلّمنا أنّ الاجتهاد ممّا يؤثّر في صحة العمل، و لكنّه ما الفرق بين القسمين، حتى أنّه التزم بعدم النقض في الأوّل و به في الثاني؟ إذ لا مائز بينهما في الواقع.
سلّمنا وجود المائز بينهما، و لكن اشتراط صحّة العمل بوقوعه على طبق الاجتهاد لا يلازمه عدم النقض؛ إذ المفروض عدم كون الاجتهاد موضوعا صرفا، على وجه يكون الواقع غير ملحوظ فيما وقع على طبق الاجتهاد. نعم، غاية ما يلزم من ذلك فساد العمل على تقدير المخالفة و إن طابق الواقع، و أين ذلك من الحكم بالصحّة و عدم النقض بعد الكشف بفساد الاجتهاد على وجه معتبر؟
ثمّ إنّ ما استند إليه في القول بعدم النقض في القسم الأوّل من الوجوه المذكورة، قد عرفت أنّها لا ينبغي أن يعوّل عليها في قبال ما ذكرنا من القاعدة القاضية بالنقض.
و أمّا ما «1» فصّله بين استصحاب الحكم و استصحاب الآثار المترتّبة على الاجتهاد الأوّل، فزعم عدم جريانه في الأوّل و جريانه في الثاني، فهو ممّا لا يقضي‏
__________________________________________________
(1) لم يرد «ما» في «ط» و «م».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 175
به فاضل؛ فإنّ جواز التصرّف في المثمن بواسطة وقوع العقد الفارسي أو جواز وطي المعقودة أو جواز بيع المملوك- و نحوها من الأحكام التي يتفرّع على موضوعاتها- بواسطة الظنّ المعتبر عند العامل القائم على وجود تلك الموضوعات المستتبعة لتلك الآثار؛ إذ لا ريب في أنّها أحكام ظاهريّة من حيث وقوع الظنّ واسطة فيها، و بعد انتفاء الواسطة لا معنى لاستصحاب تلك الأحكام، كما اعترف به في نفس الحكم.
و أمّا ما زعمه: من أنّ تلك الآثار من مقتضيات وقوع الواقعة على الوجه الذي ثبت كونه مقتضيا لاستتباع آثارها، فلم نعرف له وجها؛ فإنّ ذلك الوقوع من مقتضيات الظن، و بعد ارتفاعه لا وجه لاستصحاب مقتضاه؛ من جهة ارتفاع الموضوع، لا من جهة الشك في المقتضي.
و احتمال وجود موضوع آخر لتلك الآثار- بعد كونه غير معقول أصلا؛ إذ ليس ذلك من الاستصحاب في شي‏ء أصلا- مدفوع بأصالة العدم، مع أنّه جار في نفس الحكم أيضا، كما تفطّن إليه و دفعه بمثل ما ذكرنا.
و أمّا ما أفاده إجمالا بقوله: «و بالجملة فحكم رجوع المجتهد حكم النسخ» ففيه: أنّه من سخيف القول؛ إذ الناسخ إنّما يكشف عن فساد الحكم من حينه، و لو فرض مدلول الناسخ مثل ما نحن فيه- من كشفه عن فساد العمل على الوجه «1» الواقع قبل حدوث النسخ- كان الوجه في النسخ أيضا لزوم «2» النقض. اللّهم إلّا بالقول بعدم اعتبار تلك الأمارة بالنسبة إلى الوقائع المتقدّمة، و قد عرفت دفعه بما لا مزيد عليه.
و من هنا يظهر فساد ما قد يتوهّم: من أنّه إذا أثّر السبب في إيجاد المسبّب فلا وجه لتعطيل الأحكام المترتّبة على المسبّب بعد ارتفاع حكم السبب، نظرا إلى أنّ‏
__________________________________________________
(1) في «ع» بدل «على الوجه»: «في».
(2) لم يرد «لزوم» في «ع».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 176
ذلك إنّما يقضي بعدم تأثيره في إيجاد مسبّب آخر، و لا مدخل فيه بالنسبة إلى آثار المسبّب الأوّل، نظير ما «1» لو صار الوكيل معزولا، فإنّ تصرفاته قبل العزل ماضية و إن لم يجز له التصرّف بعد العزل.
وجه الفساد: أنّ ذلك يتمّ في الأسباب الواقعيّة الموجودة حقيقة على وجه صحيح، كما في مثال الوكالة. و أمّا لو فرض فساد الوكالة عن أصلها، فلا يعقل القول بإمضاء تصرّفاته. و ما نحن بصدده من هذا القبيل، كما هو ظاهر على من ألقى السمع و هو شهيد.
هذا كلّه مضافا إلى أنّ الوجه المذكور لو تمّ، لكان مقتضاه عدم النقض في صورة القطع بالخلاف؛ فإنّ المقتضي للصحّة- و هو وقوع الواقعة بمقتضى الفتوى- موجود فيه. و نحن لا نجد فارقا بين القطع بالخلاف و الظنّ المعتبر القائم على خلاف العمل الواقع أوّلا.
و أمّا اعتذاره عن ذلك بندرة وقوعه فهو لا ينبغي أن يصغى إليه؛ لأنّ ندرة الوقوع لا ينافي جواز استصحاب الأحكام الثابتة للحكم السابق، غاية ما في الباب أنّ التعليل المذكور إنّما يدفع عدم الوثوق، و أمّا الحرج فهو أيضا ممّا لا مدخل لندرة الوقوع و كثرته فيه، كما لا يخفى.
و يحتمل قريبا- بقرينة قوله أخيرا: «و أمّا الأفعال المتعلّقة بالموضوع المتفرّعة على الاجتهاد» و غير ذلك ممّا يومي إليه- أن يكون مراده رحمه اللّه هو التفصيل الذي ذكره بعض آخر «2»، حيث جعل المسائل الاجتهاديّة- معامليّا كانت أو عباديّا- على قسمين:
__________________________________________________
(1) كذا في نسخة بدل «ط»، و في سائر النسخ بدل «نظير ما»: «كما يظهر بما»، و في «ع»:
«كما يظهر ممّا».
(2) لم نقف عليه.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 177
أحدهما: ما هو من قبيل الإنشاءات التي لم يتصرّف فيها الشارع إلّا بالأمر بإمضائها و ترتيب الآثار المطلوبة من متعلّقاتها عليها بعد صدورها و حدوثها، أو النهي عن ذلك فلا يترتّب عليها ما هو المقصود منها، كالعقود و الإيقاعات: من البيع و النكاح و الطلاق و غيرها، فإنّ الشارع إنّما أمضى في تلك الأسباب ما هو المعهود بين العرف من آثارها.
و ثانيهما: ما لا يكون كذلك، كسائر الامور ما عدا الآثار الحاصلة من العقود و الإيقاعات، فإنّه من قبيل الأحكام المجعولة من الشارع المقدّس في موضوعات خاصة و متعلّقات مخصوصة، كالطهارة المعلّقة على الموضوعات الطاهرة، و النجاسة الثابتة للأعيان النجسة، و حلّية الأكل في الذبيحة و نحوها.
و لا ريب أنّ الأحكام المتعلّقة بتلك الموضوعات- وضعية أو تكليفية- إنّما هي أحكام جعليّة شرعيّة قرّرها الشارع لتلك الموضوعات، فتكون منوطة بالاجتهاد الذي هو الطريق إليها، فإذا رأى طهارة العصير العنبي بالاجتهاد فلا بدّ من إجراء حكمها عليه، و إذا بدا له نجاسته فيجب إجراء حكمها عليه في الوقائع السابقة أيضا، و كذا لو بنى على كفاية قطع الحلقوم في التذكية و عمل بها ثمّ بدا له حرمة الذبيحة المعهودة فلا بدّ من البناء على الحرمة و النجاسة من أوّل الأمر.
و ذلك بخلاف القسم الأوّل، فإنّه يؤخذ فيه بالنسبة إلى موارد وجود تلك الأسباب فيها بمقتضيات تلك الأسباب فيها، فلو عقد على المرضعة عشر رضعات بناء على اجتهاده أو تقليده، ثمّ عدل عن ذلك و ظنّ حرمتها، لم يجز له العقد على مثلها و إن لم يؤثّر في العقد السابق و صحّ نكاحها «1».
و الوجه في هذا التفصيل- الراجع حقيقة إلى التفصيل بين الإنشائيّات‏
__________________________________________________
(1) انتهى التفصيل.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 178
و غيرها- هو: أنّ الأثر الحاصل منها ممّا يكفي في الحكم بوجوده وقوعها على وجه الإمضاء الشرعي، و المفروض هو الوقوع بحسب الاجتهاد الأوّل، فلا يؤثّر في ارتفاعها إلّا ما قرّره الشارع رافعا لها، كالفسخ في البيع و الطلاق في النكاح. و ليس من الرافع تبدّل الاجتهاد، فالأصل قاض ببقاء الآثار المترتّبة عليها، كما في البيع الصادر من الوكيل بعد انعزاله.
و أمّا النقض في غير الإنشائيّات، فلأنّه ليس هناك آثار حاصلة كما في البيع و نحوه، بل إنّما هي أحكام شرعيّة تابعة في مواردها للاجتهاد و التقليد و غيرهما من الطرق الشرعيّة، فتبقى ببقائها و ترتفع بارتفاعها.
فحاصل التفصيل: أنّ الامور الراجعة إلى إمضاء الشارع، من الأسباب الواقعيّة المعمولة عندهم «1»، لا وجه للنقض فيها؛ فإنّ تلك الأسباب غير محتاجة في التأثير إلى حكم، و إنّما يكفيها مجرّد إمضاء الشارع و لو في وقت ما. و أمّا غيرها ممّا هو راجع إلى جعل الأحكام لموضوعات خاصّة خارجيّة- كحلّية الذبيحة و طهارة الغسالة و نجاسة الثوب المتنجّس بالبول المغسول مرّة بالكرّ و نحوها- فالوجه فيه النقض.
و هذا التفصيل- على تقدير انطباقه بكلامه أيضا- ممّا لا وجه له، مع أنّ الأمثلة التي أوردها في القسمين ممّا لا يلائم ذلك.
و بالجملة: فلا نزاع لنا في ما وافقنا من الحكم بالنقض و إن لم يظهر لنا وجه ذلك منه.
و أمّا فيما زعم عدم النقض فيه، فيرد عليه: أنّ الأحكام الشرعية بأسرها- سواء كانت من قبيل الإنشائيّات التي تعلّقت بموضوعات خاصّة، كما في الأحكام التكليفيّة، كوجوب الإتيان بالصلاة، و حرمة شرب العصير، و وجوب الوفاء بالنذر
__________________________________________________
(1) لم يرد «عندهم» في «ع».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 179
و العقد و الشرط، و وجوب ردّ العوضين عند تحقّق ما يوجب حلّ العقد، و نحوها ممّا لا حصر لها، أو كانت من الإخبار بوقوع امور واقعية، على مسامحة في إطلاق الحكم الشرعي على هذه الأخبار على الوجه المصطلح كما فصّلناه في محلّه، كنجاسة الملاقي للنجاسة، و كخباثة «1» المنبعثة من الجنابة، و مثل تحقّق ملك الخيار غير الاشتراط و ملك الثمن و المثمن عند جريان العقد، و نحوها- امور واقعية لا سبيل لنا إليها إلّا بواسطة الإدراكات التي منها الاجتهاد و التقليد. و لا يعقل تأثير تلك الواسطة فيما توصّلنا إليه. و على تقديره فلا فرق بين المطالب التي تجعل تلك الإدراكات واسطة في نيل المدرك إليها. و على التقديرين لا وجه للتفصيل المذكور.
و أمّا ما زعمه: من الفرق بين الأسباب الواقعيّة «2» التي لا يلحقها إلّا إمضاء الشارع و بين غيرها، فممّا لا يجدي شيئا؛ فإنّ الكلام إنما هو في إمضاء الشارع و لو آناً ما، فإنّ المفروض انكشاف فساد الأمارة الاولى بالأمارة الثانية. نعم، لو قيل بأنّ اعتقاد الإمضاء إنّما يقوم مقام الإمضاء حقيقة، في الحكم بوجود المعتقد، كان ذلك هو الوجه، إلّا أنّه كما ترى!
و ربّما يفصّل بين مطلق الأسباب- سواء كانت عرفيّة كما في الإنشاءات أو شرعيّة كالغسل و التذكية و الطهارة «3» و الحلّية- و بين غيرها، مثل الأحكام التكليفيّة الصرفة، فيقال بعدم النقض في الأوّل و به في الثاني.
و يفارق التفصيل المتقدّم بأنّ موارد النقض في الأوّل أكثر منه، حيث إنّ عدمه كان مختصّا بالأسباب العرفيّة فقط بخلافه، فإنّه يشمل الأسباب الشرعيّة أيضا.
__________________________________________________
(1) كذا، و المناسب: «كالخباثة».
(2) لم يرد «الواقعيّة» في «ع».
(3) في «ط» و «ع» بدل «و الطهارة»: «للطهارة».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 180
و كيف كان، فالدليل عليه: أنّ كلّ ما تعلّق الاجتهاد على سببيّة شي‏ء- كالبيع للملك، أو الغسلة الواحدة للطهارة، أو الذبح للتذكية، أو غير ذلك- ثمّ أوجد المكلّف ذلك السبب في الخارج على حسب الاجتهاد أو أحد الطرق الشرعيّة، فقد وقع ذلك السبب في الخارج من أهله في محلّه، و لا وجه لارتفاع أثره إلّا بما جعله الشارع رافعا له، من الإقالة و الفسخ و حدوث النجاسة و نحوها، و ليس تبدّل الاجتهاد منه. بخلاف الأحكام التكليفيّة الصرفة، فإنّها منوطة بالاجتهاد و التقليد، و يختلف باختلافهما.
و ملخّص الفرق، هو: أنّ مرجع النقض في القسم الأوّل إلى نقض الآثار الحاصلة في الخارج بواسطة وجود السبب القاضي بوجودها على حسب الاجتهاد الأوّل، و مرجع النقض في القسم الثاني إلى رفع الأحكام الثابتة بالاجتهاد و التقليد.
و من هنا يمكن أن يقال: إنّه ليس بنقض في الحقيقة؛ إذ ليس في المقام ما من شأنه البقاء، مثل الآثار الحاصلة من الأسباب العرفيّة أو الشرعيّة؛ و إنّما يسمى نقضا إذا لوحظ كلّي «1» الواقعة، لاختلاف أحكام أفرادها في زمانين، و لا ريب أنّ الحكم بوجوب الاجتناب عن العصير بواسطة الاجتهاد في زمان لا يناقض الحكم بطهارته في زمان آخر. و قد عرفت ما لا حاجة معه إلى إطالة الكلام في النقض و الإبرام.
و من أجود «2» طرق التفصيل ما سلكه بعض أفاضل المتأخّرين في مناهجه، حيث قال: «اعلم أنّ جميع العقود و الإيقاعات بل كلّ ما جعله الشارع المقدّس سببا أو شرطا أو مانعا- ممّا وقع فيه الخلاف- لها حقائق نفس أمريّة واقعيّة هي ما
__________________________________________________
(1) لم يرد «كلّي» في «ع».
(2) لم يرد «أجود» في «ع» و «م».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 181
قرّره الشارع أوّلا، و حقائق ظاهريّة و هي ما يظنّه المجتهد أنّه ما وضعه الشارع، و هي قد تطابق الواقعيّة و قد تخالفها، و لمّا لم يكن لنا سبيل إلى الحقائق الواقعيّة، و لا تكليف فوق الوسع، فالسبب و الشرط و المانع و أمثالها لنا هي هذه الحقائق الظاهريّة.
و من البديهيّات التي انعقد عليها الإجماع بل الضرورة: أنّ ترتّب الآثار على هذه الحقائق الظاهريّة يختلف بالنسبة إلى الأشخاص، فقد يترتّب الأثر بالنسبة إلى شخص و لا يترتّب عليه بالنسبة إلى آخر، كما أنّ ملاقات النجاسة سبب لنجاسة الماء القليل عند القائل بها، و ليست سببا عند آخر، و لا شكّ أنّ القليل الملاقي نجس للأوّل و طاهر للثاني. و كذا قطع الحلقوم فقط سبب لحلّية الذبيحة بالنسبة إلى مجتهد دون آخر. و كذا إيقاع العقد بالفارسيّة- مثلا- سبب للانتقال عند مجتهد دون آخر.
و لم يقل أحد بأنّ كلّ ما هو سبب عند مجتهد و في نظره أو شرط يجب أن يكون كذلك عند كلّ الناس، بل مقتضى الأصل أيضا العدم، فلا يترتّب الأثر إلّا فيما دلّ الدليل عليه، و هو في حقّ من ظنّه كذلك خاصّة.
و من هذا يظهر: أنّ ترتّب الآثار على العقود الظاهريّة و أمثالها ليس من اللوازم الواقعيّة التي لا يتخلّف عنها البتّة.
نعم، القدر الثابت أنّها من اللوازم بالنسبة إلى مجتهد يعلمها كذلك أو مقلّده، و لذا يبنى على الصحّة في حقّهما و يترتّب عليهما الآثار بالنسبة إليهما، بل بالنسبة إلى مجتهد آخر إذا وقع عن المجتهد الأوّل و مقلّده و كان أثرا مترتّبا على ترتّب الآثار بالنسبة إلى المجتهد الأوّل و مقلّده، كما مرّ مفصّلا.
و أما ترتيب الآثار بالنسبة إلى كلّ مجتهد و مقلّده فكلّا؛ إذ لم يقل أحد بأنّ المجتهد الذي لا يكتفي بالفارسيّة إذا أتى بها يترتّب عليه الأثر بالنسبة إليه «1».
__________________________________________________
(1) مناهج الأحكام: 309.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 182
و ما ذكرنا من نقل كلامه هذا إنّما هو توطئة لنقل كلام آخر له في تحقيق المقام، حيث قال: «فنقول- و منه جلّ شأنه التوفيق-: إذا استقرّ رأي المجتهد في زمان على فتوى و عمل نفسه و مقلّده «1»، ثم تجدّد رأيه، فنقض الاولى في الزمان الثاني يتصوّر على وجوه:
الأوّل: إبطالها من رأس و الحكم بعدم «2» حكم اللّه فيما مضى، و الحاصل جعلها لاغية بالمرّة حتّى في الزمان المتقدّم، مثلا إذا أفتى أوّلا بكون استتار القرص مبدأ الليل، ثمّ استقرّ رأيه بأنّه زوال الحمرة، يحكم بقضاء الصوم الذي أفطر قبل الزوال.
الثاني: إبطال الآثار المتقدّمة في هذا الزمان الثاني، يعني أن لا يعمل بالاولى في الثاني، و يبني أعماله المتجدّدة على الثانية «3».
الثالث: إبطال الآثار المترتّبة على عمل صادر في الزمان الأوّل بفتواه الاولى التي لو لا تغيّر الرأي لقطع بترتّب هذه الآثار على ذلك العمل، مثل أن ينكح بالفتوى الاولى باكرة بغير إذن الولي، فإنّه يترتّب على ذلك النكاح آثار لو لا تجدد الرأي لقطع بترتّبها عليه.
أمّا الأوّل، فلا خلاف في عدم جواز النقض بهذا المعنى، و الإجماع بل الضرورة و لزوم الحرج و استصحاب عدم شغل ذمته و عدم البطلان يدلّ عليه، و لولاه لزم على كلّ أحد قضاء عباداته المبنيّة على رأي مجتهد تبدّل رأيه، و ردّ ما اشتراه و استرداد ما باعه؛ و كذا في الزكاة المخرجة، و غير ذلك، و هو ممّا لم يقل به أحد.
__________________________________________________
(1) في المصدر: «أو مقلّده بها».
(2) في المصدر زيادة: «كونها».
(3) كذا في المصدر، و في النسخ: «الثاني».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 183
و أمّا الثاني، فلا خلاف في جواز النقض بهذا المعنى بل وجوبه؛ فإنّه لازم تغيّر الرأي و تعبّد كلّ باجتهاده و اجتهاد مجتهده، و هو ضروريّ أيضا.
و أمّا الثالث، فيظهر عدم جوازه من عدم جواز النقض بالمعنى الأوّل؛ لأنّ العمل الصادر في الزمان الأوّل كان صحيحا مستتبعا للأثر و قد صدر في الأوّل، و بعد تجدّد الرأي لا يجوز الحكم بكون هذا العمل باطلا في الزمان الأوّل و ليس حينئذ موجودا، حتّى يصير موردا للفتوى الثانية؛ فما وقع لم يرد عليه البطلان، فلم لا يترتّب عليه أثره؟!
و الحاصل: أنّ المفروض أنّ العمل المذكور مستتبع لأثره ما لم يطرأ عليه الفساد، و لم يطرأ عليه؛ أمّا في السابق فظاهر، و أمّا في اللاحق فلعدم وجوده.
و أيضا لم يحدث في اللاحق إلّا استقرار الرأي بأنّ هذا العمل لو وقع في هذا الزمان لم يترتّب عليه الأثر، و لا تأثير لذلك في ارتفاع أثر العمل السابق «1».
ثم إنّه رحمه اللّه فرّع على هذا بقاء نكاح البكر بحاله بعد التغيّر، ثمّ استدلّ عليه باستصحاب استتباع الآثار، و استصحاب نفس الأثر- كالزوجيّة- و بعمل السلف و الخلف، ثمّ أورد على الاستصحاب بأنّه شكّ في استعداد تلك الآثار للبقاء، و أجاب بأنه شكّ في تحقّق المبطل.
ثمّ قال بعد ذلك كلّه: و التوضيح أنّ الأفعال الجزئيّة المتحقّقة حال الرأي الأوّل، من الأسباب و الشروط و الموانع على قسمين:
أحدهما: ما يكون تأثيره و عدم تأثيره بالنسبة إلى شخص خاص أو أشخاص معيّنين من غير تجاوز منه- كالأمثلة الاولى- فإنّ العقد الجزئي الواقع على مرأة، إنّما يصير سببا لحلّيتها على الزوج المعيّن من غير مدخليّة غيره أصلا، و إذا كان باطلا يكون غير مؤثّر في حقّه كذلك.
__________________________________________________
(1) مناهج الأحكام: 287.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 184
و ثانيهما: ما ليس كذلك، كغسل الثوب المعيّن من البول، فإنّه يصير سببا لطهارة هذا الثوب لكلّ من يرى الاكتفاء بالمرّة، و غير مؤثّر في حقّ كلّ من لا يراه كذلك. و كذلك قطع الحلقوم في التذكية إذا قطعه، فإنّه يصير المذبوح المعيّن حلالا على كلّ من يكتفي في التذكية بقطع الحلقوم و على مقلّديه، و يكون حراما على كلّ من لا يكتفي فيها به.
فإن كان من الأوّل فلا يجوز النقض فيه، و ما مرّ من الإجماع و سائر الأدلّة يدلّ عليه.
و أمّا ما كان من الثاني فإنّه ينتقض بعد التغيّر، فيقال: إنّ من يرى غسل المرّة فيه غير كاف إذا غسل الثوب مرّة يكون نجسا ما دام على ذلك الرأي، و إذا تبدّل رأيه و رأى كفاية المرّة يطهر له هذا الثوب؛ و ذلك لأنّ هذا الغسل الجزئي لذلك الثوب المعيّن- مثلا- حال ظنّ عدم كفايته كان غير مؤثّر في حقّه، لأجل أنّ هذا الشخص مندرج تحت عنوان «من يظنّ عدم كفايته» و لذا كان نجسا لكلّ من يظنّ كذلك، و هذا الغسل بعينه لهذا الثوب بعينه في هذا الحال سبب للطهارة في حقّ كلّ من يرى الكفاية بالإجماع و الضرورة، و لأنّه لا يشترط في طهارة الثوب كون الغسل صادرا عمّن يرى كفاية المرّة، و لا كون الثوب ملكا له، فإذا تغيّر رأي الشخص الأوّل و اندرج تحت العنوان الثاني، لا بدّ أن يكون الثوب طاهرا في حقّه.
و لا يشترط أن يكون أيضا صادرا حال تغيّر الرأي؛ لأنّ ظنّه حينئذ حجة في حقّه، و مظنونه الحاصل بسبب الأدلّة الشرعيّة: أنّ الغسل مرة سبب للتطهير مطلقا، و ليس مقيّدا بأنّ الغسل المتحقّق حال هذا الظن كذلك، إذ لا تقييد في شي‏ء من الأدلّة الظنّية بذلك أصلا.
و لذا ترى المجتهدين إذا حدثت الوقائع قبل اجتهادهم فيها و استفتي منهم، يتأمّلون في حكم المسألة بعد حدوثها، و يحكمون على الحادثة السابقة بما استقرّ

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 185
رأيهم بعد الاجتهاد. و ليس المراد أنّ الغسل السابق صار سببا حينئذ، بل سببيّته تحقّقت أوّلا، و لكن لم يكن هذا الشخص داخلا في عنوان «من تحقّقت في حقّه السببيّة»، و دخل فيه حينئذ، كما أنّ من وقف شيئا على ضيفه فصار شخص بعد مدّة ضيفا له، فإنّ الوقفيّة عليه لا تتحقّق حينئذ، بل الدخول في العنوان تحقّق في هذه الحالة. و على هذا فلا أثر للاستصحاب المذكور؛ لثبوت السببيّة في حقّ من دخل في هذا العنوان، و لأنّ عدم السببيّة أوّلا كان لمن دخل في عنوان آخر، فقد تغيّر الموضوع.
و أمّا الإجماع المذكور فاختصاصه بالأوّل ظاهر، بل يمكن دعوى الإجماع على النقض في الثاني. و كذا الحال في غير هذا المثال «1»، انتهى ما أفاده في توضيح المقام.
و أنت بعد ما عرفت من مبنى النقض و عدمه تعرف مواضع الفساد في هذه الكلمات. و لا بأس بالإشارة إلى بعض وجوه النظر فيه:
فنقول: أمّا ما أفاده أوّلا: «من أنّ الأسباب الشرعيّة و شرائطها و موانعها لها حقائق واقعيّة و حقائق ظاهريّة» فهو ممّا لا يطابق الواقع؛ إذ ليس الطرق الشرعيّة إلّا مثل الطرق التي يستعملونها العقلاء و العرف في استكشاف مقاصدهم و استظهار مطالبهم؛ فكما أنّ المسترشد من الطريق الموصل إلى بلد، لو اتّكل في سلوك سبيله إلى قول من يورث له الظنّ بالطريقيّة و الوصول إلى ذلك البلد، لا يعقل له القول بأنّ ما يوصل إلى ذلك البلد له حقيقة واقعيّة و حقيقة ظاهريّة، فكذلك في الطرق الموصلة إلى الأحكام الشرعيّة، فإنّ كلّها يكشف عن تلك الأسباب الواقعيّة و الأحكام الموجودة في نفس الأمر المخزونة عند أهلها.
__________________________________________________
(1) مناهج الأحكام: 288.

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 186
و لا فرق في ذلك بين القول بأنّ الأحكام الوضعيّة كالشرعيّة التكليفيّة التي يتحقّق بواسطة الإنشاء و الجعل المساوق له، و بين القول بانتزاعها من الامور التكليفيّة، أو كونها امورا واقعيّة كما هو مقتضى مذاق التحقيق- على ما قرّر في محلّه «1»- و لا «2» يعقل أن يكون للطريق مدخل فيما هو طريق إليه، فليس عندنا إلّا الأسباب الواقعيّة التي يستكشف عن وجودها و تحقّقها في محالّها تارة بالعلم و اخرى بالظن، غاية الأمر أنّ العلم غير محتاج في الأخذ بما يترتّب على كشفه عن الواقع إلى دليل، بخلاف الظن، فإنّ ترتيب الآثار الواقعيّة على المظنون بواسطة الكشف الظنّي يحتاج إلى دليل. و هذا الفارق ليس قاضيا بما زعمه: من اختلاف الماهيّات على وجه الظاهريّة و الواقعيّة.
و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الوجه في عدم جواز الأخذ بالأسباب الظاهريّة لكلّ أحد، ليس لما زعمه: من أنّ تلك الماهيّة إنّما تكون سببا بالنسبة إلى شخص دون آخر، بل الوجه هو وجود الدليل على جواز الاعتماد على ذلك الكشف الظنّي و عدمه «3».
و أمّا ما أفاده في التقسيم إلى الأقسام الثلاثة فكلامه فيه متهافت؛ فإنّه صرّح في القسم الثاني بالنقض، و قضيّة ذلك النقض بالنسبة إلى الوقائع الحادثة في القسم الثالث أيضا، فإنّ جواز الوطي في البكر المعقود عليها بغير إذن الولي بعد تغيّر الرأي لا وجه لإلحاقه بالقسم الأوّل مع إمكان إلحاقه بالقسم الثاني،
__________________________________________________
(1) راجع فرائد الاصول 3: 125- 130.
(2) في «م»: إذ لا.
(3) لم يرد «و عدمه» في «ع» و «م».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 187
فإنّ ذلك هو لازم تغيّر الرأي بعد القول بوجود الواقع أوّلا «1»، فلا وجه للنقض في القسم الثاني «2» أيضا.
و أمّا ما ذكره في التعليل- من أنّ العمل المذكور مستتبع لأثره ما لم يطرأ عليه الفساد، و لم يطرأ عليه؛ أما في السابق فظاهر، و أما في اللاحق فلعدم وجوده- فهو بمكان من الوهن و الضعف؛ فإنّه لو فرض فساد العقد الواقع أوّلا و لو بمقتضى الاجتهاد الأوّل، فيجري فيه الكلام المذكور، فإنّه غير موجود، و ما نحن فيه إنّما يظهر فساده من أوّل الأمر.
و أما ما استدلّ به على عدم النقض فقد عرفت فيما تقدّم عدم الملازمة في بعض منها، و عدم الدليل على بطلان اللازم في الآخر، و عدم تحقّق بعض آخر، كما مرّ مفصّلا.
و أمّا ما أورد في السؤال و الجواب عن الاستصحاب فكلاهما ضعيفان؛ فإنّه ليس شكّا في مقدار الاستعداد، و لا شكّا في حدوث المبطل، بل الواقع أنّه ظهور فساد بدليل معتبر، فيكون من الشكوك السارية، كما هو ظاهر.
و أمّا ما أورده في التوضيح، فملخّصه يرجع إلى التفصيل بين الامور التي لا مدخل لها «3» إلّا لشخص معيّن أو أشخاص معينين فلا يحكم فيها بالنقض، و بين غيرها فيحكم فيها به. و ليت شعري! ما الفرق بينهما بعد الغضّ عمّا فيه من حيث الموضوع؟ فإنّ ما زعمه من القسم الأوّل كالنكاح ليس من الامور المختصّة؛ فإنّ أحكام زوجيّة هند لزيد- مثلا- لا تختصّ بزيد فقط أو بهند كذلك، بل من جملة أحكامها حرمتها على غير زيد، و هو يعمّ جميع الآحاد.
__________________________________________________
(1) لم يرد «أوّلا» في «م».
(2) في «م»: «بالقسم الثاني».
(3) في «ط» و «ع» بدل «لها»: «فيها».

مطارح الأنظار ( طبع جديد )، ج‏1، ص: 188
و كيف كان، فالمطّلع على وجوه النظر و اختلاف الأنظار في الصحّة و السقم لا ينبغي له الإصغاء إلى هذه الوجوه.
و أضعف من الكلّ ما قد نسب إلى بعض أجلّة السادات «1»: من التفصيل بين المجتهد فحكم بالنسبة إليه بالنقض، و المقلّد فحكم فيه بعدمه. و استدلّ على العدم بالاستصحاب و الحرج. و على تقدير التماميّة لا يعقل الفرق بين المجتهد و غيره.



مجموعه رسائل شیخ انصاری، ص 66

الثاني لو قلنا في صورة رجوع المجتهد عن فتواه بأنه يجب عليه و على مقلديه رفع اليد عن آثار المعاملات التي وقعت على طبق الحكم المرجوع عنه كرفع اليد عن الزوجية و الملك اللذين أخذهما بالعقد السابق، فهل يجب عليه ذلك أيضا فيما رجع وجوبا أو جوازا عن الميت إلى الحي المخالف له في صحة تلك المعاملة الواقعة وجهان فلو قلنا بوجوب رفع اليد عن آثار ما وقع عليه بالتقليد السابق قوى في الفرع السابق وجوب رفع اليد عن التقليد الثاني المترتب على فتوى الثاني بوجوب الرجوع فافهم.





الرسائل الفقهیه، ص 86- 91

و امّا من حيث شخص المسألة فملخصه انهم اتفقوا على ان المسألة التي عمل فيها على طبق تقليد صحيح لا يجوز أن يقلد فيها مجتهد آخر في تلك المسألة بالنسبة إلى نفس العمل المتحقق سابقا. و مثل له بان يقلد مجتهدا في جواز الوضوء بالمضاف،فتوضأ و صلّى به ثم رجع في حكم تلك الصلاة إلى مجتهد أخر و كذلك لو أوقع معاملة أو عقدا أو إيقاعا

و أما الأعمال المستقبلة ففي جواز العدول عن ذلك التقليد بالنسبة إليها قولان: صريح المحقق و الشهيد الثانيين قدس سرهما في الجعفرية و المقاصد العلية تبعا للمحكي عن النهاية الجواز و ظاهر المحكي عن تهذيب و شرحه و ذكري العدم و هو الأظهر لعدم دليل على حجية قول المجتهد الثاني في المسألة التي قلّد فيها عدا ما يتوهم من إطلاقات أدلة التقليد و استصحاب جواز تقليد المجتهد الثاني و كل ذلك لا يصلح مستندا للجواز لعدم إطلاق في أدلة التقليد يشمل من قلد و استغنى عن الرجوع إلى المجتهد. أما الأدلة اللفظية منها كالآيات و الروايات فهي على فرض دلالتها على أصل التقليد مسوقة لبيان حكم الجاهل المتحير المحتاج الّذي لم يرجع إلى أحد كالأمر بالرجوع إلى الطبيب، بل ربما يدعى ان في بعضها دلالة على عدم جواز العدول إلى غير من أخذ أو لا بقوله لأنه ردّ لقوله و لذا استدل به على عدم جواز نقض الحكم بفتوى غير الحاكم أو حكمه فتأمل. و أما الأدلة الغير اللفظية كالإجماع القولي و العملي و العقل من جهة حاجة المكلف لانسداد باب العلم و كون فتوى المجتهد أقرب الأمارات فاختصاصها بغير محل الكلام في غاية الوضوح. و أما استصحاب التخيير فقد تقدم الكلام في مثله مرارا و ان الموضوع لحكم التخيير غير معلوم البقاء لاحتمال كون التخيير ثابتا في حق من لم يأخذ بعد بشيء منها. و قد يستدل على المنع بوجوه. أحدها استصحاب الحكم المأخوذ من المجتهد الأول للشك في تأثير العدول و الأخذ بالثاني في زواله. و فيه انه ان بنينا على استصحاب الحكم الشرعي الكلي إذا شك في مدخلية وصف في الحكم كما هو المشهور بين القائلين باعتبار الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلي كان اللازم في المقام الأخذ باستصحاب التخيير السابق لأنه حاكم على هذا الاستصحاب. و دعوى رجحانه عليه من جهة اعتضاده بالشهرة أو بقاعدة الأخذ بالمتيقن مدفوعة بمنع تحقق الشهرة و منع نهوضها لترجيح أحد الاستصحابين خصوصا المحكوم على الآخر الحاكم عليه و أضعف منه ترجيحه عليه بقاعدة الأخذ بالمتيقن كما تقرر منع ذلك في باب تعارض الاستصحابين. الثاني قاعدة الاشتغال، فان تكليف المقلد في الواقعة الثانية مردّد بين تعلقه بالتقليد السابق و بين تعلقه بأحد الأمرين منه و من تقليد المجتهد الثاني و من المقرر وجوب الاحتياط عند دوران الأمر بين التخيير و التعيين. و فيه ان أصالة الاشتغال على تقدير تسليمها في هذا المقام لا تنهض في مقابل استصحاب التخيير نعم لو كان هذا المستدل ممن يوافق في عدم جريان استصحاب التخيير كان الاستدلال بأصالة الاشتغال حسنا في خصوص هذا المقام و ان لم نقل بها في مطلق دوران التكليف بين التعيين و التخيير. الثالث الإجماع المنقول فقد حكى المحقق القمي (قده) ادعائه عن المخالف و المؤالف. و فيه ان هذا الدعوى لا أصل لها بعد ما عرفت من مخالفة المحقق و الشهيد الثاني و العلامة في أحد قوليه بل حكي عن المحقق الأول أيضا. الرابع لزوم المخالفة القطعية، فإنا لو فرضنا انه قلد في صلاة الظهر مثلا من يقول بتعيين القصر في أربعة فراسخ و في صلاة العصر من قال بتعيين التمام فيقطع بعد الصلاتين بأنه مطلوب في الواقع بإحدى الصلاتين فيجب عليه اما فعلهما احتياطا و اما فعل واحدة منها مرددة. و فيه انه ان أريد بذلك لزوم المخالفة القطعية فيما إذا بنى المقلّد من أول الأمر على تقليد أحد المجتهدين في الظهر و تقليد الآخر في العصر، فتسليم عدم جواز التبعيض بين الوقائع في المسألة للزوم الإقدام على المخالفة القطعية، لا يوجب عدم جواز العدول عن التقليد في المسألة الكلّية التي هي محلّ‌ النزاع. و ان أريد لزومها في مسألة العدول حيث بنى من أول الأمر على المجتهد الأول في كلّي المسألة في جميع وقائعها ثم بدا له و عدل عنه في كلي المسألة أيضا فأوقع الواقعة الثانية على طبقه، فلا دليل على تحريمها حيث انه لم يبن عليها من أول الأمر بل قد يجب فيما إذا تعيّن عليه رفع اليد عن تقليده السابق لموت مجتهده أو رجوعه أو التمكن من الأعلم منه أو نحو ذلك ممّا يوجب عدم جواز بقاء المقلّد على تقليده. الخامس ان التقليد انما يتعلق بالمسألة الواحدة الكلية لأن لها حكم واحد شرعي و لا دليل على صحة التقليد في التبعيض بين افراد المسألة الواحدة كما إذا قلده في أول الأمر في هذه الواقعة الخاصة من المسألة الكلية كان يقلده في الوضوء بهذا الماء المضاف الخاصّ‌ لأن الثابت مشروعية التقليد في حكم الماء الكلي في المسألة الكليّة و حينئذ فإذا عدل المقلّد عن تقليده بعد العمل في واقعة واحدة من المسألة الكلّية فامّا ان يقلد المجتهد الثاني في كلي المسألة أو في الوقائع الباقية لا دليل على الثاني لما عرفت، و لا إلى الأول لأن تقليده في كلي المسألة يوجب نقض آثار السّابقة. و فيه أولا انه لا دليل على عدم تبعيض التقليد فان الجاهل كلما شك في واقعة لم يجب عليه الا الرجوع إلى المجتهد في خصوص تلك الواقعة فيتعين عليه الرجوع فيها إلى المجتهد من دون اعتبار انه يقلده في الواقعة الأخرى. أو لا يقلده بل الواقعة قبل ابتلاء المكلف بها و تعين العمل فيها على وجه خاص لا دليل على تأثير التقليد فيه و لا على شرعيته لأن المشروعية فرع الأمر و المفروض ان التقليد من باب المقدمة للعمل فلا أمر به قبل الأمر بالعمل فتأمل. و ثانيا ان سلمنا انه لا يصح في التبعيض في التقليد و لكن رفع اليد عن التقليد الأول و الالتزام بتقليد المجتهد الثاني لا توجب نقض آثار الواقعة السابقة و ان كان لأجل التعبد شرعا بتخطئة الحكم السابق كما في صورة رجوع المجتهد عن اجتهاده على القول بان رجوعه لا يوجب نقض آثار الحكماء. و اما لانعقاد الإجماع على عدم تأثير التقليد الثاني في المسألة الكلية بالنسبة إلى بعض إفرادها و هي الوقائع الماضية و هذا هو الأظهر في رفع الملازمة المتوهمة

و حاصله ان المجوز هو الرجوع إلى المجتهد الثاني في المسألة الكلية لكن الشارع لم يعتبر هذا التقليد إلا بالنسبة إلى الوقائع المتجددة و اعتبار التقليد في المسألة الكلية في بعض الوقائع دون بعض غير ممتنع و منه يعلم ان الرجوع في موارد وجوبه كصورة موت المجتهد أو وجود الأعلم من الأول لا يوجب نقض آثار الوقائع السابقة بل منه يظهر ان المجتهد إذا رجع عن فتواه و وجب على المقلد لأجل ذلك رفع اليد عن تلك الفتوى و الرجوع إلى المجتهد الأول في فتواه اللاحقة أو إلى مجتهد أخر لم ينتقض بذلك آثار الوقائع السابقة لأن حجية قول المجتهد الثاني انما هو بالنسبة إلى الوقائع المتجددة دون السابقة فتأمل فإن التبعيض في اعتبار قول المفتي إذا كان أمر ممكنا غير ممتنع و كان التبعيض هو المتيقن من اعتبار التقليد عند الشك في كون اعتباره كلية أو بالنسبة إلى الوقائع المتجددة جرى مثل ذلك في المجتهد إذا رجع عن فتواه فيقال ان ظنه اللاحق انما هو حجة بالنسبة إلى الوقائع المتجددة فلا ينتقض آثار الوقائع الماضية و بالجملة فإمكان التفكيك في حجية فتوى المجتهد بين الوقائع بالنسبة إلى المقلد يوجب ذلك بالنسبة إلى ظن المجتهد بخطإ حكم الأول فلا بد اما من التزام عدم جواز التبعيض في المسألة الكلية مطلقا و اما من جوازه كذلك فالقول بان رجوع المجتهد عن الفتوى يوجب نقض آثار الأعمال السابقة بخلاف عدول المقلد عن تقليده مما لا يجد له وجه ظاهر فتأمل. و التحقيق ان حكم الرجوع في جميع موارده واحد الا ان يقوم إجماع في بعض الموارد على النقض أو عدمه. ثم ان هذا كله مع العمل بقول المجتهد و اما لو أخذ بقوله و لم يعمل به فهل يجب عليه البقاء أو لم يجب أو يبنى المسألة على ان التقليد هو الأخذ أو العمل‌؟ وجوه، من الأصل الجاري بعد العمل أعني عدم حجية قول المجتهد الثاني، و من الاعتماد على استصحاب التخيير خرج ما بعد العمل بناء على الإجماع المدعى في كلام بعض، و من ان الإجماع المدعى على وجوب البقاء انما هو من حيث وجوب البقاء على التقليد فان اكتفينا فيه بالأخذ حرم الرجوع بعده و الا فلا و الأقوى هو الأول.



بررسی کلام شیخ انصاری

لنا علی ما اخترناه في المقام: أنّ المقتضي للإعادة و عدم ترتيب الآثار على الأمارة السابقة موجود، و المانع عن ذلك غير موجود، فلا بدّ من القول به.

أما الأوّل، فلما تقدّم في الهداية السابقة: أنّ الطرق المجعولة الشرعیّة إنّما جعلت طرقا إالی الواقع، من دون أن يكون تلك الطرق مخصّصة للأحكام الواقعیّة المتوجّهة إلی المكلّفين- علی ما هو المتّفق عليه عند أرباب التخطئة، كما هو الصواب- ففيما إذا انكشف فساد الأمارة القائمة على الواقع لا بدّ من الأخذ بما هو الواقع؛ فإنّ ما يدلّ على وجوب امتثال الأوامر الواقعیّة- من العقل و النقل- موجود في المقام، فإن كان معلوما فلا كلام- كما تقدّم- و إلّا فيجب الأخذ بما جعله الشارع طريقا إليه، و هي الأمارة اللاحقة. و لازم الأخذ بها هو فساد الأمارة الاولی و بقاء التكاليف الواقعیّة.

فإنّ الخبر الدال على جزئیّة السورة، مفاده أنّ السورة في الواقع جزء للصلاة الواقعیّة، و لا يفرق في ذلك بين من عمل بالأمارة الاولی و من لم يعمل بها، كما إذا كان الشخص تاركا للصلاة مثلا، و قضیّة ذلك عدم تحقّق الصلاة بدون ذلك الجزء، فيترتّب علی ذلك- بحكم الأدلّة الدالّة علی إطاعة الأوامر الواقعیّة و امتثال أوامر اللّه تعالی- إيجاد الصلاة ثانيا و عدم الاتّكال بما فعله في المرّة الاولی مطابقا للأمارة التي انكشف فسادها.

و لعمري أنّ بعد هاتين المقدّمتين- اللتين إحداهما: أنّ الأمارة التي أخذ بها سابقا ليست مغیّرة للواقع، و الثانية: أنّ مفاد الأمارة الثانية هو جزئیّة السورة مثلا للصلاة في الواقع، من غير فرق بين العامل بالأمارة الاولی و تاركها- كان الحكم بعدم الإجزاء و عدم ترتّب الآثار علی منار، بحيث لا يعدّ منكره إلّا مكابر، أو غير ملتفت إلی حقيقة المقدّمتين.

مقدمات:

1.الطرق الشرعیه جعلت طریقا الی الواقع لا مخصصا للاحکام الواقعیه

2.فی فرضنا فی المسئله انکشف عدم طریقیه الطریق المعمول به

3.الحکم الواقعی لا یزال موجوداً

4. امتثال الحکم الواقعی واجب بحکم العقل و النقل

5.لا طریق لنا الی الحکم الشرعی الا بواسطه الاماره المعتبره الثانیه

6.یجب العمل بالاماره المعتبره بحکم الشارع

7. لازم الاخذ بالاماره الجدیده فساد الاماره السابقه

سوالات:

تمهیدی: آیا دو مقدمه نهایی جناب شیخ(الأمارة التي أخذ بها سابقا ليست مغیّرة للواقع، و الثانية: أنّ مفاد الأمارة الثانية هو جزئیّة السورة مثلا للصلاة في الواقع) همگرا هستند یا واگرا؟

مقدمه اولی

1. معنای جعلت طریقاً چیست؟ جعلت الطریق طریقا او غیر الطریق طریقاً؟

2. این سوال ما را رهنمون می شود به سوال بعدی: الاماره جعلت طریقا او مفاد الاماره جعلت طریقا

3. و با طرح سوال قبلی نوبت به سوال بعدی می رسد که لم جعلت الاماره طریقا الی الواقع؟

کلام محقق قمی:و الحاصل، أنّ كلّ ما دلّ على جواز العمل برأي المجتهد و هو لزوم العسر و الحرج و غيره، يدلّ على جواز البقاء على مقتضى أمثال هذه العقود و المعاملات،

مقدمه ثانیه

انکشف الخطاء عی وجه الظن او القطع؟

مقدمه چهارم

ادله امتثال حکم واقعی اولا و بالذات ناظر است به فضای قبل الامتثال اولیه یا شامل بعدالامتثال اولیه هم می شود؟

مقدمه هفتم

مناقشه در ملازمه



وجوه فساد عمل 

ترک عمل واجب للاماره 

ترک واجب با اتیان به امر اخر غیرواجب 

ترک بعض اجزا 

ترک بعض شروط 

هرکدام از این دو با اتیان به غیر یا بدون اتیان به آن 

ترک بعض شروط الاجزا 

ترک معظم الاجزا 

تفکیک اجزا به رکنی و غیر آن 

به ذکری و غیر آن 

























فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است