فهرست علوم
فهرست فقه
علم الحقوق


بسم الله الرحمن الرحیم

شواهد موافق و مقابل قاعده التصحیح

اصاله الفساد در معاملات

رسالة في أصالة عدم الصحّة في المعاملات

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين، اللّهم إيّاك نعبد، و إيّاك نستعين و نستهدي، فلا تكلنا إلى أنفسنا القاصرة.

اعلم! أنّ الصحة في المعاملات عبارة عن ترتّب أثر شرعي عليها، و هي حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي، فلو لم يكن دليل فالأصل عدم الصحّة حتّى يثبت بدليل، لأصالة العدم، و أصالة بقاء ما كان على ما كان.

مثلا: الثمن كان ملكا للمشتري، و المبيع ملكا للبائع، فالأصل عدم النقل و الأصل بقاؤهما على حالهما حتّى يثبت الخلاف، للاستصحاب و العمومات و الإطلاقات المقتضية لذلك، و الإجماع على ذلك، كما لا يخفى على المطّلع.

و أيضا، الحكم الشرعي بالنسبة إلينا منوط بالدليل بلا شبهة، فعدم الدليل دليل عدمه بالنسبة إلينا، لأنّ عدم العلّة علّة للعدم

و أيضا، الأصل براءة الذمّة عن لزوم أمر من الأمور الشرعيّة و آثارها.

و أيضا، ورد في الكتاب و السنّة المنع عن الحكم الشرعي بغير ثبوت من الشرع، مثل آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ و غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

و أيضا، إجماع المسلمين قاطبة واقع على ذلك، سيّما الفرقة الناجية.

و بالجملة، لا تأمّل في أنّ الأصل عدم الصحّة حتّى تثبت بدليل.

فإن قلت: الفقهاء يقولون: الأصل الصحّة.

قلت: مرادهم منه العمومات الدالّة على الصحّة مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و غيره، و لا شكّ في أنّه إذا دلّ عموم على الصحّة تكون صحيحة البتّة، فالعموم دليل، و الكلام في أنّه ما لم يكن دليل على الصحّة فالأصل عدمها.

فإن قلت: فأيّ فائدة في هذا الأصل بعد تحقّق العموم؟

قلت: الفائدة أنّه كثيرا ما لا يثبت الصحّة من العموم، مثلا: إذا أردنا إثبات صحّة بيع من عموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ،فلا شكّ في أنّ إثباتها يتوقّف على أمور:

الأوّل: ثبوت كون ذلك بيعا حقيقة في اصطلاح الشرع‌، فيحتاج إلى استفراغ الوسع، و بذل الجهد بحسب الطاقة في تحصيل اصطلاح الشارع و ما هو الحقيقة في محاوراته في ذلك الزمان، فلا يمكن الإثبات لغير المجتهد.

و أمّا المجتهد، فإن حصّل الاصطلاح فذلك، و إن لم يحصّل- كما هو الظاهر‌ من أنّه لا يحصّل- فلا بدّ من تحصيل المعرفة بكونها بيعا حقيقة، عرفا أو لغة، و المعرفة إنّما تكون بالأمارات المذكورة في أصول الفقه، إذ مجرّد إطلاق البيع عليه لا يقتضي أن يكون حقيقة، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة عند معظم المحقّقين من الفقهاء، و المجاز خير من الاشتراك عندهم.

مع أنّ الاشتراك أيضا لا ينفع مجرّدا عن القرينة بالنسبة إلى اللفظ، كما أنّ المجاز لا ينفع بالنسبة إلى اللفظ مجرّدا عن القرينة، فلا يتأتّى الإثبات من هذه الجهة أيضا إلّا للمجتهد العارف بالأمارات الأصولية، و حجّية تلك الأمارات.

مع أنّه ربّما لا يتأتّى في موضع أمارة من تلك الأمارات، فلا يثبت الصحّة.

و إذا تحقّق الأمارة، و ثبتت الحقيقة العرفيّة أو اللغويّة، فلا يكفي ذلك ما لم يضمّ إليه أصالة عدم التغيّر و التعدّد، حتّى يثبت كون ذلك اصطلاح الشارع أيضا، لأنّ المعتبر هو اصطلاح زمان صدور ذلك الكلام، كما هو الظاهر و محقّق في موضعه.

و ربّما لا يتأتّى أصالة عدم التعدّد و التغيّر، لثبوت التعدّد، أو ظهور التغيّر مع عدم مرجّح و معيّن.

الثاني: ثبوت كونه من الأفراد المتعارفة للبيع الحقيقي، لأنّ المفرد المحلّى باللام غير موضوع للعموم، فالعموم الحاصل منه لا يزيد عن الأفراد المتعارفة ، و لا يشمل الفروض النادرة.

مع أنّه على تقدير كون عمومه من قبيل عموم الموضوع للعموم، فربّما يتأمّل في شموله للفروض النادرة أيضا، فتأمّل.

الثالث: ثبوت أنّ الحلّية تستلزم الصحّة في المقام، و الظاهر ثبوته كما لا يخفى على المتأمّل، إذ ظاهر أنّ المراد ليس حلّية قراءة صيغة البيع، بل المراد حلّية نفس البيع، و هو أمر كانوا يرتكبونه بعنوان الانتقال و اللزوم، فاللّه تعالى قرّرهم على ذلك، فتدبّر.

الرابع: عدم تحقّق نهي من الشارع عليه السّلام عن الّذي يراد إثبات صحّته، لا بعنوان الخصوص و لا بعنوان العموم.و المناهي الخاصّة لا ضبط لها، بل هي مذكورة في مواضعها، و أمّا العامّة فسنشير إليها.

فساد المعاملة بالنهي

و إنّما قلنا: عدم تحقّق نهي من الشارع لأنّ الفقهاء منهم من يقول: بأنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد- و هم الأقلّون - فالمعاملة المنهي عنها فاسدة عندهم البتّة.

و أمّا القائلون بعدم اقتضائه الفساد فيها- و هم الأكثرون - فإنّهم يقولون بذلك فيما إذا ثبت صحّته من دليل لا ينافيه النهي، و لا يضاده التحريم.

فإذا لم يثبت صحّته أصلا لم يكن صحيحا، مع قطع النظر عن ورود النهي عنه، فكيف إذا ورد النهي عنه؟! إذ لا شكّ في فساد مثله عندهم، لما عرفت،و كذا إذا ثبت صحّته من خصوص مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ ، لأنّ الحلّية تنافي النهي و الحرمة، و كذا وجوب الوفاء.

و كذا استثناء قوله إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ ، لأنّه استثناء من النهي و الحرام.

فظهر أنّ النهي في مثل ذلك أيضا يقتضي الفساد عندهم بلا شكّ و لا شبهة، إذ النهي يقتضي خروج ذلك عن العمومات عندهم، كما لا يخفى على المطّلع على أقوالهم و طريقتهم، فإنّهم صرّحوا بأنّ الأحكام الخمسة متضادّة، و أنّ اجتماع الضدّين في الحكم الواحد من المحالات عندهم، و إن تعدّدت الجهة و الحيثيّة و ظهر ذلك التعدّد، مع أنّه ربّما لا يظهر ذلك فيما نحن فيه، فتدبّر.

نعم، لو كان الصحّة ثابتة من غير أمثال العمومات المذكورة، فالنهي لا يقتضي الفساد، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب أثر شرعي، فلا ينافي ذلك النهي و الحرمة، لأنّ الحرام كثيرا ما يترتّب عليه الآثار الشرعيّة، فإنّ الشارع مثلا قال: إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل و المهر و العدّة و الرجم و غير ذلك ، و إذا دخل أحد بزوجته و هي حائض- مثلا- عالما عامدا يكون حراما بلا شبهة، و مع ذلك يجب عليه المهر كاملا و عليها العدّة، و عليهما الغسل.

لكن يتداخل الغسلان في الحائض على القول بالتداخل، و كذا يترتّب‌ عليه سائر ما يترتّب على الدخول بالزوجة، و كذا الحال في الدخول بالأجنبية.

و غير ذلك من المعاملات و أحكامها، فتدبّر.

فساد العبادات بالنهي

أمّا العبادات، فجلّ الشيعة- بل كاد أن يكون كلّهم- اتّفقوا على أنّ النهي فيها يقتضي الفساد لأنّ الصحّة فيها عبارة عن موافقة الأمر، و ما هو مثل هذا المعنى، و العبادة أمر راجح و مأمور به قطعا، و المرجوحيّة ضدّه، فضلا عن أن يكون حراما.

و لذا يقولون: إنّ العبادة المكروهة معناها أنّها أقلّ ثوابا و إلّا فهي راجحة عندهم من دون مرجوحيّة، و ربّما يقولون: إنّ الكراهة تتعلّق بما هو خارج عن نفس العبادة أو جزئها أو شرطها.

و من هذا حكم بعضهم بصحّة مثل البيع وقت النداء، مصرّحا بأنّ النهي تعلّق بأمر خارج و هو ترك السعي إلى الجمعة و الاشتغال عنها.

الخامس: تحقّق شرائط مورد البيع‌، فإنّ البيع هو نقل ملك عين إلى آخر بعنوان المبايعة العرفيّة أو اللغويّة أو الاصطلاحيّة على حسب ما مرّ.

و ربّما زيد على ذلك كونه بصيغة مخصوصة و ربّما قيل بأنّ البيع هو نفس‌ تلك الصيغة و ربّما قيل: يتحقّق البيع في المنفعة أيضا فلا بدّ من معلوميّة كون المبيع- مثلا- ممّا يملك شرعا، و معلوميّة الإذن في النقل شرعا و معلومية تحقّق النقل و الخروج من ملك البائع، و معلوميّة تحقّق الدخول إلى ملك المشتري و عدم المانع من الخروج و الدخول شرعا، و معلوميّة أنّ الصيغة هل هي معتبرة شرعا أو لغة أو عرفا أو هي نفس البيع، أو ليست بمعتبرة أصلا، و غير ذلك.

و بالجملة، الحكم بتحقّق الصحّة، و ترتّب الآثار شرعا، مثل الانتقال بعنوان اللزوم أو الجواز، و غير ذلك من الآثار الشرعيّة يتوقّف على الثبوت من الشرع، و من لوازم الانتقال تعيّن الشي‌ء بحسب الواقع، إذ غير المعيّن كيف ينتقل؟! نعم، يتحقّق الانتقال في الأمر الكلّي الّذي هو قدر المشترك بين أفراده و الكائن مع مشخّص، و هو معيّن و التشخصات خارجة، و شروط لتحقّقه.

و أمّا التعيّن عند المتبايعين، فلعلّه يرجع إلى الغرر و السفه و كون الشي‌ء معرضا للنزاع بين المسلمين و الناس.

و ربّما يظهر النهي عن مثله من الأخبار، مثل ما ورد في باب السلف و بيع التمر و بيع الدينار غير الدرهم ، و غير ذلك، فليلاحظ و ليتأمّل.هذا، مع ادّعاء الإجماع فيما ادّعوه فيه، فتأمّل.

المناهي العامّة

ثمَّ اعلم أنّ المناهي الواردة بالعنوانات العامّة عندهم، مثل النهي عن بيع الغرر و الضرر و المسكر و الخبائث و الميتة و ما لا منفعة معتدّا بها له، لأدائه إلى السفاهة، فيدخل في عموم ما دلّ على فساد معاملة السفيه و حرمتها .

و كذا النهي عن بيع الحرام، لما ورد من أنّ اللّه تعالى إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه ، و لعلّه يظهر ذلك من فحاوى الأخبار أيضا .

و كذا النهي عن البيع الّذي هو إعانة في الإثم ، و الّذي هو إسراف ،

و بيع النجس الّذي لا يقبل الطهارة إلّا الدهن للاستصباح أو أعمّ منه، أو العذرة أيضا كما قال به بعض المتأخّرين ، و ربّما يظهر هذا النهي من إجماعهم و فحاوى الأخبار ، فليلاحظ.

و كذا يظهر من كلام القدماء أيضا، فلينظر.

و قس على ما ذكرنا حال الإجارة و غيرها، فتأمّل.

و من المناهي العامّة، قول المكلّف: لا أفعل إلّا بالعوض، فيما ثبت وجوب عطائه عينا كان أو منفعة، عينيّا كان الوجوب أو كفائيّا، إذا كان الوجوب من مثل الخطاب بأفعل مطلقا، لأنّ القول بأنّي لا أفعل إلّا بالعوض عصيان، كأن يقول: لا أصلّي اليوميّة، أو: لا أصلّي على هذا الميّت إلّا أن تعطوني اجرة.

و أمّا ما ثبت وجوبه لأجل حصول النظام و رفع الضرر، مثل الصناعات، و وجوب بيع الأعيان المحتاج إليها، عينيّا كان الوجوب- كما هو الحال في الفروض النادرة- أو كفائيّا- كما هو الحال في الفروض الشائعة- يجوز أخذ العوض، لأنّ القدر الثابت من العقل و النقل هو القدر المشترك بين الإعطاء مجّانا و بلا عوض و الإعطاء بالعوض.

بل الثابت منهما بعنوان الضرورة أو اليقين جواز الإعطاء بالعوض و عدمه بغير العوض، إلّا في فرض نادر غاية الندرة لو تحقّق، و هو عدم تمكّن المحتاج المضطرّ من العوض حالّا و لا مؤجّلا بوجه من الوجوه، فإنّه حينئذ يجب الإعطاء بغير العوض، إلّا أنّه له أن لا يعطي ما لم يشتره منه فيحسبه مكان زكاته و أمثالها، و إن لم يشتره فله أن يجبره بالشراء بوساطة حاكم الشرع إن كان، و إلّا فبالمؤمنين حسبة، و إن لم يكونوا فله أن يعطي بقصد العوض و يأخذه قهرا حفظا إيّاه عن الهلاك.

على أنّ النظام لا يحصل في غير صورة نادرة، إلّا بجواز أخذ العوض و عدم الإعطاء بغير العوض[1].

رسالة في أصالة الصحّة و الفساد في المعاملات

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على أشرف الخلق محمّد و آله الطاهرين.

أمّا بعد، فيقول الأقلّ الأذلّ، محمّد باقر بن محمّد أكمل عفى اللّه عنهما:

فاعلم يا أخي، أنّ المهم و المقصود الأصلي في المعاملات هو الصحّة و الفساد. في كثير من المواضع يحكم الفقهاء بالفساد، و الغافل عن حقيقة الحال إذا رأى دليلا على الفساد يقبل، و إذا لم ير يطعن على الفقهاء، و يقول بالصحّة، مدّعيا أنّ الأصل هو الصحّة حتّى يثبت خلافه فلم يثبت، و لا يتفطّن بأنّ الأصل عدم الصحّة لا الصحّة، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي، فهي حكم شرعي بل ربّما يكون أحكاما شرعيّة إذا كان المترتّب آثارا شرعيّة، كما هو الغالب.

و لا شبهة في أنّ الحكم الشرعي موقوف على الدليل الشرعي فيما لم يكن‌الحكم شرعيّا.

على أنّه إذا كان الأصل هو الصحّة، يلزم أنّ يكون كلّ من يعامل معاملة يكون شارعا أو شريك الشارع في الشرع و التشريع، و أن لا يكون التشريع حراما.

فإن قلت: الفقهاء يستدلّون بأصالة الصحّة.

قلت: يتمسّكون بها في موضع ثبت حكم من الشرع صحّة و فسادا، و لا يدري أنّ الواقع من المسلم هل يكون من الصحيح، أو الّذي ثبت فساده، فيقولون: الأصل صحّة ما وقع منه، حملا لتصرّف المسلم على الصحّة، و هو إجماعي، و ظاهر من الأخبار و أمّا إذا لم يعلم حكم شرعا، فكيف يمكنهم القول بأنّ الأصل ثبوت الحكم شرعا إلى أن يثبت عدم ثبوته شرعا؟! فإن قلت: ربما نراهم يتمسّكون بهذا الأصل، فما لم يعلم حكمه يثبتون به حكمه.

قلت: لعلّ المراد من الدليل مثل العمومات. و لو ظهر أنّ مرادهم غيره، فلا شبهة في توهّم المتمسّك، إلّا أن يريدوا منه مجرّد قراءة صيغة تلك المعاملة، و إعطاء كلّ واحد من المتعاملين ما له بطيب نفسه منه، فمنعهما عن الأمرين تكليف لم يثبت من الشرع، و الأصل عدمه، و الأصل براءة ذمّتهما.

مع أنّ «الناس مسلّطون على أموالهم»، كما ورد في النصّ ، و ورد أيضا «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه»

لكن ليس هذا صحّة المعاملة، إذ لم يترتّب على المعاملة أثر أصلا، مثل نقل الملك و لزومه و غير ذلك، بل العوضان باقيان على حالهما السابق من أنّ كلّ واحد منهما يتصرّف الآخر في ماله ليس بمعاملة فإنّ ثمرة البيع هي النقل و غير ذلك ممّا هو معروف.

فظهر ممّا تلوناه، أنّ الأصل في المعاملة الفساد و عدم الصحّة، إلّا أن يثبت الصحّة بدليل، من إجماع أو نصّ خاص أو عام، مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أمثاله.

فإن قلت: غاية ما ثبت ممّا ذكرنا أنّ الصحّة لا يثبت إلّا بدليل، لأنّ الأصل الفساد، و عدم الصحّة، لأنّ الفساد شرعا أيضا يحتاج إلى دليل شرعي، فكيف يكون الأصل الفساد؟! قلت: قبل وقوع المعاملة المشكوكة حالها كان الثمن مال المشتري و المبيع مال البائع، و لم يكن خيار و أمثال ذلك من مراتب البيع، فالأصل بقاء الكلّ على ما كان عليه و عدم تحقّق تغيّر أصلا، و لا يترتّب أثر مطلقا، و هذا عين الفساد.

و أصالة البقاء إجماعي، مضافا إلى استصحابه و ظهوره من الأخبار ، مع أنّ عدم الدليل دليل عدم الحكم عندنا، كما هو الحال في سائر الأحكام الشرعيّة، فتأمّل.

و الحاصل، أنّ فساد المعاملة لا يحتاج إلى دليل، بل الأصل الفساد، و إنّما المحتاج إليه هو الصحّة، و دليلها غالبا هو العمومات، أو الإطلاقات.

و لا بدّ أن تكون المعاملة فردا حقيقيّا للعام، فمجرّد إطلاق لفظه عليها لا يكفي، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، فلا بدّ من مراعاة أمارات الحقيقة، و أن يكون من الأفراد المتبادرة المتعارفة للعام إن كان الاستدلال من الإطلاقات، لانصرافها إلى الأفراد المتعارفة و الشائعة، بل و إن كان الاستدلال بالعمومات أيضا، على إشكال.

و لا بدّ أن يكون الأمران بالنسبة إلى اصطلاح زمان الشارع و لسانه، و لو كان بكونه من أصالة العدم و البقاء، و ما ماثلها في موضع يجري فيه.

و لا بدّ أن تكون أيضا مستجمعة للشرائط الشرعيّة الثابتة المذكورة في مواضعها، و أن تكون خالصة من الموانع الشرعيّة و الموانع العامّة، مثل معاملة ما لا نفع فيه أصلا و لا نفع منه نفعا معتدّا به عند العقلاء، أو يكون له نفع معتدّ به لكن بحيث يرتكب المعاملة لتحصيله «1» عند العقلاء، و الكلّ سيجي‌ء.

و حجّة فسادها أداء معاملتها إلى السفاهة، فيدخل في عموم ما دلّ على فساد معاملة السفيه «2».

و مثل النهي عن بيع الغرر «3».

و مثل معاملة الضرر، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ضرر و لا ضرار» «4»، و غيره.

و إن كان الضرر على النفس فهو داخل أيضا في السفاهة.

______________________________
(1) في ب: (لكن لا يجب يرتكب المعاملة لتحصيله).

(2) لاحظ! وسائل الشيعة: 17/ 360 الحديثين 22752 و 22753.

(3) لاحظ! عيون أخبار الرضا عليه السّلام: 2/ 45 الحديث 168، عوالي اللئالي: 2/ 248 الحديث 17، وسائل الشيعة: 17/ 448 الحديث 22965، مسند أحمد بن حنبل: 1/ 302.

(4) لاحظ! عوالي اللئالي: 1/ 383 الحديث 11 و 1/ 220 الحديث 93 و 2/ 74 الحديث 195 و 3/ 210 الحديث 54، وسائل الشيعة: 18/ 32 الأحاديث 23073- 23075.

الرسائل الفقهية (للوحيد البهبهاني)، ص: 315‌

و مثل النهي عن بيع الحرام و شرائه، لما رواه «الغوالي» عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنّ اللّه إذا حرّم على قوم أكل شي‌ء حرم ثمنه» «1».

و منه أيضا، عنه صلّى اللّه عليه و آله: «لعن اللّه اليهود، حرّم عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها» «2».

و في أخبار الكتب الأربعة عنه صلّى اللّه عليه و آله في الخمر: «إنّ الّذي حرّم شربها حرّم ثمنها» «3».

و لعلّه يظهر من فحاوى أخبار أخر أيضا «4».

و المراد ما له أهليّة الأكل و الشرب إلّا أنّ الشارع حرّمها، فلا يشمل مثل التراب و غيره ممّا يحرم أكله و شربه و يصحّ بيعه.

و من الموانع، النجاسة الّتي لا تقبل التطهير إلّا الدهن للاستصباح، كما سيجي‌ء.

و دليل المنع في نجس العين هو الإجماع، و الاستقراء يؤيّده، و كذا دليل المنع فيما لا يقبل التطهير، و استثني من ذلك الكلب و الكافر على النحو الّذي سيذكر، و في الموانع السابقة أيضا ربّما ادّعوا الإجماع، كما سيجي‌ء، و سيجي‌ء أيضا بعض الموانع الأخر و الموانع الخاصّة.

و في «الفقه الرضوي»: «كلّ مأمور به ممّا هو صلاح للعباد «5» و قوام لهم في‌

______________________________
(1) عوالي اللئالي: 1/ 181 الحديث 240 و 2/ 110 الحديث 301.

(2) لاحظ! الهامش السابق!

(3) الكافي: 5/ 230 الحديث 2، من لا يحضره الفقيه: 4/ 4، تهذيب الأحكام: 7/ 136 الحديث 601. الاستبصار: 3/ 55 الحديث 179 و هو منقول بالمعنى.

(4) لاحظ! وسائل الشيعة: 17/ 92 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به.

(5) في النسخ: (ممّا كذا على العباد)، و ما في المتن أثبتناه من المصدر.

الرسائل الفقهية (للوحيد البهبهاني)، ص: 316‌

أمورهم من وجوه الصلاح الّذي لا يقيمهم غيره، ممّا يأكلون و يشربون، و ينكحون، و يستعملون، فهذا كلّه حلال بيعه و شراؤه و هبته، و عاريته. و كلّ أمر فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه لوجه الفساد [ممّا قد نهي عنه] مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما أشبه ذلك فحرام ضارّ للجسم و فساد للبدن «1»» «2».

و فيه أيضا، «اعلم يرحمك اللّه، أنّ كلّما يستعمله «3» العباد من أصناف الصنائع مثل الكتابة و الحساب و التجارة و النجوم و الطبّ و سائر الصناعات [و الأبنية] و الهندسة، و التصاوير ما ليس فيه مثال [الروحانيّين، و أبواب] صنوف الآلات الّتي يحتاج إليها ممّا فيه منافع و قوام و معايش «4»، و طلب الكسب، فحلال كلّه: تعليمه و العمل به، و أخذ الأجرة عليه. و إن قد تصرّف بها في وجوه المعاصي أيضا مثل استعمال ما جعل للحلال، ثمَّ يصرف إلى أبواب الحرام، [في] مثل معاونة الظالم و غير ذلك من أسباب المعاصي، مثل الإناء و الأقداح [و ما أشبه ذلك، و لعلّة] ما فيه من المنافع جائز تعليمه و عمله، و حرم على من يصرفه إلى غير وجوه الحقّ و الصلاح [الّتي] أمر اللّه تعالى بها دون غيرها، اللّهم إلّا أن يكون صناعة محرّمة أو منهيّا عنها مثل الغناء». إلى آخر ما قال «5».

______________________________
(1) كذا، و في المصدر: (و فاسد للنفس).

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السّلام: 250، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(3) كذا، و في المصدر: (كلّما يتعلّمه).

(4) كذا، و في المصدر: (و قوام المعايش).

(5) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السّلام: 301، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

الرسائل الفقهية (للوحيد البهبهاني)، ص: 317‌

فإن قلت: النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، فكيف جعلته مانعا عن الصحّة؟! قلت: مختار بعض الفقهاء أنّه يقتضي الفساد مطلقا «1». و أمّا على ما اختاره المشهور من عدم اقتضائه الفساد فإنّما يمنع الصحّة في موضع يكون مثبت الصحّة منحصرا في مثل قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «3»، أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «4»، وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ «5» و «و المسلمون عند شروطهم» «6»، لأنّ الحرمة لا تجتمع مع الحلّية، لكونهما متضادّين عند الشيعة و المعتزلة، بل عند الكلّ، و لذا يدّعي الأشعري أنّ متعلّق الأمر غير متعلّق النهي في الصلاة في الدار المغصوبة «7».

و بالجملة، من المسلّمات التضادّ بين الأحكام الخمسة.

و أمّا الحرمة و وجوب الوفاء، الظاهر أيضا أنّهما متضادّان، مع أنّه إذا حصل الشكّ في تضادّهما لا يمكن الحكم بالصحّة، لما عرفت من أنّ الأصل عدم الصحّة إلى أن يثبت الصحّة، و بمجرّد الاحتمال لا يثبت.

لا يقال: إحلال البيع و وجوب الوفاء بالعهد كيف يدلّان على الصحّة؟! لأنّا نقول: البيع عبارة عن نقل الملك من الطرفين بعنوان اللزوم، فإذا‌

______________________________
(1) لاحظ! الذريعة إلى أصول الشريعة: 1/ 180، العدّة: 1/ 99، الوافية: 100 و 103، و غيرها.

(2) البقرة (2): 275.

(3) البقرة (2): 275.

(4) المائدة (5): 1.

(5) الإسراء (17): 34.

(6) عوالي اللئالي: 2/ 258 الحديث 8، وسائل الشيعة: 18/ 16 الحديثان 23040 و 23041.

(7) لاحظ! المستصفى: 1/ 79، فواتح الرحموت: 1/ 401.

الرسائل الفقهية (للوحيد البهبهاني)، ص: 318‌

حصل ذلك «1» دلّ على الرضا و الإمضاء و التقرير، و كذا الحال بالوفاء، لا لتضمّنه عقدا و اقتضائه، و قس عليها حال غيرها.

تمّت الرسالة بعون اللّه، و الحمد للّه ربّ العالمين.

______________________________
(1) في النسخ: (فإذا حمل ذلك)، و الظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

________________________________________
بهبهانى، محمد باقر بن محمد اكمل، الرسائل الفقهية (للوحيد البهبهاني)، در يك جلد، مؤسسه علامه وحيد بهبهانى، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)؛ ج‌1، ص: 266

المطلب الثاني في أنّ الشكّ إذا تعلّق بصحّة عبادة أو معاملة، و كذا جميع المؤثّرات من إحياء موات، أو حيازة، أو سبق إلى مشترك كوقف عام، و غيرها، حكم بالفساد؛

لأنّ الأصل عدم فراغ الذمّة، و عدم الاستحقاق، و عدم الآثار، إلا أن يقوم دليل على صحّتها، و أمّا بعد ثبوت الأصل و حصول الشكّ في غيره فعلى أقسام:

أوّلها: الشكّ في بعضيّة الأبعاض، كالشكّ في أنّ السورة، أو التسبيحة الثانية أو الثالثة عوض القراءة، و في الركوع و السجود أجزاء مقوّمة أو لا، و أنّ القبول جزء من الإقالة و الوصيّة، أو اللفظ جزء من البيع، و باقي العقود المتعلّقة بالمال أو لا، مثلًا.

______________________________
(1) في «ح» زيادة: لأنّها تجب ارتباطها بمتعلّقها؛ لأنّها مؤثرات و لا يمكن ربط الموجود بالمعدومات.

(2) انظر الكافي 5: 184، 207، 174، و التهذيب 7: 27.

(3) في «ح»: التعيّن.

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)، ج‌1، ص: 267‌

و الحكم في الجميع بطلان العبادة و المعاملة، مع عدم الإتيان بذلك المحتمل؛ لأنّ الأصل عدم تحقّق الحقيقة، فالشكّ فيه شكّ فيها، و الشكّ فيها شكّ في شمول دليلها لها، فيرجع إلى القسم الأوّل، و هو الشكّ في الأصل.

و الحاصل أنّه إذا تعلّق الشكّ في أجزاء الأقوال، كما إذا تعلّق باسم شخص، أو نوع، أو اسم عقد أنّه مركّب من كلمتين فما زاد، أو غير مركّب، فلا معنى لتمشية الأصل فيه؛ لأصالة عدم الدخول في الاسم، و لأنّ اللغة إنّما تثبت بطرق مخصوصة، و ليس أصل العدم منها.

و متى كان الشي‌ء يحتمل أنّه جزء المعنى، أو خارج عنه، قضي بجهل تحقّق الحقيقة، و الأصل عدمها.

ثانيها: الشكّ في شرطيّة الشروط و مانعيّة الموانع في المعاملات المبنيّة و نحوها ممّا لا يدخل في العبادات بالمعنى الأخصّ.

و مقتضى القاعدة نفيها بالأصل؛ لأنّ الشروط و الموانع فيها خارجة بنفسها و تقييدها عن تقويم حقيقتها؛ لأنّ أسماءها موضوعة للأعمّ من صحيحها و فاسدها؛ إذ ليس لأكثرها أوضاع جديدة، بل هي باقية على حكم وضع اللغة، و ليس فيه تخصيص بالصحيح، و لو ثبت في بعضها الوضع الجديد فالظاهر منه عدم التقييد.

و لو فرض في بعضها وضع جديد دخل فيه التقييد، ساوت العبادة في تمشية الأصل.

ثالثها: الشكّ في شروط العبادة بالمعنى الأخصّ من بدنيّة، أو ماليّة، أو جامعة للصّفتين «1»، و الذي يظهر من تتبّع محالّها و قضاء الحكمة فيها و الفهم عند إطلاقها، و صحّة سلبها، و ثبوت دورانها «2»، أنّها موضوعة للصحيح منها، فإنّا نرى صدق‌

______________________________
(1) في «م»، «س»: للصنفين.

(2) في «ح» زيادة: و أنّه يلزم على القول بالوضع للأعمّ أنّ ما تعلّق بمدلول لفظ ظاهر العبادات ممّا لم تقم فيه قرينة إرادة الصحيح كالأوامر المتعلّقة بالإيجادات من النواهي، و ما اشتمل على الأحكام الوضعيات، كالفصل بين صلاتي الرجل و المرأة، و الوصل بين الصفوف، أو بينها و بين إمام الجماعة، و التقدّم لصفّ الرجال على النساء و الصبيان، و الملتزم بنذر و شبهه معلّقاً بما صدق عليه الاسم شرعاً، الى غير ذلك، يعمّ القسمين، و لا أظنّ أحداً يقول به، و القول بتنزيل المطلق على الصحيح للأظهرية و الأشهرية ملغٍ لثمرة البحث بالكلّية، إذ لا يبقى وجه في الاستناد إلى نفي شطر أو شرط أو جواز مانع بعموم أو إطلاق كما لا يخفى.

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)، ج‌1، ص: 268‌

الاسم دائراً مدار الصحّة «1».

فلو أتى بالأجزاء تماماً مع الإخلال بشرط، أو الإتيان بمانع، لم يدخل تحت المصداق، و ترتّب عليه حكم التارك.

و لو خلت عن الأجزاء و الأركان، كلا أو جُلا، مع الصحّة بقي صدق الاسم «2»، و مفسد العمل يصحّ «3» الإطلاق مع وجوده في الجهل، و هكذا.

و إذا كانت الصحّة قيداً في صدق الاسم كان التقييد داخلًا، فإذا حصل الشكّ في القيد جاء الشكّ في التقييد، و يرجع إلى حكم الشكّ في الجزء الراجع إلى حكم الشكّ في الأصل.

و الظاهر أنّه لا اعتبار لمطلق الشكّ، فليس مجرّد احتمال الشرطيّة أو الشطريّة قاضياً بالثبوت، و إلا لزم عدم إمكان معرفة حقائق العبادات و المعاملات.

فيخصّ هذا الأصل بالإجماع بشكّ جاء من اختلاف الأدلّة، أو اختلاف كلمات الفقهاء، بحيث يحصل شكّ معتبر؛ و بذلك يحصل الجمع بين كلماتهم في قبول هذا الأصل مرّة، و إنكاره مرّة.

ثمّ وجوب الإتيان بالمحتمل موقوف على الاطمئنان بعدم ترتّب الفساد بالإتيان بالزيادة، و إلا عارض الأصل مثله، و تساقطا، و رجع إلى أصل الفساد.

و العبادات و أجزاؤها الموضوعة وضع المعاملات حكمها في إجراء الأصل حكمها، كما في الأذكار، و الدعوات، و التعقيبات، و الزيارات، و التسبيحات في الركوع و السجود، و الغسل و المسح و نحوها.

و إذا دار العمل بين العبادات و غيرها، رجع إلى الشكّ في الجزء، فيحكم بكونه‌

______________________________
(1) في «ح» زيادة: فليس صدق اسم الصلاة و الصيام و الحجّ و غيرها إلا دائر مدار الصحّة.

(2) في «ح» زيادة: و مفسد العمل يصحّ معه الإطلاق مع وجوده في السهو.

(3) في «س»، و «م»: يصحح، و في «ح» يصحّح معه.

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)، ج‌1، ص: 269‌

عبادة، كالشكّ بين المعاملات و الأحكام، و بين العقود و الإيقاعات، و بين الإيقاعات و الأحكام، فإنّ الأوّلة مقدّمة على الأخيرة؛ لرجوع ذلك إلى الشكّ في الأجزاء.

و ما شكّ في ركنيّته ركن في العمد و السهو؛ و ما قام الدليل على عدم ركنيّته في السهو يحكم بركنيّته في العمد، هذا كلّه إذا تعلّق الشكّ بأجزاء المركّب.

أمّا الشكّ في الجزئيّات من القليل و الكثير، فالأصل نفي الزائد فيها، إلا في مثل ما يترتّب نفي الزائد فيه على وقوع الفعل سابقاً كالمقضيّات، فإنّ الأصل فيها يقتضي البناء على الكثير، ما لم يدخل في قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت.

و لو لا قيام الدليل على هذا التقدير بالاجتزاء بحصول المظنّة في البراءة لقلنا بلزوم التكرار حتّى يحصل اليقين.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، جعفر بن خضر مالكى، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)، 4 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1422 ه‍ ق

اصالة الصحه و الفساد در معاملات

رسائل الميرزا القمي؛ ج‌1، ص: 456

المقدّمة الأولى: في تحقيق معنى قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

«1» و استدلال الفقهاء به في تصحيح العقود و لزومها، فإنّهم قد تداولوا ذلك في جميع الأعصار و الأمصار.

و قد يستشكل بأنّ المراد إن كان ما يسمّى عقدا لغة، فيلزم أن يكون كلّما يخترع و يصدق عليه أنّه عقد يجب الوفاء به. و التخصيص بالصحيحة منها يستلزم التخصيص الغير المرضيّ، فإنّ الباقي في جنب المخرج كالمعدوم.

و إن أريد العقود المتداولة المتعارفة في زمان الخطاب، فهي غير معلومة.

و يمكن دفعه بأنّ العقود المتعارفة المتداولة في زمانها من البيع و النكاح و الصلح و الهبة و الإجارة و نحوها ممّا ذكره الفقهاء لا ريب فيه تعارفها و تداولها في ذلك الزمان أيضا. و إنّما هي المتداولة في زماننا هذا، و الأصل عدم التغيير.

و استدلالاتهم ترجع إلى إثبات هذه العقود، و يتمسّكون بها في تصحيح هذه إذا شكّ في اشتراط شي‌ء فيها، أو وجود مانع عن تأثيرها، و نحو ذلك، لا تصحيح عقد برأسه.

و أمّا مثل شركة الأبدان و المغارسة «2» و الشغار و نحو ذلك، فإن لم تجعل من أقسام هذه العقود بأنّ بطلانها من جهة فقدان شرط أو وجود مانع، فلا يلزم من إخراجها التخصيص الغير المرضيّ، كما لا يخفى.

و الظاهر أنّ المراد بالإيفاء بالعقد العمل على مقتضاه ما دام باقيا، فلا ينافي وجوب الإيفاء كون بعض العقود جائزا كالشركة و المضاربة و نحوهما.

______________________________
(1). المائدة: 1.

(2). في «ح»: المفارسة، بدل المغارسة.

رسائل الميرزا القمي، ج‌1، ص: 457‌

و بالجملة، الظاهر أنّه ليس من الأمر وجوب نفس العقود، كما لا يخفى، و لا وجوب الالتزام بها أبدا؛ لجواز الفسخ في اللازمة منها بالتقايل و الطلاق أو غيرهما و كذا في الجائزة، فالمراد هو وجوب الإيفاء على مقتضاها ما دامت باقية على حالها.

بيان معنى الآية

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المخاطب بالآية كلّ واحد من المكلّفين على ما هو التحقيق من إفادة صيغة الجمع العموم الأفرادي، لا المجموع من حيث المجموع.

فحينئذ، يلزم التجوّز في العقود بإرادة أحد طرفي العقد من الإيجاب و القبول؛ إذ لا يصدر من كلّ واحد إلّا أحدها، إلّا مع تعدد الحيثيّة، كما لو اتّحد الموجب و القابل، فيكون من باب أَوْفُوا بِالْعَهْدِ «1» و يُوفُونَ بِالنَّذْرِ «2» و يكون المراد الإيفاء على مقتضى الإيجاب أو القبول.

أو المراد وجوب الإيفاء على مقتضى نفس العقد الحاصل من الإيجاب و القبول، فلا يكون من باب أَوْفُوا بِالْعَهْدِ و يُوفُونَ بِالنَّذْرِ.

و على أيّ تقدير، فيصحّ الاستدلال بها على صحّة الفضولي.

و لا يرد أنّه لا معنى لوجوب إيفاء البائع فضولا على مقتضى بيعه، فإنّ الإيفاء على الاحتمال الثاني، واضح بعد تمامه بالإجازة، و كذلك على الأوّل؛ لأنّ مقتضى إيجاب البائع فضولا العمل على مقتضى بيعه، و يجب عليه أن يعتقد كون المبيع مال المشتري بعد إجازة المالك، و تترتّب عليه ثمرته.

هذا ما حقّقته في سالف الزمان في وجه الاستدلال بالآية.

______________________________
(1). الاسراء: 34.

(2). الانسان: 7.

رسائل الميرزا القمي، ج‌1، ص: 458‌

و لكن الّذي يظهر لي الآن بعد التأمّل أنّ ذلك لا يخلو من إشكال بملاحظة ظاهر اللفظ، و أنّ الجمع المحلّى حقيقة في العموم لا العهد، و بملاحظة تداول العلماء الاستدلال بذلك على الإطلاق، و بملاحظة عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ العقد، و هو في الأصل الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال.

بيان معنى العقد

و المراد بالعقد هنا: العهد الموثّق على سبيل المجاز، تسمية المعلّق باسم المتعلّق، فالعقد هو التوثيق و التسديد في الأصل، و هو يتعلّق بالعهد و غيره.

قال الجوهري: «عقدت الحبل و العهد و البيع فانعقد» «1».

فالمراد بالعقود هنا العهود الموثّقة، كما صرّح به جماعة من المفسّرين «2».

و يمكن دفع الإشكال الأوّل مع التزام إرادة مطلق العقود و العهود الموثّقة؛ مراعاة للمعنى اللغوي بأنّ لزوم التخصيص الغير المرضيّ لو سلّمنا أكثريّة الغير المتداولة في الشرع، إنّما هو إذا أريد بعموم العقود العموم النوعي، و هو خلاف التحقيق، بل المراد هو العموم الأفرادي.

فإذا لوحظت الأفراد، فلا ريب أنّ أفراد العقود المتداولة أكثر من أفراد غيرها، سيّما في مثل البيع و الإجارة و النكاح.

فبعد منع ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ العقد يبقى على عموم المعنى اللغوي.

فكلّما ثبت بطلانه بدليل كالميسر و الأزلام و الربا و الرهان بغير ما جوّزوه في محلّه و المغارسة و نحوها، فيخرج و يبقى الباقي.

و إلى ذلك ينظر استدلالهم بهذه الآية في لزوم العقود اللازمة.

______________________________
(1). الصحاح 2: 510.

(2). مجمع البيان 3: 151؛ البيان 6: 411؛ تفسير الطبري المسمّى ب‍: جامع البيان في تأويل القرآن 4: 385.

رسائل الميرزا القمي، ج‌1، ص: 459‌

فالجواز في مثل الوكالة و المضاربة و الشركة و نحوها إنّما ثبت بالمخصص، و إلّا لقلنا باللزوم فيها أيضا.

و لذلك تأمّل بعضهم في بطلان شركة الأبدان و الوجوه و نحوهما لو لم يكن إجماع «1»، فلا يلزم وجود الدليل في كلّ واحد من خصوصيات العقود صحّة و لزوما، بل المحتاج إليه الفساد و الجواز.

و لا بدّ في هذا المقام من معرفة أنّ الصحّة الّتي هي من أحكام الوضع تتوقّف على التوظيف من قبل الشارع.

و كون الأصل إباحة العقد أو براءة الذمّة عن العقاب و المؤاخذة على معنى آخر لا يستلزم ترتّب الأثر الذي هو معنى الصحّة المبحوث عنه هنا؛ فإنّ مقتضى أصل الإباحة و البراءة و إن كان جواز المعاهدة و المعاقدة و جعل الآثار مترتّبة عليها عند العباد، و لكنّه لا يثبت بمحض ذلك عدم انفكاك الآثار عن المؤثّرات، و لزوم الوفاء بها بحيث لو تخلّفوا عنها كانوا معاقبين.

و أمّا بعد ثبوت تجويز ذلك الجعل من الشارع: فيلزم ترتّب الآثار على المؤثّرات، و لا يجوز التخلّف.

فمعنى الصحّة التي هي حكم من أحكام الوضع هو حكم الشارع بلزوم الترتيب.

نعم، قد يلزم الترتيب بدون حكم الشارع أيضا فيما استقل به العقل في الحكم بلزومه، كردّ الوديعة و أداء الدين، و لكنّه أيضا من الأحكام الوضعيّة الثابتة من الشرع بلسان العقل إذا حكم العقل بالاستقلال من جملة الأدلّة الشرعيّة فتظهر ثمرة توقيفيّة الأحكام الوضعيّة فيما لم يستقلّ بحكمها العقل.

فلو فرض أنّ أهل العرف قد واضعوا البيع، و جعلوا من آثاره تملّك كلّ من المتبايعين ما كان في يد الآخر، و لما يبلغ من الشرع الحكم بذلك الترتّب و لزومه،

______________________________
(1). كالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 10: 193، و انظر الحدائق الناضرة 21: 160.

رسائل الميرزا القمي، ج‌1، ص: 460‌

فيجوز ردّ كلّ منهما ما في يده إلى الآخر مع استرداد ما كان له أوّلا بدون رضا الآخر، فمقتضى أصل البراءة و الإباحة جواز المعاقدة، و جواز اعتقاد التملّك بها، و جواز التصرّف المالكي في كلّ من الطرفين.

و أمّا ثبوت الملكيّة الواقعيّة في نفس الأمر، و عدم جواز الأخذ منه مع ردّ عوضه إليه بدون رضاه و أمثال ذلك: فيتوقّف على حكم الشرع، و هو معنى الصحّة.

________________________________________
گيلانى، ميرزاى قمّى، ابو القاسم بن محمد حسن، رسائل الميرزا القمي، دو جلد، دفتر تبليغات اسلامى - شعبه خراسان، قم - ايران، اول، 1427 ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 5

العنوان السابع و العشرون [في بيان أصالة الصحة في العقود

______________________________
(1) لم يرد في المخطوطتين.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 6‌

عنوان 27 قد تقرر: أن الأصل في المعاملات كالعبادات الفساد، بمعنى عدم ترتب الأثر شرعا، لأن ترتبه عليه أمر توقيفي يحتاج إلى ثبوته من الشرع، فما لم يثبت فالأصل عدمه. و الظاهر: أن كون البناء على أصالة الفساد في كل ما شك في ورود دليل على صحته مجمع عليه فيما بينهم، و إنما البحث في أنه هل يثبت قاعدة كلية تدل على الصحة أم لا؟ فنقول: الشك في الصحة و الفساد تارة يكون في نفس الحكم الشرعي، كالشك في صحة الصرف من دون قبض، و الوقف بدون قصد القربة، و نحو ذلك، و إليه يرجع الشك في الموضوع المستنبط، لأنه راجع إلى معرفة مفاد الدليل، فيكون الشك في شمول اللفظ لذلك الفرد المشكوك مؤديا إلى الشك في حكمه، لا بمعنى كون الشك مسببا عنه، بل بمعنى بقائه على ما كان سابقا قبل «1» قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» و شككنا في أن البيع هل يعم ما وقع بلفظ (ملكت) أو ما وقع بالمعاطاة، أم لا؟ و لازم ذلك بقاؤهما مشكوكي الحكم كما كانا قبل ورود الدليل،

______________________________
(1) في النسخ بدل «قبل»: مثل، و الصواب ما أثبتناه، علما بالتصحيف.

(2) البقرة: 275.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 7‌

لعدم وجود دليل واضح يدل على صحتهما، فيرجعان إلى أصالة الفساد لو لم يثبت قاعدة أخرى. و بالجملة: الشبهة في الموضوع المستنبط راجع إلى الشك في الحكم. و تارة يكون في الموضوع الصرف، كما إذا وقعت معاملة في الخارج و نحن نعلم أنها لو وقعت على الطريق الفلاني لكان صحيحا شرعا، و لو وقعت على طريق آخر مثلا كانت فاسدة، و لكن لا ندري أنها وقعت بأي الطريقين، فهنا مقامان:

المقام الأول «1» في شبهة الحكم

و الظاهر: البناء في المشكوك في العقود على الصحة و يأتي الكلام في الإيقاعات و الوجه في ذلك يتخرج من أمور عديدة‌

الأول: أنه لا ريب أن المعاملات إنما هي أمور ضرورية للتعيش، و ليس من مخترعات الشرع

، بل لا ريب في أن المكلفين يحتاجون إلى نقل الأعيان بعوض أو بدونه، و كذلك المنافع بعوض أو بدونه. و يحتاجون إلى الشركة و الاسترباح و الاستئمان و النيابات و التناكح، و نحو ذلك، و يتولد من ذلك البيع و الصلح و الهبة و الإجارة و العارية و الوكالة و الشركة و المضاربة و النكاح و المزارعة و المساقاة و الجعالة، و غير ذلك من العقود. و لا يخفى على كل من له درئه: أن هذه كلها من الأمور المتداولة بين الناس على اختلاف الأنواع و الأشخاص، بل قد تداول بينهم ما ليس داخلا تحت هذه العقود المعنونة في الفقه، فإنهم يستعملونها «2» على حسب حاجاتهم، و بعضها يمكن‌

______________________________
(1) في غير «م»: أحدهما. و لا يخفى أنّ المؤلّف قدس سره لم يبحث عن عدله- المقام الثاني- في هذا العنوان، و أخّر البحث عنه إلى العنوان التالي، يجي‌ء في ص: 31.

(2) كذا، و المناسب: تذكير الضمير، لرجوعه إلى «ما» و هكذا فيما يأتي من الضمائر في هذه الفقرة.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 8‌

تخريجها بحيث يدخل تحت أحد المذكورات، و بعضها مما لا يمكن. فيعلم من ذلك تداول هذه الأمور في زمن الشارع أيضا، فلو كان المشكوك فيه حراما و فاسدا لم يقرر الشارع لهم على ذلك، مع أن ظاهر اتصال هذا التداول إلى زمن الشرع كون الشارع قد قررهم على ذلك، و تقريره دال على صحته و إمضاء الشارع له، و هو معنى ترتب الأثر.

الثاني: أن نقول: إن المشكوك فيه بعد ثبوت تداوله لو كان فاسدا لاشتهر و تواتر

، لعموم البلوى و شدة الحاجة، و الفرض أنه لم يشتهر و لم يظهر، فدل على عدم كونه فاسدا في نفس الأمر. فإن قلت: إنه لو كان صحيحا لاشتهر و تواتر، مع أنه لم يظهر، فعلم أنه فاسد. قلت: حيث إن هذا شي‌ء متداول عند الناس، و من المعلوم أنه لم يكن طريقتهم السؤال عن كل ما هو بأيديهم، سيما مع علم الشارع به، و كانوا يبنون فيما فعلوه على الموافقة للواقع حتى يظهر من الشارع المنع عنه و بيان عدم صحته، فالمحتاج إلى البيان إنما هو الفساد، فما لم يبين علم عدمه، و عدم المنع بيان لصحته. فإن قلت: إذا كان «1» مقتضى الأصل الأولي الفساد، فلعل سكوت الشارع من باب الاتكال على أن المكلفين يبنون على الفساد، لأنهم يعرفون ذلك بعقولهم، فتكون الصحة هي «2» المحتاج إلى البيان منه. قلت: هذا إذا لم يعلم الشارع بارتكاب المكلفين به، فإذا علم به علم أن بناءهم ليس على الفساد ما لم يظهر من الشرع «3» منع، فعدم ظهور منعه مع ذلك دليل على الإمضاء، و هو المطلوب.

الثالث: أن عموم قوله عليه السلام في الرواية المشهورة: (الناس مسلطون على أموالهم

«4» يقتضي صحة العقود المتفرعة عليها في الجملة و إن لم يدل على ترتب‌

______________________________
(1) في «ف، م»: قد عرفت أنّ مقتضى الأصل.

(2) في غير «م»؛ هو.

(3) في «ف»: الشارع.

(4) عوالي اللآلي 1: 222، ح 99.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 9‌

تفاصيل الأحكام. و بيان ذلك: أن المولى إذا أعطى لعبيده كل واحد منهم شيئا من الأمتعة و الأموال ثم قال: (كل واحد منكم مسلط على ما أعطيته إياه) و لم يقيد التسلط بشي‌ء دون شي‌ء، يفهم أنه لو باعه أو ملكه غيره أو آجره أو شرك فيه أو نحو ذلك فكلها مقبولة عند المولى، فيصير المعنى في عموم تسلط الناس على أموالهم: أن كل ما يتصرفون فيه بحسب ما يريدون مقبول عند الشارع، بمعنى: أنه جعل لهم هذه التصرفات و أمضى لهم ذلك. و احتمال أن يراد: تسلطهم على أموالهم في الأكل و الشرب و اللبس و الركوب و نظائر ذلك من التصرفات و الانتفاعات لا يساعد عليه الإطلاق، إذ ليس هناك تشكيك حتى ينصرف إلى ما ذكر، و لا قرينة صارفة عن الإطلاق. و لا ريب أن البيع و نحوه أيضا من طرق الانتفاع بالمال و التصرف فيه، و قد سلطه «1» الشارع على ذلك على الإطلاق. و دعوى التسلط مع بقاء المال على ما ليته له، مدفوعة بأنه خلاف الظاهر. كما أنه لو قيل: بأن الظاهر من الرواية ورودها في بيان أصل التسلط في الجملة و ليس واردا في مقام بيان الإذن في التصرفات حتى يتمسك بإطلاقه، فالمراد منه: تسلطهم على ما لهم على نحو ما قرره الشارع من أنواع التصرفات و طرقها، فلا يكون عموم التسلط مثبتا لصحة معاملة مشكوكة، بل معناه: أن كل طريق قررناه للتصرفات و أمضيناه في ترتب الآثار فالناس مسلطون في أموالهم بالتصرف على تلك الطرق و لا حجر عليهم في ذلك. أجبنا عنه: بأن انصراف التسلط على الطرق المقررة غير ظاهر من اللفظ، و لم يقم على ذلك قرينة، بل الظاهر عند التأمل كون مثل هذه العبارة إنشاء لإمضاء تصرف المالك أي نحو أراد، فمقتضاه: أن كل نحو تصرفوا فيه فهو مقبول عندي و ممضى، و ليس معنى الصحة إلا ذلك.

______________________________
(1) في «ن، د»: سلّط.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 10‌

مضافا إلى أن الفقهاء يستدلون به في كون الأسقاط موجبا للسقوط، و في كون الإذن مبيحا للتصرف، و نحو ذلك من المقامات، بتقريب: أنه ماله و الشارع سلطه عليه، فإذا أسقطه فلا كلام فيه، و نظير ذلك يذكرونه في الحقوق، و الظاهر عدم الفرق. فنقول: إذا ملكه لغيره فهو «1» مسلط، و ليس معنى تسلطه «2» إلا وقوع ما فعله عند الشارع، و تقييده بكونه على نحو قرره الشارع حتى يحتاج في ذلك إلى إثبات الصحة من خارج دعوى بلا بيان، و الفهم العرفي بانصرافه غير ظاهر. فإذا ثبتت القاعدة في الماليات تثبت في غيره أيضا بعدم القول بالفصل، فإن من قال بأصالة الصحة في بعض العقود قال به في الجميع، فتدبر.

الرابع: قوله تعالى في سورة المائدة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

«3». و تحرير الدلالة على المدعى بأن يقال: إن الإيجاب و القبول الواقعين بين المكلفين لا ريب أنه داخل في العقود، لأن معناه الربط، و الإيجاب و القبول ربط شي‌ء بآخر، فيشمله ذلك. أو بأن «4» معناه: العهد أو العهد المؤكد، فيشمل الإيجابين أيضا، لأنه عهد من المتعاقدين و مؤكد كذلك، لبناء العقود على الدوام و الثبات كما يقرر «5» في محلها فيدخل تحت العموم، و ظاهر الأمر وجوب الوفاء بكل ما هو عقد، و كل ما وجب الوفاء به من المكلفين فهو صحيح، إذ ليست الصحة إلا ترتب الأثر شرعا، فإذا أمضى الشارع ما وقع بالوفاء به و العمل بمقتضاه فعلم كونه مؤثرا في ذلك. و بعبارة اخرى: لا نريد من الصحة إلا قبول أثره المقصود عند الشارع، و هو حاصل من الأمر بالوفاء و ملخص كلام أهل اللغة و التفسير في هذه الآية الشريفة: أن صاحب الكشاف.

______________________________
(1) في غير «م»: فنقول هو.

(2) في «م»: السلطة.

(3) المائدة: 1.

(4) في «ن»: بيان معناه.

(5) في «م»: تقرّر.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 11‌

قال: إن العقد العهد الموثق، لشبهه بعقد الحبل و نحوه، و هي عقود الله التي عقدها على عباده و ألزمها إياهم، و قيل: هي ما يعقدون بينهم من عقود الأمانات و المبايعات و نحوهما، و الظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه من تحليل حلاله و تحريم حرامه، و أنه كلام قدم مجملا ثم عقب بالتفصيل، و هو قوله: أحلت لكم «1». و قال الطبرسي: إن العقد أوكد العهود، و اختلف في هذه العهود على أقوال:

أحدها: أنها عهود أهل الجاهلية بينهم على النصرة و الموازرة و المظاهرة. و ثانيها: أنها عهود الله في حلاله و حرامه. و ثالثها: العقود التي يتعاقدها الناس بينهم و يعقدها المرء على نفسه، كعقد الأيمان. و رابعها: أمر أهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم بالعمل بما في التوراة و الإنجيل في تصديق نبينا صلى الله عليه و آله و ما جاء به من عند الله. و أقواها القول الثاني كما رواه ابن عباس، و يدخل فيه جميع الأقوال الأخر «2». و قال البيضاوي: و لعل المراد بالعقود ما يعم العقود التي عقد الله سبحانه و تعالى على عباده و ألزمها إياهم من التكاليف، و ما يعتقدون بينهم من عقود الأمانات و المعاملات «3». و نقل عن الراغب: أن العقود «4» ثلاثة أضرب: عقد بين الله و بين عباده، و عقد بين المرء و نفسه، و عقد بينه و بين غيره من البشر «5». و ظاهر الآية يقتضي كل عقد، سوى ما كان تركه واجبا‌

______________________________
(1) الكشّاف 1: 600- 601.

(2) مجمع البيان 3: 151.

(3) تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل) 1: 260.

(4) في سوى «م»: العقد.

(5) لا يوجد ما نقل في مادّة «عقد» من مفردات الراغب؛ قال المحقّق النراقي: و قال الراغب على ما نقل عنه: العقود. عوائد الأيام: 3.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 12‌

و في الصافي عممه كذلك «1». و المقدس الأردبيلي في آيات الأحكام قال: يحتمل كون المراد العقود الشرعية الفقهية، و لعل المراد أعم من التكاليف و العقود التي بين الناس و غيرها، كالأيمان «2». و في الخبر في الصافي: أن رسول الله صلى الله عليه و آله عقد عليهم لعلي عليه السلام بالخلافة في عشرة مواطن، ثم أنزل الله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام «3». و الحاصل من ذلك: أن المراد هنا إما مطلق العهود، أو عهود أمير المؤمنين عليه السلام، أو عهود الجاهلية، أو عهود الله على عباده، و هي التكاليف، أو العقود التي بين الناس، سواء خصصناها بالمتداولة، أو عممناها بالمخترعة، أو جميع ذلك. و لا ريب أن الآية الشريفة بظاهر الأمر بالوفاء تدل على الصحة فيما دخل تحت عموم العقود و إن بقي الإشكال في الجواز و اللزوم، و سنذكر في عنوان آخر «4» إن شاء الله تعالى. فالمهم هنا: بيان ما يدخل تحت العموم حتى يثبت الصحة في المشكوك منه. فنقول: أما اختصاصها «5» بعهود أمير المؤمنين عليه السلام: فهو خلاف الظاهر، و الخبر الواحد لا يكفي في الاختصاص على فرض تسليم الدلالة، مع أنه لا دلالة فيه «6» غايته أنه مورد نزول الآية، و المورد لا يخصص العام من هذه الجهة و إن بقي فيه شبهة إرادة العهد، و سيجي‌ء الكلام فيه. مضافا إلى أن العهد لأمير المؤمنين عليه السلام إنما هو داخل في باطن الآية، كما يعلم ذلك من ملاحظة تفسير أكثر الآيات المذكور فيها «7» مثل العهد و الأمانة‌

______________________________
(1) تفسير الصافي 1: 417.

(2) زبدة البيان: 462.

(3) يأتي في العنوان 29.

(4) يأتي في العنوان 29.

(5) في غير «م»: اختصاصه.

(6) في سوى «م»: فيها.

(7) في غير «م»: المذكورة فيها.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 13‌

و نظائر ذلك، بل بعد التتبع يعلم أن غالب آيات القرآن مؤول إلى علي عليه السلام و أولاد الطاهرين، و هو لا ينافي الاستدلال بالظواهر. مع أنه يمكن أن يقال: إن الميثاق لأمير المؤمنين عليه السلام عبارة عن وجوب إطاعته و ثبوت ولايته، و قبوله مستلزم للإتيان بالتكاليف كملا، لكون التخلف عنه تخلفا عن إطاعته في ذلك الجزء المتخلف عنه. و بالجملة: لا قدح في الآية من هذه الجهة. و أما إرادة عهود الجاهلية: فلم يقم على تخصيصها «1» بها قرينة، و لم يذكره أكثر أهل اللغة و التفسير، مع بعده عن سياق الآية جدا و مخالفته لما رجحه أكثر أهل التفسير بل كلهم. و أما إرادة التكاليف خاصة: فهو أيضا تخصيص من دون مخصص، إذ في اللغة و العرف تعم تلك و غيرها، و قد عممها «2» جماعة من أهل التفسير و اللغة. و كلام صاحب الكشاف و إن كان ظاهرا في اختصاصها «3» بها، لكنه غير مسموع، بلا شاهد «4» بل هو اجتهاد صرف معارض بكلام غيره «5» مع احتمال «6» إرادة ما يعم عقود الناس أيضا من الحلال و الحرام، كما مر في كلام الطبرسي أنه رجح قول ابن عباس ثم «7» قال: و يدخل فيه جميع الأقوال الأخر (كما ذكرناه آنفا «8» فالظاهر من ذلك حينئذ إرادة العقود و العهود و التكاليف كلها، أو الأول خاصة، أو مع الثاني. و على كل تقدير: فتعم عقود الناس، كما هو محل البحث. فكل ما يسمى عقدا لو شك في صحته و فساده لفقد ما يحتمل كونه شرطا، أو وجود ما يحتمل كونه مانعا، أو للشك في كون شي‌ء شرطا، أو كونه مانعا يحكم بالصحة،

______________________________
(1) في سوى «م»: تخصيصه.

(2) كذا في «م» و العبارة في غيرها هكذا: إذا اللغة و العرف يعمّ ذلك و غيره، و قد عمّمه.

(3) في غير «م»: اختصاصه.

(4) في «م»: إذ لا شاهد له.

(5) في «م» زيادة: على أنّه غير صريح فيه.

(6) في «م»: لاحتمال.

(7) في «م»: فإنّه بعد أن رجّح قول ابن عبّاس قال.

(8) لم يرد في «م».

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 14‌

لدخوله تحت العموم. نعم، بقي هنا كلام، و هو أن المراد بالعقود بعد شموله لمحل البحث هل العقود المتعارفة في زمن الشارع، أو كل عقد مخترع أو متعارف؟ و تظهر الثمرة فيما لو أريد تشريع عقد جديد لثمرة مقصودة، فهل يمكن التمسك في صحته بالآية أو لا؟ «1». فعلى الأول: لا يمكن، لانصرافها إلى المتعارفة، فيحتاج في دخول المشكوك فيه في الآية إلى العلم بأنه من العقود المتعارفة، و الفرض أنه مخترع. و على الثاني: نعم «2»، لصدق أنه عقد، فيدخل. رجح جماعة كون المراد: المتعارفة، و لعل السر في ذلك: أن الجمع المحلى باللام و إن كان يفيد العموم بالوضع إلا أنه محتاج إلى عدم وجود قرينة العهد أو مجاز آخر، و هنا ليس كذلك، كما ذكروا نظيره في الاستغراق العرفي، و مثلوا له بقولهم: جمع الأمير الصاغة. و توضيحه: أنه لا ريب في كون العقود معروفة بين الناس على حسب ما يحتاجون إليه «3» في أمر معاشهم، فإذا كان متداولا هذا التداول فلا ينصرف هذا الخطاب إلا إلى ما هو المتداول، فيكون الاستغراق عرفيا، بمعنى كونه منصرفا إلى المعهود من العقود، فإذا ثبت كون عقد متعارفا في ذلك الزمان و صح دخوله تحت العموم ينفي شرطية المشكوك فيه أو مانعيته بالأصل و بإطلاق الآية، لا إذا شك في الصحة و الفساد من جهة الشك في كونه متعارفا داخلا تحت الآية أم لا. و يبقى الكلام حينئذ في معرفة المتعارف و غيره، فنقول: الميزان في ذلك «4» حصول التعارف الان و عدمه، فإنه كاشف عن الزمان السابق بأصالة التشابه و عدم التغير «5».

______________________________
(1) العبارة في «م» هكذا: و تظهر الثمرة في إمكان التمسّك بالآية لصحّة عقد جديد و عدمه.

(2) في «م»: يمكن.

(3) في «م»: إليها.

(4) العبارة في «م» هكذا: و الميزان في معرفة المتعارف و غيره حصول.

(5) في «ن»: التغيير.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 15‌

و لا يبعد منع الانصراف إلى المتعارف، نظرا إلى أن العموم الاستغراقي إنما هو مفيد لعموم الأفراد لا الأنواع على مقتضى الوضع و العرف، و حمله على استغراق الأنواع مما لا شاهد له، فإذا اشتمل «1» الأفراد عموما، فإما أن يراد منه الأفراد المتعارفة، أو مطلقا. فعلى الثاني: يلزم العموم مطلقا، و هو المطلوب. و على الأول: فاللازم عدم إمكان التمسك بها في الأفراد القليلة الوقوع من البيع و الصلح و غير ذلك من الأنواع المتعارفة أيضا، لأنها غير داخلة، فتنتفي ثمرة الآية في الاستدلال، إذ لا يقع الشك الموجب للتمسك بها إلا في فرد له نوع ندرة. مضافا إلى إطباق الأصحاب على التمسك بها في الأفراد النادرة من الأنواع الغالبة، بل في الأفراد التي هي أشد ندرة بحيث لا يكاد يقع، و ليس هذا إلا لعدم الانصراف إلى المتعارف. مع أنا نقول: إن عدم تعارف الوجود لا يضر في دلالة العام، لأنه يشمل النادر أيضا، و إنما ذلك يمنع في المطلق، مضافا إلى أن المانع غلبة الإطلاق، و أما غلبة الوجود إذا لم يكن في إطلاق اللفظ عليه شبهة فنمنع الانصراف. و ما يقال: إنه لا منافاة بين التعميم في الأفراد للنادرة «2» و في الأنواع إلى الغالبة. قلت: نعم، لا منافاة في ذلك، لكن الحمل يحتاج إلى دليل، إذ الحمل إما أن يكون للغلبة فلا وجه لإدخال الأفراد النادرة، بل ينبغي عدم إدخالها، لأن الفرد إنما هو مورد العموم، فلا وجه لأن يقال بخروج النوع النادر دون الفرد. و إن كان احتمال «3» إرادة العهد من العام فلا قرينة له سوى غلبة الوقوع، و هو مشترك بين النوع و الفرد. و الحاصل: لم أجد وجها في إخراج الأنواع النادرة دون الأفراد النادرة من‌

______________________________
(1) في «م»: شمل.

(2) كذا في «م»، و في سائر النسخ: النادرة.

(3) في هامش «م»: لاحتمال، ظ.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 16‌

الأنواع الشائعة. و احتمال: أن يكون السبب وجود الأفراد النادرة مع شيوع النوع في الجملة، بخلاف النوع النادر الغير المتعارف، فإنه غير واقع أصلا مدفوع بمنع وجود جميع أفراد النوع الشائع التي يختلف باختلافها الحكم، و منع عدم وجود النوع النادر. و القائلون بحمل الآية على المتعارفة يقولون بعدم شمولها للعقود الموجودة إذا لم تكن متعارفة بحيث يكشف عن تداولها في زمن الشرع، فلا وجه لاعتبار عدم الوجود أصلا. فلو عممنا الآية الشريفة لكل ما يسمى عقدا و قلنا بشموله لنادر الأنواع و الأفراد إلا إذا انجرت الندرة إلى حد يشك في كونه عقدا، فلا يشمل لكان أوفق بظاهر الآية، و أوسع في الاستدلال.

نعم، شمولها للأفراد الشائعة من الأنواع المتعارفة واضح، و للنادرة منها أيضا لا إشكال فيه، و للأنواع النادرة محل خفاء. و لكن الظاهر العموم، فلا يفترق الحال بين الشك في النوع أو الفرد بعد العلم بتعارفه أم لا في إدراجه تحت الآية و الحكم بالصحة بعد ثبوت كونه عقدا. و يمكن أن يقال: إن المتعارف عند الناس لما كان إطلاق العقد على البيع و الإجارة و النكاح و المسابقة و نحو ذلك، فكأنهم يعدون هذه الأنواع أفرادا للعقد، بل لا يسبق إلى النظر من قولك: (كل عقد) إلا البيع و الصلح و نحوهما، دون هذا البيع و ذلك «1» و نحو ذلك، فينصرف إلى الغالب في الأفراد الإضافية المركوزة في الأذهان، و يصير بمنزلة (أوفوا بالبيع و الصلح) و يعم حينئذ كل فرد من الأنواع المتعارفة و إن كان نادرا، لتعلق الحكم بالطبيعة السارية في جميع أفرادها، و الندرة لا تقدح في ذلك.

______________________________
(1) في «م»: دون هذا البيع و ذاك و ذاك.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 17‌

و هذا الكلام له وجه تخريج، إلا أن الآية على المختار شاملة لكل عهد بظاهر لفظ العموم «1» و كلمة المفسرين، فينبغي «2» ارتكاب هذا الكلام في التكاليف أيضا بوجوب الوفاء بالأنواع الشائعة كالصلاة و حرمة الزنا و إن كان في أفرادها «3» النادرة، دون الأنواع النادرة، و هو خلاف ظاهر الآية و ظاهر أهل التفسير، بل ظاهرهم الإطباق على إرادة الحلال و الحرام مطلقا، فكذلك في العقود، فتدبر. فلا وجه لرمي الآية الشريفة بالإجمال كما يتراءى من بعض المتفقهة و لا حملها على الأنواع المتعارفة كما طفحت به كلمة طائفة من المدققين، و الله العالم.

و هنا إشكالات:

أحدها: أنه لا ريب في خروج كثير من العهود عن الآية

، لعدم لزوم الوفاء بها، سواء كان في الأحكام الإلهية، أو في العهود بين الناس، أو نحو ذلك، فاللازم على هذا إما ارتكاب تخصيص الأكثر، و هو غير جائز أو نادر. و إما حمل العموم على المعهود، و هو مخرج عن الدلالة على ما هو المراد من التمسك به في كل مشكوك، بل يختص إلى المتعارف «4» فردا أو نوعا. و الجواب عنه: أن المراد كما ذكرناه هو العموم الأفرادي، و لا ريب أن أفراد العقود الصحيحة أكثر وجودا من أفراد الفاسدة، و كذا أفراد الواجب في التكاليف أكثر وقوعا و ترك الحرام شائع تحققا، فالعهود اللازمة الوفاء أكثر أفرادا من غيرها. مضافا إلى أن استهجان تخصيص الأكثر إنما هو مع عدم بقاء كثرة يعتد بها، و هنا ليس كذلك، حتى لو أريد الأنواع «5» لأن الأنواع اللازمة الوفاء أيضا كثيرة، فتدبر.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 25

الخامس «3»: عموم ما دل من الروايات على أن المؤمنين أو المسلمين عند شروطهم

«4» كما سيذكر إن شاء الله تعالى في بحث الشروط بتقريب دلالتها على أن كل شرط لازم، و الشرط عبارة عن الالتزام، و هو مفيد للصحة فيما هو كذلك، و العقود كلها فيها «5» إلزام و التزام، لأنها نوع عهد، كما قرر. أو يراد من الشرط الربط و تعليق شي‌ء بشي‌ء كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى فيشمل العقود أيضا، لأنها ربط و تعليق لأحد الطرفين، و حيث ثبت إمضاء الشارع لكل «6» شرط فيشمل محل البحث. و خروج ما خرج بالدليل لا يقدح في كون العام حجة في الباقي، و يجي‌ء في المقام زيادة توضيح.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 27

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 27‌

العنوان الثامن و العشرون [] في بيان أصالة الصحة في الإيقاعات

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 28‌

عنوان 28 هل في الإيقاعات أيضا أصل يدل على الصحة فيما شك في حكمه من جهة شرط أو مانع، أو شككنا في مشروعية أصله أم لا؟ و قد يتمسك في ذلك بأمور: أحدها: عموم (المؤمنون عند شروطهم «1» لو أريد منه الإلزام و الالتزام، و لا ريب أن الإيقاعات كالطلاق و الظهار و العتق و الإذن و نظائر ذلك التزامات لمقتضياتها، فتدخل تحت العموم و يثبت كونها ممضاة «2» من الشارع. و يجي‌ء هنا البحث السابق في الحمل على المتعارف و عدمه، و يجي‌ء «3» الكلام السابق في التعميم للأفراد و الأنواع، و يتمسك به، حتى في الشك في مشروعية إيقاع من الإيقاعات من أصله، كإخراج مال عن ملك مالكه بقوله: (أخرجته عن ملكي) و نظائر ذلك. لكن يمكن أن يقال: إن الظاهر من كون المؤمنين عند شروطهم الشروط الواقعة بينهم، فلا يشمل غير ما هو بين اثنين، و الإيقاعات كلها أو أغلبها التزامات «4» بين المكلف و بين الله، لا شرط بينه و بين آخر.

______________________________
(1) عوالي اللآلي 1: 218، ح 84، و الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، ح 1 و 5 بلفظ: المسلمون.

(2) في غير «م»: ممضى.

(3) في «م»: كما أنّه يجي‌ء.

(4) في غير «م»: التزام.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 29‌

و يمكن المنع بأن المراد: كل مؤمن لا بد أن يقف عند شرطه و لا يتجاوزه، و لا دلالة فيها على الوقوع بين الاثنين، و لا انصراف أيضا، و بعد ما ثبت عدم المنع من جانب الشارع بل أمره بالوقوف عنده تثبت صحته، إلا ما دل الدليل على خروجه، فيخرج. و المناقشات مع أجوبتها مما لا يخفى، خصوصا بعد ما ذكرنا في العقود. و ثانيها: عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» لما مر أن المراد بالعقد هو العهد، و هو شامل للإيقاعات، بل بعضها دخوله مصرح به في كلام أهل اللغة و التفسير كالنذر و اليمين و العهد و غير ذلك و بذلك يسقط اعتبار الوقوع فيما بين الاثنين في معنى العقد، لإطباق أهل اللغة و التفسير كما عرفت على دخول اليمين تحت العقد لغة و عرفا، أو دخوله في المراد من الآية الشريفة، و لا بدع «2» في دخول الإيقاعات كافة تحت العقد، سيما «3» بقرينة ما ذكر، و بمعونة كلام الراغب «4» و غيره من أهل اللغة. و دخول مثل «5» الشفعة و الخلع و نظائرهما أوضح من غيره. و لا مانع [منه «6»] سوى ما يستفاد من كلمات «7» الأصحاب من كون العقد عبارة عما يحتاج إلى الطرفين، و هو «8» كاشف عن فهمهم من الآية ذلك، و هو يصير موهنا للعموم في الآية إلى هذا الحد، و يؤيد كلام من اعتبر وقوعه بين اثنين، و الجرأة على مخالفتهم من الأمور المشكلة، و لكن لو ادعى ذلك لم يكن بعيدا جدا «9». و لقد رأيت في كلام بعض من تأخر التنبيه على هذا التعميم، أظن «10» أنه السيد‌

______________________________
(1) المائدة: 1.

(2) في «م»: و لا بعد.

(3) في «م»: و لو.

(4) المفردات: 341.

(5) العبارة في «م»: سيّما مثل، و لم يرد فيها- في آخر الفقرة- «أوضح من غيره».

(6) من «م».

(7) في «ف، م»: كلمة الأصحاب.

(8) في «م»: إذ هو.

(9) العبارة في «م» هكذا: فيصير موهنا لعمومها، لكن مع ذلك ما ذكرناه لم يكن بعيدا.

(10) في «م»: و ظنّي.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 30‌

السند المعاصر السيد محمد باقر الرشتي أطال الله بقاه «1» و لا بأس به «2». و ثالثها: قوله عليه السلام: (إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام «3». بتقريب: أن الرواية دلت على أن المحرم و المحلل هو الكلام لا غيره، و الإيقاعات إنما هي من مقولة الألفاظ و الكلام، فينبغي أن يكون محللا و محرما، إلا إذا دل دليل على خلافه. و لكن لقائل أن يقول: إن مدلول الرواية: أن غير الكلام لا يحلل و لا يحرم، لا أن كل كلام محلل و محرم. و دعوى: أن الرواية أسندت الحكمين إلى جنس الكلام و نفى عن غيره و مقتضاه ثبوت هذا الحكم في كل فرد من أفراده بالعموم الجنسي، مدفوعة بأن ذلك فرع كون الكلام مسوقا لبيان حكم الكلام، و هنا ليس كذلك، بل هو مسوق لنفي الحكم عن غير الكلام، كما لا يخفى. و من هنا يندفع احتمال عموم الحكمة، لابتنائه على عدم الفائدة في الكلام لو لم يحمل على العموم، و هنا ليس كذلك، إذ ليس فائدة الرواية إثبات الحكم للكلام حتى يقال: إن الفرد المنتشر منه غير مفيد للفائدة و المعهود غير متحقق «4» فثبت العموم، بل فائدة الخبر نفي الحكم عن غيره و إن كان في طرف الإثبات مجملا بحسب الكلية و الجزئية، فتدبر. و هذا كله بالنسبة إلى تأسيس القاعدة في نوع العقد و الإيقاع، و إلا ففيما دل على مشروعية العقود و الإيقاعات المعنونة في الفقه من الأدلة الخاصة عموما أو إطلاقا كفاية في مقام الشك في جزء أو شرط أو مانع. نعم، لو أريد إحداث عقد أو إيقاع جديد غير منصوص بالخصوص فلا بد من تأسيس هذا الأصل بحيث لا ينحصر على الأنواع المتعارفة، حتى يثمر في هذا،

______________________________
(1) صاحب مطالع الأنوار- في شرح الشرائع- و مؤلّفات اخرى، المتوفّى: 1260.

(2) و لا بأس به: لم يرد في «م».

(3) الوسائل 12: 376، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، ح 4.

(4) في «ن، د»: غير محقّق.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 31‌

المقام. و هذا الفرض مع إشكاله و إن قويناه سابقا قليل الثمرة.

المقام الثاني في شبهة الموضوع «1»

من عقد أو إيقاع صادر في الخارج لا يعلم أنه من النوع الصحيح أو من النوع الفاسد مع العلم بالصحيح و الفاسد من الأدلة، فهل يمكن أن يقال: إن الأصل هنا أيضا كونه صحيحا أم لا؟ وجهان: يحتمل أن يقال: إن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و (المؤمنون عند شروطهم) و نظائر ذلك مما دل على الصحة عام شامل لهذا الفرد قطعا، و لم يخرج من ذلك قطعا إلا ما علمنا فساده، و ما شك فيه فهو داخل تحت العموم، لعدم العلم بالخروج. و يحتمل أن يقال: إنا إذا علمنا بخروج نكاح الشغار مثلا و عقد المغارسة و بيع الربوي «2» و بيع المجهول و الطلاق بغير شاهدين و نحو ذلك عن عموم العقود و الشروط، ثم شككنا في الفرد الموجود في الخارج عن مكلف هل أوقعه مجهولا أو معلوما؟ فيرجع هذا إلى عدم العلم بأن هذا الفرد داخل في المخصص، أو داخل في العام، نظير قولنا: أكرم بني تميم إلا الطوال، و شككنا في زيد مثلا من بني تميم أنه طويل أو قصير، فيرجع الشك إلى كونه تحت العام أو المخصص، و فيه للأصوليين قولان: قول بأنه داخل تحت العام كما ذكر في الاحتمال الأول و لهم على ذلك وجوه: أحدها: أن الظاهر من أهل العرف إلحاق هذا الفرد بالعام، إذ لو قال قائل: (كل كل رمانة إلا ما هو من البستان الفلاني) فإذا وجد رمانة و شك في أنه من‌

______________________________
(1) كذا في «م»، و في سائر النسخ: و ثانيهما. و قد تقدّم عدله- المقام الأوّل- في العنوان السابق في ص: 7 فراجع.

(2) في «ن، د»: و عقد الربوي، و الصواب: البيع الربوي.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 32‌

ذلك البستان أو من غيره يأكله، و لا يفهمون من هذا الخطاب في هذا المقام إلا كونه مقيدا بالعلم و أن الخارج ما علم كونه من ذلك البستان لا ما هو كذلك واقعا، و طريقة أهل العرف حجة، إذ ليس إلا من فهمهم من الخطاب ذلك. و ثانيها: أن إخراج نوع خاص أو صنف خاص من ذلك العام يدل على كون ذلك الوصف المأخوذ في المخصص من الموانع. بعبارة أخرى: يعلم من ذلك أن الدخول تحت العام و كونه من أفراده مقتض لهذا الحكم، و إنما المانع هو هذا الوصف المأخوذ في العنوان، و إذا صار كذلك، فلو شك في كونه من ذلك البستان مثلا و عدمه في المثال السابق يصير الشك في وجود المانع مع العلم بالمقتضي، و لا ريب أن الأصل عدم المانع فيثبت الحكم. و احتمال: أن كونه من غير ذلك البستان مقتض فالشك حينئذ موجب للشك في المقتضي، خلاف الظاهر من الإدخال و الإخراج المفهومين من العموم و التخصيص ظاهرا، إذ ليس ظاهرهما عرفا إلا أن المقتضي عبارة عن كونه من أفراد العام، و المانع ليس إلا اتصافه بما أخذ في المخصص، فتدبر. و ثالثها: أن العام أكثر أفرادا من المخصص، بمعنى أن الخارج غالبا بل مطلقا أقل من الداخل، فإذا شك في كون هذا الفرد من أحدهما فالظن يلحقه بالعام ترجيحا لجانب الغلبة، و إن كان يرد عليه: أن هذا ليس ظنا حاصلا من الخطاب، فإن الظن بكون المشكوك من غير ذلك البستان للغلبة لا يوجب الظن بإرادته في العموم من حيث اللفظ و إن أوجب الظن بأنه من أفراد ما هو [من «1»] مظنون الإرادة، فتدبر. و بالجملة: الكلام هنا لا يخلو عن نوع دقة، و الاعتماد على فهم الفطن اللبيب. و رابعها: أن الفرد المشتبه و إن كان يحتمل كونه من أفراد العام و المخصص في الحكم واقعا، و اللفظان و إن كانا منصرفين إلى الواقع، لكن بعد طريان الاحتمال و الإجمال في دخوله تحت أحدهما في الواقع يصير حكمه الواقعي مجهولا،

______________________________
(1) لم يرد في «م».

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 33‌

فيرجع إلى الظاهر، و لا ريب أنه في الظاهر دخوله تحت العام متيقن، لصدق لفظه عليه قطعا، و صدق المخصص عليه مشكوك، و لا يترك اليقين بالشك، فيحكم فيه بحكم العام عملا بالظاهر مع اشتباه الواقع، و هو المدعى. و قول «1» بأن الرجوع في ذلك الفرد المشتبه إلى الأصل، فإن كان حكم العام موافقا للأصل كقوله: (كلوا مما في الأرض جميعا إلا الخبيث) فشك في كون شي‌ء من الخبيث و عدمه على طريق اشتباه الموضوع الصرف بعد معرفة مفهوم اللفظين و كان الأمر للإباحة، ألحقناه بالعام. و إن كان حكم الخاص موافقا للأصل كقوله: (اقتلوا المشركين سوى اليهود) فشك في واحد أنه من اليهود «2» أم لا، فالأصل البراءة عن وجوب القتل، أو الأصل حرمة قتل كل نفس سوى ما ثبت، و هذا غير معلوم الدخول تحت أحد الأمرين. و أما القول بأنه يدخل تحت المخصص مطلقا فلا قائل به على الظاهر، لأنه مخالف للأصل على الظاهر، و حيث يكون مطابقا له فليس دخوله تحته، بل تحت الأصل، بمعنى الإلحاق حكما. و الوجه فيه: أن اشتباه الموضوع مع العلم القطعي بعدم خلوه في الواقع عن أحد الأمرين لا يوجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ، إذ قد علم عدم إرادة ظاهره من العام فكيف يعمل بظاهره؟ و لا يمكن إدخاله تحته بمعونة أصالة عدم التخصيص، إذ ليس هذا لو اخرج عنه تخصيصا آخر، بل إنما هو فرد من أفراد ما خرج بنوعه، فليس هذا حادثا جديدا حتى ينفى بالأصل. و كثرة أفراد ما هو خارج بنوعه لا يوجب زيادة في التخصيص. و غلبة العام أو «3» أفراده غير موجب للظن بالموضوع الصرف في كونه مرادا من اللفظ حتى يندرج تحت ظواهر الألفاظ. و إقدام أهل العرف على إلحاقه بالعام في غير ما كان موافقا للأصل محل نظر، بل ممنوع، و إن شئت فلاحظه «4» فيما خالف الأصل حتى يتضح الأمر، فيكون‌

______________________________
(1) معطوف على قوله: «قول بأنّه داخل تحت العام» تقدم في ص: 31.

(2) في «ف، م»: أنه يهودي.

(3) في غير «ن»: و أفراده.

(4) في «ن، د»: فلاحظ.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 34‌

الأقدام اتكالا على الأصل لا فهما من الخطاب ذلك. و لا نسلم كون المتبادر من الوصف المأخوذ في المخصص المانعية حتى ينحل الشك إلى الشك في وجود المانع و يلزم منه التمسك بالمقتضى، بل الظاهر دخول نوع و خروج آخر، و ليس كون وصف الخارج مانعا أولى من كون عدمه جزءا للمقتضي، فتدبر. هذا غاية الكلام في هذا المرام، و الذي يترجح في النظر القاصر إنما هو الإدخال تحت العام للوجوه الماضية و إن كان خلاف ظاهر الأكثر، بل ربما يدعى «1» اتفاقهم على الثاني. و لكن يمكن دعوى الإجماع على كون طريقة الأصحاب و طريقة الشرع على كون المشكوك فيه داخلا في العام. فإذا فكلما شك في صحته و فساده من الإيقاعات و العقود من باب الموضوع الصرف فيحكم بالصحة حتى يظهر فساده، فيكون مقتضى الأصل الصحة، و يثمر في الدعوى و غير ذلك. و على هذا الوجه الذي قررناه لا يفترق الحال بين صدور تلك المعاملة من مسلم أو كافر لو لم نقل ببطلان معاملات الكافر سنخا كما قد يتخيل لأن الميزان على ما قررناه صدق العمومات، و هو آت في الجميع. و هنا أصل آخر: و هو حمل فعل المسلم و قوله على الصحة، فلو صدر منه عقد أو إيقاع و شككنا في أنه هل وقع على وجه صحيح أو فاسد فالأصل يقضي بالصحة و إن لم نقل بأصل الصحة في مطلق الموضوع الصرف، و هذا أصالة الصحة التي ينبهون عليها «2» في مقام الدعوى و غيره أنه يقدم قول مدعي الصحة، و نحن في غنى عن ذلك، و لكنه مدلول عليه «3» بالإجماع و الأخبار الكثيرة. و يأتي تأسيسها و ذكر أدلتها و رفع الأشكال الوارد عليها في عناوين الكفر و الإسلام إن شاء الله، فانتظر.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

مشارق الأحكام؛ ص: 11

مشارق الأحكام، ص: 11‌

[المشرق الأوّل] [في بيان ما يقتضيه الأصل في المعاملات من الصحّة أو الفساد]

مشرق: في بيان ما يقتضيه الأصل في المعاملات من الصحّة أو الفساد، و تعيين مواردهما و ما يتبع ذلك، و في هذا البحث تحقيق أمور:

الأوّل: ما يقتضيه الأصل الأوّلي من الصحة و البطلان في الشبهة الحكمية، سواء كان الشكّ في شرعية أصل المعاملة أو في شرائطها و موانعها.

الثاني: ما ثبت خروجه منه و انقلب إلى أصل ثانويّ شرعيّ، و فيه تحقيق معنى آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1».

الثالث: ما يتحصّل من الأصلين، من لزوم الصيغة أو عدمه في العقود، و شرائط الصيغة فيما تحقّق لزومها، فهنا مطالب ثلاثة:

المطلب الأوّل: فيما يقتضيه الأصل الأوّلي الحكمي من الصحّة و الفساد في المعاملات.

فاعلم أنّه قد استمرّت بين الناس منذ استقرّت العادات و وضعت السياسات، معاملات بينهم في العقد و الحلّ و الربط و الفكّ فيما يحتاجون إليه في تمدّنهم و انتظام معاشهم، من التجارات و المناكحات و العطيّات و العهود و المواثيق‌

______________________________
(1) المائدة (5): 1.

مشارق الأحكام، ص: 12‌

و أشباهها، و أكثرها غير مختصّة بالشرائع و الديانات، فضلا عن شريعة الإسلام، بل تعمّ الأديان و العادات، و اختلف حكمها فيها في بعض الخصوصيات و الشرائط و أسباب الانعقاد و الآثار و الأحكام المترتّبة عليها، كالبيع الشائع في الكلّ المختلف أحواله فيها بالانعقاد بالصيغة أو بالصفقة أو بمثل الملامسة أو المنابذة أو الحصاة، و الاشتراط بعدم الغرر و عدمه و نحو ذلك، فمهيّات أمثال تلك العقود غير مخترعة و لا موضوعة بالأصل في شريعتنا، بل أمضاها الشارع بشرائط قرّرها. نعم، يختصّ بعضها بالشرائع أو بشريعتنا.

و جملة تلك المعاملات و العقود المعتبرة هي المعهودة المتداولة المدوّنة التي ضبطها الفقهاء سلفا و خلفا في كتبهم و مسفوراتهم، و وضعوا لها أبوابا و لها أسماء معروفة، كالبيع و الصلح و الرهن و الإجارة و المزارعة و المضاربة و الضمان و الحوالة و الكفالة و الوكالة و النذر و الوقف و النكاح و الطلاق و الظهار و اللعان و غيرها.

ثم إنّ ماهيّات تلك المعاملات كيفيات خاصّة و روابط معهودة في الشرع و العرف و العادة متمايزة بأنفسها، سواء كانت متباينة بالآثار المترتبة عليها أيضا، كالبيع و الإجارة و النكاح و الطلاق، أو متناسبة بالعموم و الخصوص المطلقين، كالبيع و الصلح، أو من وجه كالصلح و الضمان، أو بالتساوي كالبيع و الهبة المعوّضة.

و يظهر ثمرة الفرق حينئذ بالاختلاف في بعض الأحكام المتفرّعة عليها، بل قد يتفق بحسب تعاهد المتعاقدين في القيود و الشروط توافق اثنين منها في فرد في جميع الآثار و الأحكام المترتّبة عليها، فتميّزها حينئذ بمجرّد نفس مفهوم المعنى المعهود من المعاملة الحاكي عنه اسم المعاملة المخصوص بها، بحيث لا يصحّ و لا ينعقد أحدهما بقصد معنى الآخر منه.

و من هذا ينقدح عدم كفاية قصد إنشاء مجرّد الآثار المترتّبة عليها بالألفاظ‌

مشارق الأحكام، ص: 13‌

و القرائن الدالّة على تلك الآثار، بل يجب قصد مفهوم العقد المعهود ماهيّته. و حيث إنّ الدال على تلك الماهيّة هو اللفظ المخصوص الذي يسمّى به فينعقد به. و يظهر منه اختصاص انعقاده به، دون مطلق ما دلّ على ما يفيد أثره و أحكامه، من التجارات الغير المتداولة فيه و لو مع القرائن المنضمّة، و سيجي‌ء تفصيله إن شاء اللّه تعالى.

ثم العقد إن علم صحّته شرعا فهو، و إن شك فيها سواء لم يعلم كونه مما تداول بين الناس، أو علم و لم يعلم كونه من الموظّفة الشرعية، أو علم و لم يعلم اشتراطه بما وقع فيه الشك، فمقتضى الأصل الأوّلي فساده بمعنى عدم ترتّب الأثر المقصود منه شرعا، لأنّ الصحّة من الأمور الشرعية المتوقفة على التوظيف الذي هو أمر حادث، ينفيه الأصل إلى أن يثبت بدليل.

و ما أفاده بعض المحققين من تصحيح المعاملة بأصل البراءة، باعتبار اقتضاء إباحة ما تعاقد عليه المتعاملان و إن لم يفد اللزوم، من الغرائب، فإنّ الإباحة الشرعية هنا فرع ترتّب الأثر شرعا المتوقف على الجعل الشرعي المسبوق بالعدم، و لو هو إمضاء الشارع ما تداول عليه عادة الناس في ترتّب الأثر عليه، و الاستصحاب يقتضي عدمه، و لا يعارضه أصل البراءة، لأنّ متعلّقه نفي السبب و متعلّقها ثبوت السبب، و الأوّل مزيل للثاني و مقدّم عليه، بل لا تعارض بينهما حقيقة كما حقّقناه في الأصول و يأتي الإشارة إليه هنا في بعض الفوائد، و عليه عمل الفقهاء و سيرتهم في الفقه حتى الفاضل القائل و إن خالفه قولا في أصوله.

و نظيره في الشك الموضوعي ما إذا شكّ في إذن المالك، فلا يجوز حينئذ تناول مال الغير بأصل الإباحة، أو شكّ في التطهير أو التذكية فلا يتناوله بأصل الطهارة أو البراءة.

و لا يتوهّم أنّ الإباحة الشرعية في كلّ مورد يتمسّك بها بالأصل حكم شرعي‌

مشارق الأحكام، ص: 14‌

مسبوق بالعدم، فيعارضه الاستصحاب فلم يبق للأصل مورد أصلا، إذ ليس تعارض الاستصح‌اب لأصل البراءة بالمزيلية في جميع صور التعارض، كما إذا شك في الإباحة الاستقلالية الغير المترتّبة على حدوث سبب، فإنّ مقتضى الاستصحاب ليس هنا نفي السبب بل يمكن القول بكون الأصل حينئذ مزيلا للاستصحاب، نظرا إلى ثبوت التوظيف للإباحة الاستقلالية الظاهرية بمثل قوله عليه السّلام: «كلّ شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي» «1» و «الناس في سعة مما لا يعلمون» «2»، و غيرهما من أدلّة البراءة المقتضية للعلم الشرعيّ الرافع للاستصحاب كما بيّناه في مقامه.

المطلب الثاني: في بيان ما ثبت خروجه من الأصل الأوّلي و انقلب فيه بالأصل الثانوي المقتضى للصحّة.

فاعلم أنّ ظاهر أكثر الأصحاب بل المعروف منهم، انقلاب أصل الفساد في أغلب صور الشك في اشتراط شي‌ء أو مانعيّته لمعاملة من المعاملات الموظفة، إلى أصل ثانوي اجتهادي يقتضي صحّة جميع ما صدق عليه اسم تلك المعاملة الموظفة عرفا، بل ربما يظهر من بعضهم أصالة الصحة عند الشك في شرعية أصل المعاملة و توظيفها بالخصوص أيضا، و بها يستدلّ على تأسيس عقد المعاوضة المطلقة بلفظ «عاوضت». و منشأ هذا الأصل في المشهور عموم قوله سبحانه في سورة المائدة:

______________________________
(1) الفقيه 1: 317.

(2) لم نظفر على رواية بهذا التعبير في الجوامع الروائية، بل الوارد فيها تعبيران آخران:

أحدهما رواية السكوني بهذا التعبير: «هم في سعة حتّى يعلموا». (المحاسن للبرقي:

452؛ وسائل الشيعة 3: 493، الباب 50 من أبواب النجاسات، الرواية 4270).

و الآخر ما نقل مرسلا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهذا التعبير: «الناس في سعة ما لم يعلموا».

(مستدرك الوسائل 18: 20، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الرواية 21886).

مشارق الأحكام، ص: 15‌

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1»، فيستدلّون به على صحة العقود أو لزومها، و تداولوا عليه حتى قيل أنه المجمع عليه بينهم و قد يتأمّل فيه.

و جملة القول في الاستدلال بالآية أنّهم بين من يستدلّ بها على تأسيس العقود مطلقا، أي كلّما كان عقدا لغة و عرفا سواء كان من الموظفة الشرعية بخصوصها، كالعقود المدوّنة في كتب الفقه، أو غيرها فيتمسّك بها على ترتّب الأثر المقصود من وضعه عليه، و على تصحيح العقود الموظفة إذا شكّ في اشتراط شي‌ء أو مانعيّته فيها إلّا ما ثبت فساده من أصل كالمغارسة أو لفقدان شرط معلوم كالرباء و المحاقلة و الشغار و مشاركة الأبدان و نحوها، و بين من يستدلّ بها على تصحيح الموظفة خاصّة حملا للعقود عليها، فيستدلّ بها على نفي اشتراط ما شكّ فيه، و بين من ترك الاستدلال بها على الصحّة مطلقا، سواء كان من الموظفة أم لا، زعما لإجمال العقود في الآية، و هو الظاهر من والدي العلّامة «2»، و يظهر منهم خلاف آخر في دلالتها على لزوم العقد و عدمه يأتي الإشارة إليه

________________________________________
نراقى، مولى محمد بن احمد، مشارق الأحكام، در يك جلد، كنگره نراقيين ملا مهدى و ملا احمد، قم - ايران، دوم، 1422 ه‍ ق

قاعدة الضرر، اليد، التجاوز و الصحة (أوثق الوسائل)؛ ص: 560

[أصالة الصحة و مدركها من الأدلة الأربعة]

قوله على بيان مدركها من الأدلّة الأربعة إلخ

ربّما يستدل على القاعدة بالأصل و هو يقرّر بوجهين أحدهما ما ذكر الشيخ الأجلّ فقيه عصره الشيخ جعفر قدّس سرّه قال في مقدمات كشف الغطاء إنّ الأصل فيما خلق اللّه تعالى من الأعيان من عرض و جوهر حيوان و غير حيوان صحّته و كذا ما أوجده الإنسان البالغ العاقل من أقوال أو أفعال فيبنى فيها على وقوعها على نحو ما خلقت له و على وفق الطبيعة الّتي اتحدت به من مسلم مؤمن أو مخالف أو كافر كتابي أو غير كتابي فيبنى إخباره و دعاويه على الصّدق و أفعاله و عقوده و إيقاعاته على الصّحة حتّى يقوم شاهد على الخلاف إلاّ أن يكون في مقابله خصم و لا سيّما ما يتعلق بالمقاصد و نحوها و لا تتعلق به مشاهدة المشاهد فإنّه يصدق عليه و يجري الحكم على نحو الدّعوى فيه فمن ادعى القصد بإشارته دون العبث أو قصدا خاصا لعبادة خاصّة أو معاملة كذلك أو ادّعى العجز عن النّطق بألفاظ العبادات أو المعاملات أو عن الإتيان بها على وفق العربيّة فيما يشترط فيه كالطّلاق أو العجز عن القيام أو تحصيل الماء في صلاة النّيابة بطريق المعاوضة أو عن وطي المرأة بعد أربعة أشهر أو قصد النيابة أو الأصالة أو الإحياء أو الحيازة إلى غير ذلك فليس عليه سوى اليمين و تفصيل الحال أنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات و نباتات أو حيوانات أو عقود أو إيقاعات أو غيرها من إنشاءات أو إخبارات أن يكون على نحو ما غلبت عليه حقيقتها من التّمام في الذات و عدم النقص في الصّفات على طور ما وضعت له مبانيها و على وجه يترتب آثارها فيها على معانيها من صدق الأقوال و ترتّب الآثار على الأفعال ثم فرق بين حال المسلم و الكافر بوجوه أربعة يطول الكلام بنقلها و لم أجد أحدا قبله عمم القاعدة على نحو ما عممها و لازمه دعوى أصالة الحجّية في خبر الفاسق و أن نافي حجيّته يحتاج إلى إقامة البرهان عليه و أنت خبير بأنّه لم يساعده دليل و لا اقتضاه برهان من عقل أو نقل لأنّ غاية ما يمكن أن يقال في الأعيان أنها بحسب جبلتها و مقتضى نوعها أن تكون صحيحة ما لم يعرض لها ما يخرجها من مقتضى طبيعتها و وضع نوعها فإنّ الزّيادة و النقصان و سائر العوارض الخارجة من مقتضى الطّبيعة النوعية العارضة للإنسان و الحيوان و سائر الأعيان من النباتات و الجمادات إنّما هي من قبيل العوارض المانعة من عمل الطبائع مقتضاها فإذا شكّ خروج شي‌ء من مقتضى نوعها فأصالة عدم عروض ما يخرجه من مقتضى الطّبيعة النّوعيّة تقتضي الحكم بصحّته و لذا ترى الفقهاء يكتفون بأصالة الصّحة عن الاختبار في الأشياء الّتي يفتقر في بيعها إلى اختبارها ممّا يشكل اختيارها حين البيع كالبيضة و ما يشابهها من الفواكه و نحوها و غاية الأمر أنّه بعد ظهور الفساد بالكليّة بعد العقد يحكم بفساده و في الجملة بأن لم يخرج بفساده من المالية يحكم بخيار الفسخ للمشتري و لكن ما لم يظهر فساده يحكم بصحّته و صحّة العقد في الظاهر بمقتضى الأصل المذكور و لكنك خبير بأن ذلك و إن تم في الأعيان إلاّ أنّه لا يتأتى في الأفعال و الأقوال لأنّ طبيعة القول و الفعل ليست ممّا يقتضي صدورهما عن الفاعل بحيث يترتب عليهما آثارهما من الصّدق في الأقوال و الآثار الشّرعية في الأفعال فإنا لم نجد فرقا بين صحيح العقد و فاسده من حيث اقتضاء طبيعة الألفاظ صدورها على وجه الصّحة بحيث يترتب عليها الآثار الشرعيّة و كذا بين فعل الصّلاة و أكل الرّبا من حيث كون مقتضى طبيعة الفعل كونه صادرا على وجه الصّحة إذ لا وضع و لا توظيف في الأقوال و الأفعال بحسب طبيعتهما النّوعيّة حتّى يقتضي صدورهما على هذا الوضع و التوظيف كما هو ظاهر كلامه بل الشّارع إنّما لاحظهما و رتب عليهما أحكاما شرعيّة على حسب ما لاحظ فيهما من المصالح و المفاسد لا أنّ طبيعتهما‌

قاعدة الضرر، اليد، التجاوز و الصحة (أوثق الوسائل)، ص: 561‌

مقتضية لصدورهما على حسب ما رتب عليهما الشّارع من الآثار هذا إن أراد إثبات أصالة الصّحة في جميع الأشياء من الأعراض و الجواهر بحكم الاستصحاب و إن أراد إثباتها بحكم الغلبة في أفراد أنواعها إلحاقا للمشكوك فيه بالأعمّ الأغلب كما يشعر به قوله و نحو ما غلبت عليه طبيعتها ففيه مع تسليم الغلبة أنّه لا اعتبار بها على القول بالظنون الخاصّة سيّما في الموضوعات الخارجة الّتي لم يعمل بالظنون المطلقة فيها أربابها و أحسن الوجوه الّتي يمكن حمل كلامه عليه أنّ ذلك منه مبنيّ على الأدلّة المختلفة بحسب اختلاف الموارد فمستند الأصل المذكور في الأعيان و عوارضها القائمة بها ما قدّمناه من الاستصحاب و في أفعال المسلمين و أقوالهم ما أشار إليه المصنف رحمه الله من الآيات و الأخبار و في أفعال الكفار و أقوالهم ما دلّ على تقريرهم على مذهبهم و هكذا و قد ذكر في وجوه الفرق بين حال المسلم و الكافر أن أقوال الكافر و أفعاله تحمل على الصّحة على مذهبه و ليس مقصوده إثبات الكليّة بدليل واحد فتأمّل جيّدا و ثانيهما أن يقال إنّ الأصل في أفعال المسلمين و أقوالهم هي الصّحة لأنّ مقتضى التديّن بدين و التسلم لأحكام شريعة هو بناء هذا المتديّن في جميع أقواله و أفعاله على ما اقتضاه هذا الدّين لأنّه مقتضى التديّن به و التسلم له فيكون نفس التدين مقتضيا لذلك و تكون مخالفته ناشئة من الدّواعي الخارجة و في موارد الشكّ يدفع احتمال وجود الدّواعي الخارجة بالأصل فيكون الأصل في جميع أفعال المسلمين و أقوالهم صدورها على طبق شرع الإسلام و لعله لذا جنح ابن جنيد و الشيخ فيما حكي عنهما إلى أنّ الأصل في المؤمن العدالة

________________________________________
تبريزى، موسى بن جعفر بن احمد، قاعدة الضرر، اليد، التجاوز و الصحة (أوثق الوسائل)، در يك جلد، كتابفروشى كتبى نجفى، قم - ايران، اول، 1369 ه‍ ق

تسهيل المسالك إلى المدارك؛ ص: 26

[كل عقد أو إيقاع شك في شرعيته فهو فاسد]

و منها: كل عقد أو إيقاع شك في شرعيته فهو فاسد إذا لأصل عدم ترتب الأثر عليه و قد قالوا: إن الأصل الأولي في المعاملات هو الفساد.

[كل عقد أو إيقاع صدر عن مسلم ثم شك في أنه هل وقع على وجه صحيح أو فاسد فهو محكوم عليه بالصحة]

و منها: كل عقد أو إيقاع صدر عن مسلم ثم شك في أنه هل وقع على وجه صحيح أو فاسد فهو محكوم عليه بالصحة لما تقدم من أن أفعال المسلمين و أقوالهم محمولة على الصحة.

________________________________________
كاشانى، ملا حبيب الله شريف، تسهيل المسالك إلى المدارك، در يك جلد، المطبعة العلمية، قم - ايران، اول، 1404 ه‍ ق

تحرير المجلة؛ ج‌1قسم‌1، ص: 68

6-: أصالة الصحة في العقود

و ينفع هذا الأصل أيضاً في الشبهة الحكمية و الموضوعية فلو شككنا ان عقد المغارسة أو المسابقة المستعمل عند العرف قديماً و حديثاً هل هو صحيح شرعاً أم فاسد اي أمضاه الشارع أم لا بنينا على صحته لعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أمثالها و لو شككنا ان بيع زيد داره من عمرو كان صحيحاً أم فاسدا بنينا على صحته لأصالة الصحة، و لعل هذا الأصل يرجع الى أصل أوسع له و هو أصالة الصحة في عمل‌

تحرير المجلة، ج‌1قسم‌1، ص: 69‌

المسلم بل في عمل العقلاء فإن الأصل في كل عاقل ان لا يرتكب العمل الفاسد و ان لا يأتي إلا بالعمل الصحيح غايته ان الأصل في المسلم ان لا يعمل إلا الصحيح في دينه كما ان غيره يعمل الصحيح في عرفه و تقاليده و هذا الأصل مع انه أصل عقلائي قد أيدته الشريعة الإسلامية بالأحاديث الكثيرة المتضمنة لمثل (احمل أخاك على أحسن الوجوه و لا تظن به الا خيرا).

و يؤيده سيرة المسلمين المستمرة فإنهم لا يفتشون عن المعاملات الواقعة من المسلم في بيعه و شرائه و إجارته و زواجه و طلاقه و أمثالها سواء كانت مع مسلم أو غيره بل يبنون على صحتها و يرتبون آثار الصحة عليها أجمع إلا في مقام الخصومات فيرجع الأمر هناك الى الايمان و البينات. فهذا أصل واسع نافع يجري حتى في العبادات و الطاعات فضلا عن العقود و المعاملات و هو القاعدة السابعة،

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، محمد حسين بن على بن محمد رضا، تحرير المجلة، 5 جلد، المكتبة المرتضوية، نجف اشرف - عراق، اول، 1359 ه‍ ق

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌3، ص: 141

[الثاني: أنّ مقتضى الأصل الأوّلي هو عدم ترتّب الأثر على كلّ عقد و عهد و معاملة]

الثاني: أنّ مقتضى الأصل الأوّلي هو عدم ترتّب الأثر على كلّ عقد و عهد‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌3، ص: 142‌

و معاملة، و أيضا على كلّ إيقاع، و لعلّ هذا هو المراد من قولهم: إنّ الأصل في المعاملات الفساد، و لا مخرج عن هذا الأصل إلّا أن يأتي دليل على الصحّة و ترتيب الأثر.

فيقال: إنّ العقود و المعاملات المشروعة- و كذا الإيقاعات المشروعة- إذا كانت متعلّقة للقصد و الإرادة، بمعنى أنّ الآثار المترتّبة على ذلك العقد شرعا كانت مقصودة للعاقد، و قبول الطرف بذلك النهج، فالدليل الدالّ على صحّة ذلك العقد و تلك المعاملة يدلّ على لزوم ترتيب تلك الآثار.

و أمّا لو لم تكن مقصودة فيشكّ في لزوم ترتيب تلك الآثار، فمقتضى الأصل عدم لزوم ترتيب تلك الآثار، بل عدم جوازه.

و فيه: أنّ القصد و الإرادة إن كان دخيلا في تحقّق عنوان تلك المعاملة، فلا يشمله دليل الإمضاء، و ذلك لعدم تحقّق موضوعه، و هذا من أوضح الواضحات، و لا يحتاج إلى إقامة البرهان عليه. و إن لم يكن دخيلا فيه فأدلّة الإمضاء تشمله، و يجب ترتيب الأثر على ذلك العقد أو الإيقاع، سواء قصد أو لم يقصد.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

فقه و حقوق (مجموعه آثار)؛ ج‌20، ص: 362

آيا هر معاملۀ صحيحى بايد داخل در يكى از ابواب فقه باشد؟

از قديم اين مسأله مطرح بوده است- نه به خاطر بيمه، بلكه كسانى مطرح كرده‌اند كه هنوز مسأله بيمه برايشان مطرح نبوده، مثل مرحوم آقا سيد محمد كاظم يزدى و بعضى ديگر قديمتر از ايشان- كه آيا لازم است هر معامله‌اى كه در خارج صورت مى‌گيرد، داخل باشد در يكى از ابوابى كه در فقه مطرح است؟ يا مانعى ندارد كه معامله‌اى صحيح باشد بدون اينكه داخل در هيچ‌يك از آنها باشد؟ جواب داده‌اند كه ما هيچ دليلى نداريم كه همۀ معاملات صحيح بايد داخل باشد در يكى از معاملات متعارفى كه در فقه مطرح است. هيچ دليلى بر انحصار نداريم، بلكه اصول فقهى ما اقتضا مى‌كند اعم را. مى‌گويند ما يك سلسله عمومات داريم يعنى كليات، اصول اوليه، اصول كلى. اين عمومات كه به شكل عام و كلى طرح شده است، مى‌گويد هر معامله‌اى و هر عقدى كه ميان دو نفر صورت بگيرد درست است الّا موارد خاص. و به تعبير ديگر: اصل در هر معامله‌اى صحت است مگر آنكه فساد آن معامله به دليل خاصى روشن شود، چرا؟ مى‌گويند به دليل اينكه ما در قرآن اين‌

فقه و حقوق (مجموعه آثار)، ج‌20، ص: 363‌

اصل را به صورت كلى داريم: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1». عقود را همۀ مفسرين گفته‌اند يعنى عهدها، پيمانها. به طور كلى و به طور عام فرموده است: به تمام پيمانهايى كه مى‌بنديد بايد وفادار باشيد و بايد بر طبق آنها عمل بكنيد؛ يعنى شرعاً بايد عمل بكنيد، حكم الهى است. در أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هيچ قيد نشده كه آن عهد و پيمان شما به صورت صلح يا بيع يا اجاره و يا عقد ديگر باشد. اين اصل كلى مى‌گويد بايد به پيمان عمل كرد. همچنين حديثى است نبوى كه در فقه از مسلّمات است و مفاد آن هم همين مفاد است. پيغمبر اكرم فرموده‌اند كه:

الْمُؤْمِنونَ عِنْدَ شُروطِهِمْ.

شرط در اينجا يعنى قرارداد. مؤمنان پاى شرايط خودشان ايستاده‌اند. يعنى مؤمن هر شرطى و هر تعهدى و هر قرارى كه مى‌گذارد بايد روى آن بايستد، نبايد از آن تخلف كند.

اين اصل كلى صحت هرگونه پيمان و تعهد و قراردادى را كه ميان دو نفر بسته مى‌شود تضمين و تأمين كرده است.

________________________________________
مطهرى، شهيد مرتضى، فقه و حقوق (مجموعه آثار)، 3 جلد، قم - ايران، اول، ه‍ ق

الفقه، القواعد الفقهية؛ ص: 194

[كل عقد أو إيقاع شك في شرعيته فهو فاسد]

و منها: كل عقد أو إيقاع شك في شرعيته فهو فاسد، إذ الأصل، عدم ترتب الأثر عليه، و قد قالوا: إنّ الأصل الأولي في المعاملات هو الفساد.

و إن كان الأصل الثانوي الصحة كما ذكره الشيخ (قدس سره) في المكاسب.

________________________________________
شيرازى، سيد محمد حسينى، الفقه، القواعد الفقهية، در يك جلد، مؤسسه امام رضا عليه السلام، بيروت - لبنان، اول، 1413 ه‍ ق

اصاله اللزوم در معاملات

القواعد و الفوائد؛ ج‌2، ص: 242

قاعدة- 243 الأصل في البيع اللزوم، و كذا في سائر العقود. و يخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة.

______________________________
(1) هذه الأمثلة لشرط ما يقتضيه العقد.

(2) انظر: العلامة الحلي- تذكرة الفقهاء: 1- 517.

(3) انظر: الشيرازي- المهذب: 1- 258، و السيوطي- الأشباه و النّظائر: 310.

(4) في (ح) و (أ): شرط.

القواعد و الفوائد، ج‌2، ص: 243‌

فالبيع يخرج إلى الفسخ أو الانفساخ بأمور «1»، منها:

أقسام الخيار المشهورة. و خيار قوات شرط معين، أو وصف معين. أو عروض الشركة قبل القبض. و تلف المبيع المعين، أو الثمن المعين قبله، أو في زمان الخيار، إذا كان الخيار للمشتري و إن قبضه. و الإقالة. و التحالف عند التخالف في تعيين المبيع، أو تعيين الثمن، أو تقديره على قول «2». و تفريق الصفقة. و الإخلال بالشرط. و خيار الرجوع عند الإفلاس.

و أما سائر العقود، فمنها: ما هو لازم من طرفيه: كالنكاح، و الإجارة، و الوقف، و الصلح، و المزارعة، و المساقاة، و الهبة في بعض الصور، و الضمان بأقسامه إلا الكفالة، و في المسابقة قولان «3».

و منها: ما هو جائز من طرفيه، و هو: الوديعة، و العارية، و القراض، و الشركة، و الوكالة، و الوصية، و القرض، و الجعالة، و الهبة في بعض صورها، لانتظام المصالح بجوازها، و إلا لرغب عنها أكثر الناس، للمشقة بلزومها.

و يلحق بالوكالة: ولاية القضاء و الوقف و المصالح المعينة من قبل‌

______________________________
(1) ذكر السيوطي نحوا من ثلاثين سببا ينفسخ بها البيع. انظر:

الأشباه و النّظائر: 313.

(2) انظر: الشيرازي- المهذب: 1- 293- 294، و ابن جزي- قوانين الأحكام الشرعية: 273.

(3) فقيل هي كالإجارة، فتكون لازمة من الطرفين، و قيل هي كالجعالة فتكون جائزة من الطرفين. انظر: الشيخ الطوسي- الخلاف:

2- 214، و العلامة الحلي- مختلف الشيعة: 3- 26، و السيوطي- الأشباه و النّظائر: 300.

القواعد و الفوائد، ج‌2، ص: 244‌

القاضي.

و قيل «1»: لا يجوز عزل القاضي اقتراحا، فيكون لازما من طرف. و أما عزل نفسه، فجائز عند وجود من هو بالصفات، لا عند عدمه.

و منها: ما هو لازم من طرف و جائز من آخر، و هو: الرهن، و كفالة البدن، و عقد الذّمّة و الأمان، قيل «2»: و الهبة من ذي الرحم، أو مع القربة، أو مع التعويض، أو مع التصرف. و يظهر اللزوم من الطرفين، إذ لا يجب على الواهب القبول بفسخ المتهب، لأنه ملك جديد.

و أما الكتابة، فقد قال ابن حمزة [1] «3» رحمه اللّه: بجوازها مشروطة من الطرفين، و مطلقة من طرف العبد. و الشيخ «4»، و ابن‌

______________________________
[1] هو عماد الدين، أبو جعفر، محمد بن علي بن حمزة، المشهدي، الطوسي، المعروف بابن حمزة. فقيه، إمامي، جليل القدر، لم يعلم تاريخ مولده و وفاته، و لكن يبدو من بعض القرائن أنه من أعلام القرن السادس الهجري له تصانيف في الفقه، منها: الوسيلة إلى نيل الفضيلة، و الرائع في الشرائع. (القمي- الكنى و الألقاب:

1- 262، و الخوانساري- روضات الجنات: 6- 262، و ما بعدها (الطبعة الحروفية، بقم، إيران)، و المامقاني- تنقيح المقال:

3- 156).

______________________________
(1) قاله ابن عبد السلام في- قواعد الأحكام: 1- 80- 81.

(2) انظر: العلامة الحلي- تذكرة الفقهاء: 2- 418.

(3) انظر: الوسيلة: 68.

(4) انظر: المبسوط: 6- 91.

القواعد و الفوائد، ج‌2، ص: 245‌

إدريس «1»: على لزوم المطلقة من الطرفين، و المشروطة من طرف السيد. و الفاضلان «2» «3»: على لزومهما من طرفيهما.

و منها: ما يكون في مبدئه جائزا ثمَّ يؤول إلى اللزوم، كالهبة بعد القبض، و قبل أحد الأربعة السابقة «4»، و الوصية قبل الموت و القبول، و تلزم بعدهما «5».

________________________________________
عاملى، شهيد اول، محمد بن مكى، القواعد و الفوائد، 2 جلد، كتابفروشى مفيد، قم - ايران، اول، ه‍ ق

القواعد الفقهية (جامعة الأصول)؛ ص: 270

و منها: قولهم: الأصل في البيع اللزوم

و هو داخل تحت «القاعدة» لانّ القاعدة الّتي قرّرها الشارع في البيع اللّزوم. و لا يخفى انّ الغرض من قولهم: الأصل فيه اللزوم انّه مع قطع النّظر عن الامور الخارجة يكون الأصل فيه اللّزوم، فلا ينافي وضع الخيار فيه.

و قال الشهيد في قواعده: الأصل في البيع اللزوم و كذا في سائر العقود. يخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة فالبيع يخرج إلى الفسخ أو الانفساخ بامور:

منها: اقسام الخيار المشهورة و خيار فوات شرط معيّن [او وصف معيّن] أو عروض الشركة قبل القبض و تلف المبيع المعيّن أو الثمن المعيّن‌

القواعد الفقهية (جامعة الأصول)، ص: 271‌

قبله أو في زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري و ان قبضه و الاقالة و التحالف عند التّحالف في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أو تقديره على قول و تفريق الصّفقة و الاخلال بالشرط و خيار الرجوع عند الافلاس- انتهى موضع الحاجة- «1».

و كلام الشهيد (قدّس سرّه) ايضاً يدلّ على انّ الخروج من اللّزوم باعتبار امر خارجي و هذا لا ينافي كون اللزوم اصلًا فيه و بذلك يندفع كلام بعض الفضلاء «2».

________________________________________
نراقى، مولى احمد بن محمد مهدى، القواعد الفقهية (جامعة الأصول)، در يك جلد، ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 35

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 35‌

العنوان التاسع و العشرون [] في بيان أصالة اللزوم في العقد و الإيقاع

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 36‌

عنوان 29 لا ريب أن الأسباب في المعاملات و هي العقود و الإيقاعات يمكن أن تكون لازمة بحيث لا يمكن رفع آثارها بعد تحققها مطلقا، بمعنى أن يكون شأنها من دون عروض عارض عدم جواز الفسخ و الإبطال، و هو المسمى ب (اللزوم). و يمكن أن تكون بذاتها قابلة للفسخ و إبطال الأثر و إن لم يكن هناك ما يوجب فسخا، بمعنى كون المعاملة بنفسها كذلك، و هو المعبر عنه ب (الجواز). و لا ريب أن واحدا منهما قد يصير معلوما شرعا، و قد يقع الشك في كون العقد جائزا أو لازما، فهل الأصل اللزوم، أو الجواز، أو لا أصل في البين؟ و الحق أن الأصل في كل عقد و إيقاع عدم جواز رفع آثاره و فسخه إلا بدليل، و ذلك لوجوه: الأول: أن العقد أو الإيقاع إذا تحقق يوجب ترتب أثر شرعي عليه: من حصول ملك لعين أو منفعة، أو انتفاع أو نيابة أو ولاية، أو فسخ لأثر عقد أو إيقاع، أو نحو ذلك. و بالجملة: لا ريب أن الأسباب الشرعية بعد تحققها يترتب عليها آثارها، فإذا شك في اللزوم و الجواز فلازمه الشك في أنه لو فسخ هذا السبب هل يبطل ذلك المسبب الثابت أم لا بل هو باق على حاله؟ و لا شك أن قضية الاستصحاب عدم‌

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 37‌

زوال الأثر من ملك أو نحوه إلا بمزيل شرعي، و هو معنى اللزوم، فالعقد بنفسه لا يكون قابلا لرفع آثاره بعد حكم الأصل الاستصحابي ببقائها، إلا أن يلحقه ما يوجب تلك الأهلية بنص من الشرع. لا يقال: إن الاستصحاب لا ينافي جواز العقد و لا ينافي إمكان الفسخ، إذ الاستصحاب عبارة عن بقاء ما كان على ما كان، و ليس الجواز في العقد عبارة عن عدم بقائه على ما كان، بل هو عبارة عن إمكان ارتفاعه، و الإمكان غير ملازم للفعلية، بل هو أعم منها، فالاستصحاب غير مناف لجواز العقد بالمعنى المعروف، و إنما هو مناف لفعلية الفسخ، و الكلام في إمكانه. لأنا نقول: ليس المراد بالجواز إلا الإمكان الشرعي بحيث لو أريد الفسخ و رفع الآثار لوقع، و الفرض أن الاستصحاب يقضي بعدم نقض اليقين بوجود الأثر إلا بما يوجب اليقين بزواله، و الفرض أنك شاك في أن الفسخ و الرفع هل هو رافع لهذا الأثر أم لا؟ فاللازم شرعا الحكم بالبقاء و عدم الارتفاع، و هو شأن اللازم من العقد، إذ لا نريد به إلا ما لو فسخته لم ينفسخ شرعا، و الفرض أن المشكوك فيه لو فسخته لا ينفسخ، للاستصحاب. و بعبارة اخرى: الاستصحاب مناف لإمكان الفسخ شرعا، بمعنى أنه قاض بأنه لو فسخ لم ينفسخ، و هو معنى الامتناع شرعا المعبر عنه ب (اللزوم) و ذلك واضح. لا يقال: إذا علمنا أن السبب في هذا الأثر إنما هو ذلك العقد جزما، و ليس ذلك مجرد علة في الحدوث حتى يستصحب بعد زواله لاحتمال العلة المبقية، بل من المعلوم هنا أن هذا السبب علة في الحدوث بحيث لو ارتفع هذا لارتفع الأثر جزما، و الفرض أن السبب قد أسقطه الفسخ و الرجوع، فلا وجه للاستصحاب.

لأنا نقول: ليس الغرض الاستصحاب لاحتمال علة أخرى مبقية، بل المراد إبقاء الأثر للشك في زوال علته المحدثة و المبقية، بمعنى أن بعد الفسخ نشك في زوال هذا السبب و عدمه، فنستصحب السبب و نستصحب الأحكام اللاحقة له معا،

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 38‌

و ذلك واضح. نعم، لو ثبت شرطية شي‌ء أو مانعيته لعقد أو إيقاع سواء تأخر أو تقدم عن المشروط ثم فقد الشرط في زمانه المتوقع أو وجد المانع كذلك بعد وقوع العقد أو شك في وجود الشرط و عدمه، فلا يمكن استصحاب حكم هذا العقد، لسريان هذا الشك إلى ترتب الأثر من أصله و كونه سببا و عدمه، و ذلك غير محل الفرض، و هذا هو مسألة الشرط المتأخر. و بالجملة: مقتضى الاستصحاب لزوم العقد و الإيقاع مطلقا إلا مع دليل على خلافه. الثاني: ظاهر أن الصيغ المأخوذة في عقد أو إيقاع هو الدوام و عدم البطلان، بمعنى أن الظاهر من قولك: (بعت) أو (زوجتي طالق) كون المالك للمبيع أو للبضع مخرجا له عن سلطنته على الدوام بحيث لو أراد إرجاعه لم يرجع، فإذا صار المعنى ذلك فيصير العقد إنشاء للملكية الدائمة و الارتفاع للزوجية دائما، و جواز الفسخ مناف لهذا المعنى المأخوذ في الإنشاء، فيصير الحاصل: أن معنى اللزوم و عدم الانحلال مأخوذ في إطلاق تلك الصيغ بحيث تقضى عرفا بكون المنشأ دائميا مطلقا، كما في قولهم: إطلاق العقد يقضي بكون الثمن حالا و كونه من نقد البلد و نحو ذلك، فإطلاق كل إنشاء يوجب كونه دائما، فالفسخ مناف لأصل الإنشاء، و هو معنى اللزوم، إلا أن يجي‌ء دليل من تقييد «1» و نحوه كالبيع بخيار حتى يخرجه عن ذلك. لا يقال: إن في الإجارة نظائرها تمليك للمنفعة سنة، و أنت تدعي كون التمليكات على الدوام. لأنا نقول: قولنا: (سنة) في الإجارة ليس تحديدا للتمليك، بمعنى أن تمليكي إلى سنة، بل هو تحديد للمنفعة المملوكة، فيصير المعنى أن منفعة سنة واحدة‌

______________________________
(1) في «ن، د»: تقييده.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 39‌

ملكتك دائما، و ذلك واضح، فلو أراد الفسخ بعد مضي سنة مثلا و أراد الرجوع إلى أجرة المثل للمنفعة فهو غير مسلط على ذلك، لأنه ملكه هذه المنفعة دائما بحيث لا يقدر على فسخه، فتدبر. و بتحرير آخر: أن معنى الصيغ بإطلاقها إذا صار الدوام، فيصير الدليل الدال على صحة البيع و غيره من العقود دالا على تأثيره كذلك، و لا نحتاج إلى دليل آخر على اللزوم، بل مجرد ما دل على صحة العقود بعد كون معنى العقد و الإيقاع بإطلاقهما قصد الأثر الدائم يدل على كونه لازما شرعا، لأن صحته قد ثبت على ما هو عليه، و ليس إلا الدوام و عدم قابلية «1» الفسخ، فيصير كذلك شرعا. الثالث: أنه لو لم يكن في صيغ الإنشاءات دلالة على المعنى المدعى، فنقول: إن حال المتعاقدين يدل على إرادة اللزوم و عدم إمكان الفسخ. و لكن يمكن القول هنا بأنه ليس كذلك مطلقا، بل لا بد على هذا من تتبع العقود و ملاحظتها في العرف، فإن كان الناس بانين في إيقاعه على الدوام فالأصل فيه أن يكون لازما شرعا إلا ما خرج، و إن كانوا غير بانين على الدوام فلا يمكن التمسك بهذا الوجه، فتدبر. الرابع: عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» فإن ذلك دل على أن كل عقد يجب الوفاء به، و المراد بالوفاء: العمل بمقتضاه، و مقتضى العقد إما تمليك أو نحوه، و مقتضى لزوم الوفاء البقاء على هذا الأثر و إبقاؤه وجوبا، فلا رخصة في إبطاله، و هو المدعى من اللزوم. و الإشكال الوارد على دلالة الآية من جهة عموم العقود انصرافها إلى المتعارفة «3» و عدمه، و اعتبار التوثيق و عدمه، و شمولها للإيقاع و عدمه و نظائر ذلك قد عرفت دفعه في العنوانين السابقين. و قد تلخص مما ذكرناه هناك: دلالة الآية على أن كل عقد و كل إيقاع متعارف‌

______________________________
(1) في ظاهر «ن»: عدم قابليّته.

(2) المائدة: 1.

(3) في غير «م»: انصرافه إلى المتعارف. و شموله.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 40‌

أو غيره يجب الوفاء به بظاهر الأمر، و مسألة التخصيص و نحوها قد عرفت دفعه. و إنما البحث في أن هذا يدل على اللزوم أم لا؟ إذ يحتمل أن يكون المراد: اللزوم. و يحتمل أن يكون المراد: لزوم العمل بمقتضاه إن جائزا فجائزا و إن لازما فلازما، بمعنى أن يتبع في ذلك العرف، فأي عقد بني في العرف على اللزوم بين الناس بحيث لا يرجعون المال و نحوه بعد وقوع العقد أو الإيقاع، فيحكم فيها «1» باللزوم، لأن مقتضاه ذلك، و العمل بمقتضاه واجب بظاهر الآية. و ما بني في العرف على الجواز، بمعنى أن طريقة الناس فيه على الرد و الدفع كالعارية و الوديعة فيحكم فيه «2» بالجواز، لأنه مقتضاه، فيجب العمل به، و جعل الجائز واجبا ليس عملا بمقتضاه، بل هو إخراج للعقد عن مقتضاه. أو يتبع في ذلك الشرع بأن يراد: أن الوفاء بمقتضى العقد لازم، فإن علم من الشرع أنه من العقود اللازمة فيجب الوفاء به على لزومه، و إن علم أنه من الجائزة فيجب الوفاء على جوازه، و المراد بالوفاء حينئذ لزوم العمل بأحكامه و إجراء كل حكم يترتب على أحدهما شرعا عليه. و يحتمل أن يكون المراد من (الوفاء): الاعتقاد، بمعنى أنه يلزم عليكم اعتقاد لزوم اللازم و جواز الجائز، على بعد. و الظاهر رجوعه إلى ما ذكرناه قبله، و هو البناء «3» على إجراء الأحكام، فإن الاعتقاد لا دخل له في ذلك. و تظهر الثمرة في العقد الذي لم يظهر من الشرع و لا من العرف كونه مبنيا على اللزوم، فإنه يثبت لزومه من الآية «4» على الأول، دون الأخيرين. و لو كان ظاهرا من العرف لزومه يثبت على الأولين، دون الثالث. و لو كان ثابتا من الشرع أنه مبني على اللزوم يظهر لزومه على الأول و الثالث‌

______________________________
(1) العبارة في «م» هكذا: بحيث لا يرجعون فيه بعد وقوعه، فنحكم فيه باللزوم.

(2) في غير «م»: فيها.

(3) في «م»: ما ذكرناه من البناء.

(4) يعني: قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة: 1.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 41‌

من الآية، و لا يثبت على الثاني من هذه الآية، و إن فرض ثبوت اللزوم بغيره. و الذي يقتضيه النظر هو الأول «1» و ليس الاستدلال من هيئة الأمر المفيد للوجوب، بل المدرك إنما هو مادة (الوفاء) فإن الوفاء على شي‌ء البقاء على ما هو مؤداه أولا، و لا ريب أن مؤدى العقد مثلا هو التمليك أو نحوه، و الوفاء بهذا المؤدى البقاء على هذا الأثر و إبقاؤه أو عدم إزالته، و هو معنى اللزوم. و الظاهر: أن كونه لازما أو جائزا ليس إلا وجوب الإبقاء و الوفاء و عدمه، لا أن الوفاء واجب في الجائز و اللازم. و من تأمل في دلالة لفظ (الوفاء) لا يجد ريبا فيما ذكرناه، و يكفي في قوة هذا المعنى و وضوحه فهم الأصحاب منها «2» ذلك و استدلالهم قديما و حديثا بها عليه. و لم يصدر هذا الاحتمال إلا من آية الله العلامة أعلى الله مقامه في بعض كتبه «3» مع أنه وافق الأصحاب في الاستدلال به في سائر كتبه. و غير خفي أن غرضه من ذكر هذا مجرد بيان ذكر ما يمكن أن يذكر، و ذكره منجزا يقوم مقام الاحتمال، لأنه في فتاويه غالبا يستوفي الاحتمالات تقوية للنظر و استعمالا لقوة التخريج، فمجرد قوله: بأن الوفاء هو العمل بمقتضاه إن جائزا فجائزا و إن لازما فلازما «4» لا ينبغي أن يجعل موجبا للإجماع في الآية مع ما أوضحناه من السبيل، فتدبر. و بقي هنا كلام، و هو أن العقد قد يكون لازما من الطرفين، كالبيع و الصلح و الإجارة و الضمان و الحوالة. و قد يكون جائزا من الطرفين، كالوكالة و المضاربة و الشركة و العارية و الوديعة و الجعالة و نحو ذلك. و قد يكون جائزا من طرف و لازما من آخر، كالرهن، فإنهم يقولون: إنه جائز من قبل المرتهن لازم من طرف‌

______________________________
(1) أي: الاحتمال الأوّل.

(2) في «ف، م» بدل «منها»: هنا.

(3) قاله في المختلف: 484 في جواب من استدلّ بالآية على لزوم عقد السبق.

(4) في «ن، د»: ان جائزا فجائز و إن لازما فلازم.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 42‌

الراهن، و الهبة، فإنه لازم من طرف المتهب و جائز من طرف الواهب في غير المعوض و ذي الرحم و الزوجين على الأصح، فهل اللازم من طرف دون آخر لازم أو جائز أو مركب؟ وجوه: قيل: بأنه مركب كما هو المشهور في الألسنة من أهل العلم «1» و الوجه فيه: أنه وجد فيه الجواز و اللزوم معا، فإنه باعتبار أحد طرفيه ممتنع «2» الفسخ، و باعتبار طرفه الأخر جائز، و هو معنى الواسطة. و قيل: بأن هذا جائز إذ التناقض بين الجائز و اللازم واضح، و معنى اللزوم يرجع إلى سالبة كلية، و هو عدم إمكان الفسخ مطلقا، و معنى الجواز هو الإيجاب بمعنى إمكان الفسخ، و لا ريب أن الفسخ من أحد الطرفين فسخ من الأخر، لعدم معقولية التفكيك، فيصير هذا العقد قابلا للفسخ شرعا، و أما أن الفاسخ هو المتعاقدان أو أحدهما أو أجنبي، فلا ربط له في كون العقد في ذاته لازما أو جائزا. و يؤيد هذا الوجه أنهم يجرون في صيغة الرهن و الهبة أحكام الجائز من صحته بأي لفظ وقع حتى بالجملة الاسمية في الرهن، و لا يستعملون فيهما ما يداقونه في العقود اللازمة. و يؤيد عدم كونهما من الجائز عدم بطلانهما بموت أو جنون أو نحو ذلك مما يبطل العقد الجائز. و أما احتمال إلحاقهما باللازم فهو من المستبعد جدا، و يحتاج إلى جعل الجائز بمعنى إمكان فسخه من كل أحد أو «3» من المتعاقدين، و اللازم ما ليس كذلك، و هو خلاف ظاهر. و التحقيق: أنه لو لوحظ الجواز و اللزوم بالنظر إلى نفس العقد كما هو الظاهر من التوصيف فيلحقان بالجائز، لأنهما في نفسهما جائزان قابلان للانفساخ، و لا دخل لتعدد الفاسخ و وحدته في ذلك.

______________________________
(1) في «ن»: أهل العرف.

(2) في «ن»: يمتنع.

(3) في «م»: و من.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 43‌

و لو أريد الجواز و اللزوم بمعنى الرخصة و عدمه في الفسخ بالنسبة إلى المكلفين فيمكن القول بالتلفيق، و لكنه يلزم على هذا أن يكون كل عقد كذلك، إذ غايته جواز الفسخ للمتعاقدين و ليس لسائر الناس فسخه، فيكون لازما من وجه و جازا من وجه آخر. و احتمال أن المراد إنما هو الجواز و العدم بالنسبة إلى المتعاقدين إذ لا ربط لغيرهما بذلك بعيد مستلزم للتخصيص في عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الدال على لزوم العقد. و بيان ذلك: أن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إنما دل على أن كل أحد من المكلفين لعموم الخطاب مأمورون بالوفاء بكل عقد عقد من أي شخص صدر، و من المعلوم: أن صدور العقد الواحد من ألف أو جميع المكلفين محال، فيصير المعنى: كل أحد مكلف بالوفاء بكل عقد من أي منهم صدر، و تخصيص هذا بالمتعاقدين يحتاج إلى دليل، إذ لا إشعار في الآية على أن الوفاء لازم على المتعاقدين دون غيرهما، و مقتضى ذلك ثبوت لزوم العقد بالنسبة إلى كل أحد، فلو كان جائزا في حق المتعاقدين غير جائز من غيرهما فينبغي أن يكون ملفقا خارجا بالدليل بالنسبة إلى خصوص المتعاقدين، و يبقى على لزومه بالنسبة إلى الغير، فلا وجه لعده جائزا مطلقا. لا يقال: ليس المراد وجوب الوفاء على كل عقد «1» بل المراد منها «2» وجوب وفاء كل أحد بعقده، فيصير التقدير: أوفوا بعقودكم، و يظهر منه في العرف التوزيع، بمعنى أن كل أحد يفي بما هو عقده، لا أن زيدا يفي بعقد عمرو و نحو ذلك، إذ وفاء الغير بعقد الغير غير معقول، إذ ليس بيده شي‌ء حتى يفي ذلك، و ليس الأمر إلا فرع الاختيار و التسلط، فتدبر. لأنا نقول: صرف الآية على هذا المعنى إن كان بدعوى الفهم العرفي فهو‌

______________________________
(1) في «م»: وجوب وفاء الكلّ بكل عقد.

(2) منها: لم ترد في «م».

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 44‌

ممنوع، و إضمار المضاف إليه و إن كان يوجب فهم هذا المعنى في الظاهر لكن هو غير ثابت، و فرضه غير وجوده، و عموم اللفظ محكم، و ليس ذلك من قبيل الرجال قوامون على النساء «1» بل إنما هو من قبيل (و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر). و إن كان من جهة عدم إمكان الوفاء من الغير فهو ممنوع، إذ يجب على كل أحد إجراء هذه الآثار على هذا العقد، بمعنى أنه ليس لأحد أن ينتزعه من يد المشتري، لأنه ملكه، و لا أن يعطيه البائع، لأنه خرج عنه، و يجب جعله ميراثا للمالك لو مات و صرفه في الديون، و نظائر ذلك مما يتعلق بكون الشي‌ء مملوكا، فإن كل أحد مكلف بأن يجري على هذا المال أحكام ملكية المشتري، و لا بأس بذلك مطلقا، فلا تذهل. و هنا كلام آخر، و هو: أن العقد الجائز ما أمكن فسخه، و اللازم ما لا يمكن فسخه شرعا، و قد اتفق كلمة الأصحاب ظاهرا على أن الفسخ موجب لرجوع كل عوض إلى مالكه لو كان معاوضة، و بطلان الأثر المترتب عليه لو لم يكن كذلك، كالرجعة التي هي فسخ الطلاق، و الفئة التي هي إبطال للإيلاء، و الرجوع الذي هو إبطال للعارية و الوديعة، و نحو ذلك. و بالجملة: معنى الفسخ رفع الأثر، و لازم ذلك رجوع العوضين في المعاوضة على ما كانا قبل المعاوضة، فإن بقي عيناهما فبعينيهما، و إلا فعلى ما نبينه في عناوين الأحكام من كيفية الضمان، و لكنهم حكموا في باب القرض بأن العقد جائز ليس بلازم، و للمقرض المطالبة متى شاء، و ذكروا أن المقترض يملك بالقرض «2» و له رد المثل و القيمة مع مطالبة المقرض و إن بقي العين و هما مما «3» يتناقضان. و هذا مما قد استشكل «4» على جماعة من فحول المتأخرين و المعاصرين، فلذلك ذهبوا إلى أن القرض عقد لازم، و خالفوا ظاهر كلمة الفقهاء في ذلك،

______________________________
(1) النساء: 34.

(2) في «ف، م»: بالقبض.

(3) ممّا: لم ترد في «م».

(4) في «د»: مما قد أشكل.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 45‌

و زعموا أن الحكمين يتنافيان، و لازم الجواز رجوع العوض بعينه، مع أنه ليس كذلك في القرض، و أنت خبير بأن القول بلزوم القرض مما تشمئز منه النفس، فإن القرض الذي للمقرض مطالبته و للمقترض أداؤه متى شاء كيف يعقل كونه عقدا لازما؟ و هذا مما هو مركوز في أذهان المتشرعة ركوزا ظاهرا. و الذي يخالجني في المقام في حل الأشكال و إن لم أجد من يساعدني عليه من كلام فقيه أو غيره أن يقال: إنه ليس عقد القرض مثلا إلا معاوضة، فإنه تمليك للمال بإزاء عوض، لا مجانا، فإذا بذل المقرض أحد العوضين فله أن يطالب بالعوض الأخر كما في سائر المعاوضات، و ليس لأحد أن يقول: إن مطالبة البائع الثمن و مطالبة المشتري المبيع فسخ للبيع، فإن ذلك إمضاء لمقتضاه، و مقتضى عقد القرض أن قبض المال يوجب ثبوت مثله أو قيمته في ذمة المقترض، و ليس هذا إلا كالبيع بالمثل أو القيمة، فإذا طالب العوض فقد طالب المثل و القيمة، و لزم المقترض الدفع إتيانا بمقتضى المعاوضة، فليس هذا فسخا حتى يجب دفع العين، بل إنما هو طلب لما لزم بالمعاوضة، و هو مؤكد لبقاء العقد لا فاسخ. نعم، إذا قال المقرض: فسخت القرض بمعنى الأبطال و عدم الإذن في التصرف و كان العين باقيا فاللازم على المقترض دفع العين، لأنه أبطل الملك بإبطال سببه، فرجع إلى ملك المالك الأول و سقط عن ذمة المقترض العوض، كما أن المقترض لو قال: فسخت القرض لا يجوز له التصرف بعد ذلك بالعين الموجود، لبطلان ما أوجب التمليك، و زوال الإذن بزواله على ما هو التحقيق. فالذي تلخص من ذلك: أن العقد الجائز ما كان قابلا للفسخ الموجب لرجوع كل عوض إلى مالكه و بطلان الآثار المترتبة عليه، و ليس عقد القرض من اللازم على ما تخيله بعض المتأخرين، للإجماع على خلافه ظاهرا، و لا جائزا بهذا المعنى، إذ لا يكاد يظهر على ظاهر كلامهم فرق بين بقائه و انفساخه، بل الحق: أن كلامهم في عدم وجوب دفع العين منزل على مطالبة المقرض العوض، لا فسخه للعقد. هكذا ينبغي أن يحقق المقام، و له نظائر كثيرة.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

الالزام

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 135

السادس و الثلاثون: الأصل في شرائط العقود أن تكون واقعة

فلا يؤثر العذر فيها أثراً شرعياً فلو باع تقية كبيع كبيع العامة على الموافق أو على من كان منهم أو نكح نكاحاً مشروعاً عند المخالف و ليس مشروعاً عندنا أو غير ذلك فالأصل بطلانه و احنمال أن التقية دين يجري في العبادات و المعاملات يرده الأصول و القواعد و خصوص ما جاء من الأدلة في الشرائط و الموانع التي تدور مدار الواقع نعم لو وقع العقد بينهم و أجريناه مجرى الصحيح لانا نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم و وجوب العمل بالتقية لا يقضي بصحته في العبادات فضلًا عن المعاملات لأصالة عدم الصحة و عدم‌

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، ص: 136‌

الإجزاء إلا ما دل الدليل على قيامه مقام الصحيح كوضوء التقية و صلاتها و التقية و إن كانت دينار لكن أثر أسبابها ليس دينار و لا يلزم من أحدهما الآخر.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر، أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، نجف اشرف - عراق، اول، 1422 ه‍ ق

أنوار الفقاهة - كتاب النكاح (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 131

سادسها: الكفار يقرون على ما هو صحيح عندهم و يعاملون مع المسلمين بتلك المعاملة

فما صح من البيع عندهم نلزمهم به و نستحل ثمنه و إن كان فاسداً عندنا لفساد أحد أركانه و كذا ما صح عندهم من المواريث و النكاح و الوقوف و الصدقات و غيرها لقوله (عليه السلام): (الزموهم به بما ألزموا به أنفسهم) و للسيرة و للزوم العسر و الحرج لو لا ذلك و لا يقرون على ما هو فاسد عندهم إلا إذا كان صحيحاً عندنا هذا كله إذا لم يسلموا أو يترافعوا إلينا فإن ترافعوا إلينا فلنا الخيار بين ردهم إلى مذهبهم و إقرارهم عليه و بين الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى فإن أسلموا نظرنا إلى ما أسلموا عليه فإن كان مما مضى أثره بعقد أو شبهة و لم يؤثر تحريماً مؤبداً أمضيناه على ما هو عليه و إلا‌

أنوار الفقاهة - كتاب النكاح (لكاشف الغطاء، حسن)، ص: 132‌

أبطلناه و حينئذٍ فيجب رد المغصوب مع بقاء عينه و لا نحكم بملكية الغاصب له بعد إسلامه و إن غصبه حالة الكفر و يجب العزل عمن تزوجها في العدة و وطأها حالة الكفر و كذا من تزوجها و قد وقب أخاها أو وطأ أمها أو بنتها أو ارتضع معها أو كانت مطلقة ثلاثاً من دون محلل أو تسعاً مطلقاً و كانت زوجة ابنه أو أبيه أو كانت بينه و بينها نسب أو سبب محرم غير ذلك و كذا لو كانت مغصوبة و إن كان نكاح المغصوبة حلال في دينهم على الأظهر و بالجملة كلما حرم استدامة حرم عليه بعد إسلامه و كلما حرم ابتداء لفقد شرط أو مانع غير قاض بتحريم الاستدامة كلا خلال بالصيغة أو نحو ذلك بقي على حليته بعد الإسلام و لا بد من النظر التام في المقام لأنه من مزال الإقدام و لا يلزم على المسلم إجبار زوجته الذمية على غسل أو وضوء أو صلاة أو صوم أو نحو ذلك لجواز إقرارها على دينها نعم له إلزامها على ما يزيل القذارة عنها و كرفع الأوساخ وقص الأظفار و نتف الشعر و غسل الحيض إن توقف الجماع على الإتيان بصورته و ظاهر الأصحاب ذلك و قد يناقش فيه بأن الصورة لا ثمرة لها فلا يلزم جبرها و له منعها مما يسكره كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أكل الثوم و استعمال الدهن المنتن و سائر المحرمات.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر، أنوار الفقاهة - كتاب النكاح (لكاشف الغطاء، حسن)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، نجف اشرف - عراق، اول، 1422 ه‍ ق

الرسائل الفقهية (للبلاغي)؛ ص: 235

الرسائل الفقهية (للبلاغي)، ص: 235‌

(5) عقد في إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته

تحقيق محمّد الحسّون‌

الرسائل الفقهية (للبلاغي)، ص: 237‌

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و له الحمد، و هو المستعان، و أفضل الصلاة و السلام على خيرته من خلقه، رسوله المصطفى و آله الطيّبين الطاهرين.

و بعد؛ فيقول العبد الأقلّ محمّد جواد البلاغي: هذه مسألة لم أجد من أعطاها حقّها من التحرير، فتطفّلت بما يسّره اللّه لي من تحريرها، إنّه وليّ التوفيق، و نظمتها في سمط ما كتبته من «العقود المفصّلة».

عقد في إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته و فيه فصول:

________________________________________
نجفى، محمد جواد بن حسن بلاغى، الرسائل الفقهية (للبلاغي)، در يك جلد، مركز العلوم و الثقافة الإسلامية، قم - ايران، اول، 1428 ه‍ ق

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌3، ص: 177

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌3، ص: 177‌

32- قاعدة الإلزام

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌3، ص: 179‌

قاعدة الإلزام «1» و من القواعد المشهورة في فقه الإماميّة قاعدة «إلزام المخالفين بما ألزموا به أنفسهم».

و فيها جهات من البحث:

[الجهة] الأولى في مدركها

و هو أمران

الأوّل: إجماع الإماميّة- رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين-

على صحّة هذه القاعدة، و قد تقدّم منّا مرارا في هذا الكتاب أنّ هذه الإجماعات- مع وجود المدرك للمسألة من الروايات أو سائر الأدلّة- ليس من الإجماع المصطلح في الأصول الذي بنينا على حجّيته و كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام.

الثاني: الروايات:

فمنها: قوله عليه السّلام

في التهذيب بإسناده عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السّلام:

______________________________
(1). «خزائن الأحكام» العدد 12، «دلائل السداد و قواعد فقه و اجتهاد» ص 32، «مجموعه قواعد فقه» ص 174، «القواعد» ص 59، «قواعد فقه» ج 1، ص 136، «قواعد الفقه» ص 27، «قواعد فقهية» ص 241، «القواعد الفقهية» (فاضل اللنكراني) ج 1، ص 167، «القواعد الفقهية» (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 159.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌3، ص: 180‌

«ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، و تزوّجوهنّ و لا بأس بذلك» «1».

و منها: ما عن عبد اللّه بن محرز

قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل ترك ابنته و أخته لأبيه و أمّه فقال عليه السّلام: «المال كلّه لابنته و ليس للأخت من الأب و الأمّ شي‌ء».

فقلت: إنّا قد احتجنا إلى هذا و الميّت رجل من هؤلاء الناس و أخته مؤمنة عارفة، قال عليه السّلام: «فخذ لها النصف، خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنّتهم و أحكامهم». قال ابن أذينة: فذكرت ذلك لزرارة، فقال: إنّ على ما جاء به ابن محرز لنورا «2».

و منها: ما عن محمّد بن مسلم،

عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الأحكام؟

قال عليه السّلام: «يجوز على أهل كلّ ذي دين ما يستحلّون» «3».

و هناك روايات أخر

خصوصا في مسألة جواز تزويج المطلّقة على غير السنّة، يقول عليه السّلام في بعضها «اختلعها» «4» و في البعض الآخر «ابنها» «5»، و في بعضها «من دان‌

______________________________
(1). تهذيب الأحكام» ج 8، ص 58، ح 190، باب أحكام الطلاق، ح 109، «الاستبصار» ج 3، ص 292، ح 1032، باب ان المخالف إذا طلق امرأته ثلاثا.، ح 6، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 321، أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، باب 30، ح 5.

(2). «الكافي» ج 7، ص 100، باب ميراث الإخوة و الأخوات مع الولد، ح 2، «تهذيب الأحكام» ج 9، ص 321، ح 1153، باب ميراث الإخوة و الأجداد، ح 9، «وسائل الشيعة» ج 17، ص 484، أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، باب 4، ح 1.

(3). «تهذيب الأحكام» ج 9، ص 322، ح 1155، باب ميراث الإخوة و الأجداد، ح 11، «الاستبصار» ج 4، ص 148، ح 554، باب إن الإخوة و الأخوات على اختلاف.، ح 10، «وسائل الشيعة» ج 17، ص 484، أبواب ميراث الإخوة و الأجداد، باب 4، ح 4.

(4). «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 57، ح 186، باب أحكام الطلاق، ح 105، «الاستبصار» ج 3، ص 291، ح 1027، باب إنّ المخالف إذا طلق امرأته.، ح 1، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 320، أبواب مقدّمات الطّلاق و شرائطه، باب 30، ح 1.

(5). «عيون أخبار الرضا عليه السّلام» ج 1، ص 310، ح 74، «معاني الأخبار» ص 263، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 322، أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، باب 30، ح 11.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌3، ص: 181‌

بدين لزمته أحكامهم» «1» و في بعضها «إنّ المرأة لا تترك بغير زوج» «2». تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها، لأنّ فيما ذكرنا غنى و كفاية، و العمدة هو فهم المراد من قوله عليه السّلام:

«ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» لأنّ المراد من هذه القاعدة هو مفاد هذه الجملة و ما هو الظاهر منها.

فنقول: أمّا سند الرواية المشتملة على هذه الجملة فلا ينبغي البحث عنه؛ لكمال الوثوق بصدورها عنهم عليهم السّلام، و تكرّرها في جملة من الموارد كمورد أخذ المال منهم بالتعصيب و أيضا في مورد تزويج الزوجة المطلّقة على غير السنّة، و غير ذلك ممّا تقدّم.

فالإنصاف أنّه إذا ادّعى أحد القطع بصدور هذا الكلام عنهم عليهم السّلام ليس مجازفا فيما يدّعيه.

و أمّا ظاهر هذه الجملة و معناها، فهو عبارة عن أنّ المخالفين كلّ ما يرون أنفسهم ملزمين به من ناحية أحكامهم الدينيّة و يعتقدون أنّه عليهم، سواء كان ذلك الشي‌ء من الماليّات أو الحقوق، أو كان من الاعتباريّات الآخر كحصول الطلاق مثلا أو غيره و إن لم يكن ذلك ثابتا في أحكامكم الدينيّة، فالزموهم بذلك مثلا إذا يرون أنفسهم ضامنين للمبيع إذا تلف عند المشتري و كان الخيار لذلك المشتري فالزموهم بذلك، أي يكون الثمن لكم و يكون التلف عليه، و إن كنتم لا تقولون بذلك و تقولون بأنّ الخيار لما كان للمشتري كما أنّه كذلك في خيار الحيوان بناء على اختصاصه بالمشتري، أو من جهة كون المبيع حيوانا دون الثمن، فالخيار للمشتري فقط دون البائع، فالتلف يقع في‌

______________________________
(1). المصدر.

(2). «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 58، ح 189، باب أحكام الطلاق، ح 108، «الاستبصار» ج 3، ص 292، ح 1030، باب انّ المخالف إذا طلّق امرأته.، ح 4، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 320، أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، باب 30، ح 4.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌3، ص: 182‌

ملك من لا خيار له، فلا بدّ للبائع أن يردّ الثمن إلى المشتري.

فإذا بعتم حيوانا من أحد هؤلاء و تلف عنده بعد قبضه، فالزموه بضمان المسمّى و إن كان في زمان خياره و أنتم لا تقولون به، لقاعدة «التلف في زمن [الخيار] من مال من لا خيار له» و في المفروض من لا خيار له هو البائع، فبمقتضى تلك القاعدة يكون ضمان المبيع التالف على البائع، فيجب على البائع ردّ الثمن إلى ذلك المشتري.

و لكن حيث أنّهم يلزمون أنفسهم بأنّ التلف وقع في ملك المشتري فألزموهم بذلك و لا تردّوا إليهم الثمن.

و في بعض أخبار هذا الباب تعليل هذا الحكم بأنّه خذوا منهم كما أنّهم يأخذون منكم، بمعنى أنّ البائع لو كان واحد منهم لكان لا يردّ إليكم الثمن، فأنتم أيضا لا تردّوا إليه الثمن و عاملوا معهم معاملة المثل.

و أمّا قول أبي جعفر عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام قال: «يجوز على أهل كلّ ذي دين ما يستحلّون» فظاهره أنّ أصحاب كلّ دين أي المتديّنين به الملتزمين بأحكامه ينفذ عليهم ما يستحلّون، مثلا إذا كانوا يستحلّون أكل أقرباء الميّت- أي العصبة- نصف المال من تركة الميّت، فينفذ هذا الحكم عليهم، أي إذا كانت العصبة منّا أي من أهل الولاية، فيجوز له أن يأخذ منهم نصف تركة الميّت، كما كان هذا صريح رواية عبد اللّه بن محرز حين ما قال ابن محرز له عليه السّلام: إنّ الميّت رجل من هؤلاء الناس و أخته مؤمنة عارفة، قال عليه السّلام: «خذ لها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم».

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

رسائل فقهى (علامه جعفرى)؛ ص: 81

قاعدۀ الزام

قاعدۀ الزام مى‌گويد: هر قانون و عقيده‌اى را كه ملت مذهبى غير مسلمان براى خود تثبيت شده مى‌داند بايستى نتايج مطلوبه از آن قانون را در بارۀ آن ملت براى همان ملت‌

رسائل فقهى (علامه جعفرى)، ص: 82‌

پذيرفته و نتيجه مفروض را به رسميت بشناسيم. مثلا ملل غير اسلامى با شرايط و كيفيت معينى ازدواج و توليد فرزند مى‌كنند و ازدواج را با قوانين معينى عمل مى‌كنند قاعده الزام مى‌گويد اين ازدواج و فرزندان محصول آن را به رسميت بشناسيم.

آن چه كه زمينه اصلى اقتضاء مى‌كرد اين بود كه به جهت همگانى و همه زمانى بودن قانون اسلامى هيچ يك از مقرّرات مذهبى ملل ديگر به رسميت شناخته نشود ولى با توجه به اين كه ايده اسلامى، قوانين فقهى خود را بر هيچ يك از ملل نمى‌خواهد تحميل نمايد، و نيز با توجه به ضرورت هم‌زيستى مسلمين با ملل ديگر، قاعده مزبور وضع شده است. «1»

________________________________________
تبريزى، جعفرى، محمد تقى، رسائل فقهى (علامه جعفرى)، در يك جلد، مؤسسة منشورات كرامت، تهران - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

حیل شرعیه

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 138

الواحد و الأربعون: يجوز استعمال الحيل الشرعية في العقود

و لا منافاة فيها للقصد المشترط فيجوز التخلص من الزكاة و الخمس و الحج و الربا و حرمة الاحتكار بأن يبيع أو يهب أو يرهن ماله في أثناء السنة أو يبيع أو يهب ما يراد من النفع في القرض أو يضم إلى المتماثلين ضميمة تخرجهما عن الربا أو يرهن لأمواله في أثناء السنة على دين يستدينه حيلة أو يبيع بخيار أو يبيع على فقير بأضعاف الثمن شيئاً أو على سيد من دون مواطأة ابتداءً ثمّ يحتسبه من الزكاة او الخمس و مع المواطأة إشكال لتأديته إلى إذهاب الحقوق و بالجملة فيجوز التوصل بالعقود إلى تحليل ما لولاه لحرم حيلة ما لم يود في المواطأة إلى ذهاب الحقوق العامة فإن الأظهر و الأحوط عدم صحتها و كذا يجوز التوصل إلى تحريم ما يحل لولاها و هو باب واسع للفقيه لا بد من النظر فيه.

تبعض صحت

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 136

السابع و الثلاثون: الأصل في العقد أن لا يصح من جانب و يفسد من جانب آخر

سواء كان بالحكم الواقعي أو الظاهري فلو تبايعا مجتهدان أو مقلدان لمجتهدين مختلفين في بيع المعاطاة صحة و فساداً في صحة بيع الكلب و فساده و في صحة بيع الدهن النجس و فساده و في صحة العقد بغير العربي و فساده إلى غير ذلك من بيع العقود أو مما عليه معقود كان العقد باطلًا كلّه للأصل لأن النتيجة تتبع أحسن المقدمتين و احتمال أنه يصح كله من جانب و يفسد كله من جانب و محال أنه يصح أحد ركنيه من جانب و يفسد الركن الآخر من جانب آخر لارتباط ركني بعضه ببعض نعم يمكن أن يقال أن العقد كله صحيح بالنظر لمن يرى صحته و كله باطل بالنظر لمن يرى بطلانه و لا يضر اختلاف الحكم الشرعي بالنظر إلى اختلاف المجتهدين فلو كان دافع الثمن يرى صحة العقد لوجب عليه دفعه و كان قبض المبيع حلالًا عنده لأنه ما لم ينظره و لو كان دافع المبيع يرى البطلان كان دفعه له حراماً و قبضه للثمن كذلك و لزوم عليه رده فله المطالبة بمبيعه و لما لم يكن لصاحب الثمن أن يأخذه لأنه برأيه مال غيره كان له أن يمتنع من رد المبيع و يبقى ما لا يدّعيه احد فيرجع إلى الحاكم الشرعي و لو تداعيا عند من يرى صحة العقد فحكم عليهما بالصحة لزمهما ذلك ظاهراً أو كان تكليفهما واقعاً ما ذكرنا و يحتمل جريان الحكم عليهما ظاهراً أو واقعاً و كذا لو تداعيا عند من يرى فساده فحكم عليهما بالفساد و لزمهما ذلك و لو تداعيا عند من يرى كلًا منهما يمضي على ما يراه لزمهما ذلك إلا أنه قد يؤدي إلى النزاع و الشقاق فلا بد للحاكم من نهي من يرى الفساد أن لا يتعرض من يرى الصحة و إن لزمه طرح ماله عليه لأن الحاكم منصوب لتلك المصالح و لو عقد مخالف مع موافق عقد مزابنة أو عقد على ما لا يصح تملكه عند الموافق كان ما أخذه الموافق سحتاً على الأظهر و الزمهم بما ألزموا به أنفسهم خاص فيما إذا وقع العقد بينهم و يحتمل حليته لظاهر الخبر و أما ما أخذه المخالف فالأظهر‌

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، ص: 137‌

حليته بالنسبة إلى من يتناوله منه إلزامهم لهم بما ألزموا به أنفسهم و إن لكل قوم عقد و أما بالنسبة إليه فصحّت.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر، أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، نجف اشرف - عراق، اول، 1422 ه‍ ق

قاعده فراغ در معاملات

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 141

السابع و الأربعون: الأصل في كل عقد وقع الفراغ من أنه لا يلتفت إلى الشك بعده

لعموم قوله عليه السلام: (إذا شككت في شي‌ء و قد فرغت منه أو دخلت في غيره). فلو وقع التقابض في الصرف و شك في وقوع العقد قبله بنى على وقوعه و لو حصل شك في الإيجاب بعد قبول القابل احتمل لزوم الإعادة مطلقاً و احتمل لزومها على الموجب فقط و أما القابل فكأنه فرغ من الإيجاب و دخل في غيره و إن كان الإيجاب فعل غيره و أحتمل البناء على قبوله مطلقاً و لو قبضه للهبة أو للرهن أو الوقف و شك في صدور العقد يبني على صدوره.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر، أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، نجف اشرف - عراق، اول، 1422 ه‍ ق

عدم اعتناء به شک کثیر الشک

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 142

الثامنة و الأربعون: و الأصل في كثير الشك عدم الاعتناء بشكه في جميع أنواع العقود

فبنى على الصحة و كذا كل من خرج عن الاعتدال في إدراكاته و هما و ظنا و قطعا و كذا كثير السهو وجه قوي.

التاسع و الأربعون: الأصل في من ادّعى ملكا بأصالة أو ولاية أو وكالة فباعه أو وهبه هبة أو أجَّره تصديق قوله إذا لم يكن له معارض

سواء كان تحت يده أم لا و الأصل في تصرفاته الصحة و سواء علم سبق مالك لهذا المال أم لم يعلم معلوم كان أو مجهولًا عبداً كان أو حراً و لو ادعى العبد أنه مأذون من مولاه صح أن يعامل معاملة من ادعى الوكالة من الأحرار و من ادعى الاجتهاد فتصرف في أموال الأيتام و كل حق عام فالأقوى مضى عقود الأقرب و إن كان الاحتياط في التفحص عن أحواله نعم لا يجوز دفع مال اليتيم إليه و إن جاز الأخذ منه و دفع الثمن إليه عوض ما يأخذ منه و كذا من ادعى أنه وكيل المجتهد المطلق.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر، أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، نجف اشرف - عراق، اول، 1422 ه‍ ق

انحلال عقود

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 69

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 69‌

العنوان الحادي و الثلاثون [انحلال العقد إلى عقود]

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 70‌

عنوان 31 من جملة القواعد المتداولة قولهم: العقد ينحل إلى عقود.

و البحث هنا في أمور:

أحدها: أن المراد من العقد هنا أعم من الإيقاع

، فكما أن البيع و الصلح و الهبة و الإجارة و الوقف و الوصية و الشركة و المضاربة و المساقاة و المزارعة و الوديعة و الرهن و القرض و النكاح و نحو ذلك ينحل إلى عقود، فكذلك الطلاق و الظهار و اللعان و الإيلاء و الإقرار و العتق، و الشفعة بناء على أنها إيقاع، و الإذن في وجه قوي تنحل إلى إيقاعات، على نحو ما يذكر في العقد كيفية و دليلا، كما سيفصل، و إن كان (العقد) في عبائرهم ظاهرا فيما عدا الإيقاع، إلا أن الوجه في المسألة واحد. و لو استنهضنا على القاعدة بإجماع الأصحاب لأمكن المنع في الإيقاعات بعدم دخولها تحت هذه العبارة، فتدبر.

و ثانيها: أنه ليس المراد من انحلالها إلى العقود عدها عقودا متعددة قطعا

، بحيث يعد من أتى ببيع واحد متعلق بأمور أو بأمر مركب أو طلاق واحد متعلق بثلاث نسوة ممتثلا لنذره أن يبيع ثلاث بيوع أو يطلق ثلاث طلقات، لأن الحكم فيه تابع للاسم.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 71‌

و الغرض من الانحلال إنما هو انحلال الحكم، فيكون العقد الواحد في حكم العقود المتعددة بالنظر إلى الأحكام اللاحقة. و المراد من الانحلال إلى العقود: انحلاله إلى عقود من جنسه لا من غيره. فالبيع بمنزلة بيوع، و الطلاق بمنزلة طلقات، و هكذا. و لا يخفى أن الانحلال لما كان إلى جنسه فلا بد أن يعتبر انحلاله في مورده، فلا يمكن حل البيع الناقل للعين إلى بيع و إجارة، و إن كانت المنافع تابعة للأعيان في الانتقال، لكنه ليس موردا لبيع المنفعة، و لا بد حينئذ اعتبار الانحلال إلى حد يمكن وقوع عقد مستقل بالنسبة إليه، فيمكن انحلال البيع إلى بيوع بمقدار أجزاء المبيع القابلة للانفراد بالبيع، و انحلال الإجارة إلى إجارات بمقدار الأجزاء المفروضة في العين المستأجرة القابلة للإجارة المستقلة. و من هنا علم: أنه لا ينحل طلاق امرأة واحدة أو الإيلاء و الظهار منها أو نكاح امرأة واحدة إلى عقود و إيقاعات، لعدم إمكان نكاح نصف مرأة، و كذا طلاقه و ما شابهه، فبطلان النكاح لو ظهر نصف الزوجة ملك الناكح لعدم إمكان الحل إلى عقدين، و كذا لو كان نصفها مملوكة للغير و لم يرض مالكها، فلا تذهل.

و ثالثها: أن المستند في هذه القاعدة أمور:

الأول: ظهور إجماعهم على هذا الانحلال

كما نشير إليه في فروع الكثيرة، فإنهم يبنون على التبعيض و نحوه و يتمسكون بهذه القاعدة من غير نكير منهم كما لا يخفى على المتتبع، و هو الحجة.

و الثاني: الاستقراء

، فإنا قد تتبعنا موارد العقود و الإيقاعات فوجدنا انحلالها إلى عقود غالبا بإجماع أو نص، فكذا فيما لا دليل عليه. كما أنا وجدنا أنهم يقولون: لو تلف بعض المبيع أو ظهر مستحقا صح البيع في الباقي، و كذا لو كان بعضه مما لا يملك، كالخمر و الخنزير. و كذلك في الإجارة. و لو عقد على امرأتين فظهرت إحداهما أخته صح في الأجنبية، و لو طلق أو ظاهر أو آلى عن امرأتين فظهرت إحداهما فاقدة للشرط مضى الإيقاع في‌

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 72‌

الأخرى، و كذا لو أقر بأمرين و ظهر فساده في أحدهما. و نظائر ذلك في المزارعة و الشركة و غير ذلك من العقود كثيرة، فإنهم لا يقولون ببطلان العقد من رأسه بسبب فوات بعض أجزاء المتعلق، و في بعض المقامات قد علم إجماعهم على ذلك، و في مقامات آخر دل النص عليه. و مقتضى هذا الاستقراء إلحاق ما عداهما بهما ما لم يعلم «1» فيه الخلاف.

الثالث: أن ظاهر هذه الأسباب الشرعية أنها أسباب للنقل أو الفك أو الحبس

أو نحو ذلك في كل شي‌ء جعله الشارع قابلا لتعلق ذلك السبب به و تحقق ذلك الأثر فيه، فكل عقد أو إيقاع تعلق بمورد من الموارد فيؤثر في ذلك المتعلق بجميع أجزائه القابلة لتعلق ذلك السبب كما يؤثر في المجموع المركب، فإذا كان كذلك فتخلف بعض هذه الأجزاء لتلف أو كونه فاقدا لشرط التأثير أو وجود مانع فيه لا يضر بالآخر. و بعبارة اخرى: الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية، فكلما وجد مورد قابلا للتأثير يؤثر، و إذا لم يكن قابلا لفقد شرط أو وجود مانع فلا يؤثر فيه و يصير بمنزلة العقود المتعددة التي لا يلزم من بطلان بعضها بطلان غيره. فإن قلت: ظاهر التعلق بالأمر المجموعي يمنع من الانحلال إلى العقود و الإيقاعات. قلت: ما ندري أن هذا التعلق بهذه الأمور ارتباطي بمعنى أن تعلق البيع و الطلاق مثلا بهذا المتعدد موقوف على صحة جزء جزء أم لا؟ و الأصل عدم الارتباط، و رخصة الشارع في إجراء صيغة واحدة لهذا المجموع و إجراء صيغ متعدده للأجزاء القابلة للانفراد يدل على عدم ارتباط بعضها ببعض. و بعبارة اخرى: لا ريب في جواز انفراد الأجزاء بالبيع و الطلاق كما هو المفروض و جمعها في صيغة واحدة لا يوجب الارتباط، بل إنما يؤثر السبب في‌

______________________________
(1) في «ن»: ما عداها بهما فما لم يعلم، و في «د»: ما عداها بهما مما لا نعلم.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 73‌

كل من الأمور القابلة للانفكاك دفعة واحدة، فلا فرق في الاجتماع و الانفراد سوى كفاية الصيغة الواحدة و عدمها، لا ارتباط الأجزاء بعضها ببعض. و لو فرض عدم كون بعضها قابلا للتأثير فلا يفترق الحال أيضا بين كونه منفردا أو مجتمعا، لأنه غير قابل للمسببية فلا يتأثر.

الرابع: أن معاوضة المجموع بالمجموع يقتضي كون الأجزاء أيضا متقابلة

، بمعنى أن يكون كل جزء من أحدهما في مقابل جزء من الأخر نسبته إلى المجموع كنسبة الأخر إلى مجموعة، و هذا أمر في العرف واضح، فتصير المعاوضة الواحدة المتعلقة بالمجموع في قوة معاوضات، بل معاوضات حقيقية لو لوحظ في العرف، و لازم ذلك ترتب الأحكام الشرعية اللاحقة على العقود المتعددة عليه. و هنا إشكال، و هو: أنه قد تقرر في العنوان السابق أن العقد يتبع القصد، فلو سلم مقابلة الأجزاء بالأجزاء و كون الأسباب مؤثرة حيثما وجد القابل لكن قد تقيد ذلك بالقصد فلا تأثير ما لم يقصد، و لا ريب أن قصد مقابلة المجموع بالمجموع لا يستلزم قصد مقابلة الأجزاء بالأجزاء، و لذا نرى أن كثيرا من الناس لا يرضون بمعاملة الجزء بالجزء، بل يرضون بمعاملة الكل بالكل، فالقصود في العقد و الإيقاع إنما تعلق بهذا المجموع دون كل جزء، فإذا فات بعض الأجزاء بتلف و نحوه فكيف يعقل صحة الباقي مع أنه غير مقصود؟ فكلامنا في هذا المقام ينافي قاعدة التبعية للقصد على إطلاقه، فلا بد إما من التفصيل، أو تخريج الجواب عن الأشكال. فنقول، يمكن أن يقال: أولا: إنا لا نسلم تعلق القصد بالمجموع المركب، بل ظاهر معاوضة الكل بالكل قصد مقابلة الأجزاء بالأجزاء، و مسألة التبعية و الاستقلال لا دخل لها فيما نحن فيه، إذ الكلام في أن معاوضة الأجزاء بالأجزاء مقصود أم لا. فنقول: ظاهر المقابلة خصوصا بعد ملاحظة المالية و كون المقصود القيمة قصد المعاوضة كيف كانت، و ما يرى في بعض الصور أنه يرضى بالمجموع و لا يرضى بالأبعاض فرد نادر محتاج إلى تعلق الغرض بخصوصية الهيئة دون‌

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 74‌

أصل المعاملة. و كذا الكلام في الإيقاع، فإن كلامنا أعم، فإن من طلق امرأتين بطلاق واحد و صادف كون إحداهما فاقدة للشرائط، فنقول: ظاهر طلاقهما كون كل منهما مقصودا في الفراق، لا أن المجموع المركب كذلك، و إن كان قد يصير غرضه طلاقهما معا بحيث لا يرضى بكون إحداهما مطلقة دون الأخرى، لكنه يحتاج إلى قصد زائد على قصد طلاق المرأتين، فتدبر. و بالجملة: قصد الارتباط شي‌ء زائد لا ندري حصوله، و الكلام فيما لم يصرح بذلك. فإن قلت: قصد الاستغراق أيضا كذلك. قلت: نحن لا نحتاج في صحة بيع الأجزاء إلى قصد الاستغراق، بل يتحقق ذلك بقصد الاستغراق أيضا و بقصد الارتباط و بقصد المجموع خاليا عن الأمرين، فإن هذه القصود لا تنافي صحة البيع، و ينتقل الأجزاء. نعم، الكلام في مانعية فوات بعض الأجزاء للبعض الأخر أو شرطية وجوده للاخر، و هو فرع جعل من الشارع و لم يحصل بل ورد خلافه، أو جعل من المتعاقدين و الفرض عدم العلم به، لأنا قد ذكرنا أنه محتاج إلى قصد الارتباط و التعليق، و هو غير محقق. نعم، لو صرح بذلك و قال: (بعتك هذه الدار بشرط ارتباط الأجزاء بحيث لو خرج بعضها مستحقا أو تلف بحيث انفسخ البيع أو ظهر بطلانه بنحو آخر لم أرض ببيع الباقي) لكان الحكم كذلك، لأنه شرط مقيد، و لا مانع من اشتراط مثل ذلك، فتأمل جيدا. و ثانيا: ما ذكر من تعلق القصد بالمجموع و عدم الرضا بالتبعيض لو سلم وجوده فليس قصدا من العقد، و إنما هو قصد خارجي و إن كان داعيا. و بعبارة اخرى: ليس المراد من قولك «1»: (بعتك المال) أني لا أرضى «2»

______________________________
(1) في «ف، م»: قوله.

(2) في غير «م»: لا رضى.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 75‌

بالتبعيض، إذ هو معنى غير هذا المعنى، و ذلك نظير ما إذا بنى البائعان على أن للبيع كل منهما فرسه بالآخر و تواطئا عليه، فقال أحدهما: بعتك فرسي بخمسة فقبل الأخر، ثم امتنع الأخر عن البيع، و هذا لا يضر بصحة البيع الأول و إن كان قاصدا أنه أيضا يبيع، لكن لم يكن من قوله: (بعت) قاصدا بشرط أن تبيع. و ثالثا: أنه لو سلم كون ذلك هو المقصود قد ذكرنا: أن المراد بالقصود هي القصود المدلول عليها بظاهر عبارة، لا القصد المحض، بمعنى أن اللفظ بلا قصد لا يكفي، لا أن كل قصد بغير دال يمضى، و قد ذكرنا: أن التعلق بالمجموع في اللفظ ليس دالا على قصد عدم الانفكاك، بل هو لو لم يكن ظاهرا في قصد كل جزء كما قررناه فليس ظاهرا في قصد الارتباط قطعا، و لو صرح به في اللفظ دخل تحت الشرط، و نحن نلتزم بذلك حيث صرح كما مر، فلا تذهل «1». و رابعا: نفرض الكلام في صورة ما كان قاصدا للاستقراء و بحيث لا يكون هناك قصد مناف، فإنه لا ريب في انحلاله حينئذ إلى العقود بمقتضى الأدلة السابقة، و لا يعارضه قاعدة القصد و إن كان فيه كلام من جهة أخرى تأتي فإذا تم انحلاله في هذه الصورة لوجود المقتضي و انتفاء المانع لزم الانحلال في غيره بعدم القول بالفرق، إذ كل من قال بالانحلال لم يفرق بين ما كان قاصدا للعموم أو لم يكن، فتبصر.

الخامس: أنه لا ريب أن العقد مقتض لانتقال هذا المتعلق بجميع أجزائه و ليس له مانع

، فإذا كشف عن عدم انتقال بعض الأجزاء لمانع يقع الشك في أن انضمام هذه الأجزاء شرط أو فقدان بعضها مانع؟ فنقول: الأصل عدم المانعية و عدم الشرطية، إذ ذلك إما من جعل الشارع ابتداء و لا دليل عليه بل الدليل على خلافه موجود، و إما من جعل المكلف المستلزم لإمضاء الشرع و هو أيضا فرع الاشتراط أو دلالة ظاهر اللفظ، و قد عرفت انتفاء الثاني و فرض عدم الأول.

______________________________
(1) في غير «م»: فلا تذهل كما مرّ.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 76‌

فإن قلت: ليس هذا شكا في الشرطية و المانعية بل شك في اقتضاء المقتضي، بمعنى أنه بعد عدم التأثير في بعض الأجزاء نشك في أن هذا العقد مؤثر في الانتقال أم لا و الأصل عدمه. قلت: لا ريب في أن هذا العقد داخل في عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و الوفاء به إمضاء المقتضيات كافة، فإذا جاء مانع من بعض المقتضيات فلا يوجب الشك في الأخر، لشمول العموم من دون معارض، فلا تذهل. و هنا إشكال، و هو: أنه لو انحل العقد إلى عقود يصير في المعاوضات معناه معاوضة كل جزء بنسبته من العوض الأخر، و هذا يستلزم جهالة المعوض و العوض، مع أن أغلب المعاوضات قد اعتبر فيها العلم في أعيان كانت أو منافع، فهذه القاعدة ينافيها اشتراط العلم. نعم، هذا في الإيقاعات كالعتق و الطلاق و نحوه و في العقود التي لا معاوضة فيها كالهبة الخالية عنه و الوقف و الوصية و نظائر ذلك غير وارد، لتعلق القصد هناك بالمجموع، و عدم صحة البعض غير مانع من الأخر، و ليس هذا كمسألة عتق عبد من عبدين أو طلاق امرأة من امرأتين، لعدم القصد هناك بالمعين أصلا، لكن في عتق العبدين تعلق بكل واحد بعينه، و بطلان أحدهما لا يحدث جهالة في الأخر، و ذلك واضح، و لكن في المعاوضات كالبيع و الإجارة و ما في حكمها كالرهن و نحوه إذا ظهر بطلان العقد في البعض ترجع المعاوضة إلى البقية من الطرفين بعد ملاحظة النسبة، و ذلك لم يكن معلوما عند المعاوضة. و الجواب: بأن الانحلال إذا صح في البعض صح في الباقي، لما أشرنا إليه من عدم الفارق. و ثانيا: بأن مثل هذه الجهالة غير مانعة في البيع الذي هو أدق المعاوضات، فضلا عن غيره، لجواز المعاوضة على الأجزاء المشاعة ثمنا و مثمنا بعد معلومية المجموع.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 77‌

و لا ريب أن معنى انحلال بيع الدار إلى مائة «1» عقود: أن يكون نصفها بنصفها و ثلثها بثلثها، و هكذا إلى ما لا نهاية له. و لا ريب أن ذلك معلوم عند البيع بهذا العنوان، و لهذا لو بيع ابتداء بهذا النحو لكان البيع صحيحا، فكذلك سائر المعاوضات. فإن قلت: هناك ليس نصف معين، و إنما هو كلي، و تعينه باعتبار كلية «2» و فيما نحن فيه ليس كذلك، إذ لو بيع شاتان بخمسة فظهر إحداهما مستحقا للغير و قوم باثنين و الباقي بثلاثة، فلا ريب أن الشاة الباقية لم تلاحظ بأنها شاة معينة، و لم يعلم كونها مبيعة «3» كذلك، و كون النصف و العشر و نحوهما ملحوظا معلوما لا ينفع في معلومية الأجزاء المعينة. قلت: هذا كلام متين، و لكن الجواب أمتن منه، لأنا نقول: إن تبعض «4» الصفقة الموجب للانحلال لا يختص بفوات أجزاء معينة، بل قد يصير بفوات الأجزاء المشاعة، كما لو خرج نصفه مشاعا ملكا للغير و لم يرض مالكه، و لا ريب أن هناك لا يجري هذا الكلام لمعلومية ذلك من خارج، لما ذكرنا من وضوح كون النصف بالنصف. و أما لو كان بفوات جزء معين، فنقول: إنه لو قلنا فيه بأنه يقوم الباقي و يؤخذ قيمته لكان ذلك مجهولا، لكن قد قلنا هناك أيضا بملاحظة النسبة، و لا ريب أن النسبة لا تلاحظ إلا بلحاظ قيمة الباقي إلى المجموع حتى يعلم أنه نصف أو ثلث أو ربع أو خمس أو نحو ذلك، فيرجع إلى الثمن بتلك النسبة، فيرجع المال هنا أيضا إلى كون النصف بالنصف و العشر بالعشر. فإن قلت: هذا مسلم، و لكن كون النصف بالنصف لا يقتضي كون هذا النصف الباقي للمشتري، لاحتمال النصف الأخر، و لا يستلزم كون «5» الشاة الباقية لي‌

______________________________
(1) في «م»: بيع الدار بمائة إلى عقود.

(2) كذا في النسخ، و في هامش «م»: كلّيته، خ ل.

(3) في عدا «م»: لم يلاحظ بأنّه شاة معيّن و لم يعلم كونه مبيعا.

(4) في «ن، د»: تبعيض.

(5) في «ف، م» زيادة: هذا.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 78‌

بنصف الثمن، لاحتمال الشاة التالفة، إذ لا بد حينئذ من إجراء حكم ما لو اشترى النصف بالنصف. قلت: هذا اشتباه، إذ لو كان مشتريا لنصف واحد لكان الحكم كما تقول، لكن اشترى كل واحد من النصفين بإزاء النصفين من الثمن، فإذا تلف واحد فالباقي للمشتري أي نحو فرض، و المثال المطابق ما إذا قال: (بعت النصف بالنصف و النصف الأخر بالنصف الأخر) فيصير كل من النصفين يعني مجموع الشاتين للمشتري، فإذا تلف منه شي‌ء كان الباقي للمشتري لا محالة، غايته: ضمان البائع للمعاوضة، فيسقط من الثمن بحسابه، هكذا ينبغي أن يحقق هذا المقام. و ثالثا: فعلى تسليم كون هذا جهالة لا نسلم كون هذه الجهالة مانعة لأولها إلى العلم، و قد جوز نظير ذلك في مقامات. و هنا كلام، و هو: أن الفقهاء ذكروا أن تبعض الصفقة في المعاوضات موجب للخيار حيث يرتفع بذلك ضرر، و لو كان العقد ينحل إلى عقود للزم من ذلك كون حكم كل من الأبعاض اللزوم، لعموم دليله، و لا ريب أن بطلان عقد لا يوجب الخيار في عقد آخر، فينبغي أن تكون الأجزاء كذلك. أقول: هذا من المؤيدات لانحلال العقد إلى عقود، و إلا للزم من بطلان العقد في البعض بطلانه في الكل، لأن العقد الواحد لا يجتمع فيه الصحة و الفساد. فقد علم: أن الفقهاء بنوا على عدم الارتباط، و أما قولهم بالخيار فليس لذلك، بل من جهة أن البائع مثلا أو المشتري أو نحو ذلك إذا أتى بالعوض المعين فتخيل الأخر أنه يحصل له بهذه المعاوضة، لدلالة ظاهر حال المعاوض عليه، لأنه يريد الدفع و التمكين، فإذا انكشف خلافه ظهر الغرور الموجب للضر و يندفع بالخيار، لا لأن الرجل يقصد الارتباط و حصول تمام الأجزاء، و إلا للزم البطلان قهرا، لا الخيار، و فيما ذكرناه سابقا كفاية، فراجع.

و رابعها «1»: أن الظاهر أن انحلال العقد إلى العقود في جميع الأحكام إلا ما دل [دليل على خلافه]

______________________________
(1) أي: رابع الأمور المبحوث عنها في هذا العنوان، تقدّم ثالثها في ص: 71.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 79‌

دليل على خلافه، و مقتضاه: أن كل عقد أو إيقاع متعلق بأمر مجموعي متى ما فقد شرط أو وجد مانع في البعض بطل ذلك و صح الباقي، فلو كان بعض المبيع غير مقدور على تسليمه أو غير مملوك أو العاقد بالنسبة إلى بعضه غير مالك و لاولي و لا مجاز فسد، دون الباقي، و لو تحقق الإجازة في بعض المبيع فضولا أو غيره من العقود الفضولية فينبغي الصحة في المجاز بالنسبة، و إن تأمل فيه بعض مشايخنا «1» و لعله لعدم عده إجازة. و بالجملة: فكلامنا من حيث القاعدة، و ينبغي [أن يقال، خ ل «2»] إن ما يشترط بالقبض كالهبة و الوقف و السكنى و توابعه و الرهن و الصرف و السلم إذا حصل القبض في بعضه صح بالنسبة إلى المقبوض و إن بطل الباقي أو بقي مراعى لتوسع وقته، و كذلك ثبوت الخيار لو كان بعض المعقود عليه فيه خيار، كشراء شيئين أحدهما حيوان، أو نكاح امرأتين في عقد أحدهما مجنونة أو بها قرن، و لزوم انعتاق الباقي لو كان ممن ينعتق على المتملك و إن بطل الباقي، و ثبوت الشفعة فيما صح لو كان مشفوعا، فإنه «3» كالمبيع المستقل، و نحو ذلك ضمان الأبعاض، لأن المبيع قبل القبض مضمون، و لحوق مقتضيات العقد من تعجيل و تقابض و لواحقه من التوابع اللاحقة لكل شي‌ء بحسبه، و مسائل التنازع في عوض أو معوض أو إطلاق أو اشتراط أو نحو ذلك، و منها أيضا شرعية الإقالة، فإنها كما يجوز في تمام العقد يجوز في الأبعاض بالنسبة، لأنه بمنزلة عقود مستقلة يشرع فيها الإقالة. و أما عدم جريان الخيار في الأبعاض في غبن و نحوه، لأن دليل الخيار على خلاف القاعدة، و لم يثبت إلا في العقد من حيث هو مجموع واقع كذلك، و لو لم يكن مانع لقلنا بثبوته في الأبعاض، لكن لا دليل عليه. و بالجملة: بعد ما ذكرنا الانحلال فاللازم إجراء حكم العقود المستقلة على الأبعاض ما لم يعارضه معارض.

______________________________
(1) لم نقف عليه.

(2) من هامش «م».

(3) في «م»: لأنّه.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 80‌

نعم، قد أفتى الشهيد «1» رحمه الله و غيره «2» بأنه لو أجل بعض الثمن في السلم بطل الكل، و عللوه بأن بطلان المؤجل لاشتراط التقابض و بطلان الحال لعدم معلومية التقسيط، إذ ما بإزاء الحال أزيد مما بإزاء المؤجل. قلت: الذي تقتضيه القاعدة الصحة في ذلك، لما قررناه، و هذه الجهالة غير قادحة، و قد أفتى جماعة بالصحة أيضا «3» على ما في بالي فإن كان لهم دليل على البطلان قبلناه، و إلا فلا. و بملاحظة ما نبهنا عليه من الفروع يتنبه البصير على فروع لا تتناهى، و قد أشرنا إلى الأنواع إجمالا، و تفصيل الكلام يحتاج إلى مجال تام، و نحن من السرعة و العجالة بمقام.

و خامسها «4»: أنه قد أشرنا أن انحلال العقد إلى عقود إنما هو بعد ملاحظة متعلقاتها

، فإن البيع ينحل إلى العقود البيعية فيما تعلق به عقده و إن كانت المنافع أيضا تنتقل بالبيع تبعا، فلا يقال: إن البيع ينحل إلى بيع و إجارة. إذا عرفت هذا تعرف أن الانحلال يتوقف على معرفة متعلقات العقود، حتى يعرف أن أي شي‌ء داخل و أي شي‌ء خارج؟ و نحن نذكر إن شاء الله ضبط متعلقات العقود في اللواحق.

و من هنا وقع الخلاف في أن الأرش للعيب هل هو على القاعدة لأنه عوض ما فات من أحد العوضين، أم لا؟ و تنقيحه يحتاج إلى بيان أن الأوصاف داخلة في الأعواض عينا كانت «5» أو منفعة أو ليست بداخلة فيهما «6» مطلقا، أو فرق بين‌

______________________________
(1) أفتى به في الدروس 3: 256، إلّا أنّه احتمل الصّحة أيضا.

(2) مثل العلّامة في القواعد 1: 136، و التذكرة 1: 557.

(3) لم نقف على من أفتى بالصحّة، نعم احتملها الشهيد في الدروس 3: 256، و قال الشهيد الثاني: «و ربما قيل بالصحّة» و لم يذكر قائله، انظر الروضة البهية 3: 417.

(4) أي: خامس الأمور المبحوث عنها.

(5) في غير «م»: كان.

(6) كذا، و لعلّ تثنية الضمير باعتبار رجوعه إلى العوضين.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 81‌

وصف الصحة و سائر الأوصاف و الأول داخل دون الباقي؟ وجوه ثلاثة، و حيث إن المسألة من فروع ما يتعلق به العقود فنؤخر بيانها «1» إلى محله و نوضحه «2» هناك إن شاء الله تعالى. فإن قلنا بدخول وصف الصحة في العوض صار الأرش على القاعدة يجري في كل معاوضة. و إن لم نقل بدخوله «3» كما هو الأقوى فلا يكون على القاعدة، دل عليها «4» الدليل في البيع، فيقتصر عليه أو يتسرى إلى غيره بتنقيح مناط و نحوه لا مطلقا، فانتظر لتنقيح المقام بعون الملك العلام.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)؛ ص: 134

الرابع و الثلاثون: الأصل في نواقل الأعيان و المنافع أنه لو وقع العقد مع القابل و غير القابل صح القابل

و بطل في غيره و يقسط في نواقل المعاوضة ما قابل الجميع على القابل فيسقط منه بحساب غير القابل إذا كان متمولًا و لو عند مستحليه كالخمر و الخنزير و ما لا يتمول يحتمل جعل الجميع بإزاء القابل و يحتمل الفرق بين تقديره مالًا متصفاً بصفة فيقوم فيسقط عنه ذلك و يحتمل الفرق بين العلم و الجهل و يحتمل البطلان هنا و في كل ما يبيع و فيه غير القابل لأن العقد لا يتبعض و لعدم حصول الرضا بالنقل‌

أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، ص: 135‌

المقصود فما وقع لم يقصد و لارتباط الرضا بالنقل بعضه ببعض و الكل ضعيف كما ترى لمنع تبعض العقد بل هو انصباب على القابل دون غير القابل فغير القابل منصرف عنه إلا أنه بطل بقدره و لمنع عدم القصد لان القصد إلى الجميع حاصل فالقابل مقصود بالنقل بما قابله و لمنع الشرطية في الارتباط غايته إن وقع على ذلك الحال لأن ذلك الحال شرط في نقله فهو نقل بصيغة لا شرط لوصف.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر، أنوار الفقاهة - كتاب المكاسب (لكاشف الغطاء، حسن)، در يك جلد، مؤسسه كاشف الغطاء، نجف اشرف - عراق، اول، 1422 ه‍ ق

بطلان العباده بکل زیاده و نقیصه

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 439

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 439‌

العنوان السادس عشر قاعدة بطلان العبادة بكل زيادة و نقيصة

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 440‌

عنوان 16 مقتضى القاعدة أن يكون كل زيادة و نقيصة في العبادة مبطلا لها، سواء كان في الطهارات أو الصلاة أو غيرها «1» من العبادات، و لا يفترق الحال بين القول بأن أساميها موضوعة للصحيحة، أو للأعم منها و من الفاسدة. و تنقيح ذلك يتوقف على مقدمة، و هي: أن العبادات لا ريب في أن كلها مخترعة من قبل الشارع و لو بانضمام شروط و أجزاء إلى ما كانوا يعرفونها. و بعبارة اخرى: هذا المجموع المركب من حيث هو كذلك مما قد جعله الشارع و رتب عليه أحكاما كثيرة دنيوية و أخروية، و لا ريب أن انضمام الأمور المتعددة بعضها إلى بعض على نسق و ترتيب يلزمه هيئة خاصة قهرية، هي الجزء الصوري للمركب، و لا يمكن تحقق مركب من دون هيئة «2» و إنما البحث في أن هذه الهيئة أيضا داخلة في الماهية المطلوبة، أو هي أمر قهري عارض للأجزاء المجعولة عند اجتماعها، و ليست هي مطلوبة. فنقول: الظاهر كون الهيئة داخلة في العبادة، و ليست عبارة عن مجرد الأجزاء‌

______________________________
(1) في «م»: في الطهارة أو الصلاة أو غيرهما.

(2) كذا في «ن»، و في «د»: من دون هيئته، و في «ف، م»: دون هيئة.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 441‌

المادية. و الدليل على ذلك: تبادر المعنى من ألفاظ العبادات، و سلب الاسم عما تغير فيه الهيئة في بعض الأفراد، كالفعل الكثير في الصلاة. فصار معلوما أن الهيئة مطلقا غير خارجة عن الماهية، بل هي جزء صوري للمأمور به. مضافا إلى أنا وجدنا في العبادات: أن الشارع جعل التقديم و التأخير و نحو ذلك منوعا للعبادة، و جعل لكل قسم منهما أحكاما برأسه، فكشف أن الهيئة لها مدخلية في الماهية. على أن الظاهر: أن الشارع في هذا التركيب جرى مجرى طريقة الحكمة المعروفة بين العقلاء، و لا ريب أن ما نراه من طريقة العقلاء في أحداث التراكيب المختلفة في أدوية و معاجين و أبنية و آلات و نحو ذلك مدخلية الصور و الهيئات في آثارها و ثمراتها و مطلوبيتها، و مع اختلال تلك الهيئة لا يرتبون تلك الثمرات عليه. مع أن كل موجود خارجي مما خلقه الله تعالى نرى أن لهيئته مدخلا في التسمية، بل الأسماء دائرة مدار الهيئات و الصور دون المواد، فمقتضى ذلك كون الهيئة داخلة في مسميات ألفاظ العبادة، و لازم ذلك عدم صدق اللفظ و عدم ترتب الثمرات بدونها، و هو معنى البطلان. فإن قلت: إنا لا ننكر دخول الهيئة في الجملة في الماهية بل ذلك من الواضحات، و لكنه لا يلزم منه أن كل زيادة و نقيصة مبطل، لعدم تغير الهيئة بمطلق الزيادة و النقيصة. قلت: هذا غفلة من المدعى، و بيان ذلك: أن الكلام تارة في أن هيئة العبادة أي شي‌ء هو؟ بمعنى: أنا لا ندري مثلا أن القعود في أثناء الطواف مبطل أم لا؟ و نحو ذلك، و الكاشف عن ذلك أحد أمور‌

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 442‌

إما الصدق عند المتشرعة فيثبت بذلك أن الهيئة أحد الأمرين، أو الإجماع، أو الأخبار الدالة على الحكم. و هذا هو مقام إثبات أصل الماهية و الأجزاء و الشرائط و الهيئة بطرقها المقررة. و المقام الثاني: أن بعد ثبوت أن الهيئة ذلك مثلا، كما لو ثبت أن الزائد عن سورة واحدة ليس من الصلاة، أو السورة الواحدة لازمة فيها بالنص، و لكن لا ندري أن الزائد يبطل أو لا؟ و لا ندري أن نقصان السورة مبطل كالركوع أم لا؟ مقتضى القاعدة: أن نقص كل شي‌ء ثبت أنه داخل في الهيئة و زيادة كل شي‌ء ثبت بالدليل الشرعي أنه ليس مما اعتبر في العبادة مبطل لها،

و الوجه في ذلك أمور:

أحدها: ما مر من أن الهيئة بعد ثبوتها داخلة فيما اعتبرها الشارع عبادة.

و صدق الاسم بدونها على مذهب من يقول بالأعم لا ينفع في شي‌ء، إذ الأعم ليس مأمورا به بعد قيام دليل على الخصوصية، و لا ريب أن النقص مغير للهيئة، لأن الجزء اللاحق للمتروك يلحق الجزء السابق عنه، و هو هيئة مغايرة، و كذلك في الزيادة، لأن تخلل الزائد مغير لهيئة المتلاحقين، فيغير هيئة المجموع المركب، و ذلك واضح.

و ثانيها: قاعدة الاشتغال

، المقررة على مذهب من يقول بكون الأسامي للصحيحة: بأن الشك في كون الزائد و الناقص مانعا يوجب الشك في صدق الاسم فلا يقع الامتثال، و على مذهب من يقول بالأعم: بأن المانع المشكوك و إن اندفع مانعيته، بمعنى: أن الجزء الناقص مثلا و إن نفينا كونه مبطلا بأصالة عدم المانعية، لكن مقتضى الارتباط النفس الأمري في أجزاء العبادات المركبة: أنه لو كان هذا الناقص مبطلا و جزءا مقوما للعمل فالاجزاء الباقية أيضا غير نافعة، لقضية الارتباط، فالبراءة و الامتثال لا يحصل إلا بإتيان الناقص و ترك الزائد حتى يحصل القطع بالامتثال بما علم ثبوت التكليف به.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 443‌

و ثالثها: أن مقامنا هذا غير مرتبط بأصالة الجزئية و الشرطية و المانعية و نحو ذلك

، إذ الفرض ليس أصل الجزئية في الناقص و عدمها في الزائد مشكوكا، بل هما معلومان، فإذا زاد أو نقص، فنقول: مع قطع النظر عن حكم العقل يحكم العرف بعدم كونه امتثالا للمأمور به، و هو معنى البطلان.

و رابعها: الإجماع المحكي على هذه القاعدة

في كلام جماعة من أفاضل المتأخرين «1».

و خامسها: الإجماع المحصل

من تتبع كلمات الأصحاب في العبادات، فإنهم بعد ثبوت الزيادة و النقيصة يبنون على البطلان حتى يثبت دليل على عدم المانعية.

و سادسها: الصحيح المروي

في كتاب الصلاة: (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا «2» و هذه الرواية أخص من المدعى من وجهين: أحدهما: اشتماله على حكم الزيادة دون النقيصة. و ثانيهما: اختصاصه بالصلاة. لكن الظاهر عدم الفرق بين الزيادة و النقيصة إن لم يكن النقيصة أولى بالبطلان و أقوى في عدم صدق الامتثال عرفا. و لا فرق بين الصلاة و غيرها، لكون الكل توقيفية مبنية على هيئة خاصة متلقاة من الشارع. و الحاصل: الفرق بين الصلاة و غيرها في «3» هذه الجهة غير واضح، بل منتف.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

مستقصى مدارك القواعد؛ ص: 197

الاولى الاصل في كل زيادة و نقيصة في العبادة بطلانها به

فصل هذه القاعدة ذكرها جماعة من اصحابنا من غير تعرض لنقل خلاف فيها و قد اشير اليها أيضا في عبارات كثير منهم و في بعض الكتب المتاخره نسب حكاية الاجماع عليها الى جماعة من افاضل المتاخرين و جعل هذا الاجماع المحكى من ادلة هذه القاعدة و استدل عليها أيضا بالإجماع المحصل عن تتبع كلمات الاصحاب في العبادات قال فانهم بعد ثبوت الزيادة و النقيصة يبنون على البطلان حتى يثبت دليل على عدم المانعية اه و الظاهر ان هذا الاصل بالنسبة الى النقيصة مسلم متفق عليه و قد برهنا على اثباته في البحث عن الركن و اما بالنسبة الى الزيادة فدعوى الاجماع عليه في غاية الاجماع شكال مع ان ما دل على بطلان العبادة بالنقيصة من عدم حصول الامتثال بالامر معها فيبقى تحت العهدة لا يجرى في الزيادة لصدق الامتثال معها عرفا الا ترى ان السيد اذا امر عبده بشي‌ء فاتى به و بشي‌ء اخر معه فلا ريب في انه امتثل و اتى بالمأمور به و ما اتى به مما لم يؤمر به لا يقدح في صدق الامتثال عرفا نعم لو كانت الزيادة مغيرة لصورة العبادة بحيث انمحت هيئتها التي لها مدخلية في صدق الاسم فلم يصدق عليها الاسم الموضوع لها فمقتضى الاصل بطلانها بها اذ المفروض ان ما اتى به ليس ما امر به فلا يحصل الامتثال و هذا لا يثبت الكلية‌

مستقصى مدارك القواعد، ص: 198‌

المشار اليها من اصالة البطلان بكل زيادة و من هنا خص بعض من ابطل الصلاة بالفعل الكثير بما كان ماحيا لصورتها و القول بان كل زيادة مما يغير به الهيئة و ينمحى به الصورة من سقاط الكلام و شطاطه و قد يقال ان العبادات توقيفية يجب تلقيها من الشارع و الثابت منه هو ذو الهيئة الخاصة من دون زيادة و نقيصة فالهيئة داخلة في العبادة فانها ليست عبادة عن مجرد الاجزاء المادية قال في العناوين على ان الظاهر ان الشارع في هذا التركيب جرى مجرى طريقة الحكمة المعروفة بين العقلاء و لا ريب ان ما تراه من طريقة العقلاء في احداث التراكيب المختلفة في ادوية و معاجين و ابنية و آلات و نحو ذلك مدخلية الصور و الهيئات في آثارها و ثمراتها و مطلوبيتها مع ان كل موجود خارجي مما خلقه اللّه نرى ان لهيئتها مدخلا في التسمية بل الاسماء دائرة مدار الهيئات و الصور دون المواد فمقتضى ذلك كون الهيئة داخلة في مسميات الفاظ العبادة و لازم ذلك عدم صدق اللفظ و عدم ترتب الثمرات بدونها و هو معنى البطلان اه و فيه نظر فان صدق الاسم يكفي في حصول الامتثال كما في الامتثال بسائر الاطلاقات فقولهم يجب كون العبادة متلقاة من الشارع ان اريد به ما يشمل ما ذكرناه فقد حصل و الا فلا دليل عليه فالقول بان للهيئة مدخلية في العبادة ان اريد به ما يمحو به الصورة و ينتفى معه صدق الاسم فمسلم لما بيّناه و الا فلا ينبغى الالتفات اليه مع انا قاطعون بان كثيرا من الزيادات لا يقدح في العبادات من دون نص على الاستثناء‌

مستقصى مدارك القواعد، ص: 199‌

مع ان الزيادات المنصوص على جوازها أيضا كثيرة فتدبر و عما ذكرناه اندفع الاستدلال على الاصل المشار اليه بقاعدة الاشتغال و كذا بنائه على القول بكون الالفاظ اسامى للمعانى الصحيحة نعم الاولى الاستدلال عليه بقوله ص صلوا كما رأيتموني اصلى فتدبر و بما يأتي أصل روي خ باسناده عن على بن مهزيار عن فضالة بن ايوب عن ابان بن عثمان عن ابي بصير عن الصادق ع قال من زاد في صلاته فعليه الاعاده اه و روي الكليني في في عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن ابن أذينة عن زرارة و بكير بن اعين عن ابي جعفر ع قال اذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبه ركعة لم يعتد بها و استقبل صلاته استقبالا الا اذا كان استيقن يقينا اه فصل لعلّ عدم التعرض لذكر النقيصة لوضوح حكمها و موافقته للأصل السالف مع انه يمكن الاستدلال بحكم الزيادة على حكمها أيضا بالاولوية و الانصاف ان الاستدلال بالرواية الثانيه على اثبات هذا الاصل ليس كما ينبغى اذ موردها زيادة الركعة لا مطلق الزيادة نعم بعض من استدل بها عليه اسقط قوله ركعة و لكنه مذكور فيما عندنا من النسخ المعتبره و ربما يعترض أيضا باختصاص الروايتين بالصلاة فلا دليل علي جريان هذه القاعدة في سائر العبادات و دفعه في العناوين بانه لا فرق بين الصلاة و غيرها لكون الكل توقيفيا مبنيا على هيئته خاصة متلقاة من الشارع فالفرق بين الصلاة و غيرها في هذه الجهة غير واضح و فيه نظر‌

________________________________________
كاشانى، ملا حبيب الله شريف، مستقصى مدارك القواعد، در يك جلد، چاپخانه علميه، قم - ايران، اول، 1404 ه‍ ق

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ص: 7

المسألة الأُولىٰ حول الخلل العمدي بالزيادة و النقيصة

مقتضى القواعد الأوّلية في النقيصة

الاختلال العمدي بالزيادة يمكن ثبوتاً، و هكذا النقيصة، و مقتضى القواعد الأوّليّة بطلان الصلاة في الفرض الثاني، سواء كانت قليلة أو كثيرة، جزءً أو شرطاً، قيداً أو وصفاً، بالضرورة عقلًا و شرعاً.

و توهّم صحّتها حسب إطلاق «لا تعاد» «1» لإمكانه، في غير محلّه- كما حرّرناه في الأُصول «2»، و في الرسالة الموسوعة لقاعدة «لا تعاد» «3» و إن‌

______________________________
(1) عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة و التشهّد سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة، الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 29، الحديث 5.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 98 99.

(3) رسالة في قاعدة «لا تعاد»، للمؤلّف (قدّس سرّه)، (مفقودة).

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 8‌

كان القائل المحتمل التقي العلّامة الشيرازي (رحمه اللّٰه) «1»، و المحقّق الوالد- مدّ ظلّه «2»، و العلّامة الأراكي (رحمه اللّٰه) «3».

بل يمكن دعوى انحلال دليل الصلاة، حسب مراتب صدق الصلاة إلّا بالنسبة إلىٰ مقدار لا يعدّ صلاة عرفاً أو شرعاً؛ كمثل الإخلال بالفاتحة و تكبيرة الافتتاح و ما يشبههما ممّا ورد في حقّه: «لا صلاة إلّا بكذا» «4» أو بالنسبة إلىٰ الأركان مطلقاً أو الخمسة المذكورة في «لا تعاد» و لعلّ تفصيلًا زائداً يأتي من ذي قبل، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و بالجملة: لو صحّ الانحلال المذكور لا حاجة إلىٰ القاعدة، كما حرّر في الأُصول «5».

______________________________
(1) الخلل في الصلاة، المحقّق الشيرازي: 194.

(2) حكى المصنّف (رحمه اللّٰه) أنّ والده المحقّق كان يميل إلىٰ ذلك في خارج البحث تحريرات في الأُصول 8: 98، لاحظ أيضاً الخلل في الصلاة، للإمام الخميني (قدّس سرّه): 6، و أنوار الهداية 2: 362.

(3) نهاية الأفكار 3: 434.

(4) كقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»، عوالي اللّئالي 1: 196/ 2، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.

و قوله عليه السلام: «لا صلاة بغير افتتاح»، تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

و قوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»، تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، الإستبصار 1: 55/ 160، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(5) تحريرات في الأُصول 8: 98.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 9‌

و أمّا الإجماع المحكي «1» عن جماعة «2» هنا و إن كان معلّلًا، فهو لا يكون دليلًا خاصّاً شرعيّاً على البطلان، فلا خير فيه؛ لكفاية درك العقل فسادها.

________________________________________
خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه‍ ق

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ص: 271

ذنيب: في عدم شمول قاعدة «لا تعاد» للزيادة و عدم شمول قاعدة «السنّة لا تنقض الفريضة» للنقيصة

قد عرفت وجه عدم شمول القاعدة للزيادة، بل لا يعقل ذلك في جانب المستثنىٰ، و مقتضاه عدم ثبوت الإطلاق للمستثنىٰ منه، و يكفينا‌

______________________________
(1) المائدة (5): 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 272‌

الشكّ بعد وجود القرينة المتّصلة، هذا و لو فرضنا إمكان الزيادة فيها، و علىٰ هذا زيادة الأجزاء على الإطلاق، توجب الإعادة إلّا برجوعها إلىٰ شرطيّة العدم، أو إلىٰ مانعيّة الوجود، و مضادّته للطبيعة، و لكنّه خلاف الفرض، و هي الزيادة.

نعم، مقتضىٰ أنّ «السنّة لا تنقض الفريضة» «1» صحّة الصلاة عند زيادة الأجزاء؛ لأنّها من السنّة بحسب الذات، لكونها معتبرة من الصلاة و لو أتى بها بعنوان الوجوب، و كلّ ذلك لأجل أنّ ترك مثل «التشهّد» و «القراءة» ليس من السنّة، كي لا تنقض الفريضة، بل المركّب ينتفي بانتفاءِ جزء منه عقلًا لا سنّة، فزيادة «القراءة» و «التشهّد» و أمثالهما ممّا يعدّان من الصلاة، لا تنقض الفريضة، و تركها لا توجب الإعادة، و هكذا كلّ شي‌ء أمكن فرض الزيادة و النقيصة بالنسبة إليه في المركّب، حتّى في مثل الثوب المحرّم، بناء علىٰ أنّ المانع لا يقع مانعاً إلّا في صورة وقوعه في الصلاة عرفاً حتّى يضرّ بها.

و علىٰ هذا كلّ من القاعدتين يخصّ بجهة، فقاعدة «لا تعاد» لا تشمل الزيادة و قاعدة «لا تنقض» لا تشمل النقيصة.

________________________________________
خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، تهران - ايران، اول، 1418 ه‍ ق

بنا بر اکثر

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌2، ص: 181

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 181‌

21- قاعدة البناء على الأكثر

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 183‌

قاعدة البناء على الأكثر «1» و من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة «البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد الركعات إن كان الشكّ في الرباعيّة الواجبة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية».

و فيها جهات من البحث:

[الجهة] الأولى في مدركها

و هو عبارة عن الروايات المعتبرة الواردة في هذا المقام:

منها: موثّقة عمّار الواردة في حكم الشك عن الصادق عليه السّلام قال عليه السّلام: «كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه السّلام: «كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه السّلام: فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» «2».

و منها: موثّقته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شي‌ء من السهو في الصلاة؟ فقال: «ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثمَّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟» قلت: بلى، قال عليه السّلام: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه‌

______________________________
(1). «القواعد» ص 71، «المبادي العامة للفقه الجعفري» ص 248.

(2). «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 193، ح 762، باب أحكام السهو في- الصلاة.، ح 63، «الاستبصار» ج 1، ص 376، ح 1426، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا، ح 4، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 318، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 4.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 184‌

شي‌ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» «1».

و منها: موثّقة ثالثة عن عمّار أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا عمّار أجمع لك السهو كله في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» «2».

ثمَّ إنّ المراد من السهو- في الموثّقتين الأخيرتين- هو الشكّ لا السهو بمعناه الحقيقي، أي النسيان و ذلك أنّ الناسي إذا لم يلتفت إلى نسيانه لا في الصلاة و لا بعدها فلا يتوجّه إليه حكم بالنسبة إلى نسيانه، و إن التفت إليه فإن كان في حال الصلاة و المفروض أنّ متعلّق النسيان هو ركعات الصلاة فإن كان ما أتى به ناقص فيجب أن يأتي بالباقي متّصلا لا منفصلا كما في صلاة الاحتياط، و ظاهر هذه الروايات و إن كان ما أتى به من الركعات زائدا على الفريضة فتكون الصلاة باطلة و يجب إعادتها.

فالمراد بقرينة هذا الحكم- أي: قوله عليه السّلام «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت انّك نقصت» إلى آخره- هو الشكّ و إطلاق السهو على الشكّ بعلاقة السببيّة جائز لا ضير فيه، إذ المجاز بعلاقة السببيّة متعارف و معهود في اللغة.

و أمّا كون السهو سببا للشك فأمر معلوم غني عن البيان، و دلالة الموثّقات الثلاث على هذا الحكم- أي البناء على الأكثر- واضح لا يحتاج إلى التكلّم فيه.

الجهة الثانية في شرح مفاد هذه القاعدة

و هو يتوقّف على بيان أمور‌

______________________________
(1). «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 349، ح 1448، باب أحكام السهو، ح 36، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 318، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 3.

(2). «الفقيه» ج 1، ص 340، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 992، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 317، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 1.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 185‌

[الأمر] الأوّل: أنّ الشكّ في عدد الركعات الذي هو موضوع هذه المسألة قد يكون في النافلة، و قد يكون في الفريضة.

و الأوّل خارج عن محلّ كلامنا، لورود أدلّة خاصّة على نفي الشّك في النافلة، كقوله عليه السّلام «ليس في النافلة سهو» «1». و قد تكلّمنا في هذه القاعدة- أي قاعدة نفي الشكّ في النافلة- في هذا الكتاب «2»، و قلنا بأنه مخيّر بين البناء على الأقلّ و البناء على الأكثر.

و الثاني قد يكون في الفريضة الثانيّة مثل أن يكون الشكّ في فريضة الصبح بين الواحد و الاثنين أو غيرها من الصور، و قد يكون في الثلاثيّة مثل أن يشكّ في المغرب بين الواحد أو الاثنين و الثلاث أو غيرها من الصور، و قد يكون في الرباعيّة.

و هذا على قسمين: لأنّ الشكّ قد يكون قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية، و قد يكون بعده.

فالأوّل مثل أن يشكّ بين الاثنين و الثلاث مثلا، و لكن قبل إكمال السجدتين، مثل أن يكون شكّه هذا في حال القيام أو في حال السجدة الأولى من الركعة التي بيده.

و الثاني مثل أن يكون شكّه أيضا بين الاثنين و الثلاث مثلا، و لكن بعد إكمال السجدتين من الركعة التي بيده.

و بعبارة أخرى: الشكّ في الفريضة الرباعيّة تارة يكون طرف الأقلّ من الشكّ أقلّ من الركعتين التامّتين و أخرى لا يكون كذلك، بل يكون طرف الأقلّ هو حصول الركعتين التامّتين فما زاد، كالشك بين الثلاث و الأربع في أيّ حال كان من الحالات.

و أما الشكّ بين الاثنين فما زاد فلا بدّ و أن يكون بعد تماميّة السجدة الثانية، و إلّا ليس‌

______________________________
(1). «الكافي» ج 3، ص 359، باب من شكّ في صلاته كلّها و لم يدر.، ح 5 و 9، «تهذيب الأحكام» ج 3، ص 54، ح 187، باب أحكام الجماعة و أقل الجماعة.، ح 99، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 340، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 8.

(2). سيأتي في هذه المجلّدة، ص 317.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 186‌

الشكّ بعد إكمال السجدتين.

فالشكّ في الثنائيّة و الثلاثيّة خارج عن تحت هذه القاعدة مطلقا و في أيّ حال من الأحوال كان، و الشكّ في الرباعيّة أيضا خارج إن كان قبل إكمال السجدتين بالمعنى الذي عرفت، أي كون طرف الأقلّ من الشكّ أقلّ من الركعتين التامّتين، و ذلك لما دلّ على بطلان الصلاة بهذه الشكوك، و تلك الأدلّة أخصّ من الموثّقات فتخصّص بها.

فبناء على هذا، لو شكّ في الثلاثيّة أو في الثنائيّة الواجبة- كصلاة المغرب، أو الصبح، و في السفر، سواء أ كانت ثنائيّة بالأصل أو صارت ثنائيّة بواسطة وجوب التقصير في السفر، و كصلاة الجمعة، و صلاة الكسوف، بل و صلاة العيدين بناء على عدم شمول حكم النافلة لهما في عصر الغيبة، و إلّا تكون خارجة عن محلّ البحث- تكون صلاته باطلة و ليست مشمولة لهذه الموثّقات.

و الدليل على بطلانها- و تخصيص هذه الموثّقات به- قوله عليه السّلام في مصحّح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا شككت في المغرب فأعد، و إذا شككت في الفجر فأعد» «1».

و صحيح العلاء عن الصادق عليه السّلام سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟

قال عليه السّلام: «يعيد». قلت: المغرب؟ قال عليه السّلام: «نعم و الوتر و الجمعة» من غير أن أسأله «2».

و قوله عليه السّلام في هذه الرواية «و الوتر و الجمعة» مبني على أن يكون الوتر ثلاثة ركعات، أي مجموع الشفع و الوتر، و إلّا لو كان الوتر عبارة عن الركعة الواحدة مقابل‌

______________________________
(1). «الكافي» ج 3، ص 350، باب السهو في الفجر و المغرب و الجمعة، ح 1، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 178، ح 714، باب أحكام السهو في الصلاة و ما يجب منه إعادة الصلاة، ح 15 و 24، «الاستبصار» ج 1، ص 365، ح 1390، باب الشكّ في فريضة الغداة، ح 1 و 7، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 304، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 1 و 5.

(2). «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 180، ح 722، باب أحكام السهو في الصلاة و ما يجب منه اعادة الصلاة، ح 23، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 305، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 7، و ص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 3.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 187‌

الشفع فتصوير الشكّ في عدد الركعات لا يخلو من نظر.

نعم يمكن الشكّ فيه بمعنى الشكّ في وجوده و عدمه.

و موثق سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ فقال عليه السّلام: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة أيضا إذا سها فيه الإمام فعليه أن يعيد الصلاة لأنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة» «1».

و مصحّح ابن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتم» «2».

و يظهر من موثق سماعة أنّ كون الصلاة التي وقع فيها الشكّ ركعتين موجب للبطلان، و ذلك من جهة تعليله عليه السّلام إعادة الجمعة التي وقع فيها السهو- أي الشكّ- بقوله عليه السّلام: «لأنّها ركعتان»، فيستفاد حكم كلّ فريضة ثنائيّة منها سواء أ كانت ثنائيّة بالأصل كالصبح و الجمعة و العيدين و صلاة الآيات، أو صارت ثنائيّة بواسطة السفر كالتقصير في الرباعيّات في السفر.

و على كلّ حال يظهر من هذه الروايات بطلان الصلاة في ثلاثة أقسام: أحدها الثنائيّة الواجبة. الثاني: الثلاثيّة الواجبة. الثالث: أن يكون الشكّ بين الواحدة و ما زاد.

و أمّا ما ذهب إليه الصدوق قدس سرّه «3» من التخيير بين الإعادة و البناء على الأقلّ فيما إذا‌

______________________________
(1). «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 179، ح 720، باب أحكام السهو في الصلاة.، ح 21، «الاستبصار» ج 1، ص 366، ح 1394، باب الشكّ في فريضة الغداة، ح 5، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 305، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 8.

(2). «الكافي» ج 3، ص 351، باب السهو في الفجر و المغرب و الجمعة، ح 2، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 179، ح 715، باب أحكام السهو في الصلاة و.، ح 16، «الاستبصار» ج 1، ص 365، ح 1391، باب الشكّ في فريضة الغداة، ح 2، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 304، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 2.

(3). حكى عنه العلامة في «المنتهى» ج 1، ص 410، و راجع: «الفقيه» ج 1، ص 351، باب أحكام السهو في الصلاة، ذيل ح 1024.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 188‌

شكّ بين الواحدة و الاثنين، للجمع بين الروايات المتقدّمة و رواية الحسين بن أبي العلاء عن الرجل لا يدري أ ركعتين صلّى أم واحدة؟ قال عليه السّلام: «يتمّ» «1».

ففيه: بأنّ هذا الجمع لا شاهد له و ليس جمعا عرفيّا كما في الخاصّ و العامّ، و الحاكم و المحكوم، و الظاهر و الأظهر، و مضافا إلى أنّ هذه الرواية لم يعمل بها أحد، حتّى أنّ الوحيد و صاحب الحدائق «2»- قدس سرّهما- أنكرا نقل هذا القول عن الصدوق.

و كذلك رواية عمّار- عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال عليه السّلام:

«يتشهّد و ينصرف ثمَّ يقوم فيصلي ركعة، فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعا، و إن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة». قلت: فصلّى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال عليه السّلام: «يتشهّد و ينصرف ثمَّ يقوم فيصلّي ركعة، فإن كان صلّى ثلاثا كانت هذه تطوّعا، و إن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة» «3»- لم يعمل به أحد و أعرض عنه الجميع.

و خلاصة الكلام أنّ بطلان الصلاة في الموارد الثلاثة المذكورة اتّفاقي لم ينكره أحد إلّا الصدوق قدس سرّه فيما تقدّم، و قد عرفت الحال فيه.

و أمّا الشكّ في الرباعيّة قبل إكمال السجدتين: فيدلّ على بطلانها صحيح زرارة:

روى الصدوق بإسناده عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «كان الذي فرض اللّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة و ليس فيهنّ وهم- يعني سهو- فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبعا و فيهنّ الوهم و ليس فيهن قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد‌

______________________________
(1). «تهذيب الأحكام، ج 2، ص 177، ح 710، باب أحكام السهو في الصلاة.، ح 11، «الاستبصار» ج 1، ص 364، ح 1387، باب السهو في الركعتين الأولتين، ح 11، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 303، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 20.

(2). «الحدائق الناضرة» ج 9، ص 193.

(3). «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 182، ح 728، باب أحكام السهو في الصلاة و.، ح 29، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 306، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 12.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 189‌

حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» «1».

و أيضا روى بإسناده عن عامر بن جذاعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة» «2».

و أيضا بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو» «3».

و ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما» «4».

و رواية موسى بن بكر قال: سأله الفضيل عن السهو؟ فقال: «إذا شككت في الأوّلتين فأعد» «5».

هذه جملة ممّا يدلّ على بطلان الصلاة إذا كان الشك في الأوّلتين و بهذا المضمون روايات كثيرة فوق حد الاستفاضة.

و حاصل مفاد جميعها هو بطلان الصلاة و لزوم الإعادة مع احتمال نقص في الأوّلتين، بل لا بدّ في الحكم بصحّة الصلاة من حفظ الأوليين بتمامهما و كمالهما، و لازم هذا المعنى هو أن يكون الشكّ بعد إكمال السجدتين، فالشكّ في الموارد الأربعة المذكورة موجب للبطلان و خارج عن مفاد أخبار البناء على الأكثر حكومة‌

______________________________
(1). «الفقيه» ج 1، ص 201، باب فرض الصلاة، ح 605، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 299، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 1.

(2). «الفقيه» ج 1، ص 346، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1010، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 299، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 3.

(3). «الفقيه» ج 1، ص 352، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1028، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 300، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 4.

(4). «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 177، ح 706، باب أحكام السهو في الصلاة.، ح 7، «الاستبصار» ج 1، ص 364، ح 1383، باب السهو في الركعتين الأوّلتين، ح 7، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 302، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 15.

(5). «الاستبصار» ج 1، ص 364، ح 1381، باب السهو في الركعتين الأوّلتين، ح 4، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 302، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 19.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 190‌

أو تخصيصا.

ثمَّ إنّه من موارد بطلان الصلاة بالشكّ في عدد ركعاتها- و عدم شمول هذه القاعدة له- هو الشكّ بين الاثنتين و الخمس أو الأكثر و إن كان بعد إكمال السجدتين، و ذلك من جهة أنّه لا طريق إلى تفريغ الذمّة ممّا اشتغل به يقينا، لا وجدانا و لا تعبّدا.

أمّا وجدانا فواضح، لأنّ المفروض أنّه شاكّ في أنّ ما أتى به اثنتين أو الخمس أو الأكثر، فإن سلّم و لم يأت بشي‌ء فاحتمال النقيصة و الزيادة كلاهما موجود، و ليس دليل تعبدي في البين يدلّ على عدم مضرّية هذه الزيادة أو النقيصة على تقدير وجودهما. و لو أتى بما يحتمل نقصانه فيبقى احتمال الزيادة، و ليس شي‌ء يدلّ على عدم مضرّية هذا الاحتمال و تفريغ الذمّة.

و أمّا تعبّدا فمن جهة عدم شمول روايات البناء على الأكثر للمقام، لأنّها واردة فيما إذا كان الأكثر صحيحا، كي يكون موجبا لتفريغ الذمّة.

و أمّا إذا كان البناء على الأكثر موجبا لفساد الصلاة فهو خارج عن محطّ نظر هذه الأخبار.

و بعبارة أخرى: هذه الروايات كلّها ناظرة إلى علاج العمل و كيفيّة تصحيحه، فلا يشمل الأمر الذي يوجب بطلان العمل، فليس هذا المورد مشمولا لتلك الأخبار العلاجيّة، أي البناء على الأكثر و إتمام ما نقص منفصلا بصلاة الاحتياط.

و أمّا أخبار البناء على اليقين فأيضا لا تشمل المقام، لأنّ الظاهر منها أيضا هو البناء على الأكثر و تتميم ما نقص بصلاة الاحتياط كي يحصل اليقين بالبراءة على كلّ واحد من التقديرين، و فيما نحن فيه لا يمكن ذلك، لأنّه على تقدير كونه في الواقع هو الأقلّ يمكن التدارك بصلاة الاحتياط و تحصيل اليقين بتفريغ الذمّة. و أمّا على تقدير كونه هو الأكثر تكون الصلاة باطلة، و لم يرد دليل بالخصوص على عدم كون الزيادة على تقدير وقوعها مضرّة.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 191‌

و أمّا استصحاب عدم تحقّق الزيادة على المقدار المعلوم و هو الاثنتين ففيه أوّلا: أنّه طرح الشارع إجراء الاستصحاب في باب الشكّ في عدد الركعات لحكمه بالبناء على الأكثر. و ثانيا أنّ الاستصحاب لا يثبت أنّ ما أتمّه هي الركعة الثانية حتّى يتشهد فيها، و لا الثاني من الركعتين التاليتين اللتين يأتي بهما بعد الاستصحاب أنّها الرابعة فيأتي فيها بالتشهد الأخير، إلّا على القول بالأصل المثبت.

مع أنّ صريح الأخبار أنّ ظرف التشهّد الأوّل هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية في الركعة الثانية، و التشهّد الثاني هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الرابعة، فلا طريق إلى تصحيح العمل و تفريغ ما في الذمّة بالاستصحاب، فلا بدّ من الإعادة.

و هذا معنى كون الشكّ موجبا للبطلان.

فظهر أنّ مورد الخامس من الشكوك المبطلة أيضا خارج عن عموم هذه القاعدة، و على هذا المنوال المورد السادس و السابع من موارد الشكوك المبطلة- أي الشكّ بين الثلاث و الستّ أو الأزيد، أو الشكّ بين الأربع و الستّ أو الأزيد- يكونان خارجين عن عموم هذه القاعدة، أي البناء على الأكثر.

أمّا المورد السادس فلعين ما ذكرنا في المورد الخامس حرفا بحرف.

و أمّا المورد السابع- أي: الشكّ بين الأربع و الستّ أو الأزيد فقد قاسه بعضهم- و هو ابن أبي عقيل «1»- بالشكّ بين الأربع و الخمس فقال بالصحّة قياسا على الشكّ بين الأربع و الخمس.

و لكن أنت خبير بأنّ الصحّة هناك لدليل خاصّ لا يشمل المقام، فإنّ قوله عليه السّلام في صحيح عبد اللّه بن سنان- «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي‌

______________________________
(1). «مختلف الشيعة» ج 2، ص 390.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 192‌

السهو بعد تسليمك» «1»- حكم خاصّ في موضوع خاصّ، أي الشكّ بين الأربع و الخمس، فإسراء هذا الحكم إلى موضوع آخر و هو الشكّ بين الأربع و الستّ يشبه القياس، أو هو هو.

و أمّا كون المراد هو الشكّ بين ما هو تمام العدد الصحيح و ما هو الزائد عليه- و ذكر الخمس في الرواية من باب أحد المصاديق- دعوى بلا بيّنة، بل خلاف ظاهر الرواية.

و أمّا التمسّك لصحّته باستصحاب عدم تحقّق الزائد على الأربع، فقد بيّنّا أنّه لا يثبت أنّ ما أتمّه هي الركعة الرابعة، إلّا على القول بالأصل المثبت. مضافا إلى ما ذكرنا من أنّ الشارع لم يعتن بالاستصحاب في تعيين عدد ركعات الصلاة، بل أسقطه عن الاعتبار بجعل البناء على الأكثر فيما إذا شكّ في أعداد الرباعيّة بعد إكمال الركعتين الأوّلتين.

و أمّا المورد الثامن من الشكوك المبطلة- و هو أن يكون شكّه بحيث لا يدري أنّه كم صلّى- فهو أيضا خارج عن عموم هذه الموثّقات، للإجماع على بطلان الصلاة و لزوم الإعادة، و للروايات المعتبرة الواردة في لزوم الإعادة إذا اتفق كون شكّه هكذا، أي كان بحيث لا يدري أنّه كم صلّى، واحدة أم اثنتين، أم ثلاثا، أم أربع.

منها: رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السّلام: «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع و وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» «2».

هذا، مضافا إلى أنّ مرجع هذا الشكّ إلى عدم حفظ الأوليين، و قد تقدّم أنّه يبطل الصلاة عند عدم حفظهما.

______________________________
(1). «الكافي» ج 3، ص 355، باب من سها في الأربع و الخمس.، ح 3، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 195، ح 767، باب أحكام السهو في الصلاة.، ح 68، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 314، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 5، ح 2، و باب 14، ح 1.

(2). «الكافي» ج 3، ص 358، باب من شكّ في صلاته كلّها.، ح 1، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 187، ح 744، باب أحكام السهو في الصلاة.، ح 45، «الاستبصار» ج 1، ص 373، ح 1419، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة أو اثنتين.، ح 2، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 327، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 1.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 193‌

و خلاصة الكلام أنّ جميع الصور الثمانية التي تكون للشكوك المبطلة خارج عن عموم هذه القاعدة، و ذلك من جهة أنّ أخبار البناء على الأكثر وردت في مقام علاج الشكّ في عدد الركعات، فإذا كان الشكّ غير قابل للعلاج- و لا بدّ فيه من إعادة الصلاة، أو جاء دليل خاصّ على بطلان الصلاة بشكّ- فيكون خارجا عن عموم هذه الموثّقات.

و قد عرفت ممّا ذكرنا أنّ الشكوك المبطلة لا تخلو من أحد هذين الأمرين: إمّا لا يمكن العلاج فيها، و إمّا دلّ دليل خاصّ على بطلان الصلاة بها.

هذا حال الشكوك المبطلة.

و أمّا الشكوك التي لا اعتبار بها كشكّ كثير الشكّ، و شكّ كلّ واحد من الإمام و المأموم مع حفظ الآخر، و الشكّ في النافلة، و الشكّ في صلاة الاحتياط، فكلّها خارجة عن تحت هذه القاعدة و عموم هذه الموثّقات حكومة أو تخصيصا.

و أمّا الشكوك التسعة الصحيحة فكلّها مشمولة لهذه الموثّقات كما سنبيّن فيما سيأتي إنّ شاء تعالى.

الأمر الثاني: في أنّه عليه السّلام بصدد علاج الشكّ

بقوله: «إذا سهوت فابن على الأكثر» أو قوله: «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر، فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» أو غيرهما ممّا هو بهذا المضمون.

و معلوم أنّ هذا العلاج لا يتمّ فيما إذا كان الأكثر من طرفي الشكّ أو أطرافه زائدا على الأربع.

فإذا كان الشكّ في الرباعيّة قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية تكون الصلاة باطلة لما تقدّم، و تكون هذه الصورة خارجة عن عموم هذه الأخبار لما تقدّم أيضا.

و أمّا إن كان بعد تماميّة الركعتين و سلامتهما، فلو كان أحد طرفي الشكّ أو أحد أطرافه زائدا على الأربع، فالصلاة أيضا باطلة، لعدم تطرّق هذا العلاج و ليس‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 194‌

علاج آخر.

نعم في خصوص الشكّ بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على الصحة بالبناء على الأقلّ الذي هو الأربع- و سجدتي السهو للزيادة المحتملة- أو كان هذا الشك في حال القيام حتّى بهدمه يرجع الشكّ إلى الثلاث و الأربع كي لا يكون البناء على الأكثر مبطلا، و هذا يجري في كلّ مورد كان طرف الأكثر هو الخمس و كان في حال القيام كي يرجع بالهدم إلى الأقلّ من الأربع و الأربع، فيمكن تطرّق هذا العلاج فتشمله هذه الأخبار.

الأمر الثالث: في صور الشكّ في الرباعيّة، و هو على قسمين: مركّب و بسيط.

و المراد بالشكّ البسيط هو أن يكون للشكّ طرفان فقط: الأقلّ و الأكثر، كالشكّ بين الاثنين و الأربع، أو الثلاث و الأربع.

و المراد بالمركّب هو أن يكون أطراف الشكّ أكثر من الاثنين، كالشكّ بين الاثنين و الثلاث و الأربع.

و في كلّ واحد من القسمين- أي البسيط و المركّب- إمّا أن لا يكون طرف الأكثر أكثر من الأربع أو يكون، و القسم الثالث هو أن يكون كلا طرفي الشكّ أكثر من الأربع.

و إن شئت قلت: تارة لا يكون كلا طرفي الشكّ أكثر من الأربع. و أخرى يكون كلاهما أكثر من الأربع. و ثالثة يكون أحد طرفيه أكثر دون الآخر.

أمّا الأوّل كالشكّ بين الثلاث و الأربع. و أمّا الثاني كالشكّ بين الخمس و الستّ.

و أمّا الثالث كالشكّ بين الأربع و الخمس.

فمجموع الأقسام يصير ستّة: اثنان منها البسيط و المركب في نفس الرباعيّة، بمعنى أنّ طرف الأكثر ليس زائدا على الأربعة، أو كلاهما- أي طرفا الشكّ في البسيط و المركب- في الزائد على الأربعة، أو كلاهما- أي البسيط و المركب- فيما إذا كان أحد‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 195‌

طرفي الشكّ في الأربعة و الطرف الآخر في الزائد عليها.

أمّا القسم الأوّل، أي الشكّ البسيط في نفس الأربعة صورة ثلاث: و هي الشكّ بين الاثنين و الثلاث، و الشكّ بين الاثنين و الأربع، و الشكّ بين الثلاث و الأربع.

أمّا القسم الثاني، أي: الشكّ المركّب في نفس الأربعة فصورة واحدة، و هي الشكّ بين الاثنين و الثلاث و الأربع.

فهذه أربع صور للشكّ البسيط و المركب في نفس الأربعة، أي ليس طرف الأكثر زائدا على الأربعة.

و أمّا القسم الثالث، أي الشكّ البسيط فيما إذا كان طرفا الشكّ زائدا على الأربعة، كالشكّ بين الخمس و الستّ.

و أمّا القسم الرابع، أي الشكّ المركّب في الزائد على الأربعة بحيث تكون أطراف الشكّ زائدة على الأربعة، كالشكّ بين الخمس و الستّ و السبع.

و أمّا القسم الخامس، أي الشكّ البسيط بحيث يكون أحد طرفيه في الأربعة و الطرف الآخر فيما زاد عليها، كالشكّ بين الأربع و الخمس.

و أمّا القسم السادس، أي الشكّ المركّب فيما إذا كان طرف الأقلّ داخلا في الأربعة و طرف الأكثر زائدا عليها، كالشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس، أو بين الأربع و الخمس و الستّ.

إذا عرفت هذا فنقول:

أمّا حكم القسم الأوّل و الثاني أي تلك الصور الأربع فواضح، أي يجب البناء على الأكثر و تتميم ما يحتمل نقصه بصلاة الاحتياط، كما هو صريح موثّقات عمّار.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 196‌

نعم هاهنا أمران يجب أن يذكر:

[الأمر] الأوّل: أنّ مقتضى قوله عليه السّلام- «فابن على الأكثر» لو لم يكن قوله عليه السّلام: «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»- هو المضي و عدم وجوب صلاة الاحتياط لأنّ معنى البناء على الأكثر عدم الاعتناء باحتمال الأقلّ عملا، بل يجب عليه أن يجعل عمله على طبق احتمال الأكثر.

لست أقول إنّه- أي البناء على الأكثر- أمارة و من باب تتميم الكشف، لأنّ الشكّ مأخوذ في موضوعه، و مثل ذلك لا يمكن أن يكون أمارة، لأنّ مفاد الأمارة إلغاء الشكّ، و الموضوع لا بدّ و أن يكون محفوظا حتّى يأتي الحكم، و تخلّفه عن الموضوع خلف محال، بل و لا نقول بأنّه من الأصول المحرزة، لأنّ الأصل المحرز عبارة عن لزوم العمل على طبق أحد طرفي الشكّ عمل المتيقن به و لذلك يكون حاكما على الأصل غير المحرز لرفع موضوعه به تعبّدا، و ليس في أخبار الباب ما يدلّ على أنّ العمل بالأكثر و البناء عليه باعتبار أنّه عمل المتيقّن بالأكثر.

و على كلّ حال فيكون معنى البناء على الأكثر ترتيب آثار الأكثر شرعا من حيث العمل، و من آثار الأكثر أنّه ليس عليه شي‌ء، لا صلاة الاحتياط و لا غيرها، فتشريع صلاة الاحتياط بملاحظة احتمال الأقلّ و تداركه، و لذلك ربما يقال بأنّ جعل صلاة الاحتياط مرجعه إلى البناء على الأقلّ لا البناء على الأكثر، و قوله عليه السّلام «ابن على الأكثر» يكون باعتبار تصحيح محلّ التشهّد و التسليم، و إلّا فبحسب أصل كمّيّة صلاة الفريضة يكون البناء على الأقلّ.

و لذلك قال بعضهم: إنّ البناء على الأكثر في الصلاة ليس مخالفا للاستصحاب، بل وجوب صلاة الاحتياط يكون نتيجة استصحاب عدم إتيان ما يحتمل عدم إتيانه، و إلّا لم يكن وجه لوجوب الإتيان بصلاة الاحتياط.

الأمر الثاني: في أنّ طرف الأقلّ من الشكّ في الرباعيّة إذا كان الاثنتين لا بدّ و أن‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 197‌

يكون بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية، لما تقدّم من دلالة الروايات على لزوم حفظ الأوليين بتمامهما و كمالهما، و أنّ الشكّ في أي جزء منهما ما لم يكن دليل شرعي أو عقلي على تماميّتهما مبطل للصلاة، فيقع الكلام في أنّه ما المدار في إكمال السجدتين؟ هل هو الدخول في السجدة الثانية مع الاستقرار فيها، أو بعد الإتيان بذكر الواجب فيها، أو بعد رفع الرأس عنها؟ و نسب الأخير إلى المشهور.

و لكنّ الظاهر أنّ المدار في إكمالها هو الإتيان بالذكر الواجب في السجدة الثانية من الركعة الثانية، و ذلك من جهة أنّ وجود المركّب بوجود تمام أجزائه، فإذا وجد الجزء الأخير منه مع كونه مسبوقا بوجود سائر الأجزاء في المركّب التدريجي الوجود يصدق أنّه وجد بتمامه و كماله، و أمّا الخروج عنه فليس جزء له كما هو واضح.

و معلوم أنّ الركعة عبارة عن القيام و الذكر الواجب فيه من القراءة أو التسبيح و الركوع و السجدتين، فإذا وجد هذه الأمور فقد وجد الركعة بتمامها و احتمال أن يكون رفع الرأس من السجدة الثانية أيضا جزء للركعة بعيد بل مقطوع العدم، لعدم الدليل عليه و إنما هو مقدّمة للدخول في الركعة التي بعدها، أو للتشهد و التسليم.

الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة

فنقول:

إذا عرفت هذه الأمور فلنرجع إلى التكلّم في الشكوك الأربعة للقسم الأوّل و الثاني، أي الشكّ البسيط و المركّب، من الشكّ في نفس الرباعيّة من دون أن يكون طرف الأكثر زائدا على الأربعة.

[الصورة] الأولى: أي الشك بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين

فهو يبنى على الثلاث على المشهور، بل ادّعى عليه الإجماع، بل عن الأمالي: أنّه من دين‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 198‌

الإماميّة «1».

و الدليل عليه هي الموثّقات العمّار الثلاث التي تقدّمت «2».

هذا هو الحكم الأوّل في هذا الشكّ و الحكم الثاني هو الإتيان بصلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بعد إتمام صلاته، أي بعد إتيان الرابعة و التشهّد و التسليم.

و الدليل على وجوب صلاة الاحتياط قبل الإجماع- لما قلنا مكررا من أنّ الإجماع في أمثال هذه الموارد ممّا لها مدرك من الأخبار الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب لا وجه له- هو ذيل الموثقات الثلاث للعمّار، أي قوله عليه السّلام: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»، و ما هو بمضمونه في الموثّقتين الأخيرين، فإنّ ذيل هذه الموثّقات صريح في أنّ إتمام مظنون النقصان إنّما هو بعد الفراغ من الصلاة و الانصراف عنها، فيكون بصلاة مستقلّ و هو الذي نسمّيه بصلاة الاحتياط.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

القضاء بامر جدید

نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية؛ ص: 207

[القاعدة] (السابعة) الإخلال بالفعل لا يستعقب القضاء إلا بأمر جديد،

و قد نص على قضاء عبادات و استدراكها، و لكن يعرض ما يمنع من وجوبه في صور، كمن فاته شهر رمضان لمرض استمر به إلى رمضان آخر فإنه لا قضاء عليه، و كذا الشيخان العاجزان و ذو العطاش، و كذا من نذر أن يصلي جميع الصلوات في أول أوقاتها فإنه لو أخل به ثمَّ صلى في آخر الوقت سقط القضاء. و من نذر صوم الدهر وفاته شي‌ء منه لا يقضي لعدم زمانه، و لكن قيل يفدي عنه.

______________________________
(1) في ص و هامش ك: لضرورة.

(2) في ص: مقصودة.

(3) راجع باب مواقيت الصلاة من الكافي و التهذيب و الفقيه و غيرها من كتب الأحاديث.

(4) الفقيه: 1/ 140.

نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية، ص: 208‌

و كذا من نذر الحج كل عام وفاته عام فإنه لا يقضي، و يمكن وجوب الاستئجار و إذا دخل مكة بغير إحرام ناسيا أو متعمدا فإن الظاهر أنه لا يجب عليه التدارك، و لو وجب فليس قضاء للأول بل هو واجب مستقل لأجل كونه الآن خارج الحرم. و لو نذر أن يتصدق بما فضل عن قوته كل يوم ثمَّ فضلت فضلة فأتلفها فكل ما فضل بعدها في الأيام المستقبلة واجب عن يومه لا عن الغرم، فإذا لم يكن له مال فات التدارك. و لو نذر أن يعتق كل عبد يملكه فملك و لما يعتق حتى مات ففي وجوب الإعتاق نظر، لأنهم انتقلوا إلى الوارث. إلا أن يقال تعلق بهم وجوب العتق فلا يجري فيهم الإرث إلا مع الحجر كالمرهون و تركة المديون. و مما لا يستدرك نفقة القريب و إن قدرها الحاكم، و هذا داخل في القاعدة. و كذا زكاة الفطرة إذا قلنا بعدم نقصانها، و كذلك الجمعة و العيدان.

________________________________________
حلّى، مقداد بن عبد اللّٰه سيورى، نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية، در يك جلد، انتشارات كتابخانه آية الله مرعشى نجفى - ره، قم - ايران، اول، 1403 ه‍ ق

فراغ

تجاوز

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 151

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 151‌

العنوان الخامس في قاعدة الشك بعد الفراغ و التجاوز

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 152‌

عنوان 5 الشك في وجود الشي‌ء المسبوق بالعدم يوجب البناء على عدمه على ما تقرر في علم الأصول و يلزمه لزوم الإتيان لو كان مأمورا به، و يلزمه عدم تحقق الآثار لو كان شرطا أو سببا أو جزء سبب لحكم آخر. و كذا الشك «1» في زوال المانع المعلوم الوجود في زمان يوجب الحكم ببقائه، عملا بالاستصحاب الثابت بالعقل و النقل. لكن لنا بعد ذلك قاعدة شرعية مستفادة من النصوص، واردة على ذلك المذكور في المقامين، و نعبر «2» عنها ب (قاعدة الشك بعد الفراغ، و الشك بعد التجاوز).

و تنقيح البحث يقتضي رسم مقدمات:

الاولى: أن الشي‌ء المشكوك فيه

، إما عمل مستقل يشك في أن المكلف أوقعه على ما هو عليه في وقته و محله الذي ينبغي أن يؤتى به أو لم يأت به، سواء كان من قبيل الموقتات حقيقة، كما إذا شك «3» بعد خروج وقت الصلاة نفلا أو فرضا يومية أو غيرها من الكسوف و العيدين و سائر أصناف الصلاة أو في الصوم‌

______________________________
(1) في «ن» زيادة: لو كان.

(2) في «ف، م»: يعبّر.

(3) في «م» زيادة: في الصلاة.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 153‌

الموقت بالأصل أو بالعارض، أو في عبادة تعلق بها النذر و نحوه في وقت خاص في إتيانها و عدم إتيانها. أو غير الموقتات، كما إذا شك في فعل الحج، أو أداء الزكاة و نحوه «1» من الحقوق المالية، أو في إيقاع شي‌ء من العقود و الإيقاعات الموجبة للآثار. أو في صدور شي‌ء من الأفعال التي جعلت «2» في الشرع سببا، كالتقاط و إحياء و اصطياد و ذباحة و إقرار و غصب و إتلاف و جناية، و شي‌ء من موجبات قصاص أو حد أو تعزير. أو في إيقاع الحدود و التعزيرات. أو جزء «3» لعمل مأمور به، كأجزاء الصلاة و الحج و العمرة و الوضوء و الغسل و التيمم، و أيام الصوم المجموع المركب، كرمضان و العشرة المنذورة و صيام الكفارة، و أجزاء العقود من الإيجاب و القبول و الإيقاعات كما في لعان و نحوه، و أجزاء مقادير الحدود و التعزيرات. أو شرط للعمل اللاحق له الأحكام، كشرائط الوضوء و الغسل و التيمم، و شرائط اللباس و المكان و تطهير الأواني و الثياب و الأبدان في استنجاء و نحوه، و نفس هذه الأشياء، فإنها أيضا شرائط لغيرها كالوقت و القبلة، و شرائط العقود و الإيقاعات، و شرائط الحقوق المالية، و شرائط الأسباب من جماع أو دم أو مطلق حدث أو أحياء أو ذباحة أو غصب أو إقرار، أو شي‌ء من موجبات الحد و التعزير و الدية و القصاص. و هكذا في أجزاء الأجزاء، و الشرائط و الأسباب. و في شرائط الشرائط و الأجزاء و الأسباب، و في أسباب الأسباب و الشرائط و الأجزاء مما يتعلق به شك في الحصول و العدم و الوجود و العدم، سواء كان وجوده و حصوله من الاختياريات، أو من الاضطراريات التي لا دخل للمكلف فيها، فتدبر في الموارد حتى تكون على بصيرة.

______________________________
(1) كذا في النسخ، و المناسب: نحوها.

(2) في النسخ: جعل.

(3) معطوف على قوله: إمّا عمل مستقلّ.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 154‌

الثانية: أن الشك في ذلك الشي‌ء قد يكون مع بقاء وقته في الموقت و محله

فيما هو بحكمه، بمعنى: أنه لم يخرج عن ذلك الشي‌ء و لم يشتغل بشغل آخر، بل هو بعد في مقامه، كالشك في الصلاة في وقته، و في الوضوء و عدمه كذلك، و في أداء سائر العبادات، و الإتيان بالأسباب كافة كما عددنا كذلك، و في جزء من أجزاء العبادات، أو شرط من شرائطها قبل الفراغ منه و قبل الانتقال إلى جزء آخر أو شرط آخر. و قد يكون بعد الفراغ من ذلك الجزء و الشرط و قبل الشروع في آخر، و قد يكون بعد الشروع في شي‌ء آخر. ثم ذلك الشي‌ء الأخر أقسام: منها: ما يكون مترتبا على الشي‌ء الأول ترتبا «1» شرعيا، كأجزاء الوضوء و الغسل الترتيبي و التيمم، و مسحات الاستبراء، و أجزاء غسلات الولوغ المحتاج إلى تراب و نحوه، و أجزاء الصلاة و الأذان و الإقامة، و أجزاء القراءة و الأذكار، و أفعال العمرة و الحج و أجزاء أفعالهما المترتبة بعضها على بعض، و العبادات المرتبة بنذر و عهد و يمين، و ترتب النوافل على الفرائض و بالعكس، و ترتب أجزاء العقود و شرائطها كقبض و نحوه، و ترتب سائر ما ورد من أوراد و أذكار و أدعية و تعقيبات متفرقة بعضها إلى بعض «2» فإن كل ذلك ترتيب شرعي لا بد من إتمام أحدهما و الخروج إلى الأخر. و منها: ما كان مرتبا ترتيبا عقليا، كعدد الغسلات في طهارة حدثية أو خبثية، و عدد الركعات و الأشواط في الطواف و السعي، و نحو ذلك مما لا يمكن اجتماع اثنين منه في آن واحد في المكلف، و لا يمكن التقديم و التأخير، إذ كل ما قدمت فهو الأول، و ما أخرت فهو الثاني.

______________________________
(1) في «ن، م»: ترتيبا.

(2) كذا في النسخ، و لعلّها في الأصل: مترتبة بعضها على بعض.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 155‌

و منها: ما يكون ترتيبا عاديا، كما إذا جرت عادة المكلف مثلا أولا بالصلاة، ثم بعده إلى التعقيب بكذا، ثم بكذا و إن لم يرد كذلك من الشرع ثم إلى تلاوة قرآن، ثم إلى زيارة، ثم إلى مباحثة، ثم إلى الأكل، ثم إلى النوم، ثم إلى كتابة، ثم إلى مصير إلى السوق، ثم إلى تخلي «1» ثم إلى استبراء، ثم إلى استنجاء. و هكذا من العادات للمكلفين من دون ترتب شرعي و لا عقلي. و هذا يختلف بحسب اختلاف زمان و مكان و شخص. و منها: ما يكون ترتيبا اتفاقيا من دون عادة، كما إذا اتفق أنه مثلا بعد الإتيان بالوضوء قام يمشي، أو بعد الغسل استلقى، أو بعد ما فرغ من ذبح الشاة مثلا قام يأكل، و نحو ذلك من الأفعال التي تعرض بحسب الحاجة أو التشهي. ثم قد يكون ما دخل فيه فعلا تاما له اسم خاص، و قد يكون جزءا أو مقدمة.

الثالثة: أن الشك بعد التجاوز قد يكون ابتدائيا

، بمعنى: أنه لم يكن في آن الفعل شاكا، و بعد ذلك عرض له الشك. و بحكمه ما لو شك بعد ذلك و لم يعلم أن شكه كان في وقت الفعل أو لا، إذ الأصل تأخر الشك. و قد يكون شكا مستمرا من الأثناء إلى ما بعد الفراغ و التجاوز. و قد يكون شكا ابتدائيا، لكنه عرض له الشك في الأثناء أيضا فزال، ثم بعد الفراغ عاد. و هذا قد يكون من سنخ الشك الأول، كما لو شك في أثناء الصلاة أنه تشهد أم لا فزال شكه و بنى على الفعل، ثم بعد التجاوز عن المحل أيضا شك في أنه تشهد أم لا. و قد يكون غير مماثل، كما إذا شك في الأثناء في التشهد و بعد الفراغ شك في السجدة. و المماثل أيضا أقسام:

______________________________
(1) كذا، و الصواب: تخلّ، أو التخلّي.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 156‌

تارة يكون عود الشك بسبب زوال ما أزال الشك و ظهور وهنه، مثلا بعد الشك في الركعة وجد أمارة دالة على أنها ثلاث من خاتم أو حصى و نحو ذلك ثم بعد الفراغ تبين أن الأمارة ليست أمارة و إنما تخيلها كذلك، فعاد الشك، و كان هذا عين الشك الأول. و تارة لا يكون بزوال مزيل الشك، بل يحدث الشك بسبب آخر غير ما أحدث الشك في الأثناء. و تارة يعود الشك من دون علم من المكلف بأن السبب شي‌ء آخر، أو زوال ما أزال الشك في الأثناء. ثم الشك اللاحق الابتدائي قد يكون سببه أيضا عارضا ابتداء، و قد يكون مسببا من سبب سابق على العمل، أو أثنائي بحيث يدري أنه لو اطلع على هذا السبب في ذلك الوقت لكان شك، لكنه لم يطلع عليه و مضى على يقين، مثل: أنه رأى بعد الوضوء في يده شيئا يشك في أن الماء وصل إلى ما تحته أم لا، لكنه في أثناء الوضوء كان بانيا على أنه يصل و تيقن الوصول من دون التفات إلى ما هو سبب الشك بعد الفراغ، فإذا فرغ التفت إلى شي‌ء لو كان قد التفت إليه في أثناء الوضوء أيضا لشك في الوصول و العدم. و المتحصل من ذلك أقسام: الشك الابتدائي بعد الفراغ أو التجاوز، من سبب حادث. و الشك الابتدائي، من سبب سابق. و الشك المستمر من الأثناء إلى الفراغ. و الشك العائد بعد الفراغ بعد زواله في الأثناء، غير مجانس. و الشك العائد مجانسا بسبب زوال المزيل «1».

______________________________
(1) هذا القسم لم يرد في «ن».

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 157‌

و الشك المجانس «1» العائد بسبب آخر. و الشك المجانس العائد الذي لا يعلم وجهه. و هذه الشكوك: يعقل بعضها في أصل العمل، و قد يكون في جزئه، و قد يكون في شرطه، و قد يكون في مانعه. و كل ذلك قد يكون بعد الفراغ قبل الشروع في آخر، و قد يكون بعد الشروع في شي‌ء مترتب عقلا و قد يكون في شي‌ء مترتب شرعا، و قد يكون في شي‌ء مترتب عادة، و قد يكون في شي‌ء مترتب اتفاقا. ثم قد يكون ذلك المترتب فعلا تاما، و قد يكون جزءا أو مقدمة. و مجموع الصور ترتقي إلى أربعمائة و زيادة.

الرابعة: أن الأصل في هذه القاعدة أمور:

أحدها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: يمضي [قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبر، قال: يمضي] «2» قلت: رجل شك في التكبير و قد قرأ، قال: يمضي، قلت: شك في القراءة و قد ركع، قال: يمضي، قلت: شك في الركوع و قد سجد، قال: يمضي على صلاته، ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء «3». و ثانيها: ما رواه الشيخ، عن إسماعيل بن جابر في الحسن بمحمد بن عيسى الأشعري قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه «4». و ثالثها: ما رواه الشيخ رحمه الله في الصحيح عن ابن بكير الثقة الذي أجمعت‌

______________________________
(1) المجانس: ليس في «ن».

(2) أثبتناه من المصدر.

(3) التهذيب 2: 352/ 1459.

(4) التهذيب 2: 153/ 602.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 158‌

العصابة على تصحيح ما يصح عنه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو «1». و رابعها: ما رواه الكليني بسند صحيح على الأصح حسن بإبراهيم بن هاشم في المشهور و رواه الشيخ عنه بإسنادين، عن زرارة و أبي بصير في الصحيح قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى و لا ما بقي عليه؟ قال: يعيد، قلنا: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاده «2» شك؟ قال: يمضي في شكه، ثم قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك، قال زرارة: ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم «3». و خامسها: التعليل في بعض الروايات الناهية عن الاعتناء بالشك بأنه [حين الفعل] «4» في تلك الحالة أذكر «5». و سادسها: دلالة ظاهر حال المسلم، فإن العبد إذا أراد أن يعمل عملا لا يترك شيئا في محله. و دعوى: أنه لعله يسهو عن ذلك و إنما لا يتركه عمدا، مدفوعة بأن الظاهر و الأصل يقضيان بعدم السهو، و مع عدمه فالظاهر عدم الترك. و الظاهر و إن كان لا يعارض الأصل كما قرر في محله لكنه بعد الاعتضاد بالنصوص و بتعليل الروايات كما عرفت يقوم حجة، لأنه كشف عن اتباع هذا الظاهر الخاص، فيكون مما دل الدليل على اعتباره حجة شرعية، فيقدم على الأصل، لا من الظواهر الخالية عن الدليل المبحوث عنه في مسألة تقدم الظاهر على الأصل.

______________________________
(1) التهذيب 2: 344/ 1426.

(2) في التهذيب: أعاد، و في الكافي: عاد.

(3) الكافي 3: 358/ 2، التهذيب 2: 188/ 747.

(4) لم يرد في «م».

(5) الوسائل 1: 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، ح 7.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 159‌

و سابعها: الاستقراء في أحوال العامل، فإنا نرى غالبا أنه إذا أراد إيجاد شي‌ء مترتب بعضه على بعض يوجده «1» على حسب ما هو عليه غالبا، و الخلل و الترك في جنب ذلك نادر جدا، فإذا شك في الترك و العدم فيرجع إلى الشك في كون هذا العمل من الأفراد الغالبة أو النادرة، و لا ريب أن الإلحاق بالغالب أولى. و ثامنها: أصالة الصحة في فعل المسلم المدلول عليه بالإجماع و النصوص كما يقرر في محله و هو عام لفعل نفس الإنسان و غيره. و دعوى اختصاصه بالغير ممنوعة. قيل: هذا لا يستلزم عدم الالتفات، إذ غايته البناء على الصحة، و قد يكون مع الترك أيضا صحيحا غير موجب لشي‌ء، أو موجبا لقضاء أو سجدة سهو أو كفارة و نحو ذلك. قلنا: نتمسك بالأصل في صورة ما إذا كان الشك في شي‌ء لو لم يبن فيه على الصحة لبطل، كالشك في ترك ركن أو في أحداث مانع أو بقائه و نحو ذلك، و نتممه في بقية الصور بالإجماع المركب أو بعدم القول بالفصل، فتأمل فيما أسلفناه سابقا من عدم حجيته «2» بضميمة الأصل. و الجواب: أن ذلك الأصل: الاعتباري العملي العقلي، و أما الأصل الشرعي بمعنى القاعدة المنصوصة فلا بأس بحجيته، و ليس مقام بيانه.

إذا عرفت هذه المقدمات، فنقول: لا ريب في شمول هذه الأدلة للشك الابتدائي من دون سبب سابق في أجزاء العمل بعد الفراغ من جزء و دخول في جزء آخر مرتب شرعا مستقل في الاسم، بمعنى الشك في إتيانه و عدمه، لأنه المتبادر من (التجاوز) و (المضي) و (الدخول في الغير) سيما بقرينة مورد الروايات في أجزاء الصلاة، كما عرفت.

______________________________
(1) في «ن، ف»: مترتبة بعضها على بعض يوجدها.

(2) لم ندر بماذا يرجع الضمير؟ و لعلّ مراده ممّا أسلفه، ما أفاده في مدخل العنوان، فراجع.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 160‌

و نظيره الشك في أعضاء الغسل و أفعال الحج المعدود «1» كل منها فعلا في باب الحج كالذبح و الرمي و الطواف و السعي و غير ذلك من المعاملات بدلالة الوجوه الثلاثة الأخيرة، و بعموم (الشي‌ء) في الروايات، و بعموم التعليل بعدم تعويد الخبيث، و بعموم كونه في تلك الحالة أذكر. و دعوى: انصراف عموم (الشي‌ء) في الرواية «2» إلى خصوص أجزاء الصلاة دون غيرها من العبادات و غيرها بقرينة سابقة، مدفوعة بما قرر في الأصول من أن المورد لا يخصص. و دعوى: أن هذا ليس من باب التخصيص بالمورد، بل المتبادر من هذه العبارة بعد ذلك الرجوع إلى نحو مضى «3» فيكون من باب العموم العرفي، مدفوعة أيضا بأن ذلك غير جار في موثقة ابن بكير «4» المسوقة للقاعدة، و في سابقيها أيضا بقرينة الموثقة، و بإشارة نفس الروايات إلى علة الحكم و هي: التجاوز و الدخول في الغير، لا أنه لخصوص الصلاة. كما أن احتمال اقتصار التعليل بتعويد الخبيث أو بزيادة الذكر إلى موردهما من كثير الشك و نحو ذلك، مدفوع بأن الرواية ظاهرة في العبرة بالظاهر، مشيرة إلى القاعدة التي يحكم بها الاعتبار و الطريقة، و الاقتصار على المحل خلاف ظاهرها، فيحتاج إلى دليل. و أما الفرض السابق «5» مع كون ذلك الغير المدخول فيه غير مستقل بالاسم، كالشك في القراءة حين الهوي، و في الركوع حين الهوي إلى السجود، و في التشهد‌

______________________________
(1) في غير «م»: المعدّة.

(2) رواية إسماعيل بن جابر المتقدّمة في ص: 157.

(3) كذا في النسخ، و العبارة غير واضحة المراد.

(4) تقدمت في ص: 157.

(5) يعني الشكّ الابتدائي من دون سبب سابق في أجزاء العمل بعد الفراغ من جزء و دخول في جزء آخر مرتّب شرعا.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 161‌

أو السجدة حين النهوض إلى القيام و قس على ذلك جميع ما مثلنا لك من عبادة أو معاملة، فإن التكرار غير محتاج إليه بعد ما مر فظاهر الوجوه الثلاثة الأخيرة كونه كذلك، و كذلك ظاهر التعليلين، و الذي يقوى شمول ظاهر الموثقة أيضا له، لأنه يصدق (المضي) بالنظر إلى المشكوك و إن لم يكن ذلك الفعل المدخول فيه مسمى باسم مستقل في تلك العبادة أو المعاملة. و دعوى: أن الموثقة على سياق ما تقدمها من الروايتين، و ليس المراد بالمضي مطلقه، بل بعد الدخول إلى عمل لأنه المتبادر، مدفوعة: أولا: بأن (المضي) عبارة عن الفراغ عن ذلك الشي‌ء المشكوك، و ليس في معناه (الدخول إلى عمل مستقل في الاسم) و كون المتبادر منه ذلك ممنوع. و ثانيا: بمنع كون ما قبله قرينة عليه، إذ الذي يمكن أن يقال هنا: إنهما «1» لا يشملان ذلك، و الظاهر وحدة السياق، أو أن مفهومهما يدل على أن ما لم يدخل في شي‌ء غيره فالشك شي‌ء، و هما يعارضان منطوق الموثقة. قلنا في دفعه: إن الموثقة بعد تسليم دلالته «2» على الأعم لا يعارضها المفهومان، بل تقدم عليهما. و قد وقع نظير ذلك في مواضع، و سيأتي توضيحه. و ثالثا نقول: إن الحق أن الروايتين السابقتين أيضا تشملان المقام، إذ ليس فيهما سوى ذكر الدخول في الغير، و لا ريب أن (الغير) من الأسماء المتوغلة في الإبهام يشمل كل شي‌ء، سيما بقرينة عموم (الشي‌ء) إذ الظاهر أن المراد بالغير: غير الشي‌ء المشكوك فيه، و كل ما صدق فيه اسم (الشي‌ء) يصدق على ما عداه أنه غيره، سواء كان من أفعال ذلك العمل، أو من مقدمات أفعاله، أو من أجزاء أفعاله. و دعوى: أن ظاهرهما في أفعال الصلاة و لا ريب أن زرارة عد الأذان‌

______________________________
(1) يعني صحيحة زرارة و رواية إسماعيل بن جابر المتقدمتين في ص: 157.

(2) كذا، و المناسب: دلالتها.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 162‌

و الإقامة و التكبير و القراءة و الركوع و السجود و لم يعد بين ذلك أجزاء الإقامة و أجزاء القراءة و الهوي و نحو ذلك، و كذلك الخبر الأخر، و هذا يكشف عن كون المراد: الدخول في الجزء المستقل مدفوعة بأن أجزاء الأذان بالنسبة إلى نفسها و الإقامة كذلك بمنزلة أجزاء الصلاة، فلو شك في الشهادتين بعد الدخول في الحيعلات فقد دخل في غيره، و هو جزء مستقل، مع أنه لم يعده زرارة. و ثانيا: أن عد زرارة ليس من جهة الحصر، بل ذكر الغالب الوقوع دون النادر. و ثالثا: أن عموم الخبر لا يخصصه مورده. و رابعا: أن الخبرين أشارا إلى العلة، و هو (التجاوز) و لا ريب في صدقه بذلك أيضا، فإن من نهض إلى القيام يصدق أنه تجاوز عن التشهد أو عن السجود، و قس على ذلك غيره في كل باب. قيل: ظاهر قوله: (ثم دخلت في غيره) يدل على التراخي، و لا ينطبق إلا على عدم مدخلية المقدمات المتوسطة بين الأفعال في هذا الحكم، و إلا لكان الخروج عن شي‌ء دخولا في آخر، و لا يحتاج إلى عطف. قلت: يرده الموثقة «1» و عطف الحسن «2» بالواو المفيد للجمع بلا تراخ، بل بلا تعقيب من اللفظ. و ثالثا: أن هذا اعتبار لغوي لا يستفاد من العرف في هذا المقام، مع أنه دقة حكمية، مع أنه لو كان كذلك لما شمل ما لا مقدمة بينهما كالشك في التكبير بعد الشروع في القراءة، مع أنه داخل في أصل الرواية، و لكان ينبغي إرادة التعدي إلى الفعل الثالث تحقيقا لمعنى الفصل و التراخي. قيل: دلت صحيحة عبد الرحمن «3» على العود إلى السجود لو شك في ذلك‌

______________________________
(1) أي موثّقة ابن بكير المتقدّمة في ص: 157.

(2) يعني خبر إسماعيل بن جابر- الحسن بمحمّد بن عيسى الأشعري- المتقدم في ص 157.

(3) الوسائل 4: 972، الباب 15 من أبواب السجود، ح 6.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 163‌

و لما يستكمل القيام، و هذا ينافي ما ذكرت من كفاية مطلق التجاوز. قلت: قد دل غيرها أيضا في مقامات آخر على العكس، فتتبع أحكام الخلل. و ثانيا: العام يخصص. و ثالثا: لم يعمل بها فيما وجدته سوى الشهيدين «1»، فلنا أن نمنعها و نركن إلى القاعدة، أو نحملها إلى كونه قاعدا في مكانه. و الحاصل: أن منع شمول هذه الأدلة إلى الدخول في فعل آخر لا يعد من أجزاء العبادة مستقلا مكابرة. و نزاع جمع من المتأخرين في فروع ذلك في غير محله، و لا نمنع خروج بعضها بدليل. قيل: مفهوم الرواية أنه شك في القراءة و قد ركع، و نحوه أن ذلك قبل الدخول في الجزء الأخر ليس كذلك. قلت أولا: أنه لا مفهوم له، و إنما هو سؤال عن فرض خاص، و بيان لمورد خاص. و ثانيا: أنه في كلام السائل، و لا يعتبر مفهوم كلامه في قبال عموم الجواب. و أما الفرض السابق «2» مع كون الجزء مرتبا عقلا أو عادة، أو كون الشك استمراريا أو عائدا بأقسامه «3» فغير متصور، إذ الفرض في إتيانه و عدمه و كونه جزءا، و لا يكون جزء شي‌ء إلا بالشرع في محل البحث. و كذا الشك بعد الفراغ و عدم الدخول في آخر، إذ لا يعقل معه الشك في الإتيان و عدمه. و أما الشك في شرط من شرائط العمل، بمعنى أنه حصل شرطه أم لا، أو في بقاء مانع حالته أم لا، سواء كان العمل مستقلا أو شرطا لآخر أو جزءا له: فإن كان بعد الدخول في جزء أو شرط أو عمل آخر مرتب شرعا مع كونه‌

______________________________
(1) البيان: 149، الروضة 1: 698.

(2) يعني الشك الابتدائي. راجع ص: 160، الهامش (5).

(3) راجع ص: 155 (المتقدمة الثالثة).

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 164‌

ابتدائيا كالشك مثلا في ذكر السجود أو وضع الأعضاء على الأرض أو وجود حائل في الجبهة حالته بعد الدخول في التشهد، أو في شرط أو مانع في صلاة الظهر بعد شروعه في العصر، أو شرط أو مانع في الطواف بعد شروعه في صلاته أو في السعي، أو في شرط أو مانع في إيقاع أو عقد بعد ترتيب آثاره الشرعية عليه من قبض أو رهن أو ضمان، أو نحو ذلك فالأقوى الدخول في الوجوه الخمسة الأخيرة، و كذا في الروايات الثلاثة «1»، إذ الشك في شي‌ء أعم من الشك في الإتيان و العدم، أو الشك في شي‌ء من شرائطه و موانعه الموجبة للشك في صحته و فساده. و احتمال الانصراف إلى الفرض الأول ممنوع أشد المنع، بل هو مكابرة صرفة. و إن كان بعد الدخول في مقدمة جزء أو شرط أو عمل آخر مترتب شرعا فالكلام هنا الكلام فيما سبق في الأجزاء، و المختار المختار. و إن كان الترتب عقليا، كالشك في جزء أو شرط من الركعة الأولى أو الشوط الأول أو نحو ذلك بعد الدخول في الأخر أو في مقدماته كالنهوض في الصلاة و الاستلام في الطواف و نحو ذلك و كذا في وجود مانع فيحتمل القول بالدخول تحت الأدلة، لعموم التعليلين «2» و الوجوه الأخيرة، و عموم لفظ (الشي‌ء) و (الغير) و لأنه داخل في (ما مضى) و صدق عليه (التجاوز) و هو الأقوى. و يحتمل القول بعدم الدخول اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و هو المرتب الشرعي. و ضعفه واضح، بل كل عقلي مرتب في نظر الشرع أيضا. و إن كان الترتب عاديا، كالشك في شرط أو مانع من الصلاة في آن التعقيب، أو في شرط التعقيب الأول في حال الدخول في الثاني، سواء كان بعد الدخول في العمل أو في مقدماته التي جرت عادته بإتيانها بعد العمل الأول، و قس على ذلك غيره من المباحث.

______________________________
(1) راجع ص: 157.

(2) أي التعليل بتعويد الخبيث، و التعليل بالأذكرية، راجع ص: 158.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 165‌

و الإشكال هنا في الدخول أشد من الأول. و الذي يقوى أيضا الدخول تحت الدليل، و الوجه ما مر. و إن كان الترتب اتفاقيا، كالشرط و الجزء للطواف أو للسعي، أو للذبح في الهدي أو في غيره، أو في الصلاة، أو في الإحرام، أو في أداء الماليات، أو غير ذلك من الأعمال بعد دخوله في شغل آخر اتفق في ذلك الوقت، كالأكل أو الكتابة أو نحو ذلك. و هذا في الأشكال أزيد من الأول. و الذي أراه عموم الأدلة. و التفكيك بهذه الاعتبارات ناش عن وسواس في النظر أعاذنا الله منه بتخيل أن هذا احتياط في الدين، مع أن الحكم كلا طرفيه محتاج إلى دليل معتمد و حصول الاطمئنان في ذلك، فتبصر. و لو كان الشك ناشئا عن سبب سابق لم يتنبه عليه كمن وجد حاجبا في يده بعد الغسل أو الوضوء، أو دما في ثوبه بعد الصلاة يشك في كونه قدر العفو، أو رطوبة خارجة منه قبل الصلاة لو التفت إليها سابقا لشك في صحة العبادة، سواء دخل في عمل مستقل أو مقدماته، مرتب شرعا أو عقلا أو عادة أو اتفاقا، فإن ذلك كله لا يتفاوت على ما أسلفناه فهنا وجهان:

أحدهما: القول بعدم الالتفات نظرا إلى أن هذا شك بعد الفراغ، إذ فعلية الشك حدث بعده، و لا عبرة بأنه كان سابقا بالقوة و أنه لو التفت لشك، إذ المدار في النصوص صدق فعلية الشك، و الفرض طريانه بعد ذلك. و ثانيهما: القول بأنه شك قبل العمل أو في الأثناء، فيجب البناء على أصالة عدم حصول العمل في الخارج عبادة كما مثل. و كذا لو كان عقدا أو إيقاعا أو ذبحا أو صيدا أو غير ذلك، فإن الشك الحاصل بعد العمل مع كونه من سبب سابق معناه: الشك المتقدم، و كأنه من أول الأمر غير متيقن حصول «1» العمل في الخارج مع‌

______________________________
(1) في هامش «م»: لحصول، خ ل.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 166‌

الشك في فقد شرط أو وجود مانع، و لأن المتبادر من الروايات الشك الابتدائي الذي تأخر سببه أيضا، بقرينة التعليل بتعويد الخبيث الذي يوسوس في الإنسان، و ظهور غيره أيضا بكون الوقوع من «1» يقين و طريان الشك بعد المضي، و ظاهره عدم تقدم السبب. و المسألة في غاية الإشكال! و الذي يترجح في النظر القاصر عموم الأدلة، لأن هذا أيضا من تعويد الشيطان، و لأنه داخل في الشك بعد التجاوز، إذ الظاهر منه حدوث الشك لا عروض سببه، فيشمل ما لو كان السبب سابقا أخذا بظاهر النص المعتبر. و لم أقف في هذا الفرض على كلام من المصنفين، و لا من المشايخ المقاربين لعصرنا. و لو كان الشك مستديما من آن الفعل كمن ذبح أو طاف أو سعى أو صلى أو عقد أو قرأ أو ركع أو غسل جانبه أو عضوه في الطهارة، أو فعل غير ذلك مما هو سبب أو شرط لأمر دنيوي أو أخروي شاكا في أثنائه في تمامية أجزائه و شرائطه و في زوال موانعه، و استمر مع ذلك إلى أن فرغ أو دخل في غيره المستقل أو المقدمي شرعا أو عقلا أو عادة أو اتفاقا فالظاهر عدم دخول هذا القسم في أدلة الشك بعد الفراغ، لوجهين: أحدهما: أن المتبادر من النصوص الشك الحادث لا المستمر، لأن الظاهر من الموثقة «2» كون الشك بعد المضي، و من الحسن «3» كونه بعد التجاوز، و في الصحيح «4» كذلك. و ثانيهما: أن مع عروض الشك في الأثناء يتعلق به الحكم ببطلان أو نحوه من أحكام، و لا يزول هذا الحكم إلا بدليل، لقضية الاستصحاب. لا يقال: إن قلنا بعدم بقاء الأكوان فهذا الشك شك حادث بعد الفراغ لا قبله، لأن ذلك قد انعدم.

______________________________
(1) في «ن»: عن.

(2) راجع ص: 157.

(3) راجع ص: 157.

(4) راجع ص: 157.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 167‌

لأنا نقول: المسألة العرفية لا تدور مدار الدقائق الحكمية، و لا ريب في عدم عد هذا شكا حادثا بعده. قيل: إطلاق الصحيح: (يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء «1» يشمل ما لو بقي ذلك الشك من الأول، أو عرض بعد الدخول و الخروج. قلت: أما أولا: فلا إطلاق فيه بعد ملاحظة مورده و سياقه، و لا يحتاج هذا إلى دليل. و ثانيا: أن مفهومه دل على أن الشك قبل الخروج شي‌ء يترتب عليه حكم، و تسمية هذا الشك شكا بعد «2» الخروج ليس بأولى من تسميته شكا قبل الدخول و الخروج، غايته تعارض الأمرين، فيرجع إلى الأصل الأولي. فإن قلت: لا تعارض هنا، فإنا نقول: قبل الخروج شك له حكم، و بعده ينقلب لإطلاق الدليل. قلنا: هذا تهافت في القول، إذ لا معنى بعد ذلك لترتب الحكم عليه، إذ لا بد من انقلابه، مع أن هذا مخالف للإجماع، بل الضرورة. و لو كان الشك عائدا بعد الزوال بواسطة زوال مزيله و ظهور خطأه في عده أمارة بعد الفراغ و الدخول في الغير بأقسامه السابقة التي قررنا عدم الفرق بينها من هذه الجهة فهنا وجهان: أحدهما: إدراج هذا تحت الشك الأثنائي، فلا يدخل تحت القاعدة، لأن الرجل مثلا إذا شك في أثناء وضوئه أو غسله في وجود حاجب في وجهه أو في أثناء طوافه في كون ثوبه ساترا للعورة مثلا أم لا، و زال شكه بتخيل أنه رفع الحاجب بالمسح بيده، و أن الثوب ساتر لوجود آخر تحته، فلما فرغ أو دخل في غيره شك أيضا في الحجب و الستر من جهة تيقن عدم المسح باليد أو عدم‌

______________________________
(1) تقدّم في ص: 157.

(2) في «ن»: في الخروج.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 168‌

كونه مزيلا أو شك في شي‌ء منهما، أو تيقن عدم وجود ساتر آخر تحته أو شك مع ذلك في تحقق الستر لكونهما رقيقين، و نحو ذلك في الشرائط و الموانع في عبادة أو معاملة، فهو في الحقيقة عود لذلك الشك الواقع قبل العمل أو في أثنائه، و ليس هذا شكا جديدا حتى يدخل تحت دليل الشك بعد الفراغ. و ثانيهما: أن يقال: إن الشك الواقع قبل العمل أو في أثنائه قد زال قطعا، لعدم اجتماع المتناقضين، و ما حدث بعد ذلك شك آخر لتحقق العلم بينهما، و مجرد كون السبب ما أوجب الشك في الأثناء و إنما عرض هناك مانع عن بقاء الشك و ارتفع المانع المتخيل هنا لا يوجب دخوله تحت الشك المستمر اللاحق له الأحكام، كما مر. و المسألة أشكل مما مر من تقدم السبب و تأخر الشك، لأن ذلك منحصر في الفعلية بعد الفراغ، بخلاف المقام، فإن الشك حصل بالفعل في الأثناء أيضا كما حصل بعد الفراغ و لم يستمر متصلا حتى نقول بوحدته. و الذي يقوى في النظر دخوله في دليل الشك بعد الفراغ. و كون سببه ذلك السبب و غاية الفرق وجود المانع و عدمه فإذا زال عاد كما كان بعينه، ممنوع الدلالة على الاتحاد، و هو في الحقيقة متعدد. و دعوى: أن إطلاق النص لا يشمل مثل ذلك مدفوعة بالشمول، بل نقول: إن إطلاق الصحيح كاد أن يشمل الشك المستمر كما ذكرناه لولا الإجماع و التعارض بينه و بين الأدلة الأخر، لكن المسألة عظيمة الأشكال. و لو كان الشك عائدا غير مجانس فلا كلام في دخوله تحت القاعدة. و كذا لو عاد مجانسا بسبب آخر، فإن هذا ليس في الأشكال مثل ما عاد بزوال المزيل، لأن تعدد السبب و الزمان يوجب تعددهما و إن اتحد المتعلق. و إن أمكن أن يقال: هذا شك مثلا في الحجب أو في تحقق الستر في الأثناء و بعد الفراغ، غايته أن السبب كان شيئا فزال، ثم التفت إلى سبب آخر فعاد،

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 169‌

لكن إشكاله ضعيف، و دخوله تحت القاعدة قوي. و كذا لو عاد و لم «1» يعلم أنه لعود السبب أو لطريان سبب آخر، فإنا متى ما أدرجنا الأقسام تحت القاعدة فالمشكوك لا يخلو منها. نعم، لو قلنا: بأن العائد بسبب زوال المزيل غير داخل تحت القاعدة يجي‌ء البحث هنا في الدخول و العدم من جهة تردده بين فردين متخالفين. و التحقيق: دخول المشكوك تحت القاعدة، للعموم، خرج منه ما علم كونه بسبب زوال المزيل الموجب للعلم باتحادهما المدخل له تحت الشك المستمر، و بقي المشكوك فيه. و لو كان الشك في الجزء أو المانع أو الشرط ابتدائيا أو عائدا بأقسامه دون المستمر لما بينا خروجه في عبادة أو معاملة أو إيقاع أو ذبح أو صيد و نحوها «2» بعد الفراغ من دون دخول في شي‌ء آخر مطلقا، ففيه وجهان: أحدهما: منع دخوله تحت القاعدة لوجوه: أحدها: تقييد سؤال الصحيح و الحسن «3» بالدخول في الغير. و ثانيها: تقييد الصحيح و الحسن في الحكم و الجواب بكون الشك بعد التجاوز أو الخروج و الدخول في الغير، فلا يشمل غير الفرضين. و ثالثها: دلالة مفهومها «4» بأنه لو لم يكن تجاوز و دخول فالشك شي‌ء، يعني يترتب عليه الأحكام. و ثانيهما: إدخاله تحت القاعدة، لدلالة الظاهر و الاستقراء و أصالة الصحة و تعليل الخبرين و ظاهر الموثقة العامة المؤسسة للقاعدة عليه، إذ فيها: (كلما‌

______________________________
(1) في «ن»: و لا.

(2) في «ف، م»: نحوه.

(3) يعني صحيح زرارة و خبر إسماعيل بن جابر- الحسن بمحمد بن عيسى الأشعري- المتقدّمين في ص: 157.

(4) في «م»: مفهومهما. و الصواب ما أثبتناه و إن كان خلاف ظاهر السياق، لأنّ المفهوم المذكور مختصّ بصحيحة زرارة.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 170‌

شككت فيه مما قد مضى فامضه «1» و لا ريب أن العمل بعد الفراغ منه و إن لم يدخل في شي‌ء آخر فقد مضى. و دعوى: أنه لا يصدق (المضي) إلا بالدخول بشي‌ء «2» آخر، لا يساعده العرف و ينكره الوجدان. قيل: غايته أنه مطلق يتقيد بما في الخبرين من القيد، لأن السيد إذا قال لعبده: (إذا رأيت رجلا فسلم عليه، و إذا رأيت رجلا عالما فسلم عليه) يفهم منه التقييد و أن الحكم في الرجل العالم. قلت: ما سمعته من حمل المطلق على المقيد في الأصول لفهم العرف إنما هو بعد العلم باتحاد التكليف، فإن العرف يفهم التقييد، لا حمل الخصوصية على الفضيلة و نحوه. و أما لو كان هناك خطابان قابلان لكونهما مكلفا بهما فلا وجه للتقييد. و يأتي إن شاء الله تحقيقه في باب عدم التداخل في الأسباب، فلعل الشارع يكتفي في سقوط حكم الشك بالمضي مطلقا و مع الدخول في غيره، و فهم التقييد في هذا المقام لا مأخذ له. قيل: إطلاق (ما مضى) وارد مورد الغالب من الدخول في شي‌ء آخر، فلا يدل على ما إذا لم يدخل. قلت: إن اكتفيت في (شي‌ء آخر) بمجرد السكون و السكوت و الحالة الخارجة عن العمل مطلقا، فنعم الوفاق! و هو الذي نريده من (ما مضى) و غرضنا من عدم الدخول في شي‌ء آخر عدم الدخول في فعل وجودي غير ذلك يعد مستقلا في النظر بالنسبة إلى ما مضى عرفا. و إن أردت من (الغير) المعنى الثاني، فلا نسلم أن الغالب ذلك، فإن الغالب بعد الخروج من العمل عدم الدخول في ما يقابلها عرفا، و لنوضح في مثال، مثلا: إذا فرغ من صلاة أو طواف أو سعي أو ذبح أو صيد أو وضوء أو غسل أو تيمم‌

______________________________
(1) راجع ص: 158.

(2) في نسخة بدل «م»: في شي‌ء.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 171‌

فليس الغالب بعد ذلك الشروع في أكل أو شرب أو جماع أو كتابة أو قراءة أو زيارة، أو نحو ذلك مما يعد أفعالا آخر. نعم، يكون بعد ذلك قعود و قيام و سكوت، و نحو ذلك من الأمور المستمرة من حال العمل إلى ما بعده، أو الحادثة بعده بطريانه موضع العمل السابق بعد ارتفاعه قهرا. و لو سلم الغلبة في الجملة فليس مما يوجب تشكيكا في الإطلاق أو و هنا فيه. قيل: يعارض إطلاقه مفهوم الصحيح و الحسن الحاكم بأنه لو لم يدخل في غيره فالشك شي‌ء. قلت أولا: لا مفهوم لذلك كما أشرنا، و لو سلم له مفهوم فيطرح «1» في قبال المنطوق، كما في مسألة تحديد الكر و المسافة للقصر و تحريم الرضاع و نحوه مما فيه تحديد بنوعين يحصل بينهما تفاوت، فإنه يعمل بالمناطيق و يخصص مفهوم كل بمنطوق الأخر، و هنا أيضا كذلك، فإن مفهوم الصحيح له فردان: أحدهما: ما لم يمض و لم يدخل في شي‌ء آخر، و الآخر ما مضى و لكن لم يدخل، خرج الثاني بالموثقة و بقي الأول تحت المفهوم. و هذا الكلام كما يتم في الشك في الجزء أو الشرط أو المانع للعمل المستقل بعد الفراغ عنه، كذلك يشمل «2» الشك في أجزاء الأجزاء و شرائطها و موانعها. فلو شك في جزء من القراءة أو مانع أو فوات شرط مع الفراغ و إن لم يركع، و كذا في التشهد و إن لم يقم، و نحو ذلك من أجزاء العبادات و المعاملات لو شك في شرطها أو مانعها بعد الفراغ من الجزء و إن لم يدخل في الجزء الأخر «3» لأنه شك فيما مضى. و أما سؤال زرارة في الصحيح من هذه الأجزاء بعد الدخول في الغير إنما هو،

______________________________
(1) في النسخ: فيظهر ح، و الصواب ما أثبتناه علما بالتصحيف.

(2) في «ن»: لم يشمل، و هو سهو.

(3) الظاهر سقوط جواب «فلو شكّ.» مثل: لا يلتفت إليه.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 172‌

سؤال عن الشك في أصل الإتيان و عدمه، لا في اختلال جزء منه أو شرط. قيل: ظاهر العبارة مطلقة، لأنه قال: (شك في الركوع و قد سجد، و في القراءة و قد ركع) و هو أعم من كونه في أصل القراءة أو في شرطها، فيتقيد كلاهما بالركوع. قلت: إطلاق الموثق قضى بعدم الالتفات، و دلالة الصحيح لو كان فهو مفهوم. مع أنا نقول: هذا التقييد يدل على أن فرض زرارة الشك في أصل الفعل، إذ لما كان الشك في أصل الفعل قبل الشروع في آخر غير معقول، لأنه إذا شك أنه قرأ مع أنه لم يركع لم يكن هذا شكا بعد المضي و الفراغ، إذ الفراغ فرع العلم بأصل القراءة «1». نعم، بعد الدخول في آخر يقع الشك في ذلك، و أما الشك في الجزء و الشرط و المانع فيتحقق في القراءة، سواء عرض له الشك في آن الفراغ و إن لم يركع أو بعد الركوع، فلا تذهل. و هنا كلام، و هو: أن الصحيح قال: (إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في شي‌ء آخر) و ظاهره العلم بالخروج و الدخول، و هذا لا يعقل في الشك في أصل الفعل، فإن من شك بعد الركوع في أنه قرأ أو لم يقرأ فمن أين يعلم أنه خرج من القراءة و دخل في الركوع؟ فانحصر هذا الخبر و الحسن، بل الموثق أيضا إذ ما لم يعرف أصل الإيقاع لم يعرف ما مضى حتى يمضيه في الشك في الجزء من حيث هو جزء، بمعنى: أنه بعد الخروج من العمل التام أو الجزء أو الشرط كالصلاة و القراءة و الوضوء يشك في جزء شي‌ء من هذه الأشياء أو شرط من شرائطه أو مانع من موانعه، لا أنه يشك أنه قرأ أو لم يقرأ أو توضأ أو لم يتوضأ. قلنا: الظاهر من (المضي) و (التجاوز) مضي المحل و تجاوز مقام الشي‌ء الذي ينبغي أن يؤتى به، لا مضي نفسه حقيقة. و على هذا جرت كلمة الفقهاء في باب الخلل.

______________________________
(1) العبارة لا تخلو عن قصور.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 173‌

و هذا يدل على وجود ما يفيد هذا المعنى عندهم من هذه النصوص، فإن من دخل في الصلاة و شك أنه توضأ أو لم يتوضأ أو ذبح شاة و شك أنه سمى أو لم يسم شك فيما مضى و لو باعتبار ارتباطه بهذا الشي‌ء الذي هو فيه، فيكون بمعنى فوات مقامه. و مثل ذلك من شك في أنه قرأ أو ركع أو سجد أو تشهد أم لا بعد الانتقال إلى جزء، فإنه يعد شكا فيما مضى عرفا و إن لم يدرك أن الشي‌ء المشكوك فيه مضى أم لا. مع أن بقية الروايات التي وردت في العود و الإتيان مع بقاء المحل كلها عبرت بهذه العبارة: (رجل شك في القراءة و لم يركع؟ قال: يقرأ) مثلا، و (رجل شك في السجدة قبل أن يقوم؟ قال: يسجد) و ظاهر هذه العبائر الشك في أصل الفعل و العدم، لا في تخلف شرط من القراءة أو وجود مانع أو خلل في جزء، إذ لا تعاد السجدة و الركوع و نحوه مع العلم بالخلل في ذكر و نحوه، فضلا عن الشك، فيدل على أن المراد في هذين الصحيح و الحسن أيضا الشك في أصل الفعل الذي يعتبر فيه الدخول بالغير حتى يصدق (المضي) و (الفراغ) إذ قبله لا يصدق، إذ (المضي) لا يصدق عرفا إلا بإتيان نفس الشي‌ء حتى يمضي، و هو مشكوك في الفرض، أو بمضي محله، و كلاهما حينئذ منتفيان «1». و أما الشك في شرط الجزء أو جزئه أو مانعة في صلاة أو غيرها من عبادة و معاملة، فلا يلتفت إليه بعد الفراغ و إن لم يدخل في جزء آخر، لعموم الموثقة و شمول (المضي). نعم، بقي الإشكال في شي‌ء، و هو: الشك في الإتيان بأصل الواجبات و عدمه، لا في خلل في ذلك، بمعنى: الشك في العمل المستقل الذي لا ارتباط له بآخر بجزئية أو شرطية أو نحو ذلك، فإنه لو كان له ارتباط فقد ذكرنا أنه مع التجاوز و المضي الذي يتحقق بالدخول في شي‌ء يترتب عليه لا يلتفت إلى الشك في أصل‌

______________________________
(1) في «ن»: منفيّان.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 174‌

الفعل أيضا كالشك في الخلل، و به يتفرع عدم الالتفات إلى الشك في أصل الوضوء و الغسل في أثناء الصلاة أو الطواف و نحو ذلك من الشك في الإتيان بالشرائط في أثناء المشروط المنفصل المتعقب، لا المقارن، لعدم صدق (التجاوز) فيه. و كذا الشك في أصل الإتيان بأحد الأجزاء المترتبة بعد دخول في آخر، لأنه فوات محل. و أما العمل المستقل من حيث هو كذلك، كما لو شك أنه صلى أم لا، أو حج أو كفر أو صام أو أدى الزكاة و الخمس أو طلق أو نكح أو نظير ذلك، فنقول: إن هنا صورا: تارة: يكون العمل المشكوك فيه من الموقتان، كاليومية و صوم رمضان. و تارة: يكون من الفوريات، كالحج و أداء الزكاة و أداء الدين و نحو ذلك. و تارة: من الواجبات الموسعة المطلقة ما دام العمر. و تارة: من المباحات التي متى ما أراد المكلف إيجاده يوجده كالعقد و الإيقاع و نحوه. و هذا أيضا قسمان: قسم يترتب عليه آثار شرعية و يشك بعد تلبسه بالآثار، و قسم قبل تلبسه. أما الموقت: فإن كان الشك في إتيانه مع بقاء وقته فليس داخلا تحت القاعدة، و الأصل عدم الإتيان، لأنه غير ماض، لا لفوات محله إذ محله وقته، و لا للإتيان به إذ المفروض عدم العلم به. و إن كان بعد خروج وقته كمن شك بعد رمضان أني صمت أم لا؟ أو بعد طلوع الشمس أني صليت الصبح أم لا؟ فلا يلتفت، عملا بعموم الموثقة «1» لأنه داخل في (ما مضى) و الوجه واضح. و في إلحاق الموقتات العادية بالشرعية كما لو جرت عادته بالاستبراء بعد البول بلا فصل فبعد «2» التجاوز شك نظر. و لا أستبعد الإلحاق، للتعليل، لكنه مشكل.

______________________________
(1) موثّقة ابن بكير المتقدّمة في ص: 158.

(2) في «ن»: و بعد.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 175‌

و أما الفوريات: فمع بقاء زمن الفور لا كلام في عدم الدخول. و أما مع الفوات كمن شك بعد مضي سنين من عام الاستطاعة أنه حج أم لا؟ أو بعد أيام من مطالبة الديان إني أديت ديني أم لا؟ ففي تنزيل ذلك منزلة الموقت و عدمه وجهان. و الأقوى أنه لا ينزل منزلته، و لا يصدق عليه (الفوات) إذ الفورية قابلة للتجدد آنا فآنا، كما قرر في محله. و أما الموسعة المطلقة: فعدم دخوله في القاعدة واضح، كمن شك في أداء صلاة الزلزلة، أو قضاء صلاة فائتة على القول بالمواسعة كما هو الأقوى. و أما المباحات من العقود و الإيقاعات: فإن كانت متلبسة ب آثارها كما لو كانت الزوجة في حبالته «1» و المأكول في بيته يأكل منه و نحو ذلك و شك في أنه عقد عليها أو اشتراه أو لا؟ بل هي غير معقودة، و المال مال الغير الحق في ذلك إدخاله تحت القاعدة، لأنه يعد لهذا الأثر الشرعي مما قد مضى، فلو لم يلتفت لكان فعله صحيحا، و إلا فينبغي كونه فاعلا لما هو خلاف الحق في الواقع. و التعليلات و النصوص آتية في ذلك. و أما بدون آثار كما لو «2» أتى به في معرض البيع أو الزواج و لم يحدث فيه حدثا و شك في العقد و عدمه فالأصل العدم، لعدم صدق (المضي) و (الفوات). هذا تمام الكلام في ضبط الأقسام و تنقيح القاعدة حسب ما ساعدنا المجال على الاستعجال، و لم يخرج عن هذه القاعدة سوى باب الوضوء في الأجزاء إذا شك في الأثناء و في الشرائط أيضا في وجه لصحيحة [ابن] أبي يعفور «3».

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌1، ص: 326

و أمّا [المقام الثاني] في مقام الإثبات بعد الفراغ عن إمكان جعل كبرى واحدة تشمل كلتا القاعدتين في عالم الثبوت.

فنقول أوّلا: لا بدّ من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتّى نرى ما ذا يستفاد:

منها: رواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشكّ و أنا ساجد، فلا أدري ركعت أم لا؟ فقال عليه السّلام: «قد ركعت». «2»

و منها: ما ذكرنا و تقدّم من رواية زرارة و نقلناها، و محلّ الشاهد ما في آخرها من قوله عليه السّلام: «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء».

و منها: رواية إسماعيل بن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض، كلّ شي‌ء شكّ فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمضى عليه». «3»

و منها: موثقّة ابن بكير عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال عليه السّلام: «كلّ ما‌

______________________________
(1) «فرائد الأصول» ج 2، ص 712.

(2) «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 151، ح 594، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة، ح 52؛ «الاستبصار» ج 1، ص 358، ح 1356، باب من شكّ و هو قائم فلا يدرى أركع أم لا، ح 6؛ «وسائل الشيعة» ج 4، ص 936، أبواب الركوع، باب 13، ح 2.

(3) «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 153، ح 602، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة، ح 60؛ «الاستبصار» ج 1، ص 358، ح 1359، باب من شكّ و هو قائم فلا يدري أركع أم لا، ح 9؛ «وسائل الشيعة» ج 4، ص 937، أبواب الركوع، باب 13، ح 4.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌1، ص: 327‌

شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو». «1»

و منها: موثّقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا شككت في شي‌ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكّك بشي‌ء، إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» «2».

و منها: موثّقة بكير بن أعين قال: قلت له: الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ قال عليه السّلام:

«هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» «3».

و هناك روايات أخر نقلوها ليست بصراحة ما ذكرناها من حيث اشتمالها على الكبرى الكليّة، و فيما ذكرناها غنى و كفاية.

فنقول: أمّا قوله عليه السّلام في الرواية الأولى، أي رواية زرارة «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء و دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» فهي كبرى كلّية ينطبق على الخروج عن الجزء و دخوله في جزء آخر، أو مطلق ما كان غيره كي يشمل الجزء الأخير، و على الخروج عن المركّب المأمور به و الدخول في غيره، مثل الصلاة و الحجّ و غيرهما.

و أمّا مسألة لزوم الدخول في الغير- أو يكفي صدق التجاوز عن الشي‌ء و المضي عنه، و إنّما ذكره الدخول في الغير لأجل تحقّق التجاوز عن الشي‌ء- فهذا شي‌ء سنتكلّم عنه إن شاء اللّه تعالى في المباحث الآتية.

و الحاصل: أنّه بناء على ما ذكرنا و عرفت «الشي‌ء» له معنى عامّ ينطبق على الجزء و على المركّب الذي نسمّيه بالكلّ، و الخروج عنه له مصداقان كما تقدّم:

______________________________
(1) «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 344، ح 1426، باب أحكام السهو، ح 14؛ «وسائل الشيعة» ج 5، ص 336، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 23، ح 3.

(2) «تهذيب الأحكام» ج 1، ص 101، ح 262، باب صفة الوضوء و الغرض منه و السنّة، ح 111؛ «وسائل الشيعة» ج 1، ص 330، أبواب الوضوء، باب 42، ح 2.

(3) «تهذيب الأحكام» ج 1، ص 101، ح 265، باب صفة الوضوء و الغرض منه و السنة، ح 114؛ «وسائل الشيعة» ج 1، ص 331، أبواب الوضوء، باب 42، ح 7.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌1، ص: 328‌

أحدهما: التجاوز عن محلّه الذي عيّن الشارع له، و بهذا الاعتبار يشمل قاعدة التجاوز.

و الثاني: التجاوز عن نفسه و الفراغ عنه، و بهذا الاعتبار يشمل قاعدة الفراغ.

و الجامع بينهما هو عنوان الخروج عن الشي‌ء، و لا يلزم محذور أصلا.

و أمّا قوله عليه السّلام في رواية إسماعيل بن جابر: «كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» لا شكّ في أنّه أيضا كبرى كليّة أمر عليه السّلام بالمضي و عدم الاعتناء بالشكّ في كلّ ما شكّ فيه، سواء أ كان ذلك المشكوك فيه نفس المركّب أو جزء من أجزائه بعد ما مضى عنه، غاية الأمر المضي عن المركّب بإتمامه و الفراغ عنه و عن الجزء بالمضي عن محلّه، كما بيّنّا لك في رواية زرارة فلا نعيد.

و على هذا القياس قوله عليه السّلام في موثقّة ابن بكير «كل ما شككت ممّا قد مضى فامضه كما هو».

و أمّا قوله عليه السّلام في موثّقة ابن أبي يعفور: «إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجزه» فبمفهوم الحصر يدلّ على أنّه إذا جزت عن شي‌ء فليس شكّ هناك، بمعنى أنّ الشارع ألقى الشكّ في كلّ شي‌ء جزت عنه، و جعل وجوده بمنزلة العدم، فيكون حال هذه الرواية أيضا حال سائر الروايات من كونه عليه السّلام بصدد بيان كبرى كليّة، أي عدم الاعتناء بالشكّ في كلّ شي‌ء جزت عنه، سواء أ كان ذلك الشي‌ء نفس المركب أو أحد أجزائه.

و لا فرق في حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشكّ بعد أن خرج عن المشكوك و دخل في غيره بأن يكون الخروج عن جزء و الدخول في جزء آخر، و بين أن يكون الخروج عن مجموع المركّب و الدخول في شي‌ء آخر غيره.

نعم الخروج عن الجزء باعتبار الخروج عن محلّه؛ لأنّ المفروض أن أصل وجود الجزء مشكوك، فلا معنى للخروج عن نفس الجزء. و أمّا عدم الفرق في حكمه بعدم‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌1، ص: 329‌

الاعتناء بالشكّ بعد التجاوز عن المشكوك أو بعد المضي عنه بين الكلّ و الجزء، فالأمر أوضح كما هو واضح.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

تحجیر

تحرير المجلة؛ ج‌2قسم‌1، ص: 255

مادة «1277» وضع الأحجار أو الشوك- ليس بإحياء و لكنه تحجير.

الفرق بين الاحياء و التحجير واضح مفهوما و حكما فان التحجير هو الشروع في مقدمات الإحياء أو وضع علامات حيازة الأرض و ان لم يكن لها دخل بالاحياء اما الاحياء فهو صلاحية الأرض فعلا للزرع اي لإلقاء البذر فيها و سقيه و حكم الاحياء حصول الملكية به اما التحجير فتحصل به الأولوية و لكنه حق يورث يصح المصالحة عليه و أخذ المال بالمعاوضة عليه نعم يمهله حاكم الشرع أو السلطان حسب ما يراه و لا يتقيد بسنة أو ثلاث بل بما يراه الحاكم حسب اختلاف الظروف و الأحوال فان لم يكمل إحياءها في تلك المدة يسقط حقه و ينتزعها منه و يدفعها لغيره و بهذا يتضح ما في المواد الباقية في هذا الفصل من مادة «1278» إلى مادة «1280».

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، محمد حسين بن على بن محمد رضا، تحرير المجلة، 5 جلد، المكتبة المرتضوية، نجف اشرف - عراق، اول، 1359 ه‍ ق

تسامح در ادله سنن

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 419

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 419‌

العنوان الخامس عشر في بيان قاعدة التسامح

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 420‌

عنوان 15 اشتهر في كلمة الأصحاب سيما المتأخرين منهم التسامح في دليل المستحبات و المكروهات، و يتفرع على هذه القاعدة كثير من الأحكام الشرعية في أبواب الفقه، إذ أغلب المندوبات و المكروهات ليس له دليل قوي، مع أن الفقهاء يفتون به. و ظاهر لفظ (التسامح) هنا يدل على أن الأصحاب في دليل الوجوب و التحريم يأخذون بالمداقة، بمعنى: أنهم لا يعتمدون فيهما إلا على ما هو دليل شرعا أي: ما قام الدليل على حجيته بخلاف غيرهما، فإنهم يعتمدون فيه على ما لم يقم دليل على حجيته، كالخبر الضعيف، و فتوى الفقيه الواحد، و الشهرة المجردة عند من لا يرى حجيتها. و بعبارة اخرى: يدل «1» على اعتمادهم في المندوب و نحوه على ما لا يعتمد عليه في الواجب و الحرام. و أورد على ذلك بظاهره: أن الأحكام الشرعية توقيفية بلا شبهة، و لا فرق في ذلك بين الواجب و المندوب، فلا يجوز إثبات شي‌ء منها إلا بحجة شرعية، فالدليل‌

______________________________
(1) أي: لفظ «التسامح».

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 421‌

المثبت للحكم إن قام دليل على حجيته فهو المتبع في الوجوب و في الندب، و ليس هذا مسامحة، و إن لم يقم دليل على اعتباره فلا يمكن الاعتماد عليه في شي‌ء من الأحكام، لأنه اتباع بما لا يعلم و قول على الله بغير حجة، و لا وجه للاعتماد عليه في الاستحباب دون الوجوب. و هذا الكلام مؤاخذة على العبارة و غفلة عن مراد الأصحاب، و ليس الغرض الاعتماد على ما لا يعتمد عليه، بل الظاهر أن الغرض: أن الدليل لا ينحصر في قسمين: إما أن يكون حجة في المقامين أو لا يكون في المقامين، بل يجوز كون قسم من أقسامه ما يعتمد عليه في الندب و الكراهة دون الوجوب و الحرمة، لدليل دل على ذلك، بمعنى: قيام حجة عامة دالة مثلا على حجية الخبر الضعيف الذي لم يدل على حجيته شي‌ء من أدلة حجية أخبار الآحاد مطلقا في خصوص المندوب و المكروه، و عدم قيام دليل على حجيته فيما عداهما، فالمتبع إذا الدليل. لا يقال: إنه على هذا لا يسمى تسامحا في دليل المستحب، بل هو أخذ بالحجة، نظير حجية خبر العدل في فروع الدين دون أصوله. لأنا نقول: تسمية ذلك بالتسامح بملاحظة أمرين: أحدهما: ملاحظة الوجوب و التحريم، فإنه إذا لم يكن شي‌ء حجة فيهما و صار حجة في الندب و نحوه، فيكون هذا بعد اتحاد طبقة الأحكام الفرعية في أغلب المآخذ بمنزلة المسامحة، و يكون كأنهم اعتمدوا على ما لا ينبغي أن يعتمد عليه في الحكم الفرعي. و ثانيهما: أن الدليل الدال على حجية الدليل الضعيف في المندوب ينبئ عن نوع مسامحة في الباب، فكأن الشارع لم يبن الأمر في الاداب و السنن على المداقة كالأحكام اللازمة، فتدبر. و بعبارة اخرى: لما كان الأصحاب يتتبعون «1» في العمل بالخبر عن أحوال‌

______________________________
(1) في «م»: يتفحّصون.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 422‌

راويه عدالة و ضبطا، و عن سنده اتصالا و انقطاعا، و عن معارضاته بأي الأنحاء كانت و ذلك نوع مداقة في الأخذ بدليل الحكم و تركوا هذا البحث و التفتيش في السنن، و عملوا فيها بالضعاف و المراسيل مع معارضات كثيرة، سمي هذا تسامحا في مقابل تلك المداقة و إن كان دل عندهم دليل على كفاية هذا المقدار من دون فحص، فالمسامحة في الدليل بالنسبة إلى غيره، لا في دليل الدليل. و تنقيح المسألة أن يقال: إن الشبهة في الحكم الشرعي الموجبة للرجوع على قاعدة المسامحة باعتبار الأحكام الشرعية و أدلتها يتصور على صور: أحدها: دوران الاحتمال بين الإباحة و الوجوب. و 2 بينها و بين التحريم. و 3 بينها و بين الندب. و 4 بينها و بين المكروه. و 5 الاحتمال بين الوجوب و التحريم. و 6 بينه و بين الندب. و 7 بينه و بين المكروه. و 8 بين التحريم و الندب. و 9 بين التحريم و الكراهة. و 10 بين الندب و الكراهة. و صور الشك الثلاثي ستة، و الرباعي أربعة، و الخماسية «1» واحدة. و منشأ الشك: إما تعارض الدليلين أو الأدلة المعتبرة الدالة على هذه الأحكام، كدلالة الخبر الصحيح على إباحة شي‌ء، و الآخر على كراهته، و الثالث على استحبابه، و الرابع على وجوبه، و الخامس على تحريمه، و صور الاثنين و الثلاث و الأربع بالقياس.

______________________________
(1) كذا في النسخ، و المناسب: الخماسي.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 423‌

أو من جهة دلالة الأصل على الإباحة، و قيام دليل غير معتمد على أحد الأربعة، كالخبر الضعيف. أو من فتوى الفقيه بأحد الأربعة، مع قضاء الأصل بالإباحة. و مع قيام دليل صالح على أحد الخمسة من دون معارض محكوم بحجيته، فهو خارج عن مسألة التسامح. ثم إن المراد من التحريم المذكور في الصور المحتملة يراد به احتمال التحريم من حيث خصوصية محل الشك، لا التحريم التشريعي، إذ احتماله آت في صور الشك كافة، إذ هو عبارة عن: إدخال ما دل الدليل على خروجه من الدين في الدين، سواء كان الدليل اجتهاديا كاشفا عن الواقع أو تعليقيا ظاهريا كالأصول، فإن ما شك كونه من الدين فقضية الأصل عدم كونه منه. و بعبارة اخرى: كلما لم يثبت كونه من الدين فإدخاله في الدين تشريع محرم بالنص و الإجماع، و هو في جميع صور الشك متحقق، إذ الشك في أحد الأحكام الأربعة يوجب نفيها بالأصل فيخرج عن الدين، فالأخذ بأحدها تشريع لو لم يكن دليل على جواز الأخذ مع الشك. و بالجملة: احتمال الحرمة التشريعية في موارد قاعدة التسامح كافة متحقق. فنقول‌

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

القواعد الفقهية (بحر الفوائد)؛ ج‌2، ص: 65

[في الأخبار المستدل بها على التسامح في السّنن]

قوله قدس سره ثم إن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبرا ضعيفا لا حاجة إلى أخبار الاحتياط إلى آخره

أقول تحقيق المقام و توضيحه على وجه يرفع به غواشي الأوهام يحتاج إلى بسط في الكلام فلا بد أوّلا من نقل تمام ما وصل إلينا من الأخبار التي استدلوا بها على مسألة التسامح في السنن ثم التكلم ثانيا فيما يستفاد منها و الجهات التي وقع البحث عنها في كلماتهم منها ما رواه في المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من بلغه عن النبيّ صلى اللّٰه عليه و آله شي‌ء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له و إن كان رسول الله صلى اللّٰه عليه و آله لم يقله و عن البحار بعد ذكره أن الخبر من المشهورات رواه العامة و الخاصّة بأسانيده و منها ما في الوسائل نقلا عن المحاسن أيضا بسنده عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من بلغه من النبي صلى اللّٰه عليه و آله شي‌ء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيّ صلى اللّٰه عليه و آله كان له ذلك الثواب و إن كان النبي لم يقله و منها في الوسائل أيضا نقلا عن عدّة الداعي لابن فهد الحلي قال روى الصدوق عن محمّد بن يعقوب بطرقه عن الأئمّة عليهم السلام من بلغه شي‌ء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه و إن لم يكن الأمر كما نقل إليه و منها ما في الوسائل أيضا عن كتاب الإقبال لعليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام من بلغه شي‌ء من الخير فعمل به كان له ذلك و إن لم يكن الأمر كما بلغه و منها ما في الوسائل أيضا عن كتاب ثواب الأعمال لمحمّد بن علي بن بابويه بسنده عن عنوان البصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك و إن كان رسول الله صلى اللّٰه عليه و آله لم يقله و منها ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام من سمع شيئا من الثواب على شي‌ء فصنعه كان له و إن لم يكن على ما بلغه و منها ما عن الصافي أيضا عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه و إن لم يكن الحديث كما بلغه و منها ما عن طرق العامّة عن عبد الرحمن الحلواني رفعا إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال قال رسول اللّه صلى اللّٰه عليه و آله من بلغه من الله فضيلة فأخذ بها و عمل بها إيمانا باللّه و رجاء ثوابه أعطاه اللّه ذلك و إن لم يكن كذلك هذه ما وصلت إلينا من الأخبار و وفقنا عليه إذا عرفت ذلك فنقول إن المشهور بين الأصحاب بل العامة ثبوت التسامح في أخبار السنن بمعنى إثباتها بما لا يجتمع فيه شرائط حجية الخبر كل على مذهبه فيها بل عن غير واحد نقل الإجماع على ذلك فعن الذكرى أن أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم و عن عدّة الداعي لأحمد بن فهد بعد نقل الروايات المتقدّمة ما هذا لفظه فصار هذا المعنى مجمعا عليه بين الفريقين و عن الشيخ البهائي قدس سره في أربعينه نسبته إلى فقهائنا و عن الوسائل نسبته إلى الأصحاب مصرّحا بشمول المسألة لأدلّة المكروهات أيضا و عن بعض الأصحاب نسبته إلى العلماء المحقّقين إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في دعوى الإجماع و خالف فيه العلامة في الموضعين من محكي المنتهى و بعض الأخباريّين على ما حكى عنه طاعنا على الأصحاب من حيث ذهابهم إلى إثبات الاستحباب و الكراهة بالأخبار الضعيفة عندهم مع أنه لا تفصيل في مدرك الأحكام و صاحب المدارك حيث قال في أوّل كتابه بعد ذكر جملة من الوضوءات المستحبّة و ذكر ضعف مستندها ما لفظه و ما يقال من أن أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لأن الاستصحاب حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعيّ انتهى كلامه رفع مقامه بل ربما يستظهر المنع من الصدوق و شيخه ابن الوليد قال الصدوق في‌

القواعد الفقهية (بحر الفوائد)، ج‌2، ص: 66‌

كتاب الصّوم من الفقيه على ما حكي ما هذا لفظه و أمّا خبر صلاة غدير خم و الثواب المذكور لمن صامه فإن شيخنا محمد بن الحسن بن وليد لا يصحّحه و يقول إنه من طريق محمّد بن موسى الهمداني و كان غير ثقة و كلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ و لم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح انتهى كلامه رفع مقامه إذ لو جوّز التسامح لم يكن لهما داع إلى ردّ الخبر المذكور و أمّا المانعون فيكفيهم عدم الدليل على ما أشار إليه في المدارك و لا يحتاج إلى التمسّك باستصحاب العدم أو أصالة العدم أو عدم الدليل دليل العدم لأن الغرض ليس الحكم بعدم الاستحباب بل عدم الحكم به و يكفي فيه الأصل الأوّلي في غير العلم حقيقة و إليه يرجع ما في المدارك لا إلى التمسّك بالأصول المذكورة‌

[في أدلة المثبتين لاستحباب الفعل و ما فيها]

و أمّا المثبتون فيستدلّ لهم بوجوه أحدها ما عن الوحيد البهبهاني قدس سره و تبعه جماعة من حسن الاحتياط و رجحانه الثابت بالأدلّة الأربعة و قد عرفت الكلام فيه في الكتاب فإنه و إن ذكر فيه عنوان المسألة في العبادات المحتملة بالمعنى الأخص إلا أن الاحتياط بالتقرب بالأمر المحتمل بحيث يترتّب عليه أثر العبادة بقول مطلق لا يفرق فيه بين العبارتين على القول بتوقف العبادة على العلم بالأمر نعم جواز الفعل لا بداعي الأمر المحتمل أو بداعيه مع عدم الالتزام بترتّب آثار العبادة عليه ممّا لا شبهة فيه في غير العبادة بالمعنى الأخصّ و كيف ما كان الكلام في المقام في إثبات استحباب الفعل لا في إثبات حسن الاحتياط عقلا أو رجحانه شرعا و أدلّة الاحتياط لا تثبت هذا المعنى إلا بإثبات مقدّمتين إحداهما كون الأمر به مولويّا الثانية تجريد الاحتياط عن عنوانه على ما عرفته في الكتاب و هما في حيّز المنع على ما عرفت فهذا الوجه لا يثبت المقصود في المسألة و إنما يثبت رجحان الفعل بعنوان الاحتياط و لو لم يكن هناك خبر أصلا و هذا المعنى ممّا لا ينكره أحد ظاهرا ثانيها الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة المحققة و المنقولة من الخاصة و العامّة بل لو ادّعى أحد الإجماع المحقق في المسألة بملاحظتها و الفتاوي المحصّلة له بالتتبع يصدّق في دعواه بل لو ادّعى الاتفاق من غير صاحب المدارك كان مصدّقا لأنّ المحكيّ عن العلامة قدس سره الرجوع عما ذكره بل هو المحكي عن السيّد في المدارك في باب الصلاة أيضا و بالجملة دعوى الإجماع في المسألة ليست ببعيدة كلّ البعيد بعد ملاحظة ما عرفت ثالثها الأخبار المستفيضة التي عرفتها و فيها الصحاح و غيرها بل نفى شيخنا قدس سره في الرسالة التي أفردها في المسألة البعد عن دعوى تواترها معنى أو احتفافها بالقرائن الموجبة للقطع بصدورها التي منها الإجماعات المعتضدة بالشهرة العظيمة هذا و قد أورد على التمسّك بها بوجهين أحدهما ما يرجع إلى المنع عن التمسّك بها في المسألة مع تسليم صحتها سندا و دلالتها على المدّعى ثانيهما ما يرجع إلى المنع عن دلالتها و إن سلّم جواز التمسّك بها في المسألة أما الأول فلما قيل إن المسألة أصوليّة و لا يجوز التمسّك بأخبار الآحاد في الأصول و إن كانت صحيحة و إن جاز التمسّك بها في الفروع و أجيب عنه تارة بمنع كون الأخبار المذكورة من الآحاد المجردة و أخرى بمنع عدم جواز التمسّك بالآحاد في الأصول العمليّة فإن الممنوع عدم جواز التمسّك بها في الأصول الاعتقادية لا العمليّة و ثالثة بما ذكره غير واحد من المشايخ المتأخرين من أن مرجع البحث في المسألة ليس إلى إثبات حجيّة خبر الضعيف في السنن حتى يمنع منها من حيث كون المسألة أصوليّة فلا يجوز التمسّك بأخبار الآحاد فيها أو يستبعد ثبوتها بالخبر الضعيف من حيث إن أحكام الشرع لا يختلف من حيث المدرك فإن خبر الضعيف الغير المنجبر بالعمل ليس بحجّة مطلقا من غير فرق بين مفادها حتّى أنه لا يجوز إثبات الإباحة بها فضلا عن الاستحباب بل إلى إثبات استحباب كل فعل بلغ عليه الأجر و الثواب من النبيّ صلى اللّٰه عليه و آله أو الوصيّ الراجع إلى البلوغ عن اللّه تعالى و خبر الضعيف موجد و محدث لهذا العنوان الوجداني حقيقة فإن صدق البلوغ لا يتوقف على الحجيّة أصلا و من هنا تعدّى غير واحد و سرى المسألة إلى إثبات السنن بفتوى الفقيه أيضا بناء على تعميم البلوغ بالنسبة إلى الخبر الحدسيّ أيضا كما ستقف على شرح القول فيه في تنبيهات المسألة و كذا التزموا بإثبات الاستحباب فيما دلّ الخبر الضعيف على وجوب شي‌ء من حيث إنّ الإخبار عن الوجوب إخبار عن الثواب بالالتزام فالبحث يرجع إلى البحث عن مسألة فرعيّة كليّة و هو استحباب كل فعل بلغ فيه الخير و الدليل على هذا الحكم الفرعيّ الكلي الأخبار المتقدّمة الصحيحة المعمول بها و المثبت للصغرى بحكم الحسّ و الوجدان خبر الضعيف و أين هذا من التمسّك بخبر الضعيف لإثبات الأحكام الشرعيّة و هذا نظير جبر ضعف السند بالشهرة أو غيرها من الأمارات الغير المعتبرة على القول بأن الحجيّة الخبر المظنون الصدور مطلقا أو الدلالة كذلك فحصل بملاحظتها الظن بالصدور أو الدلالة فإنه لا يمكن أن يقال بالمنع عن ذلك من حيث إن الشهرة ليست بحجة مثلا فإن الحجّة في المسألة حقيقة الخبر بمقتضى ما دلّ على حجيّته و الشهرة إنّما يوجب وجود أمر وجداني فلا يتمسّك بها حقيقة و بالجملة فرق بين جعل خبر الضعيف حجّة في مدلوله من غير فرق بين مدلوله و بين تأثيره في أمر وجداني و هو الإخبار من‌

الثواب على الفعل و لو التزاما و إن كان مدلوله الوجوب مطابقة و الأوّل يتوقّف على إثبات حجيّته كالخبر الصحيح من غير فرق بينهما و الثاني لا يتوقف على حجيّته لكونه سببا له بحكم الوجدان فهذا نظير أن يقال إذا اختلف الأقوال في المسألة فافعل كذا فإن سببيّة كل قول لحدوث الاختلاف لا يتوقّف على حجيّته و هكذا و هذا نظير يد المسلم و الجهل بالطهارة في كلماتهم فإن الدليل على الملكيّة حقيقة ما دلّ على ملكيّة ما في يد المسلم و طهارة المجهول لا نفس اليد و الجهل حقيقة و الأولى جعل النظير ما دلّ‌

القواعد الفقهية (بحر الفوائد)، ج‌2، ص: 67‌

على وجوب الاحتياط في موارده و الأخبار الدالة على حرمة نقض اليقين بالشكّ في الشبهات الحكميّة فإن الشكّ في المكلّف به و سبق اليقين ليسا دليلا على الحكم الظاهري حقيقة و إنما هما من قبيل الموضوع له فكذا المقام فتدبّر هذا ملخّص ما يقال في تقريب الجواب الثالث و أورد عليه شيخنا قدس سره بوجوه أحدها كونه خلاف ظاهر كلمة القائلين بالتسامح فإن ظاهرها كما لا يخفى لمن راجع إليها جعل خبر الضعيف حجّة في السنن و الاستدلال لها به و جعل الأخبار المذكورة دليلا على حجيّة خبر الضعيف و من هنا ذكروا أنه يتسامح في أدلّة السنن و الفضائل ثانيها أن ما ذكروه يرجع عند التأمّل إلى التمسّك بالخبر الضعيف في باب السنن و جعله حجّة فيه إذ لا فرق بين أن يقال كل فعل دلّ خبر ضعيف على استحبابه فهو مستحبّ و بين أن يقال كل خبر ضعيف حجّة في إثبات الاستحباب فإن معنى حجيّة الشي‌ء في الأدلّة الظنّيّة جعله موضوعا للحكم الظاهري و وسطا لحكم متعلّقه ثالثها أنا نسلّم الفرق بين المعنيين و أن مرجع التسامح في السنن ليس إلى كون خبر الضعيف حجّة في مدلوله بحيث يصدّق فيه و يترتّب عليه أحكام بل إلى كون الخبر موجدا لموضوع بلوغ الثواب و الدليل على استحباب هذا الفعل الأخبار المتقدمة نظير احتمال التكليف الإلزامي الذي قضى بوجوب الاحتياط فيه ما دلّ على الاحتياط و نظير احتمال بقاء الثابت سابقا الذي قضى على البناء بالبقاء فيه الأخبار النّاهية عن نقض اليقين بالشك كما ذكروه‌

________________________________________
آشتيانى، ميرزا محمد حسن بن جعفر، القواعد الفقهية (بحر الفوائد)، 2 جلد، انتشارات كتابخانه آية الله مرعشى نجفى - ره، قم - ايران، اول، 1403 ه‍ ق

تقیه

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌5، ص: 47

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 47‌

47- قاعدة التقية

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 49‌

قاعدة التقية «1» و من جملة القواعد الفقهيّة عند الإماميّة الاثنى عشريّة «قاعدة التقيّة» و هي قاعدة مشهورة معروفة.

و البحث فيها من جهات: الجهة الأولى في المراد منها أقول: التقيّة اسم مصدر من تقى يتقي أو من اتّقى يتّقى، و على كلّ تقدير سواء كان من الثلاثي أو من المزيد أصل المادة من اللفيف المفروق، و الحرف الأوّل واو، و الثالث ياء فقلبت الواو تاء كما في تجاه و تراث، فبناء على هذا لا فرق من حيث المعنى بين التقيّة و الاتّقاء إلّا ما هو من الفرق بين المصدر و اسمه.

هذا بناء على أن تكون التقيّة اسم المصدر، و أمّا بناء على أن تكون هي المصدر الثاني لاتّقى فلا فرق بينهما أصلا.

و على أيّ واحد من التقديرين هي عبارة عن إظهار الموافقة مع الغير في قول أو فعل أو ترك فعل يجب عليه حذرا من شرّه الذي يحتمل صدوره بالنسبة إليه، أو‌

______________________________
(1). «القواعد و الفوائد» ج 2، ص 155- 157؛ «الأقطاب الفقهيّة» ص 98؛ «الأصول الأصليّة و القواعد الشرعيّة» ص 317؛ «الرسائل الفقهيّة» (الشيخ الأنصاري) ص 71؛ «مناط الأحكام» ص 26؛ «أصول الاستنباط بين الكتاب و السنّة» ص 121؛ «القواعد» ص 93؛ «القواعد الفقهيّة» (مكارم الشيرازي) ج 1، ص 383؛ «ما وراء الفقه» ج 1، ص 108.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 50‌

بالنسبة إلى من يحبّه مع ثبوت كون ذلك القول أو ذلك الفعل أو ذلك الترك مخالفا للحقّ عنده.

إذا تبيّن المراد من التقيّة، فنقول:

تارة: نتكلّم في التقيّة من حيث الحكم التكليفي و أنّه يجوز أم لا يجوز.

و أخرى: من حيث ترتّب آثار ما هو الواقع و الحقّ على هذا الفعل أو الترك بواسطة إذن الشارع في الإتيان أو الترك المخالفين للواقع.

و ثالثة: في أنّه هل تترتّب على ذلك الفعل أو الترك المخالفين للحقّ الآثار الشرعيّة التي رتّبها الشارع عليهما لو صدرا عنه بالاختيار و بميله من دون تقيّة، أو صدورها تقيّة يوجب رفع تلك الآثار.

فالتكلّم في التقيّة في مقامات ثلاث:

المقام الأوّل في بيان حكمها التكليفي و أنّه يجوز أو لا يجوز

أقول: لا شكّ في جوازه، بل وجوبه في بعض الأحيان. و جوازه من القطعيّات و اليقينيّات إجماعا و كتابا و سنّة.

أمّا الإجماع، فوجوده و عدم حجيّته معلوم؛ لكون اعتمادهم على تلك المدارك القطعيّة، فليس من الإجماع المصطلح.

و أمّا الكتاب، فقوله تعالى لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّٰهِ الْمَصِيرُ «1» و قوله تعالى:

______________________________
(1). آل عمران (3): 28.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 51‌

مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1».

أمّا الروايات، ففوق حدّ الاستفاضة بل لا يبعد تواترها معنى، و قد عقد في الوسائل أبوابا لها في كتاب الأمر بالمعروف نذكر بعضها:

منها: ما في الكافي عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ قول اللّه عزّ و جل أُولٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمٰا صَبَرُوا قال: بما صبروا على التقيّة وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ «2» قال: الحسنة التقيّة و الإساءة الإذاعة» «3».

و أيضا في الكافي أيضا عن هشام بن سالم، عن أبي عمرو، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا أبا عمرو تسعة أعشار الدين التقيّة، و لا دين لمن لا تقيّة له» «4».

أيضا عن الكافي عن معمّر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن القيام للولاة؟ فقال: قال أبو جعفر: «التقيّة من ديني و دين آبائي، و لا إيمان لمن لا تقيّة له» «5».

أيضا عن الكافي عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: «كان أبي عليه السّلام يقول: و أيّ شي‌ء أقرّ لعيني من التقيّة، إنّ التقيّة جنّة المؤمن» «6».

أيضا عن الكافي عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

______________________________
(1). النحل (16): 106.

(2). القصص (28): 54.

(3). «الكافي» ج 2، ص 217، باب التقيّة، ح 1؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 459؛ أبواب الأمر و النهى، باب 24، ح 1.

(4). «الكافي» ج 2، ص 217، باب التقيّة، ح 2؛ «المحاسن» ص 259، ح 309؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 460، أبواب الأمر و النهى، باب 24، ح 3.

(5). «الكافي» ج 2، ص 219، باب التقيّة، ح 12؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 460، أبواب الأمر و النهى، باب 24، ح 3.

(6). «الكافي» ج 2، ص 220، باب التقيّة، ح 14؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 460، أبواب الأمر و النهى، باب 24، ح 4.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 52‌

«التقيّة ترس المؤمن، و التقيّة حذر المؤمن، و لا إيمان لمن لا تقيّة له» «1».

أيضا عن الكافي عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اتّقوا على دينكم و احجبوه بالتقيّة، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له» «2».

أيضا عن الكافي عن حبيب بن بشير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «سمعت أبي يقول: لا و اللّه ما على وجه الأرض شي‌ء أحبّ إلى من التقيّة، يا حبيب إنّه من كانت له تقيّة رفعه اللّه، يا حبيب من لم تكن له تقيّة وضعه اللّه، يا حبيب إنّ الناس إنّما هم في هدنة، فلو قد كان ذلك كان هذا» «3».

أيضا عن الكافي عن حريز، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لٰا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ قال عليه السّلام: «الحسنة التقيّة و الإساءة الإذاعة» «4».

أيضا عن الكافي عن هشام بن سالم، عن أبي عمرو الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث أنّه قال: «يا أبا عمرو أبى اللّه إلّا أن يعبد سرّا، أبى اللّه عزّ و جلّ لنا و لكم في دينه إلّا التقيّة» «5».

أيضا عن الكافي عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّما تقارب هذا‌

______________________________
(1). «الكافي» ج 2، ص 221، باب التقيّة، ح 23؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 461، أبواب الأمر و النهى، باب 24، ح 6.

(2). «الكافي» ج 2، ص 218، باب التقيّة، ح 5؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 461، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 7.

(3). «الكافي» ج 2، ص 217، باب التقيّة، ح 4؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 461، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 8.

(4). «الكافي» ج 2، ص 218، باب التقيّة، ح 6؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 461، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 9.

(5). «الكافي» ج 2، ص 217، باب التقيّة، ح 3؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 462، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 10.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 53‌

الأمر كان أشدّ للتقيّة» «1».

أيضا عن الكافي عن ابن مسكان عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «التقيّة ترس اللّه بينه و بين خلقه» «2».

و لا يحتاج دلالة هذه الأخبار على جواز التقيّة إلى البيان و الشرح و الإيضاح؛ لكونه في غاية الوضوح.

نعم ذكر شيخنا الأعظم الأنصاري قدّس سرّه في رسالته المعمولة في التقيّة أنّها تنقسم إلى الأحكام الخمسة «3».

و خلاصة كلامه في تصوير انقسامها إلى الأحكام الخمسة: أنّ الواجب ما يكون لدفع ضرر متوجّه إليه من النفس أو العرض بحيث يكون دفعه واجبا، و لا يدفع ذلك الضرر الواجب الدفع إلّا بالتقيّة، فتكون واجبة.

و المستحبّ ما كان موجبا للتحرّز عن كونه معرضا للضرر، بمعنى أنّه من الممكن أن يكون تركها مفضيا إلى الضرر تدريجا، كترك المداراة مع المخالفين، و هجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنّه ينجرّ غالبا إلى حصول المباينة الموجبة للمعاداة التي تترتّب عليها الضرر غالبا، فالحضور في جماعاتهم و العمل على طبق أعمالهم تقيّة مستحبّ لأجل هذه الغاية، و إن لم يكن ضرر فعلا في تركها.

و المباح ما كان التحرّز عن الضرر بالتقيّة و تركه بعدم التقيّة متساويان في نظر الشارع؛ لكون مصلحة التقيّة و تركها متساويتين، كما قيل في إظهار كلمة الكفر حيث أنّ في فعل التقيّة مصلحة، و في تركها أيضا مصلحة إعلاء كلمة الإسلام، و فرضنا أنّ‌

______________________________
(1). «الكافي» ج 2، ص 220، باب التقيّة، ح 17؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 462، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 11.

(2). «الكافي» ج 2، ص 220، باب التقيّة، ح 19؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 462، أبواب الأمر و النهى، باب 24، ح 12.

(3). «المكاسب» ص 320.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 54‌

مصلحة حفظ النفس التي في التقيّة مع مصلحة إعلاء كلمة الإسلام التي في تركها متساويتان.

و المحرّم كما في الدماء، فقتل المؤمن في مورد لا يستحقّ القتل تقيّة حرام بلا كلام.

و المكروه ما يكون ضدّه أفضل.

هذا ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه في انقسام التقيّة إلى الأحكام الخمسة.

و في بعضها خصوصا الأخير تأمّل واضح؛ لأنّ ترك المستحبّ ليس بمكروه، مع أنّ نقيضه أفضل، فلو كانت الحركة من بلد أفضل من الوقوف فيه، فهذا لا يلازم كون الوقوف مكروها، فالأولى التمثيل للمكروه بما ذكره الشهيد قدّس سرّه و هو التقيّة بإتيان ما هو مستحبّ عندهم، مع عدم خوف الضرر لا عاجلا و لا آجلا إذا كان ذلك الشي‌ء مكروها واقعا، و إلّا لو كان حراما فالتقيّة بإتيانه لموافقتهم حرام.

هذا ما ذكروه، و لكن الذي يظهر من الأخبار المستفيضة بل المتواترة هو استحباب التقيّة بل وجوبها- بموافقتهم عملا بل فتوى- فيما إذا احتمل ترتّب ضرر على نفسه، أو على إخوانه المؤمنين.

و هذا الذي قلنا من استحباب التقيّة أو وجوبها كان في الأزمنة السابقة في أيّام سلاطين الجور الذي ربما كان تركها ينجر إلى قتل الإمام عليه السّلام أو إلى قتل جماعة من المؤمنين، و أمّا في هذه الأزمنة بحمد اللّه حيث لا محذور في العمل بما هو الحقّ و مقتضى مذهبه في العبادات و المعاملات، فلا يوجد موضوع للتقية.

نعم إذا تحقّق موضوع التقيّة في زمان أو مكان، فالواجب منها لا يعارض بأدلّة الواجبات و المحرّمات، و ذلك لحكومة دليل وجوب التقيّة على تلك الأدلّة كما هو الشأن في سائر أدلّة العناوين الثانوية بالنسبة إلى أدلّة العناوين الأوّلية، و ذلك كأدلّة نفي العسر و الحرج و الضرر بالنسبة إلى الأدلّة الأوّلية حيث أنّها حاكمة على الأدلّة الأوّلية بالحكومة الواقعية، إلّا في حديث الرفع بالنسبة إلى خصوص ما لا يعلمون،

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 55‌

فإنّ حكومته على الأدلة الأوّلية حكومة ظاهريّة.

المقام الثاني

و هو المهمّ في المقام، و هو أنّه هل تترتّب آثار الواقع و الحقّ على هذا الفعل أو الترك المخالف للحقّ بواسطة إذن الشارع في ذلك الفعل الذي يفعله لأجل التقيّة أو إذنه في ترك أمر لأجلها، أو لا تترتّب؟

ثمَّ التكلّم في ترتّب آثار الواقع و ما هو الحقّ تارة بالنسبة إلى خصوص أثر القضاء و الإعادة، و أنّ ذلك الفعل المخالف للواقع و الحقّ هل هو مجز و لا إعادة عليه لو ارتفعت التقيّة في الوقت، و لا قضاء إذا ارتفعت في خارج الوقت، أم ليس بمجز بل تجب الإعادة بعد ارتفاع التقيّة في الوقت، بحيث يمكن إتيان ما هو الواقع في الوقت، و يجب القضاء لو ارتفعت التقيّة في خارج الوقت.

و أخرى: بالنسبة إلى سائر آثار الصحّة، مثل أنّه لو توضّأ بالوضوء تقيّة من الأسفل إلى الأعلى في غسل اليدين أو غسل الرجلين بدل مسحهما، فهل يترتّب عليه أثر الوضوء الصحيح و الواقعي من رفع الحدث بحيث لو ارتفعت التقيّة لا يحتاج إلى الوضوء ثانيا على نهج الحقّ للصلوات الأخر، أم لا؟

أمّا القسم الأوّل: أي ترتّب الأثر عليه من حيث الإجزاء و سقوط الإعادة و القضاء.

فالتحقيق فيه: أنّ كلّ فعل واجب من الواجبات إذا أتي به موافقا لمن يتّقيه و كان مخالفا للحقّ في بعض أجزائه و شرائطه، بل و في إيجاد بعض موانعه، فإن كان مأذونا من قبل الشارع في إيجاد ذلك الواجب بعنوان أنّه واجب للتقيّة فهو مجز عن الواقع، و لا يجب عليه الإعادة إذا ارتفع الاضطرار في الوقت، و لا القضاء إذا ارتفع في خارج‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 56‌

الوقت؛ و ذلك لما حقّقنا في كتابنا «منتهى الأصول» «1» في مبحث الإجزاء أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الثانوي مجز عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي، سواء كان رفع الاضطرار في الوقت، أو في خارج الوقت.

و لا فرق في كونه مأذونا بين أن يكون الرخصة و الإذن بعنوان ذلك الواجب بخصوصه، كما أنّه ورد الإذن في خصوص المسح على الخفّين في صحيح أبي الورد:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليا عليه السّلام أنّه أراق الماء ثمَّ مسح على الخفيّن، فقال عليه السّلام: «كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول عليّ عليه السّلام فيكم: سبق الكتاب المسح على الخفين؟» فقلت: هل فيهما رخصة؟ فقال عليه السّلام: «لا إلّا من عدوّ تتّقيه، أو ثلج تخاف على رجليك» «2».

أو كان بعنوان عامّ يشمل جميع الواجبات، كقوله عليه السّلام: «التقيّة من ديني و دين آبائي» «3» و كذلك قوله عليه السّلام: «التقيّة في كلّ شي‌ء إلّا في ثلاث: شرب النبيذ، و المسح على الخفّين، و متعة الحجّ» «4».

و دلالة هذه الروايات الكثيرة التي هي فوق حدّ الاستفاضة على الإذن و الرخصة في امتثال الواجبات موافقة للمخالفين تقيّة منوطة بأن يكون المراد من التقيّة الواردة فيها هو العمل الذي يأتي به تقيّة، أي ما يتّقى به.

و ظهور لفظ «التقيّة» في هذا المعنى لا يخلو من نظر؛ لأنّ التقيّة كما تقدّم مصدر أو‌

______________________________
(1). «منتهى الأصول» ج 1، ص 242.

(2). «تهذيب الأحكام» ج 1، ص 362، ح 1092، باب صفة الوضوء و الفرض منه، ح 22؛ «الاستبصار» ج 1، ص 76، ح 236، باب جواز التقية في المسح على الخفّين، ح 1؛ «وسائل الشيعة» ج 1، ص 322، أبواب الوضوء، باب 38، ح 5.

(3). «الكافي» ج 2، ص 219، باب التقيّة، ح 12؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 460، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 3.

(4). «الكافي» ج 3، ص 32، باب مسح الخف، ح 2؛ «وسائل الشيعة» ج 11؛ ص 469، أبواب الأمر و النهي، باب 25، ح 5.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 57‌

اسم مصدر و بمعنى الاتّقاء، فكون الاتّقاء من الدين أي: يجب الاتّقاء.

و هكذا قوله عليه السّلام: «لا دين لمن لا تقيّة له» «1» أي: لا دين لمن ترك التقيّة و يلقى نفسه في الهلكة، و هذا غير أن يكون ما يتّقى به من العمل الموافق لهم المخالف للحقّ من الدين.

و يمكن أن يكون نظر المحقّق الثاني «2» قدّس سرّه في التفصيل الذي ذكره- بين الإذن في إتيان واجب بخصوصه تقيّة، أي موافقا مع من يخاف منه و إن كان مخالفا للحقّ في نظره، فيكون مجزيا فلا إعادة عليه و لا القضاء بعد رفع الخوف؛ و بين ما إذا كان الواجب الذي يأتي به تقيّة لم يرد في إتيانه بذلك الوجه المخالف للحقّ إذن و رخصة بالخصوص، بل ليس في البين إلّا تلك الأخبار العامّة الآمرة بلزوم التقيّة بقوله عليه السّلام:

«التقيّة من ديني و دين آبائي» «3»، و رواية المعلّى بحذف «من»، و هي رواية أخرى، و الرادعة عن تركها بقوله عليه السّلام: «لا دين لمن لا تقيّة له» «4»- إلى هذا الذي ذكرنا من كون نظر الأخبار العامّة إلى لزوم الاتّقاء و وجوبه و حرمة تركه و إلقاء نفسه في الهلكة، و إلّا فأيّ فرق بين أن يكون الإذن و الرخصة بصورة القضيّة الشخصيّة الخارجيّة، بصورة القضيّة الكلّية الحقيقيّة.

و الإنصاف: أنّه لا يمكن إسناد مثل هذا إلى مثل ذلك المحقّق الذي هو من أعاظم أساطين الفقه.

و على كلّ حال إذا صدر إذن من قبل الشارع بإتيان واجب بخصوصه أو الواجبات عموما بصورة عامّة موافقا معهم، و إن كان مخالفا للحقّ من جهة الخوف‌

______________________________
(1). سبق ذكره في ص 51، رقم (4).

(2). «رسائل المحقق الكركي» ج 2، ص 51.

(3). سبق ذكره في ص 51، رقم (5).

(4). «الكافي» ج 2، ص 223، باب الكتمان، ح 8؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 485، أبواب الأمر و النهي، باب 32، ح 6.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 58‌

على نفسه، أو عرضه، أو ماله، أو الخوف على غيره كذلك، يكون إتيانه مجزيا عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ثانيا لما ذكرنا.

هذا كلّه إذا صدر الإذن بامتثال الواجب الموسّع موافقا للمخالفين بمجرّد تحقّق التّقية، و أمّا لو لم يصدر إذن من قبله بذلك، فهل يشمل الأوامر المطلقة الأوّلية المتعلّقة بالواجبات لمثل هذا الفرد المخالف للحقّ و الواقع، بضميمة أوامر وجوب استعمال التقيّة في مقام الامتثال و حرمة تركها، أم لا؟

فإن قلنا بالأوّل و شمولها لمثل ذلك الفرد، فيكون أيضا مجزيا، و لا يحتاج إلى القضاء و الإعادة بعد ارتفاع الخوف و الاضطرار، و يكون حاله حال ما ورد الإذن بفعله موافقا لهم، بل هو هو.

و أمّا إن قلنا بعدم شمولها له، فما أتى به تقيّة ليس بمجز قطعا؛ لأنّه لم يأت بما هو المأمور به، و جواز التقيّة أو وجوبه لا أثر له في هذا المقام.

نعم لو ورد دليل خاصّ على أنّ هذا الفاقد للشرط أو الجزء، أو هذا العمل وجه فيه المانع مجز عن الواقع فهو، و إلّا فصرف جواز الإتيان بواسطة الخوف لا يوجب سقوط الإعادة و القضاء إذ مقتضى إطلاق دليل ذلك الجزء، أو ذلك الشرط، أو ذلك المانع عدم اختصاصه بحال الاختيار، بحيث إذا لم يتمكّن من إتيانه في الجزء أو الشرط أو من تركه في المانع يسقط التكليف لعدم القدرة شرعا على إتيان ما هو المأمور به واقعا.

نعم لو لم يكن لدليل ذلك الشرط أو الجزء أو ذلك المانع إطلاقا يثبت جزئيّته أو شرطيّته أو مانعيّته في ذلك الحال، أو كان مفاد أدلّتها تقييدها بحال التمكّن، و كان لدليل ذلك العمل المركّب إطلاق بالنسبة إلى حالتي وجود ذلك القيد و عدمه، و تعذّره و عدمه، فنفس دليل ذلك الواجب المركّب يوجب صحّة ذلك العمل الذي هو فاقد الجزء أو الشرط أو هو واجد للمانع.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 59‌

و لا فرق بين أن يكون تعذّر القيد فعلا أو تركا من جهة التقيّة، أو من جهة أخرى من أنواع الاضطرار إلى الفعل أو الترك؛ لأنّ المناط في الجميع واحد، و هو عدم القدرة على الإتيان بالمأمور به الواقعيّ. و قد حرّرنا المناط في كتابنا «منتهى الأصول» «1» إن شئت فراجع.

نعم سنتكلّم في أنّ أمر التعذّر من جهة التقيّة أوسع من التعذّر من الجهات الأخر، و عمدة ذلك هو أنّ التقيّة شرّعت لأجل حفظ دماء المتّقين، و لذلك لا يعتبر فيها عدم وجود المندوحة، كما سنبيّن إن شاء اللّه تعالى.

و على كلّ حال الذي يسهل الخطب و يثبت إجزاء فاقد الشرط أو الجزء أو واجد المانع هو عمومات بعض أخبار التقيّة، كقوله عليه السّلام: «التقيّة ديني و دين آبائي» في رواية المعلّى أو: «من ديني و دين آبائي» كما في سائر الطرق، بناء على أن يكون المراد من التقيّة هو العمل الموافق لهم المخالف للحقّ، أي ما يتّقى به، لا الاتّقاء كما هو ظاهر اللفظ.

و أمّا الاستدلال للإجزاء برواية مسعدة بن صدقة بقوله عليه السّلام فيه: «فكلّ شي‌ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد فإنّه جائز» «2» لا يخلو من تأمّل؛ لأنّ ظاهر قوله عليه السّلام «فإنّه جائز» هو الجواز تكليفا، و هذا لا ربط له بالإجزاء، و إلّا فهذا المعنى قطعيّ و لا كلام فيه من أحد، نعم قيّد عليه السّلام الجواز بما لا يؤدّي إلى الفساد، و إلّا لو أدّى إليه فلا يجوز حتّى تكليفا.

فالعمدة في دلالة روايات التقيّة على الإجزاء هو الذي قلنا من كون التقيّة دينا أنّه يرجع إلى أنّه حكم واقعي ثانوي، و قد أثبتنا كونه مجزيا في مبحث الإجزاء في‌

______________________________
(1). «منتهى الأصول» ج 1، ص 244.

(2). «الكافي» ج 2، ص 168، باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان و ينقضه، ح 1؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 469، أبواب الأمر و النهي، باب 25، ح 6.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 60‌

الأصول «1»، و قلنا إنّه متوقّف على أن يكون المراد من التقيّة هو العمل الذي يتقى به، لا الاتّقاء بالعمل، و لا يبعد ذلك، فيكون كالوصيّة بمعنى ما أوصى به، فكما أنّ الوصيّة اسم مصدر للإيصاء و قد يجي‌ء بمعنى الموصى به، فلتكن التقيّة أيضا كذلك.

و خلاصة الكلام: أنّ الأخبار العامّة و الخاصّة تدلّ على أنّ إتيان الواجبات موافقة للمخالفين و إن كانت مخالفة للحقّ قد أذن و رخّص فيه الشارع، فلا ينبغي الشكّ في أنّها مجزية عن الواقع الأوّلي، و لا يجب إعادتها و لا قضاؤها بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن.

و لكن هذا الذي قلنا- بأنّ الإتيان بالواجبات موافقة لمذهبهم مع كونها مخالفة للحقّ للتقيّة مجز عن الإتيان بما هو الحقّ بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن- يكون فيما إذا كانت المخالفة في المذهب، بمعنى أنّ الاختلاف يكون بين المذهبين في أجزاء الواجبات، أو شرائطها، أو موانعها، أو كيفيّة أدائها، و إن شئت قلت: فيما إذا كان الاختلاف في نفس الحكم الشرعي، لا فيما إذا كان الاختلاف فيما هو مصداق لموضوع الحكم الشرعي.

مثلا لا خلاف بينهما في وجوب الإفطار في يوم أوّل شوّال، أي يوم عيد الفطر.

فإذا وقع الاختلاف في مصداق هذا اليوم فحكم حاكمهم بأنّ يوم الجمعة مثلا عيد استنادا إلى ثبوت رؤية الهلال ليلتها، فإذا علمنا بعدم مطابقة هذا الحكم للواقع و خطأ الحاكم أو الشهود، فلا تشمل أدلّة إجزاء التقيّة مثل هذا المورد.

فإذا قامت حجّة شرعيّة من علم أو علمي- و إن كان هو الاستصحاب- على أنّ هذا اليوم من شهر رمضان، فالإفطار في ذلك اليوم و إن كان جائزا إذا كان لخوف الضرر على نفسه أو ماله أو عرضه، أو كان في الصوم فيه حرج، و لكن لا يكون مجزيا، فيجب قضاء ذلك اليوم، كما هو الظاهر من مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي‌

______________________________
(1). «منتهى الأصول» ج 1، ص 249.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 61‌

عبد اللّه عليه السّلام قال: «دخلت على أبي العبّاس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام. ان صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام علىّ بالمائدة، فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان؛ فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر علىّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه» «1». و بهذا المضمون أيضا أخبار أخر «2».

فعلى هذا يجب عليه القضاء و إن قلنا بالإجزاء في المأتيّ به تقيّة، و ذلك لما ذكرنا أنّ ظاهر أدلّة التقيّة هو أنّ إتيان الواجب على وفق مذهب من يتقى عنه يكون مجزيا، و في المورد ليس الإفطار موافقا لمذهبهم؛ لأنّ مذهبهم أيضا أنّه لا يجوز الإفطار في نهار رمضان، و إنّما هو خطأ في التطبيق، و لا ربط له بأدلّة التقيّة.

هذا، مضافا إلى أنّه في المورد لم يأت بالواجب تقيّة، و إنّما تركه تقيّة، و أدلّة التقيّة بناء على دلالتها على الإجزاء أتى يكون فيما إذا بالواجب موافقا لمذهبهم، لا أنّه يترك إتيان الواجب رأسا لأجل التقيّة.

و كذلك لو حكم حاكمهم بأنّ يوم الجمعة مثلا هو اليوم التاسع من ذي الحجّة الذي يقال له يوم عرفة و هو يوم الوقوف في عرفات، و علم المكلّف بأنّه ليس اليوم التاسع، أو قامت حجّة شرعيّة على أنّه اليوم الثامن مثلا، و هو مضطرّ في الوقوف في اليوم الذي يعلم بأنّه ليس يوم عرفة، لعلمه بتقدّمه على ذلك اليوم أو تأخّره عنه، و لا يمكنه الوقوف في اليوم الذي قامت عنده الحجّة الشرعيّة على أنّه يوم عرفة، ففات عنه الوقوف في يوم عرفة، فلا يمكن القول بإجزاء ذلك الحجّ؛ لفوت الوقوف في عرفات يوم عرفة، و إن قلنا بأنّ إتيان الواجب موافقا لمذهبهم مجز؛ لأنّ الوقوف في‌

______________________________
(1). «الكافي» ج 4، ص 83، باب اليوم الذي يشكّ فيه.، ح 7؛ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 95، أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب 57، ح 5.

(2). راجع: «وسائل الشيعة» ج 7، ص 94، أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب 57: باب جواز الإفطار للتقيّة و الخوف من القتل و نحوه.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 62‌

يوم غير عرفة ليس موافقا لمذهبهم، و إنّما هو خطأ في التطبيق.

نعم يمكن تصحيح مثل هذا الحجّ بوجه آخر، و هو أنّ حاكمهم لو حكم بثبوت الهلال بشهادة من يكون شهادته معتبرة عندهم، و ليست معتبرة بحسب الواقع لفسقه أو لنصبه أو لجهة أخرى راجعة إلى الشبهة الحكميّة، بحيث يكون الحكم في مذهب الحقّ عدم قبول تلك الشهادة، و كان القبول في مذهب الحاكم، فحينئذ يكون عدم العمل بحكمهم قدحا في مذهبهم، فترك العمل يرجع إلى الاختلاف في المذهب.

فالعمل على وفق مذهبهم بالجري على طبق حكمهم للخوف من الضرر يكون كسائر موارد التقيّة التي أذن الشارع و رخّص فيها بعنوان ترخيص التقيّة، فلا فرق بين أن يأتي بالصلاة الناقصة تقيّة، أو يأتي بالحجّ الناقص تقيّة، فكما أنّه في الأوّل يكون ذلك العمل مجزيا عن الإتيان بالواقع ثانيا بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن، فكذلك الأمر في الثاني.

نعم يبقى الكلام في أنّه هل نفوذ حكم الحاكم عندهم و لزوم الجري على طبقه و عدم جواز مخالفته مخصوص بصورة الشكّ و الجهل بمطابقته للواقع، أو مطلق و يجب العمل على طبقه و لو كان مع العلم بمخالفته للواقع.

فبناء على الأوّل يكون إجزاؤه مختصّا بصورة الشكّ في ثبوت الهلال، و لا تشمل صورة العلم بالخلاف، و على الثاني يكون ذلك الحجّ الناقص مجزيا حتّى مع العلم بالخلاف.

و قد نسب إليهم نفوذ الحكم حتّى مع العلم بالخلاف و القول بالموضوعيّة التابعة للحكم، و لكنّه ينبغي أن يعدّ في جملة المضحكات، كما أنّه حكى أنّ أحد القضاة حكم بموت شخص كان غائبا مسافرا بشهادة الشهود، فلمّا رجع عن سفره رفع أمره إلى ذلك القاضي فحكم أن يدفن؛ لأنّه ثبت موته و ميّت المسلم يجب دفنه. و أنت خبير بأنّ أمثال هذه الحكايات بالمزاح أشبه، و كيف يمكن أن يتفوّه المسلم بهذا الكلام، مع‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 63‌

أنّه صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيّد ولد آدم و خير الخلائق أجمعين أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «إنّما أنا بشر و أنّه يأتيني الخصم فلعلّ بعضهم أن يكون أبلغ- و في بعض طرق الحديث «ألحن» بدل «أبلغ» و المعنى واحد- من بعض فأحسب أنّه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها» «1».

و خلاصة الكلام: أنّ القول بالموضوعيّة التامّة و وجوب نفوذ الحكم حتّى مع العلم بالخلاف لا ينبغي أن يسند إلى فقيه، و لا بدّ و أن يؤوّل إذا كان هذا ظاهر كلامه.

و أمّا في صورة الشكّ، فإن حكم الحاكم حجة عندنا و عندهم فإذا حكم حاكمهم بأنّ هذا اليوم مثلا يوم عرفة، فالموافقة معهم بالوقوف في عرفات في ذلك اليوم من جهة الخوف عنهم يصدق عليه أنّه الجري على طبق الحجّة عندهم، و لزوم الجري على طبق حكم حاكمهم هو من أحكام مذهبهم، كما كذلك عندنا أيضا، غاية الأمر أنّ هذا الحكم ليس واجدا لشرائط النفوذ عندنا، و لكن واجد لها عندهم، فيكون كسائر موارد التقيّة في الحكم الشرعي.

و أمّا الإيراد عليه: بأنّ الروايات الواردة في لزوم القضاء في مسألة الإفطار تقيّة مع أنّه في مورد حكم الحكم بأنّه يوم العيد ينفى الإجزاء، و ذلك كمرسلة رفاعة عن الصادق عليه السّلام قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام؟ فقلت: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه» «2» و روى بطرق أخر أيضا.

ففيه: أنّ قوله عليه السّلام: «و أنا أعلم بالإجزاء و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان» صريح‌

______________________________
(1). «وسائل الشيعة» ج 18، ص 169، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، باب 2، ح 3؛ «مستدرك الوسائل» ج 17: ص 366، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، باب 3، ح 4.

(2). «الكافي» ج 4، ص 83، باب اليوم الذي يشكّ فيه.، ح 7؛ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 95، أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب 57، ح 5.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 64‌

أنّه في مورد العلم بالخلاف و عدم مطابقة الحكم للواقع، و هذا الصورة بيّنّا أنّ الحكم ليست بحجّة عندهم أيضا، فلا يشمل مورد كلامنا الذي هو الشكّ.

فالإنصاف: أنّ القول بالإجزاء في مورد الشكّ في مطابقة حكمهم للواقع لا يخلو عن قوّة، و إن كان الاحتياط ما لم يبلغ إلى درجة الحرج الشديد و العسر الأكيد حسن على كلّ حال.

و ممّا استدلّ به على الإجزاء في مورد الشكّ هي السيرة المستمرّة من زمان الأئمّة عليهم السّلام إلى زماننا هذا في موافقة أصحابنا معهم في الوقوف في المشاعر العظام، مع وجود الشكّ في أغلب السنين، و لم يراجعوا إليهم عليهم السّلام في هذه المسألة، و لم يسألوا عن حكم الجري على طبق حكمهم، و لم ينقل عنهم إعادة حجهم، و هذا يدلّ على أنّ الإجزاء كان عندهم مفروغا عنه.

و أمّا ادّعاء أنّهم سألوا و لكن لم يصل إلينا فقول بلا دليل، بل لو كان لبان كسائر القضايا و الأحكام.

و القدر المتيقّن من هذه السيرة هو مورد الشكّ في مطابقة حكم الحاكم للواقع، فلا يشمل مورد العلم بالخلاف.

و لكن في ثبوت هذه السيرة تأمّل.

و ربما يستدلّ للإجزاء برواية أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام أنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و كان بعض أصحابنا يضحى فقال: «الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحى الناس، و الصوم يوم يصوم الناس» «1».

و تقريب الاستدلال بهذه الرواية أنّ قوله عليه السّلام: «الأضحى يوم يضحى الناس»‌

______________________________
(1). «تهذيب الأحكام» ج 4، ص 317، ح 966، باب الزيادات، ح 34؛ «وسائل الشيعة» ج 7، ص 95، أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب 57، ح 6.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 65‌

لا يمكن أن يكون إخبارا؛ لأنّ اليوم الذي يضحّى الناس قد يكون أضحى و قد لا يكون، مضافا إلى أنّه جواب سؤال الراوي عن حكم يوم الشكّ، فهو عليه السّلام بصدد الجواب عن هذا السؤال، فلا بدّ و أن يكون تنزيلا- من قبيل «الطواف بالبيت صلاة» «1»- فيكون مفاده أنّ يوم يضحى الناس يكون بمنزلة الأضحى الواقعي، يترتّب عليه آثار الأضحى الواقعي، فيكون إمضاء لحكمهم، فيجب ترتيب آثار الواقع على ما حكموا به.

و لكن أنت خبير بأنّ هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في هذا المعنى، إلّا أنّ سنده ضعيف، فإنّ أبا الجارود زياد بن منذر زيدي ينسب إليه الجارودية، و سمّى سرحوبا و سماّه بذلك أبو جعفر عليه السّلام، و سرحوب اسم شيطان أعمى يسكن البحر، و كان أبو الجارود مكفوفا أعمى القلب، هكذا ذكر العلامة قدّس سرّه في الخلاصة. «2» و قد قيل في حقّه:

إنّه كان كذّابا كافرا، فلا يمكن الاعتماد على هذه الرواية للخروج عن مقتضى القواعد الأوّلية.

و أمّا القسم الثاني: أي ترتيب آثار الصحّة غير الإجزاء و عدم لزوم الإعادة و القضاء، سواء كان في العبادات كالوضوء تقيّة- فهل يترتّب عليه رفع الحدث و حصول الطهارة الواقعيّة كي لا يحتاج إلى وضوء جديد بعد رفع الخوف و حصول الأمن- أو كان في المعاملات، فإذا أوقع معاملة موافقة لهم و مخالفة للواقع تقيّة فهل يترتّب عليها آثار الصحّة بعد ارتفاع التقيّة، أم لا؟

أقول: مقتضى القواعد الأوّليّة هو عدم ترتّب آثار الصحّة على تلك المعاملة أو ذلك الوضوء؛ و ذلك لأنّ موضوع الأثر شرعا هي العبادة أو المعاملة الصحيحتان، و المفروض أنّهما ليستا صحيحتين؛ إذ لا شكّ في أنّ الموضوع للطهارة الواقعيّة هو الوضوء الصحيح بحسب الواقع، و الوضوء تقيّة ليس وضوءا صحيحا بحسب الواقع،

______________________________
(1). «عوالي اللئالي» ج 1، ص 214، ح 70؛ و ج 2، ص 167، ح 3.

(2). «الخلاصة» ص 223.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 66‌

و إنّما أذن الشارع في إتيانه لأجل دفع الضرر عن نفسه أو ماله أو عرضه أو عن غيره ممّن يخصّه ذلك، فإذا ارتفع الخوف و لم يكن احتمال ضرر في البين، فلا وجه لاحتمال وجود الأثر الذي هو للوضوء الواقعي على هذا الفعل المسمّى بالوضوء عندهم، و هو ليس بالوضوء واقعا.

و كذلك لو أوقع نكاحا أو طلاقا على وفق مذهبهم تقيّة مع بطلانهما عندنا، فمع ارتفاع التقيّة و حصول الأمن لا وجه لاحتمال وجود آثار النكاح أو الطلاق الصحيحين، و هل الحكم بوجود أثرهما مع عدم صحّتهما إلّا من قبيل وجود الأثر بدون المؤثّر. و إن شئت قلت: هل هذا إلّا من قبيل وجود الحكم بدون الموضوع.

و أمّا جواز التقيّة بل لزومها في بعض الموارد على فرض أن يكون الفعل أتى به تقيّة مجزيا عن إتيان الواقع ثانيا بعد رفع التقيّة، لا يثبت وجود موضوع ذلك الأثر.

نعم لو كان موضوع الأثر هو الأعمّ من الوضوء الواقعي الأوّلي و الوضوء تقيّة مثلا، فلا شبهة في ترتّب ذلك الأثر لوجود موضوعه. لكن هذا خلاف الفرض، و كذلك لو كان الموضوع للأثر امتثال ذلك الأمر الثانوي.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا في القسم الأوّل من إجزاء ما أتى به تقية عن إتيان المأمور به بالأمر الواقعي ثانيا، هل يشترط فيه عدم وجود المندوحة، أم لا؟

الظاهر هو الثاني.

بيان ذلك: أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة: قول بعدم الاعتبار مطلقا، و ذهب إليه الشهيدان في البيان «1» و الروض «2». و قول بالاعتبار مطلقا، و ذهب إليه صاحب المدارك. «3»

______________________________
(1). «البيان» ص 48.

(2). «روض الجنان» ص 37.

(3). «مدارك الأحكام» ج 1، ص 231.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 67‌

و قول بالتفصيل بين ما إذا كان الفعل الذي يتقى به مأذونا بالخصوص، كالصلاة معهم، أو الوضوء مع المسح على الخفّين و أمثال ذلك فقال بعدم الاعتبار، و بين ما لم يأذن الشارع فيه بالخصوص فقال بالاعتبار.

و المراد من المندوحة هو تمكّن المكلّف من الإتيان بالفرد التامّ الأجزاء و الشرائط الفاقد للموانع، و ذلك بأن يأتي إمّا في زمان آخر من مجموع الوقت، و ذلك لا يكون إلّا في الواجب الموسّع، أو يأتي به في مكان آخر لا يخاف من عدوّ كي يتّقيه، أو يوهم الإتيان بشكلهم مع أنّه واقعا يأتي بما هو الحقّ عنده.

فالأوّل يسمّى بالمندوحة الطوليّة، و الثاني و الثالث بالمندوحة العرضيّة. و الطوليّة و العرضيّة في المقام بحسب الزمان، و قد عرفت أنّ هذا التقسيم لا يأتي إلّا في الواجب الموسّع.

إذا عرفت هذا فنقول: أمّا التفصيل الذي ذهب إليه المحقّق الثاني «1» قدّس سرّه فقد تقدّم أنّه لا وجه له أصلا؛ لأنّه أيّ فرق بين أن يكون إتيان الواجب موافقا لهم مأذونا بالخصوص، أو كان مأذونا بعنوان عامّ؛ لأنّ المناط في كلتا الصورتين صيرورته واقعيّا ثانويّا، و لذلك قلنا بالإجزاء و عدم الاحتياج إلى إعادته بعد ارتفاع التقيّة و حصول الأمن، فإن كان الإذن الخاصّ غير مشروط بعدم المندوحة، فليكن الإذن بعنوان العامّ أيضا كذلك.

أمّا تعليله للفرق بأنّ الإذن في التقيّة من جهة الإطلاق لا يقتضي أزيد من إظهار الموافقة مع الحاجة.

ففيه: أنّ الإذن في العمل الذي يتّقى به إن كان أمرا بالامتثال بتلك الصورة فيكون فردا اضطراريّا لطبيعة المأمور به، فيكون مجزيا عن الإعادة بعد رفع الاضطرار كما هو الشأن في الأوامر الواقعيّة الثانوية، فلا فرق بين الإذن بالخصوص و بين الإذن بالعموم‌

______________________________
(1). «رسائل المحقق الكركي» ج 2، ص 51.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 68‌

في ذلك.

و أمّا لو كان الإذن في العمل لأجل الفرار و الخلاص من شرّهم فقط، فالإذن الخاصّ أيضا لا يثبت به الإجزاء، و على كلّ حال الفرق بين الإذن الخاصّ و العامّ لا أثر له في هذا المقام، بل المناط كلّ المناط في المقام- بعد الفراغ عن أنّ الأمر بإتيان الواجب تقيّة مجز عن الإعادة و القضاء- هو أنّ هذا الأمر سواء كان بعنوان خاصّ أو عامّ هل هو مقيّد بعدم المندوحة و كونه مضطرّا إلى إيجاده تقيّة، أم لا بل مطلق من هذه الجهة.

فإن كان هناك دليل على التقييد يؤخذ به، و إلّا فمقتضى عمومات التقيّة و الإذن فيها- كقوله عليه السّلام: «التقيّة ديني و دين آبائي» «1» و أمثالها ممّا تقدّم ذكرها، بناء على ما ذكرنا من أنّ المراد من التقيّة هو الفعل الذي يأتي به تقيّة- هو عدم اعتبار عدم المندوحة.

نعم لا بدّ من صدق التقيّة في الأمر بها، و هو أن يكون إتيان الواجب الواقعي الأوّلي مظنّة الضرر، بحيث يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه؛ و ذلك لعدم تحقّق موضوع الأمر بها بدونه.

و لذلك لا بأس بالقول بالتفصيل بين ما يمكن له إيجاد المأمور به الأوّلى، بأنّ يوهمهم الموافقة من دونها، و بين ما لا يمكن ذلك، ففي الصورة الأولى يقال بالاعتبار دون الثانية. و لكن في الحقيقة هذا ليس تقييدا في التقيّة، بل محقّق لموضوعها.

و على كلّ حال هذه المطلقات تدلّ على مشروعيّة التقيّة و إن كان يمكن له أن يأتي بالفرد التامّ بانتقاله إلى مكان آخر، أو بتأجيل الإتيان به إلى زمان آخر، فليس جواز التقيّة و لا إجزاؤها عن الإعادة و القضاء مشروطا بعدم المندوحة العرضيّة، أي التمكّن من الإتيان بالفرد التامّ الأجزاء و الشرائط الفاقد للموانع المأمور به بالأمر‌

______________________________
(1). تقدّمت في ص 51، رقم (5).

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 69‌

الواقعي الأوّلي في عرض التقيّة، بأن ينتقل إلى مكان آخر لا خوف عليه، كما إذا انتقل من السوق إلى داره التي ليس فيها أحد يخاف منه، و لا مشروطا بعدم المندوحة الطوليّة، أي التمكّن من الإتيان بالمأمور به الواقعي الأوّلي في الزمان المتأخّر يرتفع التقيّة فيه.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ القول الأوّل و هو عدم اعتبار عدم المندوحة مطلقا الذي ذهب إليه الشهيدان في البيان «1» و الروض «2» هو الصحيح و هو المشهور.

و يدلّ على عدم اعتبار عدم المندوحة في جواز التقيّة و إجزائها عن إتيان الواقع الأوّلي بعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن، بعض الروايات:

منها: ما رواه العيّاشي بسنده عن صفوان، عن أبي الحسن عليه السّلام في غسل اليدين، قلت له يردّ الشعر؟ قال عليه السّلام: «إن كان عنده آخر فعل». «3» و المراد بالآخر من يتّقيه.

تقريب الاستدلال بهذه الرواية على عدم اعتبار عدم المندوحة هو تجويزه للتقيّة بصرف وجود شخص من هؤلاء الذين يخاف منهم، و إن كان يمكن أن يتستّر عنه، أو ينتقل إلى مكان آخر ليس هناك من يخاف منه، أو يوهمه الإتيان بمثل مذهبهم مع الإتيان بما هو الحقّ، أو يؤجّل العمل إلى زمان آخر لا موضوع للتقيّة فيه، و لا شكّ في إطلاق الرواية من هذه الجهات و لا مقيّد له في البين، فيجب الأخذ بإطلاقه.

و لا يخفى أنّ ردّ الشعر كناية عن الوضوء المنكوس؛ لأنّ ردّ الشعر من لوازمه، فالسؤال عن أنّ له ردّ الشعر، معناه أنّ له الوضوء المنكوس؟ فيجيب عليه السّلام بالجواز بدون أيّ تقييد. و أمّا قوله عليه السّلام: «إن كان عنده آخر» هو محقّق موضوع التقيّة، لا أنّه تقييد فيها.

______________________________
(1). «البيان» ص 48.

(2). «روض الجنان» ص 37.

(3). «تفسير العيّاشي» ج 1، ص 300، ح 54.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 70‌

و منها: ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، و فيه: «و تفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم على غير حكم الحق و فعله، فكلّ شي‌ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز» «1».

فقوله عليه السّلام «فإنّه جائز» حكم بجواز كلّ شي‌ء يعمل لأجل التقيّة، و هو مطلق غير مقيّد بعدم المندوحة، بل ظاهره جواز كلّ شي‌ء يعمل لمكان التقيّة و إن كان الفرار و التخلّص منها ممكنا بأحد الوجوه المتقدّمة.

و منها: ما ورد في الحثّ و الترغيب في حضور جماعتهم في الروايات الكثيرة، كرواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «من صلّى معهم في الصفّ الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الصفّ الأوّل» «2». و غيرها ممّا هو بهذا المضمون.

و لا شكّ في أنّ الروايات المطلقة الدالّة على جواز التقيّة و إجزاء ما يأتي به تقيّة عن الواجب الواقعي الأوّلي من دون تقييدها بعدم وجود المندوحة كثيرة، فلا يحتاج إلى تطويل المقام بذكر تلك الأخبار و التكلّم فيها، بل لا يمكن التقييد فيها بصورة عدم التمكّن من إيجاد صلاته في جميع وقتها إلّا في مكان يجب فيه التقيّة.

فالإنصاف: أنّه ليست التقيّة من قبيل سائر الموارد التي ينقلب التكليف فيها بواسطة الاضطرار، بل الأمر فيها أوسع؛ للمصالح التي فيها من حفظ النفوس و الأموال و الأعراض لشخصه و لجميع الشيعة، بل و للإمام عليه السّلام، و لعلّه لذلك أفردوها بالذكر عن سائر أقسام الاضطرار.

______________________________
(1). «الكافي» ج 2، ص 168، باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان و ينقضه، ح 1؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 469، أبواب الأمر و النهي، باب 25، ح 6.

(2). «الفقيه» ج 1، ص 382، باب الجماعة و فضلها، ح 1125؛ «وسائل الشيعة» ج 5، ص 381، أبواب صلاة الجماعة، باب 5، ح 1.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 71‌

و لكن للأخبار المذكورة معارضات ظاهرها أنّ جواز التقيّة و إجزاءها عن الواقع الأوّلي منوط بعدم وجود المندوحة.

منها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر المعروف بالبزنطي، عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام أسأله عن الصلاة خلف من تولّى أمير المؤمنين و هو يمسح على الخفّين؟ فكتب عليه السّلام: «لا تصلّ خلف من يمسح على الخفيّن، فإن جامعك و إيّاهم موضع لا تجد بدّا من الصلاة معهم، فأذّن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» «1».

و منها: رواية معمّر بن يحيى: «كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّة» «2».

و منها: المرسل المحكى عن الفقه الرّضوي عن العالم: «لا تصلّ خلف أحد إلّا خلف رجلين أحدهما من تثق به و بدينه و ورعه، و الآخر من تتّقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شنعته، فصّل خلفه على سبيل التقيّة و المداراة» «3».

و منها: ما عن دعائم الإسلام بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا تصلوا خلف ناصب و لا كرامة إلّا أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا و يشار إليكم، فصلّوا في بيوتكم، ثمَّ صلوا معهم، و اجعلوا صلاتكم معهم تطوّعا» «4».

و دلالة هذه الروايات على أنّ جواز التقيّة و إجزاءها عن الإعادة و القضاء بعد‌

______________________________
(1). «تهذيب الأحكام» ج 3، ص 276، ح 807، باب فضل المساجد و الصلاة فيها، ح 127؛ «وسائل الشيعة» ج 5، ص 427، أبواب صلاة الجماعة، باب 33، ح 2.

(2). «مستدرك الوسائل» ج 12، ص 258، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 2.

(3). «فقه الرضا» ص 14؛ «مستدرك الوسائل» ج 6، ص 457، أبواب صلاة الجماعة، باب 5، ح 3.

(4). «دعائم الإسلام» ج 1، ص 151؛ «مستدرك الوسائل» ج 6، ص 458، أبواب صلاة الجماعة، باب 6، ح 1.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 72‌

رفع التقيّة و حصول الأمن مشروط بعدم المندوحة في كمال الوضوح.

و لكن مقتضى الجمع عرفا بين هذه الأخبار و الأخبار المتقدّمة هو حمل هذه الأخبار على إمكان التخلّص في نفس وقت التقيّة، بدون التأجيل و تأخير امتثال الواجب إلى زمان ارتفاع التقيّة، أو بدون انتقاله إلى مكان آخر للفرار عن التقيّة، بل يمكن في نفس المكان و الزمان أن يأتي بالواقع الأوّلى، ففي مثل هذا المورد لا يجوز أن يتّقى بإتيان الواجب موافقا لهم.

فاشتراط عدم المندوحة بهذا المعنى ممّا لا بدّ منه، بل هو المشهور، خصوصا إذا كان من الممكن إيهامهم أنّه يوافقهم و يأتي بالواجب على طبق مذهبهم، مع أنّه لا يأتي إلّا على طبق ما هو الحقّ عنده.

و يشير إلى هذا المعنى بعض الروايات، كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: إنّي أدخل المسجد و قد صلّيت فأصلّي معهم فلا أحتسب بتلك الصلاة؟ قال: «لا بأس، و أمّا أنا فأصلّي معهم و أريهم أنّي أسجد و ما أسجد» «1».

و خلاصة الكلام: هو أنّ الشارع اهتمّ بأمر التقيّة كثيرا للمصالح المهمّة في نظره، و لذلك أمر المؤمنين بمعاشرتهم، و الحضور في مجامعهم، و عيادة مرضاهم كي لا يعرفوهم بالرفض فيؤذوهم، و بيّن لهم ما يترتّب على فعلهم الذي هو موافق معهم من الأجر العظيم و الثواب الجزيل كي يرغبوا في العمل موافقا لهم في الكمّ و الكيف لأجل حفظ دمائهم و أعراضهم و أموالهم.

فوسّع عليهم في أمر التقيّة بما لم يوسّع في غيرها من أنواع الاضطرار، بل أمرهم أن يحضروا مساجدهم و يصلّون معهم في الصفّ الأوّل، و قال عليه السّلام: «من حضر صلاتهم و صلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى مع رسول اللّه في الصفّ الأوّل».

______________________________
(1). «تهذيب الأحكام» ج 3، ص 269، ح 774، باب فضل المساجد و الصلاة فيها، ح 94؛ «وسائل الشيعة» ج 5، ص 385، أبواب صلاة الجماعة، باب 6، ح 8.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 73‌

فلا يمكن حمل الأخبار الظاهرة في اعتبار عدم المندوحة على ظاهرها، بل لا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها و التصرّف فيها بأحد التصرّفات، مثل حمل «أذّن لنفسك و أقم» في رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، و «صلّوا في بيوتكم» فيما رواه دعائم الإسلام و أمثال ذلك على الاستحباب، و إلّا فالقول باعتبار عدم المندوحة مطلقا في جواز التقيّة ينافي ذلك الاهتمام الذي ظهر من طرف الشارع في أمر التقيّة.

ففي رواية زيد الشحّام: «صلّوا في مساجدهم، و عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم و إن استطعتم أن تكونوا الأئمّة و المؤذّنين فافعلوا» الحديث «1».

و في رواية هشام الكنديّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال فيها: «صلّوا في عشائرهم، و عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم» الحديث «2».

نعم الذي يصحّ أن يقال هو أنّه لو كان متمكّنا حال الاشتغال بإيجاد الواجب موافقا لهم من تلبيس الأمر عليهم، و إيهامهم أنّه يفعل بمثل فعلهم و إن كان لم يفعل كفعلهم بنحو لا يكون منافيا للتقيّة و لا يترتّب عليه ضرر، لا عاجلا و لا آجلا، لا على نفسه و لا على غيره من طائفته، يجب عليه ذلك، و لا يجوز له أن يأتي بما هو خلاف الواقع الأوّلي.

فعدم المندوحة بهذا المعنى معتبر في التقيّة. لكن تقدّم أنّ هذا محقّق موضوع التقيّة، لا أنّه تقيّة أو تخصيص فيها، فالحقّ أنّ عدم المندوحة ليس معتبرا و قيدا في موضوع التقيّة.

______________________________
(1). «الفقيه» ج 1، ص 383، باب الجماعة و فضلها، ح 1128؛ «وسائل الشيعة» ج 5، ص 477، أبواب صلاة الجماعة، باب 57، ح 1.

(2). «الكافي» ج 2، ص 219، باب التقيّة، ح 11؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 471، أبواب الأمر و النهي، باب 26، ح 2.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 74‌

المقام الثالث

في أنّه هل تترتّب على ذلك الفعل أو الترك المخالفين للحقّ الآثار الشرعيّة التي رتّبها الشارع عليهما لو صدرا عنه بميله و اختياره، أم لا بل صدورهما من باب يوجب رفع تلك الآثار؟

مثلا بناء على أنّ الفقّاع خمر استصغره الناس، و أنّ الخمر نجس، يكون الفقّاع نجسا، فإذا استعمله تقيّة، أو توضأ به تقيّة بناء على جواز الوضوء بالمائع المضاف عندهم، فهل استعماله يوجب رفع أثر تنجيسه، فبعد ارتفاع الخوف و حصول الأمن لا يجب غسل موضع ملاقاته للمشروط بالطهارة، أم لا؛ لأنّ التقيّة لا يرفع الأثر الوضعي المترتّب على هذا الفعل؟

الظاهر هو ترتّب أثره عليه و عدم ارتفاع أثر ذلك الفعل بواسطة التقيّة، فينجّس ملاقي الفقّاع و النبيذ، و إن كان شربهما يجوز للتقيّة.

نعم لو جوّزنا الوضوء به تقيّة، فلا يجب إعادة الصلاة التي صلّاها بذلك الوضوء.

نعم لو شرب الفقّاع أو النبيذ تقيّة لا يحدّ، و ذلك من جهة أنّ هذا الأثر أخذ في موضوعه التعمّد و الاختيار.

فالضابط الكلّي هو أنّه لو كان موضوع الأثر في الفعل الذي يتّقى به هو ذلك الفعل مطلقا، سواء كان مختارا أو مضطرا، فيترتّب عليه ذلك الأثر، و إلّا لو كان مخصوصا بحال الاختيار، فلا يترتّب عليه إذا أتى به تقيّة، فتعمّد الأكل و الشرب في نهار رمضان موجب لبطلان صوم من وجب عليه الصوم و إن صدر منه تقية؛ و ذلك من جهة أنّ بطلان الصوم أثر تعمد الأكل و الشرب، سواء كان مختارا أو مضطرّا.

ثمَّ إنّ هاهنا أمورا يجب التنبّه عليها:

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 75‌

الأوّل:

لا فرق في مشروعيّة التقيّة بين أن يكون من يتّقيه من المخالفين أو من غيرهم؛ و ذلك من جهة وحدة المناط و الأدلّة فيهما، لأنّ الدليل على مشروعيّة التقيّة إمّا قاعدة الضرر أو الحرج، و معلوم أنّ كون امتثال الواجب موجبا للضرر أو الحرج لا فرق بين أن يكون الضرر و الحرج من ناحية المخالفين، أو من ناحية غيرهم من الطوائف المسلمة، أو من ناحية الكفّار؛ لأنّ مفاد دليل نفي الضرر و الحرج هو أنّ الحكم الذي يأتي من ناحيته الضرر أو الحرج منفيّ و غير مجعول في الإسلام.

و ذلك لما حقّقنا في محلّه أنّ دليل نفي الضرر و الحرج حاكم على أدلّة الأحكام الأوّليّة بالحكومة الواقعيّة في جانب المحمول. و المسألة نقّحناها في قاعدتي اللاضرر و اللاحرج مفصلا.

و أمّا الآيات كقوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً «1»، و قوله تعالى إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «2» و أمثال ذلك، فلا فرق بين كون من يتقى منه من الفرق المسلمة، أو كان من الكفّار.

و أمّا مفاد الروايات فهو مطلق من يخاف من ضرره؛ لأنّه قد تقدّم أن التقيّة هي الوقاية، و أصلها «وقيّة» كالوصيّة؛ فهو الاتّقاء، سواء كان من يتّقى منه كافرا أو مسلما.

و أمّا حكم العقل بلزوم حفظ النفس عن الهلكة، فمعلوم أنّه لا فرق بين أنّ يكون من يخاف منه على نفسه أو عرضه أو ماله في نظر العقل من الفرق المسلمة أو الكافرة.

نعم الآيات الواردة في حكم التقيّة غالبا تكون في مورد الكفّار، كما أنّ الأخبار الواردة في هذا الموضوع غالبا تكون في مورد الخوف من السلاطين الجائرة أو و لا تهم، و لكن العبرة بعموم الدليل، و خصوصيّة المورد لا توجب تخصيص الدليل، كما‌

______________________________
(1). آل عمران (3): 28.

(2). النحل (16): 106.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 76‌

هو المحقّق في الأصول، و إن كان الأحوط تخصيصها بالمخالفين؛ لاحتمال الانصراف.

الثاني:

أنّ ما ذكرنا من أنّ إتيان الواجب تقيّة موافقا لهم مجز عن الإتيان به ثانيا موافقا لما هو الحقّ- كما إذا صلّى متكتّفا، أو مع المسح على الخفّين، أو مع غسل الرجل بدل مسحها، بدون بسم اللّه في القراءة و أمثال ذلك- إنّما يكون فيما إذا أتى بالعمل الناقص موافقا لهم.

كما إذا صلّى بأحد الوجوه المذكورة، أو صام و أفطر قبل ذهاب الحمرة المشرقيّة أو قبل انتشارها فوق الرأس، أو حجّ و وقف في الموقفين موافقا لهم من دون استناده إلى أمارة شرعيّة أو عقليّة هلال ذي الحجّة في يوم كذا إذا كان شاكّا، لا أن يكون قاطعا بعدم كون الوقوف في يوم عرفة كما ذكرنا مفصّلا.

و ذلك لما ذكرنا أنّه أتى بما هو المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي، و هو مجز، كما حقّقنا المسألة في الأصول في مبحث الإجزاء.

و أمّا لو ترك الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي، و لم يكن إتيان المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي في البين، بل صرف ترك للأوّل لأجل التقيّة، فلا وجه للإجزاء؛ لأنّه لم يأت بشي‌ء كي يكون مجزيا. و إفطار الإمام الصادق عليه السّلام في الحيرة لأجل الخوف عن أبي العبّاس العباسي- الذي تقدّم ذكره- «1» الظاهر أنّه من هذا القبيل، فلا معنى لأن يكون مجزيا، و لعلّه لأجل ذلك قال عليه السّلام: «لأن أفطر يوما من رمضان فأقضيه» فالقضاء في هذا المورد لا بدّ منه، و لا يدلّ هذا على عدم كون التقيّة مجزيا.

الثالث:

أنّه لا شكّ في ثبوت موضوع التقيّة مع الخوف الشخصي، بمعنى أنّه يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله لو ترك الموافقة معهم، إذ هذا هو القدر المتيقّن من أدلّة‌

______________________________
(1). تقدّم ذكره في ص 61، رقم (1).

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 77‌

التقيّة. و أمّا لو يعلم أنّ من تركه التقيّة و الموافقة معهم لا يترتّب عليه ضرر على نفسه أو ماله أو عرضه، و لكن يوجب فعله المخالف للتقيّة معرفة المخالفين مذهب الشيعة، و أنّهم يطعنون بعد ذلك عليهم بأنّ مذهبهم كذا و كذا.

و الظاهر أنّ هذا أيضا يجب فيه التقيّة؛ لأنّ هذا ربما يكون موجبا لورود الضرر على نفس الإمام أو على الطائفة جميعا، و لعلّ هذا هو المراد من الإذاعة في أخبار التقيّة، فجعل عليه السّلام الإذاعة مقابل التقيّة، و قد تقدّم في ذيل رواية عبد اللّه بن أبي يعفور:

«اتّقوا على دينكم و احجبوه بالتقيّة» «1». و كما في ذيل رواية حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير قول اللّه عزّ و جلّ وَ لٰا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ «2» قال عليه السّلام: «الحسنة التقيّة، و الإساءة الإذاعة» «3».

و يظهر من هذه الروايات أنّ حجبهم عن معرفة الأحكام المختصّة بالمذهب و سترها عنهم مطلوب. و لعلّه إلى هذا يشير قوله عليه السّلام: «ليس منّا من لم يجعلها شعاره و دثاره» «4».

و الحاصل أنّه يفهم من الأخبار الكثيرة أنّه ليس أمر التقيّة دائرا مدار الخوف الفعلي.

الرابع:

إذا خالف التقيّة و أتى بالفعل المخالف معهم، كما أنّه لو صلّى مرسلا من دون التكفير، أو صلّى على التربة الحسينية، أو غير ذلك ممّا ينكرونها فهل يكون ذلك العمل باطلا؛ لأنّه خلاف التقيّة و منهيّ عنه، و النهي في العبادة يوجب الفساد، أم لا؛

______________________________
(1). «الكافي» ج 2، ص 218، باب التقيّة، ح 5؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 461، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 7.

(2). فصّلت (41): 34.

(3). «الكافي» ج 2، ص 218، باب التقيّة، ح 6؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 461، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 9.

(4). «الأمالي» للطوسي ج 1، ص 299؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 466، أبواب الأمر و النهي، باب 24، ح 28.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 78‌

لأنّه أتى بما هو المأمور به واقعا بقصد القربة، فحصل الامتثال و الإجزاء عقلي. و إن أثم بتركه للتقيّة، و لكنّه خارج عن الصلاة، فيكون من قبيل النظر إلى الأجنبيّة حال الصلاة، حيث أنّه لا هو جزء للصلاة المأمور بها، و لا مركّب معها تركيبا اتّحاديّا، و لا انضماميّا، فليس لا من باب النهي في العبادة و لا من باب الاجتماع.

و الذي ينبغي أن يقال في المقام: هو أنّ ما يتحقّق به المخالفة للتقيّة و يكون مصداقا حقيقيّا للمخالفة معهم، ليس على نسق واحد، بل قد يكون جزءا للعبادة، فيأتي بذلك الجزء المخالف معهم باعتبار أنّه جزء للمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي، فيكون النهي متعلّقا بذلك الجزء، فتكون العبادة المشتملة على ذلك الجزء المنهي عنه فاسدة. و المسألة محرّرة في الأصول، و قد أوضحنا وجهه في الجزء الأوّل من كتابنا «منتهى الأصول» «1» في مسألة النهي المتعلّق بالعبادة.

و قد لا يكون كذلك، بل يكون من قبيل إدخال ما ليس من العبادة فيها، و يكون من قبيل التشريع المحرّم بالأدلّة الأربعة، فيكون النهي متعلّقا بأمر خارج عن العبادة، فلا وجه لأن يكون ترك ذلك الشي‌ء موجبا للبطلان؛ لما قلنا من أنّه أتى بالمأمور به على وجهه، و الإجزاء عقليّ، نعم أثم بذلك الترك و تلك المخالفة؛ لأنّه منهيّ.

فبناء على ما ذكرنا ترك التكتّف و قول «آمين» في مورد وجوبهما تقية لا يوجب بطلان الصلاة، و إن كان آثما بذلك الترك.

تنبيه

هذا الذي ذكرنا و تقدّم كان في الإتيان بالواجبات بل المستحبّات تقيّة، بأن يدخل فيها ما ليس بجزء أو شرط، أو يترك ما هو جزء أو شرط، أو يأتي بما هو‌

______________________________
(1). «منتهى الأصول» ج 1، ص 411.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 79‌

مانع، أو يأتي بكيفيّة خلافها واجب أو مستحب.

و أمّا التقيّة في مقام الإفتاء كأن يفتي المجتهد بحرمة ما ليس بحرام، أو بوجوب ما ليس بواجب، أو بالعكس فيهما، أو بالنسبة إلى سائر الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة، فالأمر فيها أعظم، و لعلّ أغلب عمومات التقيّة و إطلاقاتها لا تشملها، و منصرفة عنها، فلا يجوز له الإفتاء بمجرّد خوف الضرر، كما كان له ذلك في مقام العمل، خصوصا إذا كان المفتي ممّن يتّبعة العموم، و خصوصا إذا كان طول حياته لا يمكن له الرجوع عن فتواه، فيبقى هذا الحكم و الفتوى الباطلة محلّ الاعتبار، و مورد عمل العموم على مرّ الدّهور.

ففي مثل هذا يجب الفرار و التخلّص عن الإفتاء بأيّ وجه ممكن. و كذا إذا كان الفتوى موجبا لتلف النفوس، أو هتك الأعراض، ففي الأوّل لا يجوز له أن يفتي و إن كان ترك الفتوى موجبا لهلاكه و قتله.

و أمّا الأئمّة المعصومون و إن صدر منهم الفتوى بعض الأحيان على خلاف الحكم الواقعي الأوّلي، و لكن كانوا ينبّهون الطرف بعد ذلك بأنّها كانت على خلاف الواقع إمّا لأجل حفظ نفسه عليه السّلام أو لأجل حفظ نفس المستفتي. و قضيّة فتوى الإمام الكاظم عليه السّلام لعليّ بن يقطين في مسألة تثليث غسلات الوضوء صريحة فيما ذكرناه «1».

و الحاصل: أنّ الفتوى على خلاف ما أنزل اللّه للتقيّة أمره مشكل، و يختلف كثيرا من حيث المفتي و مقبوليّة رأيه عند العموم و عدمها، و من حيث إمكان إخبار الناس التابعين له أنّ هذه الفتوى لم تكن حكما واقعيّا و إنّما صدرت تقيّة، و عدم إمكانه، و من حيث أهميّة المفتي به، و من حيث كونه موجبا لهلاك الأنفس و عدمه.

ففي بعض صور المسألة لا يجوز له الإفتاء، و إن كان يعلم أنّه يقتل لو ترك و لم‌

______________________________
(1). «الإرشاد» للمفيد ص 294؛ «وسائل الشيعة» ج 1، ص 312، أبواب الوضوء، باب 32، ح 3.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 80‌

يفت؛ و لذلك ترى في الأخبار الصادرة عن أهل بيت العصمة إصرارهم عليهم السّلام بأنّ «ما خالف كتاب اللّه» أو قولهم: «ما خالف قول ربّنا لم نقله، أو زخرف، أو باطل، أو أطرحه على الجدار» «1» و أمثال ذلك، أو قولهم في الخبرين المتعارضين: «خذ بما خالف العامّة» «2» كلّ ذلك لأجل أن لا يتوهّم أحد أنّ كلّ ما تضمنّه الأخبار الصادرة عنهم عليهم السّلام بصدد بيان الأحكام الواقعيّة، بل جملة كثيرة منها أعطيت من جراب النورة حسب اصطلاحهم، و كان الرواة الفقهاء من أصحابهم عليهم السّلام يعرفون أنّ هذا الذي قال عليه السّلام لهذا الراوي هل هو حكم واقعيّ أوّلى، أو صدر تقيّة؛ و لذلك كانوا يقولون للراوي بعد ما يسمعون روايته: أعطيت من جراب النورة. هذا حال التقيّة في الفتوى.

و أمّا التقيّة في الحكم مثل أن يحكم على خلاف ما أنزل اللّه خوفا، فهل يجوز أم لا؟

أمّا لو كان الحكم موجبا لقتل المسلم فلا يجوز قطعا، ففي الكافي و التهذيب: «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة» «3».

و أمّا فيما عداه، فإن كان الضرر الذي يخاف منه هو أنّه يقتل لو لم يحكم، فيكون حاله حال الفتوى بغير ما أنزل اللّه فيه.

و فيه صور كثيرة من حيث أهميّة ما يحكم به، أو ترتّب الفساد عليه، ففي بعضها أيضا لا يجوز قطعا، و على كلّ حال المسألة مشكل جدّا، أعاذنا اللّه منه، و قد قال اللّه‌

______________________________
(1). راجع: «وسائل الشيعة» ج 18، ص 75، أبواب صفات القاضي، باب 9: باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة و كيفيّة العمل بها.

(2). «الاحتجاج» ص 195.

(3). «الكافي» ج 2، ص 220، باب التقيّة، ح 16؛ «تهذيب الأحكام» ج 6، ص 172، ح 335، باب النوادر، ح 13؛ «وسائل الشيعة» ج 11، ص 483، أبواب الأمر و النهي، باب 31، ح 1 و 2.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌5، ص: 81‌

عز و جل في كتابه العزيز وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ «1» وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ «2» وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «3».

و أمّا إن لم يكن الضرر الذي يخاف منه هو القتل، فلا يجوز الحكم لعدم جواز دفع الضرر عن نفسه بإضرار الغير. و اللّه ولىّ التوفيق.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

الاسلام یجب ما قبله

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 493

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 493‌

العنوان السابع و الستون [] قاعدة: الإسلام يجب ما قبله

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 494‌

عنوان 67 من جملة المسقطات للضمان: قاعدة جب الإسلام ما قبله. و الأصل في ذلك الخبر المعروف المشهور المتلقى بالقبول، المروي عند العامة و الخاصة عن النبي صلى الله عليه و آله و هو قوله: (الإسلام يجب ما قبله «1». و روى في البحار في ذكر قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة و في الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتى يجي‌ء علي بن أبي طالب! فجاء علي عليه السلام فقال: قص عليه قصتك، فقص عليه القصة، فقال علي عليه السلام: (هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة «2». إذا عرفت هذا فالكلام في هذا المقام يقع في مقامين: أحدهما: بالنسبة إلى كون الإسلام يجب و يهدم ما قبله بالنسبة إلى الضمانات التي هي محل البحث. و ثانيهما: بالنسبة إلى هدمه سائر الأسباب الشرعية كما استفيد من خبر البحار.

المقام الأول: بالنسبة إلى الضمان

فنقول: قد عرفت مما ذكرناه في أسباب الضمان: أنه قد يكون باليد، و قد‌

______________________________
(1) عوالي اللآلي 2: 54، ح 145.

(2) بحار الأنوار 40: 230، ذيل ح 9.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 495‌

يكون بالإتلاف، و قد يكون بالتعدي و التفريط و قد يكون بالتعهد بمال أو نفس، و قد يكون بخطاب شرعي، و قد يكون بغرور، و قد يكون بعقد، و قد يكون بقبض في العقد الفاسد، و قد يكون بتلف قبل القبض، و هذه الضمانات كلها تندرج تحت أقسام ثلاثة: أحدها: ما كان حقا لله من دون مدخلية حق مخلوق فيه، كالعبادات الصرفة و «1» بعض أفراد الماليات، كالعتق في كفارة و نحوه، و نذر الوقف مسجدا و نحوه، و نظائر ذلك، و إن كان في هذه الأمثلة نوع مناقشة. و ثانيها: ما كان حقا للمخلوقين، كضمان الإتلاف و الجنايات و الديون و نحو ذلك. و ثالثها: ما كان مركبا من الأمرين، كالزكوات و الأخماس و النذور و أغلب الكفارات. و على التقادير الثلاثة: فإما أن يكون السبب الموجب لاشتغال الذمة في دين الإسلام موجبا لاشتغال الذمة في الكفر أيضا، بمعنى: أنه شي‌ء يعلم الكفار من دينهم أنه مضمون عليهم سواء كانوا ذميين أو حربيين. أو ليس كذلك، بمعنى: أن معتقدهم في دينهم عدم الضمان، و إن كان في شرع الإسلام موجبا للضمان، فالأقسام ستة. إذا عرفت هذا فنقول: ظاهر الأصحاب: أن الحقوق المختصة بالمخلوقين سواء كانت بضمان يد أو إتلاف أو جناية و نحو ذلك من الطرق لا تسقط عن الكافر بإسلامه، و أما الحقوق الإلهية و إن كان لها تعلق بالمخلوقين أيضا فتسقط عنه بالإسلام. و لم نجد في كلامهم التفصيل بين ما كان في دينهم موجبا للضمان أم لا في المقامين. و بالجملة: فهذه القاعدة في كلامهم في غاية الأجمال، و لم يتعرضوا لها إلا في فروع خاصة في أبواب الفقه، و أغلبها في العبادات، فلا بد من تنقيح القول في ذلك‌

______________________________
(1) في «ن» زيادة: في.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 496‌

على حسب الدليل، فهنا أبحاث ستة: أحدها: في حقوق الله المختصة به مع عدم اعتقادهم به «1» في دينهم، و الظاهر أن الإسلام يجبها مطلقا، للخبر و لظاهر الإجماع، فلا يجب عليه قضاء العبادات البدنية و أداء المالية التي تعلق بذمته من عتق و نحوه بحيث لا مدخل للمخلوقين فيه، و هذا القسم واضح الدخول تحت الخبر. و ثانيها: حقوق الله أيضا مع اعتقادهم باشتغال الذمة بها في كفرهم، كما لو كان في دينهم أن قتل الخطأ يجب فيه عتق رقبة مثلا و نحو ذلك ثم أسلم، فهل الإسلام يجب ذلك أيضا أم لا؟ وجهان: من إطلاق الخبر، و من جهة أن الظاهر من الخبر: أن الإسلام يجب ما قبله مما لو كان مسلما لاشتغل ذمته، و بعبارة اخرى: الظاهر: أن الإسلام يجب ما يلزم الإنسان من حيثية الإسلام، فإذا أسلم الكافر فالشي‌ء الذي اشتغلت ذمته به على طريقة الإسلام من حيثية دين الإسلام يسقط عنه، لا ما اشتغل ذمته بسبب آخر. و يمكن الجواب: بأن المقام أيضا كذلك، فإن اشتغاله بعتق رقبة مثلا في المثال المذكور إن لوحظ على مقتضى دين الكفر فلا اشتغال في الواقع، لأن الدين منسوخ، أو باطل من أصله غير مجعول من الشارع، و مجرد الاعتقاد لا يوجب الضمان، فلا ضمان من جهة غير الإسلام. و إن لو حظ ضمانه من جهة الإسلام لأنه مكلف بالفروع فهو يسقط بالإسلام، للخبر. و ثالثها: الحقوق المشتركة بين الله و بين المخلوقين كالزكاة و الخمس و نحو ذلك مع عدم اعتقادهم به «2» في دينهم، و الحكم في هذا الفرض كالأول، و ظاهر الخبر يشمله، لأن ثبوت ذلك كله من جهة دين الإسلام و كلام الأصحاب: إن الحقوق المخلوقية لا تسقط «3» لا يريدون به العبادات المالية، فإنهم صرحوا بسقوطها عن الكافر بالإسلام.

______________________________
(1) كذا، و الظاهر: بها.

(2) كذا، و الظاهر: بها.

(3) في «ن، د»: تسقط.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 497‌

و رابعها: الحقوق المشتركة مع اعتقادهم به «1» كما لو كان معتقدا أن من نذر شيئا لفقير يجب دفعه إليه و لم يدفع، ففي سقوطه الوجهان السابقان في القسم الثاني، و يجي‌ء فيه الإشكال الذي سبق ذكره، و يندفع بما قررناه هناك، فتدبر. و خامسها: حقوق المخلوقين الصرفة مع اعتقادهم به «2» في دينهم كالديون و ضمان المغصوب، و نحو ذلك و الظاهر من الأصحاب عدم السقوط، بل دخول هذا الفرض تحت قولهم بعدم سقوط حقوق المخلوقين متيقن. و لعل الوجه في ذلك: أن الرواية لا ينصرف إطلاقها إلى هذا الفرض، فإن المتبادر منه العبادات. و هو غير بعيد. مع احتمال ما ذكرناه من الوجه: من أن اشتغال الذمة بهذه الأسباب ليس من حيثية الإسلام، فإن مقتضى الأديان كلها ذلك، و الظاهر من الخبر: أن الشي‌ء الذي ثبت في دين الإسلام و لم يأت به الكافر لأن الكفر مانع منه، أو موجب لعدم الاعتقاد به فالإسلام يجب ذلك، لا أن كل ضمان في حالة الكفر يسقط بالإسلام و إن كان معتقدا ذلك و لم يكن الكفر مانعا من أدائه.

و لا يمكن أن يقال: إن هنا أيضا يمكن أن يقال: إن دينهم إما منسوخ أو باطل من أصله، فهذه الضمانات ليست من جهة دينهم، بل من جهة دين الإسلام في الواقع، فينبغي أن تسقط. لأنا نقول: هذه الغرامات من جهة قضاء ضرورة العقل بها، و إلا لما استقام النظام، و لا دخل لحيثية الدين في ذلك، و الشرع في هذه الأمور مقرر لما حكم به العقلاء و جرت به طريقتهم، و الخبر يدل على سقوط ما كان للدين مدخلية في ذلك. و لا يرد هذا الاعتراض على ما ذكرناه في القسم الثاني و الرابع من كون الدين الذي لهم منسوخا فلا ثبوت و لا ضمان إلا في دين الإسلام، نظرا إلى أن الفرضين السابقين إنما هما من العبادات التي لا تتعقل إلا بملاحظة الدين و خطاب الشارع.

______________________________
(1) كذا، و الظاهر: بها.

(2) كذا، و الظاهر: بها.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 498‌

بخلاف المقام، فإنه معاملة صرفة تقتضيه ضرورة العقل إبقاء للنظام، فعدم دخول ذلك تحت الخبر لا يقضي بعدم دخول ذينك القسمين، فتدبر. و سادسها: حقوق المخلوقين مع عدم اعتقادهم به «1» في دينهم، كما لو لم يعتقدوا أن قتل العمد فيه القصاص، أو كون الدية على العاقلة مثلا فأسلم أحد العقلاء بعد استقرار الدية في ذمته، فهل يسقط عنه ذلك في الإسلام أم لا؟ مقتضى عموم الخبر السقوط، و ظاهر إطلاق الأصحاب (أن حق «2» المخلوق لا يسقط) عدم السقوط. و لا يجي‌ء هنا الوجه المتقدم في القسم الخامس: من عدم كون ذلك من جهة الإسلام و الدين فلا يسقط، لأن ما لا دخل للدين فيه يعرفه أهل الأديان جميعا، و كون الدية على العاقلة شي‌ء قضى به الشرع، و إلا فلم يكن مقتضى العقل ذلك، فليس إلا من جهة الدين، و الفرض إن الكافر كان لا يعتقد ذلك، فلا وجه لعدم السقوط. و القوي «3» عندي في هذا الفرض أيضا السقوط، لإطلاق الخبر، و كلام الأصحاب لا يعلم منه الشمول لهذا الفرض أيضا، بل الظاهر منه الفرض الخامس، فتدبر.

المقام الثاني: في جب الإسلام ما قبله من سائر الأسباب

كأسباب الوضوء و الغسل، و أسباب الغسل بالفتح و أسباب تحريم النكاح: من رضاع، أو مصاهرة، أو وطئ في عدة أو لذات بعل، أو لواط بالنسبة إلى أم الموطوء و بنته و أخته، و ظهار و إيلاء، و تطليقات موجبة للتحريم المؤبد، أو التحريم حتى تنكح زوجا غيره. و أسباب الحدود الشرعية، كالزنا و اللواط و شرب الخمر و القذف و نحو ذلك. و أسباب التعزير من المعاصي التي لا مقدر لها. و هكذا البحث في شرائط التكاليف الحاصلة في زمن الكفر، كانقضاء حول الزكاة و نحو‌

______________________________
(1) كذا، و الظاهر بها.

(2) في «ن، د»: حقوق.

(3) في «ن»: و القول، و في «م»: و يقوى.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 499‌

ذلك في حال الكفر مع إسلامه قبل تعلق الوجوب، و لو أسلم بعد تعلق الوجوب فلا بحث في السقوط. و بالجملة: سائر الأسباب التي لا تعلق لها بالأموال و لا بالعبادات الصرفة، و كذلك شرائط التكاليف بقول مطلق و أسبابها كذلك إذا حصل في حالة الكفر و أسلم قبل تعلق الوجوب في الأخيرين و مطلقا في الأول، فهل الإسلام يسقط الشرط عن التأثير، و السبب كذلك؟ فيرجع إلى الأصل المتبع في ذلك المقام، كأصل الطهارة بالنسبة إلى أسباب الحدث و الخبث، و أصالة بقاء الحل بالنسبة إلى أسباب تحريم النكاح، و أصالة البراءة عن الحدود، و أصالة عدم التكليف في زكاة أو خمس أو حج، أو نحو ذلك مما قد اجتمع شرائط وجوبها حال الكفر و لكن لم يتعلق الخطاب بعد، فلا بد في الوجوب من استئناف الشرائط من حول و نصاب و نحو ذلك. و بالجملة: يعتبر في هذه الأسباب و الشرائط كلها حصولها في حالة الإسلام أم ليس كذلك، بل جب الإسلام ما قبله إنما هو بالنسبة إلى التكاليف الثابتة في حال الكفر من أصل الشرع مالية أو غيرهما، و أما الأحكام الوضعية فلا يجب الإسلام ذلك و لا يسقطها.

و المحتملات هنا أمور:

أحدها: القول بأنه يجب ذلك كله

أيضا، لإطلاق أو عموم (يجب ما قبله). و لا يحتاج إلى جبر السند هنا بالشهرة حتى يقال: لم يعلم من فتوى الأصحاب ذلك، لأن الظاهر كون الخبر من المسلمات في الصدور، و متى كان الصدور مسلما فلا نحتاج في خصوصيات المدلول إلى الانجبار. مضافا إلى أن السبب في ذلك هو اللطف من الشارع و الترغيب إلى الإسلام و هو موجود في المقام أيضا، مع أن الشارع متى ما بنى على إسقاط حقوق الفقراء و السادة و سائر المخلوقين بعد ثبوتها و تحققها في الذمة فليسقط سائر الشرائط و الأسباب بالأولوية، لأنها إما ليست حقوقا مخلوقية كما في الأسباب، و إما مخلوقية قبل تعلقها كما في شرائط‌

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 500‌

الوجوب، و كلاهما أولى بالسقوط من حق المخلوق الثابت في الذمة. مضافا إلى أن رواية البحار «1» دلت على أن التطليقات الثلاث التي هي سبب في التحريم إذا وقعت بعضها في حال الكفر و بعضها في حال الإسلام، فيسقط ما كان في حال الكفر و يصير المدار ما وقع في حال الإسلام، و لذا قال عليه السلام: (هي عندك على واحدة) لأنه كان طلق في الإسلام تطليقتين فبقيت الواحدة، و لا عبرة بالطلقة الواقعة «2» في أثناء الكفر، فتدبر. و إذا ثبت الجب هنا بالنص ثبت في سائر الأسباب و الشرائط بعدم القول بالفرق، مع أن قوله عليه السلام: (فإن الإسلام هدم ما قبله) في قوة قضية كلية شاملة للجميع، و لا حاجة إلى التمسك بعدم القول بالفصل، فإن المورد لا يخصص العام.

و ثانيها: القول بعدم الجب مطلقا

، فإن الخبر المشهور و هو جب الإسلام ما قبله لم يعلم العمل به في هذه المقامات، و ليس فيه عموم بحيث يشمل هذه كلها، و المتيقن منه ما ذكرناه في المقام الأول، و ليس هذه المقامات إلا كحقوق الناس الصرفة في عدم السقوط، و رواية البحار ضعيفة غير مجبورة، و لم يعهد من الأصحاب الفتوى بها، و لو عمل بها لاقتصر على موردها من الواقعة الخاصة و لا يتعدى إلى غيرها، و يرجع إلى مقتضى الأدلة من استصحاب الحكم الثابت في حالة الكفر، لأنهم مكلفون بالفروع على ما يراه الإمامية، و يأتي البحث فيه إن شاء الله.

و ثالثها: التفصيل

، و له صور: الأول: الفرق بين ما ورد فيه خبر البحار و غيره، فيجب في الأول دون الثاني. و الثاني: الفرق بين الحدود و التعزيرات و نحو ذلك و بين أسباب الحل و الحرمة و الوضوء و الغسل، فيجب في الأول دون الثاني. و الثالث: الفرق بين الشرائط و الأسباب، فيجب في الثاني، لأنه شي‌ء ثبت قبل الإسلام فيدخل تحت الخبر، بخلاف شرائط الوجوب على ما مثلناه فإن الخطاب فيه بعد الإسلام، فلم يكن قبل الإسلام شي‌ء حتى يجبه، و لذلك أفتى‌

______________________________
(1) تقدمت في ص: 494.

(2) في «ن، د»: الواحدة.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 501‌

الأصحاب بأن الكافر إذا أسلم قبل حلول الحول بدقيقة مثلا وجبت عليه الزكاة، لتعلق الخطاب عليه و هو مسلم فلا يجب في الشرائط. و الرابع: الفرق بين أسباب التكاليف و أسباب الوضع فيجب في الأول كسبب الغسل و نحوه، و لا يجب في الثاني كسبب حرمة النكاح. و الخامس: الفرق بين السبب التام في حالة الكفر، كالجنابة و الحيض و الحدث الأصغر و الرضاع الكامل و الزنا و اللواط و نحو ذلك من حيث كونهما سببين لتحريم النكاح أو غير ذلك من الأحكام سوى الحد، و بين السبب الناقص الذي حصل بعضه في حال الكفر و بعضه في حال الإسلام، كانقسام الطلقات في خبر البحار و الرضعات لو فرض إكمال النصاب في حالة الكفر و الإسلام معا، فنقول: إن الإسلام يهدم الثاني عملا برواية البحار و إلحاقا لما عداه به مما هو نظير له، دون الأول، لإجمال الخبر العام أو عدم انصرافه إليه، و ورود خبر البحار في السبب الناقص، و إشعار لفظ (الهدم) بذلك. و المسألة في غاية الإشكال تحتاج إلى تتبع كلمات الأصحاب و سعة المجال، و إن كان القول بالجب في ذلك كله غير بعيد، سيما في الحدود و نحوها.

و بقي الكلام في أمور هي كالتتمة للمسألة:

أحدها: أن المخالف هل هو كالكافر «1» في هذا الحكم؟

بمعنى: أن الاستبصار فيه أيضا يجب ما قبله، أم ليس كذلك بل لا بد من إتيان ما يجب إتيانه في حالة إيمانه؟ و لم يتعرض الأصحاب للمسألة، و إنما ذكروها في بعض المقامات، و ظاهر كلامهم في المخالف يدور بين أمور: أحدها: السقوط لو كان المخالف أتى بالتكاليف على ما هي عليه في مذهبه بحيث لم يقصر فيه باعتقاده، كما ذكروه في الصلاة «2».

______________________________
(1) في «ن، د»: كافر.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 135، و الشهيد الثاني في الروض: 356، و الأردبيلي في مجمع الفائدة (3: 211) ناسبا له إلى ما هو المشهور بين الأصحاب.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 502‌

و ثانيها: السقوط لو أتى به موافقا لمذهبنا في الأركان و إن خالف مذهبه، لا ما أتى مخالفا لمذهبنا و إن وافق مذهبه، و قد ذكر بعضهم ذلك في الحج «1». و ثالثها: ملاحظة الأمرين، بمعنى: أنه يسقط إن وافق مذهبنا و مذهبهم، كالزكاة مع شرائطها إذا أعطاها للمؤمن الفقير. و بعبارة اخرى: وضعها في موضعها، و إلا فلا يسقط. و يحتمل السقوط مطلقا إلحاقا بالكافر أو «2» إدخالا تحت أفراد الكفر، على ما يراه بعض من تقدم «3» و بعض من تأخر «4». و يحتمل عدم السقوط مطلقا، لشرطية الأيمان المانع عن حصول الامتثال في حال المخالفة و استصحاب التكليف المانع عن السقوط بالأيمان. و يحتمل سقوط ما لم يكن معتقدا به في حال خلافه إلحاقا بالكافر، و فهما للعلة، و عدم سقوط ما كان يعتقده لما دل من الإلزام بمعتقده. و يحتمل سقوط ما أتى به على معتقده مطلقا. و يحتمل سقوط ما لم يعتقده أصلا، و ما اعتقده و أتى به على نحو ما اعتقد. و الروايات الخاصة واردة في باب الزكاة «5» و غيرها «6» فإن كان في المقام دليل خاص فهو المتبع، و إلا فمقتضى القاعدة عدم السقوط، و إن كان إلحاقه بالكافر أيضا له وجه. و الظاهر أن الأصحاب يقولون به في غير الزكاة، أو في غير الخمس أيضا.

و لعل الكافر أشرف من المخالف في وجه، فلا ينبغي إلحاقه به في هذا الحكم الدال على اللطف بالنسبة إلى الكافر، لعدم الملازمة.

و ثانيها: أن الكافر المنتحل للإسلام [إذا رجع إلى الإسلام]

كالخوارج و الغلاة و النواصب و المجسمة و نحو ذلك إذا رجع إلى الإسلام، فظاهر إطلاق الأصحاب أنه أيضا كالكتابي‌

______________________________
(1) منهم المحقّق في المعتبر 2: 765، و العلّامة في المنتهي 2: 860، و الشهيد في الدروس 1: 315.

(2) في «ن، د»: بدل «أو»: و.

(3) راجع الحدائق 5: 175 و 14: 163.

(4) راجع الحدائق 5: 175 و 14: 163.

(5) راجع الوسائل 6: 148، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزكاة.

(6) راجع الوسائل 1: 97، الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 503‌

و الوثني في هذا الحكم. و هو مشكل، لأن المتبادر من الخبر إنما هو الإسلام المسبوق بكفر صرف لا تدين بالإسلام فيه. و يمكن إلحاق هذا القسم بالمخالف، سيما بالنواصب، فإنهم من جملتهم، غايته: أن تفريطهم أدخلهم في الكفار. و بالجملة: فحكم هذا القسم من الكافر محل تردد و تأمل.

و ثالثها: أن الكافر إذا أسلم و المخالف إذا استبصر و هو في أثناء عبادة

، كما لو فرض أن المخالف توضأ و شرع في الصلاة و آمن في أثنائه، و نحوه غيره من العبادات و يفرض في الكافر أيضا في الصوم فإنه لو أسلم في نهار رمضان و هو لم يأت بشي‌ء من المفطرات أصلا فعلى القول بالجب في المخالف أيضا فهل يجب هنا أيضا بمعنى: أن هذه العبادة ساقطة عنه بالمرة أو يجب ما مضى منه دون ما بقي فيأتي على طريق الأيمان و الإسلام فيما بقي، أو لا يجب مطلقا فلا بد من الإتيان بهذا العمل من رأس أداء أو قضاء، لأنه لم يكن قبل الإسلام و الايمان بتمامه؟ وجوه و احتمالات، و الأوفق بالدليل هو الأوسط.

و رابعها: أن الواجبات الموسعة إذا أسلم الكافر و قد مضى من وقتها بمقدار أدائها

جامعة للشرائط خالية عن الموانع و هو لم يكن أتى بها، فهل يسقط منه هذا التكليف، أم لا يسقط؟ وجهان: من تعلق الخطاب به قبل الإسلام فيكون داخلا في عموم الخبر، و من استمرار الخطاب في آنات الوقت الموسع و استصحاب اشتغال الذمة و الشك في شمول الدليل لهذا الفرض. و يشكل الثاني بأن هذا تكليف واحد فمتى سقط بالنسبة إلى الجزء الأول فقد سقط بالنسبة إلى الباقي، إذ لا تعدد فيه. و احتمال كون الإسلام كاشفا عن عدم سقوط هذا التكليف عنه أول الدعوى. و الأقوى: السقوط، سيما بعد ملاحظة أن الواجبات الموسعة ما دام العمر كصلاة الزلزلة و قضاء الصلوات اليومية و نظائر ذلك من العبادات و النذور فإنه لا ريب في سقوطها بالإسلام حتى لو لم يبق من وقتها مقدار الأداء، فإن الكافر إذا أسلم في شهر شوال فلا ريب في عدم وجوب قضاء رمضان عليه، و أي فرق بين الواجب الموسع ما دام العمر و بين غيره؟ سيما بعد ملاحظة أن قضاء رمضان موسع بحسب الرخصة إلى رمضان الاتي و إن كان موسعا بحسب الأجزاء ما دام العمر، فتدبر.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

جواز البدار لاولی الاعذار

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 445

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 445‌

العنوان السابع عشر قاعدة جواز البدار لاولي الأعذار و خروج باب التيمم عنها

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 446‌

عنوان 17 لا ريب أن العبادات الموسعة في وقتها يتخير المكلف في إيقاع المأمور به في كل حصة قابلة للوقوع فيها إذا كان المكلف جامعا للشرائط، فاقدا للموانع، غير معذور بأحد الأعذار التي يوجب سقوط شرط أو جزء، أو نحو ذلك. و أما أصحاب الأعذار: فهل التخيير في حقهم كذلك فلهم الإتيان بالمأمور به في آن العذر بطريق المعذور و إن احتمل أو ظن أو علم زوال العذر في الان الثاني من الوقت أو الأجزاء اللاحقة منه، أو التخيير غير ثابت في حقهم و اللازم مراعاة التمكن و الصبر إلى آخر أوقات الإمكان، أو يفصل بين راجي الزوال فلا تخير له و بين المأيوس عن زوال العذر فيتخير؟ أقوال للأصحاب: فأكثر القدماء على التخيير مطلقا «1» و المرتضى «2» و ابن الجنيد «3» و سلار «4»

______________________________
(1) الظاهر أنّ القائل بالتخيير مطلقا من القدماء هو أبو جعفر بن بابويه، على ما نقله عنه العلّامة في المختلف (1: 414) و الجعفي في ظاهر كلامه، على ما نقله عنه و عن الصدوق الشهيد في الذكري: 106؛ إلّا أنّ كلام الصدوق في المقنع: 8 يعطي خلاف ما نسب إليه.

(2) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة»: 25.

(3) هو قائل بالتفصيل على ما في المختلف 1: 414- 415.

(4) المراسم: 54.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 447‌

على المنع مطلقا، و جماعة من فضلاء من تأخر عن الشهيد رحمه الله على التفصيل «1». و الكلام في هذا الباب مضطرب أشد الاضطراب. و لنشر إلى جملة من مواقع المسألة توضيحا للمدعى. و من جملتها: العذر عن إكمال الوضوء كالجبيرة و نحوها و كذلك في الغسل بناء على الاكتفاء بما يمكن غسله، و كذلك العذر في تطهير الثياب، و كون الساتر على الشرائط و الخلو عن الموانع «2»، أو العذر عن أصل الساتر، أو عذر المكان لعدم خلوه عن نجاسة، أو اشتباه القبلة بناء على التخيير، أو فقد الماء حتى يتوضأ أو يغتسل، أو وجود العذر من استعماله أو الخوف عن تحصيله، أو وجود السلس و البطن اللذين «3» لا تخلو الصلاة مثلا من طريان الحدث معهما، أو العجز عن القيام في الصلاة أو الاستقرار أو إتقان الأفعال أو الأذكار «4» و كذلك العذر في أفعال الحج و العمرة و شرائطهما. و لا يختص الكلام بالموسعات المؤقتة بالخصوصية، بل يعمها و الموسعة ما دام العمر، كقضاء الصلاة على ما نختاره من المواسعة، و النيابات بإجارة أو تحمل عن ميت، و نظائر ذلك، فإن كل ذلك داخل في محل النزاع. فنقول: كل مكلف بخطاب موسع إذا حصل له عذر ينتقل به الفرض إلى غير ما هو لازم عند الاختيار، هل يلزمه الانتظار لزوال العذر حتى يأتي بالمأمور به الواقعي الاختياري، أو لا يلزمه ذلك بل هو مخير في أوقات زمان التوسعة فله‌

______________________________
(1) منهم الشهيد نفسه في اللمعة: 26، و المحقق الثاني في جامع المقاصد (1: 500) ناسبا له إلى أكثر المتأخرين، و نسبه الشهيد الثاني في الروضة (1: 459) إلى أشهر الأقوال بينهم، و نفى عنه البأس السيّد في المدارك 2: 212؛ ثم القول بالتفصيل لا ينحصر على جماعة ممّن تأخر عن الشهيد، كما هو ظاهر كلام المصنّف قدّس سرّه بل هو منقول عن ابن الجنيد و ذهب إليه العلّامة في جملة من كتبه، و استجوده المحقّق في المعتبر، انظر الحدائق 4: 356- 357.

(2) في «م»: جامعا للشرائط خاليا عن الموانع.

(3) في غير «م»: الّذي.

(4) في «ف، م»: و الأذكار.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 448‌

الإتيان في كل زمان بمقتضى تكليفه في تلك الحالة، أو يفصل بين الرجاء و العدم؟ فالأكثر على التخيير إلا فيما خرج بدليل خاص، لأصالة عدم لزوم التأخير، و عدم تعين الإيقاع في آخر أوقات الإمكان، و لاستصحاب بقاء التخيير مع عدم دليل صالح على رفعه، و لإطلاقات الكتاب و السنة في أصل الواجبات الموسعة، كقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا ... فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «1» و أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل «2» و (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت «3» و نظائر ذلك من الخطابات الدالة على أن بمجرد دخول وقت المأمور به يكون المكلف مأمورا بالإتيان بالمأمور به أمرا تخييريا بالنسبة إلى أجزاء الوقت، أو بالنسبة إلى مدة العمر فيما وسع فيه كذلك، فمتى ما أتى بالمأمور به على حسب ما هو عليه في أي حالة كان من أجزاء زمن التوسيع فقد أتى بالمأمور به، و الأمر الشرعي يقتضي الأجزاء، فلا إعادة عليه و لا قضاء، كما أنه لم يترك بذلك واجبا، و لأن التخيير في شي‌ء و التوسيع فيه تخيير و توسيع في لوازمه. و بيان ذلك: أن الشارع جعل لواجد الماء الوضوء مثلا، و لفاقده التيمم، و للعاجز القعود، و للقادر القيام، و نظائر ذلك من الأعذار التي جعلت عناوين للأحكام الشرعية، في قبال المختار الخالي عن العذر مثل ذلك «4». و لا ريب أن المكلف قابل لطريان هذه العناوين المختلفة عليه، فتارة هو مريض، و تارة صحيح، و مرة مسافر، و مرة حاضر، و مرة عاجز، و أخرى قادر، و نحو ذلك، فيمكن انقلاب العناوين المجعولة موضوعا للأحكام في المكلف في جمع الأحوال و الأزمان.

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) الإسراء: 78.

(3) الوسائل 5: 359، الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات، ح 1؛ لفظ الحديث قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال: يقضي ما فاته كما فاته. الحديث.

(4) مثل ذلك: لم يرد في «م».

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 449‌

فإيجاب الشارع على النائم مثلا قضاء صلاة الصبح مثلا و توسيعه ما دام العمر مع العلم منه بانقلاب أحوال المكلفين في مدة عمرهم عجزا و قدرة و صحة و مرضا و غير ذلك يقتضي أن الشارع يرضى بالقضاء في أي وقت أراد المكلف قضاءها على مقتضى عنوان تلك الحالة، فلو أراد القضاء في حالة عجز صلى قاعدا، و في حالة جبيرة توضأ وضوء الجبيرة، و في حالة العجز عن تحصيل ساتر طاهر أو نحو ذلك صلى مع النجس، و مع عدم ذلك كله يصلي صلاة المختار. و بالجملة: التخيير في الأزمان مع العلم باختلاف المكلف في العنوان بحسب الأوان يقتضي التخيير في كيفيات المأمور به اللاحقة له بحسب اختلاف الأحوال. و قس على ذلك الصلاة اليومية و النيابات، و سائر الموسعات من: صلاة الآيات، و أعمال الحج و العمرة، و نحو ذلك. و من هنا نقول: إن العبرة في صلاة المسافر إذا حضر أو بالعكس بحالة الأداء، لا حالة الوجوب «1». و لأن تكليف ذوي الأعذار بالانتظار مما يوجب العسر الشديد و الحرج الوكيد المنفيين آية و رواية، بل كاد أن يلحق في بعض أفراده بتكليف ما لا يطاق، خصوصا في الأوقات التي لا يعلم آخرها غالبا إلا بترصيد و كمال دقة، مع اختلاف أحوال الناس في السفر و الحضر، و كثرة وقوع الأمراض و الأعذار، كما هو المشاهد في الأعصار و الأمصار، فلو لزم في جميع ذلك الانتظار لزم العسر الواضح، و قد تقدم في عناوين المشتركات ما يدل على انتفائه شرعا «2». و لأن الالتزام في جميع ذلك كله بالتأخير مما يكاد يحصل الإجماع على خلافه، بل الظاهر بل المقطوع من ملاحظة فتاوي أصحابنا في الأبواب‌

______________________________
(1) العبارة في «ن» هكذا: إنّ العبرة في صلاة المسافر إذا حضر أو بالعكس لا بحالة الأداء، لأنّ المعتبر حالة الوجوب.

(2) تقدّم في العنوان التاسع.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 450‌

إجماعهم على عدم اللزوم في المعذور مطلقا، فإذا جاز و ثبت التخيير في بعض الأعذار فلا نعقل فرقا بينه و بين غيره، لاتحاد الدليل و الوجه في التوسعة في الجميع. و لأنا نرى سيرة العلماء و العوام «1» في الأعصار و الأمصار على أن أصحاب الأعذار لا ينظرون زوال عذرهم، بل يبادرون إلى الصلوات على ما هم عليه من جبيرة و مرض و قعود و عدم استقرار و نحو ذلك، و هذا كاشف عن كون السلف كذلك، فيكشف عن طريقة أهل زمن الشارع، فيكشف عن تقريره و رضائه بذلك، لأنه بعد عموم بلواه ليس مما يخفى على صاحب الشريعة و خلفائه في المدة الطويلة. و لأن التأخير لو كان لازما لاشتهر و تواتر في الأخبار و الفتاوى، لعموم البلوى بالأعذار، و توفر الدواعي إلى السؤال عنه و نقله، مع أنا لم نجد في النصوص على كثرتها في باب الأعذار ما يدل على ذلك، سوى أربع روايات أو خمس في باب التيمم «2» مع وجود معارض لها أيضا. و أفتى بالتأخير هناك «3» مطلقا أو على التفصيل مشهور الأصحاب. و قد قوينا في طهارة (الحياض) شرحنا على النافع لزوم التأخير في المتيمم مطلقا، للنصوص المنجبرة المعتضدة بمؤيدات آخر، كما سنذكره عن قريب. و هذا الباب العظيم لا يكتفى فيه بمجرد هذه الروايات، و لم نجد من الفقهاء من يفتي بلزوم التأخير إلا المرتضى رحمه الله و سلار و ابن الجنيد «4» على ما نقل نهم، مع أن العيان غير النقل، و لم يحضرني عبائرهم و كتبهم حتى يعلم أنهم قائلون به‌

______________________________
(1) كذا في نسخة بدل «م»، و في النسخ: العلماء و الأعوام.

(2) أوردها في الوسائل 2: 993 في الباب 22 من أبواب التيمّم.

(3) في «م»: و التأخير هناك.

(4) راجع ص: 446 و قد ذكرنا هناك أنّ ابن الجنيد من القائلين بالتفصيل.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 451‌

مطلقا، أو مع التفصيل في جميع الموسعات، أو في خصوص الصلاة اليومية في جميع الأعذار، أو في أعذار خاصة. و الحاصل: خلو النص و الفتوى مع عموم البلوى يقضي بالتخيير و عدم لزوم ما زعمه هؤلاء الأساطين من الانتظار، و الله العالم. و لأن إطلاق الأدلة الواردة في خصوص أصحاب الأعذار (كما لا يخفى على من لاحظها، و لو لا خوف الإطالة و الخروج عن وضع الكتاب لنقلتها «1» مثل ما في الجبائر و المسلوس و المبطون و العاجز عن القيام و القعود في الصلاة و المشي في الطواف و نظائر ذلك قاض بالتخيير و التوسيع للمعذور كالمختار من دون تفاوت، و ليس في شي‌ء منها الأمر بالتأخير و انتظار زوال العذر، بل ما اطلعنا عليه منها مطلقة، مثل قوله: (يغسل ما حوله و يمسح على الجبيرة «2» أو (العاجز يصلي قاعدا «3» و نحو ذلك، فعليك بالتتبع التام حتى يتضح لك المقام. و لأن ما دل على أفضلية أول الوقت و الاهتمام في عدم تأخير الفرائض على حد يكاد يبلغ تاركه حد العاصي. و عموم الأدلة الدالة على المسارعة إلى المغفرة و الاستباق إلى الخير «4» و الذم و اللوم الواردان في حق من يضيع الصلاة و يؤخرها إلى آخر الوقت «5» كلها مطلقة شاملة لذوي الأعذار و غيرها، و لا دليل يصلح لتقييد هذه الأدلة أو تخصيصها، و مجرد احتمال زوال العذر و الإتيان بالصلاة أو غيرها من العبادة على الوجه الأكمل و الواقعي الاختياري غير صالح للتقييد، لأن ذلك ترك للقطعي بالمحتمل، فإن حصول أجر أول الوقت متيقن و زوال العذر محتمل، و القطعي لا يترك بما لا يوثق بحصوله. و لأن في لزوم التأخير تغريرا بالواجب و تعريضا له معرض الفوات، لاحتمال‌

______________________________
(1) ما بين القوسين لم يرد في «م».

(2) أوردهما مثالا، لا نصّا.

(3) أوردهما مثالا، لا نصّا.

(4) مثل قوله تعالى وَ سٰارِعُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ. آل عمران: 133، و قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ* المائدة: 48.

(5) راجع الوسائل 3: 89- 91، الباب 3 من أبواب المواقيت، ح 13، 17، 20.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 452‌

طريان الموت أو السهو أو الغفلة، أو مانع آخر يمنع المكلف عن الإتيان به، و لاحتمال طريان عذر أزيد من هذا العذر، إذ يحتمل اشتداد المرض بحيث لا يتمكن من القعود، و عروض حادث لا يتمكن من الساتر النجس أيضا، و قس على ذلك نظائره. فالبناء على لزوم الانتظار المحتمل لفوات الواجب عن أصله أو طريان نقصان أزيد مما هو موجود في أول الوقت بمجرد احتمال زوال العذر غير مأنوس بطريقة الشرع، و مستبعد عن الاهتمام بحفظ الحدود المعلوم من أحوال صاحب الشريعة. و من هنا يعلم: أن القول بلزوم التأخير في صورة لا يرجى زوال العذر بمكان من السقوط و الضعف، و عليك بالتزام مشرب الفقاهة و المشي على ما هو المستفاد في نوع المذهب، فإن الخصوصيات لا تكاد تنضبط. و لأن المستفاد من طريقة الشارع كما سنقرر لك إن شاء الله تعالى في العنوان الاتي أن وقت العبادة في نظر الشارع أهم من سائر الشرائط و الأجزاء، و كلها تسقط مع التعارض بينها و بين الوقت، فإذا صار الاهتمام على الوقت بهذه المثابة فمن المستبعد جدا إلزام الشارع بالتأخير إلى آخر الوقت بمجرد احتمال زوال العذر و حصول الشرط و الجزء الناقص، سيما في الأعذار التي جعلت لها أبدال في الشرع [و ليس مجرد نقص.] «1» و الظاهر من الاهتمام بالوقت في نوعه: أن الاكتفاء ببدل الأجزاء و الشرائط المتعذرة و إدراك أول الوقت أولى، و لا أقل من تساوي الأمرين الموجب للتخيير، فالقول بوجوب التأخير مع ندرة قائله مستبعد جدا. و الذي يصلح حجة للقول بالتأخير أمران: أحدهما: أنه لا ريب أن التكليف أولا و بالذات إنما هو على الواقعي‌

______________________________
(1) لم يرد في «م».

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 453‌

الاختياري، و لا ينتقل منه إلى بدله إلا مع تعذر الاختياري، و لما كان الواجب موسعا يصح إيقاعه في أي جزء من أجزاء زمن التوسيع كان، و المكلف قابل لأن يكون في هذه الآنات مختارا و معذورا، فما لم يستوعب العذر جميع أجزاء الوقت فلا يصدق: أن الاختياري متعذر، حتى ينتقل منه إلى بدله. و ذلك في العرف واضح، فلو قال المولى لعبده: (ائتني بماء النهر غدا في أي وقت من أوقات النهار شئت، و إن لم تجد ماء النهر فأت بماء البئر) و لا ريب أن هذا العبد إذا أصبح و لم يجد ماء النهر فأتى بماء البئر معتذرا بأن البدل متعذر لذمة العقلاء، معللين بأنه لم يتعين عليك الإتيان في هذا الوقت حتى تنتقل إلى بدله بالتعذر فيه، فلعلك تتمكن منه في أثناء النهار فتأتي به. و بالجملة: كما أن التكليف المتعلق بالكلي لا يسقط إلا بتعذر جميع أفراده لأن مع القدرة على فرد واحد يكون الكلي مقدورا فلا وجه للسقوط فكذلك الواجب الموسع، فإنه ينحل إلى التخيير في أجزاء الوقت، و يصير للمأمور به باعتبار وقوعه في أجزاء الوقت الموسع أفراد اعتبارية ينزل منزلة الأفراد للكلي الطبيعي، فلا يصدق التعذر إلا مع استيعاب العذر للزمان كله حتى لا يتمكن من الأفراد المفروضة مطلقا، و لا يعلم هذا التعذر إلا بالصبر إلى آخر أوقات الإمكان، فإن بقي العذر أتى ببدله، و إن زال أتى بأصل المأمور به. و ثانيهما: الروايات الواردة في باب التيمم الدالة على لزوم التأخير مثل قوله عليه السلام: (ليس للمتيمم أن يتيمم إلى أن يضيق الوقت) أو (عليه أن يطلب الماء ما دام في الوقت «1» و نظائر ذلك، فإن النصوص في ذلك خمسة أو ستة: بين دالة بالطلب، و بين دالة على الصبر مطلقا «2» فإذا وجب في المتيمم ذلك لزم في غيره‌

______________________________
(1) أراد النقل بالمعنى فيهما، و إلّا فلفظ الأحاديث الواردة في الباب ليس كما نقل، انظر الوسائل 2: 993، الباب 22 من أبواب التيمّم.

(2) انظر المصدر السابق.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 454‌

أيضا بعدم وضوح الفرق بينه و بين غيره. و الجواب عن الأول يظهر مما قررناه في تضاعيف أدلة الأكثرين. و توضيحه: أن هذا الكلام إنما ينفع لو لم يتعلق خطاب بالبدل، بمعنى: إن «1» تعلق الخطاب بالمأمور به موسعا فلا ريب في عدم سقوطه ما لم يستوعب العذر جميع الوقت، و أما إذا تعلق خطاب بالبدل فلا يخلو: إما أن يكون خطابا عقليا ناشئا من قبح تكليف ما لا يطاق، أو خطابا شرعيا. فإن كان خطابا عقليا فالظاهر جواز الإتيان بالبدل مع التعذر، لكن لا يفيد الأجزاء، فلو اتفق أنه ظهر زوال العذر مع بقاء الوقت وجب الإتيان بأصل المأمور به، و هذا معنى قولنا: إن الأمر العقلي لا يقتضي الإجزاء. و أما الخطاب الشرعي: فإن كان مقيدا بما دام بقاء العذر أو قضية مهملة لا يظهر منها سوى الإتيان بالبدل مع بقاء المعذورية و بعبارة اخرى: ليس فيه إطلاق يشمل حالة زوال العذر فهذا الأمر كالأمر العقلي في عدم اقتضائه الأجزاء. و إن كان فيه إطلاق يشمل صورة بقاء العذر و زواله، فظاهر هذا الأمر إفادة الأجزاء و إن زال العذر. و هذه الأوامر المفروضة في أصحاب الأعذار كلها أوامر شرعية مطلقة مفيدة للأجزاء، و بهذا سميناها أبدالا للمأمور به، فإذا أتى المكلف في جزء من أجزاء الوقت بالبدل فظاهر الأمر الإجزاء، و هذا هو المراد من جواز التأخير و التقديم المعبر عنه بالتخيير. و الفرق بين أفراد الكلي المخير فيه و أجزاء الواجب الموسع اجتماع أفراد الكلي في وقت واحد، فإذا تمكن المكلف من الإتيان بفرد منه فقد تمكن من الكلي، فلا يصدق التعذر، بخلاف الموسع، فإن بتعذر المأمور به في بعض أجزاء الوقت يصدق أنه متعذر في هذا الحال، فيجي‌ء الخطاب بالبدل، و نظير ذلك في‌

______________________________
(1) كذا في «د» و في سائر النسخ: إنّه.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 455‌

الكلي الطبيعي الأفراد الممكنة في الان المتأخر، فإن إمكان بعض الأفراد في الان المتأخر لا يؤثر في وجود الكلي و مقدوريته، بل يصدق عليه أنه متعذر، فلا وجه لقياس المقام بالإمكان في بعض الأفراد بالزمن الأول. و الجواب عن الثاني: أن التيمم خرج بالدليل، و قد أفتى به المشهور. فإلحاق غيره به لا دليل عليه، و المناط غير منقح. و الفارق: أن مدار مصيرنا على التخيير إطلاق الدليل الدال على البدلية كما قررناه و توجه الخطاب من أول الوقت إن مختارا فمختارا و إن مضطرا فمضطرا، و ليس الدليل في التيمم كذلك، فإن إطلاق قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا «1» قد تقيد بالنصوص الدالة على أنه لا يتيمم «2» إلا عند الضيق، فيصير المعنى: إن لم تجدوا ماء في جميع الوقت حتى انتهى إلى آخر أوقات الإمكان عادة فاللازم التيمم، بخلاف سائر الأعذار، إذ ليس فيها ما يقيد الدليل، و إلا لقلنا به. مضافا إلى أنه يمكن الفرق أيضا اعتبارا: من أن غالب الاحتياج إلى التيمم إنما هو لفقد الماء، و الأعذار الأخر قليلة الوقوع «3» مثل الخوف و نحوه، و الغالب أن فاقد الماء إذا تفحص و انتظر يجد الماء، فلهذا سد الشارع هناك باب التعجيل، و لم يجعله منوطا بزعم المكلف أيضا على ما نختاره من عدم الفرق بين الرجاء و عدمه، نظرا إلى زوال العذر فيه في أغلب الأفراد، بخلاف سائر الأعذار، فإن الابتلاء بها غالب و زوالها في أوقات التوسيع نادر، فرخص في الإتيان من أول الأمر حذرا من فوت الواجب من أصله، و هذا الذي ذكرناه حكمة مقربة للدليل، و إلا فالمتبع النص، فتدبر. و من هنا ظهر ضعف القول بالتفصيل، حتى في مسألة التيمم كما ذهب إليه جماعة من أفاضل من تأخر «4» لأن الذي عللوه به: أن مع عدم الرجاء يسقط عنه‌

______________________________
(1) المائدة: 6.

(2) في «م»: لا تيمّم.

(3) في غير «د»: قليل الوقوع.

(4) راجع ص: 447، الهامش (1).

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 456‌

التكليف الاختياري، للتعذر، بخلاف ما لو كان راجيا، فإنه لا يصدق التعذر حتى ينتقل إلى البدل. و هذا إن دل عليه دليل خاص كما يدعونه في التيمم جمعا بين الأخبار فلا كلام فيه بعد وجود المخرج عن القاعدة، و إلا فبحسب القواعد نقول: لا شبهة في أن المراد من التعذر كعدم وجود الماء، أو العجز عن القيام، أو نحو ذلك إنما هو التعذر الواقعي، فإما أن يصدق مع التعذر في وقت من أوقات التوسيع أن المأمور به متعذر فلا معنى لعدم جواز الانتقال إلى بدله من أول الأمر، و إما أن لا يصدق حتى يستوعب العذر الوقت فلا معنى للاكتفاء بعدم الرجاء، فإن زعم المكلف لا مدخل له في صدق الدليل واقعا، فإن الاحتمال موجود، سلمنا جواز الإتيان بالبدل على حسب ما يزعمه من التعذر، فإذا انكشف خلافه و زال العذر فأي دليل دل على إجزاء ما فعله عن الأمر الواقعي الأولي؟ فإن كان دليل البدلية فقد اعترفوا بأن البدل فرع التعذر الواقعي في جميع الوقت و لم يتحقق، فظهر أن البدل ليس ببدل، و الأجزاء فرع جعل الشارع له بدلا، فتدبر. نعم، لو كان المكلف يعلم قطعا حقيقيا لو فرض حصوله أو علما عاديا يوثق به في العادات زوال العذر، فإن كان إزالته من الاختياريات كذهابه إلى مكان فيه الماء أو غسله الثوب النجس أو تعلمه ما لا يعلم من القراءة الواجبة و نظائرها فلا كلام في لزوم التأخير و تحصيل المقدمات، و هذا إجماع من أصحابنا. و أما لو لم يكن الإزالة اختياريا بل كان أمرا ليس في قدرة المكلف لكن يعلم زواله عادة إن أمكن حصول العلم به كذلك كالمسلوس و المبطون اللذين لهما فترات معتادة تسع الصلاة و المريض الذي اعتيد له البرء و الإفاقة في وقت يمكنه فيه الإتيان بالعمل كالمختار فهل يجب عليه التأخير أم لا؟ محل نظر. و الفرق بين هذا و بين الأول: أن عدم حصول المقدمات الاختيارية لا يعد‌

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 457‌

اضطرارا «1» و لا يعد مثل ذلك من ذوي الأعذار قطعا، و إلا لم يبق مختار مطلقا، بخلاف الثاني، فإنه و إن كان يعلم الزوال بحسب عادته، لكنه مضطر الان، داخل تحت أدلة ذوي الأعذار، و العلم بالزوال لا دخل له في ذلك. و الذي يقوى في النظر القاصر عدم لزوم التأخير في كمن لا يعلم، لإطلاق الأدلة، و لازم القول بلزوم التأخير عدم وجود التكليف الاضطراري بالنسبة إليه، و هذا خلاف مقتضى الأدلة، مع أن العلم بالمستقبل لا يكاد يتحقق، غايته الرجاء و الوثوق، و قد عرفت حاله. هذا ما يتعلق بالكلام في نوع المسألة و أساسها، و الاستعجال يمنع من ذكر كلمة الفقهاء و الأدلة الخاصة في المقامات، و عليك بالتتبع في موارد الفروع حتى يتضح لك حقيقة الحال.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

حجیه الظن فی الصلاه

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط؛ ص: 2

[في بيان تأسيس الأصل]

الكلام في الظّن المتعلّق بأعداد الصّلاة أو أفعالها اعلم أنّ الظّنّ إمّا متعلّق بالرّكعتين الأوليين و المغرب و إمّا متعلّق بالأخيرتين فما زاد و إمّا متعلّق بالأفعال و الشروط فعلا أو تركا و على التقادير إمّا مسبوق بالشّك أو حاصل من أوّل الأمر و على التقادير إمّا قويّ أو ضعيف و أيضا إمّا خاصّ كالحاصل من خبر العدلين أو مطلق و المشهور بينهم أنّه كالعلم في الجميع فيبني على ما ظنّ مصحّحا كان أو مبطلا و لا يجب عليه احتياط و لا سجود للسّهو و الأولى أن نتكلّم في مقامات ثلاثة الأوّل الظّنّ المتعلّق بالأخيرتين و الثّاني الظّن المتعلّق بالأوليين و الثالث في الظنّ المتعلّق بالأفعال و لا بأس قبل الشروع فيها بالتكلّم في أنّ مقتضى الأصول و القواعد مع قطع النظر عن الأخبار الخاصّة ما هو فنقول لو خلّينا و أخبار الشكوك في الأفعال من البناء على الإتيان بعد التجاوز و العدم بالعدم و في الرّكعات بالبناء على الأكثر ففي مثل البيّنة و نحوها الظاهر وجوب العمل بها بناء على عموم حجّيتها في جميع المقامات لأنّ البناء على الأكثر و نحوه من الأصول التعبّدية و من المعلوم أنّ البيّنة طريق إلى الواقع لأنّها من الأمارات التعبدية فهي حاكمة على أدلّة الشكوك في المقامات كما أنّها حاكمة على أدلّة الاستصحاب نعم يمكن أن يقال إنّ البناء على الأكثر ليس أصلا تعبّديا بل هو من جهة إحراز الواقع و كونه طريقا إليه كما يستفاد من أخبار الاحتياط و أنّه إن كانت صلاته ناقصة كان هذا تمامها و إلّا فهي نافلة و على هذا فهو مقدّم على البينة أو في عرضها و يمكن دفعه بأنّ ذلك لا يخرجه عن كونها أصلا تعبّديا غاية الأمر أنّ حكمة هذا الأصل إحراز الواقع بهذا النحو مع أنّ هذا ليس إحرازا للواقع على ما هو عليه لاستلزام زيادة بعض الأركان كما لا يخفى هذا و يمكن أن يقال إنّ البيّنة إنّما تقدّم على الأصل التّعبدي الّذي هو بيان لكيفية العمل في مقام الظاهر مع كون الواقع في محلّه كما في الاستصحاب و سائر الأصول و أمّا إذا احتمل كون الواقع في حقّ الشاكّ هو البناء على الأكثر مثلا و إتمام ما يحتمل النقص بأن يكون من قبيل الحاضر و المسافر في تعديد الموضوع مثلا فلا يكون البيّنة حينئذ حاكمة و ذلك لأنّ غاية أمرها أنّها أمارة إلى الواقع و المفروض أنّ الواقع في حقّ الشّاك هذا فلا يكون مقدّمة على أدلّة الشكوك بل هما حينئذ متعارضان إذ مقتضى البيّنة البناء على الأقلّ مثلا إذا كانت معينة له و مقتضى الأخبار البناء على الأكثر و أنّ التكليف هذا بل الظاهر تقديم أخبار الشكوك لأنّ البيّنة حينئذ لا مورد لها إذ بعد صيرورة تكليف الشاكّ البناء على الأكثر لا معنى للرّجوع إلى قول البيّنة فتدبّر هذا و لكن هذا الاحتمال بعيد بل الظّاهر أنّ المقام أيضا كسائر الأصول العملية في أنّه من قبيل بيان حكم عملي للمكلّف مع كون الواقع بحاله و ما تراه من حكمهم بعدم وجوب الإعادة إذا تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط أو بعدها ليس لأجل انقلاب التكليف و تعدّد الموضوع بل هو من جهة قاعدة الإجزاء المستفادة من الأخبار في المقام و لذا يمكن الحكم بعدم وجوب إعادة الصّلاة مع الطّهارة الاستصحابيّة و كشف الخلاف مع أنّ الواقع لم يتغيّر هناك قطعا و حاصل الأمر‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 3‌

حينئذ أنّ مفاد الأصل بدل ظاهري عن الواقع و من المعلوم أنّ الانتقال إليه إذا يكون مع عدم تبيّن الواقع و المفروض أنّ البيّنة كاشفة عنه فيكون حاكمة بل يمكن أن يقال على الاحتمال المذكور أيضا هي حاكمة لأنّ حكم الموضوع الثّاني و هو الشاك من البناء على الأكثر مثلا إنّما هو مع الشكّ و عدم وصول اليد إلى الواقع و البيّنة طريق إليه فلو كان هناك حكم معلّق على فقد عنوان خاصّ مثلا و كانت البيّنة مثبتة لذلك العنوان لم يترتب الحكم الثّاني و إن كان حكما واقعيا في عرض الواقعي الأوّلي فتدبّر فعلى هذا لا إشكال في أنّه بناء على عموم دليل حجّية البيّنة تقدم على أدلّة الشكوك هذا بالنسبة إلى غير الأوليين و أمّا فيهما فيظهر الحال ممّا نذكره بعد من احتمال كون الحفظ و التثبت معتبرا فيهما على وجه الموضوعيّة فلا يقوم مقامهما غيرهما من الأدلّة و الأمارات الظنيّة و أمّا خبر الواحد فإن قلنا بأصالة حجّيته في جميع المقامات كما يستفاد من بعض الأخبار مثل قوله ع إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم فحكمه في ما ذكر حكم البينة و إلّا فهو في الظنون المطلقة و سيأتي الكلام فيه نعم يمكن الاستدلال على اعتباره بالخصوص في ما نحن فيه بخبر أبي الهذيل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يتّكل على عدد صاحبه في الصّلوات يجزيه عنها و عن الصبي فقال نعم أ لا ترى أمامك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه فهو مثله و الظاهر أنّ لفظ الصبي غلط و يمكن أن يكون عن الصاحب بل النسخة كانت مغلوطة في غير ذلك أيضا و كيف كان يستفاد منه جواز الاتكال على عدد الصّاحب مع أنّه ربّما يظهر له بإخباره مع أنّه على فرض ظهوره في صورة عدم الإخبار يدل بالفحوى على المطلب بل يمكن استفادة ذلك من الأخبار الواردة في رجوع الإمام و المأموم إلى الآخر إلّا أن يقال إنّها تعبّد في محلّها و موردها و لا يستفاد منها العموم حتى في غير صورة الائتمام فتدبّر هذا و يمكن أن يجعل من الظنون الخاصّة في المقام و إجراء حكم البينة عليه الظن الحاصل من حفظ الصّلاة بتحويل الخاتم و عدّ الحصى ففي خبر حبيب الخثعمي قال شكوت إلى أبي عبد اللّٰه ع كثرة السّهو في الصّلاة فقال عليه السّلام أحص صلاتك بالحصى أو قال احفظها بالحصى و في خبر حبيب المعلى عن أبي عبد اللّٰه ع قال له إنّي رجل كثير السّهو فما أحفظ صلاتي إلّا بخاتمي أحوله من مكان إلى مكان فقال لا بأس به و في خبر عبد اللّٰه بن المغيرة عنه ع أنّه قال لا بأس أن يعدّ الرجل صلاته بالخاتم أو بحصى يأخذ بيده فيعدّ به لكن الإنصاف أنّه لا دلالة فيها على اعتبار الظنّ بل الظاهر منها أنّه يحصل له العلم بذلك كما هو الظاهر من لفظ الحفظ ففي جعلها من أدلّة حجيّة الظنّ مطلقا أو الخاص بموردها إشكال بل منع هذا كلّه في مقتضى الأصل بالنسبة إلى الظنون الخاصّة و أمّا الظّنّ المطلق فلا إشكال في عدم اعتباره بمقتضى الأصل إلّا أنّ الكلام في أنّه مع فرض حصوله هل حكمه مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة حكم الشكّ في الرّجوع إلى الأخبار الواردة من البناء على الأكثر و نحوه أو لا بل لا بدّ من الرّجوع إلى الأصول و المسألة مبنيّة على أنّ المراد من الشّك في الأخبار هل هو الأعمّ من الظّن أو خصوص متساوي الطرفين الظاهر هو الأوّل من غير فرق من الشّك في الأفعال و الأعداد و ذلك لأمور الأوّل أنّ الأخبار الواردة في أحكام الشكوك كما أنّها مشتملة على لفظ الشك كذلك مشتملة على لفظة لا يدري و الأوّل إن كان ظاهرا في تساوي الطرفين فالثّاني لا إشكال في عمومه و دعوى أنّهما من قبيل المطلق و المقيد فلا بد من التقييد مدفوعة بأنّ المقام ليس مقام التقييد لأنّهما مثبتان لا تنافي بينهما كما هو واضح بل في جملة من الأخبار رجل شكّ فلا يدري و يظهر من ذلك أنّ المراد من الشّك الأعمّ فتدبّر الثّاني قوله في أخبار البناء على الأكثر ثم أتمّ ما ظننت أنّك نقصت يظهر منه أنّ المراد من الشّك هو الأعمّ إلّا أن يقال لا بدّ من أن يراد من الظّن خصوص تساوي الطرفين للإجماع على عدم بقائه عن ظاهره إذ الأخبار دالّة على أنّ البناء على الأكثر إنّما هو في صورة اعتدال الوهم فلا يمكن إبقاء ذلك على ظاهره الثالث أنّ الشّك في اللّغة بمعنى مقابل اليقين كما صرح في القاموس و ص و المجمع و غيرها و كونه‌

مقابلا للظنّ إنّما هو اصطلاح الفقهاء نعم حكي عن الزمخشري أنّه بمعنى التساوي و إلّا فالمتراءى و المحكي من غيره من أهل اللّغة أنّه خلاف اليقين فيشمل الظن أيضا دعوى أنّ في العرف أيضا بمعنى التساوي و هو مقدم على اللغة مدفوعة بأنّ الظاهر أنّ هذا العرف جديد ناشى‌ء من اصطلاح العلماء و مع الشكّ فالأصل تأخّره و يؤيّد ما ذكرنا من شمول الأخبار العامّة للظنّ أيضا أخبار الاستصحاب فإنّ فيها أيضا جعل الشك مقابلا لليقين و بناء العلماء أيضا عليه في ذلك المقام و كيف كان فلا ينبغي للتأمّل في أنّ الشكّ في الأخبار العامة أعمّ من الظنّ فمع قطع النظر عن النصوص الخاصّة مقتضى القاعدة هو إجراء حكم الشكّ عليه و يظهر ثمرة ما ذكرنا في ما لو قصر النّص الخاص عن الشمول له فإنّه لا يرجع إلى الأصل الأوّلي بل إلى الأخبار المتكفلة لحكم الشكّ من البناء على الأكثر و غيره‌

المقام الأوّل في الظن المتعلّق بالركعتين الأخيرتين فما زاد

و المشهور بينهم اعتباره و أنّه كالعلم مصحّحا أو مبطلا حتى إنّه لو ظنّ الخامسة كان كمن زاد ركعة آخر الصّلاة فإن قلنا بصحّة صلاته إن جلس عقيب الرابعة نقول به هنا و لا يجب عليه صلاة الاحتياط سواء ظنّ الأكثر و الأقل و لا عليه سجود سهو و عن علي ابن بابويه أنّه قال في الشّكّ بين الاثنين و الثلاث إن ذهب الوهم إلى الثالثة أتمّها رابعة ثم احتاط بركعة و إن ذهب الوهم إلى اثنين بنى عليه و تشهد في كلّ ركعة و يسجد للسّهو و عنه و عن والده إيجاب سجدتي السّهو على من شكّ بين الثلاث و الأربع و ظن الأربع و لعلّهما يقولان بهما في كل مورد ظنّ الأكثر كما أنّ الأوّل يقول بصلاة الاحتياط كذلك و إن كان كلامه مخصوص بالشكّ بين الاثنين و الثلاث و كيف كان الظاهر لا فرق عند المشهور بين أن يكون الظن بدويا أو مسبوقا بالتردد و الشكّ و إن كان قد يستظهر من بعض العبائر الاختصاص بالثّاني كقولهم لو غلبه على ظنه أحد طرفي إلخ إلّا أنّه من باب ذكر الفرد الغالب و في الجواهر ادّعى الإجماع على عدم الفرق بين الصّورتين و أيضا لا فرق بين الظنّ القوّي و الضّعيف و قد يستظهر من قولهم لو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه أنّ المدار على الظن القوّي و لكنه في غير محلّه بل المراد منه‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 4‌

مطلق فإنّ الظاهر أنّ المراد من الظنّ في هذه العبارة الاحتمال يعني لو غلب على احتماله أحد الطرفين فإنّ الظنّ كثيرا ما يستعمل في مطلق الاحتمال و لو مع عدم الرجحان فعن الحلّي لو تساوت الظنون أي الاحتمالات و في مجمع البحرين و عن بعضهم أنّه قال يقع الظن لمعان أربعة منها معنيان متضادّان أحدهما الشكّ و الآخر اليقين الّذي لا شكّ فيه فأمّا معنى الشّك فأكثر من أن تحصى شواهده و أمّا معنى اليقين فمنه قوله تعالى أَنّٰا ظَنَنّٰا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللّٰهَ فِي الْأَرْضِ وَ لَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً إلى أن قال و المعنيان اللذان ليسا بمتضادين أحدهما الكذب و الآخر التهمة إلخ و قد عرفت أنّ الشكّ ما يقابل اليقين بل لا يمكن أن يراد من العبارة المزبورة الظنّ القوّي لأنّه لا معنى لغلبة أحد الطرفين على الطرف الراجح كما لا يخفى و كيف كان فهذه العبارة يراد منها مطلق الظنّ مع أنّها غير خال عن سوء التعبير بل يمكن أن يقال ما اشتهر بينهم من التعبير عن الظنّ القوّي بالظن الغالب لا وجه له لأنّ الغالب إذا كان صفة للظنّ فيكون المراد منه الظن الذي هو غالب على الطرف الآخر و هذا لا يفيد إلّا مطلق الظنّ لأنّ مطلق الظنّ غالب على الطرف الآخر فلا ينبغي الإشكال و التأمّل في أنّ المراد مطلق الظنّ و أوّل درجته حجّة عندهم لكن يظهر من الوسائل اعتبار الظن القوي حيث قال باب وجوب العمل بغلبة الظنّ عند الشّك إلى آخره‌

و أمّا الدّليل على اعتباره في المقام أمور

الأوّل الإجماع المنقول

عن الخلاف و الغنية و الذكرى و المصابيح و غيرها المعتضد بالشهرة المحصّلة و عدم الخلاف في المسألة في الجملة كما صرّح به جماعة ففي الرّياض بلا خلاف أجده بل بالإجماع صرح جماعة و في الجواهر لا خلاف معتدّ به أجده و في المستند بلا خلاف يوجد بل يمكن بملاحظة ما ذكر دعوى الإجماع المحصّل في المسألة‌

الثّاني العسر و الحرج

كما قيل لكن فيه ما لا يخفى فإنّه دون تحققه يحصل الكثرة الموجبة لعدم الاعتبار بالشّك إذ لا يخفى أنّ كثرة الشكّ الّذي لا حكم له مرتبتها قبل مرتبة الحرج و المشقة فالتمسّك بالحرج في المقام ممّا لا وجه له أصلا كما صرّح به بعضهم أيضا‌

الثّالث النبوي العامي

إذا شكّ أحدكم في الصّلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصّواب فليبن عليه و ضعفه منجبر بالشهرة و الإجماع و دلالته واضحة فإنّ المراد من الأحرى هو الطرف الراجح فإنّ المراد من الصّواب هو الواقع من الفعل و الترك مثلا و ما هو أحرى إليه هو الطرف المظنون‌

الرّابع النبوي الآخر

إذا شكّ أحدكم في الصّلاة فليتحرى الصّواب و يمكن الخدشة في دلالته بأنّ الأمر بالتحرّي لا يوجب العمل بالظّن الحاصل منه فلعلّ المراد وجوب طلب الحق فإن حصل العلم به عمل و إلّا توقّف فإنّ المراد من التحرّي طلب الحري فالرواية يدلّ على وجوب التروّي عند الشكّ هذا و لكن ظاهر الفقهاء أنّه يستفاد من مثل العبارة العمل بالظّن بل يستفاد ذلك مما ورد في باب القبلة من الأمر بالتحرّي و فهموا أنّه الاجتهاد و الظنّ و في مجمع البحرين التحرّي و التوخّي القصد و الاجتهاد في الطلب و العزم على تخصيص الشي‌ء بالفعل و القول و منه الحديث و لا تتحرّوا بالصّلاة قبل طلوع الشمس و غروبها أي لا تقصدوا بها ذلك و في الخبر تحرّوا ليلة القدر في العشر الآخر أي تعمدوا طلبها فيها و في الحديث من تحرّى القصد خفت عليه المؤن أي من طلب القصد في الأمور كان كذلك و فيه التحرّي يجزي عند الضرورة أي طلب ما هو الأحرى في الاستعمال في غالب الظنّ انتهى ثمّ لا يخفى أنّه يستفاد منه أنّ التحرّي بمعنى الطّلب و القصد كما صرّح به و يمكن أن يقال إنّه إذا ذكر متعلّقه كما إذا قيل فليتحرّى الصّواب فهو بمعنى الطلب و القصد و الاجتهاد و الظاهر أنّه من باب انسلاخ المعنى المادي حينئذ و إذا لم يذكر كما إذا قيل فليتحرّى فيكون المراد فليطلب الحريّ و ليس لازم ذلك وجوب العمل بالظنّ لأنّه ليس المراد طلب الأحرى بل طلب الحري فتدبّر مع أنّه لو كان المراد طلب الأحرى لم يستلزم جواز العمل مع الظن هذا و لكنك عرفت أنّ العلماء فهموا منه ذلك‌

الخامس الأخبار المستفيضة الدالّة على ذلك

و لا بأس بذكر جميع ما ورد منها في هذا الباب و التكلم فيها فمنها موثقة أبي العبّاس البقباق عن الصّادق ع إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث و إن وقع رأيك على الأربع فسلّم و انصرف و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس و دلالة هذا الخبر واضحة إذا كان المراد من الرأي الظنّ و ما يشمله إذ الحكم بالاحتياط في صورة الاعتدال دون عدّ دليل على اعتبار الظنّ لكنه مخصوص بالشّك بين الثلاث و الأربع و لا ينفي سجدتي السّهو أيضا صريحا و لا يشمل الظنّ الابتدائي أيضا بل الظاهر منه الظنّ المسبوق بالشكّ و يمكن أن يقال إنّ الرأي إذا كان أعمّ من الظن و العلم فيقيّد الخبر بالأخبار الدّالة على وجوب البناء في صورة على الأكثر في صورة الشّك المراد منه عدم الدّراية أعمّ من الشكّ و الظنّ فتدبّر فإنّ الأمر بالعكس و منها موثقة إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد اللّٰه ع إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع أ فهمت قلت نعم و هذا الخبر ظاهر في المطلوب بل يستفاد منه حجّية الظنّ في الأوليين أيضا فإنّ المراد من التمام الطرف الأكثر يعني إذا دار الأمر بين إتيان ركعة و تركها و ذهب وهمك إلى التمام أي الإتيان فاسجد و يحتمل أن يكون المراد إذا ذهب وهمك إلى تمام الصّلاة فيكون مخصوصا بما إذا كان بعد الفراغ و لا يثمر في المقام حينئذ و على الأوّل فلا يشمل صورة الظنّ بالأقلّ و لا الظنّ بالأزيد من العدد المعتبر و مع ذلك أوجب سجدتي السّهو أيضا و يمكن أن يقال إنّ المراد من الوهم مجرد الاحتمال لا الظنّ كما هو المعنى المعروف فإنّ معناه المعروف ما يقع في الخاطر و هو صادق على الشك أيضا قال في المجمع الوهم السّهو و منه الحديث فرض اللّٰه على العباد عشر ركعات و فيهن القراءة و ليس فيهنّ الوهم إلى أن قال و الوهم ما يقع في الخاطر يقال وهمت الشي‌ء أهمه وهما من باب ضرب أي وقع في خلدي و أوهم في صلاته أسقط منها شيئا و وهم يوهم وهما بالحركة إذا غلط و وهمت في الحساب بالكسر أي غلطت فيه و سهوت و وهمت في الشي‌ء أهم وهما إذا ذهب وهمك إليه و أنت تريد غيره انتهى فدعوى أنّ المراد خصوص الظنّ يمكن منعها و يؤيّد ذلك التعبير باعتدال الوهم في جملة من الأخبار منها الخبر السابق فيكون المراد من الخبر إذا احتملت أن يكون صلاتك تامّة بعد الفراغ فلا شي‌ء عليك إلّا سجدتي السّهو و يمكن الخدشة فيه أيضا بأنّ المراد من الوهم العلم المسبوق بالتردد لكنه بعيد غايته‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 5‌

و منها خبر علي بن جعفر ع المروي عن كتابه عن أخيه موسى ع عن الرّجل يسهو فيبني على ما ظنّ كيف يصنع أ يفتتح الصّلاة أم يقوم فيكبر و يقرأ و هل عليه أذان و إقامة و إن كان قد سها في الركعتين الأخراوين و قد فرغ من قراءته هل عليه أن يسبّح أو يكبّر قال يبني على ما صلّى إن كان قد فرغ من القراءة فليس عليه قراءة و ليس عليه أذان و لا إقامة و لا سهو عليه و هذا الخبر ذكره صاحب الوسائل في عداد أخبار حجّية الظنّ مع أنّه مروي عن قرب الإسناد بدل قوله فيبني على ما ظنّ فيبني على ما صلّى مع اختلاف في المتن بالنسبة إلى الفقرات الأخيرة و مع ذلك مضطرب المعنى بل مجمل المراد كما لا يخفى مع أنّه يحتمل أن يكون المراد أنّه يسهو بمعنى يسقط شيئا فيبني على ما أسقط يعني يأت بالصّلاة ناقصة كيف يصنع و ليس المراد أنّه يشكّ ثم يظنّ و منها مرسلة جميل عن أبي عبد اللّٰه ع قال في من لا يدري أ ثلاثا صلّى أم أربعا و وهمه في ذلك سواء قال فقال ع إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة و هو قائم و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس و دلالته على حجّية الظنّ بالمفهوم و تعليق حكم البناء على الأكثر و صلاة الاحتياط باعتدال الوهم و دعوى كون الاعتدال في مقابل حصول العلم كما ترى لكن هذا الخبر مختصّ بالثلاث و الأربع و منها صحيحة ابن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس يقصر في التشهد و دلالته أيضا بالمفهوم كالسّابق إلّا أنّه أظهر في التقييد لكون التقييد بالاستواء في كلام الإمام ع ابتداء بخلاف السّابق لأنّه لما كان السّؤال عن صورة الاستواء فيحتمل أن يكون الإمام ع ذكر ما فرضه من حيث إنّه فرض من الفروض لا من باب التقييد و هو أيضا خاصّ بالمورد السّابق و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا و لم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ثم صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة و لا تسجد سجدتي السّهو فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد و سلّم ثمّ اسجد سجدتي السّهو و دلالتها أدون من السّابق من جهة و أظهر من جهة أمّا الأظهرية فللتصريح بالمطلب منطوقا و أمّا الأدونيّة فمن جهة احتمال كون المراد من ذهاب الوهم حصول العلم إلّا أنّه لما أثبت سجدتي السّهو في صورة ذهاب الوهم إلى الأكثر دون الأقل يمكن دعوى ظهوره في الظنّ لأنّه إذا كان المراد حصول العلم لا معنى لإثبات سجدتي السّهو إلّا أن يقال إنّهما من جهة مجرّد السّهو أوّلا و إن حصل العلم بعد إلّا أنّه على هذا ناسب إثباتهما في الصّورتين ثم إثبات سجدتي السّهو مناسب لمذهب الصّدوقين إلّا أن يحمل على الاستحباب كما سنذكره ثمّ إنّه أيضا مختصّ بالمورد السّابق و منها صحيحة أخرى للحلبي عن أبي عبد اللّٰه ع أنّه قال إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعا و لم يذهب إلى شي‌ء فتشهد و سلّم ثم صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ثم تشهد و تسلم فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع و إن كنت صلّيت أربعا كانتا هاتان نافلة و دلالتها أيضا بالمفهوم و يمكن الخدشة فيها بما سبق من الحمل على صورة العلم و منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه ع إنّما السّهو بين الثلاث و الأربع و في الاثنين و الأربع بتلك المنزلة و من سها فلم يدر ثلاثا صلّى أو أربعا و اعتدل شكّه قال يقوم فيتمّ ثم يجلس فيتشهد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد و سلّم ثم قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثم قرأ و سجد سجدتين و تشهد و سلم و إن كان أكثر وهمه إلى الاثنين نهض و صلّى ركعتين و تشهد و سلّم و هذه الرواية مخالفة للمشهور لأنّها أثبتت صلاة الاحتياط صريحا في ظنّ الأكثر و احتمالا في ظن الأقل بناء على كون المراد من قوله ع نهض صلاة الاحتياط لكنها صريحة في الظنّ للتعبير بالأكثر ثمّ إنّ مقتضى سوقها كون الفقرة الأخيرة أيضا‌

تتمة للفرض المذكور و هو الشكّ بين الثلاث و الأربع لكنها ذكرت شقّا من الصّورة المذكورة و شقا من الشكّ بين الاثنين و الأربع و يمكن أن يقال إنّ المراد من الفقرة الأخيرة كون صلاة ركعتين تتمة لا صلاة الاحتياط و يحمل صلاة الاحتياط في الفقرة الأولى على الاستحباب و إلّا فيكون دليلا لمذهب الصّدوق بناء على كون ذكره ذلك في الشك بين الاثنين و الثلاث من باب المثال و منها موثقة أبي بصير قال سألته عن رجل فلم يدر أ في الثالثة هو أم في الرابعة قال فما ذهب وهمه إليه إن رأى أنّه في الثالثة و في قلبه و في الرابعة شي‌ء سلّم بينه و بين نفسه ثم صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب و ظاهر صدر هذه الموثقة حجية الظنّ إن حملنا الوهم على الظنّ إلّا أنّ ظاهر ذيلها عدمها لأنّ الظاهر أنّ المراد من قوله و في قلبه من الرابعة شي‌ء مجرد الاحتمال بأن يكون الظن مع الثلاث و مع ذلك حكم بالبناء على الأكثر فيكشف عن أنّ المراد من ذهاب الوهم أيضا في الصّدر هو حصول العلم بل يكون شاهدا على ذلك في بقية الأخبار و منها مرسل المقنع عن أبي بصير أنّه روى في من لم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا إن كان ذهب وهمك إلى الرابعة فصلّ ركعتين و أربع سجدات جالسا فإن كنت صلّيت ثلاثا كانتا هاتان تمام صلاتك و إن كنت صلّيت أربعا كانتا هاتان نافلة لك و هذا الخبر أيضا مخالف للمشهور و المراد من ذهاب الوهم فيه ليس حصول العلم قطعا و إلّا فلا معنى لصلاة الاحتياط بل هو الظن أو الاحتمال و يمكن على الأوّل حمله على الاستحباب و منها مرسل آخر للمقنع عن محمد بن مسلم أنّه روى إن ذهب وهمك إلى الثالثة فصلّ ركعتين و اسجد سجدتي السّهو بغير قراءة و إن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صلّيت ركعة من قيام و إلّا ركعتين من جلوس و إن ذهب وهمك مرّة إلى ثلاث و مرّة إلى أربع فتشهد و سلم و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت قاعد تقرأ فيهما بأمّ القرآن و الظاهر أنّ المراد من قوله إن ذهب وهمك إلى الثالثة فصلّ أنّه يصلّي ركعتين بعد إتمام الصّلاة فيكون مخالفا للمشهور في إثبات صلاة الاحتياط مع العمل بالظنّ و يمكن أن يكون المراد البناء على الأربع و إن ذهب الوهم إلى الثالثة فيكون أيضا مخالفا للمشهور في عدم العمل بالظنّ و على أيّ حال المراد منه حصول الظنّ لا العلم و إلّا فلا معنى لصلاة الاحتياط و لا الاحتمال المتساوي و إلّا لم يكن فرق بينه و بين الفقرة الثانية و المراد من الفقرة الأخيرة أيضا حصول الظنّ إلّا أنّه تارة يظنّ الأقلّ و تارة يظنّ الأكثر و الظاهر‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 6‌

أنّ حكمه حكم الشكّ إلّا أنّه عيّن فيه صلاة ركعتين جالسا دون التخيير و هذا الخبر و السّابق يدلّان على أنّ المراد من ذهاب الوهم في الأخبار ليس حصول العلم و لا الاحتمال المجرد عكس سابقهما فتدبّر و منها مرسلة أخرى لجميل عن أبي عبد اللّٰه ع قال في رجل لم يدر اثنتين صلّى أم أربعا و وهمه يذهب إلى الأربع أو إلى الركعتين فقال يصلّي ركعتين و أربع سجدات و قال إن ذهب وهمك إلى ركعتين و أربع و هو سواء و ليس الوهم في هذا الموضع مثله في الثلاث و الأربع و الظاهر أنّه سقط من فقرته الأخيرة شي‌ء و ظاهر الفقرة الأولى أنّه مرّة يظنّ الأربع و مرّة يظنّ الاثنين و حكم بالبناء على الأكثر على التقديرين إن كان المراد من صلاة ركعتين صلاة الاحتياط و بالبناء على الأقل إن كان المراد الركعتان الموصولتان و كيف كان فهو مخالف للمشهور و ذيله أيضا مناف لما مرّ من صحيحة محمد بن مسلم من أنّ الاثنين و الأربع بمنزلة الثلاث و الأربع هذه جملة من الأخبار الواردة في المضمار و قد عرفت دلالة جملة منها على مذهب المشهور من العمل على الظنّ من دون صلاة الاحتياط و لا سجود السّهو و البعض الآخر إمّا محمول على الاستحباب أو مطروح في مقابلة تلك مع كونها موافقة للمشهور المدّعى عليه الإجماع في كلام جماعة فلا ينبغي الإشكال في كون الحقّ مع المشهور في الجملة بل مطلقا لأنّ الأخبار و إن لم يشمل غير الشّك بين الثلاث و الأربع و الاثنين و الأربع إلّا أنّه يتم في البواقي من الصور المنصوصة في الشكوك بالإجماع المركّب مضافا إلى الإجماعات المنقولة و النبوي و خصوص مورد إسحاق بن عمّار المتقدمة بناء على دلالتها على حجّية الظنّ و إن عرفت الخدشة فيها و أمّا الظن المتعلق بأزيد من الأربع و بعبارة أخرى الصور غير المنصوصة فيشكل الحال فيها و إن ذكر جماعة حجّية الظنّ فيها أيضا و ادّعى بعضهم الإجماع المركّب إلّا أنّه يمكن منعه لاختصاص كلمات جملة من العلماء بالشكوك المنصوصة لأنّهم بعد ذكرهم تلك الصّور يقولون لو غلب على ظنّه أحد طرفي ما شكّ فيه بنى على الظنّ فتدبّر ثمّ لو فرضنا التعميم فيشكل ما ذكروه من إجراء جميع آثار العلم على الظنّ حتى إنّ من ظنّ الخمس يحكم بأنّه زاد ركعة فإن جلس عقيب الرابعة كان حكمه كمن زاد خامسة يقينا فتدبّر فرع لو شكّ بين الاثنين و الثلاث و الأربع ثم ظنّ عدم الأربع فهل هذا حكمه حكم الشكّ بين الاثنين و الثلاث كما لو علم عدم الأربع أو لا يمكن الثّاني لعدم شمول الأخبار له و يمكن الأوّل لأنّه لا فرق على الظاهر عندهم بين الظنّ بالوجود و العدم ففي المفروض يظنّ عدم الأربع أو نقول لا فرق بين الظنّ التفصيلي و الإجمالي و في المقام يرجع الأمر إلى الظنّ الإجمالي بين الاثنتين و الثلاث فتدبّر‌

المقام الثّاني في الظنّ المتعلّق بالثنائية و الثلاثية و الأوليين من الرّباعيّة

و المشهور بينهم على الظاهر المصرّح به في كلمات جماعة كونه حجة سواء كان بدويا أو بعد التروّي بل عن بعضهم نفي الخلاف كما في الجواهر و في الرّياض عليه أكثر علمائنا على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر بل قيل إنّه إجماع و عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب عدا ابن إدريس و عن الدرة النسبة أنّ شيخنا قال إنّ العمل على الظنّ في الرباعية و غيرها من الأفعال أو الرّكعات مما لا خلاف فيه إلّا من ابن إدريس و عن بعض حواشي الألفية أنّ أصحابنا مجمعون على اعتباره في عدد الصّلاة و أعمالها و عن الغنية الإجماع عليه و حكى جماعة عن الحلّي عدم الاعتبار و الحكم بالبطلان مع عدم العلم و كذا حكي عن ظاهر مقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و الإنتصار و المختصر النافع و المعتبر و التذكرة و المنتهى لأنهم ذكروا وجوب الإعادة في الشّك في عدد الصّبح و المغرب و عدد الركعات و الأولتين من غير تفصيل بين الشّك و الظّن ثم ذكروا أحكام الشّك في الأخيرتين مفصلين بين الظن و غيره و ربّما يستظهر بين الحلّي تفصيل و هو الفرق بين الظنّ البدوي فحجة و المسبوق بالشّك فمبطل لقوله إنّ كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشي‌ء فالعمل بما غلب عليه الظنّ و إنّما يحتاج إلى تفصيل أحكام السّهو عند اعتدال الظن و تساويه ثم قال و السّهو المعتدل فيه الظن على ضروب ستة فأولها ما يجب فيه إعادة الصّلاة على كل حال و عدّ منه السّهو في الأوليين و المغرب و الغداة إلى أنّ قال و ثالثها ما يجب فيه العمل على غالب الظنّ و عد منه الشكوك المتعلّق بالأخيرتين فإن مقتضى الجمع بين كلاميه ما ذكر من التفصيل ففي الحقيقة ليس مخالفا في المسألة و إنّما خلافه في مسألة أخرى و هي أنّه هل يبطل الصّلاة بمجرّد الشك في الثنائية و الثلاثية و الأوليين أولا بل إنّما تبطل إذا لم يحصل علم أو ظن بعد التروي بل ربّما يقال إن غيره من المذكورين أيضا ليسوا مخالفين بل مرادهم من الشكّ ما تساوى طرفاه لأنّه المعنى المعروف بين العلماء و إن لم يكن كذلك بالنسبة إلى اللّغة بل الأخبار أيضا و يؤيّد ذلك أنّ الشّيخ في المبسوط بعد أنّ ذكر أحكام الشك قال فإن غلب في ظنه أحدهما عمل عليه لأن غلبة الظنّ في جميع أحكام السّهو هو تقوم مقام العلم على سواء و الفاضل في المنتهى أيضا علل اعتباره بالنبوي المذكور سابقا و قد عرفت أنّه عام للمقام أيضا فيكشف ذلك عن قوله بعموم الحجيّة و حينئذ يكون كلامهم ساكتا عن حكم الظن بالنسبة إلى هذا المقام و وجه اختصاصهم ذكره بالأخيرتين ليس عدم حجيته في غيرهما بل من جهة تعرض الأخبار له فيهما دون الأوليين و الثنائية و الثلاثية أو من جهة الرد على بعض العامة القائلين بعدم حجيته في الأخيرتين أو من جهة أنّ مذهبهم بطلان الصلاة بمجرد الشّك هناك كما احتمل في كلام ابن إدريس و غرضهم الظن المسبوق بالشك دون الظن البدوي و الإنصاف أن كلماتهم ظاهرة في المخالفة في المقام و أنّ مرادهم من الشكّ المعنى اللّغوي و هو قابل اليقين و إن كانوا كثيرا ما يطلقونه على المتساوي طرفاه خصوصا العلامة و من قارب عصره إلّا أنهم كثيرا ما يطلقونه على هذا المعنى أعني اللغوي أيضا كمسألة الطهارة و الحدث و نحوها و دعوى أنّ إرادة ما خالف اليقين مع أنّ اصطلاحهم فيه هو المتساوي الطرفين تدليس كما ترى خصوصا مع ظهور كلماتهم بقرينة التفصيل في الأخيرتين في ما ذكرنا و استظهار إرادة المتساوي طرفاه من تعليل المبسوط في محل المنع كيف و التعليل بالأعم من المدعى كثير في كلماتهم و كذا استدلال العلّامة بالنبوي و كيف كان فعن والد الصّدوق‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 7‌

التفصيل في المسألة بين الظن الأول و الثّاني و قال في المستند القول بعدم مساواة غير الأخيرتين لهما في ذلك الحكم بل بطلان الصلاة في غيرهما قوي جدا كما عن الحلّي إلى أن قال و اختاره بعض مشايخنا المتأخرين و ظاهر الأردبيلي و خيره و الكفاية التردد و في الرياض الميل إلى عدم الحجية و كيف كان فعن والد الصدوق التفصيل في المسألة بين الظن الأول و الثاني و الثالث فحكم بالإعادة في الأول ثم لو ظن ثانيا يعمل بالظن كما في الرضوي و إن شككت في الركعة الأولى و الثانية فأعد صلاتك و إن شككت مرة أخرى فيهما و كان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها و اجعلها ثانية فإذا سلمت صلّيت ركعتين من قعود بأم الكتاب و إن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الأولى و تشهدت في كل ركعة فإن استيقنت بعد ما سلّمت أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية و زدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شي‌ء لأن التشهد حائل بين الرابعة و الخامسة و إن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صليت ركعتين من قيام إلا ركعتين و أنت جالس قيل و هو موافق للحكمين عن أبي حنيفة‌

و لنذكر أدلة القول المشهور

فنقول استدلوا عليه بأمور الأوّل الإجماع المنقول عن بعض الحواشي على الألفية و عن الغنية المعتضدين بالشهرة و ما ذكر من نفي الخلاف و غيره و أنت خبير بما فيه الثّاني أن في ترك العمل به عسر و حرج و فيه أيضا ما لا يخفى إذ مع كثرة الشك التي تتحقق قبل أن يتحقق العسر يرتفع حكم الشّك فلا حرج فيه الثّالث النبويان السّابقان و ضعفهما منجبر بالعمل و قد عرفت عدم دلالة أحدهما على العمل بالظن و أمّا الآخر فإنا و إن قلنا سابقا إنّه ظاهر فيه إلّا أنّه يمكن الخدشة فيه باحتمال أن يكون المراد الأخذ بما هو الأحرى من حيث الصحة و الفساد فيكون مساوقا لما ورد في كثير الشّك من أنّه يبني على الإتيان في ما لو شك في إتيان أحد الأجزاء أو الركعات و العدم في ما كان الإتيان به موجبا للبطلان مع أن جبره في المقام ممنوع و مجرد مطابقة العمل معه لا يستلزم الجبر إذ لا بد من الاستناد و هو من المشهور غير معلوم مع أنّه معارض بما سيجي‌ء الرّابع موثقة إسحاق بن عمار إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع أ فهمت قلت نعم و فيه أنّه محتمل لأمور أحدها أن يكون المراد إذا ظننت إتيان ما شككت فيه فاسجد سجدتين فيكون المراد من التمام الطرف الزائد من طرفي الشك و هذا الاحتمال بعيد و مقتضاه حجية الظن إذا تعلق بالأكثر دون الأقل الثّاني أن يكون المراد من التمام واقع الأمر من الأقل و الأكثر يعني إذا ظننت أحد الطرفين و هذا أيضا بعيد الثالث أن يكون المراد إذا ذهب وهمك إلى كون صلاتك تامة فاسجد فيكون مخصوصا بما بعد الفراغ و حينئذ فيكون المراد من ذهاب الوهم مجرد الاحتمال و لا يكون دليلا على المقام قال في المستند في مقام الجواب عن الموثقة وهم التمام لا يكون إلّا مع الفراغ و لا اعتبار بشك و لا ظن حينئذ أصلا الرّابع و هو أظهر الاحتمالات أن يكون المراد الظن بعدم خلل في الصّلاة فعلا في ما لو كان الفعل مخللا أو تركا في ما لو كان الترك مخللا و حينئذ فيكون ظاهرا في غير المقام أيضا إذ يكون ظاهرا في ما لو لو تجاوز محل المشكوك فتدبر و على فرض ظهوره في المقام معارض بما سيجي‌ء مع أنّ كونه مفيدا للعموم أول الكلام الخامس خبر علي بن جعفر ع المروي في كتابه عن أخيه ع عن الرّجل يسهو فيبني على ما ظنّ إلى آخر ما مرّ حيث إنّه مطلق مع أنّه ظاهر في أنّ حجية الظنّ كان معروفا بينهم مسلما و قرره أخوه على هذه المسلمية و فيه ما عرفت من أنّ الخبر روي في قرب الإسناد و بدل قوله ما ظن ما صلى مع اختلاف في المتن في الفقرات الأخر أيضا مع أنّه محتمل لما ذكرنا سابقا و معه لا يكون ظاهرا مع أنّه مضطرب المتن غير مفهوم المراد فتدبّر السّادس الأخبار الواردة في رجوع كل من الإمام و المأموم إلى الآخر مطلقا و فيه أنّها مخصوصة بموردها السّابع ما ورد من الأخبار في حفظ عدد الصّلاة بالحصى و الخاتم و نحو ذلك و فيه مع أنها خاصة بموردها أنها لا دلالة فيها على حجية الظّن الثّامن صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السّلام إذا لم تدركم صليت و لم يقع وهمك على شي‌ء فأعد إذ المراد من عدم الدراية أما ما فرضه الفقهاء من كون أطراف شكه كثيرة بحيث يصدق أنّه لا يدري كم صلى كما هو الظاهر من إطلاق الحكم بالإعادة إذ على هذا الوجه يمكن الحكم بالإعادة كما ذكره الفقهاء و يدلّ عليه جملة من الأخبار الأخر و أمّا كل واحد من صور الشّك الثنائي و الثلاثي و غيرهما إلّا أنّه على هذا لا بد من إخراج الشكوك المتعلّقة بالأخيرتين مما هي منصوصة و صحيحة و على أي حال يدل بالمفهوم على أنّه إذا وقع وهمه على شي‌ء لا يجب الإعادة و على الأول يكون منطبقا على بعض المقام و يكون خاصا به و يتم في الباقي بعدم القول بالفصل و على الثّاني يشمله بعمومه لأنّه يشمل الأوليين و الأخيرتين و ما قلنا فكون المفهوم خاصا على الأول أنّما يتم إذا جعلنا المفهوم من باب مفهوم القيد و إلّا فيكون عاما كما لا يخفى هذا و يمكن أن يقال على الوجه الثّاني أيضا مفهومه خاص بالأوليين إذ منطوقه لا يمكن أن يشمل الأخيرتين لعدم الحكم بالبطلان مع اعتدال الوهم فيهما فيكون مفهومه أيضا كذلك إذ هو تابع للمنطوق و عليه يكون‌

موافقا للمدعى و لا يحتاج إلى الإجماع المركب أيضا إلا أن يقال إن الخبر مع قطع النظر عن أخبار البناء على الأكثر شامل للأوليين و الأخيرتين و الأزيد و بعبارة أخرى يشمل الشكوك المتعلقة بالأخيرتين الغير المنصوصة مما نحكم فيها و الأخيرتين و الأزيد و بعبارة أخرى يشمل الشكوك المتعلقة بالأخيرتين الغير المنصوصة مما نحكم فيها بالبطلان غاية الأمر أنّ المنطوق قد خصص بالنسبة إلى الشكوك المنصوصة و أمّا غيرها فباقية تحته و مقتضاه الحكم بالبطلان فيها فمفهومه حينئذ يصير أعمّ من الأوليين فيكون النسبة بينه و بين ما دلّ على البطلان مما سيجي‌ء عموما من وجه و يمكن تقديم تلك النصوص و تقييد هذا الخبر بغير الأوليين بالنسبة إلى المفهوم و لو جعلناه مفهوم قيد و لا يلزم كون التقييد لغوا بناء على هذا التقديم كما يظهر من صاحب المستند هذا و قد يستدلّ على المشهور بالاستقراء حيث إنّ الشارح جعل الظن في الأعداد بالنسبة إلى الأخيرتين حجة فيكون كذلك في الأوليين و فيه ما لا يخفى فإن الظن المتعلق بالأخيرتين مورد واحد و لا يتحقق‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 8‌

به الاستقراء و الأولى أن يقرر بأنه يستفاد من الأخبار الواردة في الأخيرتين حسبما عرفت سابقا و أخبار رجوع كل من الإمام و المأموم إلى الآخر و أخبار الحصى و الخاتم و أخبار حفظ الغير عدد الصّلاة حجية الظن كلية فتدبر و قد يستدلّ أيضا بأصالة الصحة و النهي عن إبطال العمل و عن تعوّد الخبيث و نحو ذلك و لا يخفى ما فيه و قد يستدلّ بمفهوم مثل قوله ع إذا شككت في الفجر فأعد بناء على المراد من الشك تساوي الطرفين فلا يجب مع الظن بمقتضى المفهوم و فيه أوّلا أنه لا مفهوم له بل بيان لحكم موضوع من الموضوعات و ثانيا أن الشك خلاف اليقين و ثالثا ورد في جملة من الروايات التعبير بعدم الدراية الشاملة للظن و مقتضى القاعدة العمل به لأن المقام ليس من حمل المطلق على المقيد هذا‌

و أمّا حجّة قول ابن إدريس فالأصل أعني أصالة عدم اعتبار الظن و الإطلاقات و العمومات الدالة على البطلان بالشك و عدم الدراية و عدم تعرض الأخبار في المقام إلى ذهاب الوهم إلى أحد الطرفين على كثرتها مع كثرة ما ورد كذلك بالنسبة إلى الأخيرتين مضافا إلى خصوص ما دل على اعتبار الحفظ و الإثبات و الاستيقان بل يمكن أن يقال إن مثل قوله ع في رواية ابن مسلم في من لا يدري واحدة صلى أو اثنتين يستقبل حتى يستيقنهما كالصريح في عدم اعتبار الظنّ بل هو خاص بالنسبة إلى ما تقدم من الأدلة على اعتباره في المقام فيقدم عليها بل و كذا أخبار الحفظ و الإثبات بناء على ظهورهما في العلم فلا يكون التعارض من قبيل العموم من وجه كما تخيله بعضهم أمّا بالنسبة إلى النّبوي المتقدم و قوله ع إذا ذهب وهمك إلى التمام إلى آخره بناء على دلالته فواضح و أمّا بالنسبة إلى مفهوم صحيح صفوان فلما عرفت من أنه بناء على كونه من مفهوم الشرط عام و كذا بناء على مفهوم القيد إذا كان المراد من قوله ع لا يدري كم صلى مجرد الشك و أمّا إذا كان المراد كثرة أطراف الشك فهو و إن كان نصّا في حجيّة الظنّ في هذا الموضوع إلّا أنّه يمكن أن يقال الّذي لا يدري كم صلى من كثرة أطراف الشك أيضا يمكن أن يقال إنه أعمّ من أن يكون بعد إحراز الأوليين أو قبلهما فتدبر هذا مع أنّ كون الرّواية محتملة لمعنيين يكفي في عدم معارضته لما مر مع أن فرض خصوصيته مبني على اعتبار مفهوم القيد و هو ممنوع و بالجملة فهذه الأخبار بعد ظهورها في اعتبار العلم و اليقين في الأوليين لا يكون معارضته مع ما سبق إلا بالعموم المطلق نعم النسبة بين ما دل على بطلان الصّلاة بالشك أو عدم الدّراية و بين ما سبق عموم من وجه هذا و ربّما يستدل على المطلب أيضا بصحيحة زرارة كان الذي فرض اللّٰه على العباد من الصّلاة عشر ركعات و فيهن القراءة و ليس فيهن وهم إلى أن قال من شكّ في شي‌ء الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين و من شك في الأخيرتين عمل بالوهم المؤيدة بالأخرى عشر ركعات إلى أن قال لا يجوز فيهن الوهم و من وهم في شي‌ء منهن استقبل الصلاة و يدعى أنهما خاصتان أيضا بالنسبة إلى ما سبق لقوله ع ليس فيهنّ وهم يعني ظن و أنت خبير بما فيه إذ المراد من الوهم إمّا الشك و البناء على الأكثر أو الأعم فإما لا يكون دليلا أو لا يكون خاصا نعم الأولى خاص بالنسبة إلى ذيلها من حيث اعتبار اليقين و الحفظ حسب ما عرفت و ممّا ذكرنا من خصوصية هذه الأخبار عرفت أنه لا وجه لما قيل من أن العلم و اليقين معتبران على وجه الطريقية دون الموضوعية فيقوم الظن مقامهما و ذلك لأن دليل حجيته حاكم على ما دل عليهما وجه الضعف أن ذلك أنما يكون إذا كان النسبة بين الدليلين عموما من وجه دون المطلق مع أن كون اليقين معتبرا على وجه الطريقية ممنوع بل الظاهر أنه معتبر من حيث وصفه كما لا يخفى على من لاحظ الأخبار فراجع و تأمّل فإن ظاهر قوله ع إذا حفظت الأوليين حفظت الصّلاة و نحوها كون الحفظ و العلم موضوعا فإن قلت الغالب في العلم اعتباره على وجه الطريقية قلت نعم لكن لا فيما علق حكم على العلم إذ العلم الطريقي لا يذكر في القضية بل يعلق الحكم على الواقع و يحكم العقل بوجوب كون العلم طريقا و دعوى أن المراد من الحفظ و السلامة في الأخبار أنه لا بد من الإتيان بالركعتين و حفظهما بحسب الواقع و لا يقوم مقامهما غيرهما كما في الأخيرتين حيث إن صلاة الاحتياط قائمة مقامهما فليس الحكم معلقا على العلم بل الواقع و الغرض من هذه الأخبار أنه لا بد من تحققهما في الواقع و لم يجعل لهما بدل فلا دلالة فيها على عدم اعتبار الظن مدفوعة بأن ذلك عدول عن أصل الدلالة و الكلام في علاج التعارض بعد الاعتراف بدلالتها على اعتبار العلم و الحاصل أنه إذا كان المراد من هذه الأخبار اعتبار العلم بالأوليين في صحة الصّلاة فنقول ظاهر ذلك كونه موضوعا لا طريقا هذا مع أنّه يمكن أن يقال على فرض الطريقية أيضا لا يقوم مقامه سائر الطرق و الأمارات و إن التعارض بين هذه الأخبار و ما دل على اعتبار الظن ليس على وجه الحكومة بيان ذلك أن العلم قد يكون طريقا عقليا إلى الواقع بمعنى أن الحكم معلّق على‌

الواقع و المولى لم يتعرض لحال الطريق فحينئذ العقل يحكم لطريقية العلم و إذا دل دليل على حجية ظن و ترتيب آثار الواقع على مؤداه يقوم مقام العلم و لا إشكال فيه و قد يكون طريقا عقليا لكن المشهور اعتبره طريقا إلى الواقع بمعنى أنه علق الحكم على الواقع لكن صرح بأنه لا يجوز الاكتفاء عن الواقع بالظّن بل يجب تحصيل العلم به و حينئذ لا يمكن قيام غيره مقامه و قد يكون معتبرا على وجه الموضوعية و إن شئت بيانا أوضح فنقول إن العلم المعتبر شرعا قد يكون جزء للموضوع و حينئذ لا يقوم مقامه غيره إلا على بعض الوجوه و قد يكون طريقا معتبرا شرعا و معنى اعتباره اشتراطه في الاكتفاء بالواقع بحيث يئول الكلام إلى عدم كفاية غيره لا اعتباره بمعنى جعله حجة و وجوب العمل على طبقه فإنه مما لا يقبل الجعل إذا عرفت ذلك فنقول في المقام يمكن أن يقال بل هو الظاهر أن الحكم معلّق على الواقع بمعنى أن المكلف به الإتيان بالركعتين الأوليين تامتين في الواقع و لا يكون العلم معتبرا في صحتها الواقعية فلو أتى بهما و كان شاكا لا يبطل صلاته بمجرد الشّك لكن لا بد له في مقام العمل من إحراز ذلك بمعنى أنه لا يجوز له في مقام الامتثال الاكتفاء بغير العلم و العمل بالظنّ‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 9‌

أو الأصول و إذا كان الأمر كذلك فإذا دل دليل على حجية الظنّ فإن كان خاصا بالأوليين كان معارضا لذلك بالتباين لا حاكما و إن كان عاما يخصصه هذا الدليل إلا أن يكون هو أيضا عاما فيكونان من العامين المتعارضين و لا حكومة في البين لأنه يصير محصل دليل السّلامة حينئذ أنه يشترط في الأوليين العلم و لا يكفي الظن مثلا و محصل دليل حجية الظن أنه يكفي الظن في إحراز الواقع و من المعلوم أن بينهما التعارض لا الحكومة و السّر في ذلك أن كلا منهما ناظر إلى اعتبار أمر في الطريق فالأول يقول يعتبر العلم فيه و الثاني يقول يكفي الظن نعم لو علق الحكم على الواقع و لم يعتبر فيه العلم أصلا لا جزء للموضوع و لا طريقا كان دليل حجية الظن حاكما و لعمري إن هذا واضح بعد هذا البيان ثمّ إنه ربما يورد على ما ذكرنا أولا من أن المقام ليس مقام الحكومة لأن دليل اعتبار العلم أخص من دليل حجية و الحكومة أنما هي في العامين من وجه بوجهين الأوّل أن النسبة بين الطرفين عموم من وجه و ذلك لأن دلالة الأخبار الدالة على اعتبار العلم في الأوليين أنما هي بالمفهوم لأن قوله ع إذا سلمت الأوليان سلمت الصّلاة مفهومه إذا لم يسلم أعمّ من أن يكون بنحو الظن أو الشك و الوهم مثلا و كذا قوله ع إذا حفظت و كذا قوله ع أعدت حتى تستيقن مفهومه ما لم تستيقن يجب الإعادة أعمّ من أن يكون ظانا أو شاكا أو محتملا مثلا و الجواب إنا نقول إن دلالتها ليست بمجرد المفهوم بل يمكن دعوى أنه يستفاد منها شرطية العلم في الصحة فالدلالة من جهة استفادة الشرطية و من المعلوم أنها حينئذ خاصة فتدبر الثّاني أن الحاكم لما كان مفسرا لمدلول المحكوم فلا فرق بين أن يكون عاما أو خاصا مثلا إذا اعتبر أحد الدليلين اليقين و كان مفاد الآخر حجية الظن و أنه قائم مقام اليقين يكون الثاني حاكما على الأول و إن كان أعمّ منه لأنه يبين المراد من اليقين و أنه أعمّ من الحقيقي و القائم مقامه و الجواب أن جميع الحكومات ليس من هذا القبيل ففي المقام ليس دليل حجية الظن ناظرا إلى الدليل الآخر و أن المراد من اليقين فيه أعمّ من الظنّ بل غاية الأمر أن مفاده أن الظن طريق إلى إحراز الواقع فإذا كان الحكم معلّقا على الواقع من غير اعتبار إحرازه بالعلم كان الأمر كما ذكر لكن المفروض أنه اعتبر في المقام أن يكون الطريق إلى الواقع خصوص اليقين و دليل اعتبار الظن لا يقول إنه يقين أو بمنزلة اليقين كما عرفت مثلا قوله ع إذا وقع وهمك إلى كذا فابن عليه ليس مفاده إلا إجراء حكم الواقع على مؤدى الوهم لا أنه بمنزلة اليقين فتدبّر ثمّ ممّا ذكرنا من أخصية أدلة اعتبار العلم ظهر ضعف ما في الجواهر من ترجيح ما دل على اعتبار الظن بالشهرة و الإجماع المنقول المعتضد بالنسبة إلى الأصحاب و نفي الخلاف من غير ابن إدريس بدعوى أن النسبة بالعموم من وجه في بعضها مع أن بعض الآخر كاف في التخصيص بعد فرض تسليمه كما يظهر منه حيث قال و دعوى أن ما تقدم سابق مما دل على اعتبار الظن مطلق أو عام فيتخصص بما دل على اعتبار اليقين في الأولتين يدفعها مع أن التعارض في بعضها بالعموم من وجه و الترجيح في جانب ما دل على الظن قطعا لما عرفت من فتوى المشهور و الإجماع المنقول المعتضد بالنسبة إلى الأصحاب و نفي الخلاف من غير ابن إدريس كما عرفت و غير ذلك مما تقدم بل و غيره من أصالة بالصحة و النهي عن إبطال العمل و عن تعوّد الخبيث و نحو ذلك أنه لا مقاومة له من وجوه بل بعض ما تقدم خاص أقوى من هذا الخاص من وجوه فلا ريب أن الأقوى المشهور انتهى و الظاهر أن مراده من ذلك الخاص مفهوم قوله ع إذا لم تدر كم صليت إلخ و قد عرفت أن خصوصيته مبنية على أحد الاحتمالات مع أنّه على تقديره أيضا ممنوع فراجع و على فرضه فعدم المقاومة ممنوع بل الأمر بالعكس كما لا يخفى إذ لا ينبغي طرح هذه الأخبار الكثيرة الدالة على اعتبار الحفظ و السّلامة و الإثبات و اليقين و عدم دخول الوهم و غير ذلك بمثل هذا المفهوم الضعيف الممنوع خصوصيته و دعوى أن المراد من الحفظ و السّلامة و الدراية و نحوها ما يشمل الظن كما ترى مع أنها لا تجري في مثل قوله ع أعد حتى تستيقن إذ يبعد غاية‌

البعد أن يكون المراد من اليقين الأعم فظهر من ذلك أن الحق عدم اعتبار الظن في المقام وفاقا لما ذكر‌

المقام الثالث في الظن المتعلّق بالأفعال فعلا أو تركا

و قد نسب اعتبار الظن فيها إلى المشهور جماعة و عن المحقق الثاني نفي الخلاف فيه و عن الدّراية بعض حواشي الألفية الإجماع عليه كما عرفت من عبارتيهما المتقدمتين بل الظاهر من العبارة المحكية عن ابن إدريس سابقا أيضا حجيته فيها فإنه قال كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشي‌ء فالعمل بما غلب عليه الظنّ و إنما يحتاج إلى تفصيل أحكام السّهو عند اعتدال الظن و تساويه إلخ لكن ظاهر جماعة من القدماء ممن لم يذكر حكم الظن المتعلق بالأفعال كظاهر النّافع عدم اعتباره و اختاره في المستند و هو الأقوى لعدم الدليل‌

و احتج الأولون بوجوه

الأول الإجماع المنقول

المعتضد بالشهرة المحصّلة و نفي الخلاف المتقدم‌

الثاني ما ذكره في حاشية المدارك

من أن الامتثال يتحقق بالظن و فيهما ما لا يخفى‌

الثّالث فحوى ما دل على اعتباره في الركعات

و ليس المراد مجرد الأولوية الظنية بل إما المراد منها القطعية أو مفهوم الموافقة كما يظهر من حاشية المدارك و قد تمسك بهذا الوجه جماعة منهم صاحب الدارك و سيد الرياض و فيه مع أنه أنما يتم كليا إذا قلنا باعتبار الظنّ حتى في الأوليين و إلا فيختص بأفعال الأخيرتين مع أن المدعى أعمّ و لذا فصل في الرياض و بنى الكلية على القولين أنه إن أريد الأولويّة القطعيّة مع قطع النظر عن كونه مفهوما من اللّفظ فهي ممنوعة كما لا يخفى و الظنية لا تفيد و إن أريد كونه مفهوما من اللفظ فهو أيضا ممنوع كما لا يخفى‌

الرابع أنه لا يجتمع قبول الظن في نفس الركعة و عدم قبوله في نفس الجزء

قال في الجواهر و من هنا يمكن أن يرد على ابن إدريس بأنه يلزمه الاكتفاء بالظن بالركعة إذا اكتفى بالظن في الأفعال ضرورة كون ظن جميع الأفعال عين ظنّ الركعة اللّٰهمّ إلا أن يلتزم عدم الاكتفاء بالظنّ لو اتفق في جميع الأفعال الركعة انتهى و حاصل هذا الوجه أن معنى حجية الظنّ في الركعة حجيته في كل من الأجزاء إذ الركعة ملفقة منها فجمعيته فيها عين حجّيته فيها قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك بعد ما استدل على المطلب بالفحوى و أيضا إذا صرح بكفاية الظنّ بتحقق الركعة يكون كتصريحه قرينة واضحة على أن مراده من الركعة الركعة‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 10‌

المظنونة أي ما يكتفى فيه بالظن فيلزم من ذلك أن يكون أجزاء تلك الركعة و منها الهيئة التركيبية إذ هي جزء منها مظنونية بذلك المعنى إذ لا معنى لكون الكل مظنونيّا و الجزء مقطوعا إلا أن يكون وقع في الجزء طلب سوى مطلوبيته في ضمن الكل فإن قلت غاية ما ثبت مما ذكرت أن المطلوب الركعة المظنونة في صورة خاصة لا مطلقا و هي ما إذا تعلّق الظّن بنفس الركعة أمّا إذا تعلّق بجزئها خاصة فلا بل المطلوب حينئذ الركعة المقطوع به أو ذلك لأن مقتضى ما دلّ على وجوب تحصيل اليقين بإتيانها مطلقا خرج منه الصّورة الخاصة المذكورة و بقي الباقي تحت الإطلاق قلت قد عرفت من المفهوم الموافق الاكتفاء بالظنّ فيما إذا تعلق بالجزء خاصة بطريق أولى و لو ضايقت عن ذلك نقول أقصى ما دل على وجوب تحصيل اليقين لعلّه محلّ تأمّل بعد ملاحظة أمور و هي أن المشهور جواز الاكتفاء بالظن بالركعة مطلقا أي سواء أمكن تحصيل البراءة اليقينيّة أم لا و سواء وقع الاهتمام التام في تحصل اليقين و تحفظ النفس في الضّبط أم لا كما هو ظاهر النّص و الفتاوى و إن الركعة المطلوبة يكون على جزءين قطعي و ظني و يتخير المكلّف بينهما مطلقا إلّا إذا اتفق تعلّق الظنّ بجزء منها فتعين حينئذ القطعي و لا يخفى أنه بعيد غاية البعد مع أنّ تحصيل القطع غير ممكن لأنه إن أتى بالمظنون يلزم زيادة جزء في الصّلاة مع أن المطلوب عدم الزيادة في مثل الركوع و السجدتين و غيرها و لو أبطل الصّلاة و استأنف لم يكن المطلوب منه حينئذ خصوص القطعي بل يكون مخيرا انتهى قلت لا يخفى ما في هذه الكلمات إمّا ما ذكر من أن معنى حجية الظن في الركعة حجيته في الأجزاء فهو ممنوع غاية المنع إذ غاية الأمر أن معنى ذلك حجية الظنّ المتعلّق بالأجزاء في ضمن الكل لا ما إذا كان بعضها مقطوعا و بعضها مظنونا بحيث لا يكون الظن إلا متعلّقا بالأجزاء و لذا عدل عن هذا الوجه في جواب قوله فإن قلت و تمسّك بالفحوى المتقدّمة و كذا ص الجواهر أيضا عدل بقوله اللّٰهمّ إلخ و بالجملة فلا وجه لهذا الاستدلال أصلا و أمّا ما ذكره من منع وجوب تحصيل اليقين الذي يمكن أن يجعل وجها مستقلا في المسألة على حجية الظن ففيه ما لا يخفى إذ العقل القطعي حاكم بوجوب تحصيل القطع بالامتثال بعد القطع بالتكليف و الشاهد الذي ذكره من عدم الفرق في حجية الظنّ المتعلق بالركعة بين إمكان تحصيل القطع و عدم تحفظه و عدمه لا شهادة فيه على اعتبار الظن في الأفعال غايته أن الظن في الركعات حجة مطلقا و استبعاده الفرق استبعاد لغير البعيد ثمّ إنّ ما ذكره من أن المكلف مخير بين الركعة المقطوعة و المظنونة فيه ما لا يخفى إذ ليس هذا من التخيير في شي‌ء بل هو مكلّف بالقطع أولا و مع عدم إمكانه حين العمل يتعين العمل بالظن لا أنه مخير من الأول بينهما نعم غاية الأمر أنه لا يجب عليه بل لا يجوز إبطال الصلاة و الإتيان بالمقطوعة و لا يكون هذا تخيرا كما لا يخفى مع أنّه على فرضه لا يثمر في حجية الظن في الأفعال و ما ذكره من أن تحصيل القطع غير ممكن إلى آخره فيه أيضا ما لا يخفى إذ مجرد احتمال الزيادة لا يضر بعد جريان الأصل و حصول القطع الظاهري مع أنه يمكن تحصيل القطع بإبطال الصلاة و الإعادة ثمّ لا يخفى أن هذا الوجه الذي استفيد من كلامه و قلنا أنه وجه مستقل من عدم الدّليل على اعتبار تحصيل اليقين غير ما نقلنا عنه سابقا من دعوى صدق الامتثال بالظن و الفرق أن مبنى هذا الوجه على منع وجوب تحصيل القطع بالامتثال و مبنى السّابق على دعوى صدقه على الظني و إن كان يعتبر القطع يعني يعتبر القطع بالامتثال لكنه يحصل بالظن الإتيان فتدبر و كيف كان لا وجه للاعتناء بهذه الوجوه و لو في مقام التأييد و لعمري إن التشبّث بأمثالها يوهن المطلب جدّا‌

الخامس ما ذكره في المختلف في باب القضاء

من أن الصّلاة عبادة كثيرة الأفعال و التروك فالمناسب لشرعها الاكتفاء بالظن مطلقا و إلا كانت معرضة للفساد بكل وهم و لعل المراد من ذلك التمسّك بالعسر و الحرج لو لا حجية الظن و يمكن أن يريد غيره و فيه أنّه إن أراد وجها غير العسر فلا دليل على أن مجرد العرضة للفساد يقتضي حجية الظنّ مع أنه ممنوع إذ الغالب حصول القطع بالمطلب و على فرض الشكّ و للظن لا يتعين حجية الظنّ بل يكفي الرجوع إلى حكم الشك و إجراء حكمه على الظن أيضا كما هو الظاهر من أدلة الشك بعد التجاوز و قبله و بالجملة فمع جعل الشارح حكما للشك من البناء على الإتيان إذا كان بعد التجاوز فلا محذور و إن لم نقل بأعميته من الظن فضلا عما لو قلنا بذلك و ذلك لأن الغالب حصول الشّك مع أن الظن إذا كان على وفق البطلان فالمحذور في حجيته أشدّ و إن أراد من ذلك التمسك بالعسر و الحرج كما عن الذكرى أيضا التمسّك به حيث قال إن تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظنّ تحصيلا لليسر و رفعا للجرح و العسر و تمسك به أيضا في حاشية المدارك ففيه ما أورده عليه في الرياض و المستند من أنه لا عسر إلا مع الكثرة و معها يرتفع حكم الشكّ قلت بل يصدق كثرة الشك قبل أن يصل إلى حد العسر و الحرج لكن اعترض بعض الأفاضل على الرياض بأن الكثرة المرتفع معها حكم الشك هل الكثرة اللاحقة للإنسان من قبل الشيطان كما هو المصرح به في أخبار كثير الشك لا الكثرة العارضة لمتعارف الناس إذ لو بنى على عدم اعتبار الظنّ فلمّا يسلم إنسان من كثرة السّهو التكاثر مظنوناته بالنسبة إلى ما مضى من أفعاله فإذا فرض إلحاق تلك الظنون بالشّك كما هو الأصل فالمكلفون كلّهم داخلون تحت كثير السّهو و المفروض أنه لا سهو مع الكثرة فيلزم طرح أدلة الشكوك انتهى قلت نمنع تحقق الكثرة لمتعارف الناس بل الغالب حصول اليقين بالامتثال كما لا يخفى و مع فرضه أيضا لا يلزم حجية الظنّ غاية الأمر أن لا يدخل تحت أدلة كثير الشكّ لكنه يرجع إلى أدلة الشكوك و معه يرتفع الإشكال و العسر و الحرج كما لا يخفى مع أن الظن قد يكون متعلّقا بترك ركن أو زيادته بعد تجاوز المحلّ فعلى حجيته يلزم العسر و الحرج بل من المعلوم إجراء حكم الشّك عليه و عدم الاعتناء باحتمال عدم الإتيان سواء كان ظانا أو شاكا أو محتملا إذا كان بعد تجاوز المحلّ أسهل من القول بحجيته كما لا يخفى نعم لو كنا نحكم ببطلان الصّلاة بمجرد الاحتمال كان الأمر كما ذكر فلا ينبغي الركون إلى أمثال هذه الأمور في مثل الأحكام الشرعيّة فإنّها من قبيل الاشتباهات في الموضوعات لا الاختلافات في الأنظار بالنسبة إلى الأدلّة فتدبّر‌

السّادس ما تمسّك به الوحيد في حاشية المدارك

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 11‌

من أخبار الرّجوع إلى الإمام و المأموم و أخبار حفظ الصّلاة بالحصى و الخاتم و بحفظ الغير و نحو ذلك و فيه ما عرفت سابقا‌

السّابع ما عنه أيضا من التمسّك بالموثق

كالصّحيح عن الصّادق ع قال فيمن أهوى إلى السّجود و شك في الركوع قال قد ركع بتقريب أن ظاهر البناء على الظن و ترجيحه على الأصل و هو قاعدة عدم تجاوز المحل و فيه ما لا يخفى لإمكان دعوى تجاوز المحل بالهوى للسجدة و إمكان حمله على كثير الشكّ مع أنّه لا إشعار في الخبر بحجية الظنّ‌

الثّامن ما عنه أيضا من التمسّك برواية إسحاق بن عمار

إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير الركوع و فيه ما عرفت من أن المراد منه الشك بعد النزاع فلا دخل له بالمقام مع أن فيه النظر من وجوه أخر‌

التّاسع ما ذكره بعض الفضلاء من دليل الإسناد

قال بعد الاعتراض على الرياض بما ذكر سابقا من رد العسر و الحرج و حينئذ يمكن تقرير الدليل المذكور يعني العسر و الحرج بأن في الأغلب باب العلم منسد في الصّلاة بالنسبة إلى الأفعال الماضية فإن بنى في المظنونات و المشكوكات و الموهومات على إهمال أدلة الشكوك لزم طرح تلك الأدلة بالكلية و إن بنى فيها على إعمال تلك الأدلة لزم المخالفة القطعية كثيرا فلا بد أن يعمل بالظن و في المشكوكات بأدلّة الشكوك دفعا لهذا المحذور ثمّ قال و الإنصاف أن هذا الدليل مؤيّد قوي لاعتبار الظنّ في الأفعال و إن كان الاستدلال به مستقلّا لا يخلو عن إشكال نظرا إلى إمكان أن يقال بأنه لا يلزم من الرّجوع إلى أدلة الشكوك محذور لأن أغلب تلك الظنون موافقة للقواعد المقررة و أمّا الظنون المخالفة لها فلا يلزم من طرحها و العمل في مواردها بأدلة الشكوك محذور فتأمل انتهى قلت إذا أمكن دفع الحذور بهذا الوجه فلا يكون مؤيدا أيضا كما لا يخفى و الأولى أن يقال إن البعض الظنون لا يرتفع من حجيتها محذور لأنها موافقة لأدلة الشكوك فلا يتفاوت الحال في الحكم بحجيتها و الحكم بالرّجوع إلى أدلة الشكوك كما الظنّ بالإتيان بعد تجاوز المحلّ و الظنّ بالعدم مع بقاء المحلّ و أمثالها و لا يلزم من الرّجوع إلى أدلة الشكوك في البقية محذور مع أنّ هذا العلم الإجمالي الذي يدعيه ممنوع من أول الأمر و على فرضه لا يضر لأن غاية الأمر أنه يعلم أن رجوعه إلى أدلة الشكوك في هذا اليوم على خلاف الواقع أو اليوم الآتي أو بعض الأيام الأخر الآتية و مثل هذا العلم الإجمالي في جميع الموارد بل يمكن أن يقال إن الفقيه يعلم إجمالا أن كثيرا من فتاويه المثبتة في كتابه مثلا مخالفة للواقع إذ لا يمكن أن يكون كل فقيه معتقد الحقية جميع ما أفتى به و كونه هو المصيب دون سائر الفقهاء مع كثرة الاختلافات في الوقائع هذا مع أنّ انسداد باب العلم ممنوع مع إمكان دفع المحذور بوجه آخر غير حجية الظّن مع إمكان دعوى العلم بمخالفة الواقع في بعض ظنونه أيضا فتدبر‌

العاشر النبوي المتقدم

إذا شكّ أحدكم في الصّلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصّواب فليبن عليه و دعوى انجبار ضعفه بالشهرة و الإجماع المنقول و إن دلالته واضحة كما ترى و فيه أن الشهرة الجابرة ما كان استناديا لا مجرد المطابقة مع عدم الاستدلال به إلا من بعض متأخري المتأخرين‌

ثمّ على المختار من عدم الاعتبار بالظن في الأفعال فالمرجع أدلة الشكوك و إجراء حكم الشكّ عليه لما عرفت سابقا من أن المراد من الشّك في الأخبار هو الأعم من الظن و الوهم فإن كان في المحلّ أتى به و إن كان ظانا بالإتيان و إن تجاوز مضى و إن ظن العدم و إن ظن زيادة الركن لم يعتن به و إن ظن ترك سجدة أو تشهد لا يجب عليه القضاء و لا سجدة السّهو إلى غير ذلك‌

و هنا أمور

[في ذكر كلام صاحب الرياض ره]

الأوّل قال في الرّياض و اعلم أن على المشهور من جواز الاعتماد على الظن في أعداد الركعات حتى ما عدا الأخيرتين لا إشكال في جواز الاعتماد عليه في الأفعال مطلقا أيضا لما قدّمناه من الفحوى و أمّا على غيره فكذلك أيضا في الأفعال من الأخيرتين لذلك و فيها من غيرهما إشكال إن حملنا الشك فيها الوارد حكمه في النصوص على المعنى اللّغوي الشامل للظن و ربّما يومئ إليه سياقها من حيث تضمّنها تفريع لا يدرى عليه و إن حملناه على المعنى العرفي المتقدم المختص متساوي الطرفين فلا إشكال أصلا قيل و ظاهر الأصحاب الإطباق على هذا و يمكن دفع الإشكال بمنع إرادة المعنى الأوّل لما عرفت من جواز الاكتفاء بالظنّ في الركعتين من الأخيرتين مطلقا حتى أفعالهما المستلزم ذلك لظهور الشّكّ في تلك النّصوص في المعنى العرفي بالنسبة إليهما فكذلك بالنسبة إلى غيرهما لعدم جواز استعمال اللّفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنيين متخالفين فتأمل جدا انتهى و في موضعين من كلامه نظر الأوّل ما ذكره من الإشكال على فرض تخصيص تعميم الشّك و عدمه على فرض تخصيصه مع أن العكس أولى إذ بناء على تعميم الشك و فرض عدم الدليل على اعتبار الظنّ لا ينبغي الإشكال في الرّجوع إلى أدلة الشكوك و على فرض الاختصاص بمتساوي الطرفين كيف يرتفع الإشكال إذ لو أريد بذلك حجية الظنّ فلا وجه له و إن أريد الرّجوع حينئذ إلى سائر الأصول غير قاعدة التجاوز فلا فرق بينهما في ورود الإشكال و عدمه الثاني ما ذكره من لزوم استعمال اللّفظ في معنيين فإنه ممنوع بل هو من قبيل التخصيص فكأنه قيل إذا لم تستيقن الترك و احتملت الإتيان بعد تجاوز المحلّ فامض و لا ترجع إلا إذا ظننت الترك في الركعتين الأخيرتين و ليس هذا استعمالا في المعنيين كما لا يخفى‌

[في ذكر كلام صاحب الجواهر ره]

الثّاني قال في الجواهر في مقام تأييد حجيّة الظنّ في الأفعال مع أنه قد يقال إن الحكم بالظنّ في كثير من مواضعه فيها موافق لمقتضى القاعدة و ذكر مواضع يكون الظن فيها مطابقا لأصل من الأصول و أورد عليه بعض الفضلاء بأنا لو سلمنا موافقة هذه الظنون للقاعدة فهو مما لا يفيد في محل النزاع لما عرفت في أن محلّ النزاع في هذه المسألة بل كل مسألة اعتبار الظن المخالف للقواعد العامة و الخاصّة و إلا فلا معنى للمتنازع و التشاجر في حجية الظن الموافق و ثانيا أن أكثر ما ذكره من الأمثلة ليس الظنّ فيها موافقا للقاعدة انتهى قلت لا يخفى أن النّزاع أعمّ غاية الأمر أن الثمرة لا تظهر إلّا في الظّنّ‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 12‌

المخالف للقواعد مع أنه يمكن أن يقال بظهور الثمر إذ فرق بين الدليل الاجتهادي و الأصل العملي فعلى فرض حجية الظن يكون من قبيل الاجتهادي نعم يرد على ص الجواهر أن مجرد كون الظنّ موافقا للقواعد في كثير من الموارد لا يؤيد المطلب إلا إذا كان الركون فيها على الظن و هو أول الكلام و هو واضح و أمّا ما ذكره من منع الموافقة للقاعدة في كثير من الأمثلة التي ذكرها فلا بد من التأمّل فيها فراجع و تأمّل‌

الثّالث على القول بحجية الظّن في الأفعال فهل يختص ذلك بأثناء الصّلاة أو يشمل ابتداءها أيضا

فلو ظنّ أنه دخل في الصّلاة فهل يكون معتبرا أم لا وجهان و كذا بالنسبة إلى ما بعد الفراغ فلو ظن عدم الإتيان بركن هل يجب عليه الإعادة و كذا لو ظنّ ترك سجدة من الصّلاة بعد الفراغ هل يجب القضاء و سجود السّهو أو لا و كذا بالنسبة إلى الركعات إذا ظن بعد السّلام أنه سلم على ركعتين مثلا هل يكون كالعلم أولا وجهان و لا بد من التأمّل و كذا لا بد من التّأمل في المراد من التروك و الموانع المظنونة العدم أو الوجود و بيان الفرق بينها و بين الشرائط مثلا لو ظن في الصّلاة أنه أحدث هل يبطل صلاته أم لا و كذا لو ظن الاستدبار أو أنه مستدبر الآن أو إلى القبلة أو ساتر للعورة أو غير ساتر أو محدث أو متوضئ إلى غير ذلك‌

الرّابع [في بيان قول صاحب المستند]

قال في المستند لو ظنّ بعد الصّلاة نقصا في الصّلاة فحكمه عند من يلحق الظنّ بالعلم مطلقا واضح و أمّا على المختار من اختصاص اعتبار الظّن بمواقع خاصّة و الرّجوع في البواقي إلى حكم الشّكّ فيشكل الأمر إذ الرّجوع فيها إليه لتعلّق هذه الأحكام بعدم الدّراية الصّادق على الظّان أيضا كلّا أو بعضا بضميمة الإجماع المركب و في المورد لم يتعلّق حكم بعدم الدراية إلا أن يتمسّك بشمول لفظ الشكّ للظّنّ لغة كما مرّ إلا أن ترتّب الحكم عليه فقط لا يخلو عن إشكال و مقتضى أصل الاشتغال بالصّلاة الإعادة لو تعلّق الظنّ بالمبطل نعم إن كان الموهوم النقص أو البطلان فالظاهر الصّحة و المعنى لأنه كذلك مع الشكّ فمع الوهم أولى و الحاصل أن المظنون إن كان ما يوجب البطلان مع العلم يعيد إلا إذا صار كثير الظنّ و إن كان ما يلتفت إليه مع العلم فكذلك هنا للأولوية و إن كان ما يوجب التدارك مع العلم فالظاهر الصّحة للأولوية و عدم التدارك للأصل فإنه كانت صلاته صحيحة و لو لم يتدارك انتهى و فيه مواقع للنظر الأوّل ما ذكره من أن عند ما يلحق الظنّ بالعلم مطلقا فالحكم واضح و ذلك لأنه يمكن أن يقال إن القدر المسلم من حجيّة الظّن في الركعات مطلقا و الأفعال هو ما إذا كان في أثناء الصّلاة فليس لازم التعميم التعميم حتى بالنسبة إلى ما بعد الصّلاة أ لا ترى أنه مع أنه قائل بحجيّة الظّن بالنسبة إلى الأخيرتين لا يقول بحجيّة إلا إذا كان في أثناء الصّلاة فلو ظنّ بعد التسليم أنه صلى ركعتين أو ثلاثا لا يقول باعتبار الظنّ بل يرجع إلى حكم الأصل الّذي قرره أخيرا و كيف كان فأدلّة حجية الظنّ قاصرة عن الشمول لما بعد الصّلاة و لو على التعميم نعم يمكن أن يقال إن أخبار الشك في الركعات و إن كان كثيرا منها ظاهر في كونه في الصّلاة لكن بعضها مطلقا فيحكم بإطلاقه و لا ينافيه التقييد في البقية حتى يحمل على المقيد لأنهما مثبتان لكن الظاهر عدم التزامهم به و لذا لا يجرون أحكام الشك على الشكّ بعد التسليم و لا يقولون بالبناء على الأكثر و صلاة الاحتياط فإن قلت إن قوله إذا ذهب وهمك إلى التمام أعمّ من الأثناء و بعد الفراغ قلت أولا إنا حملنا هذه الرواية على الشك بعد الفراغ و قلنا لا دخل له بما نحن فيه من حجية الظنّ و ثانيا إنه مختصّ بظنّ التمام و لعلّ الحكم كذلك و لو على عدم التعميم من جهة الأولوية بالنسبة إلى الشكّ لأنه إذا كان الشك بعد التمام لا يعتنى به فمع ظن التمام بالأولى حسبما صرح به ص المستند نعم لو جعلنا المدارك النبوي العامي إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ما هو إلى الصّواب يشمل الظن بعد الصّلاة بل و كذا قوله ع إذا لم تدر كم صليت و لم يقع وهمك على شي‌ء فأعد إلا أنه لا يمكن الركون إلى النبوي كما عرفت و المنساق من الثاني أيضا كونه في الصّلاة فتدبّر الثّاني قوله إلا أن ترتب الحكم عليه فقط لا يخلو من إشكال إذ فيه أنه لا مانع منه بعد كون المراد من الشك في قاعدة التجاوز و الفراغ أعمّ من الظن كما عرفت سابقا الثّالث قوله و مقتضى أصل الاشتغال إلخ إذ بناء على هذا لو تعلّق الظن بترك المبطل كالركن يتم ذلك إذ الأصل عدم الإتيان به و أمّا لو ظنّ زيادة ركن أو إتيان مانع آخر فالأصل عدمه إلا أن يقال فرض كلامه صورة الظن بالنقص لا الزيادة نعم ما ذكره من الحكم بالصّحة لو ظن الإتيان للأولوية صحيح و إن كان يمكن أن يقال إن هذه الأولوية ظنية فتدبر الرّابع قوله و إن كان ما يوجب التدارك إلخ فإن الظاهر أن مراده أنه إن ظن مثلا ترك السّجدتين في الركعة الأخيرة أو السّجدة الواحدة أو الركعة الأخيرة بتمامها مثلا فإنه يوجب التدارك مع العلم ففي صورة الظنّ بالترك يصح الصّلاة و لا يتدارك مع أنّه مشكل بناء على عدم إلحاق الظنّ بالشك بل يجب الحكم بالبطلان إلا أن يكون مراده من ذلك خصوص الظنّ بترك التشهّد أو السّجدة الواحدة الموجب للقضاء دون ترك الركن و الركعة فإنه يحكم بالصحة و عدم وجوب القضاء لأصالة عدم موجبه مع أنّه أيضا يمكن منعه بأن يقال أن القضاء معلّق على الترك و هو موافق للأصل و على هذا فليس متعرضا لصورة ترك السّجدتين و الركعة الأخيرة بل السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة بناء على وجوب التدارك مع العلم و إن كان بعد السّلام و لا بأس‌

به بدعوى أن الصّلاة حينئذ تبطل لا أنه يجب التدارك لكن هذا في غير ترك الركعة و أمّا فيها فلا ينبغي الإشكال في وجوب التدارك مع العلم ففي صورة الظن أيضا لا بدّ من الحكم بالبطلان و لا وجه لعدم تعرّضه له و كيف كان فعلى القول بعدم شمول لفظ الشك للظن لا بد من الرجوع إلى الأصول العملية و هي تختلف بالنسبة إلى الزيادة و النقيصة و ترك الركن و غيره و قضائه ما يجب قضاؤه و عدمه و ما يوجب سجود السّهو و عدمه فتدبّر و نحن في راحة من ذلك من حيث حكمنا بشمول الشّك للنظر أيضا‌

الخامس لو قلنا بحجيّة الظنّ في الأفعال مطلقا فالظّاهر أنه أمارة على الواقع

فيثبت لوازمه مطلقا فلو شكّ بين الاثنين و الثلاث و كان شاكا في أنه سجد سجدتين أو واحدة ثم ظنّ أنه سجد‌

رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، ص: 13‌

اثنتين مثلا فيحكم بأنه شاك بعد إكمال الركعتين فلا يحكم ببطلان الصّلاة بل يبني على الثلاث و هذا بخلاف ما لو شكّ في ذلك بعد التجاوز فإن بناءه على الفعل و المضي لا يثبت كون الشك بعد الإكمال و إن كان لا يخلو عن وجه فتدبّر‌

السّادس [فهل يحكم بحجية البينة أم لا]

بناء على المختار من عدم حجية الظن في الأوليين و الأفعال فهل يحكم بحجية البينة أم لا الحق التفصيل فلا يحكم بحجيته في الأوليين لما دلّ من الأدلّة السّابقة على اعتبار العلم و اليقين و أمّا بالنسبة إلى الأفعال فيحكم بالبناء على الحجيّة لأن عدم حجية الظنّ كان من جهة عدم الدليل و المفروض قيام الدليل على اعتبار البينة و بعبارة أخرى الحكم بالنسبة إلى الأفعال معلق على الواقع فيثبت بالبيّنة بخلاف الأوليين فإن الحكم فيهما معلّق على اليقين و العلم حسبما عرفت سابقا‌

________________________________________
يزدى، سيد محمد كاظم طباطبايى، رسالة في حكم الظن في الصلاة و بيان كيفية صلاة الاحتياط، در يك جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، دوم، 1421 ه‍ ق

تبيان الصلاة؛ ج‌7، ص: 79

من القواعد الّتي نبحث عنه في الخلل هو اعتبار الظن مطلقا أو عدم اعتباره مطلقا أو التفصيل، فنقول بعونه تعالى: أمّا عند العامة فالظاهر منهم عدم اعتباره مطلقا، نعم حكى عن أبي حنفية أنّه قال: لو تكرر الشّك يتحرى.

______________________________
(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد من رواية زرارة المتقدمة و بعض آخر من الروايات الواردة في الشّك بعد تجاوز المحل مثل الرواية 2 من الباب 42 من أبواب الوضوء بأنّ الشّك إذا كان بعد تجاوز المحل فلا يعتنى به و إن كان قبل التجاوز فلا بد من الاعتناء بالشّك باتيان المشكوك حيث قال فيها (إنّما الشّك في شي‌ء لم تجزه) و قال جوابا عن ذلك: بأنّ الأخبار الواردة في الشّك بعد تجاوز المحل متعرضة لخصوص صورة التجاوز و أنّ في هذا الحال لا يعتنى بالشك، و أمّا قبل تجاوز المحل فغاية ما يدلّ عليه هذه الروايات، بمفهومها أو بمنطوق بعضها، هو عدم كونه مثل بعد التجاوز، و لكن لا تعرض لها بأنّ عدم كونه مثل ما بعد التجاوز حكما هل يكون حكمه المخالف لبعد التجاوز هو الاعتناء بالشك و إتيان المشكوك، أو بطلان الصّلاة فلا تعرض لروايات الباب لهذه الجهة حتّى يقال: بدلالة الروايات على عدم بطلان الصّلاة إن كان الشّك في الجزء قبل التجاوز.

و لكن أقول: بعد كون ما بعد التجاوز مع الشّك في إتيان الجزء و عدمه غير موجب للبطلان، فكيف يكون الشّك قبل التجاوز مع بقاء محل إتيانه موجبا للبطلان، فالمستفاد من الأخبار هو الفرق بين التجاوز و عدمه في عدم الاعتناء و الاعتناء، و معنى الاعتناء هو فرض عدم إتيان الجزء فيأتي به في محله إلّا أن يدعى منع كون هذا لسان الروايات. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج‌7، ص: 80‌

[المعروف بين أصحابنا اعتبار الظن مطلقا]

و أمّا عند الخاصّة فنقول: المعروف بين أصحابنا حجية الظن في الصّلاة سواء كان في أفعالها أو عدد ركعاتها، كان في الأوّلتين أو في الأخيرتين، فحكى في المختلف عن المرتضى رحمه اللّه و رأينا في كتابه المسمّى بجمل العلم و العمل أنّه قال: كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشي‌ء، فالعمل بما غلب على الظن، و إنّما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظن و تساويه انتهي.

و به قال الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط و الاقتصاد و في التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود، و به قال القاضي رحمه اللّه، و به قال السيّد أبو المكارم رحمه اللّه في الغنية، و به قال ابن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة، و به قال بن أبي المجد رحمه اللّه في الاشارة، و ابن ادريس رحمه اللّه و كلامه مضطرب.

و في قبال هذا القول هو ما يتراءى من الفقيه و المقنعة للصدوق رحمه اللّه و من الشيخ رحمه اللّه في النهاية «1» و الخلاف و من المراسم من قصر اعتبار الظن بالأخيرتين في الرباعية، فيستفاد بعد المراجعة في كلمات الفقهاء قدّس سرّهم أنّ المسألة ذات قولين بين أصحابنا قدّس سرّهم.

[في ذكر الروايات المربوطة باعتبار الظن]

________________________________________
بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه‍ ق

حجیت خبر واحد در موضوعات

موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام؛ ج‌5، ص: 226

خبر الثقة:

ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الاجتهاد كما يثبت بالبيّنة كذلك يثبت بخبر الثقة ( «4»)، فخبر الثقة كما هو حجّة معتبرة في الأحكام الشرعية كذلك يعتمد عليه في الموضوعات الخارجية؛ و ذلك للسيرة الجارية على الاعتماد عليه عند العقلاء مطلقاً و لم يردع عنها في الشريعة المقدّسة، بل قيل بعدم توقّف حجّيته على عدالة‌

______________________________
(1) () بحوث في علم الاصول 2: 171.

(2) () الوسائل 17: 89، ب 4 ممّا يكتسب به، ح 4.

(3) () الوسائل 25: 118، ب 61 من الأطعمة المباحة، ح 2.

(4) () التنقيح في شرح العروة (الاجتهاد و التقليد): 211. المسائل المنتخبة (السيستاني): 16.

موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ج‌5، ص: 227‌

المخبر لكفاية الوثاقة في حجّية الخبر ( «1»).

و قد استشكل بعض فقهائنا في حجّية خبر الثقة الواحد في الموضوعات في جملة من الموارد ( «2»). و لكن ذهب بعض هؤلاء مع ذلك إلى حجّيته في خصوص المقام و إن قال بعدم حجّيته في سائر الموارد، قال السيد الحكيم: «و ربما يقال بثبوته بخبر الثقة؛ لعموم ما دلّ على حجّيته في الأحكام الكلّية، إذ المراد منه ما يؤدّي إلى الحكم الكلّي، سواء كان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي، و المقام من الثاني، فإنّ مدلول الخبر المطابقي هو وجود الاجتهاد، و هو من هذه الجهة يكون إخباراً عن الموضوع، لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلّي الذي يؤدّي إليه نظر المجتهد» ( «3»).

________________________________________
جمعى از پژوهشگران زير نظر شاهرودى، سيد محمود هاشمى، موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، 11 جلد، مؤسسه دائرة المعارف فقه اسلامى بر مذهب اهل بيت عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1423 ه‍ ق

حجیه قول ذی الید

موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام؛ ج‌5، ص: 226

خبر الثقة:

ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الاجتهاد كما يثبت بالبيّنة كذلك يثبت بخبر الثقة ( «4»)، فخبر الثقة كما هو حجّة معتبرة في الأحكام الشرعية كذلك يعتمد عليه في الموضوعات الخارجية؛ و ذلك للسيرة الجارية على الاعتماد عليه عند العقلاء مطلقاً و لم يردع عنها في الشريعة المقدّسة، بل قيل بعدم توقّف حجّيته على عدالة‌

______________________________
(1) () بحوث في علم الاصول 2: 171.

(2) () الوسائل 17: 89، ب 4 ممّا يكتسب به، ح 4.

(3) () الوسائل 25: 118، ب 61 من الأطعمة المباحة، ح 2.

(4) () التنقيح في شرح العروة (الاجتهاد و التقليد): 211. المسائل المنتخبة (السيستاني): 16.

موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ج‌5، ص: 227‌

المخبر لكفاية الوثاقة في حجّية الخبر ( «1»).

و قد استشكل بعض فقهائنا في حجّية خبر الثقة الواحد في الموضوعات في جملة من الموارد ( «2»). و لكن ذهب بعض هؤلاء مع ذلك إلى حجّيته في خصوص المقام و إن قال بعدم حجّيته في سائر الموارد، قال السيد الحكيم: «و ربما يقال بثبوته بخبر الثقة؛ لعموم ما دلّ على حجّيته في الأحكام الكلّية، إذ المراد منه ما يؤدّي إلى الحكم الكلّي، سواء كان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي، و المقام من الثاني، فإنّ مدلول الخبر المطابقي هو وجود الاجتهاد، و هو من هذه الجهة يكون إخباراً عن الموضوع، لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلّي الذي يؤدّي إليه نظر المجتهد» ( «3»).

________________________________________
جمعى از پژوهشگران زير نظر شاهرودى، سيد محمود هاشمى، موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، 11 جلد، مؤسسه دائرة المعارف فقه اسلامى بر مذهب اهل بيت عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1423 ه‍ ق

اصاله الحل

عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام؛ ص: 599

عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 599‌

عائدة (59) في بيان أصالة عدم التذكية

من الأصول المتكرّرة على ألسنة الفقهاء: أصالة عدم التذكية في الحيوانات، و لها ثلاثة معان نبيّنها في هذا المقام.

و لنقدّم لبيان تحقيق المقام فائدتين:

الاولى [الأصل في كل حيوان مأكول اللحم الحلية]

اعلم أنّ الأصل الابتدائي في كل حيوان مأكول اللحم حلّيّة أكل لحمه ما لم يدل دليل على حرمته، حيّا كان أو غير حيّ. و كذا الأصل في كل حيوان طاهر العين غير مأكول اللحم طهارته ما لم يدل دليل على عروض النجاسة له، حيّا كان أو غير حيّ، لأصالة الحل الثابت للأشياء قبل الشرع و بعده، و إطلاقات ما دل على حلية الحيوان الفلاني، و لأصالة الطهارة الثابتة كذلك و استصحابها.

و لكن ثبت بالإجماع القطعي و الأخبار المتكثرة حرمة الأجزاء المبانة من الحي في غير السمك و الجراد، و كذا نجاستها من ذوات النفوس، كما بيّن في موضعه.

و كذا ثبت بالإجماع، بل الضرورة، و بالكتاب و السنة المتواترة حرمة الميتة من جميع الحيوانات، و نجاستها من ذوات النفوس السائلة، كما بيّن في موضعه. و هذا أصل طارئ على الأصل الأول، ثابت بالإجماع و الكتاب و السنة.

________________________________________
نراقى، مولى احمد بن محمد مهدى، عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، در يك جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

دلالت نهی بر فساد

القواعد و الفوائد؛ ج‌1، ص: 199

قاعدة- 57 النهي في العبادات مفسد و إن كان بوصف خارج،

كالطهارة بالماء المغصوب، و الصلاة في المكان المغصوب.

و في غيرها مفسد إذا كان عن نفس الماهية، لا لأمر خارج، فالبيع المشتمل على الرّبا فاسد لا يملك المساوي و لا الزائد، و البيع وقت النداء صحيح، لأن النهي في الأول لنفس ماهية البيع، و في الثاني لوصف خارج.

و في ذبح الأضحية و الهدي بآلة مغصوبة، نظر.

________________________________________
عاملى، شهيد اول، محمد بن مكى، القواعد و الفوائد، 2 جلد، كتابفروشى مفيد، قم - ايران، اول، ه‍ ق

تمهيد القواعد الأصولية و العربية؛ ص: 140

قاعدة «42» النهي في العبادات يدل على الفساد مطلقا،

و كذا في المعاملات، إلا أن يرجع النهي إلى أمر مقارن للعقد، غير لازم له، بل منفك عنه، كالنهي عن البيع يوم الجمعة وقت النداء، فإن النهي إنما هو لخوف تفويت الصلاة، لا لخصوص البيع، إذ الأعمال كلها كذلك، و التفويت غير لازم لماهية البيع.

و في المسألة أقوال أخر:

أحدها: لا يدل عليه مطلقا، نقله في المحصول عن أكثر الفقهاء «2»، و الآمدي عن المحققين «3».

و الثاني: يدل عليه مطلقا، صححه ابن الحاجب «4».

و الثالث: يدل في العبادات دون المعاملات، اختاره في المحصول «5».

______________________________
(1) صحيح البخاري 4: 3 باب الوصية بالثلث، صحيح مسلم 3: 446 باب الوصية بالثلث حديث 1628، سنن ابن ماجة 2: 903 حديث 2708.

(2) المحصول 1: 344.

(3) الإحكام 2: 209.

(4) منتهى الوصول: 73.

(5) المحصول 1: 344، و هو مذهب أبي الحسين في المعتمد 1: 171.

تمهيد القواعد الأصولية و العربية، ص: 141‌

و حيث قلنا: يدل على الفساد فقيل: يدل من جهة اللغة «1»، و قيل: من جهة الشرع «2» و هو الأظهر.

و إذا قلنا: لا يدل على الفساد، لا يدل على الصحة بطريق أولى. و بالغ أبو حنيفة و تلميذه محمد فقالا: يدل على الصحة، لأن التعبير به يقتضي انصرافه إلى الصحيح، إذ يستحيل النهي عن المستحيل «3».

إذا تقرر ذلك ففروع القاعدة كثيرة جدا لا تخفى، كالطهارة بالماء المغصوب، و الصلاة في المكان المغصوب، و الصوم الواجب سفرا عدا ما استثني، و الحج المندوب بدون إذن الزوج و المولى، و بيع الرّبا و الغرر و غيرها.

و من هذا الباب ما لو ترك المتوضئ غسل رجليه في موضع التقية، أو مسح خفيه كذلك، و إن أتى بالهيئة المشروعة عنده، لأن العبادة المأمور بها حينئذ هي الغسل و المسح، و العدول عنهما منهي عنه، و الواقع بدلهما جزء من العبادة منهي عنه، فيقع فاسدا. بخلاف ما لو ترك التكتف أو التأمين في موضعهما، فإنهما أمران خارجان عن ماهية العبادة فلا يقدحان في صحّتها.

و قد اختلف فيما لو صلى مستصحبا لشي‌ء مغصوب غير مستتر به، هل تصح صلاته أم لا؟ و مقتضى القاعدة الصحة، إذ النهي خارج عن ذات الصلاة و شرطها، و هو اختيار المحقق «4»، و المشهور الفساد «5»، نظرا إلى صورة النهي‌

______________________________
(1) حكاه في فواتح الرحموت 1: 396، و التمهيد: 293.

(2) المعتمد 1: 176، منتهى الوصول: 73، الإحكام للآمدي 2: 210.

(3) نقله عنهما أبو زيد كما في الأحكام للآمدي 2: 214، و اختاره في المستصفى 2: 28.

(4) المعتبر 2: 92.

(5) المغني و الشرح الكبير 1: 626، 464.

تمهيد القواعد الأصولية و العربية، ص: 142‌

الواقع في العبادة، و لا يخفى ضعفه.

و من هذا الباب الصلاة مع سعة الوقت بعد وجوب أداء الحق المضيق من دين مطالب به، أو حق يجب أداؤه على الفور، لأن المستحق في قوة المطالب.

و قد تقدم الكلام فيه «1».

________________________________________
عاملى، شهيد ثانى، زين الدين بن على، تمهيد القواعد الأصولية و العربية، در يك جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه‍ ق

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)؛ ج‌1، ص: 171

البحث التاسع عشر [حرمة العمل مقتضية لفساد العبادة على وجه اللزوم واقعاً.]

في أنّ حرمة العمل أصليّة واقعيّة، لنفسه أو لغيره، من داخل أو خارج، لازم أو‌

______________________________
(1) في «ح» زيادة: التحريم على الحقيقة و.

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)، ج‌1، ص: 172‌

مفارق، مستفادة من عقل أو نقل مقتضية لفساد العبادة على وجه اللزوم واقعاً. و ما دلّ على التحريم ظاهراً ظاهراً «1» في كتاب أو سنّة أو كلام فقيه، بصيغة نهي أو نفي أو غيرهما.

و كذا ما تعلّق بالأجزاء، و ما «2» كان من العبادات من شروط أو لوازم لها إن جعلنا الفساد مخالفة الأمر. و إن جعل عدم إسقاط القضاء فالاقتضاء ظاهريّ فقط؛ لظهور (عدم) «3» الإجزاء منه، و لا ملازمة عقليّة فيه.

و تخصيص مسألة النهي في كلامهم لبيان اقتضاء نفس الصيغة أو لقصد المثال «4».

و إذا تعلّق بالمقارن، فإن قيّد بالعبادة قضى ظاهر الخطاب بفسادها دون العقل، كما إذا قيل لا تتكلّم و لا تضحك في الصلاة، و لا ترتمس في الصيام.

و إن لم يقيّد بها، بل تعلّق به التحريم العام و لم يتّحد بها و لا بجزئها كالنظر إلى الأجنبيّة، و استماع الغناء و الملاهي، و الحسد و الحقد و نحوها، فلا يقضي بالفساد.

و المعاملة على نحو العبادة لا فرق بينهما، غير أنّ الاقتضاء فيها لا يستند إلى عقل و لا إلى لفظ على وجه اللزوم؛ لأنّه لا منافاة بين تحريم المعاملة و صحّتها و ترتّب أثرها كالظهار و نحوه، و الفساد بالنسبة إلى الآخرة قد يكون عين صلاح الدنيا.

و الدلالة على التحريم لا تستلزم الدلالة على الفساد و لا تقتضيه إلا لأمر خارجيّ، و هو ظهور إرادة عدم ترتّب الأثر، و هو الأُخرويّ في العبادة و الدنيويّ في المعاملة، و ذلك مستتبع للفساد، فتكون الدلالة في العبادة على الفساد من وجوه، و في المعاملة من وجهين، و ينكشف الحال بالنظر إلى النواهي الصادرة من كلّ مطاعٍ إلى مطيع.

و في استدلال الأئمّة عليهم السلام و أصحابهم بما في الكتاب أو الكتب السابقة، أو كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أو باقي الأنبياء عليهم السلام بما دلّ على النهي‌

______________________________
(1) في «ح»: ظاهراً أو.

(2) في «ح»: و ربما.

(3) كلمة عدم ليست في «س»، «ح».

(4) في «س» الأمثال و في «ح» الامتثال.

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)، ج‌1، ص: 173‌

على الفساد كفاية في إثبات المطلوب.

فلا حاجة إلى الرجوع فيه إلى الإجماع على الحمل عليه ما لم يكن منافٍ له، و لا إلى الشكّ في دخوله تحت العمومات، و لا إلى الخروج عمّا اشتمل على لفظ التحليل و نحوه في بعض الأقسام.

و لا إلى لزوم منافاة الغرض؛ لأنّ الصحّة ترغّب إلى فعل المعصية، و لا إلى أنّ المقام من المطالب اللغويّة، فيكفي قول الفقيه الواحد، كما يكتفى بقول اللغويّ الواحد، لأنّ القائلين منهم من أئمّة اللغة.

و الحاصل أنّ الأحكام الثلاثة، من التحريم، و الكراهة بمعناها الحقيقي و الإباحة، تنافي بذاتها صحّة العبادة، و الدالّ عليها بأيّ عبارة كان مفيد لفسادها.

بخلاف المعاملة، فإنّه لا ينافيها شي‌ء منها، لكن ما دلّ على النهي عنها بأيّ عبارة كان يفيد فسادها ظاهراً.

و إذا تعلّق ما دلّ على الإباحة و الكراهة بالعبادة أفاد صحّتها؛ لأنّها لا يجوز الإتيان بها إلا مع الصحّة، للزوم التشريع مع عدمها.

ثمّ الظاهر من شرطيّة الشرط و مانعيّة المانع وجوديّتهما لا علميّتهما، من غير فرق بين الوضع و الخطاب، و من «1» الأمر بشي‌ء، و النهي عن شي‌ء، في عبادة أو معاملة، الشرطيّة و المانعيّة، دون مجرّد الوجوب و التحريم.

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، جعفر بن خضر مالكى، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط - الحديثة)، 4 جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1422 ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 375

عناوين الفقهية، ج‌2، ص: 375‌

العنوان الثاني و الخمسون [] تعلق النهي بأركان المعاملة مبطل لها

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 376‌

عنوان 52 من جملة المبطلات للمعاملة: تعلق نهي الشارع بها.

و قد تمسك بذلك كثير من الأصحاب في كثير من المقامات، و المسألة محررة في الأصول، لكن البحث في الأصول من جهة دلالة النهي على الفساد و عدمها، و ما نحن فيه أعم من ذلك، و الغرض: إثبات أن المعاملة المنهي عنها فاسدة، سواء كان ذلك من دلالة النهي على الفساد أو من جهة قرينة أخرى، أو قاعدة شرعية، كما نقررها في تحرير الأدلة. و المشهور بين الأصوليين: أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات، و ذهب المرتضى و جماعة إلى أن النهي يدل عليه «1» و ظاهر جمع من فقهائنا: التفصيل بين النهي المتعلق بأركان المعاملة و بين غيره، فيدل الأول على الفساد دون الثاني، و هنا مذاهب آخر لا حاجة لنا إلى ذكرها، و قد نبه على ذلك التفصيل المحقق الثاني رحمه الله في حاشية القواعد، حيث ذكر جملة من المعاملات المحرمة في أول المكاسب إلى أن قال-: و هذه المعاملات كلها فاسدة، لرجوع النهي إما إلى‌

______________________________
(1) كذا في النسخ، و السيّد المرتضى قدّس سرّه قال: إنّ النهي من حيث اللغة و عرف أهلها لا يقتضي فسادا و لا صحّة و إنّما نعلم في متعلّقه الفساد بدليل منفصل (الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 180) و لذا زاد مصحّح «م» كلمة «لا» قبل «يدلّ» غفلة عن أنّها لا تلائم السياق.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 377‌

أحد العوضين، أو أحد المتعاقدين «1». و هذا التعليل يشير إلى هذا التفصيل و إن كان العبارة أعم. و بالجملة: الظاهر من تتبع طريقة الفقهاء: حكمهم بالفساد بتعلق «2» النهي إلى أحد الأركان كيف كان. و قد يمنعون أيضا الفساد في بعض المقامات تمسكا بأن النهي في المعاملات لا يدل على الفساد. ثم إن النهي قد يتعلق بالمعاملة لنفسها، و قد يتعلق لجزئها، و قد يتعلق لوصفها اللازم، و قد يتعلق لوصفها المفارق، و قد يتعلق لأمر خارج، و المسألة مبسوطة في كتب الأصول لا غرض لنا في ذكرها، و العمدة بيان الوجه في الفساد في المحل المقصود. فنقول لفظ (النهي) بنفسه من دون ملاحظة أمر خارجي لا يدل على فساد المعاملة بأي نحو تعلق، لا بالمطابقة و لا بالتضمن، و الوجه واضح، و لا بالالتزام، لعدم اللزوم، و مدلول النهي إنما هو التحريم في المنهي عنه و العقاب على فعله، و ترتب الأثر لا دخل له في ذلك، لجواز ترتبه على أمر نهي عنه أيضا كما في صورة النهي لأمر خارج، كالبيع وقت النداء فإنه حرام موجب للعقاب بالنهي، و مع ذلك ذهب المشهور بل الكل على عدم فساد البيع بذلك. و بالجملة: لا ملازمة بين التحريم و الفساد، فلا دلالة، لأنها فرع اللزوم. نعم، نقول: بأن‌

النهي متى ما تعلق يصير المعاملة «3» فاسدة إذا كان النهي متعلقا بأحد الأركان لوجوه:

الأول: مصير معظم الأصحاب عليه، بل لم يزل الفقهاء كافة يستدلون في أبواب الفقه بالنهي على الفساد

كما ذكره المرتضى رحمه الله «4» و هو واضح لمن تتبع، و لا نقول بأنه دال «5» على الفساد شرعا كما ادعاه المرتضى «6» حتى يستلزم النقل‌

______________________________
(1) جامع المقاصد 4: 17.

(2) في «ن»: حيث يتعلّق.

(3) في «م»: متى ما تعلّق بالمعاملة تكون فاسدة.

(4) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 184.

(5) في «ن، د»: دلّ.

(6) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 180.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 378‌

مدلول النهى، بل الظاهر أنه على معناه اللغوي و العرفي، لكن هذا التمسك [و الإجماع] «1» كاشف إما عن وجود قرينة عندهم على ذلك، أو وجود دليل دال على كون المنهي عنه فاسدا، فيكون النهي أمارة محققة للموضوع، و يجي‌ء الفساد من نفس القاعدة المقررة. و قد وجدنا الفقهاء في صورة تعلق النهي بالأركان متسالمين على هذا المعنى و إن منعوا في صورة تعلق النهي لأمر خارج، فعليك بالتتبع.

الثاني: الإجماع

الذي نقله المرتضى رحمه الله و غيره على ذلك كما هو مذكور في علم الأصول و جعله حجة على الدلالة شرعا، مع اعتضاده بفتوى كثير من الأصحاب متقدما عليه و متأخرا عنه.

الثالث: الاستقراء

، فإنا قد وجدنا كثيرا من المعاملات المنهي عنها لركنها فاسدة، بحيث علم فسادها من إجماع أو شي‌ء آخر بحيث لم يبق لنا بحث في فسادها، فإذا صار الغالب فيها ذلك يحمل المشكوك فيه على الغالب من الفساد و إن لم يدل فيه شي‌ء على فساده.

الرابع: ما ورد في الرواية في نكاح العبد بغير إذن سيده أنه يصح

لأنه ما عصى الله بل عصى سيده «2» و هذا التعليل يدل على أن العقد لو كان فيه معصية الله لكان فاسدا. لا يقال: إن معصية السيد أيضا معصية الله تعالى، فينبغي على هذا أيضا أن يكون فاسدا. لأنا نقول: إن الظاهر من الرواية: أن معصية الله ابتداء مبطلة «3» بمعنى: أنه لو كان العقد محرما بأصل الشرع لوقع فاسدا، بخلاف ما لو كان التحريم لأمر خارج، فإنه غير مبطل، و هذا يدل على التفصيل الذي أشرنا إليه: من أن التحريم إن كان‌

______________________________
(1) لم يرد في «م».

(2) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1 و 2.

(3) في غير «م»: مبطل.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 379‌

ناشئا عن أصل المعاملة بمعنى كون سببه أحد أركان العقد لزمه الفساد و إن كان من أمر خارج فلا، و نكاح العبد بغير إذن سيده ليس فيه تحريم من جهة نفس العقد و لا من أجزائه و أركانه، و إنما هو لمخالفة المولى. فإن قلت: إن هذه الرواية تدل على كون العقد المنذور تركه أيضا باطلا كما لو حلف أن لا يبيع أو نذر و نحو ذلك، لأن العقد حينئذ معصية الله. قلت: ليس كذلك، بل الظاهر من الرواية كون نفس العقد معصية لله لو خلي و نفسه من دون انضمام أمر خارج إليه، و ليس النذر و العهد بالنسبة إلى العقد إلا كإذن المولى في العبد، و إن كان المنع في النذر عن الله تعالى، لكن بواسطة إلزام العبد نفسه به، كما أن منع الشارع عن عقد العبد بواسطة منع سيده. و بالجملة: ظاهر الخبر: أن كون العقد بنفسه معصية لله يوجب بطلانه. و المناقشة في سند الرواية أو في حجيتها في المقام خالية عن الوجه، لأن سندها معتبر و حجيتها في المقام لا ريب فيها، إذ ليس الغرض إلا تأسيس قاعدة شرعية في أن المعاملة المنهي عنها فاسدة، و ليست المسألة أصولية، لأنا لا نتكلم في دلالة النهي على الفساد، بل نجعله أمارة محققة للموضوع، فتدبر. و لا يعارضه ظهور النواهي في الأعمية عن البطلان و العدم، لعدم التنافي. نعم، لو ادعينا دلالة الرواية على أن النهي يقضي بالفساد للزم هذا المحذور. و لو سلم المنافاة و المعارضة، فنقول: ورود الخبر على مدلول النواهي و رجحانه عليها «1» واضح، و ليس إلا كما لو قال المولى لعبده: (كل ما نهيتك عنه لو فعلته كان فاسدا، بلا ثمرة) بعد صدور نواه كثيرة عنه، و قد مر نظير هذا الكلام في تأسيس أصالة التعبد في الأوامر، فراجع «2» و في الخبر أبحاث كثيرة موكولة إلى ما حرر في الأصول، و هذا المقدار كاف فيما نحن بصدده بعد وضوح المرام.

الخامس: أن النهي و إن لم يدل على الفساد بالوضع

، و لكن تعلق المنع بأحد الأركان يقتضي كون المراد به الفساد، فيكون بمنزلة القرينة، نظرا إلى أن الأمر أو‌

______________________________
(1) في «م»: عليه.

(2) راجع ج 1، العنوان: 12.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 380‌

النهي المتعلق بشي‌ء ينساق منه إلى الذهن جهته المقصودة بالذات، و لا ريب أن المقصود الذاتي في المعاملات ترتب الآثار عليها، و أما الإباحة و التحريم فهما من التكاليف التي لا ربط لها بالمعاملة من حيث هي كذلك، فإذا تعلق النهي بها يدل على عدم وجود ما هو المقصود من المعاملة فيه، و هو ترتب الأثر، لا عدم الثواب أو وجود العقاب. و بالجملة: تعلق نهي الشارع على شي‌ء يدل على أن الآثار المطلوبة منه من حيث هو كذلك غير مترتبة عليه و هو الفساد، و لا فرق في ذلك بين العبادة و المعاملة. و ما يقال: إنه على هذا لا يختص بصورة التعلق بالأركان، بل يعم المنهي عنه كيف كان، مدفوع بوجود الفرق، إذ لو كان التعلق بأحد الأركان فيكون المعاملة منهيا عنها. و أما لو كان لغير ذلك كان المنهي عنه أمرا خارجيا، و إن وجد في ضمن المعاملة فلا يصير الحيثية المذكورة آتية فيه، بل يلاحظ فيه حيثية أخرى، فلا تذهل.

السادس: أن وظيفة الشرع إنما هو الإرشاد إلى ما هو المصلحة و المفسدة

، كأوامر الطبيب في وجه، و هما يلاحظان من جهات شتى، و ظاهر النهي كون الشي‌ء ذا مفسدة مطلقا، و منها عدم ترتب الآثار، و إن أمكن أن يقال: يكفي في ذلك وجود المفسدة الكامنة الموجبة للعقاب و إن لم يكن المفسدة هو عدم ترتب الأثر. لكن يمكن القول بأن الشي‌ء الذي فيه مفسدة ذاتية توجب العقاب لا يجوز على الشارع الحكيم إمضاء آثاره و لوازمه المقصودة منه، لأن الرخص لا تناط بالمعاصي. و فيه نظر، إلا أنه [فيه] «1» نوع تأييد، و لعله إلى ما ذكرنا ينظر قول من قال: إن المنهي عنه لو كان صحيحا لزم من صحته حكمة تدل عليها الصحة و من تحريمه حكمة يدل عليها النهي، و هما إما متساويان أو أحدهما يزيد على الأخر، فيلزم ارتفاعهما على الأول أو الصحة، إذ بعد التساقط يبقى على أصالة الإباحة كسائر‌

______________________________
(1) من «م».

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 381‌

المعاملات و على الثاني يلزم ارتفاع الناقص بصورتيه «1». و المقصود: أن الصحة و ترتب الأثر كاشف عن مصلحة فيه و التحريم كاشف عن مفسدة، فإما أن يتكافئا فيلزم الصحة، و إما أن يختلفا فاللازم عدم الصحة لو رجحت المفسدة و عدم التحريم لو رجحت المصلحة. و هذا كلام جيد جدا و إن زيفه كثير من الأصوليين. و ما يقال: إن هذا لا يدل على الفساد إذ غايته دوران الأمر بين بقاء الصحة أو التحريم، و لعل التحريم مرتفع خطأ محض، إذ لو فرض ارتفاع التحريم خرج عن محل البحث، إذ الفرض كونها معاملة منهيا عنها، و متى ثبت التحريم لزم البطلان، لعدم إمكان الاجتماع. و هنا كلام في النقض و الحل موكول إلى ما حرر في الأصول في بحث النهي في العبادات و اجتماع الأمر و النهي.

السابع: ما ورد في الروايات عن الأئمة عليهم السلام في بيان بطلان بعض المعاملات من التمسك بالنهي

«2» كما في (حرم الربا) و (نهى النبي صلى الله عليه و آله عن الغرر) و نظائر ذلك مما لا يخفى على المتتبع، فإن ظاهر هذه الأخبار أن المنهي عنه فاسد، و ذلك واضح.

و الثامن: ما ذكره بعضهم: من أن النهي متى ما دل على التحريم خصص ما دل على صحة العقود

من قبيل: أحل الله البيع و (الصلح جائز) و أوفوا بالعقود) و (النكاح من سنتي) و نحو ذلك، للتعارض بينهما بالعموم و الخصوص المطلقين، فيخرج المنهي عنه عن عموم أدلة الجواز و الإباحة. و الصحة و إن كانت من الأحكام الوضعية، لكنها تابعة في هذه الأدلة للحكم التكليفي، بمعنى: أن الصحة قد استفيدت من أدلة الإباحة و لزوم الوفاء، فمتى ما زال الحل بالنهي فلا‌

______________________________
(1) ذكره المحقّق القمّي قدّس سرّه في عداد أدلّة القائلين بدلالة النهي على الفساد شرعا، و أجاب عنه، راجع القوانين 1: 161؛ و هكذا صاحب الفصول قدّس سرّه، انظر الفصول: 142.

(2) لم نعثر في الروايات على تمسّك الأئمة عليهم السّلام في بطلان بعض المعاملات بما ذكره، و هو قدّس سرّه أعلم بما قال.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 382‌

وجه لبقاء الصحة، و ذلك نظير تبعية المفهوم للمنطوق، إذ لو جاء ما يعارض المنطوق و أسقطه عن الاعتبار فلا يلتفت بعد ذلك إلى المفهوم. و بالجملة: المنهي عنه بخروجه عن أدلة الصحة يرجع إلى أصالة الفساد الأولية، و لذلك نقول: إن المنهي عنه فاسد، لا أن النهي يدل على الفساد. و ما يقال: إن هذا الكلام يتجه فيما لو كان دليل الصحة منحصرا في العمومات التكليفية، و أما العمومات الوضعية: كقوله: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا «1» و نحو ذلك فلا يتخصص بالنهي، و يكفي ذلك في إثبات الصحة مع عدم المنافاة بينها و بين التحريم فتدبر مدفوع بأن الأدلة الوضعية مع عدم وجودها في كثير من الأبواب و أخصيتها من المدعى لو كانت إنما هي مسوقة لبيان حكم آخر، و لا دلالة فيها على إثبات الصحة حتى يتمسك بها في مقابل النهي. و بالجملة المعاملة المنهي عنها لركنها فاسدة بما مر من الوجوه، و عليه طريقة الأصحاب في كل باب.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

تحرير المجلة؛ ج‌1قسم‌1، ص: 94

(54) النهي في العبادات يقتضي الفساد مطلقا و في المعاملات في الجملة

تحرير المجلة، ج‌1قسم‌1، ص: 95‌

اما وجه دلالته على الفساد في العبادة فواضح ضرورة ان العبادة روحها القربة و ان يكون العمل مقربا و النهي يقتضي كونه مبغوضا و المبغوض لا يصلح ان يكون مقربا. اما في المعاملات فالنهي لا يخلو اما ان يكون لذات المعاملة أو لركنها أو غير ركن من أجزائها أو لو صفها اللازم أو لوصفها المفارق أو لأمر خارج عنها اما النهي لذاته فمثل قوله (ع) (لا تبع ما ليس عندك). و (لا بيع إلا في ملك)، و اما لأركانها فمثل قوله ثمن (الكلب سحت) فان الثمن و المثمن ركنا المعاملة، و اما لأجزائها الغير الركنية فمثل النهي عن بيع غير البالغ فإن البائع و المشتري و ان لم يكونا أركانا في المعاملة و لكنهما من جهة لزوم رضاهما جزءان لها، و اما النهي عن أوصافها اللازمة فمثل النهي عن ملك الرجل عموديه و محارمه فإن الملكية من آثار البيع اللازمة، و اما لوصفها المفارق فمثل المنع من لزوم المعاملة بخيار أو فسخ فان اللزوم وصف مفارق لها، و اما ما كان لأمر خارج فمثل النهي عن البيع وقت النداء بقوله تعالى. (فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ)، و مثل هذا النهي لا يقتضي الفساد قطعا كما ان النهي عن الأركان يقتضيه اتفاقا و اما الباقي فمحل خلاف و الحق ان المقامات تختلف و يلزم النظر في دليل كل مورد بخصوصه حتى يستظهر منه ان المراد من النهي هو الفساد و الحكم الوضعي أو محض الحرمة و الحكم التكليفي فمثل حديث نهي النبي (ص) عن بيع الغرر حيث ان الغرر هو الجهالة و الاقدام على الخطر و هي ترجع الى الثمن أو المثمن و هما ركنان فلا ريب في انه يدل على الفساد. و لكن مثل لا يملك الرجل عموديه‌

تحرير المجلة، ج‌1قسم‌1، ص: 96‌

يحتمل الحرمة و يحتمل الفساد و يلزم في مثله التأمل و الاستعانة بالقرائن لتحصيل الحقيقة و هي من وظائف المجتهد المطلق و باقي البحث موكول الى محله‌

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، محمد حسين بن على بن محمد رضا، تحرير المجلة، 5 جلد، المكتبة المرتضوية، نجف اشرف - عراق، اول، 1359 ه‍ ق

حیلوله

مستقصى مدارك القواعد؛ ص: 136

السابعة كل من شك في فعل الصلاة بعد أن خرج الوقت بنى على انه فعلها

و من شك فيه و قد بقي الوقت بنى على عدمه فصل هذا هو المشهور بل لا خلاف فيه صريحا و يدل على الحكم الاول مضافا الى ما يأتي انه لم يثبت بقاء التكليف بالصلاة ح فالاصل عدمه مع ان الظاهر من حال المسلم انه لا يترك الصلاة في وقتها و الاولى ان يستدل عليه بعموم قول الباقر ع في رواية محمد بن مسلم كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو اه و ربما يستدل له أيضا بقول الصادق ع في رواية محمد بن عيسى كل شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه اه و قوله أيضا في رواية زرارة اذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء اه فتدبر و على الثاني عموم الامر بالصلاة في اوقاتها و الاشتغال بها ثابتة و الشك في البراءة فالاصل يقتضي عدم الاتيان بما يوجبها أصل روي في في عن علي بن ابراهيم‌

مستقصى مدارك القواعد، ص: 137‌

عن ابيه عن ابن ابي عمير عن حماد عن حريز عن زرارة و الفضيل عن الباقر ع في حديث قال متى استيقنت او شككت في وقت فريضة انك لم تصلها او في وقت فوتها انك لم تصلها صليتها و ان شككت بعد ما خرج وقت القوت و قد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى يستيقن فان استيقنت فعليك ان تصليها في اي حالة كنت اه و يروي الحلي فيما استطرفه من كتاب حريز عن زرارة عن الباقر ع قال اذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و تقضى الحائل و الشك جميعا فان شك في الظهر فيما بينه و بين ان يصلى العصر قضاها و ان دخله الشك بعد ان يصلى العصر فقد مضت الا ان يستيقن لان العصر حائل فيما بينه و بين الظهر فلا يدع الحائل لما كان من الشك لا بيقين اه فصل هذا الحديث بظاهره ينافي الحديث الاول و التعارض بينهما بالعموم من وجه و لا ريب ان المرجح مع الاول‌

________________________________________
كاشانى، ملا حبيب الله شريف، مستقصى مدارك القواعد، در يك جلد، چاپخانه علميه، قم - ايران، اول، 1404 ه‍ ق

الرسائل الفقهية (للبلاغي)؛ ص: 187

تنبيهات

[التنبيه] الأوّل: المفهوم المحصّل من قاعدة التجاوز و الفراغ و خروج الوقت،

كونها توسعة و مندوحة من قاعدة الشغل و ما يجري مجراها من استصحاب الأمر و عدم الامتثال، كما يشهد لذلك لسان أدلّتها و سوقها في أنّ المضيّ إنّما هو لعدم الاعتناء بالشكّ المقتضي للتدارك خروجا عن العهدة.

و حيث يمتنع جريانها لأجل العلم الإجمالي فلا دليل على أنّ العود إلى المشكوك فيه قبل الدخول في الركن الذي بعده مناف لوضع الصلاة و مخلّ بها شرعا، كما في صورة الدخول في الركن، كما يشهد لعدم المنافاة وجوب العود مع العلم، و إن كثر المعرض عنه بالعود إلى التدارك و طال زمانه كما إذا أعرض عن قراءة الحمد و سورة طويلة و قنوت طويل، فالمحلّ للجزء و تداركه حيث لا تجري قاعدة التجاوز هو ما قبل الدخول في الركن الذي بعده، و لو شكّ في الدخول في الركن فمقتضى الأصل بقاء حكم التدارك للمشكوك فيه ما لم يكن الشكّ في الدخول في الركن ناشئا من الشكّ في عدد الركعات؛ لأنّه يعلم من أدلّة الشكوك في عدد الركعات في البطلان و البناء على الأكثر مع الاحتياط لها، و كيفيّته محافظة الشارع على أن لا يزيد عدد الركعات في الواقع، و لأجل ذلك سامح بزيادة التشهّد و السلام و تكبيرة الإحرام في كيفيّة احتياطها المتمّم على تقدير النقصان.

________________________________________
نجفى، محمد جواد بن حسن بلاغى، الرسائل الفقهية (للبلاغي)، در يك جلد، مركز العلوم و الثقافة الإسلامية، قم - ايران، اول، 1428 ه‍ ق

نهاية التقرير؛ ج‌2، ص: 471

الشكّ بعد الوقت

هذه القاعدة أيضا من القواعد التي تستفاد من السنّة، و يظهر من الشيخ قدّس سرّه في الرسالة أنّها ليست قاعدة مستقلّة، بل هي مع قاعدتي التجاوز و الفراغ مندرجة تحت قاعدة واحدة، حيث أورد الرواية الدالة على عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت في ضمن الأخبار الدالة على قاعدتي الفراغ و التجاوز، و قد مرّت الإشارة إليه سابقا.

كما أنّه يظهر من بعض المحقّقين من المعاصرين في كتابه في الصلاة، أنّ هذه القاعدة من مصاديق قاعدة التجاوز، حيث استند في إثباتها إلى الأخبار الخاصّة، و العمومات الدالة على أنّ الشكّ في وجود الشي‌ء بعد انقضاء محله ليس بشي‌ء «1».

و لكنك عرفت تغاير قاعدتي الفراغ و التجاوز، وفاقا لما اختاره شيخنا العلّامة الخراساني في التعليقة على الرسائل «2».

______________________________
(1) كتاب الصلاة للمحقق الحائري: 343.

(2) التعليقة على فرائد الأصول: 237.

نهاية التقرير، ج‌2، ص: 472‌

و الظاهر أنّ قاعدة الشكّ بعد الوقت قاعدة ثالثة، و العمومات الواردة في قاعدة التجاوز لا تدلّ عليها، لأنّه لا يمكن أن يكون المراد من قوله عليه السّلام: «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى.» «1»، أعم ممّا قد مضى نفسه أو محلّه أو وقته كما هو واضح.

و أمّا الأخبار الخاصّة فلا يخفى أنّه ليس هنا إلّا خبران:

1- ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة و الفضيل، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت». و رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله «2».

2- ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز بن عبد اللّه، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضي الحائل و الشكّ جميعا، فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن، لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين» «3».

و الرواية الثانية مضافا إلى اضطراب متنها- لأنّ الظاهر أنّ قوله عليه السّلام: «و يقضي الحائل و الشكّ جميعا» جزاء للشرط غير المذكور، و هو ما إذا شكّ بعد الحائل، و لا يمكن أن يكون عطفا على الجزاء في الشرطية الأولى، لأنّ المفروض فيها صورة‌

سوق

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌4، ص: 153

41- قاعدة السوق

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 155‌

قاعدة السوق «1» و من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة «قاعدة السوق». و هي أمارة على التذكية و غيرها.

و فيها جهات من البحث:

[الجهة] الأولى في مدركها

و هو أمور:

الأوّل: استقرار سيرة المسلمين و المؤمنين على أنّهم يدخلون الأسواق و يشترون اللحوم و الجلود من دون السؤال عن أنّها ميتة أو مذكّى، حتّى أنّ صاحب الشريعة صلّى اللّه عليه و آله، و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام أيضا كانوا كذلك، و هذا شي‌ء لا يقبل الإنكار، و لم يرد عنهم عليهم السّلام ردع عن هذه السيرة، بل هم أنفسهم عليهم السّلام كانوا كسائر المسلمين يعملون بها، فيدخلون سوق النخاسين و يشترون العبيد و الإماء، من دون أن يسألوا و يفتشوا هل هم أحرار قهروا فيبيعونهم، أو عبيد.

حتّى أنّه قال عليه السّلام في رواية حفص بن غياث: «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» «2» و ظاهر هذه العبارة أنّ الاعتناء بهذه الاحتمالات- أي احتمال عدم التذكية في‌

______________________________
(1). «القواعد» ص 149، «القواعد الفقهية» (فاضل اللنكرانى) ج 1، ص 487.

(2). «الكافي» ج 7، ص 387، الباب (9) من أبواب الشهادات، ح 1، «الفقيه» ج 3، ص 51، ح 3307، باب من يجب رد شهادته و من يجب قبول شهادته، ح 27، «تهذيب الأحكام» ج 6، ص 261، ح 695، (91) باب البينات، ح 100، «وسائل الشيعة» ج 18، ص 215، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدّعوى، باب 25، ح 2.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 156‌

اللحوم و الجلود، و احتمال كونهم أحرار في العبيد و الإماء، و احتمال كونه مال الغير و أنّه سرق أو غصب في سائر الأموال- يوجب تعطيل الأسواق، و اختلال أمر المسلمين في معاملاتهم، و هذا أمر مرغوب عنه عند الشارع، فعدم الاعتناء بأسواق المسلمين و ترتيب الأثر على هذه الوساوس منفور عنه.

الثاني: الإجماع على حجّية السوق، فإنّه من قديم الزمان لم يشكّك أحد في حجّية السوق و في أنّها أمارة التذكية.

و لكنّك عرفت ما ذكرنا مرارا من عدم اعتبار مثل هذه الإجماعات التي لها مدارك للمتّفقين يعتمدون عليها، و ليس من الإجماع المصطلح الذي بنينا في الأصول على حجّيته، و كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام.

الثالث: الأخبار:

منها: ما رواه الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال: «اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» «1».

و بعد الفراغ من أنّ الظاهر أنّ المراد من السوق هو سوق المسلمين، فأمره عليه السّلام باشتراء تلك الخفاف المشكوكة- أنّها مأخوذة من المذكّى أو من الميتة و الصلاة فيها حتّى تعلم بأنّها مصنوعة من الميتة- يدلّ على أنّ السوق أمارة التذكية، إلّا أن تعلم بخلافها، و إلّا فمقتضى أصالة عدم التذكية التي هي من الأصول التنزيليّة هو عدم جواز شرائها، و عدم جواز الصلاة فيها، فلا بدّ و أن يكون هناك أمارة حاكمة على ذلك الأصل، و ليست هي إلّا السوق حسب المتفاهم العرفي من نفس هذه الرواية.

______________________________
(1). «الكافي» ج 3، ص 403، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه و ما لا تكره، ح 28، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 234، ح 920، (11) باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان و ما لا يجوز الصلاة فيه، ح 128، «وسائل الشيعة» ج 2، ص 1071، أبواب النجاسات، باب 50، ح 2.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 157‌

و لا يمكن أن يقال: إنّ أمره عليه السّلام بالاشتراء و الصلاة فيها حكم ظاهري مجعول للشاكّ، حتّى يعلم من قبيل أصالة الطهارة، لأنّه لو كان كذلك لكان استصحاب عدم التذكية حاكما على ذلك الأصل غير التنزيلي، و على فرض عدم حجّية الاستصحاب نفس أصالة عدم التذكية تجري، لأدلّة خاصّة، فلا يبقى محلّ لذلك الحكم الظاهري الموهوم.

نعم بناء على مسلك صاحب المدارك قدّس سرّه من أنّ أصالة عدم التذكية ليست أصلا برأسها، و إنّما هو نفس الاستصحاب في مورد الشكّ في التذكية، و الاستصحاب ليس بحجّة «1»، لكان لهذا الكلام وجه.

و لكن تردّه أدلّة حجّية الاستصحاب أوّلا، و على تقدير تسليم عدم حجّيته تردّه الأدلّة الخاصّة التي تدل على حجّية أصالة عدم التذكية.

و منها: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟ فقال: «نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك» «2».

و هذه الرواية ظاهرة بل نصّ في أنّ في مورد الشكّ في التذكية لا يجب السؤال و التفتيش و يصلّى فيها، مع أنّ مقتضى أصالة عدم التذكية هو عدم جواز الصلاة فيها، إلّا بعد المسألة و تبيّن أنّها ذكيّة، فليس هذا إلّا لأجل وجود أمارة على التذكية، و هو هنا ليس إلّا السوق.

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن العبد الصالح‌

______________________________
(1). «مدارك الأحكام» ج 2، ص 387.

(2). «قرب الإسناد» ص 385، ح 1358، أحاديث متفرقة، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 368، ح 1529، (17) باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان و ما لا يجوز، ح 61، «وسائل الشيعة» ج 2، ص 1071، أبواب النجاسات، باب 50، ح 3.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 158‌

موسى بن جعفر عليه السّلام مثله. «1»

عن ابن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدري أ ذكيّ هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري، يصلّي فيه؟

قال عليه السّلام: «نعم أنا اشترى الخفّ من السوق و يصنع لي و أصلي فيه، و ليس عليكم المسألة» «2».

و منها: رواية الحسن بن جهم، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام اعترض السوق فاشترى خفّا لا أدري أ ذكيّ هو أم لا؟ قال عليه السّلام: «صلّ فيه». قلت: فالنعل؟ قال عليه السّلام مثل ذلك، قلت: إنّي أضيق من هذا، قال: «أ ترغب عمّا كان أبو الحسن يفعله» «3».

و دلالة هاتين الروايتين الأخيرتين على أماريّة السوق على حذو ما سبق، بلا تفاوت أصلا.

و ها هنا أخبار أخر تدلّ على اعتبار سوق المسلمين، و أنّه أمارة التذكية، «4» تركنا ذكرها، لأنّ في ما ذكرنا غنى و كفاية.

الجهة الثانية

في أنّ اعتبار هذه القاعدة هل هو في خصوص إثبات التذكية في مورد الشكّ‌

______________________________
(1). «الفقيه» ج 1، ص 257، ح 791، باب ما يصلّى فيه و ما لا يصلّى فيه من الثياب و جميع الأنواع، ح 42.

(2). «قرب الإسناد» ص 385، ح 1375، أحاديث متفرقة، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 371، ح 1545، (17) باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان و ما لا يجوز، ح 77، «وسائل الشيعة» ج 2، ص 1072، أبواب النجاسات، باب 50، ح 6.

(3). «الكافي» ج 3، ص 404، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه و ما لا تكره، ح 31، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 234، ح 921، (17) باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان و ما لا يجوز، ح 129، «وسائل الشيعة» ج 2، ص 1073، أبواب النجاسات، باب 50، ح 9.

(4). «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 234، ح 922، (17) باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان و ما لا يجوز، ح 130، «وسائل الشيعة» ج 2، ص 1073، أبواب النجاسات، باب 50، ح 8.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 159‌

فيها، أو أوسع من هذا فيثبت بها الملكيّة أيضا، فإذا دخل السوق و يريد أن يشتري متاعا و يحتمل أن يكون مسروقا، أو يدخل سوق النخاسين و يريد أن يشتري عبدا أو أمة و يحتمل أن يكونا حرّين، فهل السوق أمارة على أنّ ذلك ملك للبائع، و الأمة و العبد مملوكان لبايعهما أم لا، بل الذي هو أمارة الملكيّة هي اليد، فلو فرضنا عدم وجود يد عليه فلا طريق إلى إثبات ملكيته؟

و الظاهر: أنّ ما هو أمارة الملكيّة هي اليد، و صرف كونه في السوق لا يدلّ على أنّه ملك لأحد أهل هذا السوق، أو لأحد من الناس، إلّا أن يكون من الأموال التي يعلم بأنّها ملك لأحدهم و إن كان المالك مجهولا، فبصرف وجود أشخاص في سوق النخاسين في صفّ العبيد و الإماء لا يمكن الحكم عليهم بالمملوكيّة ما لم يكونوا تحت يد أحد.

و أمّا مسألة الطهارة في بيع ما يتوقّف صحّة بيعه على الطهارة- بحيث لو لم يكن طاهرا لا يكون له منفعة أصلا- كالسكنجبين مثلا من جهة أصالة الطهارة، و لذلك في الموارد التي يجري استصحاب النجاسة فيها يحكم بالنجاسة، و بصرف كونه في السوق و وقوع البيع و الشراء لا يحكم عليه بالطهارة.

و أمّا في موارد الشكّ في الطهارة و النجاسة من جهة الشكّ في التذكية و أن يحكم عليه بالطهارة بواسطة كونه في السوق، و لكن ذلك ليس من جهة إثبات الطهارة بأماريّة السوق عليها أوّلا و بالذات، بل من جهة أنّ السوق أمارة التذكية، و من آثار التذكية هي الطهارة، و كذلك الأمر في الحلّية، فلا يثبت به الحلّية ابتداء، بل من آثار التذكية الواقعة على الحيوان المحلّل الأكل هو حلّية أكل لحمه بعد التذكية.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

مفسدیّت شرط فاسد

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 361

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 361‌

العنوان الخمسون [] في بيان أن الشرط الفاسد مفسد للعقد

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 362‌

عنوان 50 من جملة المبطلات للعقود: اشتراط الشرط الفاسد فيها، فإنه مفسد للعقد. و الشرط الفاسد: هو المنافي لمقتضى العقد، أو «1» المؤدي إلى جهالة العوضين، أو المخالف للكتاب و السنة، أو شرط حرم حلالا أو أحل حراما، و قد مر بيان هذه الأقسام في بحث الشروط و وجه دفع الأشكال عن معانيها و تحقيق موردها. و ما عدا ذلك فهو سائغ. و الغرض هنا: بيان أن العقد متى اشترط فيه شرط فاسد، فهل يبطل العقد بفساد الشرط أو يفسد الشرط فقط دون العقد؟ و المحكي عن أكثر الأصحاب بطلان العقد أيضا، و ذهب بعضهم إلى بطلان الشرط خاصة «2». و الحق ما ذهب إليه الأكثر، نظرا إلى أن المقرر في العناوين السابقة: أن العقد تابع للقصد بالتحقيق الذي مضى في محله «3» و لا ريب أن الشرط المأخوذ في ضمن العقد بمنزلة الجزء من العوضين و قيد به العوضان و تعلق القصد بالمقيد، و قد‌

______________________________
(1) كذا في «د»، و في «ف، م»: و المؤدّي، و في «ن»: المؤدّي- بدون الواو.

(2) منهم الشيخ في المبسوط و ابن الجنيد و ابن البرّاج، على ما حكى عنهم العلامة في المختلف 5: 298.

(3) راجع العنوان: 30.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 363‌

مر في بحث الشروط: أن المراد بالشرط الواقع في ضمن العقد ربط المعاملة به، لا التزام خارجي لنفسه، فمتى تحقق الربط و فسد الشرط فما وقع عليه القصد من المركب لم يقع، و المطلق لم يتعلق به القصد فلا وجه لوقوعه. و ليس العقد دالا على وقوع المعاملة و إن انتفى الشرط، بل هو دال على عدمه بدونه، فالتمسك بعموم أوفوا بالعقود لا ينفع في بقاء الصحة، لأن هذا العقد المخصوص كان مقتضيا للأثر بهذا القيد، و مقتضاه عدمه عند عدم القيد، فيمكن دعوى: أن عموم أوفوا بالعقود «1» و (المؤمنون عند شروطهم «2» يدل على البطلان، لا الصحة بأحد الاعتبارات، فتدبر. و لو فرض أن العقد بظاهره اقتضى الوقوع بدون الشرط أيضا نقول: لا وجه لبقاء الصحة، لعدم القصد على ذلك. و لو كان قاصدا للوقوع بدون الشرط أيضا لا يصح، لعدم الدال حينئذ عليه، و القصد الخالي عن الدال قد مر أنه لا عبرة به، و اللفظ بعد التقييد بالشرط دال على الربط، فتدبر. و قد تمسك بهذه القاعدة كثير من الفقهاء في كثير من الأبواب، كشرط عدم إشاعة الحصة في المزارعة أو في المساقاة أو في المضاربة، أو شرط عدم التزويج عليها في النكاح، أو شرط عدم التصرف في المبيع، و نظائر ذلك، و كلها مبنية على إبطال الشرط الفاسد للعقد، و قد عرفت الوجه في ذلك. و الشرط الفاسد لا يخلو من أحد الأقسام الأربعة، فكل مقام حكم الفقهاء ببطلان شرط في العقود لا بد من إرجاعه إلى أحد الأمور الأربعة حتى يوجب البطلان في نفسه «3» في العقد، لما ذكرناه. و قد مر الوجه في وجه فساد هذه الأربعة في نفسها مستوفى، فراجع «4».

______________________________
(1) المائدة: 1.

(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ح 4.

(3) في «ن»: نفسها. و في «ف، م» بعد هذه الكلمة زيادة: و.

(4) راجع العنوان: 46.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 364‌

و هذه القاعدة قد تنخرم في بعض المقامات لدليل خاص من الشرع، كما ورد في النكاح في بعض المقامات: أن الشرط يبطل و العقد لا يبطل «1»، و أفتى به بعض الأصحاب «2». و بالجملة: كل ما حكمنا بفساد الشرط لأحد الأمور الأربعة حكمنا بفساد العقد، إلا بدليل دل عليه. و يمكن الاستدلال على البطلان مضافا إلى ما مر بأن بطلان الشرط يوجب جهالة في أحد العوضين، لأن له قسطا من العوض، و لازمه البطلان، و من ثم لا يجري في النكاح، لأنه ليس معاوضة صرفة، فتدبر.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

مختلف الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج‌5، ص: 298

مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، ج‌5، ص: 298‌

الفصل الثامن عشر في الشروط

مسألة: البيع إذا تضمن شرطا فاسدا قال الشيخ في المبسوط: يبطل الشرط خاصة دون البيع

«1»، و به قال ابن الجنيد، و ابن البرّاج.

و المعتمد عندي بطلان العقد و الشرط معا.

لنا: أنّ للشرط قسطا من الثمن، فإنّه قد يزيد باعتباره و قد ينقص، و إذا بطل الشرط بطل ما بإزائه من الثمن و هو غير معلوم، فتطرقت الجهالة إلى الثمن فيبطل البيع، و أيضا البائع إنّما رضي بنقل سلعة بهذا الثمن المعيّن على تقدير سلامة الشرط له، و كذا المشتري إنّما رضي ببذل هذا الثمن في مقابلة العين على تقدير سلامة الشرط له، فاذا لم يسلّم لكلّ منهما ما شرطه كان البيع باطلا، لأنّه لا يكون تجارة عن تراض.

احتج بقوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» و هذا بيع فيكون صحيحا، و الشرط باطل، لأنّه مخالف للكتاب و السنة. و بما روي عن عائشة أنّها اشترت بريرة بشرط العتق، و يكون ولاؤها لمواليها، فأجاز النبي- صلّى اللّه عليه و آله- البيع و أبطل الشرط، و صعد على المنبر و قال: ما بال أقوام‌

______________________________
(1) المبسوط: ج 2 ص 149.

(2) البقرة: 275.

مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، ج‌5، ص: 299‌

يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه، و كل شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل، و كتاب اللّه أحق و شرطه أوثق «1».

و الجواب عن الأوّل: أنّ البيع انّما يكون حلالا لو وقع على الوجه المشروع، و نحن نمنع من شرعيته، و عن الثاني من وجوه:

الأوّل: الطعن في السند.

الثاني: أنّ الحديث ورد هكذا: قالت عائشة: جائتني بريرة فقالت:

كاتبت أهلي على تسع أواق في كلّ عام أوقية فاعتقيني، فقالت: أن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم عدّة و يكون ولاؤك لي، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها، فجاءت من عندهم و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جالس، فقالت: إنّي عرضت عليهم فأبوا ألّا يكون الولاء إلّا لهم، فسمع النبي- صلّى اللّه عليه و آله- [فسألني] فأخبرته، فقال: خذيها و اشترطي لهم الولاء، فإنّما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة، ثمَّ قام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمَّ قال: أمّا بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللّه، ما كان كلّ شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل، و ان كان مائة شرط فقضاء اللّه أحقّ و شرط اللّه أوثق، و انّما الولاء لمن أعتق «2». و هذا ينافي ما ذكره الشيخ، و استدلّ به عليه، لأنّ بريرة أخبرت بأنّها قد كوتبت و طلبت الإعانة من عائشة فسقط الاستدلال به بالكلّية.

الثالث: أنّ المراد بقوله- عليه السلام-: «اشترطي لهم الولاء» أي عليهم، لأنّه- عليه السلام- أمرها به و لا يأمرها بفاسد، و كيف يتأتى من‌

______________________________
(1) صحيح البخاري: ج 3 ص 198- 199 مع اختلاف.

(2) صحيح البخاري: ج 3 ص 198 و 199 مع اختلاف.

مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، ج‌5، ص: 300‌

الرسول- صلّى اللّه عليه و آله- مع تحريم خائنة الأعين- و هو الغمز بها- و صنع حيلة لا تتم؟

________________________________________
حلّى، علامه، حسن بن يوسف بن مطهر اسدى، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، 9 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، دوم، 1413 ه‍ ق

سؤال و جواب (للسيد اليزدي)؛ ص: 211

سؤال 357 [فساد عقد بر اثر شرط فاسد]

شرط فاسد در ضمن عقود را مفسد مى‌دانيد يا نه؟

جواب: اقوى اين است كه مفسد نيست. و مما يمكن أن يستدل به على ذلك منا يتضمنه صحيح زرارة و محمد بن مسلم «3»، في مسألة الفرار من الزكاة إذا وهب ما عنده قبل حلول الحول في حديث طويل، قال زرارة قلت له‌

: رجل كانت له مائتا درهم، فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة، فعل ذلك قبل حلها بشهر، فقال:" إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة"، قلت: فإذا حدث «4» فيها قبل الحول، قال:" جائز ذلك له"، قلت: إنه فر بها من الزكاة، قال:" ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها"، فقلت له: إنه يقدر عليها، قال: فقال:" و ما علمه أنه يقدر عليها و قد خرجت عن ملكه". قلت: فإنه.

______________________________
(1) وسائل، ج 13، ابواب دين و قرض، باب 15، حديث 2 و 3، ص 99.

(2) توصيف سند است يعنى: چك يا سند صد ليره‌اى.

(3) وسائل، ج 6، ابواب زكاة الذهب و الفضة، باب 12، حديث 2، ص 111.

(4) در وسائل چنين است: فإن أحدث فيها قبل الحول.

سؤال و جواب (للسيد اليزدي)، ص: 212‌

دفعها إليه على شرط، فقال:" إنه إذا سماها هبة جازت الهبة و سقط الشرط و ضمن الزكاة". قلت له: و كيف يسقط الشرط و تمضي الهبة و يضمن الزكاة؟ فقال:" هذا شرط فاسد، و الهبة المضمونة ماضية و الزكاة لازمة عقوبة له

________________________________________
يزدى، سيد محمد كاظم طباطبايى، سؤال و جواب (للسيد اليزدي)، در يك جلد، مركز نشر العلوم الإسلامي، تهران - ايران، اول، 1415 ه‍ ق

اصاله الصحه فی عمل الغیر

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 743

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 743‌

العنوان الرابع و التسعون أصالة الصحة في فعل المسلم و قوله

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 744‌

عنوان 94 أفعال المسلمين و أقوالهم محمولة على الصحة و الصدق، و هذا المضمون نقل عليه الإجماع حد الاستفاضة، و الظاهر أنه صار من الضروريات، حيث اشتهر في ألسنة العوام و النساء. و ليس مما يحتاج إلى إقامة الحجة، و إنما البحث في المراد منها، لما صعب على بعض المتأخرين «1» ذلك و استشكل فيه، مع أنه من الضروريات على الظاهر. و مما يدل على ذلك مضافا إلى الإجماع أن الغالب في فعل المسلمين و أقوالهم الصحة بلا شبهة، و كلما شك فيه فيحمل على الغالب. و ما ورد في بعض المقامات من النصوص الخاصة، كالأخبار الدالة على قبول (قول ذي اليد) في باب الطهارة و النجاسة «2» و في باب التذكية «3». و ما دل على أن كل ذي عمل مؤتمن «4» و ظاهره أنه كلما يقول في ذلك فقوله‌

______________________________
(1) الظاهر أنّ المراد به: هو المحقّق السبزواري في الكفاية: 76.

(2) راجع الوسائل 2: 1069، الباب 47 من أبواب النجاسات، ح 3 و 4، و الباب 50 منها.

(3) راجع الوسائل 16: 294، الباب 29 من الصيد و الذبائح، و راجع البحار 80: 82.

(4) لم نعثر على خبر بذلك المضمون، و قد عبّر عنه المحقّق النراقي قدّس سرّه ب‍ «قاعدة كلّ ذي عمل مؤتمن في عمله» عوائد الأيّام: 74، العنوان: 23.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 745‌

مسموع في حقه و لا يفعل إلا ما هو مقتضى الأمانة. و ليس المراد به الأخبار، و إلا لزم الكذب، بل المراد: بيان أن البناء ينبغي أن يكون على ذلك حتى يعلم خلافه، فيكون في مقام تأسيس القاعدة و بيان الحكم الشرعي. و ما دل من الآيات و الأخبار و غيرها من الأدلة على حجية خبر العدل أو مطلقا بعد التبين في الأحكام الشرعية كما عليه العمل الان. و ما ورد في قبول شهادة الرجل أو المرأة في بعض المقامات منفردا أو منضما «1» كما هو الغالب. و ما مر من القاعدة المشار إليها سابقا: أن الشي‌ء الذي لا يعلم إلا من قبله يسمع قوله فيه «2» و ما ذكرنا فيه من النص الوارد في خصوص النساء و تصديقهن في أمر العدة و الحيض و نحو ذلك، فإن هذه الموارد و إن كانت موارد خاصة لكنها تؤيد سماع القول و الحمل على الصحة. و يدلُّ عليه أيضا قوله تعالى اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ «3» فإن ظاهره أن ظن السوء على المسلم إثم، و ليس معناه إلا البناء في أفعاله و أقواله على الصحة. و ما ورد من الروايات على أن من حق المؤمن على المؤمن أن لا يكذبه في كلامه «4». و ما ورد من الروايات على الأمر بوضع أمر الأخ المسلم على أحسنه «5». و ما دل على أن قول المسلم يجب قبوله «6». و ما دل على أن اتهام المسلم و المؤمن حرام «7». و ما دل على أن المؤمن وحده حجة يعمل بقوله «8». و ما دل على تحريم‌

______________________________
(1) انظر الوسائل 18: 192، الباب 14 من أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، و الباب 15 منها.

(2) راجع العنوان: 79.

(3) الحجرات: 12.

(4) الوسائل 8: 543، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة، ح 4 و 10.

(5) الوسائل 8: 614، الباب 161 من أبواب أحكام العشرة، ح 3.

(6) لم نعثر عليه.

(7) راجع الوسائل 8: 613، الباب 161 من أبواب أحكام العشرة.

(8) ما ظفرنا عليه هو ما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمن وحده حجّة و المؤمن وحده جماعة» الوسائل 5: 380، الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة، ح 5.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 746‌

إضمار السوء على الأخ المسلم «1». و ما دل على أن ظن السوء واجب الترك «2». و ما دل على أن التكذيب لا يجوز.

قال المعاصر النراقي في عوائده: أن عدم ظن السوء و عدم التكذيب لا يفيد «3» المدعى، لأنه أعم من الحمل على الصحة، و ما دل على التصديق مع ضعفه و عدم الجابر مطلق يتقيد بما دل على المقيد فلا يبقى فيه إطلاق، و نقل رواية موثقة فيها: أن شرط أداء حق الاخوة كونه (إذا عامل لم يظلم و إذا حدث لم يكذب و إذا وعد لم يخلف «4» و قال: إن هذا الخبر يدل على شرطية ذلك المستلزم انتفاؤه انتفاء وجوب أداء الحق. و نقل الصحيحة المشار إليها في بحث العدالة، و فيها: (أن يكون ساترا لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين تفتيش وراء ذلك من عثراته و عيوبه، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس «5» و قال: إن هذا يدل على أن هذا لو لم يكن كذلك لم تجب تزكيته. و نقل رواية الثمالي الدالة على عدم العبرة بالمستحق للتهمة «6» و قال: ظاهره الفاسق أو المظنون في حقه ذلك. و نقل المرسل الدال على النهي عن مصاحبة الفاسق «7» و أشار إلى الأخبار الدالة على نفي الأيمان و الإسلام أو التشيع عن بعض الفساق «8» بل من هو أعلى منه «9». و نقل‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 611، الباب 159 من أبواب أحكام العشرة، ح 2.

(2) الوسائل 8: 614، الباب 161 من أبواب أحكام العشرة، ذيل ح 3.

(3) كذا، و المناسب: لا يفيدان.

(4) الوسائل 8: 597، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، ح 2.

(5) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، ح 1.

(6) الوسائل 11: 137، الباب 3 من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، ح 1، قوله عليه السّلام: و حقّ الناصح.

(7) الوسائل 8: 419، الباب 17 من أبواب أحكام العشرة، ح 1.

(8) مثل ما ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يزني الزاني و هو مؤمن، و لا يسرق السارق و هو مؤمن» البحار 69: 63، ح 7 و 8.

(9) مثل ما ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله: «لا إيمان لمن لا أمانة له، و لا دين لمن لا عهد له» البحار 72: 198، ح 26. و ما ورد عن الكاظم عليه السّلام في وصيّته لهشام: «يا هشام لا دين لمن لا مروّة له» البحار 1: 141، ح 30. و راجع الكافي 2: 226، باب المؤمن و علاماته و صفاته، و ص 242 باب قلّة عدد المؤمنين.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 747‌

ما ورد في الخبر: أنه إذا كان الجور أغلب من الحق لا يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه «1». ثم قال: و لم يتحصل من ذلك كله إلا الجزئية. و الإجماع على الكلية غير ثابت، للاختلاف في كثير من المقامات: كالشهادات، و الروايات، و الأخبار، و أقوال ذي اليد، و العمل في الطهارة و النجاسة، و المنازعات، و المطاعم، و المشارب، فيختلفون فيه و لا يتمسكون بالقاعدة إلا في قليل. ثم قال: و الاستقراء معارض بمثله، و الأخبار الخاصة في المقامات يعارضها أكثر منها في مقامات آخر فلا دليل على الكلية. هذا مجمل كلامه زيد في إكرامه «2». و لا يخفى أن ظاهر الأصحاب كون حمل أفعال المسلمين على الصحة من الضروريات، و لو كان لذلك مخصص لنبهوا عليه، فلا بد من التأمل في المراد حتى يرتفع هذا الأشكال. فنقول: لو كان المراد من هذا الأصل: أن المسلم إذا فعل فعلا أو ذكر قولا فينبغي أن يبنى على أنه هو الواقع فيكون فعله مبنيا للواقع حتى يعلم خلافه و كذلك قوله،

فهذا المعنى قابل لوجهين:

أحدهما: أنه يبنى على كونه الواقع بالنسبة إلى نفس الفاعل

، بمعنى كون الواقع عنده ذلك، فيكون غير مخطئ في فعله و لا كاذب في قوله، فيبنى في كل ذلك على أنه ذكر و فعل ما هو الواقع عنده، سواء كان واقعا في الواقع أو خطأ أو نسيانا أو غير ذلك، فيكون حملا لرفع الإثم و المعصية عن المسلم، بمعنى: أن كل ما رأيت من المسلم فعلا أو قولا فلا تبادر إلى قدحه و إلى تكذيبه، بل كل ما يمكن أن يكون له احتمال صحته فابن عليه، فإن كان للموضوع قيود و خصوصيات محتملة رافعة‌

______________________________
(1) الوسائل 13: 233، الباب 9 من أبواب أحكام الوديعة، ح 2.

(2) عوائد الأيّام: 75- 78، العائدة: 23.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 748‌

للمعصية و الإثم فاحمل على أحدها، و إلا فعلى الخطأ في الاعتقاد، مثلا: إذا رأيت أحدا يأكل في نهار شهر رمضان فيحتمل كونه مسافرا، و إلا فيحتمل كونه يخاف على نفسه من ضرر، و إلا فيحتمل كونه مكرها و إن كانت امرأة يحتمل كونها حائضا و إلا فيحتمل عدم كونه عالما بأن هذا شهر رمضان، لبعده عن البلد و نحو ذلك، و إلا فيحتمل أن لا يكون عالما بوجوب صوم شهر رمضان، كما لو كان جديد الإسلام و احتمل ذلك منه، و إلا فيحتمل اعتقاده أن الأكل لا يفسد الصوم، أو أكل الفاكهة أو التمر مثلا، أو العلف الغير المعتاد و نحو ذلك، و يحتمل كونه ناسيا عن كونه صائما كما يتفق غالبا، أو ناسيا عن كون هذا شهر رمضان فتخيل أنه صوم مندوب، أو قضاء يجوز إفطاره قبل الزوال و نحو ذلك، فإن هذه كلها احتمالات يدفع بها ظن السوء و يبنى على الصحة. و يدلُّ على هذا المعنى ما ذكره المجلسي رحمه الله في البحار في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنه ورد عليه قوم يأكلون في نهار شهر رمضان، فسألهم عن السفر و المرض و نحو ذلك من الأعذار، فلما أقروا بانتفاء الكل قام فحدهم «1». و هذا المعنى هو ظاهر قولنا: (يحمل فعل المسلم على الصحة) و هو الذي يتبادر منه إلى الأذهان و يدلُّ عليه الآية «2». و ما دل على عدم التكذيب يكون معنى ذلك: أنه لا يبنى على كونه كاذبا عاصيا، و أما أنه يبنى على كون الكلام مطابقا للواقع حقا بتقريب أن عدم التكذيب عبارة عن التصديق و القول بأن كلامك مطابق للواقع فغير مستفاد من الخبر، بل لا ريب أن الساكت و المتردد أيضا يقال له: إنه ما كذب الخبر، و إن كان لم يصدق أيضا. و احتمال الخطأ في الخبر و عدم الوثوق به ليس تكذيبا لقائله عرفا، بل المتبادر من (التكذيب) نسبته إلى الكذب عن عمد الذي هو المعصية، لا مجرد مخالفته للواقع و لو كان عن خطأ أو نسيان. و يدلُّ على هذا المعنى ما دل من‌

______________________________
(1) البحار 40: 288، ح 64.

(2) قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الحجرات: 12.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 749‌

الآيات و الأخبار على مذمة الكذب و كون اللعنة على الكاذب، فتدبر جدا. و هو المراد أيضا من وضع أمر الأخ المسلم على أحسنه، لظهوره في الحمل على أجود المحتملات، لا فرض كونه واقعا فلا بد من ترتيب كل أثر عليه، بل مجرد رفع العصيان عن الفاعل. و كذا ما دل على حرمة التهمة و هو ظن السوء فإن ما ظاهره الخلاف إذا وجب حمله على الصحيح فكيف بالظن من دون أمارة ظاهرة؟ و كذا المراد من عدم إضمار السوء. نعم، ما دل على وجوب العمل بقول المؤمن و أنه حجة لا يلائم هذا المعنى الذي ذكرناه، و إنما هو ملائم للمعنى الاتي، و سيأتي الكلام في اعتباره. و ما ذكره «1» من المعارضات لا يرد شي‌ء منها على هذا المعنى، لأن اشتراط أداء حق الاخوة بهذه الأمور الثلاثة لا يدل على أن من كان على خلاف ذلك فلا يحرم فيه ظن السوء، بل لا يجب أداء حق الاخوة، و هو غير المراد. و لا دليل فيه على جميع الحقوق حتى نقول: إن ظن السوء منه، مضافا إلى أنه مشعر بالحيثية، فإنه إذا وعد و خالف و حدث و كذب، فلا وجه حينئذ لحمل قوله على الصدق بعد العلم بكذبه و مخالفته. و لا دلالة في الخبر «2» على أن من كذب في حديث أو خالف في وعد فلا بأس بظن السوء فيه و لا احترام له، و ذلك واضح عند من تأمل، و الظاهر من سياق الخبر غير ذلك قطعا. و الصحيح في العدالة «3» إنما يدل على أن من لم يكن ساترا لجميع عيوبه لا يحرم على المسلمين التفتيش و لا يجب عليهم التزكية، و القيد إنما هو للمجموع المركب لا لكل واحد، و ليس يفيد أنه إذا أظهر بعض عيوبه حل للمسلمين التفتيش عن الباقي، و عدم وجوب التزكية لا يستلزم التفتيش و ظن السوء، غايته: يكون مجهول الحال، أو يكون فاسقا بما أظهر من عيبه، لا أنه يسند إليه ما سواه أيضا،

______________________________
(1) أي: الفاضل النراقي في كلامه المتقدّم.

(2) تقدّم في ص: 746.

(3) يعني صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في بيان العدالة، الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، ح 1.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 750‌

و هذا لا دخل له في الحمل على الصحة أبدا عند الأنصاف. و عدم العبرة بمستحق التهمة يقضي بأن الإنسان إذا عرض نفسه للتهمة و لم يتق مواقعها فهو فاسق، لأن الاتقاء من مواقع التهمة أيضا من الواجبات التي من تركها يفسق بذلك، لا أنه يسند إليه ما لم يعلم منه، و لا منافاة بين كونه مخالفا للشرع في عدم الاتقاء عن موضع التهمة و لزوم عدم ظن السوء في حقه لغيره. و ما دل على أن الفاسق ليس بمؤمن و لا مسلم لا يدل على عدم لزوم حمل فعله على الصحة، إذ لا ريب في إرادة الأيمان و الإسلام الكامل، للقطع بجريان جميع أحكام الإسلام و الايمان على الفاسق. و ما ورد من الآيات في حصر المؤمن على أشخاص «1» لا تتفق إلا في آحاد العدول أيضا قاض بإرادة الكامل، بل ما ورد من الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذكر صفات المؤمن «2» يقضي بعد م وجود مؤمن غير المعصوم، و مثل ذلك ليس مناط الاستنباط للفقيه في المسائل، فتبصر. و ما دل من الخبر على عدم الاعتماد إلا مع معرفة الصلاح و الخير، فلا يدل على جواز ظن السوء، أو عدم الحمل على الصحة في المجهول الحال، بل غايته: أنك لا تعتمد و لا تجترئ على ذمه و ظن السوء به بما رأيت منه ما خالف الشرع باعتقادك، إذ لعله معذور في ذلك.

و ما ذكره من اختلاف الأصحاب في هذا الباب في مقامات قد عرفت أن شيئا منها لا دخل لها على هذا المعنى الذي ذكرناه، إذ عدم المعصية «3» لا يستلزم كونه في الواقع كذلك.

______________________________
(1) مثل قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذٰا ذُكِرَ اللّٰهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ. الأنفال: 2. إلى غير ذلك من الآيات.

(2) الكافي 2: 226، باب المؤمن و علاماته و صفاته، ح 1.

(3) كذا في النسخ، و الصواب: عدم التمسّك. و هذه إشارة إلى ما تقدّم نقله عن المحقّق النراقي قدّس سرّه: من عدم ثبوت الإجماع على كلّيّته القاعدة، راجع ص: 747.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 751‌

و ثانيهما: أن يكون المراد: بناء كون قوله على وفق الواقع واقعا و فعله على طبق الشرع واقعا

، و لازمه ترتيب جميع الآثار عليه في نظر الغير ما لم يعلم بعيبه تعبدا. و هذا المعنى أيضا ظاهر من بعض أخبار المقام و أدلة الباب، كما أشرنا إليه. و ما ذكره «1» من المعارضات أيضا بعد معونة ما أشرنا إليه لا يعارض ذلك إلا في بعض ما مر. و لكن هذا المعنى غير معهود من الأصحاب، إذ لم يجعل أحد منهم فعل المسلم بمجرده و قوله دليلا على الواقع، بمعنى: كون صدور ذلك من المسلم كافيا في الحكم فيما اشتبه حكمه في الشرع. نعم، لو كان هناك صورتان: إحداهما موافقة للشرع صحيحة، و الأخرى مخالفة له فاسدة، و قد علم حكمهما من الشرع و لم يعلم أن هذا الفعل الصادر عن المسلم من أي الصورتين فيبنى أنه في الواقع من أفراد الصورة الصحيحة دون الفاسدة. و بعبارة أخرى: إذا فعل المسلم فعلا كمن ترك في الصلاة جزءا، أو احتقن بالمائع في شهر رمضان، أو ابتاع مالا بمال فإن كان هذا الفرض من مشتبه الحكم شرعا ففعل المسلم لا يكون دليلا على صحته في الواقع و التمسك بسيرة الناس لكشفه عن تقرير المعصوم. و إن كان مما اشتبه موضوعه بعد العلم بوجود فرض صحة لهذا الفعل و فرض فساد فيبنى على الصحة، و بمعناه الحل و الحرمة. و هذا لا مانع منه، و الحكم بأن هذا من الفروض الصحيحة المحللة واقعا لا معارض له في شي‌ء مما ذكره من النصوص، كما لا يخفى على من راجع. و الأصحاب لم يعرضوا عن هذا المعنى إلا في باب التنازع و الخلاف، و إلا ففي ما عدا ذلك عملوا به، و في باب الشهادة دل الدليل على التعدد، أو أنهم لم يعملوا بكون القول كاشفا عن الواقع مطلقا، أو لأنهم فهموا من ذلك الخلو عن المعارض، و في مقام التنازع يتعارض القولان و يتساقطان و يحتاج إلى شي‌ء آخر.

______________________________

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

بطلان معامله سفهی

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 365

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 365‌

العنوان الحادي و الخمسون [] في بطلان المعاملة السفهية، و بيان المراد منها

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 366‌

عنوان 51 من جملة ما ينبغي أن يجعل قاعدة كلية مخرجة عن قاعدة أصالة الصحة المتقدمة قاضية بالبطلان ابتداء: كون المعاملة سفهية. و قد أشار إلى هذه القاعدة الشهيد رحمه الله في اللمعة، قال: (و لا حجر في زيادة الثمن و نقصانه ما لم يؤد الى السفه «1» و هذه العبارة دالة على أن السفهية من جملة المبطلات الابتدائية. و البحث هنا يقع في مقامات، باعتبار بيان موضوع السفهية، و مواردها، و الوجه الدال على بطلان المعاملة بها.

الأول: في بيان معنى كون المعاملة سفهية

. فنقول: لا ريب أن السفه في المعاملات أو في مطلق العقد ليس عبارة عن كون المتعاقدين سفيهين أو أحدهما سفيها، بل المراد كون المعاملة من شأنها أن تصدر من سفيه، و حيث إن المسألة تتفرع على بيان أصل معنى (السفه) المقابل للرشد، يتوقف معرفتها على ما نبينه في الشرائط العامة إن شاء الله، و لكن حيث إن السفه عبارة عن نقصان العقل المخرج أفعال صاحبه عن طريقة العقلاء و ما عليه عادة أغلب الناس و إن كان توضيح هذا المطلب يحتاج إلى بسط فتكون المعاملة السفهية عبارة عن نوع لا يصدر عن غالب الناس، و لا يقع عند العقلاء‌

______________________________
(1) اللمعة: 131، الفصل العاشر من كتاب المتاجر.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 367‌

عادة بحيث لو صدر عن واحد منهم يعلم أن هذا على خلاف طريقة العقلاء. و ربما يستفاد من بعض العبائر: أن المعاملة السفهية ما دل على سفه فاعله، فتكون السفهية عبارة عن كون فاعله سفيها، و يكون وجه الامتياز بين المقام و بين عموم أدلة اعتبار الرشد في الماليات: أن المتعاقدين مرة يعلم سفههما أو سفه أحدهما قبل المعاملة بطرق الاختبار، ثم تصدر عنهما المعاملة، فهذه معاملة سفيه تتوقف على إجازة الولي على المشهور المنصور. و مرة يعلم سفههما بنفس المعاملة، بمعنى: أن بصدور مثل هذه المعاملة يعلم كونهما سفيهين و إن لم يكونا سفيهين قبل ذلك، فلا يرد عليه: أن هذه المعاملة لو كانت معاملة سفيه انكشف سفهه بهذه المعاملة، فلا وجه للتقييد في زيادة الثمن و نقصانه بعدم أدائه إلى السفه، فإن اشتراط الرشد من الأمور الواضحة المذكورة في أول الشرائط، فينبغي أن يقال: إلا أن يكون المتعاقدان أو أحدهما سفيها و وجه الدفع ما ذكرناه من الفرق بين كون السفه معلوما قبل المعاملة أو بنفس المعاملة. و لكن هذا الكلام مختل النظام، لوجوه واضحة: أحدها: أن معاملة السفيه لا تقع باطلة، بل يمكن أن تكون صحيحة بإذن الولي، لأن عبارة السفيه ليست [كعبارة] «1» المجنون و الطفل، و لهذا يجوز أن يكون وكيلا عن الغير. نعم، هو محجور عن التصرف في ماله، فإذا اذن الولي في تصرف خاص يكون كالوكيل عن الغير أو الفضولي مع الإجازة، و لا مانع من صحته. بخلاف المقام، فإن المعاملة السفهية باطلة بالمرة من أصلها، و ليس له وجه صحة مطلقا، فإدراج المقام تحت معاملة السفيه لا وجه له. و ثانيها: أن السفه و الرشد كسائر الصفات المتقابلة من الموضوعات الخارجية التي تعلم بأماراتها المعتادة، و لا ريب أن الرجل البصير بالأمور الناقد في جميع ماله و ما عليه لا يعد سفيها قطعا، مع أنه يمكن صدور هذه المعاملة عنه اقتراحا،

______________________________
(1) من «م».

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 368‌

بمعنى: أنه يشتهي نفسه أن يبيع ما يسوي ألفا بعشرة دراهم من دون تعلق غرض به، و لا ريب أن صدور هذه المعاملة بنفسها لا يصير الرجل سفيها، لأن السفه نقصان العقل كما ذكرناه، و هذا لا يدل على نقصان العقل. نعم، لو تكرر منه مثل هذا العمل و علم أنه غير مصلح لماله بل مضيع له عد سفيها، و لكن ذلك غير الفرض، فبين (معاملة السفيه) و (المعاملة السفهية) عموم من وجه، فتجتمعان في صورة كون العاقد سفيها مع كون معاملته أيضا مما لا تصدر عن العقلاء كبيع ما يسوي بألف بعشر واحد «1»، و يفترق الأول فيما لو فعل السفيه «2» معاملة جارية على طريقة العقلاء كبيع المال بثمن المثل و زيادة، و يفترق الثاني في صورة كون المباشر رشيدا في العرف و العادة له ملكة إصلاح المال و ضبطه و صرفه في الوجوه اللائقة له مع صدور معاملة عنه غير جارية على مقتضى الرشد بل جارية على عادة السفهاء، فإن فعل الغير العاقل يجوز صدوره عن العاقل فضلا عن ناقص العقل. و بالجملة: المعاملة السفهية المبحوث عنها على هذا التحرير ما كان شأنها الصدور من سفيه لا من تام العقل. و ثالثها: أن مجرد صدور مثل هذا العقد لو كان قاضيا بسفاهة فاعله للزم بعد ذلك حجره «3» عن التصرفات المالية كما هو قاعدة السفهاء مع أن الرجل بمحض صدور ذلك لا يحجر عليه بلا كلام، بل الميزان في ثبوت السفه إنما هو انكشاف عدم وجود ملكة الإصلاح فيه، و أنى له الانكشاف بذلك؟ و رابعها: أن العمدة في إثبات أحكام السفيه من الحجر و غيره إنما هو النصوص الكتابية و غيرها الدالة على عدم إيتاء الأموال للسفهاء و عدم نفاذ معاملاتهم، و لا ريب أن هذه الأدلة لا تشمل مثل هذا الرجل بمجرد هذا الفعل حتى تدخل معاملته في معاملة السفيه. و احتمال: أنه في حالة صدور هذا العقد عنه سفيه و قبله و بعده رشيد لأن‌

______________________________
(1) في «م»: ألفا بعشر.

(2) في «م»: لو وقع من السفيه.

(3) في «ف، م»: للزم من ذلك حجره بعد ذلك.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 369‌

صدور مثل هذا العقد الخارج عن طريقة العقلاء في تلك الحالة يكشف عن زوال العقل التام عنه في تلك الحالة في كمال البعد. أما أولا: فلأن نقصان العقل و تمامه في آن واحد مما هو خارج عن المعتاد، بل هو من المحالات عادة. و أما ثانيا: فلأن المفروض عدم تغيير «1» فيه يوجب نقصان عقله و تمامه، بل هو على حاله الأول. و أما ثالثا: فلأن الغرض إذا تعلق بصدور فعل من الإنسان غير ملائم لفعل العقلاء فلا يخرج الإنسان عن كونه عاقلا، لأنا نرى أن الناس يتعمدون الإتيان بأفعال المجانين، بل أفعال البهائم، و مع ذلك هم عقلاء ممتازون بالعقل، فكذا في ما نحن فيه، و ليس تعلق غرض ما مخرجا عن السفهية، إذ لا ريب أن صدور الفعل من دون ملاحظة غاية ممتنع عن الفاعل المختار، بل المخرج عن السفهية ملاحظة غاية معتد بها عند العقلاء، أما ملاحظة غاية لا يعتنى بها فلا يخرج الفعل عن السفهية، فيمكن ملاحظة غاية غير معتد بها و صدور الفعل لأجلها تعمدا في ذلك، و هذا غير قادح في العقل و الرشد، فتدبر. و بالجملة: فالمسألة واضحة، فحاصل المراد من المعاملة السفهية: كونه على نحو لا يعتد به العقلاء و ينبغي صدوره عن السفهاء «2».

الثاني «3» أن السفهية و إن فرض «4» في كلام الشهيد رحمه الله و غيره في البيع، لكنه لا [يختص به]

______________________________
(1) في «م»: تغيّر.

(2) العبارة لا تخلو عن مسامحات، فلذا غيّرها مصحّح «م» بما يلي: كونها على نحو لا يعتدّ به العقلاء و شأنها أن تصدر من السفهاء.

(3) أي: المقام الثاني من المقامات الثلاثة، تقدّم أوّلها في ص: 366.

(4) من هنا إلى آخر العنوان كما ترى العبارة لا تخلو عن مسامحات أدبيّة، و قد غيّرها مصحّح «م» تغييرا فاحشا، و لا حاجة إليه بعد وضوح المراد؛ و نحن رجّحنا إثبات ما في أصول النسخ إلّا ما كان غلطا بيّنا نشأ من سهو القلم أو من اشتباه النسّاخ. و في العناوين الآتية أيضا ننهج هذا المنهج تحفظا- بحسب الإمكان- لما جرى على قلم المؤلّف قدّس سرّه و تحرّز عمّا لا طائل تحته؛ و لا نشير أيضا إلى الاختلافات بين نسخة «م» و سائر النسخ إلّا فيما لا بدّ منها.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 370‌

يختص به، بل يعم سائر المعاوضات: من إجارة و صلح و نكاح و مسابقة و جعالة و مزارعة و مساقاة و مضاربة و نحو ذلك، بل يعم غير ما فيه المعاوضة أيضا كالوكالة و نحوها، و الوجه فيه: أنك قد عرفت أن الميزان في كون العقد سفهيا صدوره على نحو لا يعتد به عند الناس، و هذا معقول في سائر العقود، بل هذا جار في الشروط أيضا، فإن الشرط قد يكون سفهيا، و توضيح ذلك بالأمثلة في الجملة أن يقال: مثلا لو زاد في عوض الإجارة و غيرها من المعاوضات ما لا يقدم عليه إلا سفيه أو نقص كذلك فيصير كالبيع، أو جعل أحد العوضين مما لا ينتفع به عقلا أو شرعا كبيع الحشار و الديدان «1» و المزارعة على أرض لا ماء لها بالمرة و لو بالغيث في العادة، أو على أرض لا يتمكن من زرعه، أو زارعه على أن يزرع فيه شيئا من الحبوب لا يؤكل، أو جعل عوض الجعالة ما لا نفع فيه، أو جعل العوض لما لا نفع فيه كرفع صخرة أو ذهاب إلى أرض مظلم أو نحو ذلك، و كالمضاربة بشرط أن يشتري بزائد و يبيع بناقص و نظائر ذلك، و نحوه الرهن الذي اشترط الراهن لنفسه الخيار في فك الرهن و فسخ العقد و أن لم يؤد المال، و الوكالة على أمر جزئي كأخذ حبة حنطة أو حفظها و نحو ذلك. و بالجملة: قد قدمنا في ضبط موارد العقود أن المعتبر في أغلب المعاملات إنما هو ما عليه طريقة أغلب الناس و عادة أكثر العقلاء، و ما خرج عن ذلك فمما لا يعتد به عندهم، و يندرج تحت أفعال السفهاء بحسب الشأن، و هذه تعد معاملة سفهية في أي عقد من العقود اتفقت، و في أي باب كانت، و يندرج في هذا المقام فروع كثيرة حكم فيها الأصحاب بالفساد، و ليس شي‌ء منها فاسدا إلا لأجل كونه معاملة سفهية. و مما أشرنا إليه في الأمثلة تتنبه على استخراج الفروع المسطورة في كلمة الأصحاب و تنتقل إلى استنباط ما أغفلوه.

______________________________
(1) في «ن، د» بدل «الديدان»: الدالي. و لا يخفى ما في أصل المثال، لأنّ الكلام في غير البيع.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 371‌

الثالث «1»: أن الوجه في بطلان هذه المعاملة:

أن عمدة العماد في إثبات الصحة الرافعة لأصالة الفساد إنما هو جريان المعاملات في زمن الشارع على هذا المنوال و عدم تعرضه في ذلك بالقدح و البطلان، فيكون تقريرا منه في ذلك كما بيناه و لا ريب أن تقريره لا يكون إلا بما هو معتاد أغلب الناس، و هو لا يكون سفهية. و لو فرض أن في ذلك الزمان كان يصدر منهم أيضا معاملات غير مقصودة للعقلاء كما هو المتعارف بين الجهال و الأراذل في زماننا أيضا فلا نسلم اطلاع المعصوم عليها في ذلك الوقت، و ليس صدور الفعل عادة كافيا في التقرير، بل المعتبر صدور الفعل بمرأى منه و مسمع، و لا ريب أن أمثال هذه الأمور لا يؤتى بها في حضور المعصوم عليه السلام و لو فرض الاطلاع عليها فنمنع التمكن في ذلك الوقت عن الردع، و لو سلم ذلك كله فنمنع عدم الردع. و إطباق الأصحاب على البطلان مع أنه حجة برأسه في هذا المقام كاشف عن صدور الردع و المنع عن ذلك كله.

مضافا إلى أن عموم قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2» شامل لذلك، لأن الباطل في العرف ليس إلا ما لا نفع فيه، و الإطلاق منزل على العرف، و لا يراد منه الباطل شرعا، للزوم الدور، فتأمل، و لأن إثبات البطلان شرعا إنما يتحقق بهذه الآية في غير المستثنى، فكيف يعقل إرادة الباطل شرعا مع أن البطلان ليس له حقيقة شرعية جزما حتى يحمل عليها اللفظ؟ و يكشف عن ذلك تمسك الأصحاب به في إبطال أكثر المعاملات الفاسدة، و لو أريد منه الباطل شرعا فلا وجه للتمسك به، مع أن استثناء (تجارة عن تراض) يدل على أن ما عدا ذلك محكوم ببطلانه و داخل تحت أكل المال بالباطل، و ما نحن فيه ليس من باب (تجارة عن تراض). فإن قلت: إن البحث في صورة المعاوضة، فيكون داخلا تحت (تجارة عن تراض) فهذا يدل على صحته، لا فساده. قلت: أما أولا: إن التجارة يراد بها ما هو و صلة إلى تحصيل المال، و لا ريب‌

______________________________
(1) أي: المقام الثالث.

(2) النساء: 29.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 372‌

أن المعاملة إذا كانت سفهية، فإما أن يكون طرفاه أو أحدهما مما لا يعد مالا كالحشرات و نحوها، أو مما يعد مالا لكنه لا فائدة فيه، بل هو محض تضييع للمال، و على التقديرين فهو خارج عن اسم التجارة. و لو سلم شمول لفظ (التجارة) على مطلق المعاوضة أي نحو كانت بحسب الوضع اللغوي، نقول: إن لفظ (التجارة) هنا ليس عاما حتى يندرج فيه مطلق الأفراد، بل هو مطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة المعتادة، و لا ريب أن السفهية خارجة عن المعتاد الغالب فلا تدخل تحت المستثنى، فتبقى تحت عموم الأكل بالباطل، و لازمه الفساد. و أما عموم أوفوا بالعقود و (المؤمنون عند شروطهم) و نحو ذلك من العمومات، كأحل الله البيع و (الصلح جائز) و غير ذلك من الأدلة المطلقة في أبواب الفقه التي يتمسك بها في إثبات الصحة فغير شامل للمقام، نظرا إلى انصرافها أيضا إلى المتعارف الشائع و ما عليه طريقة الناس، و ما لا يقصد للعقلاء غير مندرج تحت ذلك، مضافا إلى أن المعلوم من طريق الشرع المنع عما لا يعتد به دينا و دنيا، و ما نحن فيه من ذلك القبيل. و مما يؤيد المقام بل يكون حجة في الباب: أدلة حجر السفيه عن التصرف المالي، إذ ليس الحجر عليه إلا من جهة صدور مثل هذه المعاملة عنه غالبا، و هو مما لا يرضى الشارع به، و هو من أقوى الأمارات على أن هذه المعاملة غير مرضي عنها عند الشارع و غير ممضاة في نظره. فإن قلت: إن المعاملة السفهية تكون نافعة في أحد طرفيها و إن لم يكن فيها نفع بالنسبة إلى الجانب الأخر كما علم ذلك من الأمثلة، فبالنسبة إلى أحد الجانبين تدخل تحت أدلة التجارة و العقود و يتم في الجانب الأخر أيضا بعدم إمكان التفكيك. قلت أولا: إن خروجه عن الأدلة قد مر أنه لأجل عدم التعارف و كون أحد الجانبين ينتفع به لا يجعله متعارفا.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 373‌

و ثانيا نقول: إنا نثبت البطلان بالنسبة إلى الجانب الغير المنتفع، و يثبت البطلان في الجانب الأخر بعدم التفكيك، مع أن الدخول تحت دليل التجارة بمجرد ذلك محل نظر، لأن التجارة ما قصد فيه الانتفاع من الجانبين، و ما نحن فيه ليس من هذا الباب على كل حال.

تنبيهان:

أحدهما: أن السفهية تختلف باختلاف الأمكنة و الأزمنة و الأجناس و الأعواض و غير ذلك

، مثلا شراء الماء على الشط من دون مانع عن تناول الماء عقلا و عرفا سفه و في الفلاة ليس كذلك، و إعطاء الأجرة على شي‌ء يستظل به في الشتاء مع البرد الشديد المحوج إلى الشمس سفه، و استئجار الدابة للركوب في السفينة كذلك. و الحاصل: للخصوصيات مدخلية في المقام و إن كان بعض أنواع المعاملة كما مثلنا بها سفها على كل حال، لكن لا ينحصر في ذلك، بل المعاملات المعتادة نوعا قد تكون سفها في خصوص زمان أو مكان، أو بالنسبة إلى شخص خاص، فتدبر.

و ثانيهما: أن المعاملة السفهية نوعا [قد تخرج عن السفهية]

كإعطاء كرور «1» بدرهم قد تخرج عن السفهية إذا تعلق بها غرض صحيح هو من مقاصد العقلاء، و لا بد من كون الغرض بحيث لا يحصل بدونها، و ليس مطلق الغرض المعتد به مخرجا عن السفهية. و كلام الشهيد الثاني رحمه الله في الباب حيث قال: (و يرتفع السفه بتعلق غرض صحيح) «2» منزل على ذلك، بل يمكن دعوى: أن الغرض معناه: ما لا يحصل في نظر الفاعل إلا به، و ما أمكن حصوله بدونه أو بأقل منه لا يعد غرضا لذلك، و يوضحه ما مثل به بقوله: (كالصبر بدين حال و نحوه «3» فتبصر.

______________________________

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

عدم اشتراط احکام وضعیه به بلوغ

القواعد و الفوائد؛ ج‌2، ص: 71

قاعدة- 168 الحجر على الصبي و السفيه لا يؤثر في الأسباب الفعلية،

كالاحتطاب و الاحتشاش، (فيملكان بهما) «4»، بخلاف الأسباب القولية،

______________________________
(1) هو القرافي في- الفروق: 1- 195- 196.

(2) الموجود في النسخ التي اعتمدت عليها: لم يضمن، و ما أثبتناه مطابق لما في الفروق، و هو ما يقتضيه المعنى: و ذكر بعض المحشين على القواعد: أنه رأى في نسخة مصححة إثبات الضمان، أي بإسقاط (لم)؛ فتكون مطابقة لما في الفروق.

(3) زيادة من (ح) و (أ).

(4) في (ا): فيما كان بهما. و الظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب.

القواعد و الفوائد، ج‌2، ص: 72‌

كالبيع و غيره؛ لأن الأسباب الفعلية فوائد محضة غالبا، بخلاف القولية، فإنها من باب المكايسة و المغابنة، و عقلهما قاصر عن ذلك.

و على هذا: لو وطئ السفيه أمته، فأحبلها، صارت أم ولد، و يكون وطؤه مباحا و إن استعقب العتق، و لو أعتقها باللفظ لم يصح؛ لأن الطبع و تحصين الفرج يدعوه إلى الوطء، فلا يمنع خوفا من نقص الثمن أو البدن، فإذا أبيح الوطء ترتب عليه مسببه. و لهذا قيل «1»:

السبب الفعلي أقوى؛ لنفوذه من السفيه، بخلاف القولي. و قيل «2»:

بل للقولي أقوى؛ لأن مسببها يتعقبها بلا فصل، كما في العتق، بخلاف الفعلي.

________________________________________
عاملى، شهيد اول، محمد بن مكى، القواعد و الفوائد، 2 جلد، كتابفروشى مفيد، قم - ايران، اول، ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 659

العنوان الثالث و الثمانون عدم شرطية البلوغ في الأحكام الوضعية غير الناشئة عن اللفظ

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 660‌

عنوان 83 لا شبهة في عدم شرطية البلوغ في جل الأحكام، فإن المواريث و الديات و الضمان في الغصب و الإتلاف و الالتقاط و نحو ذلك يجري على الصبي كالبالغ. و الوجه فيه: عموم الأدلة، و عدم وجود المخصص، فإن قوله: (من أحيى أرضا ميتة فهي له) أو (من حاز شيئا من المباحات فقد ملكه) أو (على اليد ما أخذت) أو (من أتلف شيئا من مال أو نفس ضمنه) و نحو ذلك كلها عامة للصبي كالبالغ، من دون فرق، فلذا نقول: إنه يملك بالاحتطاب و الاصطياد، و يضمن بسبب إتلاف أو جناية. و دعوى: أن هذه الأدلة إنما تنصرف إلى البالغين لأنها أيضا مسوقة كسوق سائر التكاليف الغير المتعلقة بغير البالغين ممنوعة، فإن اللفظ لا ريب في عمومه لغة و عرفا، مضافا إلى فهم العلية من هذه الأدلة الموجبة لإلغاء جهة المباشر، القاضية بثبوت الحكم في أي مورد كان. و لو قيل: إن الحكم الوضعي مستلزم لحكم تكليفي غالبا أو مطلقا، و الحكم التكليفي من وجوب دفع أو من تحريم أخذ أو نحو ذلك لا يتعلق بالصبي كما سيحقق و نفي اللازم قاض بنفي الملزوم. قلنا: استلزام الوضعي للتكليف إن كان في الجملة أعم من الإطلاق و التقييد-

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 661‌

فهو مسلم، فإن ضمان المتلف يقضي بوجوب الدفع إلى المالك مع المطالبة لكن مع اجتماع شرائط التكليف، و هذا لا مانع منه في الطفل، فإنه ضامن بالفعل يجب عليه دفعه إذا اجتمع فيه شرائط التكليف. و إن كان خصوص الحكم المطلق المنجز، فاستلزام الحكم الوضعي للتكليف بهذا المعنى ممنوع كما أشرنا إليه. مضافا إلى أن عدم وجود الضمان في الصبي إلى حال البلوغ يوجب عدمه بعده أيضا، لبراءة ذمته في آن البلوغ، و لا سبب بعد ذلك، و كون الإتلاف حال الصبي سببا للضمان حال البلوغ خلاف ظاهر الدليل. و تظهر الثمرة في صحة الإبراء و غير ذلك مما لا يخفى. و من هذا الباب سائر الأسباب، فإن أسباب الوضوء و الغسل موجب في الصبي أيضا لهما عند تعلق التكليف، و الوطي مثلا سبب للتحريم في المصاهرة و لواحقها في الصبي كالبالغ، و على هذا النحو غيره.

صحه عبادات صبی

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 663‌

العنوان الرابع و الثمانون صحة عبادات الصبي المميز و عدمها

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 664‌

عنوان 84 اختلفوا في شرطية البلوغ لشرعية العبادات و صحتها، بعد اتفاقهم على شرطية التمييز و شرطية البلوغ في الوجوب و التحريم بمعنى عدم العقاب على الصبي في فعله و تركه على أقوال: أحدها: أن هذه العبادات من الأطفال تمرينية صرفة، بمعنى عدم ترتب أجر و ثواب من الله تعالى على عمل الصبي و إن كان لوليه ثواب التمرين لذلك. و ثانيها: أن عباداته شرعية كالبالغين، و معنى الشرعية: كونها مندوبة للصبي مطلوبة من الشارع «1» بحيث يستحق عليها الأجر و الثواب الأخروي، سواء كان فعل واجب أو مندوب، أو ترك محرم أو مكروه. و بعبارة اخرى: خطاب الندب و الكراهة متعلق بأفعاله «2» و الواجب في حكم المندوب و الحرام في حكم المكروه بعد رفع العقاب عنه و إن كان أمر الولي له بذلك تمرين «3» له على العمل، لأن كون ثواب التمرين للولي غير مناف لكون الفعل مما فيه ثواب للطفل. و ثالثها: أن عبادات الصبي شرعية تمرينية، لا أنها شرعية أصلية، و المراد بذلك: أن إتيان الصبي لهذه الأفعال و تركه لهذه التروك مطلوب للشارع لا لأنفسها،

______________________________
(1) كذا، و الظاهر: مطلوبة للشارع.

(2) في غير «م»: متعلّقة بأفعالها.

(3) كذا، و الظاهر: تمرينا.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 665‌

بل لحصول التعود و التمرن على العمل بعد البلوغ. فصلاة الصبي فيها جهتان: جهة كونها صلاة، و هذه الجهة ملغاة في الصبي، لا فرق بين كونها صلاة أو قياما أو نوما أو نحو ذلك في عدم رجحان أصلي فيها بالنسبة إليه و عدم وجود أجر في ذلك من جهة الصلاتية. و جهة كونها تعودا على شي‌ء يكون مطلوبا بعد البلوغ و إن كان لا غيا الان في حد ذاته، و هذه الجهة مطلوبة للشارع يثاب عليها. و بعبارة اخرى: التمرن مستحب دون الصلاة و الصوم، فتدبر. و الثمرة بين القول الأول و الأخيرين تظهر في حصول الأجر للصبي و عدمه، فعلى الأول: لا أجر له، بخلاف الأخيرين. و بين الأخيرين تظهر في تعيين الأجر، فإن القول بالشرعية يقتضي حصول ثواب الصلاة و الصوم بالنسبة إليه كالبالغ من دون فرق، و القول الثالث يستلزم حصول ثواب التمرن، لا الصلاة و الصوم، لعدم كونهما راجحين للصبي، بل الراجح هو التمرن و الاعتياد. و تظهر أيضا في نية العبادات الواجبة، فعلى التمرين ينوي الوجوب. و في جواز نيابة الصبي عن ميت أو حي بأجرة أو بدونها، فعلى القول بالتمرين الصرف واضح الفساد، لعدم كونه قابلا للنيابة و عدم وجود الفائدة الموجبة للصحة. و على القول بالشرعية فهي جائزة كالبالغ من دون فرق، فيكون نائبا و يكون منوبا عنه أيضا. و على القول الثالث لا يجوز أيضا، لأنه رجحان تمرن لا يكون قابلا للنيابة، لعدم إمكان حصول المراد إلا بالمباشرة و هي غير مورد الوكالة و النيابة، و لعدم وجود ثواب في أصل الفعل قابل للرجوع إلى شخص آخر حتى ينوى عنه، بل الأجر على نفس التمرن، و كونه للغير فرع كونه منويا عن الغير، و هو غير ممكن، لمنافاة مفهومه لذلك. و المحكي عن مشهور الأصحاب القول بالشرعية «1» و عن بعض علمائنا القول‌

______________________________
(1) حكاه المحدّث البحراني في الحدائق: 13: 53.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 666‌

بالتمرين «1» و جماعة من المتأخرين منهم الشهيد الثاني رحمه الله «2» و جملة من المعاصرين القول بالشرعية التمرينية «3» و ربما يظهر من بعضهم تنزيل كلام الأصحاب أيضا على ذلك «4» لا الشرعية بالمعنى الثاني «5» فتدبر.

و أما الأدلة:

فللقائلين بالتمرين: أصالة عدم ترتب الثواب إلا بالدليل، و هو منتف، و عدم شمول ما دل على الأحكام التكليفية من الأوامر و النواهي على «6» الصبي، لانصرافها إلى البالغين العاقلين. و تقيد «7» بعض الأحكام قطعا بالبلوغ كالواجبات و المحرمات من حيث كونها «8» واجبا و محرما «9» و لا فرق بينهما و بين غيرهما في جهة العملية «10» و المطلوبية و إن كان هناك فرق في العقاب و عدمه. و حديث (رفع القلم عن الصبي و المجنون «11» المعتمد عليه عند العامة و الخاصة، و ظاهر معناه: أن القلم الجاري على البالغين العاقلين فهو مرفوع عن غيرهما، و لا ريب أن القلم أعم من الواجب و المندوب و المحرم و المكروه، بل المباح أيضا، فيصير المعنى: أن الحكم الجاري على البالغ العاقل لا يجري على الصبي و المجنون بقول مطلق، فلا يتحقق طلب لأفعاله و لو ندبا حتى يكون شرعيا. و لو كان عمومات أدلة الأحكام شاملة للصبي أيضا لتخصصت بحديث رفع‌

______________________________
(1) منهم العلامة في المختلف 3: 386.

(2) ظاهر عبارة المتن: أنّ الشهيد الثاني قائل بالشرعيّة التمرينيّة، مع أنّه قدّس سرّه قال: و الأصحّ أنّه تمرينيّ لا شرعيّ، راجع المسالك 2: 15.

(3) لم نعثر عليه في ما وصل إلينا من كتب معاصريه و من قارب عصره قدّس سرّهم.

(4) لم نقف عليه.

(5) أي ثاني الأقوال المذكورة في أوّل العنوان.

(6) كذا، و المناسب: للصبيّ.

(7) في «ن، د»: تقييد.

(8) كذا في «ن، د»، و في «ف، م»: «كونهما» و الصواب: «كونه» باعتبار رجوع الضمير إلى «بعض».

(9) أنثهما مصحّح «م».

(10) في «ن، د»: العلميّة.

(11) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، ح 11.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 667‌

القلم، إذ التعارض بين العمومات و بين الخبر بالعموم و الخصوص المطلق غالبا. و لو فرض بالعموم من وجه، كقوله: (من قرأ سورة الفاتحة فله كذا) فإنه شامل للصبي و غيره، و حديث (رفع القلم عن الصبي) شامل للفاتحة و غيرها من الأعمال، فنقول أيضا بتقديم حديث رفع القلم، لوروده على تلك العمومات عرفا، و لكون أخصيته باعتبار الموضوع و أعميته باعتبار المحمول، و حديث الفاتحة مثلا بالعكس، و العمدة في الأخصية هو الموضوع، فلا وجه بعد ذلك لترتب الثواب عليه. و كون الأولياء مأمورين بالتمرين لا يقضي بكون هذه الأفعال مطلوبة من الصبيان، بل ليس ذلك إلا كتعليم (الشاذي «1» و نحوه، فالثواب للولي على تمرينه، لأنه عمل مأمور به، و لا جزاء لعمل الصبي مطلقا. و الكلمة الجامعة بين القولين الأخيرين النافية لهذا القول أمور: أحدها: أن ما دل من العمومات على ترتب الثواب على الأفعال شامل للصبي كالبالغ كما لا يخفى على من تتبع الآثار و الأخبار و الآيات و انصرافها إلى البالغين ممنوع، بل ليس المقام إلا كباب الأسباب و الضمانات، فكما أن ما دل فيها من الأدلة عام للصبي و البالغ، فكذا المقام من دون فرق، إلا إذا دل دليل على التخصيص. و ثانيها: أن المستقلات العقلية كحسن الإحسان ورد الوديعة و نحو ذلك لا ريب في كون من امتثل بها مستحقا للثواب في نظر العقل، من دون فرق بين البالغ و الصبي، و العقل لا يقبل التخصيص، و الجزاء لا ينفك عن العمل الحسن عقلا و نقلا، فكيف يعقل القول بعدم ترتب الثواب على ذلك مع تسليم هذه المقدمات؟ و دعوى: عدم حكم العقل بحسن رد الوديعة أو الإحسان في الصبي، مما ينكره الوجدان و ينفيه العيان، و لا فرق بين ما يستقل به العقل و غيره. و ثالثها: أن بعد حكم الشرع بمطلوبية الأفعال الواجبة و المندوبة علمنا بوجود‌

______________________________
(1) لم نقف على معناه.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 668‌

مصلحة أو مفسدة في فعله أو تركه يوجب المطلوبية على ما تقرر عندنا من تبعية الأحكام للمصالح و لازم ذلك كونه مطلوبا من الصبيان أيضا، إذ لا تتخلف المصلحة الكامنة. نعم، للمباشر و الحالات مدخلية في المصلحة تتغير بتغيرها «1» و لكن الكاشف عن ذلك الدليل، و حيث إن الطلب و الثواب تعلق بماهية قراءة القرآن مثلا و لم يدل دليل إلا على خروج الجنب و الحائض مثلا «2» في وجه، يعلم من ذلك أن الصبي و البلوغ لا مدخلية له في المصلحة. و رابعها: أن قضية اللطف عدم خلو هذا العمل الصادر عن الصبي من الثواب، فإن من أتى بعمل حسن قاصدا به وجه الرب الكريم فحرمانه عن الجزاء و الثواب مناف للطف و ما دل من الكتاب و السنة على أنه تعالى يقدم ذراعا على من أقدم عليه شبرا «3» فتدبر. و خامسها: الاعتبار العقلي، فإن من البعيد الفرق بين ما قبل البلوغ بساعة و ما بعده، فإن المراهق المقارب للبلوغ جدا لا ريب في أنه بمكان من الإخلاص و العبودية لله تعالى كما بعد البلوغ، بل في الحالة الأولى ربما يكون أشد من الحالة الثانية، فيبعد كونه مأجورا على الثانية دون الاولى. و سادسها: ما ورد من الأخبار على أن (لكل كبد حرى أجر «4» فإنه عام للصبي و البالغ، بل مشير «5» إلى أن العلة إنما هي حرارة الكبد، و لا ريب في احتراق كبد الصبيان في بعض الأوقات و الأفراد شوقا إلى الله تبارك و تعالى أزيد من كثير من البالغين. و سابعها: لزوم ترجيح المرجوح، فإنا لو فرضنا أن المراهق أتى بعبادة مشتملة على الإخلاص و الشرائط و الأجزاء و أتى غيره بهذا العمل، أو أتى به ذلك‌

______________________________
(1) كذا، و الظاهر: بتغيّر هما.

(2) في «ن» مكان «مثلا»: به.

(3) ورد ذلك في الحديث القدسي بلفظ «من تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا.» البحار 87: 190.

(4) عوالي اللآلي 2: 260، ح 15.

(5) في «ن، د»: يشير.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 669‌

أيضا بعد بلوغه غير مستجمع لتلك الصفات الكمالية، فجعل الثواب للثاني دون الأول ترجيح للمرجوح على الراجح. إلا أن يقال: إن الصبي لو كان معتقدا لحصول الثواب فهو خارج عن محل البحث و النزاع، إذ البحث في الحكم الواقعي و في أنه هل هناك ثواب أم لا؟ و بعد عدم ثبوت خطاب الشارع له فلا ثمرة في جمع الشرائط و الأجزاء، فتأمل. و ثامنها: أنه قد ورد الأمر على الأولياء أن يأمروا الأطفال بالعبادة، كقوله صلى الله عليه و آله: (مروهم بالصلاة و هم أبناء سبع «1». و لا ريب أن الأمر بالأمر أمر بالثالث على العمل عرفا، كما إذا قال زيد لعمرو: قل لبكر أن يفعل كذا، فإنه أمر لبكر بذلك، بحيث لو أطلع بكر على كلام زيد من دون أمر عمرو بل من خارج لزمه الامتثال، و لو خالف لاستحق العقاب، و ليس معناه: أن بكرا مأمور من عمرو، لا من زيد، و ذلك في العرف واضح. و مثله قوله تعالى وَ قُلْ لِعِبٰادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «2» فإن ذلك أمر للعباد من الله تعالى و المسألة محررة في الأصول و يكون «3» الصبيان أيضا مأمورين من الشارع بالعمل، و لازمه الثواب، و هو معنى الشرعية. و أما قياس العقاب على الثواب فليس في محله، إذ سبب رفع العقاب إنما هو اللطف و الرحمة مع عدم كمال العقل في الصبي، و هو سبب في وجود الثواب لا في ارتفاعه و عدمه. و أما حديث (رفع القلم) فنقول «4»: إنه لا يدل على نفي الثواب و المطلوبية مطلقا، بل الظاهر منه: إما نفي العقاب كما هو غالب استعماله في العرف، فإن أهل العرف إذا قالوا: (فلان مرفوع القلم) لا يريدون به إلا عدم المؤاخذة عنه في أفعاله و تروكه. و إما عدم وجود جزاء على عمله المستحسن فلا دليل في (رفع‌

______________________________
(1) البحار 104: 50، ح 14، بلفظ «مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين».

(2) الإسراء: 53.

(3) في «ف، م»: فيكون.

(4) في «ن، د»: فأقول.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 670‌

القلم) على ذلك، فلا يعارض الأدلة السابقة. و إما المراد منه: نفي القلم الجاري على المكلفين حتى في المستحبات، و لا منافاة بين عدم كون الاستحباب بالمعنى الموجود في المكلفين و بين كونه مستحبا مستحقا للثواب من جهة التمرن، كما يراه أهل القول الثالث. و بالجملة: فحديث (رفع القلم) لا يدل على التمرين الصرف إلا مع فرض دلالته على ارتفاع الحكم مطلقا، و ليس كذلك، و يرشد إلى هذا المعنى: عدم ارتفاع الأحكام الوضعية من حيث نفسها عن الصبيان كما ذكرناه، مع أن حديث (رفع القلم) عام، و ليس إلا لانصرافه إلى المؤاخذة لا أصل الحكم، و رفع المؤاخذة رفع للوجوب و التحريم، دون سائر الأحكام. إذا عرفت هذا فبقي تحقيق الحق بين القولين الأخيرين، فنقول: قد ظهر مما ذكرنا: أن ترتب الثواب عقلا لا مانع منه، و لو كان هناك مانع لم يكن فرق بين استحباب التمرن و استحباب الصلاة، و متى ما انفتح باب كون الشي‌ء مطلوبا من الصبي بحيث يؤجر عليه جاز كون كل عمل كذلك، و ذلك واضح. بل قد عرفت أن مقتضى قبح ترجيح المرجوح و قاعدة اللطف و كون الأجر لكل كبد حرى وجود الثواب أيضا، فضلا عن عدم المانع عقلا، و لكن أصحاب القول الثالث يدعون: أن الثواب في الجملة اللازم من اللطف و نحوه من الأدلة نقول به، و هو ثواب الاعتياد، و أما ثواب أصل العمل كما في البالغ فهو فرع الدليل، و ليس إلا شمول العمومات و قاعدة الأمر بالأمر، و العمومات لو فرضنا عدم انصرافها إلى البالغين، و الأمر بالأمر لو سلمنا عدم كونه منصرفا إلى التمرين الذي لا يدل إلا على مطلوبية التمرن دون أصل الأفعال، نقول: إن حديث (رفع القلم) قاض بارتفاع كل ما هو جار على البالغ من الصبي، و منه مطلوبية أصل الأفعال. نعم، على الصبي يجري ما لا يجري على البالغ و هو رجحان التمرن، فإن ما في البالغ مطلوبية أصل الفعل و هو غير متحقق في الصبي، و ما في الصبي رجحان تمرن ليس في البالغ، فحديث (رفع القلم) مخصص للعمومات و موجب لارتفاع قاعدة‌

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 671‌

الأمر بالأمر هنا، بمعنى إرادة التمرين لا الأمر، فيصير الحاصل: أن هناك ثواب تمرن، لا ثواب أصل العمل. و حيث رجعت المسألة إلى دلالة حديث (رفع القلم) فالإنصاف: أنه إما الظاهر منه رفع المؤاخذة فلا يدل على ارتفاع الأحكام مطلقا، و إما أنه منصرف إليه بحيث يشك في إرادة ارتفاع سائر الأحكام، فيبقى عموم ما دل على الأجر و الجزاء سليما عن المعارض و ما ذكرناه من الوجوه الأخر مؤيدا له. و هنا احتمال رابع لم أجد من قال به، و هو: أن أعمال الصبي شرعية فيها ثواب أصل العمل، و لكنه عائد إلى الولي دون الطفل. و يمكن الاستناد في ذلك إلى أمرين: الأول: أن الطفل من جهة عدم كمال عقله إنما يكون المحرك و الداعي له إلى العمل تمرين الولي، و حيث إن المباشر ضعيف فيكون السبب هو العمدة و يكون العلة الأقوى الولي، و يكون الطفل كالالة، نظير ما ذكروه في الجنايات، و نذكره في المعاملات من جواز كون الطفل كالالة و إن كان عاقلا قاصدا مختارا لكنه لضعفه كالالة، و إذا كان كذلك فالفعل يسند إلى الولي، فله جزاؤه: إن خيرا فخير و إن شرا فشر. و الثاني: ما ورد في الخبر في باب الحج في حج الولي بالطفل المميز، فإنه قال: (إن الولي إذا فعل ذلك و تمم الأعمال كان له أجر حجة «1» و الظاهر منه: أن الولي كأنه فعل حجا و هذا الفعل في الحقيقة فعله، فيكون للولي في كل مقام يأتي به الصبي بعمل ثواب ذلك العمل. و لكن قضية العقل و ظواهر الكتاب و السنة كون جزاء كل عمل لمن باشره و فعله، فإن كان لمباشرة الطفل ثواب فيستحيل كونه لشخص آخر إلا في النيابة و نحوها في وجه و إن لم يكن ثواب رجع إلى التمرين، و ذلك الثواب الحاصل للولي ليس ثواب فعل الصبي، بل إنما هو ثواب كونه داعيا إلى هذا العمل و ممرا‌

______________________________
(1) لم نعثر عليه.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 672‌

عليه، و قد يكون ثوابه معادلا لثواب الصلاة و الحج مثلا، كما يرشد إليه قوله عليه السلام: (الدال على الخير كفاعله «1». هذا ما سنح بالبال في هذا المجال على الاستعجال. و كيف كان: فالقول بالشرعية بالمعنى الثاني عندي أقوى، و الروايات الخاصة في الصوم و الصلاة لا تنافيها، و أكثرها بلفظ الأمر. و هنا وجه خامس، و هو: كونه تمرينا في الواجبات شرعيا في المندوبات. أما في الثاني فلما مر من العموم، و أما الأول فلأن انتفاء الوجوب يوجب انتفاء الرجحان الذي في ضمنه، و لا دليل على الاستحباب، و الكلي لا وجود له، فتأمل. و لا أعرف به قائلا.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

صحت اعمال صبی با بلوغ

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 673

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 673‌

العنوان الخامس و الثمانون البلوغ شرط في صحة العقود و الإيقاعات

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 674‌

عنوان 85 عبارة الصبي ملغاة في العقود و الإيقاعات كافة، و بعبارة اخرى: البلوغ شرط مطلقا، سواء كان العقد و الإيقاع لنفسه أو لغيره، و لا فرق «1» بين كونه محجورا عليه في المتعلق و عدمه، و بين كونه في مقام الاختبار و الامتحان و عدمه، و بين كونه مأذونا من الولي و عدمه، و بين البالغ عشرا في الذكر و عدمه، على ما نراه من عدم كونه بلوغا، و على القول بكون البلوغ هو العشر فيصير النزاع في الموضوع دون الحكم من حيث هو، و الوجه في ذلك أمور: أحدها: الإجماع المحصل من الأصحاب الظاهر بالتتبع في كلامهم، حيث إنهم يشترطون ذلك في جميع العقود و الإيقاعات، و هو الحجة. و مخالفة من يذكر بعد ذلك من الأصحاب غير قادحة في الإجماع. و جريان السيرة على معاملة الصبي لا ينافي الإجماع على بطلان عقده، للفرق بينه و بين المعاطاة، مع ما نذكر فيه من الوجوه الأخر. و ثانيها: منقول الإجماع حد الاستفاضة كما حكي عن ابن حمزة «2» و العلامة «3» «4» مع تأيده بشهرة محققة و محكية، و بما يذكر بعد ذلك من الأدلة.

______________________________
(1) في «ف، م»: فلا فرق.

(2) كذا في النسخ، و الظاهر أنّه مصحّف «ابن زهرة» راجع الغنية (الجوامع الفقهية): 523.

(3) التذكرة 2: 73.

(4) في غير «م» زيادة: غيرهم.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 675‌

و ربما يناقش فيه بأن الفاضل مع نقله الإجماع قال: (و الوجه عندي البطلان «1» و لو كان هذا إجماعا لم يكن لقوله: (و الوجه) وجه، و يمكن دفعه بأن كلامه يمكن كونه في قبال رواية ضعيفة أو في قبال فتوى العامة و نحو ذلك، فلا يدل على التردد. و ثالثها: أن الأصل في العقود أولا هو الفساد، و كذا الإيقاع، و ما ثبت من الأدلة صحته إنما هو في غير عقد الصبي، فإن العمومات لا تشمله، و سيأتي توضيحه. و رابعها: أن الصبي محجور عليه في التصرفات مسلوب الأهلية، و العقد أيضا من جملة ذلك، و إن كان يرد عليه: أن محض العقد ليس بتصرف. و ينتقض بالسفيه، فإنه محجور عليه مع أن عبارته ليست مسلوبة، فيصح بالتوكيل و الاستئذان. و خامسها: أن صحة العقد تستلزم ترتب الآثار و الأحكام، و اللوازم من الأمور الواجبة و المحرمة، و هذه الأحكام لا تثبت للصبي لرفع القلم عنه، و نفي اللوازم نفي للملزومات، و يشكل باحتمال القول بالصحة بإذن الولي أو إجازته مع كون المكلف بترتيب الأحكام هو الولي و لا محذور. و سادسها: الأخبار المستفيضة الدالة على عدم صحة معاملات الصبي و عقوده، المنجبر ضعف أسانيدها بما مر من الفتوى و العمل. منها: أن الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و أقيمت عليها الحدود التامة، و أخذ لها بها. و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يشعر، أو ينبت قبل ذلك «2». و منها: الخبر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: حتى يبلغ أشده. قال: و ما أشده؟ قال: احتلامه «3».

______________________________
(1) التذكرة 2: 80.

(2) الوسائل 13: 142، الباب 2 من أبواب أحكام الحجر، ح 1.

(3) المصدر: ح 5.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 676‌

و منها: الخبر الأخر: إذا بلغ الغلام أشده جاز له كل شي‌ء، إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها «1». و وجه الاستدلال: أن جواز الأمر عبارة عن النفوذ و الصحة، و الشراء و البيع حقيقة في العقد و التمليك، و قد علق في هذه الأخبار على البلوغ، و مفاهيمها تدل على عدم الجواز و النفوذ قبل البلوغ، و هو المدعى. و قد يقال: إن المتبادر منها: كون الحجر و المنع من التصرف في ماله، و أما كونه عبارة مسلوبة «2» و لو بالوكالة و الإذن، فلا. و لكن الظاهر من الخبر كون الصغر مانعا عن صحة المعاملات، و لا مدخلية لماله أو غيره في ذلك، مضافا إلى عدم القول بالفرق بين ماله و مال غيره. و لو قيل: إن المتبادر من النصوص جواز الأمر على الاستقلال فلا يدل على عدم الصحة مع إذن الولي. قلنا: إن كان المراد من جواز أمره في البيع و الشراء: نفاذه و صحته كما ذكرناه فنقول: هو أعم من إذن الولي و عدمه، و ليس فيه انصراف إطلاق، خصوصا مع كون الغالب في معاملات الأطفال رضاء الأولياء. و إن كان المراد من جواز الأمر: جواز أمر الولي له في البيع، فوجه الدلالة واضح، لأن مفهومه أن الولي لا يجوز له أن يرخصه في المعاملة ما لم يبلغ، و ليس إلا لعدم أهليته، فتدبر. و أما اختصاصها باليتيم، فلا إشكال فيه، لعموم الخبر الأخير، و عدم القول بالفرق بين اليتيم و غيره، و ظهور كون العلة الصغر لا اليتم، و لا المجموع المركب، فتأمل. و ليس في الباب خلاف إلا من الشيخ رحمه الله و نسب إلى بعض أيضا أن من بلغ عشرا يجوز بيعه و نحو ذلك من تصرفاته مع كونه عاقلا «3».

______________________________
(1) لم نعثر عليه باللفظ المذكور، انظر ذيل الحديث السابق، و مستدرك الوسائل 1: 87، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، ح 8.

(2) كذا في أصول النسخ، و صحّحها مصحّح «م» هكذا: «كون عبارته مسلوبة».

(3) قال السيّد المجاهد قدّس سرّه- في عداد الأقوال-: الثاني أنّه يصحّ بيع البالغ عشر سنين رشيدا، و كذا شراؤه، و هو للمحكيّ عن الشيخ، المناهل: 286. و قال صاحب الجواهر في المسألة- بعد نسبة عدم الصحّة إلى الأشهر بل المشهور- ما لفظه: بل لا أجد فيه خلافا عدا ما يحكى عن الشيخ، و لم نتحقّقه، بل صرّح في المحكيّ عن المبسوط و الخلاف بعدم صحّة بيع الصبي و شرائه، أذن له الولي أو لم يأذن، نعم قال في أوّلهما: «و روي أنّه إذا بلغ عشر سنين و كان رشيدا كان جائز التصرف» و ظاهره عدم العمل بها، فصحّ حينئذ للفقيه نفي الخلاف في المسألة على الإطلاق، الجواهر 22: 260.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 677‌

فإن كان مستنده في ذلك المرسلة الدالة على جواز تصرف الصبي إذا بلغ عشرا كما روى «1» فهو ضعيف السند مخالف للشهرة، بل الإجماع كما ذكرناه، مخالف للأصول، و مع ذلك فلا دلالة فيه، لأن جواز التصرف غير جواز كل تصرف، خصوصا البيع. و لعلنا نقول ببعض التصرفات للنص، غايته: إطلاق لا ينصرف إلى مثل العقود و الإيقاعات «2». مع إمكان حمله على الأنثى فإنها في العشر بالغة، أو على مقارنة بلوغه العشر لبلوغه الحقيقي باحتلام و نحوه. و لو سلم كل ذلك، فنقول: الخبر يكون من جملة الأخبار الدالة على أن البلوغ يصير بالعشر و لا نقول به، و هو نزاع آخر. و إن كان المستند ما رواه الصدوق و الكليني في الصحيح إلى صفوان، عن موسى بن بكر و هو واقفي غير موثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا أتى على الغلام عشر سنين، فإنه يجوز في ماله ما أعتق، أو تصدق، أو أوصى على أحد في معروف فهو جائز «3». و صحيحة جميل بن دراج، عن أحدهما عليهما السلام قال:

(يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل، و صدقته و وصيته و إن لم يحتلم «4». و ما في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، و صحيحة أبي أيوب في الغلام ابن عشر‌

______________________________
(1) يعني كما رواه الشيخ، راجع المبسوط 2: 163.

(2) في «ف، م» زيادة: كلّها.

(3) الكافي 7: 28، الفقيه 4: 197، الوسائل 13: 49، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، ح 4؛ و الفقرة الأخيرة من الرواية في الجميع هكذا: أوصى على حدّ معروف و حقّ فهو جائز.

(4) التهذيب 9: 182، باب وصيّة الصبيّ و المحجور عليه، ح 8.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 678‌

سنين يوصي؟ قال: (إذا أصاب موضع الوصية جازت «1». مع ما في رواية زرارة و موثقة محمد بن مسلم من التأييد لهما «2». و مرسلة ابن أبي عمير الدالة على جواز طلاق من بلغ عشر سنين «3». و الرواية الضعيفة الدالة على جواز عتقه «4». فنقول: إن كل ذلك من أدلة القول بحصول البلوغ في العشرة، و لا نقول به. و لو سلم فهذه الأخبار بعضها ضعيفة، مع عدم شهرة جابرة، و الصحيح منها [مهجور] «5» معارض بما هو أقوى منه، مضافا إلى ما مر من الأدلة هنا. و مع ذلك كله فالقياس باطل، فلعلنا نقتصر على جواز الوصية و الصدقة و الطلاق، و لا نتسرى إلى الغير. و بالجملة: هذه الأخبار مع وجود المعارض القوي و عدم شهرة العمل بمضمونها لا يعتمد عليها. نعم، ذهب بعض المتأخرين و أظن أنه المولى المقدس الأردبيلي إلى جواز معاملات الصبي المميز مطلقا، و له على ذلك ضروب من الأدلة «6»: الأول: ما دل على صحة العقود من العمومات أجناسا و أنواعا، فإن العقد و البيع و الإجارة و نحو ذلك يصدق على عقد الصبي فيصح، و ليس هنا ما يخرجه عن العموم. و الثاني: أن جوازه في الوصية و التدبير و الصدقات كما هو مقتضى الأخبار السابقة مع كونها مجانية يقضي بجوازه في المعاوضات بطريق أولى.

______________________________
(1) الوسائل 13: 429، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، ح 3، 5، 6.

(2) لم نتحقّق ما أراده منهما.

(3) الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، ح 2.

(4) لم نعثر إلّا على ما رواه آنفا عن الصدوق و الكليني من رواية موسى بن بكر.

(5) لم يرد في «ن، د».

(6) راجع مجمع الفائدة و البرهان 8: 152- 153؛ و لا يخفى أنّ بعض الأدلّة المذكورة لا يوجد في صريح كلام المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه، و معلوم: أنّ المؤلّف قدّس سرّه لم يراجع كلامه، بدليل قوله: «و أظنّ أنّه المولى المقدّس الأردبيلي» فما ذكره من ضروب الأدلّة بعضها حدسيّ و بعضها تبرّعيّ.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 679‌

و الثالث: قوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ «1» فإنه أمر بامتحان الأيتام قبل البلوغ بالمعاملات، و لا يكون إلا بصحة معاملاتهم، و منشأه الاحتراز عن تأخير الدفع مع وجود الاستحقاق، فيكون الدفع عند البلوغ مع كون الابتداء قبله. و الرابع: أنا نعلم: أن الحجر على الصبي في التصرفات إنما هو من جهة أنه يتلفه و لا يصلحه، و متى ما علم أنه لا يتلف كما نراه في كثير من الصبيان في زماننا، فإنهم أشد مداقة و مماكسة من البالغين فلا ضرر فيه، و يرشد إلى هذه العلة الأمر بالدفع مع الرشد، و ليس معناه إلا ملكة الإصلاح للمال. و الخامس: جريان السيرة على معاملة الصبيان في كل مصر و زمان و لو كان هذا باطلا لمنع منه في كل عصر. و الجواب: بأن العمومات المسوقة مساق التكاليف ك‌د (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «3» و نحو ذلك لا تشمل الصبيان، لعدم صلاحيتهم للتكليف و خروجهم عن ذلك بما دل على شرطية البلوغ في التكليف.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

عدول

القواعد و الفوائد؛ ج‌1، ص: 97

الفائدة السادسة عشرة العدول من الصلاة المعينة إلى صلاة أخرى، أو من الصوم فريضة إلى الصوم نافلة أو بالعكس،

ليس من باب نية فعل المنافي، إذ لا تغير فاحشا فيه. و كذا في العدول من نسك إلى آخر، و من نسك التمتع إلى قسيميه، و بالعكس.

و يجب في هذه المواضع إحداث نية العدول إليه، و يحرم التلفظ بها في أثناء الصلاة، فلو فعله بطلت. بخلاف باقي العبادات أو التلفظ بها في أول الصلاة، فإنه جائز، و لكن الأولى تركه، لأن مسمى النية هو:

الإرادة القلبية، و هو حاصل، فلا معنى للتلفظ. و لأن السلف لم يؤثر عنهم ذلك.

و من زعم استحباب التلفظ «3»، ليجمع بين التعبد بالقلب و اللسان، فقد أبعد، لأنا نمنع كون التلفظ «4» باللسان عبادة، و ليس النزاع إلا فيه.

________________________________________
عاملى، شهيد اول، محمد بن مكى، القواعد و الفوائد، 2 جلد، كتابفروشى مفيد، قم - ايران، اول، ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 407

و تاسعها: أن الأصل أن لا يجزئ نية أحد الأمرين عن الأخر

، كما أن الأصل‌

______________________________
(1) قاله المحقق في المعتبر 2: 149، و العلّامة في المنتهي 1: 266، و الشهيد الثاني في الروض: 255، و السيّد السند في المدارك 3: 308.

(2) الوسائل 4: 714، الباب 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 7، بلفظ: فانّ مفتاح الصلاة التكبير.

(3) في غير «م»: بنفسها.

(4) في غير «م»: إنّ عدّها للأركان و من الأفعال.

(5) في غير «م»: عنها.

(6) يعني الخبر المشار إليه آنفا.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 408‌

عدم إجزاء أحد الأعمال عن غيره، لأن كلا منهما مأمور به، و الأصل عدم التداخل، و قد تقدم تحقيقه «1». و ما ثبت في بعض المقامات فإنما هو بالدليل. و الأصل عدم جواز العدول عن نية إلى أخرى، لأن الواقع لا ينقلب، و هو من المستحيلات، إلا إذا قام الدليل الشرعي على ذلك، فيقوم أجزاء ما مضى مقام أجزاء ما سيأتي تعبدا، و قد ثبت ذلك في الفقه في مقامات لا يخفى على من راجعها. و الأصل أن تكون النية من نفس المكلف، و لا أثر لنية غيره، لأنه ظاهر أدلة النية، إلا فيما دل الدليل على خلافه، فلو كان عاجزا في وضوء أو غيره فوليه غيره ينوي العاجز دون المباشر، للقاعدة. و في النية بعد ذلك كله مباحث شريفة و فروع لطيفة و نكات و دقائق، من أرادها فليرجع إلى كتب الفروع بحسب المقامات الخاصة. و قد أورد جملة منها شيخنا الشهيد في قواعده «2» تركناها لئلا يخرج عن وضع الكتاب الموضوع لتنقيح المشتركات خاصة.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 113

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 113‌

العنوان الرابع في العدول و الانقلاب و الكشف و النقل

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 114‌

عنوان 4 في العدول و الانقلاب و الكشف و النقل: لا كلام في كون الشرائط المقارنة للعمل مؤثرة في تحقق الشي‌ء و انتفائه و لزومه و جوازه و لواحقه و أحكامه، لكن قد «1» يكون وجود المقارنات معلوما، فيتضح الحال من أول الأمر، و قد يكون غير معلوم، فيترقب إلى أن يحصل العلم بوجود الشرط في ذلك الوقت و عدمه، و يتوقف عليه الشي‌ء توقف انكشاف، بمعنى أنه في الواقع إما ذلك الشرط موجود حال العمل أو ليس بموجود، فإما وقع أو لم يقع «2» و لكن المكلف لا يدري به، مثل من طلق زوجته أو باع دابته أو أوصى بشي‌ء من ماله لا يدري بأن شيئا من ذلك موجود في حال العقد أو لا، فيتوقف انكشاف الأمر إلى العلم، و ليس في مثل هذه الفروض توقف واقعي، بل في الواقع وقع على ما هو عليه. و كذا لو أبرأ ذمة شخص و لا يدري بكون الحق في ذمته، أو طلق بحضور شخصين لا يدري عدالتهما قاصدا للطلاق بزعم عدم اشتراط العدالة، فإنهما في‌

______________________________
(1) في «ن، ف»: فقد، بدون «لكن».

(2) العبارة في «م» هكذا: إمّا ذلك الشرط موجود حال العمل و المشروط حاصل، أو ليس بموجود فالمشروط غير حاصل، و لكن.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 115‌

الواقع إما عادلان أم لا، و نحو ذلك غيره، و ليس شي‌ء من ذلك محل البحث. و إنما البحث في أن الفعل متى ما وقع على وجه من الوجوه من نوع أو صنف في ذاته أو في أوصافه فهل هو قابل للانقلاب إلى شي‌ء آخر مما يغايره في ذلك أو لا، بل الذي وقع على وجه لا يتغير عن وصفه بعد مضيه؟ فنقول: لا ريب أن مقتضى القاعدة عدم جواز انقلاب ما مضى، لأن الشي‌ء إنما يتحقق بوجود المقتضي و فقد الموانع، و هو المعبر عنه ب (العلة التامة). فإذا وجدت العلة التامة لمعلول معين يوجد في الخارج على مقتضاها، و لا يمكن أن يكون لذلك الشي‌ء المعلول شرط متوقع، أو حادث متأخر يوجب تغيره عما وقع، لأن ذلك موجب لتأثير المعدوم في الموجود و تغير ما وقع، و هو مستحيل عقلا، و ذلك من الواضحات التي لا تحتاج إلى إقامة دليل. فإذا وقع عبادة في وجه من وجوهها أو معاملة على كيفية من الكيفيات مؤثرة أو غير مؤثرة لازمة أو جائزة فلا يمكن بعد ذلك تبدله من أول الأمر. لا يقال: إن عموم ما دل على أن العمل بالنية «1» يقضي بأن العمل يتبدل بانقلاب النية كيف كان. لأنا نقول: غاية ما دلت عليه هذه الأدلة كون العمل تابعا لها، و الظاهر منه العمل التام، لا الأبعاض، فليس كل جزء من العمل إذا تبدل فيه النية ينقلب عما و عليه في ضمن الكل، سلمنا ذلك، لكن لا يلزم من ذلك كون النية اللاحقة مغيرة للعمل السابق، بل إنما تؤثر في ما بعدها من العمل كلا أو بعضا، إذ النية اللاحقة قد «2» تعارضها النية السابقة، فكما أن العمل تابع للاحقة فكذلك تابع للسابقة أيضا، فترجيح الثانية تحكم، غايته تبعية كل جزء منه لما صاحبه من النية، و هكذا الكلام في سائر الموانع اللاحقة، أو الشروط المتأخرة الموجبة لتغير العمل‌

______________________________
(1) مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما الأعمال بالنيّات» الوسائل 1: 34، الباب من أبواب مقدّمة العبادات، ح 7.

(2) قد: ليس في «ف، م».

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 116‌

الماضي عن مقتضاه، فإن غاية تأثيرها إنما هو من حين وقوعها، لا فيما قبلها من الكيفية. لكن قد ورد في الشرع موارد قد انخرمت فيها هذه القاعدة، بمعنى أن ظاهرها انقلاب ما مضى بما سيأتي بجعل الشارع، و تأثير الأمر المتأخر في المتقدم. و في ذلك مباحث: فلنورد أولا تلك الموارد، ثم نتكلم فيها على مقتضى القواعد، حتى يجعل قانونا كليا في هذا الباب يهتدي به أهل البصيرة و أولوا الألباب «1». منها: أيام الاستظهار في الحيض، فإنهم حكموا بأنه لو تجاوز الدم العشرة كشف عن أنه استحاضة، و إذا لم يتجاوز فهو حيض. و من الواضح أن الدم الموجود إن كان حيضا فلا ينقلب بالتجاوز، و إن لم يكن منه فلا يكون منه بالانقطاع. و ليس هذا مثل الأمثلة التي ذكرناها سابقا، إذ هذا يتوقف على شي‌ء متأخر ممكن الحصول و العدم بخلاف ما سبق، فإن ذلك مقارن له وجودا أو عدما، و لكنه غير معلوم للمكلف. و منها: صوم المستحاضة بالكبرى بناء على احتياجها بالأغسال الليلية أيضا، فإن الصوم متى تم فلا ربط له بغسل الليل، مع أن مقتضى احتياجها: أنها لو اغتسلت في الليلة الاتية صح الصوم و إن تركت بطل «2». و منها: في نية القصر و الإتمام في محل التخيير، فإنهم يقولون: إذا نوى أحدهما و عدل في الأثناء و بنى على الأخر بني الأمر على الثاني، و يعود القصر تماما، و بالعكس.

______________________________
(1) في «ن»: على البصيرة و اولي الألباب.

(2) العبارة في «ن» هكذا: «مع مقتضى أنّها لو اغتسلت في الليلة الآتية صحّت الصوم و إن تركت بطلت» و نحوها عبارة «ف».

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 117‌

و منها: في التخيير بين الزائد و الناقص، فإن من يجوزه يقول: إذا أتى بالأقل فهو امتثال، و إذا ألحقه «1» الزائد عاد المجموع امتثالا. و منها: في العدول من الفرض أو النفل و الأداء أو القضاء «2» إلى الأخر و لو مع الترامي و الدور، فإن ذلك موجب لانتقال العبادة الواقعة من نوع إلى نوع و انقلابه إليه. و منها: في عدول من زوحم في صلاة الجمعة عن إدراك ركعة إلى الظهر، فإنه ينقلب بذلك. و منها: في خروج ناوي الإقامة عن محلها قبل الصلاة تامة، فإنه يقلب «3» الإقامة كلا إقامة، فلو فاتت عنه «4» صلاة في أثنائها يقضيها قصرا، و إن كان يؤديها قبل الخروج تماما «5». و منها: أنه يتعلق الزكاة على الغلات بالانعقاد، و لكن «6» يستقر بصدق الاسم، فلو تلف قبله فلا زكاة، و على الأنعام بهلال الثاني عشر، مع أنه لو انخرم الشرط قبل تمامه لم تجب. و منها: لو أدى الضيف زكاة الفطرة، فإن لحقه إذن المضيف مضى، و إلا فلا. و منها: لو كمل الناقص لصغر أو رق أو جنون قبل أحد الموقفين عاد حجة الإسلام و أجزأت. و منها: أنه لو قصر المال الموصى به لحج أو عتق و نحوه عنه عاد كالإرث. و منها: أن المفرد إذا عدل الى حج التمتع انقلب. و منها: أنه إذا لحق إذن الأب في نذر الولد يمضي‌

______________________________
(1) في «ن، ف»: لحقه.

(2) في «ن، ف»: في العدول كلّ من الفرض و النفل و الأداء و القضاء.

(3) في «م»: يصير.

(4) في «م»: فاتته.

(5) العبارة في «ن، ف»: هكذا: و إن كان لو صلّى في وقته كان يصلّيه تامّا.

(6) في «ن»: و لكنّه.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 118‌

و منها: إذا وقع عقد يشترط فيه القبض كالوقف و الصرف و السلم فإذا لم يلحقه بطل، و إلا صح. و منها: إذن ولي الأمر في فضوليات العقود و قهرياته «1» كما في المكره. و منها: في إخراج ما هو مجهول واقعا مثل الطلاق و العتق بالقرعة، فإنه يعود معتقا و مطلقه من حين الصيغة. و منها: الصدقة بما جهل مالكه كالصائغ لما تخلف عنده من تراب الصياغة «2» أو المديون مع اليأس من صاحبه بشرط الضمان، فإنه يتصدق عن المالك، و إذا ظهر و أخذ العوض يعود للمتصدق، و إلا فيمضي. و منها: في اختيار المشتري الأرش في باب الصرف لو كان المبيع معيبا بعد التفرق، فإنه يقضى ببطلان ما قابلة من النقد في المعاملة. و منها: قبول الوصية، فإنه موجب لوقوع ما مضى صحيحا، بخلاف ما لو رد. و منها: في الرواية في باب الرضاع من لبن ولد الزنا أنه إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بالمرأة في حل يطيب لبنها «3». و منها: في إجازة الورثة الوصية فيما زاد عن الثلث. و منها: أنه لو أدى من أعتق نصيبه من العبد قيمة حصة شريكه كان العبد منعتقا من زمن الصيغة.

و منها: أنه يرد دية المرأة إلى النصف بعد بلوغها إلى ثلث الدية و لو تدريجا في وجه. و منها: أن المرتد إذا لم يتب بانت زوجته من حين ارتداده، و إن تاب فهو باق. و منها: أنه بعد إسلام الزوجة، لو أسلم الزوج في العدة فالنكاح باق، و إلا فبانت من حين إسلامها و غير ذلك.

______________________________
(1) في هامش «م»: قهريّاتها، خ ل.

(2) في «ن»: لما تخلّف عنده من الصنعة، و في «ف»: من الصيغة.

(3) الوسائل 15: 184، الباب 75 من أبواب أحكام الأولاد، ح 2.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 119‌

إذا عرفت هذا، فنقول: إذا ورد الدليل على مثل هذه الأشياء، فالوجوه المحتملة القابلة للانطباق على القواعد أمور: أحدها: القول بالنقل بمعنى الانقلاب من حينه، فإذا لحقه الشي‌ء اللاحق جزءا كان أو شرطا أو وصفا أو معينا اختياريا للمكلف أو اضطراريا كما في الأمثلة السابقة يتبدل العمل الواقع تكليفيا أو غيره إلى ما يقتضيه الأمر اللاحق من حين لحوقه، بمعنى: أن ما مضى باق على حاله على ما كان سابقا، و يتغير الأمر فيما سيأتي، فيكون الشي‌ء مركبا من طرفين متغايرين في الحكم. و ثانيها: القول بالكشف، بمعنى: أنه إذا لحق هذا الشي‌ء اللاحق للعمل كشف عن كونه في الواقع مؤثرا لهذا التأثير الجديد من أول الأمر، و لكن المكلف ما كان يعرف هذا المعنى إلى أن اتضح له الأمر بعد اللحوق و العدم. و ثالثها: واسطة بين الأمرين قابل لأن تسميه نقلا و قابل لأن تسميه كشفا، و هو انقلاب الموضوع و تجدد التأثير من حين اللحوق، لكنه من أول الأمر. و توضيحه: أن الأمر اللاحق مؤثر في الآثار و الأحكام، و ليس مجرد أمارة، و هو من هذه الجهة كالنقل، و لكن ليس تأثيره من زمان وقوع نفسه، بل من زمان وقوع أول العمل. مثلا: في مثل الوصية إذا لحقها القبول من الموصى له بعد الموت، فمعنى كونه ناقلا: انتقال الملك إلى الموصى له من زمان قبوله. و أما ما بين زمن وقوع الصيغة و زمن القبول فهو باق في مال الموصي أو في حكم ماله و النماء تابع. و معنى كونه كاشفا: أن قبول الموصى له ليس له تأثير في الانتقال و العدم من زمانه، و إنما هو أمارة يعلم بها صحة الوصية و فسادها، فإذا لحقها القبول تبين صحتها و انتقال المال إليه من حين موت الموصي، و النماء المتخلل بين زمن الموت و زمن القبول مال الموصى له. و أما المعنى الثالث: فهو كشف في الثمرة و نقل في الاعتبار و الدليل، لأن مقتضاه: أن قبل وقوع القبول ليس المال مال الموصى له، لا واقعا و لا‌

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 120‌

ظاهرا، و إنما هو في حكم مال الميت، و نماؤه كذلك و لكن «1» إذا لحق القبول ينتقل، لكن لا من حينه، بل من حين الموت، بمعنى: أن الشارع يقول: إذا قبلت الوصية في هذا الزمان يصير المال الموصى به ملكا لك من زمان الموت، و لا بعد في ذلك، لا بحسب الدليل و لا بحسب الاعتبار، كما سينكشف لك. و لما كان هذا التقسيم إنما هو لتحصيل الثمرة و هذا القسم ثمرته ثمرة القسم الثاني سماه بعض مشايخنا (الكشف بالمعنى الثاني) و جعل الكشف له معنيين. و لك أن تسمية (النقل بالمعنى الثاني) و إن وافق الكشف، بل هو في تأدية العبارة بالنقل أولى من الكشف، كما قرر. نعم، في الثمرة كالكشف. و لك أن تسمية وجها ثالثا مغايرا للوجهين واسطة بينهما، بل هو الموافق للتحقيق أيضا، إذ لا يلزم أن يكون ثمرته ثمرة الكشف مطلقا، بل لعل أن يتخرج له ثمرات تغاير الكشف بذلك المعنى، فعده قسما برأسه حينئذ أوجه. و المتبع الان في تحقيق هذه الوجوه الدليل، و لا ريب أن الدليل الخاص في الموارد الدال على هذا التغيير و الانقلاب إن كان فيه دلالة على أحد هذه الوجوه الثلاثة فلا كلام في أتباعه. و أما في محل الشك كما في الغالب بل في الكل على ما تحقق فيحتمل القول بالنقل، نظرا إلى أن ما وقع من العمل و مضى لا دليل على انقلابه، بمعنى: أن أيام الاستظهار مثلا له حكم في الشريعة، إما طهر أو حيض، فإذا فعل المكلف العمل على مقتضى ذلك مضى، و تجاوز الدم صيره استحاضة من زمانه، لأنه المتيقن من الدليل. نعم، إذا دل الدليل على أن هذا يبدل من الأول فذاك كلام آخر. و مثل ذلك في صوم المستحاضة، فإذا حكم بصحته لا يؤثر ترك غسل الليلة الاتية إلا فيما بعدها، و إلا فيما قبلها «2» فقد مضى. و كذلك في مسائل العدول في قصر و إتمام، أو صلاة، أو حج، أو غير ذلك‌

______________________________
(1) لكن: ليس في «م».

(2) كذا، و لعلّ الأصل: و أمّا ما قبلها.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 121‌

مما مثلنا، فإن المتيقن من دليل العدول كونه من حين تغير النية، فما مضى مضى على نفليته أو قضائيته «1» أو غير ذلك، و كذا في الأفراد و التمتع، و ما يأتي يتبدل، فيكون العبادة ملفقة من الأمرين، و كذا في انتقال حجه الناقص بأحد الأمور إلى حجة الإسلام، و كذا في خروج ناوي الإقامة، فإن الظاهر انتقاضه من حين الخروج، فما فات من الصلاة فات على تماميتها فيقضي كذلك. و مثل ذلك في لحوق إذن من يعتبر إذنه في الضيف، و زنا الجارية، و صوم الولد، و فضوليات العقد و قهرياته، و الوصية بما زاد عن الثلث، فإن ما وقع على نحو صحة أو فساد فهو باق على وضعه الأول، غايته التأثير بعد ذلك. و مثل ذلك في أداء المعتق قيمة الشقص، و القرعة المخرجة للمجهول، و الإسلام المبقي للزوجية، و التوبة في المرتد كذلك، و عدم رضى المالك بصدقة ما جهل مالكه، فإن المتيقن في ذلك كله كون التأثير من حين الوقوع و الحصول فيما بعد ذلك لا فيما قبله، و نحو ذلك القبض فيما يشترط ذلك في صحة، فينبغي الانتقال من حينه. و لأن «2» هذا الأمر اللاحق من إذن أو قبول أو أداء أو فعل مغير إما شرط لوقوع هذا الأمر كذلك، أو جزء للسبب، فإذا كان كذلك فلا يعقل تقدم تأثيره و «3» أثره على نفسه، لأن تقدم المشروط على الشرط محال، و كذا تقدم المعلول على العلة، إذ ليس معنى المشروط و المعلول إلا ما توقف وجودهما عليهما، فلو تقدم شي‌ء منهما على وجودهما فلم يتحقق هناك توقف، إذ الوجود كشف عن وجود تمام العلة، و هذا ينافي الفرض من الشرطية أو «4» السببية.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

الفراش

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌4، ص: 21

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 21‌

37- قاعدة الفراش

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 23‌

قاعدة الفراش «1» و من جملة القواعد الفقهيّة المعروفة قاعدة «الولد للفراش».

و فيها جهات من البحث:

[الجهة] الأولى في مدركها

فنقول: و هو الحديث المشهور المعروف بين جميع الفرق و الطوائف الإسلاميّة، و لم ينكره أحد من المسلمين، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» «2».

و قد روى هذا الحديث في الصحاح المعتبرة عندهم هكذا عن عائشة، قالت: كان عتبة بن أبي وقّاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقّاص أنّ ابن وليدة زمعة مني فأقبضه. قالت: فلمّا كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقّاص، و قال ابن أخي قد عهد إلىّ فيه، فقام عبد بن زمعة، فقال: أخي و ابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال سعد: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ابن أخي كان قد عهد إلىّ فيه، فقال عبد بن زمعة أخي و ابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «هو لك يا عبد بن‌

______________________________
(1). «القواعد» ص 189.

(2). «الكافي» ج 5، ص 492، باب الرجل يكون له جارية.، ح 3، «الكافي» ج 7، ص 163، باب ميراث ولد الزنا، ح 1 و 3، «الفقيه» ج 4، ص 380، ح 5812، باب النوادر (من ألفاظ النبي صلّى اللّه عليه و آله)، ح 50، «وسائل الشيعة» ج 14، ص 565، أبواب نكاح العبيد و الإماء، باب 56، ح 1، «سنن ابن ماجه» ج 1، ص 647، ح 2006 و 2007، باب الولد للفراش و للعاهر الحجر.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 24‌

زمعة» ثمَّ قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر». ثمَّ قال صلّى اللّه عليه و آله لسودة- بنت زمعة زوج النّبي صلّى اللّه عليه و آله- «احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة: فما رآها حتّى لقي اللّه تعالى» «1».

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في جواب معاوية: «و أمّا ما ذكرت من نفي زياد، فإنّي لم أنفه بل نفاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ قال: الولد للفراش و للعاهر الحجر» «2».

و كتب الحسن عليه السّلام في جواب زياد- لمّا كتب زياد إليه عليه السّلام: من زياد بن أبي سفيان إلى حسن بن فاطمة عليه السّلام يريد بذلك إهانته عليه السّلام-: من حسن بن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى زياد بن سميّة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» «3».

و رواية حسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته و يسأل عن رجل اشترى جارية، ثمَّ وقع عليها قبل أن يستبرأ رحمها، قال عليه السّلام: «بئس ما صنع يستغفر اللّه و لا يعد» قلت: فإن باعها من آخر و لم يستبرئ رحمها، ثمَّ باعها الثاني من رجل آخر، فوقع عليها و لم يستبرء رحمها فاستبان حملها عند الثالث؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«الولد للفراش و للعاهر الحجر» «4».

و رواية سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد، لمن يكن الولد؟ قال: «للذي عند الجارية، لقول رسول‌

______________________________
(1). «صحيح البخاري» ج 3، ص 70، باب تفسير المشبّهات، و: (يا سودة) غير موجودة في نص البخاري، «صحيح مسلم» ج 2، ص 1080، ح 1457، كتاب الرضاع، ح 36، باب الولد للفراش، و توقي الشبهات، «سنن ابن ماجه» ج 1، ص 646، ح 2004، باب الولد للفراش و للعاهر الحجر.

(2). «الخصال» ص 213، باب: الأربعة، عن ابن عباس.

(3). «شرح نهج البلاغة» لابن أبى الحديد، ج 16، ص 194، باب نسب زياد بن أبيه ..

(4). «الكافي» ج 5، ص 491، باب الرجل يكون له جارية.، ح 1، «الفقيه» ج 3، ص 450، ح 4557، باب أحكام المماليك و الإماء، ح 2، «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 168، ح 587، باب لحوق الأولاد بالآباء، ح 11، «وسائل الشيعة» ج 14، ص 568، أبواب نكاح العبيد و الإماء، باب 58، ح 2.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 25‌

اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر» «1».

و لا ينبغي البحث عن صدور هذا الحديث الشريف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّ صدوره قطعيّ.

و ذلك من جهة أنّ إلحاق معاوية زياد بن سميّة بأبي سفيان صار سببا لاشتهار هذا الحديث بين المحدّثين و المؤرّخين، إذ هذه القضية العجيبة التي كانت خلاف نصّ رسول الله صلّى اللّه عليه و آله وقعت في زمان وجود جمع كثير من الصحابة الكرام، و أنكروا كلّهم هذا الأمر على معاوية لمّا سمعوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا النصّ الصريح، و لذلك اشتهر و نقله المحدّثون و أغلب المؤرّخين، و ذكروا له المطاعن الأربعة المعروفة عند جميع المسلمين: بغيه على أمير المؤمنين عليه السّلام، و قتله حجر بن عدي الذي كان من خيار أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إلحاق زياد، و نصبه يزيد ابنه خليفة من بعده و أميرا على المسلمين.

و لما ذكرنا فمدّعى القطع بصدور هذا الحديث ليس بمجازف، و على كلّ حال ثبوته و صدوره من المسلّمات بين المسلمين.

[الجهة] الثانية في بيان مدلول هذا الحديث و المتفاهم العرفي منه

فنقول: أوّلا: أنّ ألفاظ الحديث الشريف: ف‍ «الولد» عبارة عن أنّ النطفة بعد استقرارها في الرحم و نمائها إلى أن بلغ إلى قابليّتها لولوج الروح فيها، أي بعد تكميل خلقتها البدنيّة، فإذا ولج فيها الروح يسمّى ولدا، سواء أ كان وقت خروجه حيّا سويّا‌

______________________________
(1). «الكافي» ج 5، ص 491، باب الرجل يكون له جارية.، ح 3، «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 169، ح 589، باب لحوق الأولاد بالآباء، ح 13، «الاستبصار» ج 3، ص 368، ح 1317، باب القوم يتبايعون الجارية.، ح 3، «وسائل الشيعة» ج 14، ص 568، أبواب نكاح العبيد و الإماء، باب 58، ح 4.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 26‌

أم لا.

نعم بعض الآثار الشرعيّة يترتّب عليها بشرط خروجها حيّا، و هذا الذي يسمّى بالولد له إضافة إلى من تولّدت النطفة منه، و هذه الإضافة و النسبة خارجيّة، لا أنّها صرف اعتبار تشريعي أو عرفي.

و هذه النسبة المكررة بين الوالد و الولد، و كذا بين الوالدة تكون من المحمولات بالضمائم و من مقولة الإضافة، و حالها حال سائر الأعراض التسعة الخارجيّة المقوليّة، و هذه النسبة حيث أنّه لها طرفان، بمعنى أنّه لكلّ واحد من الطرفين نسبة مقوليّة إلى الطرف الآخر.

و تسمّى هذه النسبة من الطرف الذي خرجت هذه النطفة من صلبه ب‍ «الأبوّة»، و يسمّى ذلك الشخص باعتبار تولّد هذه النطفة منه ب‍ «الوالد»، و تسمّى بالنسبة إلى نفس هذه النطفة بعد تكميلها و ولوج الروح فيها ب‍ «البنوّة» إن كان ذكرا و «البنتيّة» إن كانت أنثى، و موصوف هذه الإضافة و النسبة يسمّى بالابن إن كان ذكرا، و بالبنت إن كانت أنثى.

كما أنّ الموصوف لتلك النسبة التي في الطرف يسمّى بالوالد أو الأب كما ذكرنا.

و أيضا لهذه النطفة نسبة مكرّرة إلى من استقرّت هي في رحمها، و هي أيضا نسبة خارجيّة مقوليّة مكرّرة لها طرفان، و ليس فرق بين هذه النسبة و بين النسبة السابقة، إلّا أنّها من طرف من استقرّت في رحمها تسمّى بالأمومة، و موصوفها تسمّى بالأمّ أو الوالدة، فهذا هو معنى الولد، و الوالد، و الوالدة.

و أمّا «الفراش» فهي عبارة عمّا يفرش لنوم أو لغيره، و ها هنا كناية عن الزوج الشرعي أو المالك، باعتبار أنّ من هو زوج شرعا أو كان مالكا لها له حقّ أن ينام معها فيه شرعا و يستمتع منها، و أمثال هذه الكنايات كثيرة في لغة العرب و تعابيرهم و في القرآن الكريم.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 27‌

و أمّا «العاهر» هو الزاني، و «الحجر» معناه واضح.

و هذا الذي ذكرنا كان معنى مفردات الحديث.

و أمّا المتفاهم العرفي من هاتين الجملتين:

أمّا الجملة الأولى، فهي عبارة عن أنّ الولد مخصوص بالزوج، و ليس لأحد غيره حقّ و نصيب فيه، و هذا المعنى نتيجة حصر المبتدأ في الخبر الذي يقولون به في علم البلاغة إذا كان المبتدأ معرّفا بالألف و اللام، كقولهم: الكرم و الفصاحة في العرب.

و لا شكّ في أنّه صلّى اللّه عليه و آله في مقام بيان الحكم الشرعي، لا في مقام الإخبار عن أمر خارجي، و ظاهر القضايا الشرعيّة التي بصورة الأخبار كلّها من هذا القبيل، أي و إن كانت بحسب الصورة جمل خبريّة، لكنّها في الحقيقة إنشاءات بصورة الإخبار عن وقوعها في أحد الأزمنة الثلاثة.

مضافا إلى أنّها لو كانت إخبارات عن الأمور الخارجيّة تكون غير مطابق مع الواقع في كثير من الأحيان، فقوله عليه السّلام: «يغتسل» و «يعيد» و أمثال هذين في مقام بيان الأحكام الشرعيّة، فربما لا يغتسل و لا يعيد.

و في نفس محلّ الكلام لو كان قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش» إخبارا عن أمر واقع، ربما لا يكون كذلك، أي يكون الولد واقعا لغير الفراش، خصوصا في الأزمنة التي تشيع فيها الفجور، و لا يمكن أن يصدر الكذب منه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّه صلّى اللّه عليه و آله معصوم، فهذا وجه آخر لأنّها إنشاءات لا إخبارات.

فإذا كان الأمر كذلك، فلا بدّ من القول بأنّه صلّى اللّه عليه و آله في مقام جعل الفراش أمارة معتبرة في مقام الإثبات لإثبات أنّ المولود في فراش شخص يكون له، و ليس لآخر نصيب فيه. و من المعلوم أنّ جميع الأمارات الشرعيّة كالعرفيّة- بل هي أيضا عرفية في الأغلب أمضاها الشارع- قد تخطّى، لكنّها غالب المطابقة، و هذا مناط جعلها أمارة.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 28‌

و أيضا معلوم أنّ أماريّة الأمارة منوطة بعدم القطع على خلافها و على وفاقها أيضا، إذ مع القطع بأحد الطرفين لا يبقى مجال للتعبّد.

أمّا في صورة كون القطع على وفاقها، فحجّية الأمارة تكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبّد، الذي هو أسوء من تحصيل الحاصل المحال.

و أمّا في صورة كونه على خلافها، فمن جهة عدم إمكان جعل الطريق و المثبت للذي خلافه ثابت لديه، فالأمارة المعتبرة حجّة لمن يكن شاكّا في مؤدّاها، فإذن قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش» يكون أمارة في مورد الشكّ في أنّ الولد هل لصاحب الفراش أو لغيره، و إلّا فمع أنّه له أو لغيره لا يبقى مجال للتمسّك به في مقام الإثبات.

نعم حيث أنّه بناء على ما ذكرنا أمارة معتبرة لا يعتنى بالظنون غير المعتبرة على خلافها، كما هو الحال في كلّ أمارة، مثلا لو شهدت البيّنة العادلة على أنّ فلانة زوجة فلان مع عدم نفيه، فالظنّ غير المعتبر على أنّها ليس زوجة له لا أثر له.

و فيما نحن فيه بعد ما جعل الشارع الفراش أمارة على أنّ الولد لصاحب الفراش، فكونه شبيها بالزاني و إن كان يوجب الظنّ بأنّه له، و لكنّ الشارع لم يعتبر هذا الظنّ، فلا أثر له في مقابل الحجّة المعتبرة، و لذلك هو صلّى اللّه عليه و آله لم يعتبر و لم يعتن بالشبه الذي كان بين الولد و عتبة بن أبي وقّاص، و ردّ دعوى سعد بن أبي وقّاص، و حكم بكون الولد لزمعة، معلّلا بأنّه صاحب الفراش. و أمّا أمره صلّى اللّه عليه و آله زوجته سودة أمّ المؤمنين بالاحتجاب عن ذلك الولد للشباهة التي كانت بينه و بين عتبة- مع أنّه صلّى اللّه عليه و آله حكم بأنّه أخوها- فمن باب الاحتياط، و قد تقرّر في الأصول أنّ الاحتياط حسن عقلا و شرعا، حتّى مع وجود الحجّة المعتبرة على أحد الاحتمالين. و هذا الحديث أيضا أحد الأدلّة على حسنه شرعا، بل استحبابه إن كان أمره صلّى اللّه عليه و آله باحتجابها منه مولويّا، لا إرشاديّا إلى حسن الاحتياط.

و من جملة الظنون غير المعتبرة التي لا تقاوهم هذه الأمارة قول القافة بواسطة‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 29‌

الأمارات التي عندهم، و لا شكّ في أنّ قولهم يوجب الظنّ، و لكنّ الشارع لم يعتبره.

و أمّا سرور النبي صلّى اللّه عليه و آله من قول القائف حينما رأى رجلي أسامة و زيد و عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما و بدت إقدامها، فقال: إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض.

و قد روى هذا الحديث عن أمّ المؤمنين عائشة بعدّة طرق، و متن الحديث على ما رواه سفيان عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم مسرورا، فقال: «يا عائشة ألم ترى أنّ مجزز السلمي المدلجي دخل علىّ فرأى أسامة و زيدا و عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما و بدت إقدامهما، فقال: إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض» «1» فلا يدلّ على حجّية قول القائف و اعتباره.

و ذلك أنّ سروره صلّى اللّه عليه و آله- على تقدير صحّة الرواية- كان من جهة أنّ أسامة كان أسود شديد السواد، و كان زيد أبيض، و كانوا يقدحون في نسب أسامة و يطعنون من هذه الجهة، و النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يحبّ زيدا و كذلك أسامة، فلمّا أخبر القائف بصحّة نسبه و أن زيدا أبوه فرح صلّى اللّه عليه و آله بذلك.

و لا شكّ في أنّ الظنّ بوجود ما هو المطلوب و المحبوب يوجب السرور و الفرح و إن لم يكن ذلك الظنّ حجّة شرعا، فلو أخبر معلّم كافر مشرك بأنّ ابنك فلان ذكيّ، سريع الفهم، و فوق ذلك أنّه مشغول جدّا بالمطالعة و الحفظ يسرّ الأب، و ان كان قول المعلّم ليس حجّة، لأنّ قول المؤمن العادل الواحد ليس بحجة في الموضوعات، فضلا عن قول الكافر المشرك.

هذا أوّلا.

و ثانيا: في الجاهلية كانت العرب تعتبر قول القائفين، و كانوا يرتّبون عليه الآثار،

______________________________
(1). «صحيح البخاري» ج 8، ص 195، باب: القائف، «صحيح مسلم» ج 2، ص 1082، ح 1459، كتاب الرضاع، ح 39، باب العمل بإلحاق القائف الولد، «سنن النسائي» ج 6، ص 184، باب: القافة. في المصادر أعلاه: «أنّ مجزّزا المدلجي.».

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 30‌

فأخبار القائف بصحّة نسب أسامة كان موجبا لارتداع القادحين عن قدحهم و طعنهم، و لذلك سرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لحبّه زيدا و ولده أسامة.

و أمّا وجه سواد أسامة فهو من ناحية أمّه أمّ أيمن، فإنّها كانت امرأة حبشيّة تزوّجها زيد بعد زوجها الأوّل، و هو عبيد بن زيد من بني الحارث بن خزرج، و كانت أمّ أيمن حاضنة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و ورثها من أبيه مع خمس جمال و قطيعة من غنم، فأعتقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال صلّى اللّه عليه و آله: «من سرّه أن يتزوج امرأة من أهل الجنّة فليتزوّج أمّ أيمن، فتزوّجها زيد ابن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد «1»، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحبّ أسامة حبّا شديدا، و قد صرّح بذلك حين أمره على الجيش المعروف بجيش أسامة.

و من جملة الظنون التي لا تقاوم هذا الأمارة المعتبرة، الأمارات الظنيّة غير المعتبرة شرعا و لكنّ العرف يعتمدون عليها، من قبيل تحليل الدم و أمثاله الشائعة في هذه الأعصار عند الأطبّاء، و لكن كلّ ما ذكرنا من عدم مقاومتها لهذه الأمارة المعتبرة يكون فيما إذا يوجب الظنّ.

و أمّا إذا أوجب القطع بأنّ الولد لغير صاحب الفراش، فلا يبقى مجال لإجراء هذه القاعدة، لأنّها أمارة عند الشكّ.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ نفي النسب عن الزاني أو عن غيره ممّن هو ليس بصاحب الفراش في صورة إمكان الانتساب إلى صاحب الفراش.

و أمّا إذا لم يكن- كما إذا كان الزوج في سفر طويل، أو كان غيبته عنها لسبب آخر كالسجن الطويل مثلا و أمثال ذلك- فلا تجرى هذه القاعدة، و بناء على هذا لو ولدت بعد الزواج بمدّة أقلّ من أقلّ الحمل، أو ولدت بعد غياب الزوج بمدّة أكثر من أكثر الحمل فلا يجوز الإلحاق بهذه القاعدة.

هذا هو شرح الجملة الأولى من الحديث الشريف.

______________________________
(1). «الطبقات الكبرى» ج 8، ص 224، باب تسمية النساء المسلمات المبايعات.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 31‌

و أمّا الجملة الثانية: فالعاهر هو الزاني، و الحجر معناه معلوم. و قيل في معنى هذه الجملة: أنّها كناية عن طرد الزاني و ردّه عن دعواه الولد، كما أنّ الكلب يطرد بالحجارة، و قيل: بأنّ المراد من الزاني هو المحصن و هو لا يعطى له الولد، بل يرمى بالحجارة حتّى يهلك، أي يحدّ بهذا الحدّ الذي عيّنه الشارع للزاني المحصن.

و الأوّل أولى، و إن كان الذي يتبادر إلى الذهن أوّلا هو الثاني.

وجه الأولويّة: هو أنّ ظاهر الحديث الشريف أنّ أماريّة الفراش ليست مخصوصة بكونها في مقابل الزاني المحصن، بل تكون أماريّته عامّة في قبال كلّ زان، بل في قبال كلّ واطئ ليس بصاحب الفراش و إن لم يكن زانيا، فحمله على المعنى الثاني خروج عمّا هو المتفاهم العرفي من ظاهر الحديث، و يكون من قبيل التخصيص بلا مخصّص.

[الجهة] الثالثة في بيان جملة من موارد تطبيقها

فنقول:

الأوّل: أن يكون في مقابل الفراش زناء فقط، و يمكن الإلحاق بكلّ واحد منهما خارجا أي ليس شي‌ء يمنع المنع عن إلحاقه بأحدهما لا شرعا و لا تكوينا لو لا معارضة أحدهما بالآخر و لو لا هذه القاعدة.

و هذا القسم هو القدر المتيقّن من موارد هذه القاعدة، و كان هذا هو مورد الحديث الشريف في دعوى سعد بن أبي وقّاص، و دعوى عبد بن زمعة، حيث أنّ عبد بن زمعة يدّعى الولد لزمعة الذي هو صاحب الفراش، لأنّه كان مالكا للجارية.

و الفراش يتحقّق بأحد أمرين: إمّا أن يكون زوجا لها بالعقد الدائم أو الموقّت‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 32‌

المسمّى بالمتعة في اصطلاح الفقهاء و عند العرف أيضا، أو يكون مالكا لها. و أمّا التحليل سنتكلّم فيها، و سعد بن أبي وقّاص يدّعيه لأخيه بالزنا و قد عرفت أنّه صلّى اللّه عليه و آله حكم لزمعة: «الولد للفراش و للعاهر الحجر».

و إلحاق الولد بصاحب الفراش قد عرفت أنّه فيما أن يكون له عقلا و شرعا. أمّا الإمكان العقلي العادي هو أنّه لا يلزم من الانتساب إليه محال بحسب العادة، كأن يكون الزوج مسافرا مدّة طويلة لا يمكن وصوله إليها عادة، أو كان غائبا لجهة أخرى غير المسافرة لا يمكن له الوصول إليها، أو لا يكون للزوج أو المالك أمناء لمرض، أو لشيخوخة، أو لأيّ علّة أخرى.

و خلاصة الكلام: أنّه لا يكون الانتساب إلى صاحب الفراش- سواء أ كان زوجا لها بالعقد الدائم أو المنقطع، أو كان مالكا لها، أو كان مالكها حلّلها له بناء على أنّ التحليل أيضا يوجب صيرورة المحلّلة له صاحب فراش كما أنّه ليس ببعيد- من قبيل وجود المعلول بدون العلّة.

و أمّا الإمكان شرعا فذكر الفقهاء- قدّس اللّه أسرارهم- له شروط ثلاثة:

الأوّل: الدخول و لو دبرا، و قال: بعضهم و إن لم ينزل، فإن كان المراد عدم العلم بالإنزال مع احتماله فله وجه، و أمّا إن كان مرادهم من عدم الإنزال هو العلم بعدمه فهذا عجيب، لأنّ مرجعه إلى وجود المسبّب بدون السبب.

و أمّا ما أفاده صاحب الجواهر- قدّس سرّه- في هذا المقام بقوله: و لعلّه لتحرّك نطفة الامرأة و اكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلّها، أو غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلّا ربّ العزّة «1»، فهذا الذي قال من تحرّك النطفة إلى قوله «في محلّها» يشبه أن يكون أمرا خياليّا لا واقعيّا. و أمّا قوله- قدّس سرّه- أو غير ذلك من الحكم إلى آخره.

______________________________
(1). «جواهر الكلام» ج 31، ص 223.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 33‌

ففيه: أنّه حقّ لو جاء دليل قطعي على أنّه بدون إنزال صاحب الفراش يلحق به، و لكنّ الأمر ليس كذلك، بل هنا قاعدة و أمارة شرعيّة، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» و بيّنّا أنّها أمارة لكون الولد لصاحب الفراش في ظرف إمكان ذلك عادة، و بدون الإنزال لا يمكن، و لذلك قال في الرياض ما خلاصته أنّ إلحاق الولد بصاحب الفراش مشروط بما إذا كان تولّده من مائه محتملا و لو باحتمال بعيد، و في غيره إشكال «1». و ان حكى الإطلاق عن الأصحاب و احتمل الإجماع، فاعتبار الدخول ليس لموضوعيّة فيه، بل من جهة كونه مقدّمة لوصول الماء إلى رحمها، و لذلك لو وصل الماء إلى رحمها من غير الدخول، كما إذا لاعبها و أنزل على الفرج و وصل الماء إليها من غير الدخول يلحق بصاحب الفراش الملاعب قطعا، و قد شاهدنا في عصرنا مواليد تكونوا من ماء أبيهم مع عدم زوال بكارة أمّهم، و أولدتهم القوابل بالعلاج.

و روى في قرب الإسناد بإسناده عن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام أنّ رجلا أتى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال: إنّ امرأتي هذه حامل و هي جارية حدثة، و هي عذراء، و هي حامل في تسعة أشهر، و لا أعلم إلّا خيرا و أنا شيخ كبير ما افترعتها، و أنّها لعلى حالها، فقال له عليّ عليه السّلام: «نشدتك اللّه هل كنت تهريق على فرجها؟» إلى أن قال عليه السّلام: «و قد ألحقت بك ولدها فشقّ عنها القوابل، فجاءت بغلام فعاش» «2».

و رواية أخرى بهذا المضمون نقلها في الوسائل عن المفيد- قدّس سرّه- في الإرشاد «3».

و ظهر ممّا ذكرنا أنّ إدخال ماء الرجل بتوسّط الإبر في الرحم- كما يقولون لو‌

______________________________
(1). «رياض المسائل» ج 2، ص 154.

(2). «قرب الإسناد» ص 149، ح 541، أحاديث متفرقة.

(3). «الإرشاد» للمفيد، ص 112 و 113، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 114، أبواب أحكام الأولاد، باب 16، ح 2.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 34‌

صحّ هذا- أيضا يوجب أن يلحق الولد بصاحب الماء، و إن قلنا بأنّ هذا الفعل حرام، و كذلك لو انجذب الماء إلى الفرج في الحمّام و دخل في الرحم، و تكون الولد يلحق بصاحب الماء لو كان معلوما.

و حاصل الكلام: أنّ كون الولد لصاحب الماء أمر تكويني، لأنّه هو نفس الماء، غاية الأمر نما إلى أن جعله اللّه ولدا سويّا، فهو في سياق الزرع، كما أنّ البذر إذا وقع في الأرض ينمو إلى أن يصير سنبلا بإرادة اللّه و جعله، كذلك النطفة بعد ما وصل إلى الرحم القابل ينمو إلى أن يجعله اللّه ولدا و ينشأه خلقا آخر، فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ. نعم في خصوص الزنا ألغى الشارع هذا الانتساب التكويني من حيث بعض الآثار لبعض المصالح، و لعلّ عمدتها حفظ الجامعة عن الفجور.

و ممّا ذكرنا ظهر الإشكال في كفاية الدخول في الدبر إلّا مع الإمناء و احتمال السبق و عدم الشعور به، و لذلك حكى عن ابن إدريس في السرائر «1» و عن العلّامة في التحرير «2»- قدّس اللّه اسرارهما- عدم العبرة بالوطي دبرا، و عدم اعتبارهما بالوطي في الدبر. إمّا في صورة عدم احتمال السبق، أو لكون الاحتمال ضعيفا بدرجة يكون عند العقلاء بحكم العدم.

الثاني: مضىّ ستّة أشهر هلاليّة من زمان الوطي، فلو كان أقلّ من ذلك و ولدت تامّ الخلقة حيّا لا يلحق بصاحب الفراش، و ذلك من جهة أنّها أقلّ الحمل كتابا و سنّة، مستفيضة بل متواترة، و لا خلاف في ذلك بين الأصحاب، بل نسب الاتّفاق إلى علماء الإسلام، و قد نسب في الجواهر «3» إلى المفيد «4» و الشيخ «5»- قدس سرّهما- التخيير‌

______________________________
(1). «جواهر الكلام» ج 31، ص 223.

(2). «جواهر الكلام» ج 31، ص 223.

(3). «جواهر الكلام» ج 31، ص 230.

(4). «المقنعة» ص 538.

(5). «النهاية» ص 505.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 35‌

بين النفي و الإقرار به.

و هذه الفتوى من هذين الشيخين الجليلين لا يخلو عن غرابة، مع استفاضة الروايات و اتّفاق الفقهاء على خلافهما.

و لكنّ الذي يظهر من عبارة المقنعة أنّه لو نفاه الزوج و خاصمته المرأة و ادّعت أنّه منه و اختلفا في زمان الحمل «1»، لا أنّ المرأة مع اعترافها بأنّها وضعت لأقلّ من ستّة أشهر تدّعي أنّه له، فيكون هذا من فروع اختلافهما في مدّة الحمل، و يكون خارجا عن محلّ بحثنا، و هو أن يكون معلوما مدّة الحمل و أنّها أقلّ من ستّة أشهر.

و الشاهد على ذلك أنّه- قدّس سرّه- يصرّح قبل هذا العبارة، بأنّها إن ولدته حيّا تامّا لأقلّ من ستّة أشهر من يوم لامسها، فليس له بولد بحكم العادة «2».

و عبارة المبسوط أيضا صريح في أنّها إذا وضعت لأقلّ من ستّة أشهر من حين لامسها فالولد لا يلحق به، و هذا عين عبارته: كما لو أتت بولد لدون ستّة أشهر، فإنّه ينفي عن الزوج بلا لعان، لأنّه لا يمكن أن يكون منه «3».

فهذا الشرط أيضا مقدّمة لإثبات مورد القاعدة، و هو احتمال أن يكون الولد لصاحب الفراش، لأنّه قبل انقضاء ستّة أشهر من حين الوطي لو ولدت نفى الشارع كونه له، فيكون احتمال كونه منه ملغى بحكم الشارع، و يكون معلوم العدم، فلا يبقى موضوع للقاعدة.

الثالث: أن لا يكون الوضع في أكثر من أكثر مدّة الحمل.

و في تعيين أكثر مدّة الحمل خلاف، فالمشهور يقولون بأنّه عبارة عن تسعة أشهر، و بناء على هذا لو تجاوز مدّة الحمل- أي من زمان الوطي تسعة أشهر إلى‌

______________________________
(1). «المقنعة» ص 538.

(2). «المقنعة» ص 538.

(3). «المبسوط» ج 5، ص 185.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 36‌

زمان الوضع- فلا يلحق. و الأخبار التي تدلّ على أنّ أكثر مدّة الحمل تسعة أشهر كثيرة.

و قول آخر بأنّه عشرة أشهر، و هو الذي استحسنه في الشرائع «1»، و حكى عن الشيخ- قدّس سرّه- في المبسوط «2» أيضا، و نسب إلى العلّامة «3»- قدّس سرّه- أيضا، و صرّح العلّامة في التبصرة بذلك «4». و قول آخر بأنّه سنة، و إليه ذهب المرتضى- قدّس سرّه- في الانتصار مدّعيا عليه الإجماع «5»، و أبو الصلاح «6»، و مال إليه في المختلف «7» على نقل صاحب الجواهر «8»- قدّس سرّه.

و قال الشهيد الثاني- قدّس سرّه- إنّه أقرب إلى الصواب «9». و لكن المحقق قال في الشرائع: إنّه متروك «10»، و هناك رواية على أنّه سنتين «11»، و لكن لم يقل به أحد من الأصحاب، و حملوها على التقيّة.

أقول: أمّا القول الأوّل الذي هو المشهور بين أصحابنا الإماميّة- قدّس اللّه أسرارهم- فمستنده قبل الإجماع روايات مستفيضة ذكر سبعة منها في الجواهر «12»، و دلالة بعضها واضحة لا يمكن المناقشة فيها، و ذلك كمرسل عبد الرحمن ابن سيابة:

______________________________
(1). «شرائع الإسلام» ج 2، ص 340.

(2). «جواهر الكلام» ج 31، ص 226.

(3). «تحرير الأحكام» ج 2، ص 44.

(4). «تبصرة المتعلمين» ص 143.

(5). «الانتصار» ص 154.

(6). «الكافي في الفقه» ص 314.

(7). «مختلف الشيعة» ج 7، ص 316.

(8). «جواهر الكلام» ج 31، ص 226.

(9). «مسالك الأفهام» ج 1، ص 458.

(10). «شرائع الإسلام» ج 2، ص 340.

(11). «الفقيه» ج 3، ص 511، ح 4793، باب: طلاق الحامل، ح 8، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 118، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 15.

(12). «جواهر الكلام» ج 31، ص 225.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 37‌

«أقصى مدّة الحمل تسعة أشهر و لا يزيد لحظة، و لو زاد لحظة لقتل أمّه قبل أن يخرج» «1».

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مضمون هذا الخبر معلوم البطلان بالوجدان، فلا يمكن صدوره عن الامام عليه السّلام.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ معلوميّة بطلانه بالوجدان غير معلوم، لأنّ هذه أمور لا يعرفها غير ربّ العزّة جلّ جلاله، هذا أوّلا.

و ثانيا: صدر الرواية جملة مستقلّة لا إشكال في مضمونه، و هو قوله عليه السّلام: «أقصى مدّة الحمل تسعة أشهر» فلا مانع من التعبّد بصدوره، و هو كاف في إثبات المطلوب.

و كرواية محمّد بن حكيم، عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث قال: قلت: فإنّها ادّعت الحمل بعد تسعة أشهر، قال عليه السّلام: «إنّما الحمل تسعة أشهر» «2».

و أمّا رواية أبان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: «إنّ مريم حملت بعيسى تسع ساعات كلّ ساعة شهر» «3». فدلالتها على أنّ الحمل لا يزيد على تسعة أشهر غير واضحة، و لا يخلو عن المناقشة.

و على كلّ حال هذا القول- أي: أنّ أكثر الحمل لا يزيد على تسعة أشهر- بحسب المدرك قويّ، للروايات المستفيضة، و ادّعاء الإجماع فيه، و الشهرة المحقّقة.

و أمّا القول الثاني- أي كون أكثر الحمل عشرة أشهر الذي استحسنه المحقق في الشرائع و قال: يعضده الوجدان «4»- فلا إجماع و لا رواية تدلّ عليه.

______________________________
(1). «الكافي» ج 6، ص 52، باب النوادر (من كتاب العقيقة)، ح 3، «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 115، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 115، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 3.

(2). «الكافي» ج 6، ص 101، باب المسترابة بالجميل، ح 2، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 5.

(3). «الكافي» ج 8، ص 332، ح 516، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 7.

(4). «شرائع الإسلام» ج 2، ص 340.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 38‌

و عمدة الوجه هو ادّعاؤهم الوجدان، و أنّه كثيرا ما يزيد على تسعة أشهر.

و لكن فيه أنّ مبدأ الحقيقي للحمل غالبا غير معلوم، و إن كان انتهاؤه بالولادة أمر محسوس، و حكم القوابل أو النساء بالحمل إمّا بواسطة احتباس الحيض، و إمّا بواسطة ظهور علامات الحمل. و الأوّل ربما يكون لجهة أخرى غير الحمل، بل يكون لعلّة و مرض فيها. و الثاني غالبا يكون بعد مضيّ زمان من شهر أو شهرين بعد الحمل.

و أمّا القول الثالث- أي كون أكثر الحمل سنة- فادّعى المرتضى- قدّس سرّه- عليه الإجماع «1»، و قرّبه المسالك إلى الصواب «2».

و لكن ليس في الروايات ما يدلّ على ذلك، إلّا ما نقل من خبر غياث، عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه عليه السّلام قال: «أدنى ما تحمل المرأة لستّة أشهر، و أكثر ما تحمل لسنة» «3». لكن في الوسائل روى هذه الرواية عن غياث «و أكثر ما تحمل سنتين» «4».

و قلنا إنّه لم يقل به أحد من الأصحاب، و لذلك حمله في الوسائل على التقيّة. و مع هذا الاختلاف في النقل لا يبقى مجال للاستدلال بها على السنة.

و أيضا ممّا يمكن أن يستدلّ به على هذا القول ما هو المروي عن نوادر المعجزات للراوندي عن سيّدة النساء عليها السّلام أنّها ولدت الحسين عليه السّلام عند تمام السنة «5» لكنّه معارض بما هو المعروف و المشهور أنّها ولدته لستّة أشهر «6».

______________________________
(1). «الانتصار» ص 154.

(2). «مسالك الأفهام» ج 1، ص 458.

(3). «الفقيه» ج 3، ص 511، ح 4793، باب طلاق الحامل، ح 7، و فيه: لسنتين بدل لسنة.

(4). «وسائل الشيعة» ج 15، ص 118، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 15.

(5). الراوندي في «الخرائج و الجرائح» ج 2، ص 840، الباب (16): في نوادر المعجزات، و فيه: في تمام الستّة، و في نسخة «بحار الأنوار» ج 43، ص 273، فيه: فنزل تمام السنة.

(6). «الكافي» ج 1، ص 385، باب مولد الحسين بن علي عليهما السلام، ح 2، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 4.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 39‌

ففي الوسائل عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حمل الحسين عليه السّلام ستّة أشهر، و أرضع سنتين، و هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً «1»» «2». هذا، مضافا إلى أنّه معارض بما ورد من أنّ ولادته عليه السّلام في ثالث شعبان، و ولادة الحسن عليه السّلام في النصف من رمضان، و معلوم أنّ الفصل بينهما أقلّ من السنة بما لا يتسامح.

و أيضا ربما يستدلّ لهذا القول بما رواه حريز عمّن ذكره، عن أحدهما عليهما السّلام في قول اللّه عز و جل يَعْلَمُ مٰا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ وَ مٰا تَغِيضُ الْأَرْحٰامُ وَ مٰا تَزْدٰادُ «3» قال عليه السّلام:

«الغيض: كلّ حمل دون تسعة أشهر. و ما تزداد: كلّ شي‌ء يزداد على تسعة أشهر، فلمّا رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد بعدد الأيّام التي رأت في حملها من الدم» «4».

و ظاهر هذه الرواية- على تقدير صحّة سندها و الإغماض عن إرسالها، و مع الإغماض عن معارضاتها الأقوى منها سندا و دلالة- هو أنّ المراد من الزيادة مقدار ما رأت الدم في حال حملها يزيد في مقدار الحمل، فإن رأت الدم في حال الحمل خمسة أيّام يزيد في مدّة الحمل خمسة أيّام، فلا تدلّ على المقصود أي كون مدّة أكثر الحمل سنة إلّا على تقدير شاذّ في غاية الشذوذ.

بل يمكن أن يقال بأنّه حال عادة، و هو أن ترى الدم في كلّ شهر عشرة أيّام كي يصير في مجموع تسعة أشهر الذي هو مدّة الحمل تسعين يوما، فيزيد هذا المقدار على تسعة أشهر، فيكون المجموع سنة كاملة.

______________________________
(1). الأحقاف (46): 15.

(2). «وسائل الشيعة» ج 15، ص 118، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 14.

(3). الرعد (13): 8.

(4). «الكافي» ج 6، ص 12، باب بدء خلق الإنسان و تقلبه في بطن أمه، ح 2، «تفسير العياشي» ج 2، ص 204، ح 10، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 6.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 40‌

هذا حال الأخبار التي استدلّوا بها على هذا القول.

و لكن الشهيد الثاني- قدّس سرّه- تمسّك لإثبات هذا القول بوجوه:

الأوّل: عدم دليل معتبر على الأقلّ من السنة «1».

و فيه: ما عرفت من وضوح دلالة بعض الروايات على أنّ أكثر الحمل تسعة أشهر «2»، و قلنا لو كان ضعف في سندها فهو منجبر بعمل الأصحاب و الشهرة المحقّقة، و قد حكينا من جماعة الإجماع. و أمّا إجماع المرتضى- قدّس سرّه «3»- فوجّهه في الجواهر على أنّ مراده منه نفي أكثر من السنة، لإثبات السنة به «4». و هو توجيه حسن فلا يعارض هذا الإجماع.

الثاني: الوجدان، و هو ما إذا سافر الزوج بعد الوطي مثلا إلى مكان بعيد لا يمكن وصوله عادة إليها، و أيضا علم من الخارج من الأمارات الموجبة لليقين و المفيدة للعلم أنّه لم يصل إليها أجنبيّ، و مع ذلك وضعت بعد مضيّ سنة من زمان الوطي.

و فيه: على فرض تسليم ما قيل ليس سبب الحمل منحصرا بوصول الزوج أو أجنبي إليها، بل هناك احتمالات أخر معلومة لا يحتاج إلى الذكر.

الثالث: أمره بالاحتياط بعد انقضاء تسعة أشهر من حين الوطي في بعض الأخبار التي مفادها أنّ أكثر الحمل تسعة أشهر:

منها: خبر محمّد بن الحكيم، عن أبي الحسن عليه السّلام قلت له: المرأة الشابّة التي مثلها تحيض يطلّقها زوجها و يرتفع حيضها كم عدّتها؟ قال: «ثلاثة أشهر». قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد الثلاثة أشهر، قال عليه السّلام: «عدّتها تسعة أشهر». قلت: فإنّها ادّعت‌

______________________________
(1). «مسالك الأفهام» ج 1، ص 408.

(2). تقدم راجع ص 37، هامش رقم (1).

(3). «الانتصار» ص 154.

(4). «جواهر الكلام» ج 31، ص 227.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 41‌

الحبل بعد تسعة أشهر، قال عليه السّلام: «إنّما الحبل تسعة أشهر». قلت: تتزوّج؟ قال عليه السّلام:

«تحتاط بثلاثة أشهر». قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر، قال عليه السّلام: «لا ريبة عليها تزوّجت إن شاءت» «1».

و هذه الرواية لها ظهور جليّ في أنّ من تدّعي الحبل بعد مضيّ تسعة أشهر من طلاقها أيضا يجب عليها أن تحتاط بثلاثة أشهر إن ادّعت بقاء الحبل بعد ذلك أيضا، و هذا مرجعه إلى أنّ احتمال بقاء الحمل إلى سنة موجود، و يجب ترتيب الأثر بعدم جواز التزويج قبل انقضاء السنة.

و منها: خبر عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت أبا إبراهيم عليه السّلام يقول: «إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلا، انتظر بها تسعة أشهر، فإن ولدت و إلّا اعتدّت بثلاثة أشهر، ثمَّ قد بانت منه» «2».

و منها: خبر أبان عن ابن حكيم، عن أبي إبراهيم عليه السّلام أو ابنه عليهما السلام قال عليه السّلام في المطلّقة يطلّقها زوجها، فتقول: أنا حبلى، فتمكث سنة، فقال عليه السّلام: «إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدق، و لو ساعة واحدة في دعواها» «3».

فمن هذه الروايات يستكشف أنّ الشارع لم يلغ احتمال كونها أكثر من تسعة إلى السنة و إن كان نادرا.

نعم يستظهر منها أنّ احتمال الزائد على السنة ملغى في نظره، و لذلك أجمعت‌

______________________________
(1). «مسالك الأفهام» ج 1، ص 408، في أحكام الأولاد، «الكافي» ج 6، ص 101، باب المسترابة بالحمل، ح 2، «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 129، ح 445، في عدد النساء، ح 44.

(2). «مسالك الأفهام» ج 1، ص 408، في أحكام الأولاد، «الكافي» ج 6، ص 101، باب المسترابة بالحمل، ح 1، «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 129، ح 444، في عدد النساء، ح 43.

(3). «مسالك الأفهام» ج 1، ص 408، في أحكام الأولاد، «الكافي» ج 6، ص 101، باب المسترابة بالحمل، ح 3، «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 129، ح 446، في عدد النساء ح 45، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 442، أبواب العدد، باب 25، ح 3.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 42‌

الإماميّة الاثنتي عشريّة على نفي الزائد عنها، و لم يقل به أحد، و قلنا إنّ صاحب الجواهر وجّه إجماع المرتضى- قدّس سرّه- بأنّ مراده نفي الزائد على السنة، و قلنا:

إنّه حسن.

أقول: لا شكّ في أنّ الغالب في أكثر الحمل هو تسعة أشهر كما نراه بالوجدان. نعم قد يزيد أو ينقص أيّام قلائل، و لا شكّ في أنّ لكلّ أمر من الأمور الخارجيّة مصاديق و أفراد غالبيّة، و مصاديق نادرة شاذّة، و ذلك كما أنّ البلوغ و اليأس في المرأة أفرادها الغالبية في البلوغ يكون بإكمال تسع سنين هلاليّة، و في اليأس بإكمال خمسين أو ستّين، و الشارع لاحظ في الحكم بحيضيّة الدم الخارج عن المرأة الأفراد الغالبيّة إذ لم ير محذورا في ذلك، فحكم بعدم الحيضيّة في أقلّ من تسع و أكثر من خمسين أو ستّين، مع أنّ النساء يختلفن في ذلك قطعا حسب اختلاف امزجتهنّ، إذ لا محذور مهمّ في عدم مراعاة الأفراد النادرة، فأيّة مفسدة مهمّة في الحكم بحيضيّة دم ليس بحيض في الواقع، أو بالعكس في الأفراد النادرة.

و أمّا إذا كان في عدم ملاحظة الأفراد النادرة مفاسد عظيمة- كما في ما نحن فيه، لأنّ نفي النسب مع ثبوته واقعا ربما ينجرّ إلى مفاسد عظيمة، كنكاح العمّ لبنت أخيه، و الأخ للأخت، أو حرمان شخص عن ثروته الكثيرة، أو عن شرف أسرته الجليلة- فحينئذ يجب مراعاة الأفراد النادرة. فمكث الحمل و بقاؤه في الرحم إلى السنة و إن كان في غاية القلّة و الندرة، و لكن مع ذلك مراعاته لازم لما ذكرنا، و لذلك أمر بالاحتياط بثلاثة أشهر بعد مضيّ تسعة أشهر كما تقدّم.

و الإنصاف أنّ قول المشهور و إن كان قويّا بحسب المدرك، مضافا إلى اشتهاره بين أرباب الفتوى. و لكن مراعاة هذا الاحتياط لا ينبغي أن يترك، لما ذكرنا من المفاسد العظيمة في تركه، و لعلّه لذلك ذهب جماعة من أعاظم أساطين الفنّ‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 43‌

كالمرتضى «1» و العلّامة في المختلف «2» و الشهيد الثاني في المسالك «3»- قدّس اللّه أسرارهم- إلى هذا القول، مع ما رأوا من القوّة في مدرك القول المشهور. و قد ذهب إلى هذا القول أيضا الفقيه المتتبّع السيّد الطباطبائي اليزدي- قدّس سرّه- في حواشيه على التبصرة.

إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول:

تارة: يكون الزاني مدّعيا للفراش يدّعى الولد في مقابله، فهذا هو القدر المتيقّن من مورد القاعدة إن كان صاحب الفراش- أي: الزوج دواما أو انقطاعا، أو المالك- واجد للشرائط المذكورة التي كانت نتيجتها إمكان تكون ذلك الولد من مائه عادة، و إن كان الفقهاء اشترطوا الدخول قبلا أو دبرا، و عدم كون مدّة الحمل أقلّ من أقلّ الحمل و الأكثر من أكثره، لكن المقصود هو ما ذكرناه، أو الحقّ ما ذكرناه و إن لم يكن مقصودا لهم.

و أخرى: يكون الواطئ بالشبهة يدّعي الولد في مقابل الفراش بالمعنى الذي ذكرنا للفراش.

و ظاهر الأصحاب أنّه يقرع بينهما.

و لكن عندي في هذا تأمّل، لأنّه بناء على ما ذكرنا من أنّ الشارع جعل الفراش أمارة لكون الولد لصاحب الفراش فيما يمكن أن يكون له تكوينا و شرعا. أمّا تكوينا فبوصول نطفة صاحب الفراش إلى رحمها، و أمّا شرعا فبأن لا يكون حمله أقلّ من أقلّ الحمل و لا أكثر من أكثره، فلصاحب الفراش أمارة على أنّ الولد له و هي الفراش، فلا تصل النوبة إلى القرعة.

كما حقّقناه في قاعدة القرعة أنّها تستعمل في الشبهة الموضوعيّة التي لا يجوز فيها‌

______________________________
(1). «الانتصار» ص 154.

(2). «مختلف الشيعة» ج 7، ص 316، المسألة: 222.

(3). «مسالك الأفهام» ج 1، ص 458.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 44‌

الاحتياط و لا يجب، و تكون من المعضلات و المشكلات، و مع وجود الأمارة في بعض أطراف العلم الإجمالي ينحلّ العلم، و لا يبقى إجمال في البين.

و بعبارة أخرى: قلنا إنّ القرعة أمارة حيث لا أمارة في البين، اللهمّ إلّا أن يقال:

إنّ أماريّة الفراش مخصوصة بما إذا كان في قبال الزناء، لا في قبال الوطي بالشبهة.

و هذا الاحتمال أبطلناه فيما تقدّم، و قلنا إنّ أماريّته مطلقة، فقوله صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش» كلام مستقلّ، و مفاده أنّ الفراش- أي كون الرجل له حقّ المضاجعة في ذلك الفراش مع المرأة التي تنام فيه، و يكون لها نحو اختصاص به- أمارة شرعيّة على أنّ الولد الذي ولد في ذلك الفراش ملحق بصاحب الفراش عند الشكّ، فيكون حال الفراش حال البيّنة.

نعم الفرق هو أنّ البيّنة أمارة في جميع الموضوعات، و الفراش أمارة في خصوص إلحاق الولد بصاحب الفراش فيما أمكن الإلحاق به.

و أمّا الجملة الأخرى، أي: قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و للعاهر الحجر» فلا ربط له بالجملة الأولى، بل ذكره لطرد المدّعي المقابل لصاحب الفراش، لأنّ المدّعي المقابل لصاحب الفراش في مورد الحديث كان زانيا، فطرده بهذا الكلام.

و أمّا فيما إذا لم يمكن، كما إذا كان صاحب الفراش لم يمسّه لا قبلا و لا دبرا، أو لم يمض من حين وطئه مدّة أقلّ الحمل، أو تجاوز من زمان وطئه إلى الوضع أكثر مدّة الحمل، فلا يكون الفراش أمارة، القطع بالعدم شرعا. و في مثل هذه الصورة يعطي الولد الواطئ بالشبهة، لأنّه مدّع بلا معارض، أو للقطع بأنّه منه.

و أمّا لو كان المدّعي المقابل للفراش هو أيضا صاحب الفراش، ففيه صور أربع:

الأولى: أن لا يمكن لحوقه بالثاني و أمكن لحوقه بالأوّل، كما إذا طلّق الأوّل زوجته و بعد انقضاء عدّتها تزوّجها الثاني، فوضعت لأقلّ من ستّة أشهر من زمان‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 45‌

وطئ الثاني، و لم يتجاوز أقصى الحمل من زمان وطئ الأوّل، فالولد ملحق بالأوّل لكونه ذا أمارة و فراش، و الثاني لا يمكن أن يكون أمارة لكونه ولدت في زمان يكون أقلّ من أقلّ الحمل، فيستكشف بطلان نكاح الثاني لوقوعه في العدّة، لأنّ انقضاء عدّة الأوّل بالوضع، و المفروض أنّه تزوّجها قبل الوضع و تصير تلك المرأة محرمة على الثاني أبدا، لأنّه وطأها في العدّة بعد العقد عليها.

الثانية: عكس الصورة الأولى، و هو عدم إمكان لحوقه بالأوّل و إمكان لحوقه بالثاني، كما إذا كانت الولادة بعد مضيّ أكثر الحمل من الوطي الأوّل، و لا يكون أقلّ من أقلّ الحمل، و لا أكثر من أكثره من حين وطئ الثاني، ألحق بالثاني، لعدم أماريّة فراش الأوّل، لعدم الشكّ و عدم إمكان الإلحاق، فيكون الفراش الثاني أمارة بلا معارض لها.

الثالثة: عدم إمكان الإلحاق بكلّ واحد منهما، فيسقط أماريّة كليهما و ينفي عنهما لما ذكرنا أنّ أماريّة الفراش في ظرف إمكان الإلحاق.

الرابعة: إمكان الإلحاق بكليهما، فمقتضى القاعدة سقوط كليهما بالتعارض، و لكن بناء الأصحاب على الإلحاق بالثاني، لإحدى جهتين:

إمّا من جهة أنّ المراد من الفراش هو الفراش الفعلي، و لا شكّ أنّ الفراش الفعلي هو الثاني، دون الأوّل.

و فيه: أنّ لزوم الفعليّة في الفراش أمر مسلّم، و لكن في زمان الوطي لا في زمان الوضع، و المفروض أنّه في زمان الوطي كان كلاهما فعليّين.

و إمّا من جهة الأخبار، و قد وردت روايات مستفيضة «1» في أنّ الولد يلحق‌

______________________________
(1). «الفقيه» ج 3، ص 470، ح 4639، باب النوادر (من كتاب النكاح) ح 23، «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 168، ح 584، في لحوق الأولاد بالآباء.، ح 8، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 118، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 13.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 46‌

بالفراش الثاني إن أمكن، و إن كان لحوقه بالأوّل أيضا ممكنا.

و هو صحيح لا إشكال فيه.

و أمّا التمسّك بالإجماع مع وجود هذه الأخبار فلا وجه له، لما ذكرنا مرارا فلا نعيد.

و قد عرفت أنّ المراد من الفراش في الحديث الشريف من له حقّ المضاجعة شرعا مع المرأة و أن يلامسها، فالفراش كناية عن هذا الأمر، و قد عرفت أنّ الزوج بكلا قسميه- الدوام و الانقطاع- حيث أنّ له هذا الحقّ فيكون صاحب الفراش، و كذلك مالك الجارية حيث له هذا الحقّ فيكون صاحب الفراش.

هذا، مضافا إلى تطبيقه صلّى اللّه عليه و آله هذه القاعدة على زمعة، و هو كان مالكا لا زوجا.

و أمّا الواطئ بالشبهة، فليس له هذه الحقّ قطعا، بل هو متعدّ و متجاوز على عرض الغير، غاية الأمر لا يعاقب لجهله، فهو معذور بالنسبة إلى العقاب و المؤاخذة، لا أنّ له هذا الحقّ شرعا. و جواز الوطي له حكم ظاهري، لا أنّه واقعا له جائز، إلّا على القول بالتصويب الباطل، فلا فرق بين الزاني و الواطئ بالشبهة في حرمة الوطي واقعا.

نعم هناك فروق آخر بينهما، و هو أنّ الشارع جعل الزناء موضوعا لأحكام لا تجري و لا تترتّب تلك الأحكام على الوطي بالشبهة، من الحدّ، و عدم إلحاق الولد به بالنسبة إلى بعض الأحكام، كتوريثه من أبيه، فادّعاء أنّ الواطئ بالشبهة صاحب الفراش عجيب.

و أمّا التحليل فكون المحلّل له صاحب الفراش فله وجه، لأنّه بالتحليل يوجد له هذا الحقّ، خصوصا إذا قلنا بأنّ التحليل عقد محتاج إلى الإيجاب و القبول، فيمكن أن يقال بأنّه تزويج لها من المولى، فيكون كالمتعة تزويجا موقّتا، فهو أيضا صاحب‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 47‌

الفراش كالزوج في عقد الانقطاع.

و الحاصل: أنّ الفراش عبارة عن كونه مالكا شرعا للوطي، و له حقّ أن يفعل، و المشتبه ليس له ذلك، و إنّما يرتكب محرّما معفوا عنه، لجهله. نعم فعله ليس زناء، لأنّه أخذ في مفهوم الزناء الالتفات و العلم أو العلمي بالحكم و الموضوع جميعا، فلا يترتّب على عمله آثار المترتّبة على الزناء، من عدم إرث الولد و الحدّ و غيره.

فلو كان هناك واطئان بالشبهة و أمكن الإلحاق بكلّ واحد منهما يقرع بينهما، أمّا لو اجتمع الزناء مع الوطي بالشبهة و أمكن الإلحاق بكلّ واحد منهما، كما إذا وطيا في طهر واحد، و الوضع صار بعد التجاوز عن أقلّ الحمل، و عدم التجاوز عن أكثر الحمل من زمان وطئ كلّ واحد منهما.

فإن قلنا: إنّ الزاني مطرود و لا نسب له مطلقا، فلا شكّ أنّ الولد للواطئ شبهة، و ليس للزاني إلّا الحجر.

و أمّا إن قلنا: إنّ طرده فيما إذا ادّعى في قبال الفراش- كما هو مورد الحديث لا مطلقا و نفي النسب بملاحظة الإرث لا مطلقا، و لذلك يحرم على الزاني تزويج بنته من الزناء إجماعا بل ضرورة- فمقتضى القواعد الأوّليّة هو أن يقرع بينهما، و لكن الظاهر اتّفاق الأصحاب عن أنّه للواطئ بالشبهة، و يطرد الزاني، لأنّه عليه السّلام عبّر من الولد المخلوق من ماء الزاني «أنّه لغية».

محمّد ابن الحسن القمّي، قال: كتب بعض أصحابنا على يدي إلى أبي جعفر عليه السّلام:

ما تقول في رجل فجر بامرأة فحبلت، ثمَّ أنّه تزوّجها بعد الحمل، فجاءت بولد هو أشبه خلق اللّه به؟ فكتب عليه السّلام بخطّه و خاتمه: «الولد لغية لا يورث» «1» و الغية ظاهرها أنّه باطل و خائب و لا يعتنى به، فمفاد هذه الرواية هو أنّ الولد لا يلحق بالزاني و إن لم‌

______________________________
(1). «تهذيب الأحكام» ج 8، ص 182، ح 637، في لحوق الأولاد بالآباء.» ح 61، «وسائل الشيعة» ج 15، ص 214، أبواب أحكام الأولاد، باب 101، ح 1.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 48‌

يكن مدّع في مقابله، فضلا عمّا إذا كان مثل الواطئ بالشبهة الذي لم يلغ الشارع نسبه، حتّى أنّ بعضهم ادّعى صدق الفراش على وطئ الشبهة.

و لكن مع ذلك كلّه ظاهر الرواية أنّه لغية من ناحية الإرث، لا أنّه لغية بقول مطلق حتّى من ناحية نكاح المحارم.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو زنى الاثنان بامرأة في طهر واحد فجاءت بولد يمكن القول بالاقتراع بالنسبة إلى الآثار غير الإرث.

تنبيه

ثمَّ إنّه من المعلوم و الواضح الجلي أنّ الزناء قد يكون بالنسبة إلى الرجل و المرأة، فيكونان زانيا و زانية، و الولد لا يرث من كلّ واحد منهما و يكون لغية من الطرفين.

و قد يكون الزناء من طرف واحد، و ذلك بأن يكون أحدهما متعمّدا ملتفتا، و الطرف الآخر مشتبها، فيرث الولد من المشتبه دون الزاني و الزانية.

و أمّا في غير الإرث فقد بيّنّا أنّه يلحق بهما بالنسبة إلى بعض الآثار، كحرمة نكاح المحارم حتّى في الزناء من الطرفين، بحيث يكونان باغ و بغيا، فضلا عن أن يكون من طرف واحد.

هذا هو الذي اخترناه.

و لكن ظاهر المشهور و بعض الروايات هو أنّ الشارع ألغى النسب في الزناء.

و لكن الالتزام بذلك مشكل جدّا، خصوصا بالنسبة إلى نكاح المحارم، كتزويج البنت من الزناء، و الأخت من الزناء.

و بناء على ما اخترناه فلو كان الولد الأكبر من الزناء لا يرث الحبوة، و لكن يجب عليه قضاء صلوات أبيه.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌4، ص: 49‌

هذا إذا كان الزناء من الطرفين، و أمّا إذا كان أحد الطرفين مشتبها، فيلحق الولد بالمشتبه قطعا، و يترتّب عليه جميع آثار النسب الصحيح. و الله هو العالم بحقائق الأمور و الأحكام.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا، و ظاهرا و باطنا.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

قبح عقاب بلا بیان

تحرير المجلة؛ ج‌1قسم‌1، ص: 19

أما [المادة 8] و هو أصل البراءة

فهو أصل أصيل مستقل و يبتني عليه كثير من الفروع الفقهية و هو و ان كان يتداخل مع الاستصحاب في كثير من موارده و لكن جهة النظر في كل واحد تختلف عن الآخر فان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل يقضي بلزوم الامتثال عند احتمال التكليف فيتجه البحث في ان قاعدة‌

تحرير المجلة، ج‌1قسم‌1، ص: 20‌

قبح العقاب بلا بيان و أمثالها مما دل على البراءة عقلا و شرعا هل تقتضي الأمن من ضرر العقوبة أم لا في أبحاث ضافية مبسوطة في محلها من فن الأصول. أما ما ذكره في المتن من الإتلاف و الاختلاف في المقدار فاستصحاب براءة الذمة يغني عن أصل البراءة بل هو مقدم عليه كما حقق في محله و عند أهله‌

________________________________________
نجفى، كاشف الغطاء، محمد حسين بن على بن محمد رضا، تحرير المجلة، 5 جلد، المكتبة المرتضوية، نجف اشرف - عراق، اول، 1359 ه‍ ق

قرعه

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 339

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 339‌

العنوان الحادي عشر في قاعدة القرعة دليلا و موردا

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 340‌

عنوان 11 من جملة الأصول المتلقاة من الشريعة: إعمال القرعة في الأمور المشكلة. و تحقيق الكلام في معنى (المشكل) المراد هنا و ضبط موارده و تنقيح كلمة الأصحاب بحيث ينطبق على ضابطة و يقف على رابطة من المشكلات. فالذي ينبغي هنا البحث عن جميع ذلك، مضافا إلى أحكام لاحقة لنفس القرعة موضوعا و حكما. فنقول: لا كلام في مشروعية القرعة في الجملة، و‌

يدل على ذلك ضروب من الأدلة

نشير إليها على سبيل الإجمال‌

أحدها: قوله تعالى في أحوال يونس النبي على نبينا و عليه السلام- فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «1».

و قد ورد في الأخبار الاحتجاج من «2» الأئمة على شرعية القرعة بهذه الآية «3» و من هنا يضعف المناقشة في الدلالة بحذافيرها. و المراد بالمساهمة: المقارعة، و المراد بكونه من المدحضين: صيرورته‌

______________________________
(1) الصّافات: 141.

(2) في «ن»: عن.

(3) مثل مرسل الفقيه، الآتي عن قريب، و موثّقة ابن مسكان و مرسلة ثعلبة بن ميمون، الآتيتان في ص: 344- 345.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 341‌

معلوما بالقرعة ممتازا عن غيره. و أصل الدحض: الزلق، و الإدحاض: الإزالة و الإبطال. و أصل المعنى: صار من المقروعين المغلوبين المقهورين، كما في المجمع «1». و صورة الواقعة كما في الخبر: أنه عليه السلام لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله عز و جل به، فركب في السفينة، فوقفت السفينة، فقالوا: هنا عبد آبق من مولاه، فأقرعوا، فخرجت القرعة على يونس! فرمى بنفسه في الماء فالتقمه الحوت «2».

و ثانيها: الأخبار القريبة من التواتر، بل هي على حد التواتر

. منها: رواية محمد بن حكيم المروي «3» في الفقيه و التهذيب عن الكاظم عليه السلام: كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: إن القرعة تخطئ و تصيب، فقال: كل ما حكم الله به فليس بمخطئ «4». و منها: المرسل في الفقيه-: ما تقارع قوم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج لهم «5» المحق. و قال: أي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله! و ذكر الآية «6». و منها: مرسلة داود بن أبي يزيد في الكافي و التهذيب في تعارض البينتين في امرأة و اعتدالهما: يقرع بين الشهود، فمن خرج سهمه فهو المحق و هو أولى بهاء «7»

______________________________
(1) مجمع البحرين 4: 205.

(2) انظر البحار 14: 379، باب قصص يونس و أبيه متى.

(3) كذا في النسخ، و المناسب: المرويّة.

(4) الفقيه 3: 92، باب الحكم بالقرعة، ح 3389؛ التهذيب 6: 240، باب البيّنتين يتقابلان. ح 24.

(5) في المصدر: سهم المحقّ.

(6) الفقيه 3: 92، ح 3390- 3391.

(7) الكافي 7: 420، ح 2؛ التهذيب 6: 235، ح 10.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 342‌

و منها: رواية زرارة المذكورة فيهما في تعارض البينتين في مقدار الوديعة الخاصة، عن الباقر عليه السلام أنه قال: أقرع بينهم «1». و منها: موثقة سماعة المروية في الفقيه و التهذيبين في تعارض البينتين في الدابة و فيها: أن عليا أقرع بينهما بسهمين «2». و منها: رواية ابن سنان في التهذيبين مثله «3». و منها: صحيحة الحلبي في التهذيبين في البينتين أيضا: يقرع بينهم، فأيهم قرع فعليه اليمين، و هو أولى بالقضاء «4». و صحيحة داود بن سرحان مثله «5». و صحيحة البصري في الكتب الأربعة كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء و عددهم سواء أقرع بينهم على أيهم يصير اليمين. قال: و كان يقول: (اللهم رب السموات السبع، أيهم كان الحق له فأده إليه) ثم يجعل الحق للذي يصير عليه [اليمين] إذا حلف «6». و منها: صحيحة ابن مسلم في التهذيب و الفقيه عن الباقر عليه السلام في الرجل يوصي بعتق ثلث مماليكه: كان علي عليه السلام يسهم بينهم «7». و رواية أبي حمزة في رجل أوصى إلى ولده بعتق غلام له و توريث الأخر مثل نصيب الولد مع عدم امتيازهما: أن الصادق عليه السلام أقرع بينهما و حكم بما أخرجته «8»

______________________________
(1) الكافي 7: 420، ح 1؛ التهذيب 6: 235، ح 9.

(2) الفقيه 3: 93، ح 3393؛ التهذيب 6: 334، ح 7؛ الاستبصار 3: 40، ح 7.

(3) التهذيب 6: 236، ح 3؛ الاستبصار 3: 41 ح 12.

(4) التهذيب 6: 235، ح 8؛ الاستبصار 3: 40، ح 8، و فيهما: و هو أولى بالحقّ.

(5) التهذيب 6: 233، ح 3؛ الاستبصار 3: 39، ح 3.

(6) الكافي 7: 419، ح 3؛ الفقيه 3: 94، ح 3397؛ التهذيب 6: 233، ح 2؛ الاستبصار 3: 39، ح 2.

(7) الفقيه 3: 94، ح 3396؛ التهذيب 6: 240، ح 21.

(8) التهذيب 9: 171، باب الإقرار في المرض، ح 46.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 343‌

و منها: رواية الحسين بن المختار المروي «1» في الكافي و الفقيه و التهذيب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة، ما تقول في بيت سقط على قوم و بقي منهم صبيان: أحدهما حر و الآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من المملوك؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا و نصف ذاك و يقسم المال بينهما، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس كذلك، و لكنه يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة فهو و الحر، و يعتق هذا و يجعل مولى له «2». و منها: صحيحة حريز المروية في التهذيب «3» عن أحدهما عليهما السلام. و صحيحة حماد بن عيسى المروية في الكافي «4» كذلك. و مرسلة حريز المروية في التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام في قضاء علي باليمن في قوم انهدمت عليهم دار لهم فبقي منهم صبيان: أحدهما مملوك و الآخر حر، فأسهم بينهما، فخرج السهم على أحدهما، فجعل المال له و أعتق الأخر «5». و منها: موثقة محمد بن مسلم المروية في التهذيب عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: أمة و حرة سقط عليهما البيت و قد ولدتا، فماتت الأمان و بقي الابنان كيف يورثان؟ قال: فقال: يسهم عليهما ثلاث ولاء يعني ثلاث مرات فأيهما أصابه السهم ورث [من] الأخر «6». و منها: روايته المروية في التهذيب كذلك «7». و منها: رواية العباس بن هلال المروية في التهذيب عن الرضا عليه السلام في‌

______________________________
(1) كذا في النسخ، و المناسب: المرويّة.

(2) الكافي 7: 138، باب ميراث الغرقى، ح 7؛ الفقيه 4: 308، باب ميراث الغرقى، ح 5660؛ التهذيب 9: 361، باب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم، ح 10.

(3) التهذيب 9: 362، ح 12.

(4) الكافي 7: 137، ح 4.

(5) التهذيب 6: 239، باب البيّنتين يتقابلان. ح 18.

(6) التهذيب 9: 362، باب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم، ح 11.

(7) المصدر: 363، ح 17.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 344‌

سؤال محمد بن علي عليهما السلام عن ابن أبي ليلى و ابن شبرمة عما يقضيان به إذا فقد الكتاب و السنة، و قولهما: نجتهد رأينا، فقال عليه السلام: رأيكما أنتما! فما تقو لأن في امرأة و جارية كانتا ترضعان صبيين في بيت فسقط عليهما، فماتتا و سلم الصبيان؟ فقالا: القافة [قال: القافة] «1» تلحقهما بهما «2» قالا: فأخبرنا «3» قال: لا. قال ابن داود مولى له: جعلت فداك! بلغني أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ما من قوم فوضوا أمرهم إلى الله عز و جل و ألقوا سهامهم إلا خرج السهم الأصوب) فسكت «4». قيل: القافة: جمع القائف، و هو الذي يحكم في النسب بالقيافة «5». و اللغة تشهد بذلك «6». و صحيحة الفضيل بن يسار المروية في الكافي و التهذيب و روايته المروية في التهذيب و الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام في مولود ليس له ما للرجال و ما للنساء، قال: يقرع الإمام أو المقرع، يكتب على سهم (عبد الله) و على سهم (أمة الله) ثم يقول الإمام أو المقرع: (اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، عالم الغيب و الشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، فبين لنا أمر هذا المولود، كيف يورث ما فرضت له في الكتاب) ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة، ثم تجال السهام على ما خرج ورث عليه «7». و منها: مرسلة ثعلبة المروية في الكافي و التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن مولود ليس بذكر و لا أنثى ليس له الا دبر كيف يورث قال؟

______________________________
(1) لم يرد في «ن، ف».

(2) كذا في النسخ، لكن في التهذيب و الوسائل: القافة يتجهّم منه لهما.

(3) كذا في «م» و المصدر، و في «ن»: قالا: قد خربنا، و في «ف»: قد خبرنا، و في نسخة اخرى: قد ضربنا.

(4) التهذيب 9: 363، ح 18.

(5) في «م» زيادة: قلت.

(6) انظر مجمع البحرين 5: 110- قوف.

(7) الكافي 7: 158، ح 2؛ التهذيب 9: 356، باب ميراث الخنثى و. ح 7. الفقيه 4: 329، باب ميراث الخنثى، ح 5705؛ التهذيب 6: 239، باب البينتين يتقابلان. ح 19.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 345‌

يجلس الأمام و يجلس عنده ناس من المسلمين، فيدعون الله، و تجال السهام عليه أي ميراث يورثه، أ ميراث الذكر أو ميراث الأنثى؟ فأي ذلك خرج عليه ورثه. ثم قال: و أي قضية أعدل من قضية تجال عليه؟ و ذكر الآية قال: و ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا و له أصل في كتاب الله، و لكن لا تبلغه عقول الرجال «1». و منها: موثقة ابن مسكان المروية في التهذيب مثل المرسلة، إلى آخر الآية «2». و رواية إسحاق في التهذيب مثل ذلك «3» و رواية السكوني في الكافي كذلك «4». و منها: صحيحة الحلبي في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع العبد و الحر و المشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد أقرع بينهم، و كان الولد للذي يخرج سهمه «5». و صحيحة محمد بن مسلم و الحلبي في الكافي مثل ذلك «6». و منها: ما في صحيحة أبي بصير المروية في كتب الأخبار أنه لما أخبر علي عليه السلام بعد قدومه من اليمن بأنه أسهم بين قوم اليمن بأنه أسهم بين قوم ادعوا ولدا وطئوا أمة في طهر واحد، قال النبي صلى الله عليه و آله: ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله عز و جل إلا خرج سهم المحق «7». و مثله مرسلة عاصم، المروية في التهذيبين «8». و منها: صحيحة معاوية بن عمار المروية في الفقيه و التهذيب عن أبي‌

______________________________
(1) الكافي 7: 158، ح 3، التهذيب 9: 357، ح 9.

(2) التهذيب 9: 357، ح 10.

(3) التهذيب 9: 356، ح 8.

(4) لم نقف في الكافي على رواية للسكوني كذلك، بل رواه عن «إسحاق الفزاري»- مثل التهذيب، إلّا أنّ فيه «المرادي» بدل «الفزاري»- انظر الكافي 7: 157، ح 1.

(5) التهذيب 6: 240، باب البيّنتين يتقابلان. ح 26.

(6) الكافي 5: 490.

(7) الفقيه 3: 94، باب الحكم بالقرعة، ح 3399.

(8) التهذيب 6: 238، ح 16؛ الاستبصار 3: 369، باب القوم يتبايعون الجارية. ح 6، رواه مسندا.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 346‌

عبد الله عليه السلام قال: إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فأدعوه جميعا أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده «1». و منها: صحيحة سليمان بن خالد المروية في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قبل أن يظهر الإسلام فأقرع بينهم و جعل الولد لمن قرع، و جعل عليه ثلثي الدية للآخرين، فضحك رسول الله صلى الله عليه و آله حتى بدت نواجذه. قال: و ما أعلم فيها شيئا إلا ما قضى علي عليه السلام «2». و منها: صحيحة الحلبي، عن الصادق عليه السلام قال: إذا وقع المسلم و اليهودي و النصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم، و كان الولد للذي قضته القرعة «3». و منها: رواية سيابة و إبراهيم بن عمر في التهذيب في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث ثلاثة، قال: يقرع بينهم، فمن أصابته القرعة أعتق. قال: و القرعة سنة «4». و صحيحة الحلبي فيمن قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم، و يعتق الذي خرج سهمه «5». و رواية [محمد بن] مروان في التهذيب و الكافي عن أبي عبد الله «6» قال: إن أبا جعفر عليه السلام مات و ترك ستين غلاما و أعتق ثلثهم، فأقرعت بينهم، فأعتقت عشرين «7».

______________________________
(1) الفقيه 3: 92، ح 3392؛ التهذيب 8: 169، باب لحوق الأولاد بالآباء، ح 14.

(2) التهذيب 8: 169، ح 15.

(3) التهذيب 9: 348، باب ميراث ابن الملاعنة، ح 33، و فيه: للّذي تصيبه القرعة.

(4) التهذيب 6: 239، باب البيّنتين يتقابلان. ح 20.

(5) الفقيه 3: 94، باب الحكم بالقرعة، ح 3395.

(6) في المصدرين: عن الشيخ.

(7) الكافي 7: 18، باب من أوصى بعتق. ح 11؛ التهذيب 6: 240، باب البيّنتين يتقابلان. ح 22، باختلاف في بعض الألفاظ.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 347‌

و منها: روايته أيضا، عنه عليه السلام مثله «1». و نحوهما رواية أخرى في التهذيب «2». و منها: صحيحة محمد بن عيسى في التهذيب عن الرجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال: إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها «3». و منها: رواية يونس المروية في الكافي في رجل قال لمماليكه: أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر، و علمه واحد منهم، ثم مات المولى و لم يدر أيهم الذي علمه الآية، هل يستخرج بالقرعة؟ قال: نعم، و لا يجوز أن يستخرجه أحد إلا الإمام، فإن له كلاما وقت القرعة «4» و دعاء لا يعلمه سواه و لا يقتدر عليه غيره «5». و منها: مرسلة حماد المروية في التهذيب عن أحدهما عليهما السلام قال: القرعة لا تكون إلا للإمام «6».

و منها: ما روي أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد في مرض موته و لا مال له غيره، فلما رفعت القضية إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قسمهم بالتعديل و أقرع بينهم، و أعتق اثنين بالقرعة «7». و روى: أن النبي صلى الله عليه و آله أقرع بالكتابة على الرقاع «8».

______________________________
(1) انظر الفقيه 4: 215، باب الوصية بالعتق. ح 5503.

(2) لعلّ مراده ما رواه في التهذيب 6: 240، ح 21.

(3) التهذيب 9: 43، باب الصيد و الزكاة، ح 182.

(4) في المصدر: فانّ له كلام وقت القرعة يقوله.

(5) الكافي 6: 197، كتاب العتق و التدبير، ح 14.

(6) التهذيب 6: 240، باب البيّنتين يتقابلان. ح 23.

(7) نقله السيّد ابن طاوس قدّس سرّه عن حلية أبي نعيم، انظر الأمان: 83.

(8) لم نعثر عليها؛ و قد نقلها المحقق النراقي قدّس سرّه و لم يذكر مأخذها، انظر عوائد الأيّام: 226.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 348‌

و روى أيضا: أنه أقرع في بعض الغنائم بالبعرة «1» و أنه أقرع مرة أخرى بالنوى «2». و منها: صحيحة جميل في التهذيب قال: قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة أ ليس حقا؟ فقال زرارة: بل هي حق، فقال الطيار: أ ليس قد ورد «3» أنه يخرج سهم المحق؟ قال: بلى، قال: فقال: تعال حتى أدعي أنا و أنت شيئا، ثم نساهم عليه و ننظر هكذا هو! فقال زرارة: إنما جاء الحديث بأنه (ليس قوم فوضوا أمرهم إلى الله تعالى ثم أقرعوا إلا خرج سهم المحق) فأما على التجارب فلم يوضع على التجارب، فقال الطيار: أ رأيت إن كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان كذلك جعل «4» سهم مبيح، فإن كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح «5». و منها: رواية أبي بصير المروية في الكافي و التهذيب في قضية شاب خرج أبوه مع جماعة، ثم جاؤا و شهدوا بموته في جملة قضايا أمير المؤمنين عليه السلام و اختلف الفتى و القوم في مقدار المال، فأخذ علي عليه السلام خاتمه و خواتيم من عنده، ثم قال: أجيلو بهذه السهام، فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه، لأنه سهم الله، و سهم الله لا يخيب «6». و منها: رواية أصبغ بن نباتة المروية في الكافي في قضية الشاب و هي مثل السابقة «7».

و ثالثها الإجماعات المنقولة على مشروعيتها «8» في الجملة.

______________________________
(1) لم نعثر عليهما، و قد نقلهما المحقق النراقي و لم يذكر مأخذهما، انظر عوائد الأيّام: 226.

(2) لم نعثر عليهما، و قد نقلهما المحقق النراقي و لم يذكر مأخذهما، انظر عوائد الأيّام: 226.

(3) في المصدر: روَوا.

(4) في المصدر: إذا كان ذلك جعل معه.

(5) التهذيب 6: 238، باب البيّنتين يتقابلان. ح 15.

(6) الكافي 7: 371، كتاب الديات باب النوادر، ح 8؛ التهذيب 6: 316، باب الزيادات في القضايا و الأحكام، ح 82.

(7) الكافي 7: 373، ح 9.

(8) في النسخ: مشروعيّته، و المناسب ما أثبتناه، كما في نسخة بدل «م».

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 349‌

فعن شيخنا أبي جعفر الطوسي: القرعة في تداعي الرجلين في ولد من مقتضيات مذهبنا. «1» و عن الخلاف: الإجماع ظاهرا على أن كل أمر مجهول فيه القرعة. و قال في مسألة تقديم الأسبق ورودا من المدعيين كما حكي عنه-: إن القرعة مذهبنا في كل أمر مجهول «2». و في قواعد شيخنا الشهيد قدس سره: ثبت عندنا قولهم: كل أمر مجهول فيه القرعة «3». و هو ظاهر في الإجماع. و عن بعض المتأخرين إسناد (أن القرعة في كل أمر مجهول) إلى رواية أصحابنا «4».

و رابعها: الإجماع المحصل

من تتبع الفتاوى، بحيث لا يبقى فيه شك للفقيه في كون العمل بالقرعة من الأصول الشرعية في المجهولات في الجملة، بل مطلقا. و لنذكر الموارد التي عملوا فيها بالقرعة باتفاق منهم أو خلاف، حتى ينكشف «5» الأمر غاية الانكشاف. فنقول: عمل بها الأصحاب في أئمة الجماعة مع عدم المرجح، و في اشتباه القبلة عند ابن طاوس «6» و في قصور المال عن الحجتين الإسلامية و النذرية و في إخراج الواحد من المحرمين للحج نيابة، و في اختلاف الموتى في الجهاد، و في تزاحم الطلبة عند المدرس و المستفتي أو المترافعين إلى المجتهد مع عدم السابق، و في القسمة، و في التزاحم على مباح أو مشترك كمعدن و رباط مع‌

______________________________
(1) المبسوط 8: 306، كتاب الدعاوي و البيّنات.

(2) الخلاف 3: 319، آداب القضاء، المسألة 32.

(3) القواعد و الفوائد 2: 183، القاعدة 213.

(4) نقله المحقق النراقي قدّس سرّه عن بعض متأخّري المتأخّرين و لم يصرّح باسمه أيضا، انظر عوائد الأيّام: 227.

(5) في «ن، ف»: يتّضح.

(6) الأمان من إخطار الأسفار و الأزمان: 81.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 350‌

عدم قبوله القسمة، و في المأذونين في شراء كل منهما صاحبه، و في صورة تساوي بينتي الخارجين، و في تلف واحد من دراهم أحدهما لواحد و الباقي للاخر وديعة، و في تنازع صاحب العلو و السفل في السقف المتوسط و في الخزانة تحت الدرج، و في بينتي المتزارعين إذا تعارضتا في المدة و الحصة، و في الوصية بالمشترك اللفظي، و بالثلث من العبيد أو العدد المبهم، و في الوصية بما لا يسعه الثلث مع العلم بالترتيب و الشك في السابق أو مع الشك في السبق و الاقتران، و في ابتداء قسمة الزوجات، و في حق الحضانة، و في عوز النفقة على المنفق عليهم، و في إخراج المطلقة، و في إخراج المشتبه مطلقا أو إذا مات و لم يعين، و في إخراج المنذور عتقه بقوله: (أول ما تلده) فولدت جماعة، و في إخراج مقدار الثلث مع تعدد المدبر، و في المتداعيين في الالتقاط أو في بنوة اللقيط، أو في الإقرار، و في تساوي البينتين في اللقطة، و في اشتباه موطوء الإنسان، و في تعدد السيف و المصحف في الحبوة، و في ميراث الخامسة مع المشتبهة بالمطلقة، و في ميراث الخنثى في قول و من ليس له فرج على الأشهر، و غير ذلك مما يطلع عليه المتتبع.

و لا يبقى مع ذلك شك في كونها متفقا عليه في الجملة، و إنما البحث في عموم حجيتها و ضبط موردها.

فنقول: الذي يدل على حجيتها بعنوان العموم في كل مجهول الإجماع المنقول عن الشيخ في الخلاف «1» و عن الشهيد في القواعد «2» و رواية ابن حكيم السابقة الدالة على أن القرعة لكل مجهول «3» و مرسلة الفقيه: (ما تقارع قوم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق «4» و مثله رواية ابن هلال السابقة «5» و صحيحة‌

______________________________
(1) الخلاف 3: 356، كتاب الدعاوي و البيّنات، المسألة 10.

(2) القواعد و الفوائد 2: 183، القاعدة 213.

(3) تقدمت في ص: 341.

(4) تقدمت في ص: 341.

(5) تقدمت في ص: 343.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 351‌

أبي بصير «1» و مرسلة عاصم «2» و جواب زرارة للطيار في صحيحة جميل «3». فإن ظاهر ذلك كله: أن كل مقام فرض فيه اختلاف في شي‌ء إذا أقرع فيه فعلى الله أن يبين فيه الواقع و يحكم بالعدل، إذ لا يكون اختلاف بين اثنين إلا و يكون هناك مبطل و محق لا محالة و إن كان خارجا عن هذين الاثنين، و الغرض وجود المحق و المبطل في الجملة لا في خصوص المتنازعين. فإذا تحقق وجودهما، فمقتضى الرواية: كون القرعة مبينة لذلك و مميزة بين الحق و الباطل بجعل الحكيم على الإطلاق، و كل ما هو كذلك فهو حجة. و يدلُّ على ذلك ما ينقلونه بطرق العامة: (أن القرعة لكل أمر مشتبه «4» كما في رواية، أو (لكل أمر مشكل) كما في أخرى «5». و يكفي في إثبات حجية هذه العمومات تلقي الأصحاب لها بالقبول، و تمسكهم بها في هذه الموارد التي عددناها لك و إن كان كثيرا منها غير خال عن النص الخاص. لكن الظاهر من تعليلاتهم كون هذه العمومات مظنونة الصدور بل مقطوعا بها في الجملة من الشارع، و هذا يكفي في حجيتها و إن ضعف السند بحسب رجاله أو إرساله. و يدلُّ على عموم حجيتها لكل مشتبه: أنه لو لم يكن القرعة فيه حجة لم يكن غيرها أيضا حجة قطعا، إذ الفرض أن الواقعة مشكلة، و معنى الأشكال: عدم وجود مخرج شرعي و سبيل لذلك كما نوضح ذلك إن شاء الله تعالى و اللازم من ذلك تعطيل الحكم في موارد الاشتباه التي نعمل فيها بالقرعة، و هو مستلزم للهرج و المرج الواضحين المنافيين لحكمة الشارع، فلا بد في ذلك من سبيل واضح،

______________________________
(1) تقدمت في ص: 345.

(2) تقدمت في ص: 345.

(3) تقدمت في ص: 348.

(4) لم نظفر عليه، و الظاهر عدم ورود عنوان «المشتبه» في روايات الخاصّة و العامّة.

(5) لم نظفر عليه أيضا، إلّا أنّ البخاري عبّر به في عنوان بابها؛ قال: «القرعة في المشكلات» انظر صحيح البخاري 3: 237.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 352‌

و ليس إلا القرعة. مضافا إلى أن استقراء موارد النصوص المذكورة سابقا و غيرها مما يقف عليها المتتبع يرشد إلى أن الوجه في ذلك كله لزوم الأشكال و عدم وجود مخلص في ذلك، و أنه العلة في إعمال القرعة، و أنه لولاها لزم تعطيل الأحكام فيما لا يمكن فيه التعطيل. و لذلك قدم في الروايات كل ما يمكن أن يكون طريقا لبيان الحكم كما في الخنثى و نظائره فالقرعة إنما هي بعد انسداد طريق الأمر المجهول و عروض الأشكال و الاشتباه، و بعد ذلك لا يتفاوت الأمر بين المنصوص و غيره، إلحاقا للمشكوك بالغالب، أو ادعاء لتنقيح المناط بينه و بين ما ورد فيه النص. و الحاصل: أن المسألة لا إشكال فيها في نظر الفقيه، و إنما الغرض تخريج الوجوه حتى لا يتخيل كونها من دون ضابطة. و إذا عرفت عموم حجيتها في كل أمر مشتبه فلا بد من بيان المراد من ذلك حتى يجعل معيارا في المقام، ثم بعد ذلك نعود إلى ما ذكروه من خروج بعض الموارد عنها و عدم كونها على عمومها. و نبين: أنه هل هو تخصيص للقاعدة أو اختصاص من أول الأمر؟...مراجعه شود

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

کل شیء لا یعلم الا من قبل مدعیه یقبل قوله فیه

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 617

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 617‌

العنوان التاسع و السبعون كل شي‌ء لا يعلم إلا من قبل مدعيه يسمع قوله فيه

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 618‌

عنوان 79 مقتضى القاعدة عدم سماع قول المدعي إلا بالبينة، و لكن هنا قاعدة أخرى، و هي: (أن كل شي‌ء لا يعلم إلا من قبل المدعي يقبل قوله فيه)، و قد مر كثير من أمثلة هذا الباب في العنوان السابق الذي ذكرنا فيه موارد سماع قول المدعي مع اليمين، فإن أغلبها فيما لا يعلم إلا من قبله. و من هذا الباب: قول مدعي أداء الزكاة و الخمس و نحوهما، و مدعي اختلال شرائط الوجوب على أحد الوجهين. و من هذا الباب أيضا: سماع قول الزوجة المستطيعة إلى الحج بحسب المال في دعوى عدم الخوف عليها و ظنها السلامة مع دعوى الزوج الخوف عليها، فإن ذلك شي‌ء لا يعلم إلا من قبل الزوجة نفسها، لأن الخوف أمر نفساني. و من هذا الباب أيضا: سماع دعوى مجيز النكاح بعد موت الطرف الأخر في صغيرين أو كبيرين أو ملفقين: أنه ما دعاه إلى الإجازة الطمع في الميراث، كما ورد في النص «1». و كذلك دعوى إرادة الزوجة جنسا في فدية الخلع كما ذكروه في بابه، و سماع قول المطلق في عدم القصد في الطلاق الرجعي، و يجي‌ء توضيح ذلك. و كذلك سماع قول النساء في الطهر و الحيض، و في العدة، و وجود البعل و عدمه. و دعوى الصغير الاحتلام، أو الأسير استعجال الشعر على‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 17: 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 619‌

العانة بالدواء حتى يسلم من القتل، و نظائر ذلك مما يطلع عليه المتتبع.

و الوجه في قبول قول المدعي هنا من دون بينة أمور:

أحدها: ظهور الإجماع القطعي من الأصحاب على ذلك

، فإنهم في هذه المقامات يحكمون بسماع قوله مع يمينه، بحيث يستفاد منهم كون ذلك من المسلمات المتفق عليها، لعدم النكير منهم في ذلك. و تعليلهم بأنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبله، يرشد إلى أن القاعدة مجمع عليها عندهم، كما ذكرناه في العنوان، فلا يرد البحث بعدم ثمرة الإجماع في مورد الشك، أو عدم إمكان التخصيص، كما ذكرناه في البحث السابق. و فتواهم بذلك مع تعليلهم به أقوى حجة على ذلك، فإنه مع كونه دليلا برأسه كاشف عن وجود دليل آخر كذلك.

و ثانيها: ما علل به في مثل دعوى الغاصب أو غيره

من أصحاب أيدي الضمان أو غيره «1» التلف، فإنه يقبل قوله، للزوم تخليده الحبس لو لم يسمع قوله حيث لا يتمكن من الإثبات، و لعله في الواقع صادق. و هذا التعليل ينطبق على كثير من الموارد، و لا فرق بينها و بين غيرها، لعدم القول بالفصل أصلا.

و ثالثها: أن ظاهر قوانين الشرع كون كل شي‌ء فيه مخرج من الشرع

، و إلا فوجود شي‌ء من التنازعات لا مخرج له شرعا و لا مخلص غير معلوم، كيف! و الشرع مبني على قطع الخصومات وطي الحكومات، فإذا كان المدعى يدعي شيئا لا يمكن فيه الإثبات بالبينة، فإذا بنينا أنه لا يسمع قوله أيضا إلا أن يثبت و هو غير مخرج و لا مخرج غير ذلك لزم العجز عن قطع الخصومة و بقاء التشاجر، و ينافيه وضع الشرع، و ليس الدافع إلا سماع القول مع اليمين، كما لا يخفى على من تدبر، و إن احتمل غيره في بادئ النظر.

و رابعها: ملاحظة الاستقراء و التتبع في أغلب هذه الموارد

، فإنه مورد نص أو إجماع غالبا، و المشكوك فيه يلحق بذلك أيضا.

______________________________
(1) كذا، و الظاهر كون «أو غيره» زائدا.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 620‌

و خامسها: دعوى تنقيح المناط و عدم الفرق بين ما دل فيه النص على السماع

كما في حسنة زرارة في باب كون الحيض و العدة للنساء متى ادعت صدقت «1»، و بين غيره، إذ نحن نعلم أنه أن العلة ليس إلا عدم إمكان الاطلاع حتى يمكن الإثبات بالبينة، و هو موجود في غير مورد النص، و الفارق ملغى.

و سادسها: ما ورد صريحا في بعض روايات المسألة من التعليل بأنه لا يستطيع أن يشهد عليه

على ما رواه بعض مشايخنا المعاصرين «2» و إن لم أعثر عليه في كتب الأخبار لقلة التتبع، فإن هذا التعليل بمنزله القضية الكلية في سماع قول المدعي في كل مقام لا يستطيع الأشهاد عليه، و هو الذي نعبر عنه بأنه (شي‌ء لا يعلم إلا من قبله). و وجه عدول الأصحاب عن هذه العبارة بتلك العبارة «3» أن ليس عدم استطاعة المدعي هو الداعي إلى قبول قوله، لأنه ربما تكون البينة غير موجودة من الأصل أو ميتة «4» أو نحو ذلك و لا يقبل فيه قوله، بل المراد: كون الدعوى مما لا يستطاع إقامة البينة عليها أصلا في حد ذاتها، و لذلك عبروا بأنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبله، فكيف يطلع عليه غيره؟ فتدبر.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

کل ما یوجب الکفارة فی الاحرام مشترط بالعمد

مختلف الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج‌4، ص: 176

مسألة: كلّ شي‌ء فعله المحرم ممّا يحرم عليه ناسيا أو جاهلا لم يكن عليه شي‌ء سوى الصيد

، فإنّه يجب فداؤه على الساهي و الجاهل.

و قال ابن أبي عقيل: و قد قيل: في الصيد انّ من قتله ناسيا فلا شي‌ء عليه «7».

لنا: عموم الآية و الأخبار.

احتج المخالف بقوله- عليه السلام-: «رفع عن أمتي الخطأ و النسيان» «8».

______________________________
(1) الخلاف: ج 2 ص 303 المسألة 90.

(2) النهاية و نكتها: ج 1 ص 500.

(3) المبسوط: ج 1 ص 353.

(4) السرائر: ج 1 ص 555.

(5) الجمل و العقود: ص 135 و 136، و عده من المتروكات المفروضة، نعم قال في المتروكات المكروهة:

و استعمال الأدهان الطيبة قبل الإحرام إذا كانت رائحتها تبقى إلى بعد الإحرام.

(6) السرائر: ج 1 ص 555.

(7) لم نعثر على كتابه.

(8) سنن ابن ماجه: ج 1 ص 659 ح 2045، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 59 ح 132، و فيهما: وضع عن أمتي.

مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، ج‌4، ص: 177‌

و الجواب: انّه مخصوص بما ذكرناه للإجماع. و لأنّ الحديث يقتضي رفع المؤاخذة، و نحن نقول بموجبة، و ليس فيه نفي وجوب الكفارة.

________________________________________
حلّى، علامه، حسن بن يوسف بن مطهر اسدى، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، 9 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، دوم، 1413 ه‍ ق

مائة قاعدة فقهية؛ ص: 219

مائة قاعدة فقهية، ص: 219‌

قاعدة كلّ ما يوجب الكفارة في الإحرام مشترط بالعمد

المعنى: معنى القاعدة هو أنّ المنهيّات التي توجب الكفارة حال الإحرام (كلبس المخيط و تغطية الرأس و الاستظلال و غيرها) إذا تحققت جهلا أو نسيانا لا تكون موجبة للكفارة.

المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:

1- الروايات الواردة في باب الإحرام.

منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تأكل من الصيد و أنت حرام، و إن كان أصابه محلّ، و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد «1». دلّت على أن كلّ ما يؤتى من المحرّمات حال الإحرام إذا لم يكن عن عمد لا يوجب الفدية (الكفارة) إلّا الصيد، فإنّه بواسطة الاستثناء الوارد في الصحيحة، غير مشترط بالعمد، و خارج عن مدلول القاعدة. و لا بأس به، لأنّه: ما من عام إلّا و قد خصّ.

______________________________
(1) الوسائل: ج 9 ص 226 باب 31 من أبواب كفارات الصيد ح 1.

مائة قاعدة فقهية، ص: 220‌

و بالتالي: فالمدرك الوحيد الكامل للقاعدة هو قوله عليه السّلام في الصحيحة: و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة، و به غنى و كفاية.

و منها صحيحة معاوية بن عمّار- الثانية في الباب- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: اعلم أنّه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته و أنت محرم جاهلا به، إذا كنت محرما في حجّك أو عمرتك إلّا الصيد، فإنّ عليك الفداء بجهالة كان أو عمد «1».

دلّت على مدلول القاعدة بتمامها و كمالها، فالدّلالة تامّة و يتمّ بها الاعتبار للقاعدة.

و هناك روايات كثيرة لا حاجة بذكر جميعها. كما قال المحقق صاحب الجواهر رحمه اللّٰه في محاولة ذلك الحكم: النصوص التي (تتواجد هناك) يمكن دعوى القطع بمضمونها، إن لم تكن متواترة اصطلاحا «2».

2- التسالم: قد تحقق التسالم على مدلول القاعدة فلا خلاف و لا إشكال فيه بينهم و الأمر متسالم عليه عندهم. كما قال شيخ الطائفة رحمه اللّٰه: فكلّ ما يفعل من ذلك (محظورات الإحرام) على وجه السهو لا يتعلّق به كفّارة، و لا فساد الحجّ إلّا الصيد خاصّة، فإنّه يلزمه فداؤه عامدا كان أو ساهيا، و ما عداه إذا فعله عامدا لزمته الكفارة، و إذا فعله ساهيا لم يلزمه شي‌ء «3». و الأمر كما أفاده.

و الحكم مفتى به عند الفقهاء، كما قال الامام الخميني رحمه اللّٰه في الفتوى: كلّ ما يوجب الكفارة لو وقع عن جهل بالحكم أو غفلة أو نسيان لا يبطل به حجّه و عمرته و لا شي‌ء عليه «4».

فرعان

الأوّل: قال المحقق الحلّي رحمه اللّٰه: لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر،

______________________________
(1) الوسائل: ج 9 ص 227 باب 31 من أبواب كفارات الصيد.

(2) جواهر الكلام: ج 18 ص 287.

(3) المبسوط: ج 1 ص 336.

(4) تحرير الوسيلة: ج 1 ص 402.

مائة قاعدة فقهية، ص: 221‌

حتى يكمل أفعال ما أحرم له. فلو أحرم متمتّعا و دخل مكة، و أحرم بالحج قبل التقصير ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء، و قيل: عليه دم، و حمله على الاستحباب أظهر «1».

الثاني: قال المحقق الحلّي رحمه اللّٰه: و تغطية الرأس: و في معناه الارتماس، و لو غطّى رأسه ناسيا، ألقى الغطاء واجبا، و جدّد التلبية استحبابا «2».

________________________________________
مصطفوى، سيد محمد كاظم، مائة قاعدة فقهية، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، چهارم، 1421 ه‍ ق

کلما امکن الصبی من افعال الحج یفعله

مائة قاعدة فقهية؛ ص: 209

مائة قاعدة فقهية، ص: 209‌

قاعدة كلّما أمكن الصبي من أفعال الحجّ يفعله

المعنى: معنى القاعدة هو أنّ الطّفل (غير المكلف)- إذا تشرّف في الحجّ بمساعدة وليّه- يأتي كلّما يتمكّن من مناسك الحجّ، و بالنسبة الى ما لا يتمكّن منه يأتيه وليّه من قبله، كما قال شيخ الطائفة رحمه اللّٰه: كلّما أمكن الصبيّ أن يفعله من أفعال الحجّ فعليه، و ما لم يمكنه فعلى وليّه أن ينوب عنه «1».

المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:

1- الروايات الواردة في باب الحج.

منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان، فقدّموه إلى الجحفة، أو الى بطن مر، و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه «2». دلّت على المطلوب دلالة تامّة.

و منها صحيحة زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام قال: إذا حجّ الرجل بابنه- و هو صغير- فإنّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحجّ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف‌

______________________________
(1) المبسوط: ج 1 ص 329.

(2) الوسائل: ج 8 ص 207 ح 3.

مائة قاعدة فقهية، ص: 210‌

به و يصلّى عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون، قال: يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار، و يتّقى عليهم ما يتّقي على المحرم من الثياب و الطيب، و إن قتل صيدا فعلى أبيه «1». دلت على مدلول القاعدة بتمامه و كماله. كما قال سيدنا الأستاذ رحمه اللّٰه:

المستفاد من النصوص إحداث هذه الأعمال (المناسك) و إيجادها في الصبي إذا كان ممن يتمكن أدائها، فإنّه يأمره أن يلبي و يلقّنه التلبية، فان لم يحسن أن يلبي لبىّ عنه، و كذلك الطواف يطاف به، و إن لم يكن متمكنا من الطواف، لعدم تمييزه يطاف عنه، كما في صحيحة زرارة (المتقدمة) فكلّ فعل من أفعال الحجّ إذا تمكّن من إتيانه يأمره بذلك، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكن «2». و ها هو مدلول القاعدة.

و قال السيد الحكيم رحمه اللّٰه: هذا الترتيب (كلّما يتمكن الصبي من المناسك يفعله، و كلّما لم يتمكن يفعله وليّه) استفادته من النصوص ظاهرة «3». و الأمر كما أفاده.

2- التسالم: قد تحقق التسالم على مدلول القاعدة فلا خلاف و لا اشكال فيه بينهم و الأمر متسالم عليه عندهم.

كما قال العلّامة رحمه اللّٰه: كل ما يتمكّن الصبي من فعله فعله، و غيره على وليّه أن ينوبه فيه «4». و الحكم مفتى به عند الفقهاء.

كما قال السيّد اليزدي رحمه اللّٰه في الفتوى: يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز بلا خلاف- إلى أن قال:- و يأمره بكلّ من أفعال الحجّ يتمكّن منه، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكّن «5».

______________________________
(1) الوسائل: ج 8 ص 208 ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 5.

(2) مستند العروة الوثقى: كتاب الحج، ج 1 ص 34.

(3) مستمسك العروة الوثقى: ج 10 ص 22.

(4) إيضاح الفوائد، شرح القواعد: ج 1 ص 264.

(5) العروة الوثقى: ص 426.

مائة قاعدة فقهية، ص: 211‌

فرعان

الأوّل: قال السيد اليزدي رحمه اللّٰه: لو حجّ الصبيّ عشر مرّات لم يجزه عنه حجة الإسلام، بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ و أدرك المشعر، فإنّه حينئذ يجزي عن حجّة الإسلام، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه «1».

الثاني: هل الحكم المستفاد من القاعدة يختص للصبي، أو يشمل الصبيّة أيضا؟ قال سيّدنا الأستاذ رحمه اللّٰه: أنّ المشهور لم يفرّقوا بين الصبي، و الصبيّة، و لكن صاحب المستند استشكل في الصبيّة، بدعوى اختصاص النصوص بالصبي، و إلحاق الصبيّة به يحتاج الى دليل و هو مفقود «2». و التحقيق: هو ما ذهب اليه المشهور؛ و ذلك أولا: يمكننا استفادة حكم الصبيّة من معتبرة يونس بن يعقوب- الواردة في الباب- التي صرّحت بلفظ الصبيّة «3». و ثانيا: الصبي بحسب متفاهم العرف يساوق الطفل أعم من الذكر و الأنثى، أضف الى ذلك، استناد الحكم إلى قاعدة الاشتراك.

______________________________
(1) العروة الوثقى: ص 426 و 427.

(2) مستند العروة الوثقى: كتاب الحج ج 1 ص 32.

(3) الوسائل: ج 8 ص 208 باب 17 من أقسام الحج ح 1.

________________________________________
مصطفوى، سيد محمد كاظم، مائة قاعدة فقهية، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، چهارم، 1421 ه‍ ق

کل ما کان له منفعه مقصوده محلله تصح اجارته

مائة قاعدة فقهية؛ ص: 215

مائة قاعدة فقهية، ص: 215‌

قاعدة كلّما كان له منفعة محلّلة مقصودة تصحّ إجارته

المعنى: معنى القاعدة هو أنّه يشترط في الإجارة (بيع المنفعة مع بقاء العين) كون المنفعة مباحة، و مطلوبة عند العقلاء، فلا يصحّ إجارة شي‌ء للانتفاع المحرم و لا يصحّ إجارة شي‌ء يكون له منفعة مباحة حقيرة.

المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:

1- التسالم: قال السيّد اليزديّ رحمه اللّٰه كإرسال المسلّم: كلّما يمكن الانتفاع به منفعة محللة مقصودة للعقلاء مع بقاء عينه يجوز إجارته، و كذا كلّ عمل محلّل مقصود للعقلاء عدا ما استثنى يجوز الإجارة عليه «1». و قال الشهيد الأول رحمه اللّٰه وفقا للمشهور: كلّما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه تصحّ إجارته- إلى أن قال:- و لا بدّ من كونها (المنفعة) مباحة فلو استأجره لتعليم كفر و غناء أو حمل مسكر بطل (العقد) «2». و قال المحقّق الحلّي رحمه اللّٰه من الشرائط: أن تكون المنفعة مباحة «3».

______________________________
(1) العروة الوثقى: كتاب الإجارة مسألة 20 ص 515.

(2) اللمعة الدمشقية: ج 4 ص 349.

(3) شرائع الإسلام: ج 2 ص 186.

مائة قاعدة فقهية، ص: 216‌

و قال المحقق صاحب الجواهر رحمه اللّٰه: (و) أمّا حرمة التكسب في (إجارة المساكن و السفن) و نحوها (للمحرمات.) مثلا على وجه يبطل العقد معها، فلا خلاف أجده فيها. مع التصريح بالشرطيّة أو الاتفاق عليها على وجه بنى العقد عليها، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى ظاهر الأصحاب، بل عن المنتهي دعوى الإجماع عليه، كما عن الخلاف و الغنية الإجماع على عدم صحة إجارة المسكن ليحرز فيه الخمر أو الدكان ليباع فيه «1». و قد حصل الإجماع على اشتراط الحلّية (القيد الأوّل).

و أمّا اشتراط المنفعة بالمقصودة (القيد الثاني) فهو أيضا يكون مورد التسالم، كما قال المحقق صاحب الجواهر رحمه اللّٰه عند بيان المكاسب المحرمة: النوع (الثالث ما لا ينتفع به) نفعا مجوزا للتكسب به على وجه يرفع السفه عن ذلك، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه «2». فأفاد أنّ التكسّب (البيع و الإجارة و غيرهما) لو لم يكن له منفعة مقصودة حرام بالإجماع.

2- المشروعية: قال المحقّق النائيني رحمه اللّٰه: أنّ اشتراط مملوكيّة المنفعة يغني عن هذا الشرط، فإن المنفعة المحرمة غير مملوكة «3». كما قال العلّامة رحمه اللّٰه: الشرط للمنفعة أن تكون محلّلة، (و لازمه أن) كل منفعة محرّمة لا يجوز عقد الإجارة فيها؛ لأنّها مطلوبة العدم في نظر الشرع، فلا يجوز عقد الإجارة على تحصيلها «4».

و بكلمة واضحة: المنفعة محدّدة بحدود محرّمة شرعيّة.

أضف الى ذلك أنّ دليل الإمضاء (أوفوا) لا يشمل الفعل المحرم، كما قال سيّدنا الأستاذ: و الصحيح في وجه الاشتراط أن يقال: أنّ أدلّة صحّة العقود و وجوب الوفاء بها قاصرة عن الشمول للمقام- إلى أن قال:- و على الجملة صحّة العقد ملازمة للوفاء بمقتضى قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم بطبيعة الحال، فأدلّة الوفاء و نفوذ العقد لا تعمّ المقام، و معه لا مناص من‌

______________________________
(1) جواهر الكلام: ج 22 ص 30.

(2) نفس المصدر السابق: ص 34.

(3) التعليقة على المكاسب: ص 14.

(4) تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 300.

مائة قاعدة فقهية، ص: 217‌

الحكم بالبطلان «1». و الأمر كما أفاده.

3- الروايات: منها معتبرة جابر الجعفيّ كما قال سيّدنا الأستاذ: و يدل عليه من الروايات ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد المؤمن عن صابر (جابر) قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه (فيها) الخمر قال: «حرام أجره» «2».

أمّا من حيث السند فالظاهر أنّها معتبرة إذ المذكور في الوسائل و إن كان (صابر) و لم يوثق، و لكن المذكور في موضع من التهذيب مع لفظة صابر كلمة (جابر) بعنوان النسخة و هو جابر الجعفيّ الذي أدرك الصادق عليه السّلام (و هو ثقة).،

و المذكور في موضع آخر من التهذيب و الاستبصار و كذا الكافي هو (جابر) من دون ضم صابر حتى بعنوان النسخة، فمن ثمّ يطمأن أنّ الراوي إنّما هو جابر.

و كيفما كان فلا شكّ أن الكافي أضبط سيّما مع اعتضاده بالاستبصار و بموضع من التهذيب.

و أمّا الدلالة، رويت في الكافي و الاستبصار هكذا (يؤجّر بيته يباع فيه الخمر) الظاهر في وقوع الإجارة لهذه الغاية و بعنوان المنفعة المحرّمة، و قد دلّت على الحرمة الملازمة للبطلان «3».

و لا يخفى أنّ هذه الرواية ذكرت في موضع آخر من التهذيب بلفظة (فيباع) و لكن بما أنّ نقل الكافي أضبط كان هو المتبع، فالدلالة تامة كما أنّ السند تام.

و تبيّن لنا أنّ مدلول الرواية إنّما هو اشتراط الحلّية (الجزء الأوّل). و أمّا اشتراط المنفعة بالمقصودة (الجزء الثاني) فيدل عليه- مضافا إلى الإجماع الذي نقله المحقق صاحب الجواهر رحمه اللّٰه- بطلان المعاملة مع السفه.

______________________________
(1) مستند العروة: كتاب الإجارة ص 46.

(2) الوسائل: ج 12 ص 126 باب 39 من أبواب ما يكتسب به ح 1.

(3) مستند العروة: كتاب الإجارة ص 47.

مائة قاعدة فقهية، ص: 218‌

و يمكن أن يستدل لإثبات الجزء الثاني بأمر آخر، و هو أنّ الإجارة تكون من المعاملات العقلائيّة التي يكون موضوعها منفعة مقصودة عند العقلاء حسب الارتكاز و الانصراف، و بدونها لا تتحقّق الإجارة العقلائيّة و إن تحققت الإجارة اللغويّة.

فرعان

الأوّل: قد يتوهم بأنّ الإجارة ربما تتواجد على النهج السفهائي و مع ذلك كانت صحيحة. كما إذا استأجر أحد سكنى الدار التي كانت محل تلمّذه بأجرة خطيرة، و ذلك لأجل الحبّ النفساني بالنسبة إلى ذلك المحل، فهذه الإجارة تكون سفهائية و مع ذلك تكون ممضاة عند العقلاء.

و التحقيق: أنّه لا أصل لهذا التوهم و ذلك لأنّ الأمر المعنوي (الحب) يكون من الأمور العقلائيّة في موارد خاصة، و يكون بذل المال تجاه الانتفاع المركب من الأمر المادي (السكنى) و المعنوي (الحب) عمل سائغ عند العقلاء، فلا تكون الإجارة سفهائية.

الثاني: لو شكّ في كون المنفعة أنّها مقصودة عند العقلاء، فهل تصح الإجارة في هذا الفرض أو لا؟ التحقيق عدم الجواز و ذلك؛ لأنّ القصد العقلائيّ يكون من قيود الموضوع فلا بد من إحرازه، و إلّا فلا يتحقق الموضوع للإجارة.

________________________________________
مصطفوى، سيد محمد كاظم، مائة قاعدة فقهية، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، چهارم، 1421 ه‍ ق

لا تعاد

مستقصى مدارك القواعد؛ ص: 207

السابعه لا تعاد الصلاة الا من خمسة

فصل و أصل هذا رواه ق باسناده عن زرارة عن ابي جعفر ع قال لا تعاد الصّلاة الا من خمسة الطهور و الوقت و القبله و الركوع و السجود ثم قال القراءة سنة و التشهد سنة و لا ينقض السنة الفريضة اه و ظ الحديث ان الاعادة لمكان ترك احد هذه الامور فلا ينبغي الاستدلال به على بطلان الصلاة بزيادة الركوع مطلقا و كذا بزيادة السجود مع ان تقدير‌

مستقصى مدارك القواعد، ص: 208‌

الزيادة لا ملائم الثلاثة الاولى كما لا يخفى و الحمل على الاعم خلاف الظاهر و كيف كان فالظاهر ان المراد به صورة السهو اذ ترك شي‌ء واجب من الصلاة او فيها اياما كان عمدا موجب لبطلانها فلا معنى للتخصيص بهذه الخمسة و لعل ترك النية و التكبيرة مع كون السهو عنهما أيضا موجبا للبطلان لندرة السهو عنهما سيّما الاولى فان النية من الضروريات العادية عند كل عمل حتى قيل ان التكليف بعمل بلا نية تكليف بما لا يطاق و التكبيرة اول الصلاة و قلما يقع السهو في اول العمل و في رواية الحلبي عن الصادق ع قال سألته عن رجل نسي ان يكبّر حتى دخل الصلاة فقال أ ليس كان من نية ان يكبر قلت نعم قال فليمض في صلاته اه فتدبر هذا مع ان العام يخصص بالدليل و الظاهر يصرف عنه به و ربما يعدل عن هذه القاعدة أيضا في مواضع اخرى مفصلة في الفقه المبسوط‌

________________________________________
كاشانى، ملا حبيب الله شريف، مستقصى مدارك القواعد، در يك جلد، چاپخانه علميه، قم - ايران، اول، 1404 ه‍ ق

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)؛ ج‌2، ص: 335

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 335‌

(6) قاعدۀ لا تعاد

لا تعاد الصلاة الا من خمس الطهور و القبلة و الوقت و الركوع و السجود‌

بحث در خلل صلات نسبت به مقتضاى قاعدۀ لا تعاد مى‌باشد يعنى اخلال به وقت، طهور، قبله، ركوع و سجود كه اجزاى ركنى مى‌باشند، موجب بطلان صلات و موجب اعادۀ صلات مى‌شود و اعادۀ صلات حكايت از بطلان صلات مى‌كند و خود قاعدۀ لا تعاد موضوع حكم نيست بلكه اعاده و ارشاد به بكن يا نكن حكم عقل است و ذكر لازم و ارادۀ ملزوم و كنايه و ارشاد به بطلان صلات يا عدم آن است.

اما خود قاعدۀ لا تعاد يك حكم شرعى و قابل تخصيص است. چهار ركن ديگر نيز داريم كه عبارتند از: 1- نيّت؛ 2- تكبيرة الاحرام؛ 3- قيام در حال تكبيرة الاحرام؛ 4- قيام متصل به ركوع. بنا بر اين نه جزء اركان محسوب مى‌شوند. قاعدۀ لا تعاد نيز به دو بخش تقسيم مى‌شود:

الف. وقت، طهور، قبله، ركوع و سجود؛

ب. نيّت، تكبيرة الاحرام، قيام در حال تكبيرة الاحرام و قيام متصل به ركوع.

قاعدۀ لا تعاد به طور تصديقى داراى دو عقد است:

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 336‌

الف. عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد (9 فقره دارد)؛

ب. عقد مستثنى منه لا تعاد (ساير اجزاى واجبات از قبيل تشهد، قنوت، يك سجده، جهر، اخفات، سلام، قرائت و ...).

اما قبل از ورود به بحث اجزاى قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى و عقد مستثنى منه، لازم است كه خلل در نماز را بيان كنيم.

1- گاه عمدى است كه منجر به زياده يا نقيصۀ جزئى يا شرطى مى‌گردد.

2- گاه جهلا واقع مى‌شود كه شامل جهل قصورى يا تقصيرى مى‌باشد.

3- گاه عن سهو و نسيان واقع مى‌شود.

و در همۀ اين موارد گاه با صناعت علمى و گاه با روايت بحث مى‌كنيم. آيا بايد در همۀ اين موارد قائل به بطلان صلات شويم يا قائل به تفصيل؟

1- اما خلل عمدى در نماز طبق صناعت علمى و قواعد و روايات، نماز را باطل مى‌كند. چه اين خلل به اجزاى ركنى باشد يا به اجزاى غير ركنى.

معناى جزئيت: وقتى ارادۀ تشريعى به يك مركب تعلق مى‌گيرد، اين مركب شامل يك سرى امورى است كه اگر آن شى‌ء قيدا و تقييدا تحت امر قرار بگيرد، اعتبار جزئيت مى‌شود و گاه تقييد به وجود مى‌كند يعنى ارادۀ تشريعى امر را تقييد به وجود مى‌كند مثلا لا صلات الّا بطهور و اين طبيعت صلات را وابسته به چيزى مى‌كند و طبيعت صلات به اين شى‌ء تقييد پيدا مى‌كند و اين به معناى اعتبار شرطيت است.

و گاه طبيعت به عدم آن شى‌ء تقييد پيدا مى‌كند مثلا لا تصلّ فى النجس، لا تصل فى ما لا يوكل لحمه و ... كه اين از ايقاع صلات در اين شى‌ء نهى مى‌كند پس طبيعت صلات به عدم اين شى‌ء تقييد دارد و لذا اعتبار مانعيت مى‌شود. يعنى لباس‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 337‌

غير مأكول اللحم براى صحت صلات مانع است و نجاست لباس و بدن مانع از صحت صلات مى‌باشد.

حالا اگر مصلى بيايد اخلال عمدى به جزء يا به شرط كند يا مانع را ايجاد نمايد، چه جزء ركنى باشد چه غير ركنى، اگر حكم به صحت صلات كنيم، تضاد بين ادلۀ جزئيت لازم مى‌آيد، چون در جزئيت گفتيم قيدا و تقييدا طبيعت امر روى آن آمده يعنى طبيعت مأمور بها بدون اين، طبيعت نيست.

و المركب كما أنه ينتفى به جميع اجزائه ينتفى به جزء واحد و نتيجه تابع اخسّ مقدمات است و مركب هم وقتى اثر و خاصيت دارد كه همۀ اجزاء و شرايط را داشته باشد و اگر يك جزء را نداشت، مركب درست نيست.

پس ادلۀ جزئيت مى‌گويد فاتحة الكتاب جزء است و اگر مكلف عمدا فاتحة الكتاب را نياورد مستلزم خلف مى‌شود و چرا كه اين جزء است. پس اخلال عمدى نسبت به اجزاء و شرايط و موانع موجب بطلان صلات مى‌شود و اما از نظر روايات نيز عمد را نمى‌گيرد «1».

روايت دوم: در كافى به اسناد از على بن مهزيار ... از امام صادق (ع) آمده: «من زاد فى صلاته فعليه الاعاده»، كسى كه در صلات زياده انجام دهد، پس بايد اعاده كند كه هم حالت عمد و جهل و نسيان را مى‌گيرد و قاعدۀ لا تعاد جهل و نسيان را در بر مى‌گيرد و اما عمد را نمى‌گيرد و مسلّما اين روايت شامل زيادى عمدى در نماز‌

______________________________
(1). حر عاملى، وسائل الشيعة، ج 5، ص 332.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 338‌

يعنى اخلال عمدى در نماز مى‌شود كه باعث اعاده مى‌گردد و اعاده ذكر لازم و ارادۀ ملزوم است يعنى نمازش باطل مى‌باشد.

روايت سوم: از امام صادق (ع): «سألته عن الرجل يصلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات قال (ع): ان استيقن انّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد».

اگر يقين پيدا كرد كه پنج يا شش ركعت خوانده پس بايد اعاده كند و در اين صورت عمد مى‌شود. پس مسأله در صورت عمد خيلى روشن است چه در اجزاى ركنى يا غير ركنى، طبق صناعت علمى و قواعد و روايات نماز باطل است.

2- اگر كسى جاهل باشد چه قصورى چه تقصيرى چگونه است؟

اين از قواعد مسلّم است كه احكام مشترك براى عالم و جاهل است. چون علم و جهل جزء انقسامات ثانويه طبيعت است. يعنى قانونگذار نمى‌تواند از ابتدا حكم را به عالمين مقيد كند چرا كه علم و جهل پديدۀ حكم هستند و متأخر از خود حكم مى‌باشند. يعنى از اول بايد حكمى از قانونگذار بيايد؛ بعد من يا عالم هستم يا جاهل، پس انقسامات ثانويۀ طبيعت نمى‌تواند مورد امر شارع مقدس قرار گيرد مگر امر دوم بيايد كه اين انقسامات ثانويه را با خود به همراه بياورد و اصطلاحا متمم الجعل و نتيجة التقييد گفته مى‌شود.

حال اگر امر آمد، نتيجۀ تقييد است و اگر امر دوم نيامد و ما بعد از جستجوى فراوان به اينجا رسيديم كه امكان داشت به امر دوم منجر شود اما نشد، پس نتيجة الاطلاق مى‌شود و دليل براى مشترك بودن حكم براى عالم و جاهل همين نتيجة الاطلاق مى‌باشد، متمم الجعل است يعنى شارع اين توان را داشت كه مشخص كند (حالا يا به اجماع يا با ...) صلات مورد نظرش بايد مقيد به علم باشد. اما نمى‌يابيم كه‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 339‌

شارع مقدس حكمش را مقيد به علم كرده باشد. يعنى نتيجة التقييد را نياورده پس مى‌توان به نتيجة الاطلاق تمسك كنيم.

نكتۀ قابل تذكر اينكه مسألۀ جزا غير از مسألۀ عقاب است. بعضيها خلط مى‌كنند و مى‌گويند جاهل قاصر است «لا يعاقب» و اين لا يعاقب در اينجا به اعتبار عقاب است؛ اما جاهل قاصر چرا لا يعاقب؟ چون قاعدۀ «الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا» در مورد او جارى نمى‌شود بلكه در جاهل مقصر جارى مى‌شود.

ما استحقاق عقوبت جاهل را بر اساس قاعدۀ الامتناع بالاختيار بيان مى‌كنيم. اما در مورد جاهل قاصر جارى نمى‌شود و قهرا لا يعاقب است پس جزا يك مسألۀ ديگرى مى‌باشد.

در مقام اثبات مشهور فقها فتوا داده‌اند كه قاعدۀ لا تعاد اختصاص به نسيان و اضطرار دارد اما در صورت جهل به حكم، به كلاقسميه (چه جهل قصورى چه تقصيرى) قاعدۀ لا تعاد جارى نمى‌شود و در صورت عمد نيز جارى نمى‌شود يعنى اخلال به اجزاء و شرايط غير ركنى موجب بطلان صلات است و بايد اعاده كرد چه در اجزاى ركنى و چه غير ركنى و مشهور فقها گفته‌اند: قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى منه فقط شامل نسيان و اضطرار مى‌شود و صورت عمد و جهل به كلاقسميه را در بر نمى‌گيرد و ممكن است به روايات استدلال كنند.

در روايات به بعضى از عمومات استدلال مى‌شود. صحيحۀ محمد بن مسلم عن احدهما (امام باقر (ع) يا امام صادق (ع)) «فان اللّه عز و جل فرض الركوع و السجود و القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا، أعاد الصلاة و من نسى فتمت صلاته و لا شي‌ء‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 340‌

عليه» «1» اينجا عمد را در مقابل نسيان گذاشته و جهل را ملحق به عمد كرده يعنى «من ترك القراءة عمدا و جهلا فعليه الاعاده و من نسى القراءة فقد تمت صلاته و لا شى‌ء عليه». پس نتيجۀ صحيحۀ محمد بن مسلم مى‌گويد كه قرائت جزء عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد است و اگر كسى به قرائت متعمدا يا جهلا (قصورى يا تقصيرى) اخلال كند موجب بطلان صلات مى‌شود و اعاده دارد. اما اگر نسيانا اخلال كرد، موجب بطلان و اعاده نيست.

مرحوم ميرزاى نائينى (قدس سره) مى‌فرمايد: قاعدۀ لا تعاد دو بخش دارد: 1- عقد مستثنى؛ 2- عقد مستثنى منه. اخلال در مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد يعنى اخلال در مستثنى منه موجب اعاده نمى‌شود. اما اخلال در عقد مستثنى يجب عليه الاعاده، چه وقت مى‌شود گفت كه عرفا اعاده نكن؟ در حالت نسيان چرا كه امر اول ساقط مى‌شود و اگر نسيان كرديد، معقول نيست كه امر اول باشد و حديث رفع؟ چند فقره دارد كه يك فقره لا تعلمون است و مادامى‌كه جهل هست عقاب نيست و مؤاخذه نمى‌شود (رفع) و در صورت نسيان امر صلاتى باقى نيست و اگر رفع نسيان شد بايد يك امر دوم بيايد و بگويد اعد و يا قضا كن و اگر امر دوم نيايد، امر اول ساقط شده لا تعاد مى‌گويد اعاده نكن و اين در جايى است كه امر اول نقض شود كه در حالت اضطرار يا نسيان است اما در حالت جهل (قصورى يا تقصيرى) امر ساقط نمى‌شود و همان داعويت امر اول مى‌گويد آن را بياور يعنى ديگر امر به اعد ندارد و لا تعاد ديگر معنا ندارد. بنا بر اين مرحوم ميرزاى نائينى مى‌گويد شامل جهل به كلاقسميه‌

______________________________
(1). همان، ج 4، باب 27 از ابواب قرائت در صلاة.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 341‌

(قصورى يا تقصيرى) نمى‌شود بلكه قاعدۀ لا تعاد اختصاص به نسيان و اضطرار دارد و مى‌فرمايد من با اين بيان حرف مشهور فقها را درست مى‌كنم كه گفته‌اند قاعدۀ لا تعاد اختصاص به حالت نسيان و اضطرار دارد و شامل جهل به كلاقسميه نمى‌شود.

جواب: مفهوم اعاده عبارت است از ثانى وجود هر شى‌ء و ثانى وجود هر شى‌ء اگر از حيث اجزاء و شرايط ناقص باشد، فرد دوم اكمل است. به طور كل در مورد جهل صدق مى‌كند كه در جاهل فرد اول كه آورده بود، دو جزء در آن نبود و حالا كه رفع جهل شده پس بايد فرد كامل را بياورد و فرد كامل اعادۀ فرد ناقص است و اعاده از همان طبيعت است و شاهد بر آن روايات موجود در اين زمينه است، پس فرمايش مرحوم ميرزاى نائينى مورد قبول نيست. مضافا مسألۀ لا تعاد و يعيد، اينها خودشان موضوع حكم نيست چرا كه شرع كارش اين نيست كه بگويد اعاده بكن يا نكن بلكه اين حكم عقل است؛ يعنى اگر امتثال كردى اعاده ندارد و اگر امتثال نكردى، اعاده كن و اينجا ارشاد به بطلان است كه شارع مقدس در بيان اين است كه اگر به عقد مستثنى اخلال كردى، نمازت باطل است و اگر اخلال به عقد مستثنى منه بود، نمازت باطل نيست و يعيد و لا تعيد حكم شرعى نيست بلكه ذكر لازم و ارادۀ ملزوم و از باب ارشاد به بطلان است.

شبهه‌اى در مورد جاهل قاصر: چرا در مورد جاهل قاصر كه قبح عقلى دارد بگوييم مكلف است؟ چون او هيچ تقصيرى نكرده و جهلش پديدۀ تقصير او نيست.

بلكه او مقهور الجهل است و چون جاهل قاصر نه علم اجمالى برايش آمده و نه علم برايش منجز شده و نه خطاب به تعلم داشته يعنى حكم عقل و حكم شرع به او نگفته‌اند كه برو و ياد بگير وَ «مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولًا» كه قاعدۀ قبح عقاب را بيان است (گرچه شيخ انصارى به تفصيل قائل هستند بين جاهل قاصر و مقصر كه‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 342‌

قاعدۀ لا تعاد را در مورد جاهل قاصر دون جاهل مقصر جارى مى‌كند)، در مورد جاهل مقصر قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا درست است كه عقاب براى امر اختيارى است. اما اين عقاب بر امر غير اختيارى نيست لذا قاعده مى‌گويد كه جاهل مقصر يعاقب اما براى جاهل قاصر هيچ‌گاه بيان نيامده است.

پس در جمع بين ادله و اينكه در روايات تصرف كنيم، اين است كه ادلۀ اجزاء و شرايط و موانع اطلاق دارد (نه به طور اطلاق خطابى بلكه به طور اطلاق مقامى) و نتيجة الاطلاق هم صورت جهل و هم صورت علم را در بر مى‌گيرد.

3- اما نسبت به حالت نسيان، اضطرار و خطا آنجا چون امر اول ساقط مى‌شود و بايد يك امر ديگرى بيايد و بگويد كامل آن را در وقت خود بياور (ادا يا قضا)، قاعدۀ لا تعاد آن را تخصيص و مطلقات را تقييد مى‌زند و لذا قاعدۀ لا تعاد فقط شامل ناسى، مضطر و خطا مى‌شود اما شامل جاهل نمى‌شود مگر در جاهل قاصر كه جاى شبهه‌اى است كه قاعدۀ لا تعاد نسبت به جاهل قاصر شامل مى‌شود از باب قبح تكليف به جاهل قاصر لعجزه عن التكليف و خودش مقهور جهل است.

اما بحث در قاعدۀ لا تعاد و خلل به آن: لا تعاد به طور تصديقى شامل دو عقد است: 1- عقد مستثنى؛ 2- عقد مستثنى منه. لا تعاد الصلاة غير از پنج مورد، اگر اخلالى به جزء يا شرطى يا به مانعى وارد كند، لو لا تعاد نماز باطل است. چون اخلال به جزئى از باب نقيصه و يا زيادى موجب بطلان صلات خواهد شد. اما قاعدۀ لا تعاد نفى جزئيت و شرطيت و نفى مانعيت از عقد مستثنى منه مى‌كند و در نسيان، مضطر و خطا جارى مى‌شود.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 343‌

قبلا بيان كرده بوديم كه قاعدۀ لا تعاد شامل نه فقره مى‌باشد كه شامل طهور، وقت، قبله، ركوع، سجود، نيّت، تكبيرة الاحرام، قيام در حال تكبيرة الاحرام، قيام متصل به ركوع كه به ترتيب آنها را بيان مى‌كنيم.

طهور: فاقد الطهورين لا صلات له و على الظاهر طهور به معناى طهارت (از طهر) مى‌باشد. يعنى اخلال به طهارت و اين طهارت گاه از آب و گاه از خاك مى‌باشد؛ يعنى طهارت مائيه و ترابيه. طهارت يك شرط ركنى است و دو گونه مى‌باشد حدثى و خبثى كه طهارت حدثى اعم از حدث اكبر و اصغر است و طهارت خبثى شامل نجاست در بدن و لباس مصلّى و غيره. آيا اخلال به طهارت نسبت به هر دو ركن است و جزء عقد مستثنى لا تعاد است يا نه؟ فاقد الطهورين لا صلات له يعنى طهارت از حدث مطرح است نه خبثى (البته نمى‌شود قبول كرد كه فاقد الطهورين لا صلات له چون الصلاة لا تترك بحال هم داريم)؛ اما عده‌اى كثير از فقها فتوا مى‌دهند كه اگر طهارت حدثى اعم از مائى و ترابى نباشد، نماز ساقط مى‌شود و روايات ديگر از جمله لا صلات الا بطهور كه طهور مسلّما طهور حديث است. از مجموع روايات و از مذاق شرع و ضرورت فقه استفاده مى‌كنيم كه طهور در عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد، شامل طهارت خبثى نمى‌شود چون اختصاص به طهارت حدثى دارد.

از مجموع فتواهاى فقها، روايات و مخصوصا متقدمين استفاده مى‌كنيم كه طهور در عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد شامل طهارت خبثى نمى‌شود بلكه اختصاص به طهارت حدثى دارد. نتيجتا اخلال به طهارت به هر نحوى كه باشد موجب اخلال به صلات مى‌شود و اين اخلال در عقد مستثنى لا تعاد است.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 344‌

وقت: وقت از اركانى است كه اخلال به آن موجب اخلال و بطلان صلات مى‌شود و اگر كسى اجتهاد و جستجو نمود و با اطمينان به اينكه ظهر شده، وارد نماز شد و نماز خواند و بعدا در نماز متوجه شد كه الان ظهر شده بر طبق قاعدۀ لا تعاد نمازش باطل است. چون تمام اجزاى صلات بايد در وقت صلات باشد. اما دليل خاصى آمده كه اگر كسى با اطمينان داخل نماز شود و سپس در اثناى صلات، وقت داخل شود نمازش درست و اعاده ندارد.

روايت: ابن ابى عمير از اسماعيل بن رياح از امام صادق (ع) يا امام باقر (ع): «إذا صليت و انت ترى فى وقت، فدخل الوقت و أنت فى الصلاة فقد اجزئت عنك». اگر اطمينان دارى كه وقت داخل شده و نماز خواندى، اما در حين نماز وقت داخل شد، پس آن مقدارى كه نماز در وقت بود كانّه در تمام وقت ادا شده است.

اما طبق قاعدۀ لا تعاد نماز باطل است چون مقدارى از آن در خارج وقت ادا شده است، اين روايت تصريح دارد به صحت صلات و روايت اسماعيل بن رياح از نظر سند ضعيف است كه اسماعيل توثيق نشده در كتب رجالى اما ابن عمير كه خود معتبر است، از او نقل روايت مى‌كند و دوم اينكه تمام فقها به اين روايت عمل كرده‌اند. لذا فتواى مشهور فقهاست كه اگر كسى تحرّى كرد به اينكه وقت داخل شده، نماز درست است. پس اگر سند ضعيف باشد، اما شهرت عملى داريم كه جابر ضعف سند روايت است و دلالت روايت كه اجزأت عنك فى الحقيقه اين است كه توسعه در وقت مى‌دهد و اين روايت حكومت دارد بر عقد مستثنى لا تعاد و اين توسعۀ تعبدى است كه شارع مقدس در وقت تصرف مى‌كند؛ يعنى در وقت صلات دو فرد دارد: 1- فرد اختيارى يعنى از اول تا آخر صلات در وقت باشد. 2- يك فرد‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 345‌

اضطرارى كه اگر تحرّى كنيد و داخل نماز شويد و در اثناى صلات وقت داخل شود، شما مثل كسى هستيد كه در تمام وقت نماز خوانده‌ايد و شارع مقدس در وقت توسعه مى‌دهد بنا بر اين اين روايت نسبت به عقد مستثنى لا تعاد در وقت حكومت دارد و اين فتوا مشهور و واقعيت مسأله نيز همين است.

استثناى ديگرى به وقت اختصاصى مربوط مى‌شود مثلا چهار ركعت آخر وقت اختصاص به عصر دارد؛ يعنى وقتى به اندازۀ پنج ركعت براى قرائت نماز وقت داريم بايد چهار ركعت نماز ظهر را بخوانيم و به اندازۀ يك ركعت براى نماز عصر و باقى ركعات در خارج وقت خوانده مى‌شود كه بنا بر روايات و اجماع و فتواى فقهاى عظام نماز درست است. اينگونه كه: «من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الوقت، من ادرك ركعة من الصلاة فقد ادرك الصلاة و ...» و روايات مختلف به لسان مختلف داريم. در اينجا نيز توسعه در مقام امتثال است كه شارع مقدس در دو فرد اختيارى و اضطرارى آن توسعه داده و بايد گفت روايات من ادرك بر عقد مستثنى لا تعاد حكومت دارد، چون به مقتضاى قاعدۀ لا تعاد بايد گفت نماز باطل است. اما روايات من ادرك حكومت دارد بر عقد مستثنى لا تعاد كه توسعه مى‌دهند.

آيا با تحرّى مى‌توان صحت نماز را درست كنيم و روايت اسماعيل بن دراج را در نظر نگيريم؟ بعضى از بزرگان دنبال اين مطلب هستند كه اگر سند ضعيف بود، فتوا نمى‌دهند و كارى به مشهور هم ندارند. مثلا در حجيت خبر واحد مى‌گويند، موضوع حجيت در خبر واحد خبر ثقه است و اگر خبر ثقه نبود، ما عمل نمى‌كنيم و كارى به اصحاب هم نداريم. اما به نظر ما هيچ اشكالى ندارد كه نسبت به اول وقت باشد يا به آخر وقت و لذا گفته‌اند كه روايات كثيره نسبت به درستى نماز در اول‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 346‌

وقت وارد شده است و روايات من ادرك هر دو بخش را در بر مى‌گيرد. چه در اول چه در آخر وقت و از هر دو طرف صدق درك مى‌كند چرا كه نماز در حال رفتن است و نماز در سلسلۀ زمان است.

پس به روايات من ادرك مى‌توان عمل كرد و در هر دو مورد، اول و آخر وقت، عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد تخصيص مى‌خورد و مى‌توان گفت للوقت فردان: 1- فرد اختيارى كه تمام اجزاى صلات در وقت واقع مى‌شود. 2- فرد اضطرارى كه بعضى از اجزاء (لا اقل يك ركعت در وقت) در وقت باشد و باقى در خارج و فرقى نمى‌كند چه نسبت به اول وقت يا آخر وقت و در هر دو قائل به صحت صلات مى‌شود و با قاعدۀ لا تعاد منافاتى ندارد چرا كه اين روايات حكومت دارند نسبت به عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد.

قبله: قبله هم جزء عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد و عين كعبه مى‌باشد. پس لازمۀ عقد مستثناى لا تعاد است يعنى اخلال به تمام يا بعضى از اجزاى صلات بر غير قبله (كعبه) اگر واقع شد، موجب بطلان صلات مى‌گردد. چون وقتى عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد، قبله باشد پس صلات همۀ اجزاء و آناتش به طرف عين قبله است و اخلال در تمام يا بعضى از اجزاى نماز چه يسيرا چه كثيرا و چه استدبار الى القبله و چه به طرف مشرق و يا به سمت مغرب باشد، موجب بطلان و اعادۀ صلات مى‌گردد. اما از يك طرف رواياتى داريم كه اگر كسى انحراف پيدا كرد از قبله، نمازش درست است. مانند «بين المشرق و المغرب قبلة كلّه» و خود اين لفظ آيا مانند روايت «من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الوقت» توسعه در مقام امتثال است؟ ظاهر قاعدۀ لا تعاد اين‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 347‌

است كه شما اگر منحرف از عين كعبه شديد بگوييد نماز باطل است چرا كه قبله يكى از آن پنج ركن مى‌باشد.

بدن انسان شبيه زاويۀ نيم صفحه است؛ يعنى اگر فرض كنيم پيشانى مصلّى يك جسم نورى و كعبه در هر يك از نقاط مغرب و مشرق باشد، تابش بعضى از سهام كه از ما به آن جهت مى‌تابد و به عين خود كعبه برخورد مى‌كند.

در اينجا جاى بحث از حكومت يا تخصيص نيست چرا كه قبله مسلّما در جنوب و به طرف بين مشرق و مغرب قرار گرفته است. يعنى اگر به طرف جنوب بايستيم، حال اين انحراف به طرف مشرق باشد يا به سمت مغرب و آن درجه‌اى كه تعيين شده به طرف جنوب شرقى يا غربى باشد، باز به طرف كعبه ايستاده‌ايم. چون وضعيت ساختمان، مقاديم بدن انسان و حالت پيشانى به طور محدب است و يك زاويۀ نيم صفحه را (180 درجه) تشكيل مى‌دهد. پس به عين خود كعبه هم برخورد مى‌كند و به نظر مى‌رسد نيازى به مسأله‌اى (حكومت يا تخصيص) كه آقايان بيان مى‌كنند، نيست و در اينجا نه تخصيص است و نه حكومت بلكه بيان خود قبله است.

بنا بر اين وقتى قاعدۀ لا تعاد را در وقت جارى كنيم كه مصلّى به طرف خود مشرق يا مغرب بخواند يا استدبارا الى القبله، هر چند خود آن استدبار هم جاى بحث دارد. مثلا كسى به طرف شمال نماز مى‌خواند، اگر به طرف شمال خطى بكشيم به خود كعبه هم مى‌خورد فقط چيزى كه هست مسافت طولانى‌تر مى‌شود و الّا استدبار قبله عين خود استقبال قبله مى‌باشد چرا كه زمين كروى است و فرقى نمى‌كند و اين احتمال كه در روايات نيز آمده در هنگام تخلّى استدبار الى القبله نباشد زيرا به استقبال قبله منتهى مى‌شود. در روايات هست كه اگر استدبار الى القبله نماز خوانده شود، اعاده دارد و عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد شامل آن مى‌شود و اگر به طرف خود‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 348‌

مشرق يا مغرب بخواند، بايد يا اعاده كند يا قضا، اما اگر بين المشرق و المغرب يعنى به طرف جنوب بايستيد، بين مشرق و مغرب حقيقتا قبله وجود دارد.

از مجموع روايات استفاده مى‌كنيم كه اگر مصلّى به طرف خود مشرق يا به طرف خود مغرب نماز بخواند در روايت است كه بايد اعاده يا قضا كند؛ اگر استدبار الى القبله باشد، روايات است كه بايد اعاده كند و يك روايت هم تفصيل مى‌دهد كه اگر استدبار به قبله كند، در وقت اعاده و در خارج وقت قضا نمايد؛ اما اگر به طرف خود مشرق يا مغرب بخواند، در وقت بايد اعاده كند در خارج وقت قضا ندارد و ديگر اينكه بين المشرق و المغرب قبلة كلّه اعاده دارد نه قضا، پس بين مشرق و مغرب عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد جارى نمى‌شود.

ركوع و سجود: هيأت خاصى كه حالت انحنا در انسان پديد مى‌آورد از اولين مرتبه تا تقوس تام كه مرحلۀ تام از ركوع مى‌باشد.

ماهيت سجود: «وضع الجبهه على الارض» حالتى كه رخ مى‌دهد از مجموع بدن نسبت به زمين رخ مى‌دهد.

واجبات سجود و ركوع: به واجبات سجود، واجبات سبعه گفته مى‌شود و در ركوع وضع اليدين على الركبتين است.

بحث اين است كه آيا اين واجبات جزء ماهيت و حقيقت ركوع و سجودند كه قهرا در عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد وارد مى‌شوند يا جزء ماهيت نيستند و در نتيجه جزء عقد مستثنى منه لا تعاد محسوب مى‌شوند.

مسلّما ركوع و سجود مانند قيام و قعود هستند كه مفاهيم عرفى‌اند و نفس ركوع و سجود جزء مخترعات شرع نيست بلكه قانونگذار مى‌تواند ركوع و سجود را‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 349‌

تحديد و قيود و شرايطى را برايش تعيين كند؛ اما اصل ركوع و سجود خودشان مفاهيم عرفى هستند.

سؤال: آيا شارع مقدس تحديدهايى براى ركوع و سجود قرار داده است يا خير؟

و يا اينكه كلّما صدق عليه الركوع و السجود عرفا صدق عليه شرعا؟

در اين زمينه روايات زيادى را مى‌بينيم كه وارد شده و در راستاى اين روايات، فقها نيز مبانى و اقوال زيادى دارند.

مثلا در ركوع گروهى معتقدند كه تقوس در ركوع يعنى وقتى دستها بر زانوان قرار مى‌گيرد به گونه‌اى باشد كه اگر بخواهد روى زانوها چيزى بگذارد، توان نگه داشتن آن چيز را داشته باشد. عده‌اى نيز گفته‌اند كه اصل كف دست لازم نيست بلكه رءوس اصابع بر زانوان كفايت مى‌كند. خلاصه در اين باره اقوال فراوان است زيرا لسان روايات مختلف است.

اما آنچه كه قابل استفاده است اينكه هر دو كف بر زانوان قرار گيرد و تقوس همراه طمأنينه، استقرار و ذكر واجب ملاك ركوع شرعى مى‌باشد و جزء واجبات ركوع است؛ اما جزء ماهيت ركوع نيستند.

و اما هيأت خاص و نسبت مجموع بدن به خارج را سجده تشكيل مى‌دهد. آيا مواضع سبعه جزء ماهيت سجده‌اند يا جزء واجبات؟

بعضى از بزرگان آن را جزء واجبات گرفته‌اند. سيد بحر العلوم (قدس سره) در منظومه‌اى كه در فقه دارد مى‌گويد: «واجب السجود، وضع الجبهة، و أنّه الركن بغير شبهة، و‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 350‌

وضعه للستة الاطراف فانّه فرض بلا خلاف» «1» يعنى مواضع ديگر جزء واجبات سجده است و ماهيت سجده فقط وضع الجبهة على الارض مى‌باشد.

اما خلل به ركوع و سجود: گاه منسى خود هيأت سجده و هيأت ركوع مى‌باشد البته نسبت به عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد كه حكم به بطلان صلات مى‌دهيم.

اما جبران آن اينگونه است كه اگر ركوع يا سجدتين را فراموش كرديم و داخل در ركن بعدى نشديم گرچه از محل خارج شده باشيم و داخل جزء بعدى شويم قابل تدارك است و قاعدۀ محل جارى مى‌گردد كه مى‌گويد ركوع و يا اينكه سجدتين منسى را بياور پس نماز درست و قابل تدارك است.

و در صورتى قابل تدارك نيست كه وارد ركن بعدى شده باشيم؛ يعنى اگر جزء منسى ركن (ركوع يا سجود) بود و داخل در ركن ديگر شديم، در اينجا ديگر جبران اين ركن منسى ممكن نيست چرا؟ زيرا هم ركن فوت شده و هم داخل در ركن بعدى شده‌ايد و اين از دو حال خارج نيست: 1- اگر اعتنا كنيد و برگرديد به طرف اينكه سجدتين را بياوريد زيادى ركن لازم مى‌آيد و نماز باطل است. 2- اگر اعتنا نكنيد پس نقيصۀ ركن لازم مى‌آيد كه شما ركوع را نياورده‌ايد.

پس على كلا التقديرين اگر آن منسى ركن بود و مصلّى داخل در ركن بعدى شده باشد، نماز بلاكلام باطل است و در هر دو صورت قاعدۀ لا تعاد در عقد مستثنى جارى مى‌شود.

______________________________
(1). سيد مهدى بحر العلوم، الدرة النجفيه، 126.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 351‌

اما اگر منسى ركن نباشد، مثلا فاتحة الكتاب را نخوانده و از محل تجاوز كرده باشد و داخل سوره شده باشد اين دو حالت دارد: 1- گاه به طرف ركن بعدى مثلا ركوع رفته است. 2- و يا اينكه وارد ركن بعدى نشده باشد.

در صورت اول قابل جبران است و قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى جارى نمى‌شود و بايد برگردد و فاتحة الكتاب را بخواند و همين طور سوره و ركوع را. بر اساس قاعدۀ محل كه مى‌گويد بياور و تجاوز از محلّ جايگاهش دخول در ركن بعدى خواهد بود.

در صورت دوم توان اتيان را از دست داده‌ايم. اگر فاتحة الكتاب را بياوريم، لازم مى‌آيد كه دوباره ركوع را نيز بياوريم. پس تدارك اين جزء منسى غير ممكن است و تصحيح نماز از باب عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد مى‌شود چرا كه فاتحة الكتاب جزء عقد مستثنى منه مى‌باشد و اخلال به مستثنى منه سبب بطلان صلات نمى‌شود و نماز صحيح است.

بنا بر اين در مسألۀ ركوع، ركوع تحديد شده از طرف شارع مقدس را بخواهيم و اگر مادون ذلك باشد، قهرا داخل در عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد مى‌شود و مثل كسى مى‌ماند كه اصلا ركوع نياورده و اما مسألۀ واجبات ديگر ركوع كه استقرار و طمأنينه و ذكر واجب، اينها داخل در ماهيت ركوع نيستند بلكه واجبات ركوع هستند كه ظرفشان ركوع مى‌باشد. اما خود ركوع كه عبارت است از عقد مستثناى لا تعاد آن است كه دخالت در ماهيت ركوع دارد و مسلّما ذكر واجب دخالت در ماهيت ركوع ندارد و لذا اگر انسان در ركوع، آن ركوع شرعى محدّد را بياورد اما ذكر واجب را نياورد، در اينجا نمازش صحيح است از باب جريان قاعدۀ لا تعاد نسبت به‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 352‌

عقد مستثنى منه، چون ذكر واجب و طمأنينه داخل در عقد مستثنى منه مى‌باشد و در سجود نيز «هما معا ركن» كه هر دو سجده با هم ركن مى‌باشند. پس اخلال به هر كدام موجب بطلان ركن نمى‌باشد و اگر يكى را نياورد داخل در محل است كه برگردد و منسى را بياورد و بعد سجدتين را بياورد منتها يك سجدۀ زيادى آورده و زيادى سجده داخل در عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد مى‌باشد.

پس واقع امر اين است كه ماهيت سجده، اين مساجد سبعه نيست بلكه ماهيت سجده همان وضع الجبهه على الارض است و واجبات را بايد به اينها تعبير كنيم (نه جزء ماهيت سجده) كه ظرف آنها سجده مى‌باشد. پس در هر موردى كه به سجده اخلال شود (كه همان وضع الجبهه على الارض باشد) و آن هم اخلال به هر دو سجده باشد، اينجا قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى جارى مى‌گردد. اما اگر اخلال به ساير مساجد باشد، اينجا قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى منه جارى مى‌گردد.

پس حدّ ركوع و سجود مشخص شد كه كدام يك از آنها داخل در عقد مستثنى و كدام يك داخل در عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد مى‌باشد. علاوه بر موارد بالا ساير اركان لا تعاد شامل نيّت، تكبيرة الاحرام، قيام متصل به ركوع، قيام در حال تكبيرة الاحرام است كه در ادامه به توضيح آن مى‌پردازيم.

در ظاهر حديث لا تعاد (لا تعاد الصلاة الّا من خمس الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود) استثناى متصل نسبت به پنج چيز گفته مى‌شود كه در عقد مستثنى مى‌باشد و مابقى اجزاء در عقد مستثنى منه به نظر مى‌رسد. اما ادلۀ ديگرى داريم كه چهار چيز به آن اضافه مى‌كند كه جزء اركان صلات مى‌باشد و اگر نسيانا اخلال به آنها شد، موجب بطلان صلات مى‌شود. مقتضاى قاعدۀ لا تعاد پنج چيز مى‌باشد كه‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 353‌

جزء عقد مستثنى است. اما اين حديث شريف حكم عقلى نيست بلكه حكم شرعى است كه قابل تخصيص مى‌باشد. پس در واقع يعنى نه چيز داريم كه قاعدۀ لا تعاد را تخصيص مى‌زند.

ان قلت: مسألۀ قيام متصل به ركوع يك ركن على‌حده نيست. بلكه قيام متصل به ركوع، داخل در ماهيت خود ركوع مى‌باشد. چون ركوع عبارت از «انحناء عن قيام» و اين انحنا از مقدمات وجوديۀ خود ركوع مى‌باشد. پس قيام متصل را داخل در ماهيت خود ركوع و نه جداى از آن بدانيم. لكن به نظر مى‌رسد اين حرف نادرستى است، چرا كه ركوع و سجود عبارت از هيأت خاص بين اعضاى بدن نسبت به يكديگر و مجموع نسبت به خارج را پديد مى‌آورد و ركوع مثل جلوس مى‌باشد كه داراى يك مفاهيم عرفى‌اند و اگر به عقلا بگويند ركوع چيست؟ مى‌گويند آن انحناى خاص است؛ اما اينكه اين انحنا عن قيام باشد، اين ديگر داخل در حقيقت ركوع نمى‌باشد. پس به نظر مى‌رسد صحيح نباشد. كه اگر قيام را داخل در ركوع كنيم. پس اركان صلات نه چيز است كه اگر به اينها به هر نحوى اخلال شود، عمدا يا سهوا يا جهلا، موجب بطلان صلات مى‌باشد. چون آن پنج ركن كه جزء عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد است و اين چهار ركن كه در حقيقت تخصيص به عقد مستثنى منه مى‌زند و مخصص هستند كه وقتى بر عام وارد مى‌شوند، عام را به نقيض خاص معنون مى‌كنند.

بنا بر اين مى‌شود لا تعاد الصلاة الّا من تسع كه پنج موردش در خود حديث وجود دارد به اضافه نيّت، قيام در حال تكبيرة الاحرام، قيام متصل به ركوع و تكبيرة الاحرام است.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 354‌

عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد

اما در مورد خلل در ساير اجزاء و واجبات صلات كه مجراى عقد مستثنى منه قاعدة لا تعاد مى‌گردد از جمله: اخلال به سجدۀ واحده، سجده بر زمين نجس، اخلال به قرائت، اخلال به جهر، اخفات، نسيان تشهد، نسيان سلام و ...

اخلال به سجدۀ واحده يا به عبارتى دخول در ركن بعدى چگونه است؟ دخول در سجدۀ ثانيه است چون طبق ادله وارده، «سجدتان معا ركن» اما سجدۀ واحده ركن نيست و ثمرۀ اين بحث اين است كه اگر در سجدۀ اول سر بردارد و هنوز به سجدۀ دوم نرفته باشد يقين پيدا كند كه ركوع را نياورده، آيا در اينجا جاى قاعدۀ محل است يا جاى قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى منه كه نمازش باطل است؟ در اينجا بايد برگردد و ركوع را بياورد و مجددا سجدتان را بياورد و در اين صورت يك سجدۀ زيادى آورده كه اين زيادى سجده موجب اخلال و زيادى ركن محسوب نمى‌شود و اگر يك سجده كم بياورد نيز باعث نقيصۀ بر ركن نيست به جهت اينكه از ادله استفاده مى‌كنيم كه «سجدتان هما معا ركن»، و در اينجا روايت منصور بن حازم را داريم كه به آن لا تعاد صغير گفته مى‌شود. عن الصادق (ع): «فى رجل استيقن انّه زاد سجدة قال (ع): لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة». يقين پيدا كرد كه سجدۀ زيادى آورده و امام (ع) مى‌فرمايند لا يعيد كه كنايه از اين است كه نمازش باطل نيست و صحيح است و بلكه اعاده در ركعت است. يعنى اگر دو تا سجده نقيصه يا زيادى بجا بياورد در آنجا يعيد و نمازش باطل است اما اگر زيادى يك سجده باشد لا يعيد و به اين روايت لا تعاد صغير گفته مى‌شود كه همين روايت منصور بن حازم مى‌باشد و لا تعاد صغير حكومت دارد بر عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد و‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 355‌

اگر ما بوديم و اين روايت و اين ادله نبود، مى‌گفتيم «لا تعاد الصلاة الّا من خمس الطهور و الوقت و القبله و الركوع و السجود» و يك سجدۀ واحده كه جزء عقد مستثنى لا تعاد مى‌باشد. اما روايت منصور بن حازم در سجده تصرف مى‌كند كه اخلال به سجدۀ واحده لا يعيد يعنى اخلال به سجدۀ واحده موجب بطلان صلات نمى‌شود و اخلال به دو سجده موجب بطلان صلات مى‌شود. با ادلۀ ديگر كه اگر نقيصه داشت قضاى سجده كند اما نماز درست است و اگر زيادى در يك سجده بياورد و سجدۀ سهو لازم است، نمازش صحيح است. پس اخلال در سجدۀ واحده موجب اعادۀ صلات نمى‌شود و در صورت اخلال به دو سجده موجب بطلان مى‌شود و بر همين اساس فقهاى عظام روايت منصور بن حازم را لا تعاد صغير ناميده‌اند چون مخصوص است در خلل به سجدۀ واحده كه موجب بطلان صلات نمى‌گردد.

سجده بر زمين نجس نسيانا و سهوا

نكتۀ قابل ذكر اينكه در خلل به عقد مستثنى و عقد مستثنى منه نتيجه‌اش جريان قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى منه صحيح بودن نماز است؛ اما اگر لا تعاد را نسبت به عقد مستثنى جارى كنيم نتيجه‌اش باطل بودن نماز است.

يكى از خللى كه وارد مى‌شود اين است كه اگر كسى سهوا يا نسيانا بر زمين نجس سجده كند (محل سجده در زمين نجس قرار گيرد) آيا قاعدۀ لا تعاد جارى مى‌شود يا نه؟ در عقد مستثنى يا در عقد مستثنى منه؟ بنا به آنچه دربارۀ خلل در عقد مستثنى و عقد مستثنى منه ذكر شد، ممكن است كسى بگويد كه در اينجا قاعدۀ‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 356‌

لا تعاد در عقد مستثنى را جارى كنيم، چرا كه سجود يكى از اركان و از عقد مستثنى لا تعاد مى‌باشد. در سجده منظور از «وضع الجبهه على الارض»، آيا هر زمينى است يا منظور زمينى كه طاهر باشد؟ در سجدۀ صحيح بايد طهارت شرط صحت باشد وگرنه در هر زمينى، سجده غير صحيح خواهد بود و قبلا گفتيم واجبات و اجزاى سجده داخل در واجبات (طهارت محل سجده، ذكر واجب، طمأنينه، استقرار، وضع رءوس اصابع و ...) سجده مى‌باشند نه اينكه داخل در ماهيت سجده، پس عموم اين واجبات داخل در عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد مى‌باشد و هيچ كدام از اين اجزاء و شرايط داخل در عقد مستثناى لا تعاد نمى‌باشد. پس اخلال به هر كدام از آنها، در واقع اخلال به ماهيت سجده نشده بلكه اخلال به واجبات سجده شده است. نتيجتا عموم لا تعاد الصلاة شامل آن مى‌شود پس اينها داخل در عقد مستثنى منه مى‌شوند و حكم به صحت صلات مى‌كنيم.

و بعضى گفته‌اند كه اين مسأله داخل در طهور است و طهور را اعم از طهارت حدثى و خبثى مى‌دانند. جواب: ضرورت فقه و تسالم اصحاب همگى مسألۀ طهور را طهارت حدثى مى‌دانند نه خبثى و ما روايات زيادى داريم كه «اذا صلى فى النجس» و بعد نجاست آن معلوم شود، پس نماز درست است و اشكالى ندارد و اصلا طهورى كه در آنجا مطرح مى‌شود، طهارت حدثى است نه خبثى. بنا بر اين نتيجۀ طرح مسأله اين مى‌شود كه «اذا صلى المصلّى فى النجس نسيانا أو سهوا» و وقتى متوجه شد كه محل سجده نجس بوده، به مقتضاى عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد نمازش صحيح است بلا كلام.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 357‌

خلل در نيّت

نيّت يعنى خطور در ذهن و وجود ذهنى دادن براى عملى كه براى خداوند متعال مى‌خواهد انجام دهد.

اگر كسى نيّت را فراموش كرد و وارد تكبيرة الاحرام شد، در واقع وارد نماز نشده و افعال بعدى صرف لقلقۀ لسان مى‌شود. اخلال در تكبيرة الاحرام نيز چنين است، اگر كسى اخلال به آن كند، وارد نماز نشده است.

اگر نيّت نمايد ولى تكبيرة الاحرام را فراموش كند و وارد جزء ديگر شود، آيا بايد برگردد يا نه؟ در اين صورت بايد برگردد و تكبيرة الاحرام را بياورد و موجب زيادى ركن نمى‌شود. چرا كه تكبيرة الاحرام در واقع كليد نماز مى‌باشد، برخى معتقدند با فراموش كردن تكبيرة الاحرام سجدۀ سهو بجا بياورد. اينجا سجدۀ سهو هم لازم نيست پس اگر تكبيرة الاحرام فراموش شود و قبل از ركوع باشد، بايد برگردد.

اما اگر تكبيرة الاحرام را فراموش كند و بعد از ركوع بود، اين ديگر نماز نيست و حكم به بطلان مى‌شود. پس اخلال در نيّت و تكبيرة الاحرام موجب بطلان صلات مى‌شود و بايد گفت كه وارد صلات نشده است.

خلل در قيام در حال تكبيرة الاحرام

اخلال به قيام در حال تكبيرة الاحرام سهوا يا جهلا موجب بطلان صلات مى‌باشد زيرا جزء اركان صلات محسوب مى‌شود. حالا اگر قيام از او فوت شود، جبران آن چگونه است؟ اگر تكبيرة الاحرام در حال قيام بياورد، موجب زيادى ركن مى‌شود.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 358‌

شبهه‌اى كه مطرح است اينكه قيام در حال تكبيرة الاحرام جداى از خود تكبيرة الاحرام نيست. چون زمان آن به مقدار تكبيرة الاحرام مى‌باشد. يعنى تكبيرة الاحرام با قيام حالت نماز شكل مى‌گيرد. نه اينكه يك ذات قيام باشد و يك ذات تكبيرة الاحرام، بلكه هر دو يكى هستند در واقع هر دو قيد و مقيد مى‌باشند و قابل انحلال نيستند. چون در انحلال بايد دو موجود با دو موجود باشند كه قابليت انحلال را داشته باشند. اما اينها دو موجودند كه به وجود واحد موجود مى‌شوند.

پس شرط است كه مصلّى قيام داشته باشد و تكبيرة الاحرام به تنهايى ذاتش مطلوب شارع نيست بلكه با قيام مورد نظر شارع است.

خلل در قيام متصل به ركوع

اگر به قيام متصل به ركوع اخلال شود، آيا قابل تدارك است؟ هويت و پديدۀ قيام متصل به قيامى است كه در پى‌اش ركوع باشد و بدون اين، هويت قيام متصل معلوم نيست و اگر در حال تقوس قيام كند، گفته مى‌شود كه ركوع نياورده است؛ اما اگر گفتيم ركوع يك هيأت خاص عرفى است يا هيأت خاص تقوس باشد، از ادلۀ ديگر شارع مقدس استفاده مى‌كنيم كه اجزاى ديگر دارد.

نظر ما اين است كه ركوع را يك هيأت خاصى مى‌دانيم كه قيام متصل به آن جزء آن ركوع مى‌باشد و شارع مقدس ميزان تقوس را بيان كرده است. جمع كثيرى از فقها جبران قيام متصل به ركوع را غير ممكن مى‌دانند.

بنا بر اين كسانى كه قيام متصل به ركوع را جزء ماهيت ركوع مى‌دانند، جبران آن موجب زيادى ركن نمى‌شود. يعنى اگر قيام را جزء ماهيت ركوع بدانند خلل به آن‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 359‌

موجب بطلان نماز نمى‌گردد. چون إعادۀ آن موجب زيادى ركن نمى‌شود. زيرا ركوع عن غير قيام ركوع نيست و جزء عقد مستثنى منه لا تعاد است.

اما نظر دوم: اگر ركوع عبارت از هيأت خاصى كه همان هيأت خاص و تقوس ركوع است و اينكه ركوع از قيام باشد يا از جلوس، شارع بايد بگويد، عرف نيز حالت انحنا را ركوع مى‌داند و در اينجا جبران آن موجب زيادى ركوع مى‌شود و نظر ما همين است. چون ما ركوع را مستقل از قيام متصل مى‌دانيم لذا ماهيت ركوع با صرف تقوس حاصل مى‌شود.

پس اگر به ركوع اخلال شود و داخل در محل باشد و تجاوز نكرده باشد (تجاوز يعنى دخول در ركن بعدى)، بايد برگردد و آن را بياورد. ولى اگر داخل سجدۀ دوم شود، رجوع و جبران آن موجب زيادتى ركن و موجب بطلان صلات مى‌شود. مگر در حالت اول يعنى قبل از دخول در سجدۀ دوم، براى جبران سجدۀ زيادى، بايد سجدۀ سهو بياورد (لكلّ زيادة او نقيصة سجدتين سهو).

اما اگر ركوع را فراموش كند و داخل در سجدۀ اول شود طبق لا تعاد صغير كه مى‌گويد لا تعيد، چون روايت منصور بن حازم اخلال به يك سجده را موجب اخلال به صلات نمى‌داند و اينجا جبران با سجدۀ سهو مى‌شود. اما اگر داخل سجدۀ ثانيه شده باشد، قابل جبران نيست و عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد مى‌گويد نماز درست نمى‌باشد.

اما اگر اخلال به دو سجده شود و هر دو سجده را فراموش كند يعنى داخل در ركوع بعدى شود، قاعدۀ محل اقتضا مى‌كند كه برود و دو سجدۀ فائته را بجا بياورد و بعد ركعت بعدى و اگر دو سجدۀ ركعت آخر بود چند صورت دارد: 1- اگر قبل‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 360‌

از سلام باشد. قاعدۀ محل مى‌گويد برود آن را بجا بياورد و بعد تشهد و سلام و جبران آن با دو سجدۀ سهو قابل تدارك است. 2- اگر بعد از سلام و قبل از فعل منافى صلات يادش بيايد دو صورت و دو مبنا وجود دارد: الف. سلام مخرج است چه در محل و چه در غير محل و اطلاق دارد پس خارج از نماز شده و نماز را بايد اعاده كرد. ب. اما اگر روايات در مقام بيان پايان نماز باشد، در اينجا بايد برگردد و سجدتين را انجام دهد، قطعا قاعدۀ لا تعاد جارى مى‌شود. مخرج صلات در روايات اين است كه پايان صلات را بيان مى‌كند نه اينكه در هر حالى باشد و تماميت مقدمات حكمت مشكل است و اطلاق ممكن نيست چون سلام در غير محل مخرج نيست؛ پس قبل از فعل منافى، محلّ دو سجده است پس مى‌توان برگشت و اتيان دو مسجد را كرد و بعد تشهد و سلام بجا بياورد و دو سجده سهو.

اما اگر بعد از فعل منافى (منافى: مثل انحراف از قبله و حدوث حدث) متوجه شد كه دو سجده بجا نياورده، اينجا عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد جارى مى‌شود و موجب بطلان صلات است و راهى براى تصحيح صلات نداريم، لذا نماز باطل است. پس در دو صورت قاعدۀ محل جارى مى‌شود و جاى قاعدۀ لا تعاد نيست و صورت سوم عقد مستثنى قاعدۀ لا تعاد جارى است و نماز باطل مى‌باشد.

1- در ما نحن فيه روايات خاصه‌اى وارد شده است از جمله صحيحة عيص قال (ع):

يقوم و يسجد سجدتين. يعنى آن سلام كه داده مخرج نبوده و ادامه دهد و ركعت منسى را بياورد و نمازش درست است.

2- روايت محمد بن مسلم از امام محمد باقر (ع): كسى كه نماز سه ركعتى يا چهار ركعتى را دو ركعت بخواند و بعد از سلام صحبت كند و گمان كند كه نمازش‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 361‌

درست است، در اين صورت حضرت مى‌فرمايند اگر به يادش بيايد كه دو ركعت خوانده يتمّ بايد بلند شود و نماز را تمام كند و لا شى‌ء عليه (يعنى نمازش درست است). پس در اينجا روايات خاصه تصريح به اين مطلب مى‌كند كه يك ركعت يا دو ركعت منسى را جبران كند.

3- زراره از امام باقر (ع) سؤال مى‌كند: كسى كه دو ركعت بيشتر نخواند و سلام دهد حضرت مى‌فرمايد «يتمّ ما بقيت من صلاته» و اين روايات صحيحه را اصحاب عمل كرده‌اند. بر مبناى خودمان سلام در غير محل را مخرج نمى‌دانيم و بايد منسى را بجا بياورد و احتياط را انجام دهد. اما اگر سلام را مخرج صلات بدانيم طبق صناعت علمى و قواعد، نماز باطل است؛ اما طبق روايات خاصه نماز را درست مى‌داند.

در اينجا مواردى كه زياده مى‌آورد، طبق قاعده بايد سجدۀ سهو بياورد و لا شى‌ء عليه منافات با سجدۀ سهو ندارد و اينكه گفته‌اند لا شى‌ء عليه اطلاق دارد و منافات با سجدۀ سهو داشته باشد، اينطور نيست و با سجدۀ سهو منافات ندارد. چون لا شى‌ء عليه از نظر صحت صلات مى‌تواند لذا منافات با ادلۀ سجدۀ سهو ندارد. چون ادلۀ سجدۀ سهو نمى‌گويد كه نماز باطل است لذا منافاتى بين اينها نيست. پس اين عقيدۀ برخى فقها كه لا شى‌ء عليه اطلاق دارد و معارضه با ادلۀ سجدۀ سهو مى‌كند، درست نيست.

خلل در جهر و إخفات

اگر منسى جهر باشد در صلوات جهريه و اخفات در صلوات اخفاتيه باشد مثلا «أجهر فى موضع الاخفات يا أخفت فى موضع الاجهار نسيانا» يعنى بعد از آنكه فاتحة‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 362‌

الكتاب را تمام كرد و وارد جزء بعدى شده، متذكر شده كه نسيانا وظيفه‌اش اجهار بود كه اخفات كرده يا برعكس.

در اينجا بايد چه كار كرد؟ ما طبق دو مبنا صحبت مى‌كنيم: 1- جهر در صلات جهريه از شرايط صحت قرائت است نه از شرايط صلات بلكه از شرايط خود فاتحة الكتاب است و اخفات در صلوات اخفاتيه از شرايط خود قرائت است نه از شرايط صلات، نتيجتا قرائتى كه در صلات جهريه امتثال شود، ذات قرائت جزء نيست بلكه ذات قرائت مقيد به جهريه و يا اخفاتيه است؛ يعنى قرائت را بياوريد و بدون آن شرط در واقع جزء را نياورده است. چرا كه جزء عبارت است از مجموع قيد و مقيد و از ذات قرائت «مع كونها اخفاتيه او اجهاريه» و اين جزء است.

اگر نسيانا اخفات در موضع اجهار و يا برعكس كنيم، عين همان مطالبى كه در نسيان قرائت گفتيم در اينجا دربارۀ خود قرائت مى‌آيد. چرا كه ذات خود قرائت مأمور به و جزء نيست بلكه قرائت مقيد به «كونها جهرية او اخفاتيه»، است پس من آن جزء را نياورده‌ام، اينجا همان مطالبى را كه دربارۀ نسيان فاتحة الكتاب گفتيم دوباره مى‌گوييم كه قاعدۀ محل جارى مى‌شود تا سر حدّ جايى كه داخل در ركن بعدى شويم و هنگام دخول در ركوع ديگر قابل جبران نيست بلكه قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى منه جارى مى‌شود، اما اگر هنوز به ركن بعدى وارد نشده باشيم، آن قرائت مشروط به شرط را مجددا بايد امتثال كنيم و جاى قاعدۀ محل است نه قاعدۀ لا تعاد.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 363‌

بنا بر اين اگر اخفات و اجهار را از شرايط خود قرائت بگيريم نه از شرايط صلات، پس قاعدۀ محل جارى مى‌شود و در بعضى از موارد قاعدۀ لا تعاد در عقد مستثنى منه.

اما نظر ديگر اينكه اگر گفتيم اجهار و يا اينكه اخفات از شرايط صلات مى‌باشد نه از شرايط قرائت، يعنى مأمور به ذات قرائت است و يك واجب ديگرى مقارن او مى‌باشد. حالا اگر كسى «فى موضع الاجهار اخفت نسيانا يا ساهيا» و داخل در جزء بعدى شد و هنوز داخل در ركن نشده آيا قاعدۀ محل جارى مى‌شود يا جاى قاعدۀ لا تعاد است؟

اينجا نمى‌توان قاعدۀ محل را جارى كنيم چرا؟ چون فرض اين است كه جهر از من فوت شده است، جهرى كه بايد مقارن با قرائت باشد و قرائت يك جزء مستقل و جهر هم يك جزء مستقل است و مصلّى اخلال در قرائت نكرده و صحيح اتيان كرده اما جهر را نياورده و از محل نيز تجاوز شده است چرا چون محل جهر بايد مقرون فاتحة الكتاب باشد و جبران آن غير ممكن است پس جاى قاعدۀ لا تعاد است يعنى لا تعاد را نسبت به عقد مستثنى منه جارى مى‌كنيم و نمازش صحيح است و موجب إعاده يا قضا نيست. پس ثمره مهم است كه بايد ديد مبنا چيست؟

روايت: صحيحة زراره عن ابى جعفر (حضرت امام باقر (ع)) «فى رجل جهر فى ما لا ينبغى الاجهار و اخفى فى ما لا ينبغى الإخفاء فيه فقال (ع): أىّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الاعادة» يعنى اگر «عمدا أجهر فى موضع الإخفات» يا برعكس نماز او باطل است چرا كه عمدا يك جزئى را نقض كرده و «إن فعل ذلك نسيانا او ساهيا او لا يدرى (جاهلا) فلا شى‌ء عليه و قد تمّت صلاته اما اگر نسيانا يا ساهيا‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 364‌

اخفت فى موضع الاجهار» يا بر عكس در موقع قرائت پس لا شى‌ء عليه است و نمازش درست مى‌باشد.

منظور از اين روايت چيست؟ يعنى آيا اخفات و اجهار از شرايط قرائت است يا از شرايط صلات؟ اينجا اگر فعل ذلك نسيانا او ساهيا باشد، بايد حضرت مى‌فرمود كه برگردد. يعنى اگر در محل است بايد برگردد و بياورد و اگر داخل در ركن بعدى شده، «تمّت صلاته». اما اينجا اطلاقش اقتضا مى‌كند كه «فلا شى‌ء عليه و قد تمّت صلاته» و ما مجبوريم كه اخفات و اجهار را از شرايط صلات بگيريم و چون از محل تجاوز كرده (فرض اين است كه قرائت را خوانده) «فلا شى‌ء عليه و قد تمّت صلاته»، اين مؤيد قاعدۀ لا تعاد مى‌باشد و قاعدۀ محل جارى نمى‌شود. چون اگر در جايى كه بايد قاعدۀ محل جارى شود، نبايد بگوييم تمّت صلاته و بايد گفت يعيد و بايد برگردد و آن جزء را بياورد. پس مى‌فهميم كه اجهار و يا اينكه اخفات از شرايط صلات است نه از شرايط قرائت پس با قرائت بدون اجهار و اخفات، محلّ اخفات و اجهار تجاوز كرده و قابل جبران نيست و قاعدۀ لا تعاد مى‌گويد لا تعاد الصلاة الّا من خمس الطهور و القبله و الوقت و الركوع و السجود و اين جزء عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد مى‌باشد نه جزء عقد مستثنى.

بنا بر اين صحيحۀ زراره عن ابى جعفر (ع) مؤيّد قاعدۀ لا تعاد است نسبت به عقد مستثنى منه در اجهار و اخفات و مى‌توان برداشت كرد كه اخفات يا اينكه اجهار از شرايط صلات است نه از شرايط خود قرائت.

بنا بر اين ضابطۀ كلى در نسيان واجبات به طور كلى از دو حال خارج نيست: 1- شرطى يا جزئى را فراموش مى‌كنيم كه از شرايط همان جزء است نه از شرايط‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 365‌

صلات و فرض مى‌كنيم كه آن شرط را نياورده‌ايم؛ يعنى ذات جزء را آورده‌ايم اما مقارن با آن شرط نبوده، اينجا مثل اينكه خود جزء را نياورده‌ايم. چون المشروط «عدم عند عدم شرطه» و تا مادامى‌كه داخل در ركن بعدى نشده، قاعدۀ محل مى‌گويد برو بياور و اگر داخل در ركن بعدى شده قاعدۀ محل جارى نمى‌شود، بلكه قاعدۀ لا تعاد جارى مى‌شود.

خلل در تشهد و سجدۀ واحده

دو جزء در صلات هست كه اگر انسان آنها را فراموش كند، اصل نماز درست است و قاعدۀ لا تعاد نيز مى‌گويد درست است اما اينها را بايد قضائا بياورد و اين دو جزء يكى نسيان تشهد و دومى نسيان سجدۀ واحده؛ يعنى اگر يك سجده فراموش شد، قاعدۀ لا تعاد نسبت به صحت صلات جارى مى‌شود پس نماز صحيح است. اما بايد قضاى آن بجا آورده شود.

1- در تشهد: صحيحۀ ابن سنان عن احدهما عليهما السلام (امام باقر (ع) يا امام صادق (ع)) «فى الرجل يخرج من صلاته و قد نسى التشهد حتى ينصرف فقال (ع): ان كان قريبا فرجع على مكانه فتشهّد و الّا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه».

تشهد را فراموش مى‌كند و بعد از اتمام نماز يادش مى‌آيد كه تشهد را نخوانده و حضرت مى‌فرمايد كه اگر نزديك است كه تشهد را بخواند يك جاى پاكى را پيدا كند و خود تشهد را بياورد پس اصل نماز درست است و قاعدۀ لا تعاد جارى مى‌شود اما تشهد بايد قضا شود.

2- روايت على بن حمزه قال أبو عبد اللّه (ع): «اذا قمت فى الركعتين الاولتين و لم تتشهد و ذكرت قبل ان تركع، تقعد و تتشهد و ان لم تذكر حتى تركع تمض فى‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 366‌

صلاتك كما انت؟ فاذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهّد التشهد الذي فاتك».

در ركعت دوم اگر تشهد را فراموش كردى و در ركعت سوم يادت آمد پس بنشين و تشهد را بگو و اما اگر يادت نيامد نمازت درست است و بعد تشهد فوت شده را بجا بياور كه اين نسبت به قضاى تشهد وارد شده است. پس در نسيان تشهد هم قاعدۀ لا تعاد جارى مى‌شود، به اعتبار اينكه نماز صحيح است روايات خاصى نيز موجود است كه قضاى تشهد منسى را بايد آورد.

اما در نسيان سجدۀ واحده: سجدۀ واحده اگر نسيانا بجا آورده نشود، اينجا هم قاعدۀ لا تعاد نسبت به صحت صلات جارى مى‌شود و هم روايات خاصه هست كه بايد قضا بشود.

صحيحۀ ابن جار عن ابى عبد اللّه (ع): «فى رجل نسى ان يسجد السجدۀ الثانيۀ حتى قام فذكر و هو قائم انّه لم يسجد، قال (ع): فليسجد ما لم يركع» اگر برخاست و يادش رفت كه سجده را بياورد پس بنشيند و سجدۀ دوم را بياورد مادامى‌كه ركوع را نياورده پس قابل جبران است. چرا كه وارد ركن بعدى نشده. اما اگر بعد از ركوع يادش آمد كه سجدۀ دوم را نياورده «فليمض على صلاته» و نمازش درست است و ادامه دهد «حتى يسلّم ثمّ يسجدها فانّها قضائا» و بعد از آنكه از نماز فارغ شد، آن سجده را بياورد و اين سجدۀ قضاى آن سجدۀ فائته مى‌باشد. پس هم قاعدۀ لا تعاد نسبت به صحت صلات جارى مى‌شود و هم نسبت به سجدۀ فائته روايت خاص وارد شده است.

پس اضافه بر جريان قاعدۀ لا تعاد نسبت به عقد مستثنى منه اين دو مورد را كه استثنا كرديم ادلۀ خاص داريم نسبت به قضاى آن جزء منسى.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 367‌

خلل در سلام

يكى از موارد خلل صلات در تطبيق قاعدۀ لا تعاد، اگر مصلّى سلام را فراموش كند و بعد متوجه شود، اينگونه موارد چند صورت دارد: 1- گاه قبل از فعل منافى صلات است. 2- گاه بعد از فعل منافى صلات است و در فعل منافى گاه فعل منافى نياورده است بلكه سكوت ماحى صلات را آورده است. (سكوت طولانى ماحى هيأت صلات و جزء قواطع محسوب مى‌شود.) يعنى چند دقيقه گذشته لكن فعل منافى را نياورده است و بعد يادش مى‌آيد كه سلام را نياورده است.

لا ريب و لا شك يعتريه بعد از فعل منافى صلات، جاى جريان قاعدۀ لا تعاد نيست و اگر يادش آمد كه سلام را بجا نياورده است چون اين شخص با فعل منافى از صلات خارج شده است، پس با آوردن فعل منافى داخل صلات نيست.

اما اگر تذكر قبل از فعل منافى باشد پس صدق دخول در صلات مى‌كند و قاعدۀ محل مى‌گويد كه تو بايد جزء منسى را بياورى و امر به سلام باقى است و با آوردن سلام از نماز خارج مى‌شود و اما اگر بعد از فعل منافى باشد و متذكر شود، سلام را بجا نياورده است چون لا صلات الّا بطهور و طهور جزء عقد مستثناى قاعدۀ لا تعاد است و خللى وارد شده و نماز او باطل است.

اما بعد از فعل منافى به غير حدث مثلا اگر استدبار قبله باشد، آيا قبله جزء عقد مستثنى است و موجب بطلان صلات مى‌باشد؟ استنادا به قاعدۀ لا تعاد و نسيان سلام قبل از فعل منافى و قبل از سكوت ماحى صلات موجب قاعدۀ محل است و بايد بياورد. اما غير اين حالت نسيان سلام بعد از فعل منافى و بعد از سكوت ماحى صلات، چون فعل منافى در صلات واقع شده است، نماز باطل است و بايد دوباره بياورد. لكن بطلان صلات به واسطۀ ترك تسليم نيست بلكه به واسطۀ وقوع فعل‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 368‌

منافى در صلات است. اما رواياتى در اين باب هست كه به نظر مى‌رسد نسيان سلام مى‌تواند موجب صحت صلات باشد از جمله:

صحيحۀ زراره عن ابى جعفر (ع): «سأله عن الرجل يصلّى ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم قال (ع): تمّت صلاته» قبل از سلام وقوع حدث مبطل صلات نيست و اين آيا به واسطۀ قاعدۀ لا تعاد است يا تعبد خاصى است كه چند احتمال دارد:

1- حدث قبل از سلام مبطل صلات نيست كه اين بر خلاف ضرورت فقه است.

براى اينكه طهارت شرط صلات است. 2- سلام مخرج نيست؛ يعنى بعد از اينكه «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين»، حدث حاصل شده است و قبل از «السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» باشد، اشكالى پيش نمى‌آيد. 3- قبل از اينكه از نماز خارج شود، محدث است و تمّت صلاته يعنى آيا شارع مقدس از طهارت دست برداشته كه اين مشكل است. لذا روايت را بايد حمل بر معناى دوم كنيم.

روايت حسن بن جهم (از نظر سند تعريفى ندارد) از موسى بن جعفر (ع): كسى نماز ظهر را مى‌خواند و بعد از ركعت چهارم مى‌نشيند و حدث صادر مى‌شود، حضرت مى‌فرمايد: اگر «اشهد أن لا اله الا اللّه و أشهد ان محمدا عبده و رسوله» گفته باشد، نمازش را اعاده نكند و قبل از تشهد اعاده كند، ملاكش مسألۀ تشهد است.

يعنى رواياتى كه سلام را مخرج مى‌داند معارض اين مطلب است و عمل اصحاب طبق روايات مخرجيّت سلام است و عامّه به اين روايت عمل كرده‌اند پس بايد اعراض شود.

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 369‌

صحيحۀ حلبى: عن ابى عبد اللّه (ع): اگر از قبله منحرف شود به طور التفات فاحش و در نماز است، نماز را بايد اعاده كند ولى اگر تشهد را گفته است لا تعيد و اين هم شبيه همان مطالب بالاست.

روايت غالب بن عثمان از حضرت صادق (ع): كسى كه نماز مى‌خواند و تشهد مى‌گويد و سلام نمى‌دهد و خوابش مى‌برد، تشهد اگر تشهد اول باشد يعد ينام و بعد يادش مى‌آيد در اينجا حضرت مى‌فرمايد، نمازش درست است و مى‌فرمايد اگر خون دماغ شوى، بينى‌ات را بشوى و بعد سلام را بده؛ اما از اين روايت اصحاب اعراض كرده‌اند و بعضى حمل بر تقيه نموده‌اند و روايات معارض دارند كه سلام مخرج است كه مورد عمل اصحاب است و بايد به اينها عمل شود. لكن در مجموع اين روايات بر اصل لا تعاد چيز تازه‌اى نياورده است.

پس اگر مصلّى سلام را فراموش كرد و متذكر شد كه اگر قبل از فعل منافى باشد و قبل از سكوت ماحى صلات، قاعدۀ محل جارى مى‌شود يعنى سلام را بياورد و خارج شود.

و اگر تذكر بعد از فعل منافى باشد، چه منافى سكوت ماحى صلات باشد يا منافى نقض طهارت، بطلان صلات مستند به فعل منافى است نه به ترك تسليم تا توسط قاعدۀ لا تعاد بتوانيم نمازش را درست كنيم. پس چون احدث بالصلاة و چون سكوت ماحى صلات آورده است نمازش باطل است. لذا قاعدۀ لا تعاد در عقد مستثنى منه جارى نمى‌شود. حالا اگر اجزائى را اضافه كنيم، روايات داريم كه «من زاد فى صلاته فعليه الاعاده»، قاعدۀ لا تعاد تخصيص مى‌خورد كه اگر زياده جزء عقد مستثنى باشد، قاعدۀ لا تعاد جارى و نمازش باطل است ولى اگر زياده جزء مستثنى منه‌

قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، ج‌2، ص: 370‌

باشد، قاعدۀ لا تعاد جارى و نمازش صحيح است. پس در هر دو صورت قاعدۀ لا تعاد جارى است، منتها بعضى اوقات نسبت به عقد مستثنى و بعضى اوقات نسبت به عقد مستثنى منه قاعدۀ لا تعاد.

وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*

________________________________________
بجنوردى، سيد محمد بن حسن موسوى، قواعد فقهيه (بجنوردى، سيد محمد)، 2 جلد، مؤسسه عروج، تهران - ايران، سوم، 1401 ه‍ ق

لا سهو فی سهو

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌2، ص: 258

الأمر السادس:

في أنّه لا سهو في سهو.

و يدلّ على هذا الحكم روايات:

منها: ما عن الشيخ في الصحيح- أو الحسن- عن حفص البختري، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة» «1».

و منها: ما عن الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره أنّه سئل أبا عبد الله عليه السّلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثا، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: أقعدوا،

______________________________
(1) «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 344، ح 1428، باب أحكام السهو، ح 16.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 259‌

و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال عليه السّلام: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلف سهوه باتّفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو» الحديث «1».

و عن الكليني عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السّلام نحوه «2».

فلا إشكال في هذه الجملة من حيث اعتبار السند و الصدور، خصوصا مع تلقّيها الأصحاب بالقبول، فالعمدة فهم المراد منها.

فنقول: الظاهر من قوله عليه السّلام: «لا سهو»، أنّ السهو- أي: السهو المنفي- بمعنى الشكّ، بقرينة نظائره في قوله عليه السّلام «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الركعتين الأوليين في كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة».

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

لا شک فی النافله

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌2، ص: 315

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 315‌

24- قاعدة لا شك في النافلة

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 317‌

قاعدة لا شك في النافلة و من جملة القواعد الفقهية المشهورة هو أنه «لا شك في النافلة».

و فيها جهات من البحث:

الجهة الأولى في مدركها

و هو أمران:

الأول: الروايات:

فمنها: قوله عليه السلام في حسنة البختري: «لا سهو في نافلة» «1» بعد الفراغ عن أن المراد من السهو بقرينة سائر الفقرات هو الشك.

و معلوم أن المراد من نفي الشك في النافلة هو نفيه تشريعا لا تكوينا، و النفي التشريعي للأمور التكوينية لا بد و أن يكون بلحاظ الآثار التشريعية لذلك الشي‌ء، و إلا فالشي‌ء التكويني لا يمكن رفعه حقيقة في عالم الاعتبار، كما أنه لا يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار و التشريع و إلا ينقلب الاعتبار تكوينا، و هو خلف محال.

و الأثر المجعول للشك في عدد الركعات في عالم التشريع هو البطلان في الثنائية‌

______________________________
(1) «الكافي» ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها و لم يدر.، ح 5، «تهذيب الأحكام» ج 3، ص 54، ح 187، باب أحكام الجماعة.، ح 99، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 340، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 8.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 318‌

و الثلاثية، و البناء على الأكثر في الرباعية، فإذا كانت صلاة النافلة أربع ركعات- كما في صلاة الأعرابي و بعض الموارد الأخر المنصوصة- فمعنى نفي الشك فيها هو عدم وجوب البناء على الأكثر، بل إما البناء على الأقل بحكم الاستصحاب بعد سقوط حكم الشك- أي البناء على الأكثر- بواسطة هذه الروايات و غيرها من الأدلة، و إما التخيير بين الأقل و الأكثر بعد البناء على عدم حجية الاستصحاب في عدد ركعات الصلاة إجماعا.

و إذا كانت أقل من أربع ركعات فحكم الشك هو البطلان، للروايات المستفيضة الواردة في هذا الباب، فإذا ارتفع البطلان فالحكم إما البناء على الأقل لو قلنا بحجية الاستصحاب في عدد الركعات، أو التخيير بناء على عدم حجيته.

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في النافلة؟ فقال عليه السلام: «ليس عليك شي‌ء- و في بعض النسخ- سهو» «1» و على كلتا النسختين، النتيجة واحدة و هي صحة الصلاة و عدم وجوب البناء على الأكثر.

و منها: ما رواه في الكافي مرسلة و قال: و روى: «إذا سها في النافلة بنى على الأقل» «2».

و ظاهر هذه المرسلة هو تعين البناء على الأقل، و بناء على ما قلنا- من عدم دلالة الصحيحة على وجوب البناء على الأكثر بل لها دلالة على عدم البناء على الأكثر، كما أنه يجب ذلك أي البناء على الأكثر، في الرباعيات من الفريضة فإنه حكم الشك فيها و مرفوع في النافلة- فلا تعارض بينها و بين المرسلة التي رواها الكليني، فتكون النتيجة هو البناء على الأقل.

______________________________
(1) «الكافي» ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته كلها.، ح 1، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 343، ح 1422، باب أحكام السهو، ح 10، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 1.

(2) «الكافي» ج 3، ص 395، باب من شك في صلاته كلها.، ح 6.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 319‌

و لكن لما تحقق الإجماع على التخير، بل قال في الأمالي: إنه من دين الإمامية، فلا يمكن الالتزام بالبناء على الأقل.

و بعبارة أخرى: مقتضى الصحيحة هو المضي في الصلاة التي كانت نافلة و عدم الاعتناء بالشك، فيلاحظ المصلي ما هو صرفته فيبني عليه، سواء كان هو الأقل أو الأكثر، فربما يكون صرفته في البناء على الأكثر، فله أن يبني عليه، كما أنه إذا كان صرفته في البناء على الأقل له أن يبني عليه.

و هذا المعنى خلاف التخيير، بل معناه لزوم البناء على الأقل في صورة، و لزوم البناء على الأكثر في صورة أخرى، و ظاهر المرسلة هو تعين البناء على الأقل مطلقا.

و لكن بواسطة هذا الإجماع المحقق لا بد و أن يرفع اليد عن ظهور كل واحد في تعين خصوص الأقل أو الأكثر، أي يجمع بين الصحيحة و المرسلة هكذا.

و ربما يقال: بأن ظاهر الصحيحة هو التخيير، لأن ظاهر قوله عليه السلام «ليس عليك شي‌ء» هو أنك لست ملزما بشي‌ء، فلو كان الواجب هو البناء على الأقل أو كان هو البناء على الأكثر فيلزم أن يكون عليه شي‌ء، و هو وجوب البناء على خصوص الأقل أو خصوص الأكثر، فمقتضى نفي الشي‌ء عليه هو التخيير.

هذا، و لكن الظاهر من نفي الشي‌ء هو صلاة الاحتياط، أو سجود السهو، إن كان المراد من السهو خصوص النسيان، أو الأعم منه و من الشك.

و التحقيق: هو أنه لو لم يكن هذا الإجماع لكان مقتضى قوله عليه السلام: «لا سهو في النافلة» بناء على أن يكون المراد من السهو هو الشك- نفي حكم الشك الذي هو البطلان في الثنائية و الثلاثية، و البناء على الأكثر في الرباعية، و بعد نفي هذين الاثنين، فإما التخيير لو قلنا بعدم حجية الاستصحاب في الركعات كما أنه قيل، أو البناء على الأقل بناء على حجيته.

و أما خصوص البناء على الأكثر فلا يستفاد من هذه الرواية أصلا، و أما الصحيحة‌

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 320‌

فقد عرفت أن ظاهرها هو البناء على الصرفة. و أما المرسلة فقد عرفت أن ظاهرها تعين البناء على الأقل، و أما تعين البناء على الأكثر فليس له أثر في الأخبار إلا إذا كان فيه الصرفة.

و الإنصاف: أنه لو لم يكن هذا الإجماع على التخيير كان المتعين هو الأخذ بالصرفة الذي هو مفاد الصحيحة، لأن المرسلة و إن كان لا ينكر ظهورها في تعين البناء على الأقل، إلا أن مخالفتها للشهرة بل الإجماع المحقق توجبها ضعفا على ضعف، فلا يمكن الالتزام بمؤداها.

و أما قوله عليه السلام في حسنة البختري «لا سهو في النافلة» فلا تعارض له مع مفاد الصحيحة، أي الأخذ بالصرفة، لأنه في مقام نفي حكم الشك لا البناء على خصوص الأقل أو الأكثر. و لكن هذا الإجماع المحقق على التخيير يمنع عن تعين الأخذ بالأقل أو الأكثر و إن كان فيه الصرفة.

و ربما يقال: إن المراد من «لا سهو في النافلة» أو قوله عليه السلام «ليس عليه شي‌ء» أي ليس عليه الإعادة- من جهة الحكم بالبطلان، كما هو كذلك في جملة من موارد الشك في الفريضة التي حكم فيها، ببطلان ما وقع الشك فيها كفريضة الصبح و المغرب، أو الذي لا يدري أنه كم صلى- أو أنه ليس عليه جبر مع البناء على الأكثر، أي يبني على الأكثر و ليس عليه صلاة الاحتياط، مثلا لو شك بين الواحد و الاثنين فيبني على الاثنين بدون تدارك ما احتمل فوته، أي الركعة الثانية بالركعة المنفصلة احتياطا، كما أنه كان يجب الاحتياط في الفريضة.

و احتمل أن الكليني قدس سره فهم- من صحيحة محمد بن مسلم- عن أحدهما قال:

سألته عن السهو في النافلة؟ قال عليه السلام: «ليس عليه شي‌ء أو في نسخة أخرى: ليس عليه سهو» هذا المعنى، أي ليس عليه الجبر بصلاة الاحتياط و يجب البناء على الأكثر فقط، بخلاف الفريضة، لأن فيها الجبر و يجب فيها البناء على الأكثر أيضا.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 321‌

فمفاد الصحيحة بناء على هذا هو، أنّ النافلة و الفريضة مشتركان في البناء على الأكثر، و الفرق بينهما هو أنّه ليس في النافلة جبر ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط، بخلاف الفريضة فإنّ فيها الجبر. و حيث فهم من الصحيحة هذا المعنى، أي البناء على الأكثر مع عدم الجبر ذكر بعد ذلك تلك المرسلة التي تدلّ على البناء على الأقلّ كي يجمع بينهما و بين الصحيحة بإرادة التخيير.

و لكن أنت خبير بما في هذا الاحتمال من الضعف و الخلل، و قد عرفت أن الظاهر من الصحيحة هو البناء على الصرفة، لأن الظاهر من كلمة «لا شي‌ء عليه» أي يمضي في صلاته بدون أن يكون عليه شي‌ء من الإعادة أو الجبر بصلاة الاحتياط، و لازم هذا المعنى هو الأخذ بالصرفة التي قلنا بها في معنى الحديث.

الثاني: الإجماع،

و قد ادعاه جمع من الأعاظم كما في المعتبر «1»، و الرياض «2»، و المصابيح، و التهذيب «3»، و عن مفتاح الكرامة نقلا عن الأمالي أنه من دين الإمامية «4»، و عن الغنية و الخلاف كما في الجواهر نقلا عنه حيث قال: لا سهو في النافلة، و به قال ابن سيرين. و قال باقي الفقهاء: حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو. دليلنا:

إجماع الفرقة، و أيضا الأصل البراءة، فمن أوجب حكما فعليه الدليل، و أخبارنا في ذلك أكثر من أن تحصى «5».

و قد عرفت مرارا ما في الاستدلال بالإجماع في هذه الموارد فلا نعيد. نعم هذه الإجماعات المدعاة في أمثال المقام توجب الوثوق بصدور الرواية التي مفادها مفاد هذه الإجماعات.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

کثیر الشک

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌2، ص: 343

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 343‌

25- قاعدة لا شكّ لكثير الشكّ

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 345‌

قاعدة لا شك لكثير الشك «1» و من جملة القواعد الفقهيّة قاعدة «نفي الشكّ و عدم اعتباره من كثير الشكّ في الصلاة»: أي حكمه، و لذلك قد يعبّر عن هذه القاعدة بأنّه: «لا حكم للسهو مع كثرته».

و فيها جهات من البحث:

[الجهة] الأولى في مدركها

و هو الأخبار و الإجماع.

أمّا الإجماع:

فقد تكرّر منّا في هذا الكتاب أنّه لا اعتبار بها في مثل هذا الموارد التي وردت فيها أخبار معتبرة، للظنّ بل العلم بأنّ مدرك المجمعين هو هذه الأخبار، فلا بدّ من الرجوع إليها و أنّها هل تدلّ على هذه القاعدة أم لا؟

و أمّا الأخبار:

فمنها: صحيحة محمد بن مسلّم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان» «2».

______________________________
(1). «القواعد» ص 243، «المبادي العامة للفقه الجعفري» ص 251.

(2). «الكافي» ج 3، ص 359، باب من شكّ في صلاته كلّها.، ح 8، «الفقيه» ج 1، ص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 989، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 343، ح 1422، باب أحكام السهو، ح 12، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 1.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 346‌

و منها: صحيحة زرارة و أبي بصير- أو حسنتهما- قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال عليه السلام: «يعيد». قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّه؟ قال عليه السلام: «يمضي في شكّه»، ثمَّ قال عليه السلام: «لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ». قال زرارة: ثمَّ قال عليه السلام: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم» «1».

محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله «2».

و منها: بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن ابن سنان، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» «3».

و منها: موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا. و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟

فقال عليه السلام: «لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقينا» الحديث «4».

و منها: مرسلة الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين، قال: قال الرضا عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك و لا تعد» «5».

______________________________
(1) «الكافي» ج 3، ص 358، باب من شكّ في صلاته و لم يدر زاد أو نقص، ح 2، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 2.

(2) «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 188، ح 747، باب أحكام السهو في الصلاة.، ح 48، «الاستبصار» ج 1، ص 374، ح 1422، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة.، ح 5.

(3) «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 343، ح 1423، باب أحكام السهو، ح 11، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 3.

(4) «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 153، ح 604، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة.، ح 62، «الاستبصار» ج 1، ص 362، ح 1372، باب من شكّ فلم يدر واحدة سجد أم اثنتين، ح 5، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 330، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 5.

(5) «الفقيه» ج 1، ص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 998، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 330، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 6.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 347‌

و منها: ما رواه محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام قال: «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو» «1».

و منها: ما روى ابن إدريس في آخر السرائر منتهيا إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا سهو على من أقرّ على نفسه بسهو» «2».

هذه هي الأخبار الواردة في هذا الباب.

فنقول: أمّا دلالة صحيحة محمّد بن مسلم على عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه واضح بناء على أن يكون المراد من السهو هو الشكّ في قوله عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» و هو كذلك إذ لو كان المراد منه النسيان- بمعنى أنّه يعلم بنسيان الجزء الفلاني كالركوع أو السجود- فلا يمكن ردعه، لأنّ حجّية العلم ذاتيّة ليس قابلا للردع، فلا بدّ و أن يكون المراد منه الشكّ و احتمال عدم الإتيان لا القطع بعدمه، فالمراد من قوله عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» هو أنّه إذا كنت شكّاكا فلا تعتن بشكّك، و احتمال النقيصة فيما إذا كان شكّك بالنسبة إلى عدم الإتيان بجزء أو شرط، و لا تعتن باحتمال الزيادة إذا كان شكّك بالنسبة إلى وجود مانع، و امض في صلاتك و الق احتمال عدم وجود شرط أو جزء، أو احتمال وجود مانع في صلاتك، أي ابن على تماميّة ما أتيت به، و عدم خلل فيه من حيث الزيادة و النقيصة.

و الفرق بينها و بين أصالة الصحّة أنّ الثانية تجري بعد الفراغ عن العمل و هذه القاعدة في الأثناء، و بينها و بين قاعدة التجاوز هو أنّ الثانية تجري بعد التجاوز عن المحلّ و هذه تجري و لو كان في المحلّ.

و أمّا صحيحة زرارة و أبي بصير: فصدر الرواية ربما يوهم خلاف المقصود، لأنّ جوابه عليه السلام بقوله «يعيد»- عن قولهما: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته- يدلّ على‌

______________________________
(1) «الفقيه» ج 1، ص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 990، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 330، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 7.

(2) «كتاب السرائر» ج 3، ص 614.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 348‌

الاعتناء بالشكّ و لو كان كثير الشكّ، بل الحكم بالاعتناء و الإعادة في نفس مورد كثير الشكّ.

لكنّه ليس كذلك، إذ المراد بهذه الجملة يمكن أن يكون أنّ الرجل ليس ممن يحفظ عدد الركعات دائما، بل يشكّ كثيرا باعتبار الوقائع المتعدّدة، مثلا في كلّ أسبوع يشكّ في عدد ركعات صلاته مرّتين و إن كان لا يصل إلى حدّ يتّصف بعنوان أنّه كثير الشك عرفا، و أنّه يشكّ في صلاة واحدة ثلاث مرّات، أو يشكّ في ثلاث صلوات متواليات في كلّ واحد منها مرّة واحدة.

فإذا كانت الكثرة في صدر الرواية بهذا المعنى فلا تنافي بين صدر الصحيحة و ذيلها حيث يحكم عليه السلام في الصدر بوجوب الإعادة في موضوع كثير الشكّ، و يحكم في الذيل بعدم الاعتناء بالشكّ و المضيّ في صلاته أيضا في هذا الموضوع، أي موضوع كثير الشكّ، لأنّه كما عرفت ليس كثرة الشكّ في المقامين بمعنى واحد.

و احتمل بعضهم أن يكون المراد بكثرة الشكّ في الصدر باعتبار تعدّد المتعلّق في تلك الواقعة الواحدة، أي تعدّد احتمالاته، مثلا يحتمل أن يكون ما بيده هي الركعة الأولى و بعد لم يتمها، و يحتمل أن تكون هي الثانية، و يحتمل أن تكون هي الثالثة و هكذا كثرة الاحتمالات بواسطة كثرة المحتمل، مع أنّه شكّ واحد في واقعة واحدة.

و لكن الإنصاف أنّ هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر قوله: «الرجل يشكّ كثيرا».

و استظهر المقدّس الأردبيلي قدّس سرّه من هذه الصحيحة التخيير «1»، بمعنى أنّ كثير الشكّ مخيّر بين أن يعتني بشكّه و يبني على عدم إيجاد المشكوك و يعيد الصلاة، و بين أن لا يعتني بشكّه و يبني على وجود المشكوك و يمضي في صلاته. فمفاد الصدر هو الشقّ الأوّل من شقّي التخيير، و مفاد الذيل هو الشقّ الثاني.

و حكى في الجواهر عن المحقّق الثاني أيضا التخيير بين البناء على وجود المشكوك‌

______________________________
(1) «مجمع الفائدة و البرهان» ج 3، ص 142.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 349‌

و وقوعه، و البناء على الأقلّ بمعنى عدم الإتيان بالمشكوك «1».

و حكى عن الشهيد في ذكري أيضا أنّ عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه رخصة فيجوز أن يعمل على مقتضى الشكّ فيتلافى إن كان في المحلّ مثلا «2».

و لكن أنت خبير بأنّ التخيير ينافي ظاهر هذه الروايات، حيث أنّه عليه السلام أمر بالمضي في صلاته، و الأمر ظاهر في الوجوب، خصوصا مع هذا التعليل و أنّ المضي و عدم الاعتناء بالشكّ رغما لأنف الشيطان و عصيان له و إذا عصى لا يعود، و نهيه عليه السلام عن تعويده بالاعتناء بالشكّ و أنّه إذا عصى لا يعود لأنّ الخبيث يريد أن يطاع فلا يعود إذا عصى، و نهيه عليه السلام عن الإتيان بالمشكوك بقوله: «لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقينا» في خبر ابن سنان.

و الحاصل: أنّ هذه الروايات لها ظهور تامّ في تعيّن المضي و وجوب عدم الاعتناء بالشكّ، و آبية عن التخيير بأيّ معنى كان ممّا ذكرنا، فما أفاده المقدّس الأردبيلي- و نسب إلى الشهيد في ذكري و إلى المحقّق الثاني في رسالته السهويّة- ممّا لا يمكن الموافقة معهم، و ليس كما ينبغي. و الإنصاف أنّه لا إشكال و لا غبار في دلالة هذه الروايات على هذه القاعدة، أي عدم الاعتناء بشكّ كثير الشكّ.

ثمَّ إنّه بناء على وجوب المضي و عدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ لو أراد أن يتلافى المشكوك المحتمل العدم و أتى به، فالظاهر بطلان صلاته، لأنّه زيادة منهيّة عنها في الصلاة، إلّا أن يكون المشكوك المحتمل العدم من الأشياء التي يجوز فعله في الصلاة لكن لا بقصد الجزئيّة، بل يأتي بها بقصد القربة المطلقة، فالمتعيّن هو عدم الاعتناء بالشكّ و المضي في الصلاة بأن يبني على وجود المشكوك إن كان من الأجزاء و الشرائط، و على عدمه إنّ كان من الموانع، لأنّ هذا المعنى هو المتفاهم العرفي و ما هو‌

______________________________
(1) «جواهر الكلام» ج 12، ص 417.

(2) «ذكري الشيعة» ص 223.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 350‌

الظاهر من كلمة «يمضي» سواء كان بصورة الجملة الخبريّة، أو بصورة الإنشاء كقوله امض.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)؛ ج‌2، ص: 277

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 277‌

23- قاعدة لا شكّ للإمام و المأموم مع حفظ الآخر

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 279‌

قاعدة لا شكّ للإمام و المأموم مع حفظ الآخر «1» و من جملة القواعد الفقهيّة المشهورة أنّه «لا شكّ للإمام مع حفظ المأموم» و كذلك بالعكس، أي لا شكّ للمأموم مع حفظ الإمام.

و فيها جهات من البحث:

[الجهة] الأولى في مدركها

و هو أمران:

الأوّل: الروايات:

فمنها: مرسلة يونس عن الصادق عليه السّلام المروية في الكافي و التهذيب عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السّلام سألته عن الإمام يصلّي بأربعة أنفس أو خمسة، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثة، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا، و يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليه؟ قال عليه السّلام: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الركعتين الأوليين من كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط، الإعادة و الأخذ بالجزم» «2».

______________________________
(1). «القواعد» ص 241.

(2). «الكافي» ج 3، ص 358، باب من شكّ في صلاته كلّها و لم يدر زاد أو نقص.، ح 5، «تهذيب الأحكام» ج 3، ص 54، ح 187، باب أحكام الجماعة.، ح 99، و فيهما: «بإيقان منهم» بدل «باتّفاق منهم».

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 280‌

و خبر حفص بن البختري في الصحيح أو الحسن عنه أيضا، قال عليه السّلام: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة» «1».

و هاهنا أخبار كثيرة ذكرها في الوسائل «2»، و لكن أغلبها يفيد معنى آخر غير ما نحن بصدده و إن ذكرها صاحب الوسائل في هذا الباب.

و فيما ذكرناه خصوصا مرسلة يونس غنى و كفاية، فإنّها صريحة في أنّ المورد مورد شكّ الإمام إمّا متساوي الطرفين أو الإمام مائل إلى أحد الطرفين فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم» فهذه الجملة تدلّ على عدم الاعتبار و الاعتناء بشكّ الإمام مع حفظ المأموم سهوه عليه، فنزل عليه السّلام حفظ المأموم سهو الإمام عليه منزلة حفظ نفس الإمام سهوه. و الجملة الثانية- أي قوله عليه السّلام: «و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» تدلّ على أنّه لا اعتبار بشكّ المأموم مع حفظ الإمام سهوه عليه.

فالجملتان تدلّان دلالة واضحة على طرفي هذه القاعدة، أي: عدم الاعتناء بشكّ الإمام مع حفظ المأموم، و عدم الاعتناء بشكّ المأموم مع حفظ الإمام. و حيث أنّ العمل بهذه الرواية متّفق عليه بين الأصحاب، و لم يخالف أحد منهم فلا مجال للقول بأنّها مرسلة و ضعيف السند.

الثانية: الإجماع،

فإنّه لم يخالف في هذا الحكم أحد من الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين. و قد تكرّر الإشكال في مثل هذه الإجماعات التي لها مدارك‌

______________________________
(1). «الكافي» ج 3، ص 359، باب من شكّ في صلاته و لم يدر زاد أو نقص.، ح 7، «تهذيب الأحكام» ج 2، ص 344، ح 1428، باب أحكام السهو، ح 16، «وسائل الشيعة» ج 5، ص 338، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 3.

(2) «وسائل الشيعة» ج 5، ص 338- 341، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،: باب 24: باب عدم وجوب شي‌ء بسهو الإمام مع حفظ المأموم.

القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، ج‌2، ص: 281‌

معيّنة، فلا نعيد.

و قد يقال بوجه آخر لاعتبار هذه القاعدة من الطرفين، و هو أنّه يستفاد من مجموع أخبار هذا الباب أنّ صلاة الإمام مع صلاة المأموم كأنّهما صلاة واحدة و صادرة من شخص واحد، و بعبارة أخرى: كان المصلّي واحد، و لذلك تكون قراءة الإمام بدلا عن قراءة المأموم، فكأنّه هو قرأ، فبناء على هذا يكون حفظ أحدهما حفظ الآخر، فيجب على كلّ واحد منهما آثار حفظ نفسه- و إن كان شاكّا- عند حفظ الآخر، لما ذكرنا من أنّ حفظ كلّ واحد منهما يكون بمنزلة حفظ الآخر، فيجب على كلّ واحد منهما إلغاء شكّ نفسه و عدم الاعتناء بشكّه إذا كان الآخر حافظا، فيرتّب آثار الحفظ مع أنّه شاكّ و يلغى آثار الشكّ.

فلو شكّ أحدهما في الأوليين يلغى أثر الشكّ الذي هو البطلان، و يراجع إلى حفظ الآخر فيبني على صحّة صلاته، مع أنّه شكّ في الأوليين.

و لو شكّ في الأخيرتين يلغى أثر الشكّ، و هو البناء على الأكثر و الإتيان بصلاة الاحتياط منفصلة و مستقلّة، بل يرجع إلى حفظ الآخر و يتمّ صلاته و لا شي‌ء عليه، لما ذكرنا من أنّ حفظ الآخر يحسب حفظه، فكأنّه ليس بشاكّ.

و لكن أنت خبير بأنّ هذا الكلام و إن كان استحسانا حسنا و لكن صرف الاستحسان و الظنّ بالملاك لا يمكن أن يكون مدركا للحكم الشرعي، و يحتاج إلي ورود دليل على ذلك و أنّ حفظ كلّ واحد منهما يحسب حفظا للآخر. نعم هذا الحكم في الجملة مورد الاتّفاق و ظاهر الروايات المعتبرة التي ذكرنا بعضها.

________________________________________
بجنوردى، سيد حسن بن آقا بزرگ موسوى، القواعد الفقهية (للبجنوردي، السيد حسن)، 7 جلد، نشر الهادي، قم - ايران، اول، 1419 ه‍ ق

من ادرک

مائة قاعدة فقهية؛ ص: 277

مائة قاعدة فقهية، ص: 277‌

قاعدة من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة

المعنى: معنى القاعدة هو أنّ إتيان الركعة الواحدة من الصلاة في الوقت يكون بمنزلة إتيان الصلاة بتمامها في الوقت، فكلّ صلاة تقع ركعتها الاولى في الوقت، يكفي في تحقق الصلاة أداء فتكون الصلاة مجزية على أساس القاعدة.

المدرك: يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:

1- الروايات: و هي الواردة في باب المواقيت.

منها معتبرة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «فإن صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته «1». دلّت على أنّ الركعة الواحدة من صلاة الفجر إذا وقعت في الوقت تكون بمنزلة وقوع الصلاة في الوقت بتمامها و كمالها، فتصبح الصلاة مجزئة، و بما أنّه لا خصوصية لصلاة الفجر يشمل الحكم جميع الصلوات.

و منها النبويّ الذي ذكر الشهيد رحمه اللّه في الذكرى، قال: روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» «2». فهذا النبويّ هي‌

______________________________
(1) الوسائل: ج 3 ص 158 باب 30 من أبواب المواقيت، ح 1.

(2) نفس المصدر السابق: ح 4.

مائة قاعدة فقهية، ص: 278‌

القاعدة بنفسها.

و منها النبويّ الآخر عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الشمس» «1». دلّ على أن إتيان الركعة الواحدة في الوقت تكفي في وقوع صلاة العصر أداء و بما أن النبويين مرسلان يستفاد منهما التأييد فقط.

2- التسالم: قد تحقّق التسالم عند الفقهاء على مدلول القاعدة فلا خلاف فيه بينهم. كما قال المحقّق صاحب الجواهر رحمه اللّه في هذا المقام: (و لو زال المانع فإن أدرك) من آخر الوقت ما يسع (الطهارة) خاصة أو مع سائر الشرائط على القولين (و) مسمّى ال‍ (ركعة من الفريضة) الذي يحصل برفع الرأس من السجدة الأخيرة على الأصح (لزمه أدائها) و فعلها، لعموم (من أدرك) و غيره (و يكون) بذلك (مؤدّيا) لا قاضيا و لا ملفّقا (على الأظهر) الأشهر بل المشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجّة بعد كون الصلاة على ما افتتحت عليه، و بعد وجود خاصيّة الأداء فيه، ضرورة ظهور نص من أدرك الركعة و غيره ممّا دل على الحكم المذكور «2». و قال السيّد اليزديّ رحمه اللّه: كل صلاة أدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة فهو أداء و يجب الإتيان به فإن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت «3». و قال السيّد الحكيم رحمه اللّه في أنّ الأمر يكون كذلك: كما هو المعروف و عن التذكرة و المدارك أنّه إجماعيّ و عن المنتهى لا خلاف فيه بين أهل العلم «4».

و قال شيخ الطائفة رحمه اللّه: فإن لحق بركعة من العصر قبل غروب الشمس لزمه العصر كلّها. و يكون مؤدّيا لها لا قاضيا لجميعها و لا لبعضها، على الظاهر من المذهب «5» و الأمر كما أفاده.

______________________________
(1) الوسائل: ج 3 ص 158 باب 30 من أبواب المواقيت، ح 5.

(2) جواهر الكلام: ج 7 ص 257.

(3) العروة الوثقى: ص 161 أوقات الرواتب.

(4) مستمسك العروة: ج 5 ص 100.

(5) المبسوط: ج 1 ص 72.

مائة قاعدة فقهية، ص: 279‌

فرعان

الأوّل: من المعلوم أنّ الاجتزاء في المقام يكون امتنانا على العباد في موارد خاصّة و عليه كان المتيقن لولا المتبادر من النصوص و الفتاوي هو فرض المانع و الاضطرار، و لا يجوز التأخير عن عمد إلى أن يبقى من الوقت ما يكفي لركعة واحدة فقط، كما قال السيّد اليزديّ رحمه اللّه: و لا يجوز التعمد في التأخير إلى ذلك (بقاء الوقت للركعة الواحدة) «1».

الثاني: قال السيّد اليزديّ رحمه اللّه: إذا أدرك ركعة أو أزيد يجب ترك المستحبّات، محافظة على الوقت بقدر الإمكان. نعم في المقدار الذي لا بدّ من وقوعه خارج الوقت لا بأس بإتيان المستحبّات «2».

______________________________
(1) العروة الوثقى: ص 161 أوقات الرواتب.

(2) نفس المصدر السابق: ص 166.

________________________________________
مصطفوى، سيد محمد كاظم، مائة قاعدة فقهية، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، چهارم، 1421 ه‍ ق

میسور

العناوين الفقهية؛ ج‌1، ص: 463

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 463‌

العنوان التاسع عشر في بيان قاعدة الميسور

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 464‌

عنوان 19 من جملة القواعد المتلقاة من الشرع الكثيرة الدوران المتشتة الفروع قاعدة الميسور و لزوم الإتيان بالمستطاع، و يتمسك بها في لزوم تخفيف النجاسة كما و كيفا كالغسل مرة و إن لم يطهر و في غسلات الولوغ، و منزوحات البئر، و تباعد البالوعة، و قيام غير التراب مقامه في التطهير «1» و وضوء الأقطع، و الجبير، و في أعداد غسلات الوضوء و المضمضة و غسل اليد، و المباشرة في جميع ما تعتبر فيه، و حكاية ما أمكن من الأذان و الإتيان بسائر الدعوات المندوبة، و أعداد مسحات الاستبراء و خرطاته، و جلوس الحائض في مصلاها، و مندوبات الاحتضار و الموت، و الغسل بالقراح مع تعذر الخليط من سدر أو كافور، و من وراء الثياب و قيام غير الساتر مقامه، و الواحد مقام الثلاثة في الكفن، و كفاية التكبيرات في صلاة الميت، و الممكن من التربيع للجنازة، و طلب الماء و إن لم يكن غلوة أو غلوتين، و المسح مقام الغسل، و ظهر اليد موضع بطنها و إحداهما مقام الاثنتين، و الممكن من النوافل، و ستر ما أمكن من العورة، و لزوم الصلاة عاريا، و ما أمكن من البعد بين المرأة و الرجل في الصلاة، و ارتكاب أقل‌

______________________________
(1) كذا في النسخ، و المناسب وقوع هذه الفقرة بعد فقرة: و في غسلات الولوغ.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 465‌

المحذورين و لو اعتبارا في تعارض المكروهين أو الحرامين، و قيام الاعتماد و القعود و الاضطجاع و الاستلقاء مقام القيام، و بعض القراءة و الترجمة و الملحون و الذكر مقام الكل الصحيح، و في المقدور من انحناء الركوع و نحوه من سائر الأجزاء و الشرائط، و أداء المقدور من الحقوق الواجبة المالية كلها، و القيام في المعبر و حركة الرجلين لمن نذر المشي، و في فرض «1» الكفارات على العدد، و لزوم الكف عن المفطرات و إن أفطر، و لزوم المقدور من الصيام و الإطعام، و تقديم المعتكف أقل الطريقين ظلا، و استنابة العاجز عن الحج و كون النائب من الأقرب إلى بلده، و صرف المال القاصر عن الحج الموصى به في وجوه البر، و لزوم الأقرب إلى الميقات لو أمكن، و في انتقال حكم العضو الأصلي «2» إلى الزائد، و تقدر الضرورة إلى ترك واجب أو فعل محرم بقدرها، و إحياء بعض الليلة، و تباعد الرامي، و صفات الجمار و الهدي، و ذبح هدي القرآن و إن لم يبلغ محله، و إمرار فاقد الشعر الموسى على رأسه، و المقدور من الأمر بمعروف أو النهي عن منكر، و إجراء الحدود و الأحكام، و مراعاة الوكلاء و الأمناء و الأولياء المصالح درجة بعد درجة، و ذبح الواقع في البئر من دون شرائطه، و مسألة فوات الفور، و فوات القيد من زمان أو مكان أو وصف أو حالة ذاتي أو عرضي قابل للتبدل أم لا، و نظائر ذلك مما لا يخفى على المتتبع. و تنقيح المقام بحيث يرتفع عنه غشاوة الإبهام أن يقال: إن المأمور به قد لا يكون أمورا متعددة مستقلة غير مجتمعة تحت اسم واحد، كالصوم و الصلاة و نحوهما. و قد يكون أمورا متعددة مندرجة تحت عنوان بحيث يكون كل منها مأمورا به على طريقة العموم الأصولي، كأيام شهر رمضان و النوافل اليومية على ما حققناه في محله‌

______________________________
(1) كذا في «ن، م»، و في «د، ف»: فضّ.

(2) في «ن، د»: الأصيل.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 466‌

و قد يكون المأمور به مركبا من أجزاء يطلق على كل منها اسم الكل، كستر العورة و أداء الدين و نظيرهما مما يطلق على الجزء اسم الكل، كقراءة القرآن. و قد يكون مركبا من أجزاء خارجية تدريجية لا يطلق على كل منها اسم الكل مع ارتباط بعض منها ببعض بحيث لو اختل أحدها اختيارا لاختل الباقي، كالصلاة و الصوم و قراءة سورة خاصة و الحج و نحو ذلك. و قد يكون المأمور به أمرا مقيدا خاصا، إما بحالة كالركوع و السجود و نحوه، أو بوصف كالمشي الذي هو عبارة عن الحركة من مكان إلى مكان مثلا بتحريك الرجلين و بتوسطهما، أو بإضافة كماء السدر و ماء الكافور، و نظائر ذلك من قيود زمان أو مكان بحيث لو فات تلك الحالة أو الوصف أو الإضافة أو القيد لفات اسم المأمور به و إن بقي هناك بعض من مقدماته أو أجزائه. و قد يكون مركبا من أجزاء عقلية، كالأنواع المركبة من الأجناس و الفصول. ثم قد يكون الباقي بعد فوات المتعذر بحيث يصدق عرفا و عادة أنه من أبعاض المجموع المركب و من بقاياه و المقدور منه، و قد يكون أمرا خارجيا لا يصدق عليه ذلك في نظر العرف. ثم قد يكون هذا المأمور به مطلوبا بأمر تعبدي، و قد يكون مطلوبا بأمر توصلي كما لو كان سببا لأمر أو شرطا أو رفع مانع و نحو ذلك و قد يكون مطلوبا بالاعتبارين. فهنا مباحث ينبغي التأمل فيها حتى يتضح الأمر. فنقول: الأصل في هذه المسألة من طريق السنة روايات: أحدها: ما رواه في غوالي اللئالي عن النبي صلى الله عليه و آله و رواه الأصحاب في كتب الفروع، و هو قوله عليه السلام: إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم «1». و ثانيها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في الغوالي و غيره: الميسور لا يسقط‌

______________________________
(1) عوالي اللآلي 4: 58، ح 06، بلفظ: إذا أمرتم بأمر فأتوا منه بما استطعتم.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 467‌

بالمعسور «1». و ثالثها: عنه عليه السلام أيضا: ما لا يدرك كله لا يترك كله «2». إذا عرفت هذا، فاعلم: أنه لا إشكال في لزوم الإتيان بالمقدور في القسم الأول، إذ الواجبات أمور مستقلة غير مرتبطة، و تعذر أحدها يوجب سقوط الخطاب عنها، و مقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب في المقدور، و لا شبهة في جريانه في هذا المقام عند من قال بحجيته، مضافا إلى أن ذلك مقتضى إطلاق الخطاب، فإن الأوامر تدل على مطلوبية المأمور به سواء تعذر غيره أو أمكن، مع أن هذا القسم محل وفاق، بل محل ضرورة لا يشك فيه مشكك. و لكن الرواية الأولى غير شاملة له، إذ الظاهر من تنكير كلمة (شي‌ء) و قرينة قوله: (منه) إرادة البعض من المأمور به الواحد المركب كما سيفصل و المقام ليس منه. فإن قلت: عموم ما دل على الإطاعة يشمل الكل، فيكون كل هذه الأمور بعضا من الإطاعة أو فردا منها، فيندرج تحت الرواية بذلك الوجه. قلت أولا: إن المراد من ملاحظة الأوامر الخاصة أنفسها، لا من حيث الأمر العام، و فرق بين المقامين. و ثانيا: أن معنى الإطاعة: الإتيان بالمطلوب، فدخول ذلك الخاص تحت العام فرع كونه مأمورا به. و بعبارة أخرى: إذا تعذر أحد الأمور المطلوبة، فإن كان الباقي لازم الإتيان إما لأصل أو إجماع أو إطلاق أو قاعدة جارية في الخصوصية فيصير الإتيان بالبقية إطاعة جزءا أو فردا، فيأتي فيه عموم دليل الإطاعة و قاعدة الميسور أيضا‌

______________________________
(1) عوالي اللآلي 4: 58، ح 205، رواه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، بلفظ: لا يترك الميسور بالمعسور.

(2) المصدر: ح 207؛ قال المحقق النراقي قدّس سرّه بعد نقل الأحاديث: و الأوّل مرويّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الثانيان عن عليّ عليه السّلام، انظر عوائد الأيّام: 88.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 468‌

بالنسبة إلى الإطاعة، فيمكن أن يقال: قد أمرنا بالإطاعة، فيلزم الإتيان بالمستطاع منها. و لو لم يكن الباقي لازم الإتيان مشمولا لأحد الأدلة المذكورة، فلا يكون الإتيان به إطاعة حتى تكون مأمورا بالإتيان بها لأنها مستطاعة، فإدراج المقام تحت الإتيان بالمستطاع من الإطاعة العامة فرع إدراج المقدور تحت الأوامر الخاصة أو إجراء قاعدة المستطاع فيها بالنسبة إلى تلك الأوامر حتى يصير إطاعة فيلحقه الأمر، و ليس كذلك، مع ما فيه من أنظار آخر لا يهم ذكرها. و لكنه يشمله الرواية الثانية، إذ لم يعتبر فيها وحدة و لا تعدد، و إنما المراد به: أن تعذر شي‌ء لا يكون سببا لسقوط المقدور الممكن. و أما الثالثة: فقد يتوهم عدم شمولها أيضا، باعتبار أن الظاهر من الكل المجموع المركب. و ليس كذلك، بل هو أعم من المركب من الأجزاء باعتبار التركيب أو الموجود في الأفراد باعتبار ذلك. فقوله عليه السلام: (ما لا يدرك كله) أعم من أن يكون أمورا مختلفة الشخص كلها مأمور به، أو يكون ملحوظا تركيبها بحيث يكون المجموع المركب مأمورا واحدا. و كلمة الموصول قابل للمعنيين، و قابل لإرادة الأعم من الأمرين، فالتخصيص بالمركب لا معنى له. و الحاصل: أن ملاحظة مجموع الرواية يدلك على دخول كلا الأمرين فيه. و الكلام في القسم الثاني بعينه كالكلام في الأول، إذ كون الأمور المتعددة داخلة تحت عنوان واحد لا مدخل له في ذلك، و العام الأصولي في الحقيقة ينحل إلى خطابات متعددة، فيصير راجعا إلى القسم الأول. و يزيد ذلك على الأول أنه يمكن إدخاله تحت الخبر الأول أيضا «1» مثلا: يمكن أن يقال: إذا تعذر يوم من رمضان و لم يمكن صومه يصدق أن الباقي هو المستطاع من صوم شهر رمضان المأمور به، فالدخول تحت الاسم الواحد يدرجه في الخبر الأول أيضا و إن كان‌

______________________________
(1) يعني: قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أمرتكم بشي‌ء.» المتقدّم في ص: 466.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 469‌

منحلا إلى أمور متعددة.

و القسم الثالث أيضا يجب الإتيان بالمقدور منه من دون شبهة، و يجي‌ء فيه الأدلة الماضية في وجه. لكن الاستصحاب في جريانه من حيث إنه جزء إشكال، نظرا إلى أنه يمكن [أن يقال] «1» إن المستصحب إن كان وجوب الجزء من حيث دخوله في ضمن الكل و بعبارة اخرى: الوجوب المقدمي فلا وجه لاستصحابه، لأن بعد سقوط ذي المقدمة لا يبقى للمقدمة حكم من هذه الجهة، فليس ارتفاع حكم المقدمة مشكوكا حتى يستصحب. و إن كان وجوبه في نفسه، فهو غير مسلم في نفسه حتى يستصحب. لكن الروايات يشملها، و الاستقراء بالتقرير الاتي يقضي بها، مع أن المسألة لا تحتاج إلى إجراء قاعدة الميسور، بل الدليل الدال على وجوب الكل هنا «2» دال على أجزائه، لاشتراكهما في الاسم. نعم، لو أريد إثبات اللزوم من حيث إنه بعض من المأمور به المركب لجاء فيه الكلام السابق، و إلا فلا حاجة في ذلك. و أما القسم الرابع: فالذي يقوى في النظر لزوم الإتيان بالمقدور من المأمور به على القاعدة، إلا ما خرج بالدليل، و الوجه في ذلك أمور: أحدها: الاستصحاب، و قد عرفت المناقشة فيه. و دعوى: أن المستصحب عبارة عن المطلوبية الحتمية أعم من كونها مقدمية أو أصلية، مدفوعة بما مر. و ثانيها: الاستقراء، فإنه لا يخفى على المتتبع في الفقه أن الغالب في أمثال هذا المقام لزوم الإتيان بالمقدور، لنص أو إجماع أو غير ذلك، و لا ريب أن المشكوك فيه يلحق بالغالب دون النادر.

و قد يقال: إن الاستقراء غير ثابت، إذ لا نسلم كون الغالب في الأوامر لزوم الإتيان بالمستطاع و المقدور بعد تعذر الكل.

______________________________
(1) من هامش «م».

(2) في «د»: فيها.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 470‌

و يمكن دفع ذلك: بأنك إن أردت عدم الغلبة في هذا الصنف الخاص من المأمور به و هو المركب الارتباطي فعلى فرض تسليمه غير مضر، إذ لا شبهة في أن الغالب عدم سقوط المقدور بالمعسور في نوع الأوامر، كما فصلنا لك بأشخاصها و أنواعها، مع أن الغلبة الصنفية أيضا محققة، كما لا يخفى على من لاحظ أجزاء الصلاة و شرائطها و أعمال الحج و نظائرها. و ربما يقال: إنه معارض بمثله، فإنا نرى أيضا سقوط الأبعاض بسقوط الكل في نحو باب الوضوء مثلا و في الغسل و نظائر ذلك، فإما أنه يرجع إلى ما جعل بدلا، أو يسقط التكليف من أصله. و هو واضح الدفع بأن تحقق الاستقراء المعارض لما ذكرناه في غاية البعد، مع أنه لو تحقق له معارض في خصوص أحد الأصناف فيتساقطان، بمعنى: أنه لا يتحقق الغلبة من الجانبين حتى يلحق المشكوك بالغالب، لكن يبقى الغلبة في نوع الأوامر سليما عن معارض. و الحاصل: الإشكال في تحقق هذه الغلبة موهون جدا. نعم، يقع الكلام في حجيته، و هو غير مناسب للمقام، و تنقيحه في علم الأصول. و ثالثها: الروايات السابقة «1». و الطعن فيها من حيث السند أنه غير معتبر في نفسه و لا موجود في أصل معتبر، مدفوع بأن شهرة هذه الأخبار في كتب الفقهاء بل في ألسنة الناس من العوام و الخواص مما تورث الظن القوي بصدور هذه الأخبار ظنا أعلى من الخبر الصحيح بالاصطلاح المتأخر. و دعوى: أن الشهرة ليست إلا عند المتأخرين، مدفوعة باشتهار الكلمة عند القدماء أيضا، بل هذا الانتشار بين العوام و الخواص مما يكشف عن كون ذلك في الأعصار السابقة كذلك، بل هذا مما يدل على نوع موافقة لحكم العقل، بمعنى: أن‌

______________________________
(1) أي: الروايات الثلاث المتقدّمة في ص: 466- 467.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 471‌

ظاهر كلام أهل العرف و العقل أن هذه القضية إنما هو على مجرى عادة العقلاء بحيث أن من خالفها فقد خالف أفعال العقلاء، فيكون النصوص واردة مورد التأكيد لقضية العقل، و هذا أيضا يكون دليلا آخر على اعتبار هذه القاعدة. و بالجملة: الطعن في الرواية من حيث الانجبار ليس في محله، مضافا إلى حكاية جماعة شهرة هذه الروايات و كونها مفتى بها عند الأصحاب، مع أنا نرى في أبواب متفرقة في الفقه أفتى «1» الأصحاب في فروع هذه القاعدة، و ليس لهم مستند في ذلك إلا هذه الأخبار، فيكون شهرة في الفتوى و إن لم تكن في الرواية، و هي تصلح جابرا، على ما حقق في محله. نعم، بقي الكلام في الدلالة: فنقول: ظاهر قوله: (أمرتكم «2» يراد به الطلب الوجوبي، فلا يشمل المندوب، فلو تعذره بعضه لم يستحب الإتيان بالبقية لهذه الرواية. لكن الظاهر عدم القول بالفرق بينهما، مضافا إلى أن المندوب يتسامح فيه بما لا يتسامح في غيره كما قررناه و يكفي فيه احتمال الطلب و الاحتياط العقلي، فتدبر و راجع. فالظاهر: إرادة القدر المشترك من الأمر، أو إلحاق المندوب في الحكم. و (الشي‌ء) مطلق متوغل في الإبهام يشمل كل مأمور به، و ما نحن فيه منه، بل هو أظهر أفراد المأمور به، لأنه مركب من أجزاء ارتباطية يطلق عليها اسم الواحد. و كلمة (من) إما للتبعيض، فمعناه: فأتوا ما استطعتم، و يراد به بعض المأمور به، و الضمير يرجع إلى الشي‌ء، فيصير الرواية بيانا لصورة تعذر البعض دون الكل، إذ لو تعذر الكل سقط بلا شبهة، و لو أمكن وجب للأمر، و أما صورة التبعض «3»

______________________________
(1) في غير «م»: أفتوا.

(2) في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» المتقدّم في ص: 466.

(3) في «د»: التبعيض.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 472‌

فجعل هذه الرواية قانونا لبيانها. و يحتمل كون (من) بمعنى الباء، فيكون المراد: فأتوا بالشي‌ء، و يكون كلمة (ما): إما زمانية، أي: ما دام أنتم مستطيعون، أو بدلا عن الشي‌ء، أي: فأتوا بالشي‌ء، أي: المقدور، و المتعلق محذوف، أي: المقدور منه، فيرجع هذا إلى المعنى الأول. و يحتمل أن يكون الموصولة مفعولا و (من) بيانية، فيصير المعنى: فأتوا بالمستطاع الذي هو ذلك الشي‌ء المأمور به. و يحتمل كون (من) ابتدائية، فيكون المعنى: فأتوا بالمستطاع الكائن من ذلك المأمور به. و يحتمل كون الموصولة مفعولا و كلمة (من) تبعيضية بدلا عن الموصولة، و المراد: فأتوا بالمستطاع بعض الشي‌ء المأمور به. و يجي‌ء بعض احتمالات آخر بعيدة. و لا ريب أنه و إن كان في بادئ النظر يمكن أن يقال: إذا دار الأمر بين محتملات بعضها منطبقة على المقام و بعضها خارجة عنه، فلا وجه للتمسك بهذه الرواية. قلت: مع قطع النظر عن إعمال قواعد الأصول في تعارض الأحوال، لا ريب أن هذه الضوابط إنما مع عدم وجود فهم عرفي متيقن في البين، و مع وجوده فلا يضر مخالفة ألف قاعدة. فنقول أولا: لا ريب أن حمل هذه الرواية على اشتراط القدرة في المأمور به كما هو مقتضى المعنى الثاني و الرابع و بعض الوجوه البعيدة بعيد عن سياق هذه العبارة، إذ لو ألقي هذه اللفظة على عامي محض غير مشوب ذهنه بشي‌ء من كلمة الأصوليين و الفقهاء لا يفهم منه غير أن المقدور من المأمور به لا بد من الإتيان به و إن تعذر إتيان المجموع المركب، و هذا المقدار من الفهم عرفا يكفينا، و منكر ذلك‌

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 473‌

مكابر لوجدانه، و مخالفة قواعد الأصول غير قادحة، إذ مجراها عند اشتباه العرف، و المقام ليس منه. و ثانيا نقول: إن الحمل على اشتراط القدرة لازمه حمل كلمة (ما) على المصدرية و هو خلاف الأصل، و تأويل الفعل على المصدر و هو كذلك «1». و ثالثا: أنه مستلزم لكون الخبر تأكيدا لما دل عليه العقل و النقل من اشتراط القدرة. و دعوى: أنه لعل هذا الخبر مقدم على غيره من النقل، مدفوعة بالظن القوي بتأخره عما دل عليه كتاب الله من ارتفاع تكليف ما لا يطاق «2». كما أن دعوى: احتمال كون كل من هذه الخطابات لطائفة من المكلفين إذ صدور كل منها في حضور كل منهم معلوم العدم فلا يكون تأكيدا، مدفوعة بأن الغرض من التأكيد كون هذا الكلام بنوعه مفيدا فائدة ذلك، و ظاهر الخبر أنه مفيد تأسيس حكم جديد، و لو كان المراد إفادة ما أفاده غيره لكان إعادة ما في كتاب الله و التعبير بعدم جواز تكليف ما لا يطاق أحسن، و لم يؤد بهذه العبارة الظاهرة في خلاف المراد، كما لا يخفى على المنصف. مع أن هذا لو لم نقل بأن قبح تكليف ما لا يطاق عقلي يعرفه كل أحد، و لو قلنا به كما هو الظاهر فيكون تأكيدا صرفا، و يسقط هذه الكلمات من أصله. و لا يضرنا استعمال كلمة (الإتيان) من دون (باء) مع أنه يتعدى به، لأنه لازم على كل احتمال. و جعل كلمة (من) بمعنى (الباء) و ارتكاب هذا المجاز البعيد عن ظاهر اللفظ ليس بأولى من إضمار الجار و كونه محذوفا بقرينة المقام، و لا نسلم أولوية المجاز‌

______________________________
(1) العبارة في «م» هكذا: لازمه حمل كلمة «ما» على المصدريّة و تأويل الفعل بالمصدر، و هما على خلاف الأصل.

(2) مثل قوله تعالى لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا. البقرة: 286.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 474‌

من الإضمار مطلقا، سيما في المقام. و بالجملة: فهم العرف و ذوق أهل اللسان في هذا المقام يكفينا مئونة النقض و الحل في تتميم الدلالة، و تقييد الشي‌ء بالمركب مع اقتضاء سياق الكلام ذلك لا بأس به، و أظن أنه لا يحتاج إلى التقييد بقولنا: إن تعذر الكل. بل لنا أن نقول: ظاهر الرواية: إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا بالمقدور منه، إن كلا فكلا و إن بعضا فبعضا، و لا يحتاج إلى حصر المدلول في التبعيض، و خروج بعض الموارد بالدليل غير مانع من تأسيس القاعدة، إذ ما من عام إلا و قد خص، و مثله المطلق. و بالجملة: دلالة هذه الرواية عند المتأمل في غاية الوضوح. و أما الرواية الثانية «1»: فغاية المناقشة في دلالتها: أن الظاهر كون الباء للسببية، و معناه: أن الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسقوط المعسور، و هو مسلم بشرط إثبات الحكم أولا للميسور حتى لا يسقط، و الميسور إذا كان جزء الواجب فإن أريد عدم سقوط حكمه المقدمي التابع لوجوب الكل فلا ريب أنه قد زال بزوال وجوب الكل، و إن أريد عدم سقوط وجوبه في نفسه فهو غير مسلم حتى لا يسقط أو يسقط، فالمراد من الرواية: أنه لو ثبت حكم لمعسور و ميسور فسقوط المعسور لا يضر بحكم الميسور، و هذا لا ربط له فيما نحن فيه. قلت: ظاهر الرواية إرادة الجنس من الميسور و المعسور، و المراد بالميسور: المقدور، و بالمعسور: المتعذر عقلا أو شرعا، فظاهر العبارة: أن كل ميسور سواء كان جزء عبادة أو عبادة مستقلة لا يسقط بسقوط المعسور. فنقول: أما المستقلة فيلزم الإتيان بها، و لا ربط له بالمتعذر. و أما الجزء فنقول: ظاهر الرواية أنه أيضا لا يسقط بسقوط الجزء الأخر، و يصير المعنى: أنه يصير مستقلا بعد أن كان منضما إلى غيره في الخطاب. و ليس في الخبر ذكر حكم حتى‌

______________________________
(1) و هي قوله عليه السّلام: «الميسور لا يسقط بالمعسور» المتقدّم في ص: 466.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 475‌

يقال: إن أريد الوجوب التبعي فسقط، و إن أريد الأصلي فلم يكن، بل ظاهر الخبر عدم سقوط ذلك المقدور، و معناه في العرف: أنه كما لا بد من إتيانه حال إمكان الكل لا بد من إتيانه حال تعذر غيره، و لا التفات فيه إلى أن هذه اللابدية هل هي كانت لاستقلال أو تبعية؟ و هذا معنى في العرف واضح. فإذا قال الشارع: الجزء المقدور لا يسقط بسقوط الجزء المتعذر، لا يرد على كلامه بحث في أن مرادك بعدم سقوطه أي شي‌ء؟ بل لا يفهم من هذه العبارة إلا جعل الجزء التابع في ضمن الكل مستقلا بعد تعذر غيره، فكأنه قال: إذا تعذر هذا الكل يقوم البعض مقامه، و هذا مما لا غبار عليه أبدا، فتبصر. و أما الرواية الثالثة «1»: فغاية المناقشة فيها: أن كلمة (لا يترك) أخبار في موضع إنشاء، و لا نسلم دلالته على التحريم. أو يقال: لا نسلم كونها إنشاء، لم لا تكون إخبارا عن طريقة الناس لغرض لا نعرفه؟ و كلاهما من الضعف بمكان، لأن كونه إخبارا مخالف للظاهر و لمنصب الشارع، و مناف لما فهمه الأصحاب، مع أنه لو كان إخبارا لكان إخبارا عن طريقة العقلاء، و ظاهره التزام العقلاء بذلك، و هو في نفسه كاشف عن لزومه، سيما مع اطلاع المعصوم عليه و تقريره على ما هو عليه، و بعد كونه إنشاء فاحتمال إرادة مطلق المرجوحية خلاف المتبادر منه. و قد قرر في الأصول: أن الجملة الخبرية المستعملة في الإنشاء يقوم إثباتها مقام الأمر و نفيها مقام النهي في العرف. و لزوم التخصيص في المستحبات غير قادح، مع إمكان إرادة عدم الترك بمعنى البناء على عدم استحبابه، و هو منهي عنه في المستحب أيضا، فلا يلزم هناك تخصيص. و قد قررنا فيما سبق أن كلمة (الكل) ليست مختصة بالمجموعي، و لا‌

______________________________
(1) و هي قوله عليه السّلام: «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» المتقدّم في ص: 467.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 476‌

بالافرادي، بل يعم الأمرين، و من جملة أفراده موضع النزاع. و وضوح هذه الروايات و شهرتها و ظهور المراد منها كفانا عما لا بد منه من «1» التعرض لتنقيح الدلالة و لكن قد أشرنا إلى بعض الوجوه توضيحا للمرام و تكثيرا للفائدة. و أما القسم الخامس: فالذي يقتضيه النظر في أطراف الكلام أن يقال: إن هذا المقام قابل لوجهين: أحدهما: القول بلزوم الإتيان بالمقدور من القيد و المقيد كيف كان عملا بظاهر الأدلة المذكورة السابقة، و إجراء ما مر في الرابع هنا بعينه. و ثانيهما: القول بأن القيود قسمان: قسم منها بحيث يصير المركب منهما «2» بمنزلة المركب من الأجزاء العقلية، كيوم الخميس، و زيد بن عمرو و نحو ذلك بحيث لو فات القيد لا يعد ما بقي ميسورا من المأمور به و لا بعضا منه و لا مستطاعا منه، فيوم الجمعة ليس ميسورا من الخميس، و كذا زيد بن بكر بالنسبة إلى زيد بن عمرو، و في هذا القسم يفوت المركب و يصير بمنزلة تعذر الكل، بل هو من ذلك الباب. و قسم منها ليس كذلك، بل هو كأمور ملتئمة خارجية، كماء السدر، فإن حقيقته عبارة عن مزج السدر بالماء، فكأنهما جزءان خارجيان و إن كانا بعد التركب شيئا واحدا، و نظير ذلك الصلاة في اللباس الفلاني، أو القراءة في القرآن الفلاني، و نظائر ذلك من القيود التي لا تعد كالفصول بالنسبة إلى الأجناس في العرف، بحيث يصدق على المقدور أنه ميسور من المأمور به و مستطاع منه، لا أمر خارجي ممكن، و هذا القسم تجئ فيه القاعدة و يشمله الدليل، و هذا هو المتجه. و من هنا عرض الإشكال في إمرار فاقد الشعر الموسى على رأسه، و تحريك‌

______________________________
(1) في «م»: و إن كفانا عن التعرّض.

(2) في «م»: منها.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 477‌

الرجلين في المعبر، للشك في أن هذا ميسور من الحلق و مستطاع من المشي، أو أن هذا أمر غير ذلك. و من هنا تبين: أن القسم السادس لا يجري فيه قاعدة الميسور، إذ الحمار ليس مستطاعا من الفرس باعتبار الحيوان الموجود في ضمنه. و السر في ذلك: أن المركب من الأجزاء العقلية يغلب فيه تبعية الحكم للاسم، باعتبار أن أهل العرف لا يعتبرون الأجزاء التي في ضمن المركب، و فوات الجزء يعدونه فوات الكل، إذ لو بنينا على ذلك لم يتحقق فوات في المأمور به أبدا، إذ الممكنات كلها مشتركة في جنس من الأجناس أو عرض من الأعراض، فيمكن إذا تعذر الفرس إعطاء حجر لأنه جسم، و إذا تعذر الصلاة يقوم أكل الخبز مقامها لأنه فعل، و نحو ذلك مما يقطع بخلافه. و بالجملة: كل مقام صار التركيب عقليا أو كالعقلي يعد فوات القيد فوات الكل لفوات الاسم التابع للحكم «1» و ليس مثل هذه الأجزاء في نظر أهل العرف أجزاء حتى يجي‌ء فيه عموم الروايات و تجري فيه القاعدة، مضافا إلى أن المفهوم من هذه الروايات الإتيان بالمقدور و المستطاع نفسه من دون انضمام شي‌ء خارج إليه، و لا ريب أن المركب العقلي و نظائره إذا فات عنه «2» القيد لا يمكن الإتيان بالبقية إلا في ضمن قيد آخر، و هو شي‌ء لم يدل عليه الدليل. فإن قلت: إذا وجب الإتيان بالمقدور يجب الإتيان بالقيد الأخر مقدمة، و أي مانع من ذلك؟ قلت: ظاهر الروايات لزوم الإتيان بالمستطاع من هذا المأمور به، و الجنس الموجود تحت نوع آخر ليس مستطاعا من النوع المتعذر، بل إنما هو طبيعة أخرى غير المأمور به. و بعبارة اخرى: انضمام هذا الجزء إلى القيد الأخر المقوم لنوع أو صنف آخر‌

______________________________
(1) كذا، و في التعبير ما لا يخفى.

(2) في «م»: منه.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 478‌

يخرجه عن كونه مما يستطاع من المأمور به، و يلحقه بماهية اخرى سالبة لإضافة الاولى، و الروايات لا تشمل مثل ذلك، فتبصر، فإن في ذلك حل المشكل بما لا مزيد عليه. هذا هو الكلام في جهة الحكم التكليفي. و أما الحكم الوضعي كالشرطية و السببية و المانعية و نحو ذلك هل يجري فيه هذا الكلام أم لا؟ فنقول: لو كان الشرط شرطا لأمر تعبدي يجب إتيانه فيجب إتيان الشرط مقدمة، فالظاهر مجي‌ء الكلام في الشرط، إذ لا فرق حينئذ بين الجزء و الشرط، فلا يسقط المقدور من الشرائط «1» بتعذر غيره، و كذا لا يسقط أبعاض الشرط إذا كانت مقدورة بتعذر البعض الأخر. و تقرير الاستدلال في هذا المقام يستفاد مما قررناه في رواية الميسور و غيرها فيما سبق. و كذا المانع لو كان مانعا عن أمر لازم واجب الإتيان، فرفع المقدور منه لازم. و من هنا نقول بلزوم إزالة بعض النجاسة و إن كان الباقي أيضا مانعا من الصلاة، و بلزوم تخفيفها بالغسل مرة إن كان مما يطهر بالمرتين و نحو ذلك من الموانع. و كذا في إزالة فضلات غير مأكول اللحم، و الذهب، و الحرير عن «2» اللباس، و كذلك الكلام في السبب. و السر في إجراء هذه القاعدة في هذه الأمور كونها في الحقيقة راجعة إلى الإتيان بالمقدور من المأمور به، فإن إتيان ما هو المقدور من شرطه و سببه و إزالة مانعه إتيان له في الحقيقة. و بهذا الدليل يثبت شرط «3» ما أمكن إتيانه. و سببية المستطاع و مانعية ما قدر على إزالته‌

______________________________
(1) في «م»: الشرط.

(2) في «ف، م»: من.

(3) كذا في النسخ، و الظاهر: شرطيّة.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 479‌

و بعبارة اخرى: بعد تعذر الشرط و السبب و رفع المانع بأجمعها و إمكان البعض يقع الشك في كون هذا البعض شرطا أو سببا أو مانعا أم لا، و قاعدة الميسور تقضي بعدم سقوط الممكن من ذلك مع تعلق الخطاب بالمشروط و المسبب «1» و بعد ثبوت عدم السقوط يثبت الشرطية و المانعية و السببية للممكن المقدور و يقوم البعض مقام الكل بهذه القاعدة. و أما لو لم يكن المشروط و المسبب و الممنوع مثلا مأمورا به كأسباب المعاملات و الضمانات و شرائط العقود و موانعها فلا كلام في عدم جريان الرواية الاولى في المقام، و أما الرواية الثانية و الثالثة فتشملها، بمعنى: أنه إذا تعذر بعض أجزاء شرائط الذباحة أو الاصطياد أو العقد أو نحو ذلك أو وجد بعض موانعه بحيث لا يمكن كالبعير الواقع في البئر التي لا يمكن الاستقبال فيها، و نظائر ذلك فمقتضى الخبرين عدم جواز ترك البقية و عدم سقوط الممكن من السبب و الشرط و رفع المانع، لكن هذا لا ينفع في كون ما بقي كافيا في الشرطية و السببية، بل يحتاج إلى دليل. نعم، بعد ما قام الدليل على أن الشي‌ء الفلاني مثلا بعد التعذر في السبب الاختياري سبب، و شك في لزوم إتيان ما أمكن من شرائط السبب الاختياري و عدمه، فقاعدة الميسور قاضية باللزوم، إلا أن يكون في الدليل الثاني ما ينفيه. و من هنا: أن الفقهاء بعد تعذر الأسباب و الشرائط الاختيارية الابتدائية في المعاملات يحتاجون إلى دليل يدل على سببية شي‌ء في الاضطرار، كإشارة الأخرس و العجمي مقام العربي، و العظم مقام الحديد في الذبح و نحو ذلك، و إذا شكوا في لزوم الإتيان بما يعتبر في السبب الاختياري هنا أيضا فيتمسكون بلزوم الإتيان بالمستطاع و المقدور من ذلك، فتبصر و تدبر حتى لا يختلط عليك الأمر.

______________________________
(1) في هامش «م»: و الممنوع، خ ل.

العناوين الفقهية، ج‌1، ص: 480‌

و من هنا علم: أنه لو علم فيه التعبدية و التوصلية جاء فيه اللحاظان و لزم فيه الإتيان و إن لم يترتب عليه الأثر بعد زوال العذر و عروض الإمكان إلا بدليل متقن. هذا تمام المقال على حسب الاستعجال.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق

العناوين الفقهية؛ ج‌2، ص: 555

عناوين الولايات و السياسات و ما يلحقها من بعض المباحث

العنوان الثالث و السبعون في ذكر الأولياء و المولى عليهم إجمالا و بيان مراتبهم في الولاية

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 556‌

عنوان 73 لا ريب أن الولاية على الناس إنما هي لله تبارك و تعالى في مالهم و أنفسهم، و للنبي صلى الله عليه و آله لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1» و للأئمة «2» عليهم السلام قدس سره رحمهم الله (2 لأن من كان النبي صلى الله عليه و آله مولاه فعلي عليه السلام مولاه بالنص المتواتر، و لا فرق بينه و بين سائر الأئمة بضرورة المذهب. و يدلُّ على هذا المجموع قوله تعالى إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا. «3» الآية. و أما بعدهم فلا ريب أن الأصل الأولي عدم ثبوت ولاية أحد من الناس على غيره لتساويهم في المخلوقية و المرتبة ما لم يدل دليل على ثبوت الولاية، و لأن الولاية تقتضي أحكاما توقيفية لا ريب في أن الأصل عدمها إلا بالدليل. و قد ورد الدليل كتابا و سنة و إجماعا على ولاية جملة من الناس على بعض منهم، و قد ذكره الفقهاء في البيع، و في كتاب الحجر، و في كتاب النكاح، و في الطلاق، و غير ذلك من المباحث على حسب ما يقتضيه المقام، و في بيان أحكام الأولياء و أقسامها و مواردها، و المباحث المتعلقة بها: من التعارض و الترجيح و اشتراط المصلحة في تصرفهم، أو عدم المفسدة، أو غير ذلك من المباحث المذكورة في‌

______________________________
(1) الأحزاب: 6.

(2) في «ن، د»: و الأئمّة.

(3) المائدة: 55.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 557‌

كتب الفروع. و حيث إنها مبنية على أدلة خاصة في كل مقام و غرضنا في الباب ذكر ما يجعل قاعدة كلية في الفقه طوينا الكلام في ذلك، لكن‌

نذكر هنا أمورا

حتى توجب التنبه «1» للباقي.

أحدها: أن الولي على مال الغير أو على نفسه [إنما هو الأب و الجد للأب]

على ما ظهر من استقراء الفقه و تتبع مقاماته إنما هو الأب و الجد للأب، و في تعميمه لما كان من طرف أم الأب أيضا أو اختصاصه بما كان من طرف أب الأب نظر، منشأه: إطلاق النص و الفتوى الظاهر في التعميم، و انصرافه إلى ما كان من طرف أب الأب عند إطلاقه دون أم الأب. و لا ولاية للأم و إن علت مطلقا، لا في مال و لا في نفس في مقام من المقامات، و لا للأخ من حيث هو كذلك و إن وردت فيه رواية بالنكاح «2» لكنها محمولة على صورة كونه وصيا، لمعارضتها بما هو أقوى. و لا لغيره من الأقارب من حيث القرابة، للأصل و عدم الدليل. و الوصي «3» للأب أو للجد السابق و الزوج بالنسبة إلى زوجته، و الموالي بالنسبة إلى مماليكهم، و الحاكم الشرعي، و عدول المؤمنين، و وكيل الأب أو الجد أو الوصي أو المولى أو الحاكم أو الزوج، و وكيل الوكيل و هكذا. مع كون الوكيل مأذونا في التوكيل، و وصي الوصي على تقدير كونه مأذونا في التوصية، و المقاص للمال بشرائط التقاص. فأقسام الأولياء بحسب النوع تسعة، و لو أخرجنا الزوج نظرا إلى كون البحث في ولاية المال و ولاية النفس في النكاح و نحوه، و لا ولاية للزوج على زوجته كذلك من حيث هو زوج تكون ثمانية، و لذلك لم يذكره الفقهاء في ذكر‌

______________________________
(1) في «ن، د»: التنبيه.

(2) الوسائل 14: 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 2.

(3) عطف على: الأب و الجد.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 558‌

الأولياء في مقام من المقامات، فتدبر. و مرادهم من (الولي) في الفقه: ولاية المال و النفس، و هو خارج عن ذلك، و لو أريد ما يعم ولاية الإطاعة و نحوها لاتسعت الدائرة و دخلت أشخاص آخر، كالأم و الضيف و صاحب المنزل و نحو ذلك، للزوم إطاعتهم في بعض الأمور، فتدبر.

و ثانيها: أن المولى عليهم على ما يظهر من التتبع-: الصغير

، ذكرا أو أنثى، عاقلا أو مجنونا، رشيدا أو سفيها. و المجنون، مطبقا كان أو أدواريا، بالغا أو صغيرا. و السفيه، بالغا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى. و الغائب في بعض الأمور. و الممتنع عن أداء الحق الذي عليه. و البكر و إن كانت بالغة رشيدة على قول. فالولاية للأب على الصغير في المال و النكاح، و على المجنون المتصل جنونه بالصغر و مطلقا على قول، و السفيه المتصل سفهه بصغره أو مطلقا في قول. و ولاية الجد تجتمع مع ولاية الأب في المولى عليه في النكاح، و كل من سبق منهما في العقد يمضي تصرفه و يبطل اللاحق، و مع التعارض يقدم عقد الجد هنا بالنص «1» و الإجماع و إن كان [مقتضى] «2» القاعدة البطلان، لعدم إمكان الجمع و عدم المرجح، و على هذه القاعدة تعارض الأولياء مطلقا، حتى في تعارض الجد مع جد الأب، فإنه لا نص فيه، و إلحاقه بالقياس لا وجه له، فيبقى تحت القاعدة. و كذلك في المال «3» إلا أنه مع التعارض يبطلان. و الوصي لا ولاية له إلا مع فقدهما، حتى لو كان وصيا لأحد الوليين الاجباريين على الولاية على الأطفال بطل مع وجود الأخر، لأنه ولي، و الوصي فرع انتفائه «4». و كذا وصي الوصي لا يجتمع مع الولي الإجباري و مع الوصي، و الوجه واضح.

______________________________
(1) راجع الوسائل 14: 217، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد.

(2) من «م».

(3) عطف على: في النكاح.

(4) في العبارة ما لا يخفى، و لذا غيّرها مصحّح «م» بما يلي: و الوصيّ لا ولاية له على الأطفال إلّا مع فقد الوليّين الإجباريّين، حتّى أنّه لو أوصاه أحدهما بطلت الوصيّة مع وجود الآخر، إذ ولاية الوصيّ موقوفة على انتفائهما معا.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 559‌

و المولى يجتمع مع أب وجد، و لكن ولايتهما تسقط مع المولى و إن كانا حرين، لأن المملوك لا تسلط لأحد عليه غير مالكه. و وكيل كل واحد من الأولياء يجتمع معه، و هو تابع لمرتبة الموكل، فيجتمع مع ما يجتمع به الموكل، و لا يجتمع مع ما لا يجتمع معه. ولاية الحاكم لا تجتمع مع شي‌ء من الأولياء السابقة، لأنه ولي من لا ولي له. و ولاية العدول لا تجتمع مع الحاكم، و لا مع الأولياء الأخر على ما يجي‌ء بيانه. و أمين الحاكم بحكم الحاكم. و ولاية الوصي تابعة للتوصية و ولاية الموصي. و في التوصية على النكاح لمن «1» للموصي ولاية النكاح عليه أقوال معروفة. و المولى ولي لمملوكه في المال و النكاح و إن قلنا بأن المملوك يملك. و الحاكم ولي من لا ولي له، و في ولايته على من اتصل جنونه أو سفهه بالصغر قولان مع وجود الولي الإجباري أو وصيه، و بدونهما «2» فهو له بلا كلام «3» كمن تجدد جنونه أو سفهه بعد البلوغ و الرشد و العقل. و العدول ولي على ما كان الحاكم وليا عليه مع وجوده، على تفصيل يأتي. و الوكيل ولي على من لموكله عليه ولاية في مال كان أو في نكاح. و هنا مباحث شريفة متعلقة بالولايات أعرضنا عنها.

و ثالثها: أن تصرف الولي مشروط بالمصلحة بالإجماع و ظواهر الأدلة

، و لأن المتيقن من أدلة الولايات إنما هو ذلك، إذ الغرض الإصلاح في النفس و المال، و المولى عليه لنقصه عاجز عن ذلك، و لو كان الإفساد سائغا لما احتيج إلى ولاية. و في كون الشرط علمية أو واقعية فيبطل التصرف مع انكشاف عدم المصلحة و إن اعتقدها عنده وجهان.

______________________________
(1) في «ن، د»: فيمن.

(2) في غير «م»: بدونه.

(3) في «ن، د»: بدون كلام.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 560‌

إلا في المولى «1» فإن له التصرف كيف شاء، لأنه مسلط على ماله. و قيل في الأب و الجد باشتراط عدم المفسدة و عدم اعتبار المصلحة «2» و يرشد إلى ذلك إطلاق أدلة ولايتهما، غايته خروج المفسدة بالدليل، و لا دليل على اعتبار المصلحة. و يدلُّ على ذلك ما ورد من النص على جواز اقتراضه مال الطفل «3» و على جواز تقويم جاريته على نفسه «4» مع عدم مصلحة في ذلك، و ظاهر الوفاق على جوازهما من دون مصلحة بشرط عدم المفسدة. و لكن كلام الأصحاب في اشتراط المصلحة في تصرف الولي مطلق. نعم، ذكر عدم اشتراطها في الإجباري الشهيد رحمه الله في قواعده «5».

______________________________
(1) استثناء عن قوله فيما تقدّم: إنّ تصرّف الوليّ مشروط بالمصلحة.

(2) لم نظفر على قائله.

(3) الوسائل 12: 192، الباب 76 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.

(4) راجع الوسائل 14: 543، الباب 40 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

(5) قد عنون الشهيد قدّس سرّه هذه المسألة (في القاعدة: 133) و ذكر الاحتمالين و لم يرجّح شيئا، و لم يفصّل بين الوليّ الإجباري و غيره، راجع القواعد و الفوائد 1: 352.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 561‌

العنوان الرابع و السبعون ولاية الحاكم الشرعي

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 562‌

عنوان 74 الأصل في كل شي‌ء لا ولي له معين من الشرع أن يكون الحاكم وليا له، و هو المعبر عنه بعموم ولاية الحاكم الذي يشير إليه الفقهاء في كثير من المباحث، كما في وجوب دفع ما بقي من الزكاة في يد ابن السبيل بعد الوصول إلى بلده إليه، و في وجوب دفع الزكاة ابتداء أو بعد الطلب إليه، و تخيره في أخذ خمس أرض الذمي أو منفعتها، و ولايته في مال الأمام و ميراث من لا وارث له، و في توقف إخراج الودعي الحقوق على إذنه، و ولايته في إجراء الحدود و في القضاء بين الناس، و في أداء دين الممتنع من ماله، و توقف حلف الغريم على إذنه، و في القبض في الوقف على الجهات العامة و في نظارته لذلك، و توقف التقاص من مال الغائب على إذنه و من الحاضر في وجه، و في بيع الوقف حيث يجوز و لا ولي له، و في قبض الثمن إذا امتنع البائع و قبضه عن كل ممتنع عن قبض حقه، و في الدين المأيوس عن صاحبه، و بيع الرهن المتسارع إليه الفساد بإذنه، و توليه «1» إجارة الرهن لو امتنعا، و تعيين عدل يقبض الرهن لو لم يرضيا، و تعيينه ما يباع به الرهن مع تعدد النقد، و في باب الحجر على المفلس أو على السفيه في قول، و في قبض وديعة الغائب لو احتيج إلى الأخذ، و في إجبار الوصيين على الاجتماع‌

______________________________
(1) في «ن، د»: تولية.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 563‌

الاستبدال بهما، و في ضم المعين إلى الوصي العاجز، و في عزل الخائن على القول بعدم انعزاله بنفسه، و في إقامة الوصي فيمن لا وصي له أو مات وصيه أو كان و انعزل، و في تزويج المجنون و السفيه البالغين، و في فرض المهر لمفوضة البضع، و ضرب أجل العنين، و بعث الحكمين من أهل الزوجين، و إجبار الممتنع على أداء النفقة، و في طلاق زوجة المفقود، و في إجبار المظاهر على أحد الأمرين، و في إجبار المولي كذلك، و احتياج إنفاق الملتقط على اللقيط على إذنه، و نحو ذلك من المقامات الأخر التي لا تخفى على من تتبع الفقه، فإنهم يقولون بهذه الأمور، و يتمسكون بعموم ما دل على ولاية الحاكم الشرعي. و لا ريب أن النائب الخاص الذي يصير في زمن الحضور كما يكون نائبا لجهة، خاصة كالقضاء و نحوه يكون لجهة عامة أيضا، و ذلك تابع لكيفية النصب و النيابة. و على هذا القياس في نائب زمن الغيبة، فإنه أيضا يمكن كون ولايته بطريق العموم أو الخصوص، فلا بد من ملاحظة ما دل من الأدلة على ولاية الحاكم حتى يعلم أنه هل يقتضي العموم أو لا؟ فنقول‌

الأدلة الدالة على ولاية الحاكم الشرعي أقسام:

أحدها: الإجماع المحصل

، و ربما يتخيل أنه أمر لبي لا عموم فيه حتى يتمسك به في محل الخلاف. و هو كذلك لو أردنا بالإجماع الإجماع القائم على الحكم الواقعي الغير القابل للخلاف و التخصيص. و لو أريد الإجماع على القاعدة بمعنى كون الإجماع على أن كل مقام لا دليل فيه على ولاية غير الحاكم فالحاكم ولي له فلا مانع من التمسك به في مقام الشك، فيكون كالإجماع على أصالة الطهارة و نحو ذلك، و الفرق بين الإجماع على القاعدة و الإجماع على الحكم واضح، فتدبر. و هذا الإجماع واضح لمن تتبع كلمة الأصحاب.

و ثانيها: منقول الإجماع في كلامهم على كون الحاكم وليا

فيما لا دليل فيه على ولاية غيره، و نقل الإجماع في كلامهم على هذا المعنى لعله مستفيض في كلامهم.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 564‌

و ثالثها: النصوص الواردة في هذا الباب:

منها: ما ورد في الأخبار: من كون العلماء ورثة الأنبياء

«1» و هذا المعنى ورد في روايات كثيرة، و لكن الكلام في دلالته «2» على المدعى بعد الإغماض عن سنده و الوثوق فيه إلى شهرة الرواية بل الصحة في بعضها. فنقول: ظاهر قولهم: (فلان وارث فلان) أن كل ما عنده قد انتقل إليه و صار عنده، و لا ريب أن الأنبياء كان لهم الولاية على الرعية مطلقا، إلا فيما كان حكم الله على عدمه، فينبغي ثبوت هذا المعنى في العلماء أيضا، و هو المدعى. و يرد على هذا القسم من الأخبار إشكالات: أحدها: أن إضافة الإرث إلى الأنبياء تقضي بكون «3» المراد من (العلماء) الأوصياء، لأنهم ورثة الأنبياء دون العلماء، إذ الظاهر من الإضافة كونه من دون واسطة، لا مع الواسطة، و لا ريب أن لكل نبي وصيا و هو وارثه، و العلماء في كل امة لا يكونون إلا ورثة الأوصياء و ورثة النبي مع الواسطة، فيدور الأمر بين حمل الوارثية على ما هو بالواسطة، و بين حمل (العلماء) على الأوصياء، و لا ريب أن التخصيص أولى من المجاز، غايته تساوي الاحتمال المسقط للاستدلال. بل الظاهر أن حمل (العلماء) على الأوصياء أوضح، سيما بعد ورود تفسيره بهم في بعض المقامات التي ذكر فيه اللفظ من كتاب «4» و سنة «5». و ثانيها: أن المتبادر من كونهم ورثة الأنبياء كونهم وارثين في العلم و لا بحث في ذلك، إذ ليس العلم إلا في العلماء، و لا يتخيل حينئذ كون الخبر إفادة للبديهي، إذ الغرض من ذلك بيان شرف العلم حتى لا يتخيل من فقر العلماء و عدم وجود‌

______________________________
(1) الكافي 1: 32، باب صفة العلم. ح 2، و ص 34 باب ثواب العالم و المتعلّم، ح 1.

(2) كذا في أصول النسخ، لكن مصحّح «م» قد أنّث الضمائر و غيّر العبارة بما لا حاجة إليه.

(3) في «ن، د»: يقتضي كون المراد.

(4) انظر البحار 23: 188، باب أنّهم عليهم السّلام أهل علم القرآن.

(5) مثل ما ورد عن أبى عبد اللّه عليه السّلام: «الناس يغدون على ثلاثة: عالم و متعلّم و غثاء، فنحن العلماء.» البحار 1: 187، ح 1 و 194، ح 8.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 565‌

المال عندهم حقارتهم، فأفاد أن العلم كان من صفات النبي و قد ورثه العالم، و كفى بذلك شرفا له. و ثالثها: أنه على فرض عدم تبادر ذلك كفى في التقييد ما ورد في تتمة الأخبار بأن الأنبياء لا يورثون دينارا و لا درهما، و إنما يورثون علما «1» فإن الظاهر من ذلك إرادة العلم من الإرث، و حينئذ لا دلالة فيه على إثبات الولاية بوجه من الوجوه، فتدبر. و رابعها: أن المراد من الرواية لو كان كل فرد من أفراد العالم وارثا لكل فرد من أفراد النبي للزم كون العلماء أزيد علما و ولاية من الأنبياء، و ليس كذلك بل الظاهر التوزيع [بمعنى أن] «2» علماء امة كل نبي ورثة ذلك «3» النبي، فيكون علماء هذه الأمة ورثة نبينا «4» صلى الله عليه و آله، و مقتضى كون الجماعة وارثا من واحد كون كل منهم آخذا بحصته من التركة، لا كل واحد آخذا للكل، و إذا كان كذلك فينبغي كون الولاية منقسمة على العلماء، و أين ذلك من إثبات الولاية للكل على الكل؟ فتدبر. و يمكن «5» أن يقال: إن الظاهر من الخبر: العموم، و لا وجه لحملة على الأوصياء، بل يمكن أن يقال: إن الأوصياء داخل في عموم (العلماء) فتكون نسبة الوارثية إلى المجموع، و لا بحث في كون ذلك حقيقة، فلا يلزم مجاز حتى يرجح التخصيص عليه، مضافا إلى أن ملاحظة صدر هذه الأخبار يدل على إرادة الأعم من هذا الخبر، بل يدل على إرادة غير الأوصياء من سائر العلماء، لأنها واردة في مقام مدحهم و الثناء عليهم، فراجع. و أما انصراف إطلاق التوارث على العلم فممنوع، فكما أن النبي ولي على رعيته فكذلك ورثته، و لو سلم الانصراف أو أثبت خصوص إرادة العلم بقرينة ذيل الخبر لقلنا أيضا بدلالتها على الولاية، من جهة أنه من المعلوم أن ولاية النبي على‌

______________________________
(1) الكافي 1: 34، باب ثواب العالم و المتعلّم، ذيل الحديث 1.

(2) من «م».

(3) في غير «م»: وارث لذلك.

(4) في غير «م»: وارثا لنبيّنا.

(5) في «ن»: فيمكن.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 566‌

الرعية ليست إلا من جهة علمه بالأحكام و الشرائع، فكل من تلقى منه الأحكام و صار عالما فهو ولي كذلك، فتأمل، فإن في تتميم الجواب عن هذا البحث إشكالا جدا. و أما الأشكال من جهة كونهم وارثين متعددين فيتبعض عليهم ما كان عند النبي و لا يدل على المدعى، مدفوع بأن المتبادر كون كل منهم وارثا لما عند النبي صلى الله عليه و آله من العلم و الحكم دون تبعض ذلك. أو نقول: متى ما ثبت في البعض ثبت في الكل. و فيه نظر، لأن بعض المقامات قد دل الدليل على ولاية الحاكم فيه.

أو نقول: عدم وجود الفرد المعهود و عدم إمكان إرادة الفرد الغير المعين و عدم وجود القرينة يوجب الحمل على الاستغراق إن لم يرد الأشكال بوجود القدر المتيقن المانع من ذلك.

و منها: ما ورد من أن العلماء أمناء «1» أو أمناء الرسل

«2» كما في بعض آخر، أو حصون الإسلام «3» كما في قسم ثالث، بتقريب: أن كونه أمينا على الإطلاق أو أمينا للرسل ليس معناه إلا رجوع أمور الرعية إليهم، و هذا معنى الولاية، و من ذلك يعلم معنى (الحصون). و يمكن أن يقال: إن الظاهر من كونهم أمناء: كونهم أمناء في الشريعة و العلم، بمعنى: أن ما جاء به من الأحكام فهو عند العلماء ينبغي أن يرجع إليهم، و لا دلالة فيه على ولايتهم في المقامات التي هي محل البحث، و كذلك كونهم (حصون الإسلام) معناه: كونهم حفظة الدين بنشر أحكامه، و أي دخل له بالولاية؟ اللهم إلا أن يقال: إن كونهم حفظة للشرع و حصنا للإسلام لا يتم إلا بالولاية، و إلا لم يمكن لهم حفظ الإسلام. و له وجه بعد التأمل، فتدبر.

و منها: ما دل على أن العلماء خلفاء رسول الله صلى الله عليه و آله

«4». و الوجه في الدلالة: أن‌

______________________________
(1) الكافي 1: 33، باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء، ح 5.

(2) عوالي اللآلي 4: 77، ح 65، بلفظ «الفقهاء أمناء الرسل».

(3) الكافي 1: 38، باب فقد العلماء، ح 3 بلفظ «لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام».

(4) الوسائل 18: 65، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، ح 50، و ص 66 ح 53.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 567‌

إطلاق قولنا: (فلان خليفة فلان) أن ما له من التصرف فهو ثابت للخليفة، و ذلك واضح عند أهل العرف ما لم يتقيد بقيد، فقولهم: (إن العالم خليفة النبي صلى الله عليه و آله) بإطلاقه يقضي بأن كل ما للنبي صلى الله عليه و آله من التسلط و الولاية على الرعية فهو و للعالم ثابت، إلا ما دل الدليل على إخراجه. و لكن تجئ فيه المناقشة السابقة من ظهور إرادة الأوصياء من (العلماء) لأنهم الخلفاء، و العلماء خلفاء الخلفاء. إلا أن يجاب بأن المراد من (العلماء) ما يعم الأوصياء، و يصدق الخلفاء على المجموع من دون شبهة. و يبقى الإشكال في انصراف ذلك إلى الخلافة في العلم لا مطلقا. و هو مع أنه يجاب بما تقدم بعيد في المقام، بل الظاهر الإطلاق. نعم، هنا بحث يرد على هذا الخبر و على ما سبق و على ما يجي‌ء بعد هذا من الأخبار: أن مساقها إنما هو في مقام بيان فضل العلماء، و ليس في مقام إثبات الولاية لهم على الناس، فلا وجه للتمسك بها في الباب. نعم، يضعف هذا الإشكال في قسمين من هذه الروايات: أحدهما: ما اشتمل على لفظ (الخلفاء). و ثانيهما: ما اشتمل على أنهم (وكلاء «1» و أما في سائر ما ذكرناه و نذكره فهذا البحث آت فيه مع ما في دفعه من الأشكال. و منها: ما دل على أن العلماء كسائر الأنبياء «2» أو أنهم كسائر الأنبياء في بني إسرائيل «3» بتقريب: أن النبي لا شبهة في ولايته كلية، و مقتضى التشبيه مع عدم تعيين وجه الشبه كونهم كالأنبياء في كل ما هو من صفات النبي إلا فيما خرج بالدليل، و من جملة صفاتهم الولاية.

______________________________
(1) لم نقف على رواية مشتملة على اللفظ المذكور.

(2) المراد به ظاهرا ما ورد في نسخة من جامع الأخبار عنه صلّى اللّه عليه و آله بلفظ «فانّي أفتخر يوم القيامة بعلماء أمّتي، فأقول: علماء أمّتي كسائر الأنبياء قبلي» جامع الأخبار: 45، الفصل العشرون.

(3) عوالي اللآلي 4: 77، ح 67، بلفظ «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل»، و في عوائد النراقي قدّس سرّه عن الفقه الرضوي أنّه عليه السّلام قال: «منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل» عوائد الأيّام: 186.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 568‌

و يجي‌ء هنا مضافا إلى كونه مسوقا لبيان الفضل أن الحمل على العموم فرع عدم وجود الجهة الظاهرة في التشبيه، و الظاهر هنا التشبيه في العلم، فتدبر.

و منها: ما دل على أن العلماء خير الخلق بعد أئمة الهدى

«1» أو فضل العلماء على الناس كفضل رسول الله صلى الله عليه و آله على أدناهم «2» أو أن فضلهم على سائر الناس كفضل الآخرة على الدنيا «3» أو أن فضلهم على سائر الناس كفضل الشمس على سائر الكواكب «4» أو أن الله تعالى فضلهم على جميع خلقه بعد النبيين «5». و هذه الروايات لا دلالة فيها على الولاية، نظرا إلى أنها مسوقة لبيان الفضل لا لبيان الولاية، و لا نسلم الملازمة بين الفضل و الولاية، بمعنى كون كل فاضل وليا على مفضول، سيما إثبات الولاية العامة المطلقة التي نحن بصددها. نعم، كون كل ولي فاضلا قضى به قبح ترجيح المرجوح أو المساوي، و أما كون كل فاضل وليا فلا دليل عليه، و الأخبار لا دلالة فيها على أزيد من التفضيل، و هو غير المدعى، و ليس بمستلزم له. مضافا إلى أن الخبر الأخير و الخبر الثاني لا يمكن حملهما على العلماء، بل الظاهر أن المراد منهما: الأئمة، لأنهم خير جميع الخلق بعد النبيين، و فضلهم على الناس كفضل رسول الله صلى الله عليه و آله، دون سائر العلماء، فلو حمل عليهم لزم حمل هذا الكلام على المجاز و المبالغة و التخصيص في لفظ (جميع الخلق) كما أنه لو حمل على الأئمة لزم تخصيص العلماء أو إرادتهم منه مجازا، و أحدهما ليس بأولى من الأخر. إلا أن يقال في دفع الأشكال عن الأخير: بأنه لو أريد الأئمة فلا وجه لقوله: (بعد النبيين) لأن أئمتنا أفضل من أنبياء بني إسرائيل، كما ورد في الأخبار «6»

______________________________
(1) الاحتجاج 2: 458 (احتجاجات الإمام الحسن العسكري عليه السّلام).

(2) مجمع البيان 9: 253، ذيل الآية 11 من سورة المجادلة.

(3) البحار 2: 25، الباب 8 من كتاب العلم، ح 91، عن منية المريد، قال مقاتل بن سليمان: وجدت في الإنجيل: أنّ اللّه تعالى قال لعيسى عليه السّلام. الخبر.

(4) البحار 2: 25، الباب 8 من كتاب العلم، ح 91، عن منية المريد، قال مقاتل بن سليمان: وجدت في الإنجيل: أنّ اللّه تعالى قال لعيسى عليه السّلام. الخبر.

(5) البحار 2: 25، الباب 8 من كتاب العلم، ح 91، عن منية المريد، قال مقاتل بن سليمان: وجدت في الإنجيل: أنّ اللّه تعالى قال لعيسى عليه السّلام. الخبر.

(6) راجع البحار 26: 267، باب تفضيلهم عليهم السّلام على الأنبياء.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 569‌

فلا بد من إرادة العلماء هنا. و لا يمكن أن يقال: إنه لو أريد العلماء لزم تفضيلهم على الأئمة عليهم السلام أيضا، إذ لم يستثنهم في الرواية. لأنا نقول: استثناء النبيين إثبات «1» لهم، لأنهم بعد خاتم الأنبياء و قبل سائر النبيين في المرتبة، و العلماء إذا كانوا بعد النبيين فكانوا بعد الأئمة أيضا، فتدبر. نعم ما دل على كون فضلهم كفضل رسول الله صلى الله عليه و آله يدل على إثبات الولاية بظاهر التشبيه إن لم يجي‌ء فيه ما مر من الأشكال سابقا.

و منها: ما دل على أن العلماء حكام على الملوك

، كما أن الملوك حكام على الناس «2» أو على أن العالم حجة الأمام على الناس «3» و أنهم كافلون لأيتام آل محمد صلى الله عليه و آله «4». و ظاهر الخبر الأول إثبات ولاية الحكومة لهم على من هو حاكم على الناس «5»، و هذه العبارة تدل على كونهم حكاما على الناس بالأولوية، بل مثل هذه العبارة يساق في العرف لإفادة ذلك. و لكن كونهم حاكمين إنما يقتضي الولاية في القضاء و الفتوى لو سلم ذلك، و هما لا بحث فيهما، و أما في غيرهما فلا يدل على ذلك. و كذلك كونه حجة على الناس يراد به ما يحتج به عليهم يوم القيامة بالإبلاغ و الأنذار حتى لا يبقى عذر في التقصير، و لا يمكن الجواب بعدم العلم و الاطلاع أو الحجة، بمعنى كون ما يقوله العلماء حقا يجب اتباعه كالإمام، و أين ذلك من ثبوت الولاية؟ و كونهم كافلين للأيتام من آل محمد صلى الله عليه و آله كناية عن تعليمهم الأحكام و الشرائع الموجب‌

______________________________
(1) في هامش «م» استثناء- خ ل.

(2) مستدرك الوسائل 17: 316، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 17.

(3) الوسائل 18: 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 9.

(4) مستدرك الوسائل 17: 318، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 122.

(5) في غير «م»: حاكم للناس.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 570‌

لتربيتهم في بواطنهم بعد انقطاعهم عن الأب الباطني. إلا أن يقال: إن ذلك دال على كون النبي و الإمام بمنزلة الأب، و كون العالم بمنزلة وصي الأب، و هذا مثبت للولاية عليهم. و لا يخفى ما في هذه الأخبار الثلاثة من الظهور في الولاية، فتدبر.

و منها: مقبولة عمر بن حنظلة، و رواية أبي خديجة «1» الدالتين على كون من عرف أحكام الأئمة

أو عرف شيئا من قضاياهم حاكما أو قاضيا على الناس و يكون الرد عليه كالرد على الأمام، و الرد عل الأمام على حد الشرك بالله. و هذه الأخبار أيضا لا تقتضي «2» الولاية إلا في الفتوى و القضاء، و لا تدل «3» على كونه وليا مطلقا له التصرف كيف شاء. نعم تدلان على اعتبار حكمهم و فتواهم كما استدل بهما الأصحاب، مع ما فيهما من البحث و الإشكال.

و منها: ما دل على أن العلماء أولياء من لا ولي له

، و أن مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء الامناء على الحلال و الحرام كما ورد في الخبر الطويل «4». و هذا الخبر مع جبره بالفتوى و بالإجماع المنقول يكفي دليلا على كون الحاكم وليا في مقام ليس هناك من الشرع ولي بالخصوص، و يدلُّ على كون جريان كل أمر من أمور المسلمين من نكاحهم و عقودهم و إيقاعاتهم و مرافعاتهم و سائر أمورهم من الأخذ و الدفع و غير ذلك، و كل حكم من أحكامهم على أيدي العلماء خرج ما خرج بالدليل، و بقي الباقي تحت القاعدة المدلول عليها بالنص الموافق لعمل الأصحاب، فتدبر. هذا ما يمكن أن يجعل دليلا في هذا الباب من النص و الفتوى.

و قال الشهيد رحمه الله في قواعده في الضابط في ولاية الحاكم: إن كل قضية وقع‌

______________________________
(1) الوسائل 18: 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1، و ص 100، ح 6.

(2) كذا في أصول النسخ، و المناسب: و هذان الخبران أيضا لا يقتضيان. و قد غيّر مصحّح «م» هذه العبارة من أصلها.

(3) كذا، و المناسب: و لا تدلّان.

(4) تحف العقول: 238.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 571‌

النزاع فيها في إثبات شي‌ء أو نفيه أو كيفيته، و كل أمر فيه اختلاف بين العلماء كثبوت الشفعة مع الكثرة، أو احتيج فيه إلى التقويم كالأرش و تقدير النفقات، أو إلى ضرب المدة، كالإيلاء و الظهار، أو إلى الإلغاء «1» كاللعان فهو إلى الحاكم، و مما يحتاج إليه أيضا القصاص نفسا و طرفا، و الحدود و التعزيرات، و حفظ مال الغائب كالودائع و اللقطات «2» انتهى كلامه رفع مقامه. و جعل الفاضل المدقق المعاصر في عوائده وظيفة الحاكم كلية في أمرين: أحدهما: أن كل ما كان للنبي أو الإمام فلهم ذلك، إلا ما دل الدليل على إخراجه. و ثانيهما: كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم لا بد من الإتيان به و لا مفر منه إما عقلا أو عادة، من جهة توقف أمر المعاش أو المعاد لواحد أو لجماعة عليه، و إناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به شرعا، من جهة ورود أمر به أو إجماع، أو نفي ضرر أو ضرار، أو عسر أو حرج، أو فساد على مسلم، أو ورود الإذن فيه من الشارع أو دليل عليه، و لم يجعل وظيفة لمعين واحد أو جماعة، و لا لواحد لا بعينه، بل علم لابديته و الإذن فيه و لم يعلم المأمور به و المأذون، فهو وظيفة الفقيه «3» انتهى كلامه رفع مقامه. و حاصل غرضه: ما علم من قواعد الشرع لابدية الإتيان بشي‌ء مع عدم معلومية الاتي به من الشرع، فينبغي أن يأتي به الحاكم. و استدل عل الأمر الأول بالإجماع و قد قدمنا ذكره، و بما مر من الأخبار و قد عرفت قصور دلالتها على هذه الكلية، إلا فيما دل على الخلافة، و مثله الخبر الأخير و قد عرفت الأشكال. و استدل على الثاني بالإجماع أيضا و قد عرفته، و بأن كل أمر كان على ما فرضناه لا بد أن ينصب الشارع له شخصا، و المفروض أنه غير معلوم و الفقيه صالح له، و ما فيه من الجلالة كاف في كونه منصوبا، مع أن كل من فرض وليا فالفقيه‌

______________________________
(1) في «د» و المصدر: الإلقاء.

(2) القواعد و الفوائد 1: 405، القاعدة 147.

(3) عوائد الأيّام: 187.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 572‌

داخل فيه، و غيره مشكوك ينفى بالأصل. و يتطرق على ذلك أنه لا نسلم كون الشخص منصوبا له، إذ يمكن كونه من قبيل الواجبات الكفائية التي لا تعيين فيها، بل هو من الواجبات الكفائية قطعا، لأن سقوط هذا التكليف بفعل واحد من العلماء عن الباقين ليس محل بحث، للإجماع عليه، فلم لا يكون واجبا كفائيا يخاطب به كل من علم و قدر عليه؟ و لا دخل في ذلك لحكام الشرع. و لو قيل في الجواب: إنا قائلون في الواجب الكفائي على تعلق الخطاب على كافة المكلفين إلا أنه يسقط بفعل البعض، فيكون هنا أيضا قد تعلق الخطاب على سائر المكلفين و منهم الحكام، و التعلق بالعلماء مقطوع به، و لكن نشك في كون إتيان الباقين به مسقطا عنهم و عدمه، و الأصل عدم السقوط، فلا بد من مباشرتهم أو قيام دليل على السقوط بفعل، لورد «1» عليه أمران: أحدهما: أن الواجب الكفائي ما علم فيه انحصار الغرض في شي‌ء، و ليس سقوطه إلا لحصول الغرض و المصلحة الواقعية و لزوم اللغو في الإتيان بعد ذلك، فلو فرض أن ما فرضناه من الأمر مما لا بد منه لأمر معاد أو معاش فلا بد من إتيانه ليتم النظام، و كل من أتى به فقد حصل الغرض، و يلزمه السقوط، للعلم بزوال ما كان داعيا له على ما فرضناه بعد العلم القطعي بأن المراد ليس مباشرة كل أحد. و إن قلت: إنه لا يقدر على ذلك غير الحاكم. قلت: لا بد على هذا أولا: من إضافة كونه غير مقدور لغير الحاكم أيضا في الضابط. و ثانيا: كل من لا يقدر لا يجب عليه، و هو لا ينافي الوجوب الكفائي على الكل، إذ هو أيضا مشروط بالعلم و القدرة كالواجب العيني. و ثالثا: نمنع كونه غير مقدور إلا على الحاكم، فإن كل ما يقدر عليه الحاكم يقدر عليه عدول المسلمين، فتدبر. و ثانيهما: أنه لو فرض عموم الخطاب للمكلفين فلا وجه للشك في السقوط‌

______________________________
(1) جواب: «و لو قيل».

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 573‌

بفعلهم، إذ لا شبهة في كون إتيان المكلف بالمأمور به موجبا للسقوط. و إن قلت: إن غير الحاكم ليس بمكلف. قلنا: إن الفرض عدم تعيين المكلف، فمن أين علمت كونه مكلفا؟ فإن كان من عدم التعيين فذلك يوجب الكفائية الثابتة لكل أحد، و إن كان من قصد الشارع خصوص الحكام يلزم أولا: خلاف الفرض، لأن كلامنا في مقام لم نعلم من كلف به مطلقا و على هذا الفرض يصير المكلف معلوما. و ثانيا: لا ريب أن مقتضى القواعد عدم قصد خصوصية الحاكم. و لا يمكن المعارضة بأصالة عدم قصد التعميم، إذ التعميم يكفي فيه عدم قصد الخصوصية، و لا يحتاج إلى قصد التعميم حتى يعارض بذلك. و بعبارة اخرى: متى ما كان التكليف ثابتا و لم يعلم المكلف فالظاهر تساوي الكل في ذلك، و لا يحتاج إلى دلالة على قصد التعميم. مع أن مقتضى أدلة الاشتراك بعد عدم التعيين عموم الحكم لكل مكلف، فلو فرض تعارض قصد التعميم مع قصد الخصوصية و تساقطهما تقوم أدلة الاشتراك في التكليف حجة على التعميم. و من ذلك يندفع احتمال القول بأن الأجمال يوجب الأخذ بالمتيقن، لعدم الأجمال أولا بعد معلومية الغرض و إمكان حصوله من أي مكلف كان. و لو فرض إجمال فهو و إن اقتضى الأخذ بالمتيقن بمعنى لزوم مباشرة الحكام للشك في سقوط فعل غيرهم عنهم لكن ما دل على الاشتراك في التكليف يوجب كونها كفائية على الجميع المستلزم للسقوط بفعل أي منهم كان. و لو قيل: إن مقتضى الفرض ثبوت هذا الإتيان على أحد من المكلفين، و لو لم يلزم من ذلك الوجوب على الحكام فلا أقل من الجواز، إذ هو أيضا كسائر الناس و ليس أقل منهم، و إذا ثبت الجواز ثبت الوجوب بالإجماع المركب. قلنا: إن أريد بذلك الإجماع الدال على الولاية، فلا وجه لتسميته بالإجماع المركب، لأنه بسيط. و إن أريد من ذلك: الملازمة بين الجواز و الوجوب، قلنا: الظاهر الجواز له و لغيره، فكذا الوجوب، و مقتضاه الوجوب الكفائي و قد سلمناه،

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 574‌

و أين ذلك من إثبات الوجوب و التعيين على الحكام بالخصوص؟ فتدبر. مضافا إلى أن مجرد صلاحية الفقيه للنصب لا تقتضي التعيين، و جلالته لا تفيد ذلك، إذ الجلالة قد توجب التعيين على غيره، إذ ليس جميع ما فرض أشد لياقة بالجليل من غيره، بل فيه ما هو بالعكس. و بالجملة: فالعمدة: الإجماع و ما مر من الأخبار على ما ذكرناه في بعضه، و لو لا ذلك لما اقتضى كون الشي‌ء مما لا بد منه ثبوته على الفقيه، بل كان سبيله كسبيل الواجبات الكفائية. نعم، لو أريد إثبات جواز مباشرة الحكام أو وجوبها عليهم و لو كفاية و بعبارة اخرى: عدم المنع عليهم في هذا التصرف لأمكن إثباته على هذا الفرض، و هو ليس محل البحث، فتدبر. و يمكن التمسك في إثبات ولاية الحاكم بعموم (قاعدة الإحسان) السالفة «1». و لكنه لا يدل على الولاية أولا بل يدل على عدم الضمان، لأن ذلك لمحض الإحسان و على الانحصار ثانيا. و دعوى كون تصرف الحاكم إحسانا دون غيره تحكم. و بعموم قوله تعالى وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ «2» و هو أيضا غير دال على الانحصار. مضافا إلى أن الفرض: إثبات الولاية من جهة الحكومة، لا من جهة الأيمان و الإحسان، و هما لا يدلان على المدعى. و من ذلك ظهر: عدم إمكان التمسك بعموم أدلة الحسبة و المعاونة على البر و التقوى أيضا، إذا العمدة هنا: إثبات الولاية للحكام من حيث هم كذلك، و هذه الأدلة تقضي باشتراك الغير معهم، مع أن المدعى نفيه. نعم، بقي في الأخبار إشكال و هو: أن أغلبها إنما هو بلفظ (العلماء) و الظاهر منه اعتبار العلم في ذلك، و علماؤنا يدور مدارهم على الظنون، فلا وجه لأدراجهم‌

______________________________
(1) تقدّم البحث عنها في العنوان: 64.

(2) التوبة: 71.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 575‌

تحت الأخبار. و يمكن الجواب أولا: بأنه يكفي في إطلاق (العلماء) عليهم كونهم عالمين بالبعض. و ثانيا: بأن كل ظنونهم منتهية إلى العلم. و ثالثا: أن متى ما ثبت في العالم بالعلم الوجداني ثبت في المجتهد بالإجماع المركب. و رابعا: أنه لو لم يكن المراد به ما يعم المجتهدين لم يكن للأخبار مورد في مثل زماننا، مع أنه مسوق لبيان حكم هذا الزمان، إذ لا حاجة إليهم يعتد بها في زمن حضور الأمام عليه السلام، فتأمل جدا. و بقي هنا كلام، و هو أن الحاكم إذا عرض له جنون أو إغماء زالت عنه الولاية، و إذا عاد إلى الكمال عادت الولاية، مع أن أمينه لو عرض له جنون أو إغماء زالت ولايته، و لا تعود بالكمال، بل بنصب جديد، و كذلك النائب الخاص للإمام إذا زال عنه الجنون و الإغماء لم تعد إليه الولاية إلا بنصب جديد من الأمام، فأي فرق بين المقامين؟ و ربما يتوهم أن الفارق هنا هو العموم و الخصوص، فإن الإمام عليه السلام إذا كان غرضه نصب كل من هو بشرائط الفتوى فيذكره بلفظ عام، كقوله: (من كان على هذه الصفة فهو وكيلي و خليفتي) و لازم هذه العبارة أنه كلما اتصف بالصفة دخل تحت الوكالة، و كلما خرج عن الصفة خرج عن الوكالة، و إذا عاد إلى الوصف عاد أيضا، لشمول النصب و التوكيل. و إذا كان المراد نصب شخص، فيقول: (أنت وكيلي) و هو مستجمع للشرائط، فإذا عرض له الجنون انعزل، و لا وجه لعوده بعد ذلك إلا بتوكيل جديد، لأن اللفظ الأول لم يشمل المقام، و لو كان شموله بإطلاقه فقد بطل العقد و لم يبق له أثر. و لا يمكن أن يقال: إنه اقتضى وكالة هذا الشخص دائما خرج حالة الجنون بالدليل و بقي الباقي. لأنا نقول: دلالته على توكيل هذا الشخص دائما فرع تعلقه بالشخص، و عروض المانع أخرجه عن أهلية التعلق، فإذا لم يتعلق بالشخص فبطل العقد‌

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 576‌

فبطل إطلاقه و دوامه. بخلاف اللفظ العام، فإنه لم يتعلق بهذا الشخص، بل تعلق بالموصوف بهذه الأوصاف أي شخص كان، و عروض المانع لهذا الشخص لا يقدح في قابلية الكلي من حيث هو كلي، فالعقد «1» و التوكيل باق على حاله، و كلما عاد الفرد إلى الاتصاف بالكلي تعلق به الوكالة، من دون فرق بين الابتداء و الاستدامة. و لكن يشكل بإمكان فرض نظير ذلك في النائب الخاص، فإن أحوال الفرد كالإفراد للكلي، فيمكن القول في الوكيل الخاص: ب (أنك وكيلي كلما كنت عاقلا رشيدا) أو (أنت وكيلي إلا حالة الجنون و الإغماء) فيكون نصبا للشخص الموصوف بالصفة، فكلما اتصف دخل تحت اللفظ، و كلما عرض المانع خرج، و لا مدخل للكلي و الجزئي في ذلك، فينبغي صحة هذا الفرض [أيضا] «2» مع أنه إذا عرض الجنون للنائب الخاص لا يعود إلا بالنصب، و لا ثمرة لقوله: (كلما صرت عاقلا فأنت وكيلي) بل هذا باطل من أصله، كما نبينه. و لا يمكن الفرق بأن الكلي أمر قابل لاعتبار الصفات فيه و ملاحظة الأفراد، بخلاف الفرد، فإنه لا يمكن جعله كليا، فإما أن تكون الوكالة متعلقة بهذا الشخص أم لا. لأنا نقول: لم لا تكون الوكالة متعلقة بالمفهوم المركب من الشخص و الصفة؟ و هو قابل للوجود و العدم، فكلما وجد تعلق، و كلما عدم زال، كما في النائب العام بعينه. مضافا إلى أن قاعدة تعلق الوكالة بالكلي كقوله: (من لبس ثوبا أبيض فهو وكيلي) أو (من كان عنده ألف درهم فهو وكيلي) ليس التعلق بكل ما تجدد، بل الظاهر انحصار التعلق بكل من كان متصفا بالصفة عند الإنشاء، فلا يكون من حصل بعد الإنشاء ألف درهم أو لبس ثوبا أبيض وكيلا بالعقد السابق، فقوله: (كل من كان على وصف العلم فهو وكيلي) اقتضى وكالة من هو عالم في ذلك الوقت،

______________________________
(1) في «م» فكلّ من العقد.

(2) لم يرد في «ن، د».

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 577‌

و لا يسري إلى كل من حصل له العلم بعد ذلك. و سر ذلك كله: ما مضى منا في بحث إبطال التعليق للعقود «1» و في بحث اشتراط التنجيز «2» و في بحث بطلان العقود الجائزة بالموت و الجنون و الإغماء «3» أن العقد لا بد من تعلقه بشي‌ء متصل بآن العقد قابل لتعلقه به على اختلاف أحكام العقود في ذلك و التوكيل يقتضي كون الوكيل بالغا عاقلا، فإذا كان كذلك حال العقد تعلق به، و إذا زال بطل، لعدم شمول التوكيل إلا حال العقل، و إذا عاد العقل لا تعود الوكالة، لبطلان العقد السابق. و فرض العموم فيه بأنه (كلما صرت عاقلا فأنت وكيلي) ينحل إلى وكالة معلقة، و قد عرفت أن التعليق مبطل، و ليس هذا إلا كقولك: (إن جاء زيد فأنت وكيلي) قاصدا تحقق الوكالة في ذلك الوقت، لا التصرف، فإن تعليقه مع تنجيز التوكيل لا بأس به. و لا فرق في لزوم التعليق بين الخاص و العام، فلو عمم أيضا لم يتعلق إلا بالمتصف حين العقد، و يصير بالنسبة إلى غير المتصف تعليقا، كما لو أريد به حالة عود العقل على هذا المتصف بعد عروض الجنون عليه صار تعليقا أيضا، إذ معناه حينئذ: أيها العاقل إذا جننت ثم عقلت فأنت وكيلي، و هو باطل بالضرورة، فالوكالة الاولى زالت بالمانع، و الثانية غير صحيحة للتعليق. و إذا تأملت في أطراف هذا الكلام الذي هو من مطارح الأعلام و مزالق الأفهام عرفت أن الفرق ليس بذلك، و لكن قد أشرنا فيما سبق أيضا في بحث بطلان العقد الجائز بالجنون و الإغماء أن تفويض أمر إلى آخر يصير بأقسام ثلاثة: مرة: يكون من باب النيابة كالتوكيل و لازمه: العزل و عدم العود إلا بالنصب الجديد، و كونه تابعا للموكل معزولا بعزله و بانعزاله و بموته و جنونه و إغمائه و إن بقي الوكيل عاقلا.

______________________________
(1) العنوان: 48.

(2) العنوان: 40.

(3) العنوان: 56.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 578‌

و مرة: يكون من باب النصب، بمعنى كون التفويض موجبا للولاية كالوصية فإنه إحداث ولاية لا استنابة، و لذلك يبقى التصرف و إن خرج المستنيب عن أهلية التصرف بالموت. و مرة: يكون بطريق بيان الحكم الشرعي، و هو: أن هذا الفرض من الموضوع حكمه الولاية، و هذا لا يتبع الأصل في البقاء و العدم، و لا يصير بالخروج عن الوصف معزولا بالمرة، بل كلما عاد عاد، كسائر الموضوعات إذا تبدلت ثم عادت، فإن الخمر إذا صارت خلا حلت، و إذا عادت خمرا حرمت، لدوران الحكم مدار الاسم. و الظاهر أن ولاية الحاكم الشرعي من قبيل بيان الحكم، و جعل المعصوم كاشف، لا من قبيل التوكيل، و لا من قبيل النصب و إن كان قوله عليه السلام في الخبر: (إني جعلته عليكم حاكما «1» يدل على النصب، و المقام مقام تأمل و تدبر. و يمكن القول بالتوكيل و التمسك في عود الوكالة بالإجماع. و هو بعيد. و بالجملة: نصب الحاكم دائر مدار هذه الأمور الثلاثة، و إن كان أظهرها ما ذكرناه.

______________________________
(1) الوسائل 18: 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 579‌

العنوان الخامس و السبعون ولاية عدول المؤمنين

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 580‌

عنوان 75 إذا تعذر الأولياء أو فقدت حتى الحاكم، فهل الولاية للعدول مطلقا، أو ليس لهم مطلقا، أو فيما لا يمكن التأخير فيه لهم ولاية دون غيره؟ و يرجع إلى الثاني في وجه وجوه، بل أقوال،

و هنا بحثان:

أحدهما: في جواز تصرف العدول فيما هو وظيفة الحاكم لو كان موجودا

، مع ضيق الوقت و عدم إمكان التفصي، كالصرف من مال اليتيم لنفقته بمقدار يعيش به، و نحو ذلك. و هذا مما لا كلام في جوازه على الظاهر للأصحاب، و يدلُّ على هذا الجواز وجوه من الأدلة: الأول: أن هذا التصرف مع عدم إمكان التأخير و عدم إمكان الوصول إلى الحاكم داخل في باب الإحسان، إذ هو دفع مضرة لا مدفع لها إلا ذلك، و هو داخل في الإحسان من دون تشكيك، و كل إحسان جائز بالعقل و النقل، و لا ضمان عليه أيضا. و الثاني: قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* «1» فإن ظاهر الاستثناء كون القرب إذا كان حسنا جائزا، و هنا كذلك. و ليس الخطاب للحكام خاصة، بل ظاهره العموم، و إذا ثبت ذلك في مال اليتيم ثبت في غيره بالأولوية و بعدم القول بالفصل.

______________________________
(1) الأنعام: 152، و الإسراء: 34.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 581‌

و الثالث: قوله تعالى تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ «1» و أقله الاستحباب، فضلا عن الجواز، و المفروض: أن فرضنا هذا داخل في الإعانة على البر من دون شبهة، و غير ذلك من أدلة الحسبة و المعروف، كلها دالة على ذلك. و الرابع: خصوص الخبر في باب الوصية في من مات و لم يعين وصيا قال عليه السلام ما معناه: (إن قام رجل ثقة فباشر ذلك، فلا بأس به «2» و إذا ثبت في هذا الباب فلا قائل بالفرق. و لا يرد الإشكال في أن ذلك إذن من الأمام عليه السلام و الكلام فيما إذا لم يكن هنا حاكم، لأن الظاهر من الخبر كونه بيانا للحكم الشرعي، لا إذنا في واقعة خاصة، و له نظائر كثيرة، منها قوله: (من أحيى أرضا ميتة فهي له «3» فإنه حكم، لا إذن في الأحياء، فتبصر. و الخامس: ظهور إجماع الأصحاب على الجواز من دون نكير، كما يظهر بالتتبع. السادس: أن هذه الواقعة لا بحث في كون واحد مكلفا أو مرخصا في مباشرتها من الشارع، لما قرر أن الواقعة المحتاج إليها قد جعل الشارع ما هو المخلص و المناص قطعا فيه «4» و حيث لا تعيين فيتخير الكل في ذلك كفاية، و منهم عدول المؤمنين، ثم نقول: قد دل الشرع على عدم ولاية الكافر و عدم أمانة الفاسق مطلقا، فلا يجوز كونهم «5» مرخصين من الشرع في ذلك، فينحصر في عدول المؤمنين، و هذا مما لا كلام فيه.

و ثانيهما: في وجوب مباشرتهم في الصورة المذكورة

. و الحق ذلك، لظاهر إجماع الأصحاب على ذلك، و لظاهر آية المعاونة و إن خرج منها ما خرج، و لأن كل ما جاز وجب، و إلا لزم الحرج و المرج في النظام، سيما في أغلب البلاد الخالية عن وجود حاكم الشرع، فتدبر.

و إذا عرفت هذا فنقول: هل للعدول ولاية إذا تعذر الحاكم مطلقا فلا يحتاج إلى فرض صورة اللابدية و الاضطرار، أو لا؟

______________________________
(1) المائدة: 2.

(2) الوسائل 13: 474، الباب 88 من أبواب أحكام الوصايا، ح 2.

(3) الوسائل 17: 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5، و فيه: أرضا مواتا.

(4) كذا في أصول النسخ، لكن مصحّح «م» أسقط كلمة «قطعا» و أنّث الضمير.

(5) في «م» كونهما.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 582‌

قد يستدل عليه بعموم (نفي السبيل عن المحسنين) و هذا إحسان. و فيه: أن كونه إحسانا إنما يسلم فيما كان هناك مضرة لا تندفع إلا بذلك، و في ذلك الفرض سلمنا جواز التصرف، و أما في صورة إمكان التأخير و التعطيل إلى أن يتمكن من حاكم الشرع فلا نسلم كون تصرفه إحسانا، إذ قد مر في قاعدة الإحسان: أن أخذ مال الناس بغير إذنهم و التصرف فيه للاسترباح و نحو ذلك لا يعد إحسانا، بل هو موجب للضمان مع التلف، و أموال الأيتام و الغياب و نحوهم كذلك، و لو فرض صدق الإحسان فيشكل انصراف الإحسان إليه و شموله له، مضافا إلى ما يستفاد من اتفاق الأصحاب على عدم كون مثل ذلك في حكم الإحسان و لو فرض دخوله تحت اسمه، فتدبر. و قد يتمسك بعموم أدلة الحسبة و المعاونة على البر و التقوى، و هو قاصر من وجوه: أحدها: منع كون كل تصرف في مال المولى عليه معاونة على البر و التقوى، لعدم صدقها عرفا عليه. و ثانيها: منع كون ذلك معاونة على البر مع التمكن من الحاكم و لو بالتأخير كما هو الفرض و إلا لزم جواز تصرف كل أحد في مال الغير باسترباح و نحوه لأنه معاونة عل البر، مع أنه ليس كذلك، بل يدور مدار إذن المالك و من بحكمه. و ثالثها: أن الكلام في إثبات الولاية، و الآية لا تثبتها، بل تفيد الجواز أو الاستحباب أو الوجوب من جهة كونه إعانة على البر، مضافا إلى عدم الشك في شمول هذا الخطاب للكافر و المسلم، و الفاسق و العادل، و المخالف و المؤمن، فيلزم جواز تصرف الفساق أيضا، مع أنه مخالف للإجماع. فإن قلت: نتمسك في خروج الفاسق في هذا المقام بالإجماع و النص، و كذا من هو مثله، فيكون كل أحد مكلفا بالمعاونة على كل بر و تقوى، إلا الفاسق [و نحوه] «1» في أموال الغير. قلت: الظاهر أن قوله تعالى وَ تَعٰاوَنُوا «2» مسوق لبيان حكم العقل، بمعنى: أن بعد كون الشي‌ء برا و تقوى فالمعاونة مطلوبة، و هذا المعنى مما يحكم به العقل، و ليس قابلا للتخصيص حتى يخرج الفاسق و الكافر من هذا الحكم. و الظاهر أن ذلك لعدم كون ذلك معاونة على البر، بل هو ولاية تحتاج إلى دليل يدل عليها.

______________________________
(1) من «م».

(2) المائدة: 2.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 583‌

مضافا إلى أن كلمة (البر) و (التقوى) في هذه الآية مفرد محلى باللام، و لا عموم فيه حتى يشمل المقام و إن فرض كونه من البر و التقوى، و غايته: إطلاق ينصرف إلى ما هو الشائع في إطلاق البر و التقوى عليه من المندوبات و الأعمال الصالحة، و ما نحن فيه ليس منه قطعا. و لو سلم كون البر و التقوى عامين، فنقول: المعاونة ليست عامة، بل هي أيضا مطلقة، و كل معاونة لا نسلم كونها مأمورا بها. و بالجملة: فالاستدلال بهذه الآية على ولاية العدول خال عن الوجه، و مثله ما بمعناه من أدلة الحسبة. نعم،

بقي هنا شيئان يمكن التمسك بهما:

الأول: ما مر من خبر الوصية «1» فإن ظاهره كون ذلك بيانا لحكم شرعي

، و هو جواز مباشرة العدول و تسلطهم على ذلك. و لو أورد عليه بظاهره، فإنه «2» قاض بالجواز و إن أمكن الرجوع إلى الحاكم، أجبنا عنه بأن المطلق يقيد، بمعنى: أنه يجوز تصرف الثقة مع عدم وجود الولي العام أو الخاص مع أن سياق الخبر دال على اعتبار عدم وجود ما هو المرجع في مثل ذلك التصرف، فيكون تقيدا لا تقييدا. و لو أورد «3» بأنه لا عموم فيه، و لعله ينزل على صورة لزوم التصرف و الاضطرار إليه لنفقة و نحوها بحيث لا يمكن التأخير إلى التمكن من الحاكم، فإن ذلك لا بحث في جواز التصرف فيه، كما مر ذكره. قلت: ظاهر الخبر في مطلق الوصية، و من البعيد جدا كون كل واحد من التصرفات فيها فوريا لا يمكن تأخيره إلى التمكن من الحاكم، فلا شبهة في وجود المضيق و الموسع في مورد السؤال عادة، و ترك الاستفصال من المعصوم دال على التعميم، و هو جواز تصرف العادل مع عدم وجود من ينبغي أن يرجع إليه، سواء كان من الأمور التي لو أخرت يمكن فيه الوصول إلى الولي كالإمام و نحوه أو من الأمور التي لا يجوز فيها التأخير. و بالجملة: تنزيله على ما لا يمكن التأخير فيه في كمال الصعوبة. و لو أورد بأن الخبر وارد في الوصية مع عدم وجود الوصي، و هذا مما علم عدم إمكان التمكن من الولي، لأن الإمام في ذلك الوقت لم يكن مبسوط اليد،

______________________________
(1) مرّ في ص: 581.

(2) في «م»: بأنّ ظاهره قاض.

(3) في «م»: فإن قلت.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 584‌

و غيره لا ولاية له، و في مثل هذا المقام الذي حصل اليأس من الوصول إلى الولي لعلنا نجوزه، و هو أعم من المدعى. أجبنا أولا: بأن الفرض: أن ظاهر الخبر هو بيان الحكم في وصية لا وصي لها، و ليس قضية في تلك الواقعة حتى نقول بأن ذلك لعله حكم صورة اليأس، و لا ريب أن فرض الوصية بدون الوصي قابل لليأس عن الحاكم و قابل الصورة إمكان الوصول بتأخير التصرف، و الحكم وارد على الصورتين، و هو المدعى. و إذا ثبت ذلك في باب الوصية ثبت في غيره بعدم القول بالفصل، فتدبر.

الثاني: قوله تعالى وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ

«1» فإن ظاهر الآية دليل على ثبوت الولاية لبعض المؤمنين على بعض آخر، خرج ما لا يكون «2» مولى عليه كالبالغ الرشيد الحاضر القادر مثلا بالدليل، و بقي ما يكون «3» مولى عليه تحت الدليل، و كذا خرج صورة وجود الولي الخاص أو العام المانع عن ولاية العدل من حيث هو عدل بالدليل و بقي الباقي. و يرد عليه: أن مقتضى الآية ولاية بعض على بعض، و هو محتمل لإرادة البعض المعين كالأب و الجد و الحاكم و الوصي و نحو ذلك و إرادة أي بعض كان ليدل على ولاية العدل و المؤمن مطلقا أي فرد كان، فمن أين إرادة البعض اللابعينه حتى يثبت ولاية العدل. و يمكن الجواب: بأن ظاهر البعض التنكير، و إرادة البعض المعين في الواقع خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة، و هي في المقام منتفية. و يرد أيضا: أن الظاهر من ذيل الآية الشريفة و هو قوله تعالى يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ* كون المراد بالبعض هنا الحاكم، فإنه الذي له ولاية الأمر و النهي. و يجاب: بأن الأمر و النهي واجب كفائي لا يختص بالحاكم، بل يجب على سائر الناس كفاية، و الظاهر من الآية: أن الأمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر المقيمين الصلاة و هم العدول أولياء لمن ليس كذلك. و لا يقال: إنه حينئذ لا يثبت ولاية العدول على مال الغائب مثلا، إذ يمكن‌

______________________________
(1) التوبة: 71.

(2) كذا، و المناسب: من لا يكون. من يكون.

(3) كذا، و المناسب: من لا يكون. من يكون.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 585‌

كون الغائب أيضا من العدول الأمرين و الناهين.

لأنا نقول أولا: ليس في ظاهر الآية دلالة على كون العادلين أولياء على غير العدول، بل الظاهر كونهم أولياء، و حذف المتعلق يفيد العموم، و ليس هنا أمر ظاهر ينصرف إليه الإطلاق. و يرد أيضا: أن الظاهر من الآية إثبات ولاية الأمر و النهي، و لا نزاع فيها، إذ قوله تعالى يَأْمُرُونَ* في قوة التفسير للولاية، و المراد إثبات ولاية الأموال و النفوس. و يمكن التمسك بإطلاق كونهم أولياء، و منع كون ذلك تفسيرا، بل الظاهر كونه تعليلا، و على تقدير كونه تفسيرا لا يلزم منه الانحصار فيه مع إمكان تتميمه بعدم القول بالفصل بعد ثبوت ولاية العدول على الأمر و النهي، سيما مع إمكان إدراج التعزيرات و الحدود و نحو ذلك أيضا في النهي عن المنكر، فإنه بعد ثبوت ولايتهم على ذلك يثبت في غيره بالأولوية، فضلا عن عدم الفرق. لا يقال: إن الظاهر من المؤمنين هو المسلم العارف بالحق كما تدل عليه الآية الأخرى: و المنافقون و المنافقات «1» و هو شامل «2» للعادل و الفاسق، فلا وجه لتخصيص العادل بالولاية. لأنا نقول: قام الإجماع و النص على أن الفاسق لا أمانة له، فكيف يجعل وليا على مال الضعيف و السفيه و الغائب و نحو ذلك فهو خارج بالدليل. لا يقال: إن هذا مستلزم لتخصيص الأكثر، فإن الفاسق أكثر من العادل، كما يدل عليه قوله تعالى وَ أَكْثَرُهُمْ فٰاسِقُونَ «3». مضافا إلى أن الواسطة بين الفاسق و العادل موجودة فهي أيضا خارجة عن العموم. و لو جعلنا (المؤمنين) شاملا للصبيان و السفهاء و نحو ذلك كان الخارج أكثر بمراتب، و هو قبيح، فلا بد من إرادة معنى آخر. لأنا نقول أولا: إن هذا ليس من باب التخصيص، بل قوله الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ في قوة التقسيم، فيكون تقسيما للمؤمنين قسمين: ولي، و مولى عليه، و هو كذلك و لا تعميم هنا و لا تخصيص. و لو كان الصبيان و نحوهم داخلين‌

______________________________
(1) التوبة: 67.

(2) لا يخفى ما في هذه الفقرة من بعض المسامحات، و قد غيّر مصحّح «م» بعض الكلمات، و لا حاجة إليه بعد وضوح المراد.

(3) التوبة: 8.

العناوين الفقهية، ج‌2، ص: 586‌

في الآية لكانوا تحت البعض المولى عليه، و خروج البعض الذي ليس بولي و لا مولى عليه غير قادح، لكمال ندرة هذا الفرد. و ليس غرضنا من الآية إثبات خصوص ولاية العدالة «1» بل الولاية مطلقا، فإن ثبت له «2» خصوصية اتبعت، و إلا بقي على إطلاق ولاية العدل «3». و ثانيا: أن كون الخارج مما لا يعتنى بشأنه لسفه أو ضعف أو فسق أو نحو ذلك و كونه لا يعد في جنب العدول موجودا فضلا عن كونه أكثر، لا قبح في ذلك لو كان من باب التخصيص، و قبح تخصيص الأكثر إنما هو للاستهجان العرفي و هو تابع للمقامات و الاعتبارات، كما لا يخفى على المتتبع. لا يقال: إنها مجملة في متعلق الولاية، و لم يبين فيها أن ولايتهم على المال أو على شي‌ء آخر. لأنا نقول: المتبادر من إطلاق الولاية: ولي المال و النفس، فإذا قيل: (فلان ولي فلان) يستفاد منه أن أمره في ماله و نفسه بيده كما هو المتعارف، فتدبر. و بهذه الآية استدل الأصحاب على ولاية العدول في كل باب و تلقوه بالقبول، و هو أقوى جابر للدلالة مع قطع النظر عن التخريجات اللفظية و الاحتمالات العرفية، فمقتضى ظاهر الآية المؤيدة بخبر باب الوصية المعتضد بالفتوى كون مقتضى القاعدة: أن كل ما كان الحاكم وليا فيه إذا فقد أو تعذر فالولاية للعدول. و لا يعتبر فيه التعدد، لإطلاق البعض في الآية الشامل للواحد، و صريح خبر الوصية، فإنه جعل الولاية للثقة، فما يوهمه بعض عبائر الأصحاب من اعتبار التعدد لتعبيرهم بلفظ (العدول) ليس مرادا جزما. و لو اقتصر في ولايتهم على صورة تعذر الحاكم و عدم إمكان تأخير التصرف إلى زمن التمكن من الحاكم أو أمينه حتى يكون مندرجا تحت أدلة الحسبة و المعاونة مضافا إلى ظاهر الآية و الخبر لكان أحوط في النظر و أقرب إلى التقوى. و لكن المختار: أن مع تعذر الحاكم فالأصل ولاية العادل في كل ما للحاكم عليه ولاية، إلا ما أخرجه الدليل، كالقضاء و الإحلاف و نحو ذلك.

______________________________
(1) كذا، و الظاهر: «العدول» و أسقطها مصحّح «م».

(2) كذا، و الظاهر: «لها» أسقطها أيضا مصحّح «م».

(3) العبارة في «م» هكذا: «و إلّا فلا يعدل عن إطلاق ولاية العدول» و لعلّ الصواب: و إلّا يعدل.

________________________________________
مراغى، سيد مير عبد الفتاح بن على حسينى، العناوين الفقهية، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق


[1] الرسائل الفقهية (للوحيد البهبهاني)؛ ص: 295-٣٠۶





















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است