بسم الله الرحمن الرحیم

نهي از بسم الله در سوره حمد

1|1|بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فهرست مباحث علوم قرآنی
فهرست القرائات

*************
القرائة-1|1|بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جهر به بسم الله الرحمن الرحیم






مسند أحمد ط الرسالة (27/ 342)
حديث عبد الله بن مغفل المزني (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم
16787 - حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا سعيد بن إياس الجريري، عن قيس بن عباية، عن ابن عبد الله بن مغفل يزيد بن عبد الله، قال: سمعني أبي، وأنا أقول: {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] ، فقال: أي بني، إياك - قال: ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه حدثا في الإسلام منه - " فإني قد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت قرأت فقل: الحمد لله رب العالمين " (2)
__________
(1) هو عبد الله بن مغفل بن عبد نهم بن عفيف بن أسحم بن ربيعة بن عدي بن ثعلبة المزني، أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الرحمن. سكن المدينة ثم تحول إلى البصرة. وهو من أصحاب الشجرة، وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر يفقهون الناس، وكان من فقهاء الصحابة. مات في البصرة سنة (57)
وقيل بعد ذلك.
(2) إسناده حسن في الشواهد، ابن عبد الله بن مغفل: سمي في رواية أحمد هنا يزيد، وقد روى عنه ثلاثة، ولم يؤثر توثيقه عن أحد، وقد حسن له الترمذي هذا الحديث، ووافقه الزيلعي في "نصب الراية" 1/333، وباقي رجاله ثقات، ويشهد له حديث أنس السالف برقم (12810) .
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/410، وابن ماجه (815) ، والترمذي (244) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/202 من طريق إسماعيل ابن علية، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (116) من طريق يزيد ابن هارون، عن سعيد بن إياس الجريري، به.


مسند أحمد ط الرسالة (34/ 175)
20559 - حدثنا عفان، حدثنا وهيب، عن أبي مسعود الجريري سعيد بن إياس، عن قيس بن عباية، حدثني ابن عبد الله بن مغفل، قال: سمعني أبي وأنا أقرأ، {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2] ، فلما انصرف، قال: " يا بني إياك والحدث في الإسلام، فإني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبى بكر، وخلف عمر، وعثمان، فكانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، ولم أر رجلا قط أبغض إليه الحدث منه " (2)
20560 - حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا كهمس، حدثني ابن بريدة، قال:
__________
(1) إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو إياس: هو معاوية بن قرة.
وانظر (20542) .
قوله: "بهذا اللحن" عنى به التطريب وترجيع الصوت.
(2) إسناده حسن في الشواهد. وسلف الكلام عليه برقم (20545) .
عفان: هو ابن مسلم، ووهيب. هو ابن خالد.
وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (130) من طريق عفان بن مسلم، بهذا الإسناد ومختصرا. وانظر (16787) .




اشکال فخر رازی بر تواتر قرائات سبع

تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 172)
المسألة الرابعة: قال الشافعي رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم آية من أول سورة الفاتحة، وتجب قراءتها مع الفاتحة، وقال مالك والأوزاعي رضي الله تعالى عنهما: إنه ليس من القرآن إلا في سورة النمل، ولا يقرأ لا سرا، ولا جهرا إلا في قيام شهر رمضان فإنه يقرؤها وأما أبو حنيفة فلم ينص عليه، وإنما قال: يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويسر بها، ولم يقل إنها آية من أول السورة أم لا، قال يعلى: سألت محمد بن الحسن عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال: ما بين الدفتين قرآن، قال: قلت: فلم تسره؟ قال: فلم يجبني، وقال الكرخي لا أعرف هذه المسألة بعينها لمتقدمي أصحابنا، إلا أن أمرهم بإخفائها يدل على أنها ليست من السورة، وقال بعض فقهاء الحنفية: تورع أبو حنيفة وأصحابه عن الوقوع في هذه المسألة لأن الخوض في إثبات أن التسمية من القرآن أو ليست منه أمر عظيم، فالأولى السكوت عنه.
واعلم أن هذه المسألة تشتمل على ثلاث مسائل: إحداها: أن هذه المسألة هل هي مسألة اجتهادية حتى يجوز الاستدلال فيها بالظواهر وأخبار الآحاد، أو ليست من المسائل الاجتهادية بل هي من المسائل القطعية.
وثانيتها: أن بتقدير أنها من المسائل الاجتهادية فما الحق فيها؟.


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 173)
وثالثتها: الكلام في أنها تقرأ بالإعلان أو بالإسرار، فلنتكلم في هذه المسائل الثلاث.
المسألة الخامسة: في تقرير أن هذه المسألة ليست من المسائل القطعية، وزعم القاضي أبو بكر أنها من المسائل القطعية، قال: والخطأ فيها إن لم يبلغ إلى حد التكفير فلا أقل من التفسيق، واحتج عليه بأن التسمية لو كانت من القرآن لكان طريق إثباته إما التواتر أو الآحاد والأول باطل، لأنه لو ثبت بالتواتر كون التسمية من القرآن لحصل العلم الضروري بأنها من القرآن، ولو كانت كذلك لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة. والثاني:
أيضا باطل، لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلو جعلناه طريقا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ولصار ذلك ظنيا، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض في أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف، وذلك يبطل الإسلام.
واعلم أن الشيخ الغزالي عارض القاضي فقال: نفي كون التسمية من القرآن إن ثبت بالتواتر لزم أن لا يبقى الخلاف، وإن ثبت بالآحاد فحينئذ يصير القرآن ظنيا، ثم أورد على نفسه سؤالا وهو أنه لو قال قائل:
«ليس من القرآن عدم» فلا حاجة في إثبات هذا العدم إلى النقل، لأن الأصل هو العدم، وأما قولنا: (إنه قرآن) فهو ثبوت فلا بد فيه من النقل، ثم أجاب عنه بأن قال: هذا وإن كان عدما إلا أن كون التسمية مكتوبة بخط القرآن يوهم كونها من القرآن، فههنا لا يمكننا الحكم بأنها ليست من القرآن إلا بدليل منفصل، وحينئذ يعود التقسيم المذكور من أن الطريق إما أن يكون تواترا أو آحادا، فثبت أن الكلام الذي أورده القاضي لازم عليه، فهذا آخر ما قيل في هذا الباب.
والذي عندي فيه أن النقل المتواتر ثابت بأن بسم الله الرحمن الرحيم كلام أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وبأنه مثبت في المصحف بخط القرآن وعند هذا ظهر أنه لم يبق لقولنا إنه من القرآن أو ليس من القرآن فائدة إلا أنه حصل فيها أحكام شرعية هي من خواص القرآن مثل أنه هل يجب قراءتها في الصلاة أم لا، وهل يجوز للجنب قراءتها أم لا وهل يجوز للمحدث مسها أم لا، ومعلوم أن هذه الأحكام اجتهادية، فلما رجع حاصل قولنا إن التسمية هل هي من القرآن إلى ثبوت هذه الأحكام وعدمها، وثبت أن ثبوت هذه الأحكام وعدمها أمور اجتهادية ظهر أن البحث اجتهادي لا قطعي، وسقط تهويل القاضي.
المسألة السادسة: في بيان أن التسمية هل هي من القرآن وأنها آية من الفاتحة، قال قراء/ المدينة والبصرة وفقهاء الكوفة إنها ليست من الفاتحة، وقال قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إنها آية من الفاتحة، وهو قول ابن المبارك والثوري، ويدل عليه وجوه:
الحجة الأولى:
روى الشافعي رضي الله عنه عن مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فعد بسم الله الرحمن الرحيم آية، الحمد لله رب العالمين آية، الرحمن الرحيم آية، مالك يوم الدين آية، إياك نعبد وإياك نستعين آية، اهدنا الصراط المستقيم آية، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الظالمين آية، وهذا نص صريح.
الحجة الثانية:
روى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم الله الرحمن الرحيم.


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 174)
الحجة الثالثة:
روى الثعلبي في «تفسيره» بإسناده عن أبي بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري، فقلت بلى، فقال: بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ قلت: ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: هي هي،
فهذا الحديث يدل على أن التسمية من القرآن.
الحجة الرابعة:
روى الثعلبي بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة، قال: أقول الحمد لله رب العالمين، قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم.
وروى أيضا بإسناده عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.
وروى أيضا بإسناده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وكان يقول: من ترك قراءتها فقد نقص.
وروى أيضا بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: ولقد آتيناك سبعا من المثاني [الحجر: 87] قال: فاتحة الكتاب، فقيل لابن عباس: فأين السابعة؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم.
وبإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قرأتم أم القرآن فلا تدعوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها إحدى آياتها.
وبإسناده أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله سبحانه مجدني/ عبدي، وإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله تبارك وتعالى حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله عز وجل أثنى علي عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال الله فوض إلي عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل» .
وبإسناده عن أبي هريرة قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ دخل رجل يصلي، فافتتح الصلاة وتعوذ، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال له: يا رجل، قطعت على نفسك الصلاة أما علمت أن بسم الله الرحمن الرحيم من الحمد، من تركها فقد ترك آية منها، ومن ترك آية منها فقد قطع صلاته، فإنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، فمن ترك آية منها فقد بطلت صلاته.
وبإسناده عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله» .
واعلم أني نقلت جملة هذه الأحاديث من تفسير الشيخ أبي إسحاق الثعلبي رحمه الله.
الحجة الخامسة: قراءة بسم الله الرحمن الرحيم واجبة في أول الفاتحة وإذا كان كذلك وجب أن تكون آية منها، بيان الأول قوله تعالى: اقرأ باسم ربك [العلق: 1] ولا يجوز أن يقال: الباء صلة زائدة، لأن الأصل أن يكون لكل حرف من كلام الله تعالى فائدة، وإذا كان هذا الحرف مفيدا كان التقدير اقرأ مفتتحا باسم ربك، وظاهر الأمر للوجوب ولم يثبت هذا الوجوب في غير القراءة في الصلاة، فوجب إثباته في القراءة في الصلاة صونا للنص عن التعطيل.


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 175)
الحجة السادسة: التسمية مكتوبة بخط القرآن، وكل ما ليس من القرآن فإنه غير مكتوب بخط القرآن، ألا ترى أنهم يمنعوا من كتابة أسامي السور في المصحف، ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس، والغرض من ذلك كله أن يمنعوا من أن يختلط بالقرآن ما ليس منه فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كتبوها بخط القرآن، ولما أجمعوا على كتبها بخط القرآن، ولما أجمعوا على كتبها بخط القرآن علمنا أنها من القرآن.
الحجة السابعة: أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام الله والتسمية موجودة بين الدفتين، فوجب جعلها من كلام الله تعالى، ولهذا السبب حكينا أن يعلى لما أورد هذا الكلام على محمد بن الحسن بقي ساكتا.
واعلم أن مذهب أبي بكر الرازي أن التسمية من القرآن ولكنها ليست آية من سورة/ الفاتحة، بل المقصود من تنزيلها إظهار الفصل بين السور، وهذان الدليلان لا يبطلان قول أبي بكر الرازي.
الحجة الثامنة: أطبق الأكثرون على أن سورة الفاتحة سبع آيات إلا أن الشافعي رضي الله تعالى عنه، قال:
قوله بسم الله الرحمن الرحيم آية واحدة، وقوله صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية واحدة، وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فإنه قال: بسم الله ليس بآية منها، لكن قوله صراط الذين أنعمت عليهم آية، وقوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية أخرى وسنبين في مسألة مفردة أن قول أبي حنيفة مرجوح ضعيف، فحينئذ يبقى أن الآيات لا تكون سبعا إلا إذا اعتقدنا أن قوله بسم الله الرحمن الرحيم آية منها تامة.
الحجة التاسعة: أن نقول: قراءة التسمية قبل الفاتحة واجبة، فوجب أن تكون آية منها بيان الأول أن أبا حنيفة يسلم أن قراءتها أفضل، وإذا كان كذلك فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها فوجب أن يجب علينا قراءتها لقوله تعالى: واتبعوه وإذا ثبت وجوب قرأتها ثبت أنها من السورة لأنه لا قائل بالفرق.
الحجة العاشرة:
قوله عليه السلام: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر أو أجذم وأعظم الأعمال بعد الإيمان بالله الصلاة،
فقراءة الفاتحة فيها بدون قراءة بسم الله يوجب كون هذه الصلاة بتراء، ولفظ الأبتر يدل على غاية النقصان والخلل، بدليل أنه تعالى ذكره في معرض الذم للكافر الذي كان عدوا للرسول عليه السلام فقال: إن شانئك هو الأبتر، [الكوثر: 3] فلزم أن يقال: الصلاة الخالية عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم تكون في غاية النقصان والخلل وكل من أقر بهذا الخلل النقصان قال بفساد هذه الصلاة، وذلك يدل على أنها من الفاتحة وأنه يجب قراءتها.
الحجة الحادية عشرة: ما
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: «ما أعظم آية في كتاب الله تعالى؟» فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم فصدقه النبي عليه السلام في قوله.
وجه الاستدلال أن هذا الكلام يدل على أن هذا القدر آية، ومعلوم أنها ليست آية تامة في قوله: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [النمل: 30] بل هذا بعض آية، فلا بد وأن يكون آية تامة في غير هذا الموضع، وكل من قال بذلك قال إنه آية تامة في أول سورة الفاتحة.
الحجة الثانية عشرة: إن معاوية قدم المدينة فصلى بالناس صلاة يجهر فيها فقرأ أم القرآن/ ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت؟ أين بسم الله الرحمن


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 176)
الرحيم حين استفتحت القرآن؟ فأعاد معاوية الصلاة وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا الخبر يدل على إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنه من القرآن ومن الفاتحة، وعلى أن الأولى الجهر بقراءتها.
الحجة الثالثة عشرة: أن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا عند الشروع في أعمال الخير يبتدئون بذكر بسم الله، فوجب أن يجب على رسولنا صلى الله عليه وسلم ذلك، وإذا ثبت هذا الوجوب في حق الرسول ثبت أيضا في حقنا، وإذا ثبت الوجوب في حقنا ثبت أنه آية من سورة الفاتحة، أما المقدمة الأولى: فالدليل عليها أن نوحا عليه السلام لما أراد ركوب السفينة قال: اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها [هود: 41] وأن سليمان لما كتب إلى بلقيس كتب بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قالوا: أليس أن قوله تعالى: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [النمل: 30] يدل على أن سليمان قدم اسم نفسه على اسم الله تعالى؟ قلنا: معاذ الله أن يكون الأمر كذلك، وذلك لأن الطير أتى بكتاب سليمان ووضعه على صدر بلقيس، وكانت المرأة في بيت لا يقدر أحد على الدخول فيه لكثرة من أحاط بذلك البيت من العساكر والحفظة، فعلمت بلقيس أن ذلك الطير هو الذي أتى بذلك الكتاب، وكانت قد سمعت باسم سليمان، فلما أخذت الكتاب قالت هي من عند نفسها: إنه من سليمان، فلما فتحت الكتاب رأت التسمية مكتوبة فقالت: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. فثبت أن الأنبياء عليهم السلام كلما شرعوا في عمل من أعمال الخير ابتدءوا بذكر بسم الله الرحمن الرحيم، والمقدمة الثانية: أنه لما ثبت هذا في حق سائر الأنبياء وجب أن يجب على رسولنا ذلك، لقوله تعالى: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [الأنعام: 90] وإذا ثبت ذلك في حق الرسول وجب أن يجب علينا ذلك لقوله تعالى:
واتبعوه وإذا ثبت وجوب قراءته علينا ثبت أنه آية من الفاتحة، لأنه لا قائل بالفرق.
الحجة الرابعة عشرة: أنه تعالى متقدم بالوجود على وجود سائر الموجودات، لأنه تعالى قديم وخالق وغيره محدث ومخلوق، والقديم الخالق يجب أن يكون سابقا على المحدث المخلوق، وإذا ثبت أنه تعالى سابق على غيره وجب بحكم المناسبة العقلية أن يكون ذكره سابقا على ذكر غيره، وهذا السبق في الذكر لا يحصل إلا إذا كان قراءة بسم الله الرحمن الرحيم سابقة على سائر الأذكار والقراءات، وإذا ثبت أن القول بوجوب هذا التقدم حسن في/ العقول وجب أن يكون معتبرا في الشرع
لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن،
وإذا ثبت وجوب القراءة ثبت أيضا أنها آية من الفاتحة، لأنه لا قائل بالفرق.
الحجة الخامسة عشرة: أن بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أنه من القرآن في سورة النمل ثم إنا نراه مكررا بخط القرآن، فوجب أن يكون من القرآن كما أنا لما رأينا قوله تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن: 13] وقوله تعالى: فويل يومئذ للمكذبين [المرسلات: 15] مكررا في القرآن بخط واحد وصورة واحدة، قلنا: إن الكل من القرآن.
الحجة السادسة عشرة:
روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب في أول الأمر على رسم قريش «باسمك اللهم» حتى نزل قوله تعالى: اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها [هود: 41] فكتب «بسم الله» فنزل قوله: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [الإسراء: 110] فكتب «بسم الله الرحمن» فلما نزل قوله تعالى إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [النمل: 30] كتب مثلها،
وجه الاستدلال أن أجزاء هذه الكلمة كلها من القرآن، ومجموعها


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 177)
من القرآن، ثم إنه ثبت في القرآن فوجب الجزم بأنه من القرآن، إذ لو جاز إخراجه من القرآن مع هذه الموجبات الكثيرة ومع الشهرة لجاز إخراج سائر الآيات كذلك، وذلك يوجب الطعن في القرآن.
الحجة السابعة عشرة: قد بينا أنه ثبت بالتواتر أن الله تعالى كان ينزل هذه الكلمة على محمد عليه الصلاة والسلام وكان يأمر بكتبه بخط المصحف، وبينا أن حاصل الخلاف في أنه هل هو من القرآن فرجع إلى أحكام مخصوصة مثل أنه هل يجب قراءته، وهل يجوز للجنب قراءته، وللمحدث مسه؟ فنقول: ثبوت هذه الأحكام أحوط فوجب المصير إليه،
لقوله عليه الصلاة والسلام: دع ما يريبك إلا ما لا يريبك.
واحتج المخالف بأشياء: الأول: تعلقوا بخبر أبي هريرة، وهو
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم يقول الله تعالى أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين يقول الله تعالى مجدني عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله تعالى هذا بيني وبين عبدي
والاستدلال بهذا الخبر من وجهين: الأول: أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر التسمية، ولو كانت آية من الفاتحة لذكرها، والثاني: أنه تعالى قال: جعلت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، والمراد من الصلاة الفاتحة، وهذا التنصيف إنما يحصل إذا قلنا إن التسمية/ ليست آية من الفاتحة، لأن الفاتحة سبع آيات فيجب أن يكون فيها لله ثلاث آيات ونصف وهي من قوله الحمد لله إلى قوله إياك نعبد- وللعبد ثلاث آيات ونصف- وهي من قوله وإياك نستعين إلى آخر السورة- أما إذا جعلنا بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة حصل لله أربع آيات ونصف، وللعبد آيتان ونصف، وذلك يبطل التنصيف المذكور.
الحجة الثانية:
روت عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين،
وهذا يدل على أن التسمية ليست آية من الفاتحة.
الحجة الثالثة: لو كان قوله بسم الله الرحمن الرحيم آية من هذه السورة: لزم التكرار في قوله الرحمن الرحيم، وذلك بخلاف الدليل.
والجواب عن الحجة الأولى من وجوه: الأول:
أنا نقلنا أن الشيخ أبا إسحاق الثعلبي روى بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر هذا الحديث عد بسم الله الرحمن الرحيم آية تامة من سورة الفاتحة،
ولما تعارضت الروايتان فالترجيح معنا، لأن رواية الإثبات مقدمة على رواية النفي. الثاني:
روى أبو داود السختياني عن النخعي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإذا قال العبد مالك يوم الدين يقول الله تعالى مجدني عبدي وهو بيني وبين عبدي،
إذا عرفت هذا فنقول: قوله في مالك يوم الدين هذا بيني وبين عبدي، يعني في القسمة، وإنما يكون كذلك إذا حصلت ثلاثة قبلها وثلاثة بعدها، وإنما يحصل ثلاثة قبلها لو كانت التسمية آية من الفاتحة فصار هذا الخبر حجة لنا من هذا الوجه. الثالث: أن لفظ النصف كما يحتمل النصف في عدد الآيات فهو أيضا يحتمل النصف في المعنى،
قال عليه الصلاة والسلام: الفرائض نصف العلم،
وسماه بالنصف من حيث إنه بحث عن أحوال الأموات، والموت والحياة قسمان، وقال شريح: أصبحت ونصف الناس علي غضبان، سماه نصفا من حيث إن بعضهم راضون وبعضهم ساخطون، الرابع: إن دلائلنا في أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة صريحة، وهذا الخبر الذي تمكسوا به ليس المقصود منه بيان أن بسم


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 178)
الله الرحمن الرحيم هل هي من الفاتحة أم لا، لكن المقصود منه بيان شيء آخر، فكانت دلائلنا أقوى وأظهر.
الخامس: أنا بينا أن قولنا أقرب إلى الاحتياط.
والجواب عن حجتهم الثانية ما قال الشافعي فقال: لعل عائشة جعلت الحمد لله رب العالمين اسما لهذه السورة، كما يقال: قرأ فلان «الحمد لله الذي خلق السموات» والمراد أنه قرأ هذه/ السورة، فكذا هاهنا، وتمام الجواب عن خبر أنس سيأتي بعد ذلك.
والجواب عن الحجة الثالثة أن التكرار لأجل التأكيد كثير في القرآن، وتأكيد كون الله تعالى رحمانا رحيما من أعظم المهمات، والله أعلم.
المسألة السابعة: في بيان عدد آيات هذه السورة، رأيت في بعض الروايات الشاذة أن الحسن البصري كان يقول: هذه السورة ثمان آيات، فأما الرواية المشهورة التي أطبق الأكثرون عليها أن هذه السورة سبع آيات، وبه فسروا قوله تعالى: ولقد آتيناك سبعا من المثاني [الحجر: 87] إذا ثبت هذا فنقول: الذين قالوا إن بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة قالوا إن قوله: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية تامة، وأما أبو حنيفة فإنه لما أسقط التسمية من السورة لا جرم قال قوله: صراط الذين أنعمت عليهم آية، وقوله: غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية أخرى، إذا عرفت هذا فنقول: الذي قاله الشافعي أولى، ويدل عليه وجوه: الأول: أن مقطع قوله صراط الذين أنعمت عليهم لا يشابه مقطع الآيات المتقدمة ورعاية التشابه في المقاطع لازم، لأنا وجدنا مقطاع القرآن على ضربين متقاربة ومتشاكلة فالمتقاربة كما في سورة «ق» والمتشاكلة كما في سورة القمر، وقوله: أنعمت عليهم ليس من القسمين، فامتنع جعله من المقاطع.
الثاني: أنا إذا جعلنا قوله غير المغضوب عليهم ابتداء آية فقد جعلنا أول الآية لفظ غير، وهذا اللفظ إما أن يكون صفة لما قبله أو استثناء عما قبله، والصفة مع الموصوف كالشيء الواحد، وكذلك الاستثناء مع المستثنى منه كالشيء الواحد وإيقاع الفصل بينهما على خلاف الدليل، أما إذا جعلنا قوله صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخر السورة آية واحدة، كنا قد جعلنا الموصوف مع الصفة والمستثنى مع المستثنى منه كلاما واحدا وآية واحدة، وذلك أقرب إلى الدليل. الثالث: أن المبدل منه في حكم المحذوف، فيكون تقدير الآية اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم لكن طلب الاهتداء بصراط من أنعم الله عليهم لا يجوز إلا بشرطين: أن يكون ذلك المنعم عليه غير مغضوب عليه، ولا ضالا، فإنا لو أسقطنا هذا الشرط لم يجز إلا الاهتداء به، والدليل عليه قوله تعالى: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا [إبراهيم: 28] وهذا يدل على أنه قد أنعم عليهم إلا أنهم لما صاروا من زمرة المغضوب عليهم ومن زمرة الضالين لا جرم لم يجز الاهتداء بهم، فثبت أنه لا يجوز فصل قوله: صراط الذين أنعمت عليهم عن قوله: غير المغضوب عليهم بل هذا المجموع كلام واحد، فوجب القول بأنه آية واحدة، فإن قالوا: أليس أن قوله الحمد لله رب العالمين آية واحدة، وقوله/ الرحمن الرحيم آية ثانية، ومع أن هذه الآية غير مستقلة بنفسها، بل هي متعلقة بما قبلها؟ قلنا: الفرق أن قوله الحمد لله رب العالمين كلام تام بدون قوله الرحمن الرحيم، فلا جرم لم يمتنع أن يكون مجرد قوله الحمد لله رب العالمين آية تامة، ولا كذلك هذا، لما بينا أن مجرد قوله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ليس كلاما تاما، بل ما لم يضم


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 179)
إليه قوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين لم يصح قوله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، فظهر الفرق.
المسألة الثامنة: ذكر بعض أصحابنا قولين للشافعي في أن بسم الله الرحمن الرحيم هل هي آية من أوائل سائر السور أم لا: أما المحققون من الأصحاب فقد اتفقوا على أن بسم الله قرآن من سائر السور، وجعلوا القولين في أنها هل هي آية تامة وحدها من أول كل سورة أو هي وما بعدها آية، وقال بعض الحنفية إن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة لأن أحدا ممن قبله لم يقل إن بسم الله آية من أوائل سائر السور، ودليلنا أن بسم الله مكتوب في أوائل السور بخط القرآن فوجب كونه قرآنا، واحتج المخالف بما
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سورة الملك: إنها ثلاثون آية، وفي سورة الكوثر: إنها ثلاث آيات،
ثم أجمعوا على أن هذا العدد حاصل بدون التسمية، فوجب أن لا تكون التسمية آية من هذه السور، والجواب أنا إذا قلنا بسم الله الرحمن الرحيم مع ما بعده آية واحدة فهذا الإشكال زائل، فإن قالوا: لما اعترفتم بأنها آية تامة من أول الفاتحة فكيف يمكنكم أن تقولوا إنها بعض آية من سائر السور؟ قلنا: هذا غير بعيد، ألا ترى أن قوله الحمد لله رب العالمين آية تامة، ثم صار مجموع قوله: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس: 10] آية واحدة: فكذا هاهنا وأيضا فقوله سورة الكوثر ثلاث آيات يعني ما هو خاصية هذه السورة ثلاث آيات، وأما التسمية فهي كالشيء المشترك فيه بين جميع السور، فسقط هذا السؤال.
الجهر بالبسملة في الصلاة:
المسألة التاسعة [الجهر بالبسملة في الصلاة] : يروى عن أحمد بن حنبل أنه قال: التسمية آية من الفاتحة إلا أنه يسر بها في كل ركعة، وأما الشافعي فإنه قال: إنها آية منها ويجهر بها، وقال أبو حنيفة: ليست آية من الفاتحة إلا أنها يسر بها في كل ركعة ولا يجهر بها أيضا، فنقول: الجهر بها سنة، ويدل عليه وجوه وحجج.
الحجة الأولى: قد دللنا على أن التسمية آية من الفاتحة، وإذا ثبت هذا فنقول: الاستقراء دل على أن السورة الواحدة إما أن تكون بتمامها سرية أو جهرية، فأما أن يكون بعضها سريا/ وبعضها جهريا فهذا مفقود في جميع السور، وإذا ثبت هذا كان الجهر بالتسمية مشروعا في القراءة الجهرية.
الحجة الثانية: أن قوله بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أنه ثناء على الله وذكر له بالتعظيم فوجب أن يكون الإعلان به مشروعا لقوله تعالى: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا [البقرة: 200] ومعلوم أن الإنسان إذا كان مفتخرا بأبيه غير مستنكف منه فإنه يعلن بذكره ويبالغ في إظهاره أما إذا أخفى ذكره أو أسره دل ذلك على كونه مستنكفا منه، فإذا كان المفتخر بأبيه يبالغ في الإعلان والإظهار وجب أن يكون إعلان ذكر الله أولى عملا بقوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا.
الحجة الثالثة: هي أن الجهر بذكر الله يدل على كونه مفتخرا بذلك الذكر غير مبال بإنكار من ينكره، ولا شك أن هذا مستحسن في العقل، فيكون في الشرع كذلك،
لقوله عليه السلام: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن»
ومما يقوي هذا الكلام أيضا أن الإخفاء والسر لا يليق إلا بما يكون فيه عيب ونقصان فيخفيه الرجل ويسره، لئلا ينكشف ذلك العيب. أما الذي يفيد أعظم أنواع الفخر والفضيلة والمنقبة فكيف يليق بالعقل إخفائه؟ ومعلوم أنه لا منقبة للعبد أعلى وأكمل من كونه ذاكرا الله بالتعظيم، ولهذا
قال عليه السلام: «طوبى لمن


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 180)
مات ولسانه رطب من ذكر الله»
وكان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: يا من ذكره شرف للذاكرين.
ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعى في إخفائه؟ ولهذا السبب
نقل أن عليا رضي الله عنه كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات،
وأقول إن هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين.
الحجة الرابعة: ما رواه الشافعي بإسناده، أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود، فلما سلم ناداه المهاجرون والأنصار. يا معاوية، سرقت منا الصلاة، أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير عند الركوع والسجود؟ ثم إنه أعاد الصلاة مع التسمية والتكبير، قال الشافعي: إن معاوية كان سلطانا عظيم القوة شديد الشوكة فلولا أن الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار وإلا لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية.
الحجة الخامسة:
روى البيهقي في «السنن الكبير» عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم،
ثم إن الشيخ البيهقي روى الجهر عن/ عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأما أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه
قوله عليه السلام: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار.
الحجة السادسة: أن قوله بسم الله الرحمن الرحيم يتعلق بفعل لا بد من إضماره، والتقدير بإعانة اسم الله اشرعوا في الطاعات، أو ما يجري مجرى هذا المضمر، ولا شك أن استماع هذه الكلمة ينبه العقل على أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله، وينبه العقل على أنه لا يتم شيء من الخيرات والبركات إلا إذا وقع الابتداء فيه بذكر الله، ومن المعلوم أن المقصود من جميع العبادات والطاعات حصول هذه المعاني في العقول، فإذا كان استماع هذه الكلمة يفيد هذه الخيرات الرفيعة والبركات العالية دخل هذا القائل تحت قوله: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، [آل عمران: 110] لأن هذا القائل بسبب إظهار هذه الكلمة أمر بما هو أحسن أنواع الأمر بالمعروف، وهو الرجوع إلى الله بالكلية والاستعانة بالله في كل الخيرات، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يليق بالعاقل أن يقول إنه بدعة.
واحتج المخالف بوجوه وحجج: الحجة الأولى:
روى البخاري بإسناده عن أنس أنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، وكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وروى مسلم هذا الخبر في «صحيحه» ، وفيه أنهم لا يذكرون «بسم الله الرحمن الرحيم» وفي رواية أخرى «ولم أسمع أحدا منهم قال بسم الله الرحمن الرحيم» وفي رواية رابعة «فلم يجهر أحد منهم ببسم الله الرحمن الرحيم» .
الحجة الثانية: ما
روى عبد الله بن المغفل أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال:
يا بني إياك والحدث في الإسلام، فقد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وعثمان، فابتدءوا القراءة بالحمد لله رب العالمين، فإذا صليت فقل: الحمد لله رب العالمين،
وأقول: إن أنسا وابن المغفل خصصا عدم ذكر بسم الله الرحمن الرحيم بالخلفاء الثلاثة، ولم يذكرا عليا، وذلك يدل على إطباق الكل على أن عليا كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 181)
الحجة الثالثة: قوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية، [الأعراف: 55] واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة [الأعراف: 205] وبسم الله الرحمن الرحيم ذكر الله، فوجب إخفاؤه، وهذه الحجة استنبطها الفقهاء/ واعتمادهم على الكلامين الأولين.
والجواب عن خبر أنس من وجوه: الأول: قال الشيخ أبو حامد الإسفرايني: روي عن أنس في هذا الباب ست روايات، أما الحنفية فقد رووا عنه ثلاث روايات: إحداها:
قوله صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين.
وثانيتها:
قوله: إنهم ما كانوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم.
وثالثتها:
قوله: لم أسمع أحدا منهم قال بسم الله الرحمن الرحيم،
فهذه الروايات الثلاث تقوي قول الحنفية، وثلاث أخرى تناقض قولهم: إحداها: ما ذكرنا أن أنسا روى أن معاوية لما ترك بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والأنصار، وقد بينا أن هذا يدل على أن الجهر بهذه الكلمات كالأمر المتواتر فيما بينهم. وثانيتها:
روى أبو قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
وثالثتها: أنه سئل عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والإسرار به فقال:
لا أدري هذه المسألة فثبت أن الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب، فبقيت متعارضة فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل، وأيضا ففيها تهمة أخرى، وهي أن عليا عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر، سعيا في إبطال آثار علي عليه السلام، فلعل أنسا خاف منهم فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه، ونحن وإن شككنا في شيء فإنا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس وابن المغفل وبين قول علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بقي عليه طول عمره فإن الأخذ بقول علي أولى، فهذا جواب قاطع في المسألة.
ثم نقول: هب أنه حصل التعارض بين دلائلكم ودلائلنا، إلا أن الترجيح معنا، وبيانه من وجوه: الأول:
أن راوي أخباركم أنس وابن المغفل، وراوي قولنا علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة، وهؤلاء كانوا أكثر علما وقربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنس وابن المغفل. والثاني: أن مذهب أبي حنيفة أن خبر الواحد إذا ورد على خلاف القياس لم يقبل، ولهذا السبب فإنه لم يقبل خبر المصراة مع أنه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأن القياس يخالفه إذا ثبت هذا فنقول قد بينا أن صريح العقل ناطق بأن إظهار هذه الكلمة أولى من إخفائها، فلأي سبب رجح قول أنس وقول ابن المغفل على هذا البيان الجلي البديهي؟ والثالث: أن من المعلوم بالضرورة أن النبي/ عليه السلام كان يقدم الأكابر على الأصاغر، والعلماء على غير العلماء، والأشراف على الأعراب، ولا شك أن عليا وابن عباس وابن عمر كانوا أعلى حالا في العلم والشرف وعلو الدرجة من أنس وابن المغفل، والغالب على الظن أن عليا وابن عباس وابن عمر كانوا يقفون بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أنس وابن المغفل يقفان بالعبد منه، وأيضا أنه عليه السلام ما كان يبالغ في الجهر امتثالا لقوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها [الإسراء: 110] وأيضا فالإنسان أول ما يشرع في القراءة إنما يشرع فيها بصوت ضعيف ثم لا يزال يقوى صوته ساعة فساعة، فهذه أسباب ظاهرة في أن يكون علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة سمعوا الجهر بالتسمية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أنسا وابن المغفل ما سمعاه. الرابع:
قال الشافعي: لعل المراد من قول أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين أنه كان يقدم


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 182)
هذه السورة في القراءة على غيرها من السور فقوله الحمد لله رب العالمين المراد منه تمام هذه فجعل هذه اللفظة اسما لهذه السورة. الخامس: لعل المراد، من عدم الجهر في حديث ابن المغفل عدم المبالغة في رفع الصوت، كما قال تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها [الإسراء: 110] . السادس: الجهر كيفية ثبوتية، والإخفاء كيفية عدمية، والرواية المثبتة أولى من النافية. السابع: أن الدلائل العقلية موافقة لنا، وعمل علي بن أبي طالب عليه السلام معنا، ومن اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
وأما التمسك بقوله تعالى: واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة [الأعراف: 205] فالجواب أنا نحمل ذلك على مجرد الذكر، أما قوله بسم الله الرحمن الرحيم فالمراد منه قراءة كلام الله تعالى على سبيل العبادة والخضوع، فكان الجهر به أولى.
المسألة العاشرة: في تفاريع التسمية وفيه فروع: - فروع أحكام التسمية:
الفرع الأول: قالت الشيعة: السنة هي الجهر بالتسمية، سواء كانت في الصلاة الجهرية أو السرية، وجمهور الفقهاء يخالفونهم فيه.
الفرع الثاني: الذين قالوا التسمية ليست آية من أوائل السور اختلفوا في سبب إثباتها في المصحف في أول كل سورة وفيه قولان: الأول: أن التسمية ليست من القرآن، وهؤلاء فريقان: منهم من قال إنها كتبت للفصل بين السور، وهذا الفصل قد صار الآن معلوما فلا حاجة إلى إثبات التسمية، فعلى هذا لو لم تكتب لجاز، ومنهم من قال: إنه يجب إثباتها/ في المصاحف، ولا يجوز تركها أبدا. والقول الثاني: أنها من القرآن، وقد أنزلها الله تعالى، ولكنها آية مستقلة بنفسها، وليست آية من السورة، وهؤلاء أيضا فريقان: منهم من قال:
إن الله تعالى كان ينزلها في أول كل سورة على حدة ومنهم من قال: لا، بل أنزلها مرة واحدة، وأمر بإثباتها في أول كل سورة، والذي يدل على أن الله تعالى أنزلها، وعلى أنها من القرآن ما
روي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية فاصلة،
وعن إبراهيم بن يزيد قال: قلت لعمرو بن دينار: إن الفضل الرقاشي يزعم أن بسم الله الرحمن الرحيم ليس من القرآن، فقال: سبحان الله ما أجرأ هذا الرجل!
سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم علم أن تلك السورة قد ختمت وفتح غيرها،
وعن عبد الله بن المبارك أنه قال: من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية، وروي مثله عن ابن عمر، وأبي هريرة.
الفرع الثالث: القائلون بأن التسمية آية من الفاتحة وأن الفاتحة يجب قراءتها في الصلاة لا شك أنهم يوجبون قراءة التسمية أما الذين لا يقولون به فقد اختلفوا، فقال أبو حنيفة وأتباعه والحسن بن صالح بن جني وسفيان الثوري وابن أبي ليلى: يقرأ التسمية سرا، وقال مالك: لا ينبغي أن يقرأها في المكتوبة لا سرا ولا جهرا، وأما في النافلة فإن شاء قرأها وإن شاء ترك.
الفرع الرابع: مذهب الشافعي يقتضي وجوب قراءتها في كل الركعات، أما أبو حنيفة فعنه روايتان روى يعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه يقرأها في كل ركعة قبل الفاتحة، وروى أبو يوسف ومحمد والحسن بن


تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (1/ 183)
زياد ثلاثتهم جميعا عن أبي حنيفة، أنه قال: إذا قرأها في أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها في تلك الصلاة حتى يفرغ منها، قال: وإن قرأها مع كل سورة فحسن.
الفرع الخامس: ظاهر قول أبي حنيفة أنه لما قرأ التسمية في أول الفاتحة فإنه لا يعيدها في أوائل سائر السور، وعند الشافعي أن الأفضل إعادتها في أول كل سورة،
لقوله عليه السلام كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر.
الفرع السادس: اختلفوا في أنه هل يجوز للحائض والجنب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ والصحيح عندنا أنه لا يجوز.
اشکال فخر رازی بر تواتر قرائات سبع














****************
ارسال شده توسط:

Thursday - 5/10/2023 - 23:33