قول به اجزاء در کلام متاخرین

فهرست علوم
فهرست فقه
القواعد الفقهیة و الاصولیة
اجزاء امر اضطراری
کلام آیت الله بروجردی در مورد نماز مسافر



کلام آیت الله بروجردی ره

الحاشیه علی کفایه الاصول، ج 1، ص 222

(1) (قوله: المقام الثاني في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري .....إلخ.)

تنقیح محل نزاع

المقصود بالأمر الظاهري في مورد النزاع هو الأمر الظاهري الشرعي المتكفّل لبيان ما هو جزء أو شرط للمأمور به، أو مانع عنه، و ما ليس بجزء و شرط و مانع، لا مطلقه و لو كان عقليّا، فانّه لا نزاع في عدم إجزائه حال كشف الخلاف، مثل البراءة العقليّة، و صورة القطع بالحكم، أو الظنّ في صورة الانسداد و القول بالحكومة، أو كان متكفلا لبيان أصل الحكم وجودا أو عدما، فانّه على فرض قيامه على عدم الوجوب لا مجال لجريان النزاع فيه، و كذا على فرض قيامه على وجوده، فانّ كشف الخلاف فيه لا يخلو من امرين:
أحدهما ان لا يكون في الواقع حكم أصلا، و الآخر ان يكون حكم و لكن‏

 


                        الحاشية على كفاية الأصول، ج‏1، ص: 223
كان متعلّقا بموضوع آخر غير موضوع الأمر الظاهري، مثل ما إذا قام الدليل أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة تعيينا في زمان الغيبة فانكشف وجوب صلاة الظهر كذلك، فانه لا مجال لجريان النزاع فيه أيضا و توهم الإجزاء كما لا يخفى.

مقتضای قاعده

إذا عرفت هذا فاعلم انّ التحقيق كما أفاده المحقق المدقق السيّد الأستاذ مد ظلّه هو الإجزاء مطلقا، سواء أ كان موردا للأصول، أم كان موردا للأمارات، و ذلك لأنّ مقتضى أدلّة حجيّة الأصول بل الأمارات هو كون مؤدّاها عمّا يحصل به الطبيعة المأمور بها في حال الشكّ كما في مورد الأصل أو حال الجهل كما في مورد الأمارات، و ان كان ذاك الفرد في هذا الحال فاقدا لما يعتبر في حصول الطبيعة واقعا، مثل ما إذا نهض دليل أو أصل على عدم جزئيّة السورة للصلاة، فان مقتضى دليل حجيّتهما هو كون الصلاة بدون السورة تمام الصلاة في حال الشك أو الجهل، و ذلك مطلقا و لو انكشف الخلاف لمكان إطلاق دليل الحجيّة كما لا يخفى، فلا مجال لتوهم عدم الإجزاء و لو في صورة كشف الخلاف.
                    

 

    الحاشية على كفاية الأصول، ج‏1، ص: 224
و بعبارة أخرى مقتضى أدلّة الأوامر الظاهرية هو كون الصلاة الكذائيّة الفاقدة للجزء الكذائي في هذا الحال (أي حال الشك) مثل الصلاة الواجدة للجزء الكذائي في حال العلم في كونها فردا للصلاة المأمور بها من غير تفاوت بينهما في حصول الطبيعة بهما أصلا، نظير متعلق الأوامر الاضطرارية بالإضافة إلى الاختيارية، فانّ المأمور به بالأمر الاضطراري يكون فردا للطبيعة المأمور بها، كما انّ المأمور به بالأمر الاختياري أيضا فرد لها، هذا و لكن يمكن ان يقال بالفرق بين الأوامر الظاهرية و الاضطرارية في انّ متعلّق الأوامر الاضطرارية يكون مقيّدا لمتعلّق الأوامر الاختياريّة، و ذلك لكون الأوامر الاضطرارية في مرتبة الاختيارية و في عرضها، فيكون متعلّق الاضطراري مع كونه مقيّدا فردا للمطلق، و معه يوجب الإجزاء، و هذا بخلاف الأوامر الظاهريّة، فانّها بمتعلقها لا يمكن ان تكون مقيّدة لما يتعلّق به الأحكام الواقعيّة، و ذلك لأنّ الشكّ فيها و كذا الجهل‏

 

 

                        الحاشية على كفاية الأصول، ج‏1، ص: 225
بها مأخوذ في موضوع الأحكام الظاهريّة، و معه تكون الأحكام الظاهرية متأخرة عنها بمرتبة واحدة أو أزيد، و حينئذ تقع في طولها لا في عرضها كما لا يخفى، و على ذلك كيف تقيّدها بها، و من ذلك يشكل الأمر في كون وقوع متعلّق الأمر الظاهري فردا للطبيعة المأمور بها حتى يحكم بإجزاء الإتيان به عن الواقع مع الانكشاف، لكنّه يمكن ان يقال في حلّ الإشكال و الحكم بالاجزاء ثبوتا بعد قيام الدليل عليه إثباتا بوجهين:
الأول انّه و ان كان الحكم الظاهري متأخرا عن الواقعي بمعنى كون الشك فيه أو الجهل به مأخوذا فيه لكنّه يمكن ان تكون في متعلقه باعتبار الشك أو الجهل بالحكم مصلحة في عرض مصلحة الواقع. بحيث كان الإتيان به من الشاكّ و الجاهل بالحكم الواقعي مثل الإتيان بالواقع من العالم به في كونه محصّلا للطبيعة المأمور بها و وافيا بالغرض المتعلّق بها من غير تفاوت في ذلك بينهما أصلا بحيث لا يبقى لفعلية الواقعي بالإضافة إليه بعد علمه بالواقع و كشفه لديه مجال مطلقا كما لا يخفى.

 

                        الحاشية على كفاية الأصول، ج‏1، ص: 226
الثاني انّه يمكن ان يقال: انّ الحكم الظاهري بالإضافة إلى الشاكّ و الجاهل انما يكون في عرض الواقع بالإضافة إلى العالم به، نظير الاضطراري بالإضافة إلى الاختياري في صيرورة المضطرين صنفا غير صنف المختارين. و انّ تكليف كل منهما مغاير للآخر و لا ينافيه شمول الحكم الواقعي للجاهلين و أخذ الجهل به في موضوع الحكم الظاهري، بعد عدم فعليّته بالإضافة إليهم، و قصور إرادة البعث بالنسبة إليهم، و ذلك لعدم التنافي بين إجزاء الإتيان بمتعلق الحكم الظاهري في حال الشك أو الجهل بملاك كونه تمام المأمور به في هذا الحال بحيث كان ذاك التكليف تكليفا واقعيّا في حقه، و بين شمول الحكم الواقعي له و إطلاقه بحيث لو علم به لصار فعليّا في حقه و تنجّز عليه بعد عدم فعليّته في حقّه و عدم تعلق إرادة البعث نحوه في حقه، و الوجه في سوق الحكم الواقعي مطلقا بعد عدم إرادة البعث به امّا ان يكون باعتبار عدم إمكان أخذ العلم في موضوعه إلّا على وجه دائر، أو باعتبار كون الحكمة فيه انّه لو علم به لتنجّز عليه، و مع فرض‏

 

 

                        الحاشية على كفاية الأصول، ج‏1، ص: 227
 التقيّد يكون كونه مكلّفا بالواقع محتاجا إلى دليل آخر غير دليل الواقع، و بالجملة لا شبهة في دلالة أدلّة الأحكام الظاهريّة على الإجزاء، و ذلك مطلقا أعمّ من ان تكون من الأصول أو الأمارات، و كون لسان الأمارات لسانا حكائيّا عن الواقع لا يضرّ في دلالة أدلّة، حجيّتها على انّ العمل على طبقها يجزي عن الواقع و لو انكشف الخلاف، فانّها تدلّ على انّ مؤدّياتها من مصاديق الطبيعة المأمور بها كما لا يخفى كالأصول بلا تفاوت أصلا، فلا وجه لتفصيل المصنّف قدّس سرّه بين الأصول و الأمارات، كما انّه لا وجه للتفصيل بين كون جعل الأمارات بنحو السببية أو الطريقيّة، ضرورة انّ القول بالإجزاء و عدمه يدور مدار دلالة الدليل و عدمها، و انّ عنوان الموضوعية و الطريقيّة خارج عن مدلول الدليل، و يكون حكمة للجعل في مقام الثبوت، نعم ان قام الدليل من الخارج على انّ الحكمة في جعل الأمارة هي الطريقيّة، و كان دليل الاعتبار ظاهرا في الإجزاء، لا بدّ من رفع اليد عن ظهوره، لا انّه يخرجه عن الظهور و يوجب إجماله، كما انّه ان لم يكن له ظهور في الإجزاء و قد قام الدليل الخارجي على الموضوعيّة و السببية، كان ذلك قرينة على إرادة الإجزاء، و موجبا لحمله عليه ان كان له إطلاق، و الحاصل‏

 

 

                        الحاشية على كفاية الأصول، ج‏1، ص: 228
 انّ الاعتبار في مقام الإثبات و العمل بدلالة دليل الاعتبار، فمع دلالة الدليل و ظهوره في الإجزاء يحكم به و يعمل على طبقه ما لم يقم دليل خارج على خلافه، و ان لم يكن وجه ذلك ثبوتا منكشفا عندنا، مع انّه عرفت وجهه آنفا، فارجع البصر كرتين حتى يظهر لك ما هو الحق في البين، و لا تكون من المقلّدة اللّذين هم على صراط الشبهة و الرين.

 




 

تقریرات فی اصول الفقه، ص 62
و أما إتيانه بالامر الظاهري فهل يجزي أم لا؟ فتحقيق المقام يقتضي بيان ما هو محلّ النزاع أولا، ثم بيان ما هو الحقّ ثانيا.
فاعلم أنّ الشي‏ء اذا تعلّق به الامر مطلقا فالحكم الذي هو مدلول الامر هو
__________________________________________________
 (1) راجع الكفاية: ج 1 ص 135 أواخر المقام الثاني من قوله: و هذا بخلاف ما اذا علم أنه مأمور به ... الخ.
  

 

 

                      تقريرات في أصول الفقه، ص: 63
واقعيّ، اختياريا كان أم اضطراريا كما مرّ.
و إن قيد بالجهل بالحكم الواقعي، حكما أو موضوعا يعبّر عنه بالحكم الظاهري و الواقعي الثانوي، سواء كان من الامور التي جعلت حجّة لكاشفيتها عن الواقع «1» أو مطلقا «2».
ثم هو يتصوّر على وجهين، لأنه (إما) أن يتعلّق بشي‏ء ليس بالمأمور به واقعا أصلا، كما اذا قامت الأمارة أو الأصل على وجوب الجمعة مثلا في يومها ثم انكشف أنّ الواجب الظهر، فهذا ليس من محلّ النزاع في شي‏ء لعدم إمكان توهّم الاجزاء حتى يتكلّم، كما مرّ في الاضطراري أيضا.
 (و إما) أن يتعلّق بشي‏ء يختلف بحسب الكيفية مع الواقعي، كما اذا ترك الجزء أو الشرط المشكوكين بمقتضى حديث الرفع، بناء على شموله لهما أيضا أو قامت الأمارة على عدمهما ثم انكشف اعتبارهما، فهذا محلّ الكلام.
و التحقيق: أن ينظر الى الأدلّة، فإن كانت ظاهرة في كون هذا أيضا فردا من الطبيعة المأمور بها فمقتضى القاعدة الاجزاء، و إلّا فلا.
فلا حاجة الى أن يقال كما في الكفاية: إنّ دليل الحكم الظاهري إن كان أصلا فعدم الاجزاء، و إن كان امارة فعلى الطريقية أو الشكّ فيها فلا اجزاء أيضا، و على السببية فكالاضطراري من كونه منقسما في مقام الثبوت بأقسامه.
و ذلك ضرورة أنّ في صورة عدم استظهار الفردية يكون المأتيّ به مبائنا للمأمور به، و هو غير مجزئ عنه قطعا كما لا يخفى.
مضافا الى أنّ التقسيم غير حاصر لعدم شموله للشكّ في الشبهة الحكمية كما مثّلنا سابقا.
و توهّم تعرّضه لها في آخر كلامه قدّس سرّه- بقوله: أما ما يجري في إثبات أصل التكليف كما اذا قام الطريق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان‏
__________________________________________________
 (1) كالأمارات.
 (2) كالاصول.

 

 

                        تقريرات في أصول الفقه، ص: 64
الغيبة فانكشف ... الخ مدفوع بأنه من القسم الأول الذي لا نزاع فيه أصلا كما اعترف به قدّس سرّه.
اذا عرفت هذا فاعلم أنّ الكلام يقع في مقامين (الأول) في الاصول (و الثاني) في الأمارات.
أما الاصول فهي على قسمين، قسم قرره الشارع لخصوص مورد الشكّ في الموارد المخصوصة كما في الشكوك المتعلّقة بأفعال الصلاة أو أقوالها بعد تجاوز المحلّ.
مثل قوله عليه السّلام في ذيل رواية زرارة: «يا زرارة اذا خرجت من شي‏ء ثم دخلت في غيره فشككت ليس بشي‏ء» «1».
و دلالة هذا القسم على الاجزاء و كونه حاكما على الأدلّة الأولية موقوف على مقدمتين:
الاولى: أنه على فرض عدم انكشاف الخلاف الى الأبد مع عدم إتيانه في علم اللّه تعالى لا إشكال في الاجزاء و كونه فردا من الصلاة.
الثانية: أنّ المراد من الشكّ إما المستمر فيكون تقييد الحكم به لغوا لعدم علم الشاك باستمراره ليترتب عليه حكمه، و إما مجرد حدوثه، و اللازم من ذلك الاجزاء أيضا كما في صورة عدم الانكشاف أصلا لعدم الفرق بينهما إلّا الاستمرار في الأول دون الثاني، و المفروض أنه لا دخل له في كونه فردا، هذا.
و مع تسليم عدم كونه فردا منها فلا أقلّ من سقوط الأمر حينئذ و هو كاف في الاجزاء.
و الحاصل: أنّ الظاهر سقوط الامر بإتيان المأمور به الظاهري بالنظر الى دليله و دليل الواقعي مع قطع النظر عن دليل خارجي من قرينة عقلية أو شرعية.
و قسم في الاصول التي تجري لبراءة الشاكّ عن المشكوك جزء أو شرطا أو
__________________________________________________
 (1) الوسائل: باب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج 5 ص 336.

 

 

                        تقريرات في أصول الفقه، ص: 65
مانعا و لو بنحو العموم، مثل حديث الرفع «1» و قوله عليه السّلام: «كل شي‏ء نظيف حتى تعلم أنه قذر» «2» و نحوها، و الكلام فيه أيضا كالكلام في القسم الأول في الاجزاء و الحكومة و من هنا «3» انقدح حال أدلّة الأمارات، مثل أن يخبر العادل مثلا بطهارة الثوب، و ثبت بالدليل حجية قول العادل و وجوب تصديقه في الموضوعات، فإنّ مفاد ادلة اعتبار الأمارات بعينه مفاد دليل الاصول في كونه ظاهرا في الاجزاء بمقتضى القاعدة ما لم يمنع عنه مانع عقلي.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنه لا فرق بين أدلّة الاصول و أدلّة اعتبار الأمارات من هذه الجهة.
نعم بينهما فرق من جهة اخرى، و هو أنها «4» حاكمة عليها، لأنها كالمفسّر لها عرفا كما لا يخفى.
 (إن قلت:) «5» مقتضى اطلاق دليل الحكم الواقعي شموله لصورة الجهل و لم يمكن تقييده أو تخصيصه بصورة العلم بملاحظة الأدلّة الظاهرية فإنّه- مضافا الى أنه يلزم من ذلك أن لا يتحقق الموضوع قطّ ضرورة أنّ الحكم لا يتحقق إلّا بعد تحقق موضوعه بجميع أجزاءه و قيوده، و المفروض أنّ من القيود العلم بالحكم المفروض عدم ثبوته بعد فلا يمكن تحققه- غير ممكن «6» عقلا، بداهة اختلاف مرتبتهما، فإنّ موضوع الحكم الواقعي مقدّم على موضوع الحكم الظاهري بمرتبتين، و لا يمكن كون شي‏ء متأخرا و لو بمرتبة واحدة مقيدا أو مخصّصا لما هو كذلك فضلا عن مرتبتين، فحينئذ بناء على ما ذكرت من الاجزاء يلزم اختصاص الحكم بالعالم و المفروض عدم الاختصاص به كما مرّ بيانه.
__________________________________________________
 (1) الوسائل: باب 37 من أبواب قواطع الصلاة ج 4 ص 1284 حديث 2.
 (2) الوسائل: باب 37 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1054 حديث 4.
 (3) شروع في المقام الثاني و هو مقام الإثبات.
 (4) أي الأمارات حاكمة على الاصول.
 (5) شروع في بيان الموانع العقلية عن الاجزاء.
 (6) خبر لقوله: «فإنّه».

 

 

                        تقريرات في أصول الفقه، ص: 66
 (قلت:) نعم الأمر كذلك، و لكن هذا الإشكال مشترك الورود بين القول بالاجزاء و عدمه، لأنه نشأ من أنه كيف يمكن الحكم واقعا مطلقا و الحكم ظاهرا مع الجهل على خلافه أو وفاقه؟ و هل يكون إلّا نظير اجتماع المثلين على تقدير موافقتهما، أو الضدّين على تقدير مخالفتهما، أو النقيضين على تقدير كون مفاد أحدهما مثلا حكما و مفاد الآخر عدمه؟ مضافا الى عدم إمكان جعله كما ذكرنا في السؤال.
و الحلّ أمّا (أولا) فبما نسب الى الكفاية من أنّ الحكم الواقعي اقتضائي، و الظاهر فعلي أو عذر للمكلّف.
و على التقديرين لا يكون الواقعي فعليا، فلا منافاة.
و أما (ثانيا) فيقال: أما في مقام الثبوت و الواقع فلأنه لا مانع من جعل الحكم في صورة الجهل للجاهل مجردا عن الجزء و الشرط و فقد الموانع المشكوكة فيها، بمعنى أن يكون الصلاة المأمور بها في صورة الشكّ كذلك بلا تفاوت أصلا بينها و بين الصلاة الواجدة لها في حصول عنوان المأمور به.
و توهّم تفويت المصلحة في صورة المخالفة مدفوع، مضافا الى أنه لا يجب علينا إلّا التعبّد بالأوامر من دون لزوم العلم بأنّ المصلحة في المأمور به ما هو؟
لاحتمال أن تكون المصلحة في نفس الامر أو في المأمور بهذا الامر و لا يكون في ذاتها مصلحة أصلا.
أنه يكفي في تحقق المصلحة كونه تسهيل الامر على المكلّفين، هذا في مقام الثبوت.
و أما في مقام الإثبات فيكفي ظاهر الأدلة كما ذكرنا، فراجع.
و الحاصل: أنّ مقتضى القاعدة الاجزاء، إلّا أن يدلّ دليل على عدمه، مثل: لا تعاد الصلاة ... الخ «1» بالنسبة الى الأركان، لا العكس «2» و الحمد للّه.

 

 


                        لمحات الأصول، النص، ص: 97
الموضع الثالث في أنّ الإتيان بالمأمور به الظاهريّ هل يقتضي الإجزاء أم لا؟
و قبل الخوض في المقصود، لا بدّ من تنقيح محلّ البحث؛ حتّى لا يختلط الأمر.
فنقول: محلّ الكلام في المقام أيضاً حسبما حرّرنا في الأوامر الاضطراريّة فيما إذا تعلّق أمرٌ بطبيعةٍ، و يكون لها مصداقٌ واقعيّ جامعٌ لكافّة الشرائط و الأجزاء، و فاقدٌ لجميع الموانع، و دلّت أدلّة الأحكام الظاهريّة- أصلًا كانت أو أمارة- على عدم كون شي‏ءٍ جزءًا أو شرطاً أو مانعاً في حال الجهل بالواقع، فهل الإتيان بمصداق الطبيعة- حسب اقتضاء الأدلّة الظاهريّة- يجزي عن المأمور به أم لا؟
و أمّا إذا دلّ دليلٌ على وجوب شي‏ءٍ، فأتى به المكلّف، ثمّ تبيّن عدم وجوبه، و إنّما الواجب شي‏ءٌ آخر، فهو خارجٌ عن محطّ البحث، كما لو دلّ الدليل على وجوب صلاة الجمعة في يومها، فصلّى المكلّف صلاة الجمعة، ثمّ تبيّن وجوب الظهر، فإنّ هذا خارجٌ عن بحث الإجزاء؛ لأنّه لا معنى لكون الإتيان بمتعلّق أمرٍ، مجزياً عن أمرٍ آخر متعلّق بموضع آخر.
و كذلك إذا دلّ دليلٌ على عدم وجوب شي‏ءٍ، فلم يأتِ به المكلّف في وقته، ثمّ تبيّن وجوبه، فهو أيضاً خارجٌ عن بحث الإجزاء، و هو ظاهرٌ.
فتحصّل من ذلك: أنّ محطّ البحث أنّ الإتيان بالمصداق الظاهريّ للمأمور به، هل يكون مُجزياً عن الأمر المتعلّق بالطبيعة أم لا؟
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 98
إذا عرفت ذلك فيتمّ الكلام في مقامين:
المقام الأوّل: في الإتيان بالمأمور به حسبما تقتضيه الاصول الشرعيّة
فاعلم: أنّ المحقّق الخراسانيّ رحمه الله لم يستقصِ جميع الاصول المنقّحة لموضوع التكليف بلسان تحقّق ما هو شرطه أو شطره، و أمّا الاصول الحكميّة الجارية في الأجزاء و الشرائط، فغير مذكورةٍ في كلامه.
نعم، قد تعرّض في آخر كلامه للُاصول الحكميّة الجارية في أصل التكليف، كصلاة الجمعة و الظهر «1» فلا بدّ لنا من استقصاء الكلام في جميع الاصول و الأمارات.
ثمّ اعلم: أنّا نتعرّض أوّلًا لمقام الإثبات؛ و أنّ مقتضى ملاحظة الأدلّة الواقعيّة المثبتة للأجزاء و الشرائط و الموانع و الأدلّة الظاهريّة بحسب الإثبات ما هو؟ ثمّ لو دلّت الأدلّة على الإجزاء إثباتاً نتشبّث بها، إلّا أن يدلّ دليلٌ عقليّ على الامتناع فنتركها بمقدار دلالته، و نأخذ بالباقي.
ثمّ اعلم: أنّ من الاصول ما تتعرّض لبيان تنقيح الموضوع في الشبهة الموضوعيّة، مثل قاعدة التجاوز و الفراغ.
و منها: ما تتعرّض لتنقيح المأمور به في الشبهة الحكميّة، مثل أصالة البراءة المستفادة من مثل حديث الرفع «2» (21) «3».
__________________________________________________
 (1)- كفاية الاصول: 112.
 (2)- التوحيد: 353/ 34، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 11: 295، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.
 (3). 21- قد يقال: باختصاص الحديث بالشبهة الحكمية؛ لأنّ الموضوعات الخارجية غير متعلّقة للأحكام، و إنّما هي متعلّقة بنفس العناوين، فرفع حكم عن الموضوعات المشتبهة فرع وضع الحكم لها، و هو ممنوع.
و فيه أوّلًا: أنّه منقوض بسائر العناوين؛ فإنّ الاضطرار و الإكراه إنّما يحصلان في الموضوع، كالطلاق المكره عليه، مع أنّه مشمول للحديث بلا إشكال، كما في صحيح البزنطي.
و ثانياً: أنّ الحديث رفع الحكم عن العناوين، كالبيع المكره عليه، و الشرب المضطرّ إليه، و الخمر المجهول حكماً أو موضوعاً، إلّا أنّ معنى رفع الحكم هو رفع إيجاب الاحتياط، أو رفع الفعلية، أو رفع المؤاخذة، على اختلاف المسالك، و رفع الموضوع كذلك إن لم نقل برفع الحكم عن الموضوع المجهول حقيقة، كما في سائر العناوين، و الظاهر عدم التزامهم به في بعض الموارد. (أنوار الهداية 2: 39- 40).
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 99
و في أمثال هذه الاصول المنقّحة للمتعلّق و المأمور به مطلقاً، لا إشكال في أنّ الظاهر منها هو الإجزاء؛ فإنّ الظاهر من قوله:
 «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى‏ فأمضه كما هو»
 «1» هو البناء على إتيان الجزء المشكوك فيه، و البناء على إتيان الشرط المشكوك فيه و عدم المانع المشكوك فيه
.
و معنى البناء على ذلك، أنّ المصلّي الذي أتى‏ بالصلاة لغرض إسقاط الأمر المتوجّه إليه، و صيرورته مستريحاً من التكليف الإلهيّ و تبعاته، قد صار مستريحاً منه بإتيان هذا الفرد المشكوك فيه من حيث الصحّة بعد التجاوز.
و إن شئت قلت: إنّ دليل القاعدة بلسان الحكومة، يدلّ على توسعة المأمور به؛ بحيث يشمل ذيله هذا الفرد المشكوك فيه و لو كان ناقصاً بحسب الواقع.
و هكذا الكلام في مقتضى أدلّة أصالة الطهارة و الحلّية الجاريتين في الشبهات الموضوعيّة، فإنّهما أيضاً ممّا ينقّح الموضوع بلسان الحكومة؛ فإنّ‏
__________________________________________________
 (1)- تهذيب الأحكام 2: 344/ 1426، وسائل الشيعة 5: 336، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 100
معنى البناء على الطهارة في اللّباس، هو صحّة إتيان الصلاة به، و كون هذا المأتيّ به هو الصلاة المأمور بها.
و هكذا الاصول الجارية في الشبهات الحكميّة، فإنّها أيضاً كذلك؛ فإنّ دليل رفع الجزئيّة و الشرطيّة و المانعيّة، يدلّ- بلسان الحكومة- على أنّ الصلاة الفاقدة للجزء أو الشرط أو الواجدة للمانع واقعاً لدى الشك، صلاة حقيقةً، و تكون الصلاة في حقّ الشاك هي هذا المأتيّ به؛ فإنّ مقتضى التعبّد بالبناء على عدم جزئيّة مشكوك الجزء و شرطيّة مشكوك الشرطيّة و مانعيّة مشكوك المانعيّة، هو البناء العمليّ؛ أي الإتيان بالفرد الناقص، و البناء العمليّ على كونه صلاةً في حقّه، و هذا يدلّ على توسعة المأمور به في زمان الشكّ، و تنزيلِ هذا الفرد منزلة المأمور به التامّ، و هو المقصود من الإجزاء.
و بالجملة: جميع أدلّة الاصول الجارية في الأجزاء و الشرائط و الموانع، حاكمة على الأدلّة الأوليّة، و يكون مفادها توسعة دائرة المأمور به.
لا يقال: إنّ ما ذكرت حقٌّ لو لم ينكشف الخلاف، بخلاف ما إذا انكشف؛ فإنّ قوله:
 «كلّ شي‏ءٍ نظيفٌ حتّى‏ تعلم أنّه قذرٌ» «1»

و قوله:
 «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى‏ فأمضه كما هو» «2»

يدلّ على الإجزاء ما دام الشكّ باقياً، و أمّا إذا ارتفع الشكّ، فلا بدّ من إتيان المأمور به على ما هو عليه في نفس الأمر، و بحسب الأدلّة الواقعيّة.
فإنّه يقال: لا إشكال في أنّ الشكّ المأخوذ في هذه الأدلّة، هو الشكّ‏
__________________________________________________
 (1)- تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 2: 1054، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
 (2)- تهذيب الأحكام 2: 344/ 1426، وسائل الشيعة 5: 336، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 101
الحادث، سواء كان مستمرّاً أو لا، لا الشكّ المستمرّ إلى‏ آخر العمر؛ فإنّ التعبّد بالعمل على طبق الأصل مع الشكّ المستمرّ غير ممكنٍ؛ لأنّ وقت العمل على طبقه هو حين حدوثه، فلا معنى لكون التعبّد بالعمل بالأصل متفرّعاً على الشكّ إلى‏ آخر الوقت أو العمر، فإذا كان كذلك، فلا يضرّ انكشاف الخلاف بما نحن بصدده.
بل لا معنى لكشف الخلاف؛ فإنّ الظاهر من الأدلّة- كما بيّنا- هو كون الفرد الناقص في زمن الشكّ، مصداقاً للمأمور به حقيقةً، فإذا اتّسعت دائرة المأمور به، فلا معنى لكشف الخلاف أصلًا، فتدبّر جيّداً.
المقام الثاني: في الإتيان بالمأمور به حسبما تقتضيه الأمارات الشرعيّة
سواء كانت قائمة على تحقّق الموضوع في الشبهات الموضوعيّة، كما لو قامت البيّنة على إتيان القراءة أو الركوع مثلًا مع الشكّ في الإتيان، أو قامت على طهارة اللّباس، أو كونه من المأكول و المذكّى‏ مع الشكّ فيها.
أم كانت قائمة على نفي الجزئيّة و الشرطيّة و المانعيّة مع الشكّ في الشبهة الحكميّة، كما لو قام خبر الثقة على عدم جزئيّة السورة، أو على عدم شرطيّة طهارة اللّباس، أو عدم مانعيّة المذكّى.
و هي أيضاً تدلّ على الإجزاء؛ فإنّ الأمارات و إن كانت لها جهة الكشف و الطريقيّة عن الواقع بأنفسها، لكن أدلّة اعتبارها تكون بعينها من هذه الجهة مثل أدلّة الاصول؛ فإنّ معنى تصديق العادل هو البناء العمليّ على صدقه، و كون خبره مطابقاً للواقع، و الإتيان بالمأمور به على طبق إخباره، فإذا أخبر العدلان بطهارة اللّباس، أو كونه مذكّى، فمعنى تصديقهما في عالم التشريع و التعبّد، هو البناء العملي على طبق قولهما، و إتيان المأمور به مع اللّباس المشكوك فيه،
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 102
و خروج المكلّف عن عهدة التكليف؛ بإتيان الفرد المشكوك فيه على طبق قولهما، و كذلك الحال في الشبهات الحكميّة بلا تفاوتٍ.
و بالجملة: إنّ لسان أدلّة اعتبار الأمارات من هذه الجهة عيناً، لسان أدلّة الاصول؛ من البناء التعبّدي على تحقّق المأمور به، و تنقيح الموضوع في عالم التشريع، فهي بلسانها حاكمة على الأدلّة الواقعيّة، و موسّعة لنطاق أفرادها، و دائرة ماهيّاتها (22) «1».
إن قلت: فعلى ما ذكرت من كون مفاد أدلّة اعتبار الأمارات و أدلّة الاصول هو البناء العملي، و أنّ مفادها واحدٌ لا تفاوت فيه، فلا معنى لحكومة الأمارات على الاصول، و هو كما ترى‏.
قلت: تحكيم بعض الأدلّة على بعضها، إنّما هو ببركة لسان الدليل و كيفيّة أداء مفاده، فربّما يكون مفاد الدليلين من حيث النتيجة واحداً، و لكن يكون لسان أحدهما و كيفيّة أداء المعنى، بنحو يكون عند العرف حاكماً و مقدّماً على الآخر.
إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الأمارات و الاصول مشتركتان في النتيجة؛ و هي كون مفادهما البناء العملي على وجود شي‏ء أو عدمه، فلا فرق بين أصل الطهارة و قيام البيّنة عليها من هذه الجهة؛ فإنّ معنى قوله:
 «كلّ شي‏ءٍ نظيفٌ» «2»

هو
__________________________________________________
 (1). 22- هذا الكلام غير تامّ؛ لأنّ إيجاب تصديق العادل لأجل ثقته و عدم كذبه و إيصال المكلّف إلى الواقع المحفوظ، كما هو كذلك عند العقلاء في الأمارات العقلائية، و لا يفهم العرف و العقلاء من مثل هذا الدليل إلّا ما هو المركوز في أذهانهم من الأمارات، لا انقلاب الواقع عمّا هو عليه، بخلاف أدلّة الاصول.
و بالجملة: أنّ الإجزاء مع جعل الأمارة و إيجاب العمل على طبقها- لأجل الكشف عن الواقع كما هو شأن الأمارات- متنافيان لدى العرف و العقلاء، هذا من غير فرق فيما ذكرنا بين الأمارات القائمة على الأحكام أو الموضوعات. (مناهج الوصول 1: 316).
 (2)- تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 2: 1054، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 103
البناء على الطهارة عملًا، و جواز لبس ما شكّ في طهارته في المشروط بها، كما أنّ مفاد اعتبار دليل البيّنة أيضاً هو البناء العملي على الطهارة، و جواز لبس ما قامت البيّنة على طهارته في المشروط بها، من غير تفرقةٍ بينهما من هذه الجهة.
لكن كيفيّة تأديتهما لهذا المعنى مختلفة؛ فإنّ لسان الاصول هو البناء على الطهارة لدى الشكّ فيها، فالشّك مأخوذٌ في موضوع الدليل، و أمّا لسان الأمارات فهو البناء على تصديق العادل عملًا، و كون خبره مطابقاً للواقع، و هذا لسان إزالة الشكّ في عالم التشريع، فيكون رافعاً لموضوع الأصل لدى العرف، فيقدّم عليه، و هذا لا ينافي كون مفادهما هو البناء العملي- كما عرفت «1»-.
فإن قلت: لازم ما ذكرت هو تنويع المكلّف؛ و أنّ تكليف العالم غير تكليف الجاهل، و أنّ الأجزاء و الشرائط و الموانع، إنّما تختصّ بالعالم بها، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به؛ فإنّه- مع ورود الدّور في الشبهات الحكميّة- مخالفٌ لظاهر أدلّة الأمارات و الاصول؛ فإنّ الظاهر من تشريع التعبّد بشي‏ءٍ و الحكم بالبناء العملي على شي‏ءٍ؛ هو كونه بحسب الواقع ذا حكمٍ حتّى في زمان الشكّ.
مثلًا قوله:
 «كلّ شي‏ءٍ نظيفٌ»
يدلّ على البناء على طهارة اللّباس في زمان الشكّ و جواز الصلاة به، فلو لم تكن الطهارة شرطاً للباس المصلّي حتّى في زمان الشكّ، فلا معنى لهذا التعبّد، فمن نفس هذا الحكم بالبناء على الطهارة، يعلم كون الطهارة شرطاً حتّى في زمان الشكّ فيها، حتّى يصحّ التعبّد.
و كذلك ظاهر قوله:
 «رفع ... ما لا يعلمون» «2»

أنّ الحكم الموجود بحسب‏
__________________________________________________
 (1)- تقدّم في الصفحة 101.
 (2)- التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 11: 295، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 104
الواقع، و المجهول لدى المكلّف، مرفوعٌ تعبّداً و في عالم التشريع.
و قس على ذلك موارد الأمارات و سائر الاصول؛ فإنّ ظاهرها كون الحكم الواقعي مطلقاً لمورد الشكّ، و لا يمكن تقييد الأدلّة الواقعيّة بالأدلّة الظاهريّة؛ فإنّ المقيّد و المطلق لا بدّ و أن يردا على موضوعٍ واحدٍ، فإنّهما من أقسام التعارض و إن كان أحدهما مقدّماً- بحسب الظهور- على الآخر؛ لأنّ دليل المطلق ظاهرٌ في كونه تمام الموضوع للحكم، و دليلَ المقيّد ظاهرٌ في دخالة القيد فيتعارضان، لكن ظهور المقيّد في دخالة القيد أقوى‏ من ظهور المطلق في تماميّة الموضوعيّة، فيقدّم عليه.
و بالجملة: إنّ المطلق و المقيّد لا بدّ و أن يردا على موضوعٍ واحدٍ حتّى يتحقّق التعارض، و لمّا كانت أدلّة الأحكام الظاهريّة في طول الأحكام الواقعيّة، و متأخرة عنها برتبتين- لأنّ الشكّ فيها مأخوذ في موضوعها- فلا يمكن تقييدها بها؛ لعدم ورودهما على موضوعٍ واحدٍ، و لا يمكن تجافي أحدهما عن موطنه.
قلت: لا محيص عمّا ذكرت؛ فإنّه حقٌّ لا مرية فيه، إلّا أنّه مع ذلك يكون بين الأدلّة الواقعيّة و الظاهريّة تنافٍ و تعارض لا بدّ من رفعه؛ فإنّ الزجر الفعلي عن شرب الخمر مثلًا حتّى في زمان الشكّ، مع الترخيص الفعلي بشربه، متنافيان، و كذلك الأمر الفعلي بإتيان الجزء و الشرط مع الترخيص الفعلي لدى الشكّ متنافيان، و لا مناص إلّا بالالتزام بكون الأحكام الواقعيّة إنشائيّة؛ بمعنى‏ أنّ الحكم المنشأ يكون مطلقاً شاملًا لحال العلم و الجهل، لئلّا يلزم الدّور المستحيل.
و لكن فعليّة الحكم تكون مختصّةً بحال العلم؛ جمعاً بين الأدلّة الواقعيّة و الظاهريّة، و لا يمكن الالتزام بفعليّة الأحكام الواقعيّة (23) «1».
__________________________________________________
 (1). 23- لا إشكال في عدم اختصاص الأحكام الواقعية بالعالم بها، كما أنّ الخطابات الشرعية
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 105
__________________________________________________
متعلّقة بعناوين محفوظة في حال العلم و الجهل، فإنّ الحرمة قد تعلّقت بذات الخمر، و الوجوب تعلّق بذات الصلاة من غير تقيّد بالعلم و الجهل، فهي بحسب المفاد شاملة للعالم و الجاهل، كما لا يخفى‏.
فالخطابات- كما عرفت- و إن لم تكن مقيّدة بحال العلم، و لا مختصّة بالعالم بها، و لكن هنا أمر آخر، و هو: أنّ الخطابات إنّما تتعلّق بالعناوين و تتوجّه إلى المكلّفين؛ لغرض انبعاثهم نحو المأمور به، و لتحريكها إيّاهم نحوه، و لا إشكال في أنّ التكليف و الخطاب بحسب وجوده الواقعي لا يمكن أن يكون باعثاً و زاجراً؛ لامتناع محرّكية المجهول، و هذا واضح جدّاً.
فالتكاليف إنّما تتعلّق بالعناوين و تتوجّه إلى المكلّفين؛ لكي يعلموا فيعملوا، فالعلم شرط عقلي للباعثية و التحريك، فلمّا كان انبعاث الجاهل غير ممكن، فلا محالة تكون الإرادة قاصرة عن شمول الجاهلين، فتصير الخطابات بالنسبة إليهم أحكاماً إنشائية. و إن شئت قلت: إنّ لفعلية التكليف مرتبتين:
إحداهما: الفعلية التي هي قبل العلم، و هي بمعنى‏ تمامية الجهات التي من قبل المولى، و إنّما النقصان في الجهات التي من قبل المكلّف، فإذا ارتفعت الموانع التي من قبل العبد، يصير التكليف تامّ الفعلية، و تنجّز عليه.
و ثانيتهما: الفعلية التي هي بعد العلم و بعد رفع سائر الموانع التي تكون من قبل العبد، و هو التكليف الفعلي التامّ المنجّز. (أنوار الهداية 1: 199- 200).
إذا عرفت ما ذكرنا من المقدّمات سهل لك سبيل الجمع بين الأحكام الواقعية و الظاهرية؛ فإنّه لا بدّ من الالتزام بأنّ التكاليف الواقعية مطلقاً سواء كانت في موارد قيام الطرق و الأمارات، أو في موارد الاصول مطلقاً، فعلية بمعناها الذي قبل تعلّق العلم، و لا إشكال في أنّ البعث و الزجر الفعليين غير محقّقين في موارد الجهل بها؛ لامتناع البعث و التحريك الفعليين بالنسبة إلى القاصرين، فالتكاليف بحقائقها الإنشائية و الفعلية التي من قبل المولى- بالمعنى الذي أشرنا إليه- تعمّ جميع المكلّفين، و لا تكون مختصّة بطائفة دون طائفة، لكن الإرادة قاصرة عن البعث و الزجر الفعلي بالنسبة إلى القاصرين.
فإذا كان التكليف قاصراً عن البعث و الزجر الفعليين بالنسبة إليهم، فلا بأس بالترخيص الفعلي على خلافها، و لا امتناع فيه أصلًا، و لا يلزم منه اجتماع الضدّين أو النقيضين أو المثلين و أمثالها.
فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الأحكام الواقعية و الخطابات الأوّلية- بحسب الإنشاء و الجعل، و بحسب الفعلية التي قبل العلم- عامّة لكلّية المكلّفين جاهلين كانوا أو عالمين، لكنّها قاصرة عن البعث و الزجر الفعليين بالنسبة إلى الجهّال منهم، ففي هذه المرتبة التي هي مرتبة جريان الأصل العقلي، لا بأس في جعل الترخيص. (أنوار الهداية 1: 199- 200).
              

 

 

          لمحات الأصول، النص، ص: 106
بل كلّ مَنْ تصدّى‏ للجمع بين الأحكام الواقعيّة و الظاهريّة، لا مناص له من ذلك، و المحقّق الخراساني رحمه الله، القائل: بجعل العذر لدى التخلّف أيضاً «1» لا مناص له من القول بشأنيّة الأحكام؛ فإنّه مع فعليّة الحكم لا معنى لجعل العذر أصلًا كما لا يخفى‏.

 

 

 

صلاه الجمعه؛ صلاه الظهر

البدر الزاهرفی صلاه الجمعه و المسافر للسید البروجردی، ص 12-13

صلاة الجمعة و هي واجبة بإجماع الفريقين، بل هو من الضروريات. و اختلف في كونها صلاة مستقلة أو ظهرا مقصورة، و المستفاد من بعض الأخبار أنّها ظهر مقصورة و أن الخطبتين بدل الأخيرتين، فكونها صلاة مستقلة محل إشكال و إن ادعاه العلامة في التذكرة و عقد لها الفقهاء في متونهم الفقهية فصلا مستقلا.




توضیحی در مورد کتب اصولی آیت الله بروجردی

در نرم افزار جامع اصول فقه، 5 کتاب اصولی از ایشان موجود است که همه آن ها تقریرند و هیچ کدام به قلم مبارک ایشان نیست. تفاوت بین این کتب در این است که غیر از الحاشیه علی کفایه الاصول که تقریرات مرحوم شیخ بهاء الدین  حجتی بروجردی است و مربوط به دوره درس خارج اصول ایشان در بروجرد است سایر کتب تقریرات درس ایشان در قم است که با توجه به کتابشناسی موجود  برای کتاب لمحات فی الاصول امام خمینی، از سال  1364 قمری آغاز شده و تا سال 1368 مباحث الفاظ آن ادامه داشته است.


****************


استاد سبحانی دام ظله

المحصول فی علم الاصول، ج 1، ص 422
المبحث الرابع إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي‏
إنّ العمل بالأمارات و الأُصول تارة يكون لأجل استكشاف أصل التكليف و الوظيفة، كالأمارة القائمة على كون الواجب هو صلاة الجمعة في ظهرها، أو الاستصحاب الدال على كونها الواجب، ثمّ بان الخلاف.
و أُخرى لاستكشاف كيفية التكليف، كما إذا قاما على عدم كون شي‏ء شرطاً أو جزءاً أو مانعاً، أو على إثبات الشرطية أو الجزئية أو المانعية، ثمّ بان الخلاف.
فيقع الكلام في موردين:
الأوّل: العمل بالأمارات أو الأُصول لاستكشاف أصل التكليف.
الثاني: العمل بهما لاستكشاف كيفية التكليف، سواء أ كانت الشبهة حكمية أو موضوعية.
و نقدّم البحث في الثاني على الأوّل.
المورد الاول: العمل بالأمارات و الأُصول لاستكشاف كيفية التكليف‏
إنّ استكشاف كيفية التكليف، تارة يتحقّق بالأمارة، و أُخرى بالأُصول الشرعية العملية، فالبحث عندئذ في صورتين:
الصورة الأُولى: العمل بالأمارات في استكشاف كيفية التكليف‏
فلو صلّى إنسان أو توضّأ أو اغتسل أو حجّ على وفق ما أخبر به الثقة، اعتماداً على قول الشارع بحجّية خبرها ثمّ بان الخلاف، فهل يكون مجزياً أو لا، اختار المحقّق الخراساني في هذه الصورة عدم الإجزاء إذا بان الخلاف، سواء أ كان‏

 


                        المحصول في علم الاصول، ج‏1، ص: 423
انكشاف الخلاف بعلم وجداني أم بأمارة شرعية معتبرة، قائلًا بأنّ لسان الأمارات لسان بيان ما هو الشرط واقعاً، فلا يجزي،» فانّ دليل حجّيته حيث كان بلسان أنّه واجد لما هو شرطه الواقعي، فبارتفاع الجهل ينكشف أنّه لم يكن كذلك، بل كان لشرطه فاقداً «. «1» و إن شئت قلت: إنّ لسان الأمارات هو الإخبار عن الواقع، و لازم هذا قابلية الأمارة و الدليل للصدق و الكذب من حيث المطابقة و المخالفة، فلو انكشف الخلاف فيها، حكم بعدم الإجزاء لعدم الموضوع واقعاً. و هذا بخلاف الأُصول، فانّها تثبت حكماً في مورد الشكّ، و لا نظر لها إلى الواقع.
و أوضحه سيّدنا الأُستاذ دام ظلّه بأنّ عمل العقلاء بالأمارات، لأجل كشفها نوعاً عن الواقع، مع التحفظ على نفس الأمر بما هو عليه، من غير تصرّف فيه، و لا انقلابه عمّا هو عليه. و مع هذا، كيف يمكن الحكم بالإجزاء مع انكشاف الخلاف. و بالجملة: انّ عملهم بها لأجل كونها مرآة إلى الواقع بلا تصرّف فيه أصلًا فحينئذ، المطلوب الذي تعلّق به الأمر لم يحصل بعد، لتخلّف الأمارة. و الذي حصل لم يتعلّق به الأمر.  قلت: قد حكى سيّد مشايخنا العلّامة البروجردي (قدس سره)، تسالم الفقهاء على الإجزاء في الأمارات و الأُصول في استكشاف كيفية التكليف من دون أن يفرقوا بينهما و إنّما وقع الخلاف من عصر الشيخ الأنصاري (رحمه الله) و لكنّ الرجوع إلى أدلّة حجّية الأمارات يعطي وجوب ترتيب آثار الواقع على المشكوك فيه.
توضيح ذلك: أنّ لسان الأمارات، و إن كان لسان الكشف و الطريقية، لكن الظاهر من ملاحظة أدلّة حجّيتها، هو الملازمة بين الأمر بالعمل بها، و إجزائها في مقام العمل.
__________________________________________________
 (1) كفاية الأُصول: 133/ 1.

(2) تهذيب الأُصول: 147/ 1.

 

                        المحصول في علم الاصول، ج‏1، ص: 424
و تكفي في ذلك ملاحظة ما ذكروه من الأدلّة على حجّية الأمارات، كآية النبأ، أو الأحاديث الآمرة بالعمل بخبر الواحد إذا كان ثقة، أو السيرة العقلائية في العمل بأخبار الثقات، إلى غير ذلك ممّا استدلّ به القوم على حجّية قول العدل أو الثقة. فإنّك إذا قارنت هذه الأدلّة التي لبّها الإرشاد إلى العمل بقول الثقات، بأدلّة الشرائط و الأجزاء، تجد الملازمة عرفاً بين الأمر بالعمل بأخبار الثقات في تشخيص أجزاء المأمور به و شرائطه و سائر خصوصياته، و الاكتفاء بما أتى المكلّف به سواء أ وافق الواقع أم خالفه.
فلو أمر المولى عبده بأن يهيئ له دواءً ليتداوى به و أمره بأن يسأل صيدليّاً مختصّاً عن نوعيّة أجزائه و كميّته و كيفية تركيبه. فاتبع العبدُ إرشادات الصيدليّ الذي جعل قوله حجّة في هذا الباب، ثمّ ظهر أنّ الصيدليّ كان قد أخطأ في مورد أو موردين، فانّ العرف يعدّون العبد ممتثلًا لأمر مولاه، و يرون عمله مسقطاً للتكليف، من دون إيجابه بالقيام مجدّداً بتهيئة الدواء، اللّهمّ إلّا أن يأمره المولى مجدّداً.
و مثله ما إذا أمر عبده ببناء بيت، و أمره أن يرجع في كلّ ما يتعلّق بالبناء إلى مهندس متخصّص و معمار ماهر، و اتبع العبد أوامره، فبنى البيت، لكن تبيّن خطأ المهندس أو المعمار، فانّ العبد معذور، و العمل مجز، اللّهمّ إلّا أن يأمره بالإعادة.
و هذه الارتكازات تدلّ على الملازمة بين الأمر بالرجوع إلى الثقة و الخبير، و الاكتفاء في امتثال الأمر بما أتاه بإرشادهم و هدايتهم. و هذا يعطي أنّ الشارع اكتفى في دائرة المولوية و العبودية فيما يرجع إلى مقاصده، بما يؤدّيه أخبار الثقة. و لو بان الخلاف، فانّه يرفع اليد عن مقاصده، تسهيلًا للأمر على العباد.
و ليس ذلك بتصويب، لأنّ التصويب عبارة عن اختصاص الأحكام الواقعية بالعالم، و عدم توجهها إلى الجاهل أبداً، و المقام خلاف ذلك لأنّا نفترض‏

 

                        المحصول في علم الاصول، ج‏1، ص: 425
أنّ الأحكام الواقعية مضروبة على جميع الناس، من دون تفاوت بين العالم و الجاهل، و لكن اللّه سبحانه و تعالى، تسهيلًا للأمر على العباد، اكتفى في امتثال أوامره و نواهيه بأخبار الثقات لأنّه يراها مطابقة للواقع بنسبة عالية، تسعين بالمائة مثلًا و متخلفة عنه عشرة بالمائة، فأوجبت المصلحة التسهيلية رفع اليد عن هذا العدد النادر من موارد التخلّف، لما في إلزام العبد بتحصيل العلم و ترك العمل بأخبار الثقة من مفسدة العسر و الحرج.
فإن قلت: إنّ لسان الأمارة، لسان الطريقية، فلا أثر لها سوى إراءة الواقع من دون أن تمسّ كرامته و تغيّر شيئاً فيه. و المفروض عدم إيصالها إلى الواقع. فلازم الاشتغال القطعي لزوم الإتيان بالواقع.
قلت: هذا صحيح، و لازمه ترتيب الأثر على الحجّة الثانية المبطلة للأمارة الأُولى، لو لا الملازمة العرفية التي ذكرناها و مقتضاها أنّ المولى سبحانه اكتفى في مقام الامتثال بما أدّت إليه الأمارة.
فإن قلت: إنّ لسان الأمارة، لسان الأخبار، لا الجعل و المواضعة، فهي حينئذ تقبل الصدق و الكذب، بخلاف لسان الأُصول، فانّه لسان جعل الشرط و الجزء. و على ضوء ذلك يكون الواقع باقياً بحاله.
قلت: هذا صحيح، لو لا الدليل الحاكم باكتفاء المولى في مقام الامتثال، بما أدّت إليه الأمارة.
و بذلك يظهر عدم تمامية ما أورده سيّدنا الأُستاذ على القائل بالإجزاء بأنّ لازم ذلك، التناقض ببيان أنّ لازم إيجاب العمل على طبق الأمارة بما أنّها كاشفة، هو عدم الإجزاء، لأنّ لازم الكشف كون الواقع هو الميزان دون مؤدّى الأمارة، و هو يناقض القول بالإجزاء الذي مقتضاه كون المحور مؤدّى الأمارة. «1»
__________________________________________________
 (1) تهذيب الأُصول: 191/ 1، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

 

                        المحصول في علم الاصول، ج‏1، ص: 426
وجه عدم التمامية
أوّلًا: أنّ الكاشفية عن الواقع ليست علّة للأمر بالعمل بها، حتى يدور الحكم مدار وجودها و عدمها.
بل هي من قبيل الحِكَم و مصالح التشريع التي يكفي كونها موجودة في أكثر موارده.
و إن شئت قلت: نظراً إلى أنّ الأمارة مطابقة للواقع غالباً فقد دعا الشارع إلى اعتبارها مطلقاً سواء أ وافقت الواقع أم خالفته.
و ثانياً: أنّ دليل الإجزاء ليس نفس الأمارة الكاشفة عن الواقع، و إنّما هو الملازمة العرفية بين الأمر بالعمل بها، و الاكتفاء بها في مقام الإطاعة في تحصيل مقاصد الشارع، بما تؤدّي إليه، لكونها غالبية المطابقة.
كما يظهر النظر أيضاً، فيما ذكره من أنّ لسان أدلّة حجّية الأمارة، هو التحفظ على الواقع، لا التصرّف فيه و قلبه إلى الواقع، فلو تصرّف فيه، و تغيّر الواقع على طبق مؤدّاها لدى التخلّف، لخرجت الأمارة عن الأمارية.  للفرق الواضح بين رفع اليد عن الواقع فعلًا لا إنشاءً، و بين قلب الواقع إلى مفاد الأمارة فانّ الذي يخالف الطريقية هو الثاني لا الأوّل، كما لا يخفى.
و بعبارة أُخرى: إنّ لازم القول بالتخطئة، هو وجود الحكم المشترك بين العالم و الجاهل، و لو إنشاء. و ثمرة ذلك الحكم الإنشائي هو أنّه إذا حصل العلم به، يصير فعليّاً أو منجّزاً، و هذا يكفي في رفع التصويب.
و أمّا كونه فعليّاً أو منجّزاً حتى في حقّ الجاهل، فلا دليل عليه، إن لم يكن الدليل على خلافه. فلو نسى قراءة الحمد أو السورة قبل الركوع، أو غير ذلك يحكم على العمل بالصحّة و لا ينافي ذلك مع كون المذهب هو التخطئة، كما لا يخفى.
__________________________________________________
 (1) المصدر السابق، ص 190 سطر 22.
                      

 

  المحصول في علم الاصول، ج‏1، ص: 427
بيان ثان للإجزاء في مورد تخلّف الأمارة
ثمّ إنّ سيّد مشايخنا المحقّق البروجردي (قدس سره) ذهب إلى الإجزاء في باب الأمارات قائلًا بأنّ أدلّة حجّية الأمارة حاكمة على أدلّة الأجزاء و الشروط، قال:» و بالجملة: الرجوع إلى أدلّة الأُصول و الأمارات المتعرضة لأجزاء المأمور به و شرائطه، يوجب العلم بظهورها في توسعة المأمور به بالنسبة إلى الشاك، و الحكم، بحكومتها على الأدلّة الواقعية المحددة للأجزاء و الشرائط. و لازم ذلك سقوط الجزء أو الشرط الواقعي عن جزئيته أو شرطيته بالنسبة إلى هذا الشاك، و إن كان لولاها لوجب الحكم بانحفاظ الواقع على ما هو عليه، و لزم إحراز الأجزاء و الشرائط الواقعية بعد تنجّز التكليف الصلاتي مثلًا. يلاحظ عليه: أنّ ذلك إنّما يتمّ، لو كان للشارع في باب حجّية الأمارات، وضع و جعل تأسيسي أو إمضائي و الأوّل قطعيّ الانتفاء، إذ ليس فيه دليل شرعي يدلّ على أنّه جعلها حجّة، بل كان العمل بالأمارة متعارفاً قبل بزوغ شمس الإسلام، و الثاني غير موجود فيما بين أيدينا من الأخبار، إلّا شيئاً لا يذكر. و الظاهر هو عدم الردع عند ما كان يعمل بها بمرأى و مسمع منه. و يدلّ عليه أنّه كثيراً ما أخبر الإمام عن وثاقة بعض أصحابه، و عدم وثاقة آخرين، الكاشف عن كون العمل بخبر الثقة أمراً مسلّماً. فإذا كان دليل الحجّية فاقداً للدليل اللفظي، فكيف يكون حاكماً على أدلّة الأجزاء و الشرائط، مع أنّ الحكومة قائمة بلسان الدليل و الأدلّة اللبية فاقدة له. و الأولى التمسّك بما ذكرنا من الملازمة في دائرة المولوية و العبودية بين إمضاء العمل بقول الثقة، و الاكتفاء في مجال الطاعة بمقدار ما أدّت إليه الأمارة.

 

 

 

المناظر الناضره، ج 13، ص 288-290

ثمّ‌ بعد الوقوف على حكم المصلّي الجاهل بجنس ما صلّى فيه من وجوب الإعادة، يقع البحث في حكم من صلّى في جلدٍ و قامت البينّة على أنّه من مأكول اللّحم ثم بان خطؤها، أو حكم الحاكم بحليّته ثم بان خطؤه، أو قامت البيّنة على كون هذه القطعة أرضاً فيجوز السجود عليها ثمّ‌ انكشف له الخلاف، فيه وجهان: الوجه الأوّل: ظاهر الدليل الوارد على حجّيّة قول البيّنة أو الحاكم هو وجود الأمر له في العمل بذلك، وترتّب الأثر عليه، كما كان الأمر في الواقع كذلك، لأنّ‌ قوله عليه السلام: (كلّما يؤدّي فعنّي يؤدّي) ليس معناه إلّاأنّ‌ حكمه حكم الواقع بلزوم ترتيب الأثر عليه، وأنّه مسقط للأمر لأجل كونه امتثالاً له، كما كان الأمر في الواقع كذلك، فإذا سقط الأمر بالامتثال، فلا معنى للحكم بوجوب الإعادة و لزوم امتثال آخر بعده، وهذا هو معنى قاعدة الإجزاء في الأوامر الظاهريّة. الوجه الثاني: لزوم الإعادة بعد كشف الخلاف، بناءً‌ على أنّ‌ مقتضى الدليل القائم على حجّيّة البيّنة و قول الحاكم ليس إلّاتجويز الإقدام بمقتضى مدلول قولهما و ترتيب الأثر على قولهما ما لم ينكشف الخلاف، وهذا لا يقتضي الحكم بعدم وجوب الإعادة حتّى بعد كشف الخلاف، بل هو لازم أعمّ‌، فلابدّ لإفهام كفاية ذلك حتّى بعد كشف الخلاف من وجود دليل آخر يدلّ‌ على ذلك، كما لو لزم من الحكم بالإعادة العُسر والحرج، أو الاختلال في أمر المعاش والنظام والاجتماع، وتحقّق الهرج والمرج التي يطمئن الفقيه بأَنَّه مبغوض للشارع، فإنّ‌ مثل هذا الحكم بعدم الاعادة لا علاقة له بلزوم الامتثال في الأوامر الظاهريّة حتّى يحكم بعدم البطلان وعدم الإعادة في جميع الموارد، فلعلّ‌ الأمر بجواز الأخذ من سوق المسلمين من القسم الثاني، كما أشار الإمام عليه السلام إلى ذلك في متن الحديث بقوله عليه السلام: «لولا ذلك لما يبقى للمسلمين سوق»، حيث لا يبعد جواز ترتيب الأثر عليه ما لم ينكشف الخلاف في خصوص واحد تفصيلاً، دون ما لو علم البطلان في بعض مواردها إجمالاً، وليس ذلك إلّالما ذكرناه، بل لعلّ‌ منه ظهور الخطأ في ظنّ‌ المجتهد أو الرجوع إلى مجتهدٍ آخر يُخطّئ ظنّ‌ المجتهد السابق الذي كان يقلّده بتجويزه العقد بالفارسيّة في صيغة النكاح مثلاً، و عمل به مقلّده و نكح بها و انجب أولاداً منها، فإنّ‌ الحكم بالفساد الثاني يستلزم عواقب خطيرة، فبذلك يظهر أنّ‌ الوجه في عدم الحكم بإعادة العقد ليس باعتبار ما ذكروه من اقتضاء الحجّيّة ذلك حتّى بعد كشف الخلاف، بل لما عرفت في مثل هذه الموارد ممّا يقطع الفقيه بأَنَّه مبغوضٌ‌ للشارع فيحكم بالإجزاء، هذا بخلاف مثل الصلاة حيث لا يوجب الحكم بالإعادة عروض تلك التوالي الفاسدة عليه، بل مقتضى التأمّل في كلام الأصحاب وحصرهم معذوريّة الجاهل بعدم لزوم الإعادة بعد كشف الخلاف في المسألتين - (من الجهر والإخفات والقصر والإتمام - ومقتضى حكم الشرطيّة في بعضها لو انكشف ذلك بعد العمل، هو وجوب الإعادة، حيث يفهم من الأدلّة حصول الإذن في الإقدام مع قيام البيّنة وحكم الحاكم و فتوىٰ‌ المجتهد في بعض الموارد، لا سقوط الأمر مطلقاً حتّى بعد كشف الخلاف كما هو مقصود الخصم. نعم، إذا كان الشكّ‌ في لباس المصلّي أو بدنه من جهة احتمال عروض عارضٍ‌ مثل احتمال أن تكون الرطوبة المسرية إلى ثوبه ممّا لا يؤكل لحمه، أو احتمال أن يكون الشعر الملصق على ثوبه أو بدنه ممّا لا يؤكل، حيث يكون الشكّ‌ حينئذٍ شكّ‌ في حدوث عارض له، فإنّه يحكم بالصحّة لأجل قيام السيرة المستمرّة من العلماء و عامة النّاس في عدم التجنّب عن مثلهما إلى أن يعلم كونه مانعاً، لجريان أصالة العدم في المانع المحتمل كما عرفت. ومن هنا يظهر الحكم في الصورتين في المحمول على المصلّي إن كان من قسم الأوَّل، فيجب فيه الإعادة بناءً‌ على الشرطيّة مطلقاً، وبناءاً على وضع العبادة اسماً للصحيح، أو بناءاً على القول بأنّ‌ المراد من النّهي هو النّهي عن الواقع لا بما عُلم كما التزم به صاحب «الجواهر»، حيث لا سبيل في هذه الصور لاثبات العلم بالعدم كما لاسيرة جارية في المقام كما في العوارض. هذا بخلاف ما لو كان الشكّ‌ من قبيل عروض عارضٍ‌ على المحمول، حيث أثبتنا صحة العمل الصادر بمقتضى جريان أصالة عدم المشكوك حتّى يظهر الخلاف، فيحكم بالإعادة إن قلنا بكون المانعيّة واقعي لا علمي و إلّالم تجب الإعادة حتّى بعد كشف الخلاف أيضاً.

 

 











فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است