رساله سبیل الرشاد فی اثبات المعاد-آقا علی مدرس

مباحث توحيد
مباحث معاد
مباحث مربوط به رجعت
مقاله:لحظه‌ای سنگین‌تر از آسمانها و زمین
جابلقا-جابلسا-اقلیم ثامن-هورقلیا


درس رساله سبیل الرشاد-استاد حشمت پور



متن رساله

مجموعه مصنفات حکیم  مؤسس آقا علی مدرس طهرانی، ج 2، ص 86- 142

[[مقدمة] ]

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين يا معيد ما افناه اذا برز الخلائق لدعوته من مخافته، صلّ على افضل خليقتك و اكمل بريّتك محمّد (ص) و عترته، الذين بهم قامت الحجة و استقامت المحجة و عمّت النعمة و تمّت و ظهرت الحكمة و برزت العناية و كملت المعرفة و حسنت السجيّة و قبلت العبادة، و بقائمهم (ع) تطلع العدالة و ترتفع الضلالة و تزول الغواية و تدوم الهداية و تقوم القيامة، صلوة تتضاعف و تتزايد ابد الابدين و دهر الداهرين. و بعد، يقول العبد الفقير الحقير المعترف بالقصور و التقصير «على الطهرانى» المشتهر «بالمدرس» ابن عبد الله الزنوزى التبريزى المدرس، هذه تعليقة من تعليقاتى على مباحث المعاد من «الاسفار الاربعة» لصدر الحكماء و المتألهين، افرزتها منها و جعلتها رسالة مختصرة مخصوصة باثبات المعاد الجسمانى، بالبرهان العقلى حسب القواعد التى حققها الحكماء الالهيون المحققون قدست اسرارهم، اجابة لالتماس بعض اخوان الدين، و سميتها «بسبيل الرشاد فى اثبات المعاد».

*** [[المركب حقيقى و اعتبارى]]

فاقول متوكلا على الله سبحانه و متوسلا بانبيائه و اوصيائه (ع) : اعلم ان المركب منه حقيقى و منه اعتبارى. و الاوّل ما له وحدة حقيقية يصير بها واحدا حقيقيا مندرجا تحت واحد من الانواع المتحصلة الحقيقية من جهة تلك الوحدة، و ان كانت له ايضا بوجه وحدة اعتبارية من جهة الهيئة الانضمامية من انضمام بعض الاجزاءالى بعض. و هذا المركب لا يحصل الا اذا كان بين الاجزاء افتقار و عليّة بحسب كثرة ما و اتحاد وجودى بحسب وحدة حقيقية سارية فى الكل؛ مثاله الانسان المركب من النفس و البدن و نفسه المركبة من درجات القوى و ماهيته المركبة من الجنس و الفصل، فان بعض هذه مركب من مادة و صورة متحدتين فى الوجود و بعضها مركب من درجات نفسانية وجودية متحدة فى اصل الوجود النفسانى السارى فى تلك الدرجات، و بعضها مركب من مفهوم ماخوذ على وجه الابهام و مفهوم آخر مأخوذ على وجه التحصل بحيث يكون الاخذ و الاعتبار بحسب الابهام و التحصل مطابقين للواقع. و الثانى ما ليس له تلك الوحدة الحقيقية بل تكون وحدته منحصرة فى الوحدة الاعتبارية الحاصلة من مجرد انضمام بعض الامور الكثيرة الى بعض اخر منها. فالاجزاء فى المركبات الحقيقية كثيرة بوجه متحدة بوجه آخر. و لعلك تقول هذا مخالف لما ادّت اليه انظار رؤساء العلم فى الحكمة الطبيعية، فان صور العناصر الاربعة باقية عندهم فى المركبات الحاصلة من امتزاجها كالياقوت، و كذلك الانسان و الفرس مع بقاء صور العناصر فى ابدانهما فان ابدانهما مركبة من الاعضاء و الاعضاء من اللحوم و الاعصاب و العظام و غيرها، و كل واحد من هذه له وجود خاص يباين وجود كل واحد من البواقى فكيف يكون بدن الانسان مركبا حقيقيا بل المركب الحقيقى على ما صورته منحصر فى البسائط الحقيقية الخارجية.

فان خطر هذا ببالك، فاعلم ان العناصر ليست بصورها باقية فى المركبات كما هو الحق، و على تقدير بقائها ليست باجزاء للمركبات الحقيقية باعتبار صورها العنصرية المتفرقة المتباينة، فانها بهذا الاعتبار تكون كالحجر الموضوع بجنب الانسان، بل انما هى اجزاء لها باعتبار الجسمية الماخوذة على وجه الابهام و اللابشرطية الحاكية عن القوة، لا المأخوذة على وجه التحصل الحاكى من الفعلية. و كلمة الفصل ان فيها جهتين، جهة قوة و ابهام و جهة فعلية و تحصل. و ليست هى باجزاء للمركبات الحقيقية بالجهة الثانية، بل انما هى اجزاء لها بالجهة الاولى، و المبهم بما هو مبهم متحد مع المتحصل و كذلك القوة بما هى قوة متحدة مع الفعل، و الا لزم خرق الفرض، و كذلك الاعضاء فى الانسان و غيره اجزاء باعتبار جهة القوة التى فيها لا باعتبار صورها و فعلياتها، بل انما هى بهذا الاعتبار من شرائط تحقق القوة و اصل المادة او من شرائط كمالها و استعدادها. و من اجل ذلك قالوا ان المادة ماخوذة فى المركبات على وجه الابهام، فاذا الاعضاء من شرائط حصول الروح البخارى المنبعث منها الحامل للنفس، و فيها قوة الاتحاد مع النفس بل المتحد معها انما هو هو من جهة قوته. فالتركيب الاتحادى انما هو بين النفس و القوة التى فى البدن، و تركيبها تركيب طبيعى بالذات. و اما التركيب بين صور الاعضاء فهو اعتبارى بالذات، و بينها و بين النفس طبيعى بالعرض. و من اجل ذلك لا يصادم التغييرات الحادثة فيها وحدة الشخص الانسانى. و كذلك التركيب بين مراتب النفس و قواها تركيب حقيقى بالذات فان بعضها فوق بعض الى صورة صورها. و بعضها دون بعض الى مادة موادها مع كون الكل متحدة فى الوجود النفسانى السارى فيها. بل فصل الخطاب لاتضاح الحق عند اولى الالباب، ان التدابير الذاتية الطبيعية التى للنفس فى البدن كالنمو و التغذية و غيرهما ، و تغير حالاته بسنوح الحالات النفسانيه فيها كحمرة الخجل و صفرة الوجل، و ظهور الرطوبة فى جرم اللسان بتخيل شى حامض و احاطتها به بحيث توصّل يدها باىّ موضع منه فيه الم او حكة فى الليل المظلم، و حدوث الاحتلام من الصور الخياليه فى النوم، و الحركة الذاتية التى للنطفة استكمالا الى ان تصير نفسا حركة واحدة متصلة بلا تخلل سكون، يعطى اليقين باتحاد النفس مع صور الاعضاء ايضا كما انها متحدة مع موادها، فاذن الكل من مراتب النفس فهى على شكل المخروط نقطة رأسها القوة العاقلة و قاعدتها صور الاعضاء مع موادها، و كل مرتبة عالية من مراتبها بالنسبة الى مادونها علة ايجابية، و كل مرتبه سافلة منها بالنسبة الى ما فوقها علة اعدادية، فالتركيب بينها تركيب طبيعى بالذات بملاحظة العليّة و الافتقار من جهة الايجاب و الاعداد و القوة و الفعل و اتحاد الكل فى الوجود النفسانى، و ان كان التركيب بينها من جهة انها درجات طولا او عرضا تركيبا طبيعيا بالعرض، و خصوصية المعلول تطابق خصوصية العلة المقتضية لها لانها منها كما ان خصوصية المستعد بما هو مستعد تطابق خصوصية المستعد له لانه متوجه بذاته اليه، و النفس فاعلة للبدن بخصوصية ذاتها المستتبعة لملكاتها الجوهرية الفطرية او الحاصلة لها من مزاولة الاعمال و مواظبتها، و البدن يعدّها باعمالها لملكات مناسبة لتلك الاعمال كما ان صور الاعضا فى ابتداء تكوّنها تتوجه بحركاتها الذاتية الى نفس مناسبة لها مناسبة ذاتية، و النفس بعد وجودها يوجب صورا فى الاعضاء فى كل حين تناسبها مناسبة ذاتية حسب جهاتها الذاتيه النفسانية التى اذا نزلت صارت بعينها صورا خاصة فى الاعضاء.

و من اجل ذلك قالت الفلاسفة الالهية ان النفس و البدن يتعاكسان ايجابا و اعدادا، الا ترى صدور اعمال الصنايع فى اربابها على احسن وجه و اكمل من القوة المحركة الفاعلة من دون تدبر و روية لنفوسهم فيها حال صدورها عنهم مع التفاتهم و اشتغالهم بامر آخر، و عدم صدورها عنها على ذلك الوجه قبل حصول تلك المكات فيهم مع كمال التفات نفوسهم بها و تدبرها فيها، و ما حصلت تلك الملكات الا بمواظبة تلك الاعمال، فباعمال البدن بالقوة المحركة تحصل ملكة تلك الاعمال فى النفس اعدادا. ثم من تلك الملكة تحصل فى القوة المحركة حالة و مبدئية لتلك الاعمال ايجابا، و ليست تلك المبدئية الا اثرا مناسبا لتلك الملكة مناسبة ذاتية كما هو قضية كل اثر بالذات مع مؤثره بالذات، فهو بعينه تلك الملكة بوجه الصعود و هى بعينها ذلك الاثر بوجه النزول، فهو خليفة من تلك الملكة حصلت بايجابها و نزولها فى مرتبة ذات القوة المحركة. فاذن اذا فارقت النفس البدن تخلفت فيها آثارا و ودايع من جهاتها الذاتيه و ملكاتها الجوهرية، و هذا الاستخلاف يترتب على تدبيرها الذاتى للبدن و ايجابها له بضرب من التبعية، و ليس لها فيه قصد و شعور، بل انما هو امر طبيعى تكوينى، فاذن البدن بعد مفارقة نفسه عنه ممتاز فى الواقع عن سائر الابدان المفارقة عنها نفوسها، و كذا عناصره عن عناصرها بهذا الاستخلاف، بحيث اذا شاهدته نفس قوية مكاشفة شاهدته على صفة هذا الاستخلاف و يحكم بانه بدن فارقت عنه نفس كذا و كذا. ثم النفس بعد المفارقة عن البدن يتصل بنفس كلية مربية لها مناسبة لذاتها و ملكاتها ، و البدن ايضا سائر الى الآخرة بحركته الذاتيه الاستكمالية كسائر المتحركات السائرة الى غاياتها الذاتية، و ليس محركة الا تلك النفس الكلية المربية لنفسه الجزئية من مجرى تلك النفس الجزئية ايضا، لكن بحسب النظام الكلى لا النظام الجزئى كما هو قبل مفارقتها عنه، فان النفس الجزئية تكون بعد المفارقة جهة فاعلية للنفس الكلية التى لها قبضا كما انها قبل المفارقة كانت جهة فاعلية لها بسطا.

و تمام السرّ فى ذلك كله لزوم المناسبة التامة بين الفاعل بالذات و مفعوله بالذات، فاذا انقلب فرق البدن بحركته الذاتية الى الجمع و كثرته الى الوحدة و دنياه الى الاخرة - التى هى دار تحقق الكثرة بصورة الوحدة مع كونها كثرة - اتحد مع النفس المناسبة له ذاتا و جهاتا فى مقام تلك النفس الكلية المناسبة لهما اتحادا اتم من الاتحاد الذى كان بينهما فى الدنيا التى هى دار تصور الوحدة بصورة الكثرة مع كونها وحدة. و هذا معنى قولهم كل شى يرجع الى اصله، و النفس اصل البدن بوجه و البدن اصلها بوجه، و اصل كل واحد منهما النفس الكلية التى تناسبهما، فافهم حقيقية المعاد الجسمانى و حقيقته على تلك الحال و لا تنظر الى من قال و لا الى ما قيل او يقال و احمد الله ولىّ الفضل و الافضال.

[[زعم الاشاعرة فى المعاد]]

و اعلم ان الظاهر بين المسلمين بالاشاعرة و من يحذوا حذوهم فى الجمود على الظواهر و المتبادرات التى منشأ تبادرها انسهم بالدنيا و الفهم بالمحسوسات التى فيها و محبتهم بمستلذاتها و وحشتهم عن دار غيرها و محسوسات يغاير محسوساتها و مستلذات يخالف مستلذاتها، زعموا ان المعاد هو الدنيا بعينها و ان العود انما هو عود النفس من البرزخ الى الدنيا و تعلقها ببدنها الدنيوى ثانيا كتعلقها به قبل مفارقتها عنه بلا فرق يعتد به، فالدار الاخرة عندهم هى الدنيا بعينها و العود هو رجوع النفس اليها، فتتحرك النفس من البرزخ الى البدن الذى بقى فى الدنيا متفرقة الاجزاء بعد اجتماع اجزائها المتفرقة ثانيا و صيرورتها قابلة لتعلق النفس بها. و هذا القول مع انه باطل بوجوه عقلية، مخالف لضرورة النقل ايضا، و ذلك معلوم لمن راجع الى ما ارتكز فى نفسه من الدين فى بدو امره قبل ورود الشبهات و العصبية و المأنوسات عليه، و لبعض الآيات القرآنية كقوله سبحانه «وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولىٰ فَلَوْ لاٰ تَذَكَّرُونَ» فانه صريح بمخالفة نشاة الدنيا لنشاة الاخرى.

[[رأى صدر المتألهين فى المعاد]]

و بعض آخر عزلوا البدن الدنيوى عن درجة الاعتبار فى العود و المعاد، كما هو ظاهر ما يترأى من كلامه قدس سره فى التوفيق هيهنا ، فان ما يترأى من ظاهره ان الابدان الاخروية مجردة عن المادة الدنيويه القابلة للاستحالات و سوانح الحالات و ورود الصور و الكمالات و تجدد الحركات و الاستكمالات و الكون و الفساد غير مجردة عن الصور الامتدادية، فليست هى فى التجرد بمثابة العقل و لا فى المقارنة كالصور الدنيوية، بل انما هى مجردة عن المادة فقط بخلاف العقل فانه مجرد عن الصور الامتدادية ايضا، فالبدن الاخروى قائم بالجهة الفاعلية فقط و البدن الدنيوى قائم بها و بالجهة القابلية ايضا، فالبدن الاخروى كما يترأى من ظاهر كلامه قدس سره هيهنا و من بعض كلماته الاخرى فى ساير المواضع هو بعينه البدن البرزخى، و اما البدن الدنيوى فيفسد الى عناصره فيصير حكمه حكم العناصر كما كان قبل صيرورته بدنا، فلا يتعلق النفس به بعد مفارقتها عنه اصلا. و الحقّ ما ذكرناه من تعلق النفس ثانيا بالبدن الدنيوى، لكن برجوع البدن الى الآخرة و الى حيث النفس، لا يعود النفس الى الدنيا و الى حيث البدن فيكون البدن واقفا و النفس متحركة اليه. ***

[[مؤيدات نقلية لرجوع البدن الى حيث النفس]]

قال فى الصافى فى تفسير قوله تعالى فى سورة يس «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ». «يعلم تفاصيل المخلوقات و كيفية خلقها و اجزائها المتفتتة المتبدده اصولها و فصولها و مواقعها و طريق تمييزها و ضم بعضها الى بعض. العياشى عن الصادق (ع) قال: جاء ابى بن خلف، فاخذ عظما باليا من حائط ففته، فقال: يا محمد اذا كنا عظاما و رفاتا ائنا لمبعوثون خلقا؟ فنزلت.

و فى الاحتجاج عن امير المؤمنين (ع) مثله. و عن الصادق (ع): ان الروح مقيمة فى مكانها، روح المحسن فى ضياء و فسحة و روح المسيئ فى ضيق و ظلمة، و البدن يصير ترابا كما منه خلق و ما تقذف به السباع و الهوام من اجوافها مما اكلته و مزّقته، كل ذلك فى التراب محفوظ عند من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى ظلمات الارض و يعلم عدد الاشيا او وزنها و، ان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب فى التراب فاذا كان حين البعث مطر الارش مطر النشور، فتربوا الارض ثم تمخض مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء و الزبد من اللبن اذا مخض، فيجمع تراب كل قالب الى قالب ينتقل باذن الله القادر الى حيث الروح، فتعود الصور باذن المصور كهياتها، و تلج الروح فيها، فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.» انتهى كلام الصافى. اقول: قوله (ع) «ان الروح فى مكانها» لعله ارادان الروح لا يتحرك بذاتها و جوهرها الى مقام نازل ارتفعت عنها بحركتها الذاتية الى مقام عادل هو غاية حركتها، اذا الشىء لا يتحرك بجوهر ذاته حركة ذاتية طبيعية فطرية الى بطلان ذاته او كمالات ذاته اللايقة بذاته، بل انما تتحرك بذاته الى كمال ذاته و جوهر فطرته و صلاح امره فى نفسه، و المقام الذى حصل للروح و هو الوجود المجرد عن نشاة الدنيا او الكمالات اللائقه بجوهرها الانسانى انما هو ما حصلت بحركاتها الذاتيه او بافعال و اعمال اختيارية، فلا ينزل عنه بجوهرها الا بموانع و اضداد تتوجه اليها فتمنعها عن الوقوف فى درجة كمالاتها التى حصلتها، و تعد مادتها الى الحركة الى ما يقابلها، و دار الآخرة ليست بدار اعداد و استعداد من خارج بل انما هى دار الاستكفاء. فالروح هناك مستكفية بذاتها و بذات مبدئها، فلا يرتفع عنها ما هو كمال ذاتها كالوجود الاخروى، بل انما يمكن ان يرتفع عنها ما هو نقص لجوهر فطرتها الانسانيه، كالهيأت المظلمة و الصور الموذية المكتسبة التى تؤلمها و تعذبها، لكن لا بمانع خارجى و معد خارج عن ذاتها كما فى الدنيا، فان الآخرة كما علمت ليست بدار اعداد و استعداد من خارج بل بمانع و رافع داخلى هو نور التوحيد و لوازمه من النبوة و الامامة و المعاد و لوازم هذه. و اما الذين ليس لهم هذا النور فليس لهم رافع داخلى كما ليس لهم مانع خارجى و رافع كذلك، فلا يرتفع عنهم الآلام و لا يخفف عنهم العذاب، بل يدور العذاب عليهم بحركة دورية على انفسهم، فانّ رؤسهم منكوسة الى نشأة الطبيعة التى هى متحركة بذاتها، بل هى نفس الحركة بذاتها فليس لهم بهذا الاعتبار الا التجدد و التبدل كما قال سبحانه «كُلَّمٰا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنٰاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهٰا لِيَذُوقُوا الْعَذٰابَ» و قال «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعٰامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ». و لعل الغلى اشارة الى صعود العذاب اعدادا الى ملكاتهم النفسانيه و نزوله ايجابا الى ابدانهم، فلا يخرجون عن العذاب و داره اذ لا يمكنهم الصعود الى نشأة فوقها التى هى نشأة الرحمة، اذ لا مبدء لهم خارجا و لا داخلا لتلك الحركة الصعودية، فليست لهم حركة على وجه الاستقامة طولا بحيث يخرجون عن العذاب و نشأته. و الحركة الدورية اذا كانت منشأها نفس ذات المتحرك كانت دائمة بدوامها، فما لم يخرج الذات عن دائرة وجودها لم يرتفع عنها تلك الحركة، و المتحرك اذا كان مستكفيا بذاته و بمبدء ذاته و لم يكن له من ذاته مانع و رافع عن الحركة و لها بل يكون ذاته مبدء لها و لم يخرج ذاته عن دائرة وجوده، تكون حركته دائمة ، فاهل النار من الكفار و الجاحدين للحق حركتهم فى العذاب دائمة، و غاية حركتهم هى ذوقهم العذاب تسرمدا و على نهج الاتصال التجددى، و هذه غاية اخيرة لما اكتسبوه بايديهم. و لكل حركة غاية اخيرة لا يتجاوز عنها، فلا يصح السؤال عن غاية هذا الذوق. و هذه اشارات اجمالية الى هذا المطلب الغامض ان كنت اهلا لفهمها و تأملت فيها تجدها برهانا عقليا عليه، فافهمه و لا تنظر الى بعض الشبهات المذكورة فيه نظر الاعتناء، و استغفر الله ذنوب هذا العبد المذنب.

قوله (ع) «فى ضيق و ظلمة» لان رؤسهم المعنوية التى هى عقولهم منكوسة الى نفوسهم الامّارة الظلمانيه و طبايعهم الضيّقة التى هى دار الاضداد و التمانع و الضغطة، و لعلها فى باطنها و نشأتها الاخروية و «هى نٰارُ اللّٰهِ الْمُوقَدَةُ اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ». قوله (ع) «كما منه خلق» لعل تشبيهه (ع) انما هو باعتبار الصور الترابية التى هى ظاهرة، لا باعتبار باطنه و الامور الكامنة فيه من آثار النفس المودعة فيها التى بها يمتاز باطنا عن سائر التربة كما سيجىء فى كلامه. و يحتمل ان يكون مراده انه نزل الى التراب من طريق خلق منه، فان طريق نزوله عين طريق صعوده. قوله (ع) «و ما تقذف به الشباع» لعله اشارة الى ما به يدفع شبهة الآكل و المأكول من عدم كون التغذية بالصاق الغذاء بجوهر المغتذى و تشبيهه به و اتحاده معه، بل بكونه معدّا لحركة مادة المغتذى الى صورة اخرى بدلا عما تحلل عنه، ففاض عليه من مجرى النفس كما حققه قدس سرّه. قوله (ع) «محفوظ» لعله اراد من الحفظ كونه محفوظا على صفة التمييز من جهة ما كمن فيه من الخصوصية التى حصلت فيه من مجرى فاعله القريب الذى هو النفس، فيتميز عن سائر الاتربة بودايع من اثار النفس الّتى كانت مدبّرة له، و لعلّ قوله «يعلم عدد الاشياء و وزنها» يؤمى الى ذلك ايماء قريبا من التصريح، فان المراد من الاشياء جميع الاشياء، لا الاجسام و هذا ظاهر فالمراد من الوزن ما يعم الاجسام و غيرها، و هو مقام الاشياء بحسب وجدانها و فقدانها للوجود و عوارضه.

قوله (ع) «الروحانيين» لعل مراده (ع) من الروحانيين النفوس العادلة المقدسة التى هى اصحاب اليمين لا النفوس الشقية التى هى اصحاب الشمال، و القرينة عليه قوله (ع) «بمنزلة الذهب» الى آخره. و اما المقربون فلا يبلى جسدهم، كما شاهدت ذلك فى جسد الصدوق محمد بن على بن بابويه القمى رضى الله عنهما المدفون فى ارض رى فى سرداب، دخلت السرداب بعد مضى سنوات قريبة من عشرة من ظهور جسده الطيب الطاهر، فشاهدته كانسان حى تام الاعضاء بلا نقص و فساد و بلاء، نام مستلقيا. و يحتمل بعيدا ان يكون مراده (ع) منه من له الروح سواء كان من اصحاب اليمين او من اصحاب الشمال، و وجه هذا الاحتمال عموم قوله «فيصير تراب البشر»، و وجه بعده اتيانه مثالا اخر مع ذكر «الذهب» بعد هذا العام، فافهم. قوله (ع) «كمصير الذهب من التراب» هذا كالصريح فيما ذكرناه من ان فى البدن بعد مفارقة النفس عنه ودائع من آثار النفس بحسب ذاتها و ملكاتها الاصلية و المكتسبة الحاصلة من اعمالها و افعالها، بها يخالف سائر الابدان و يتميز ترابه عن سائر الاتربه، فان تلك الآثار فيه مخصصة له كتخصيص الصور الجزوية الخاصة للمادة الجزوية المتصورة بها، ففيه امور زائدة على الترابية كما ان الذهب فيه صورة خاصة زائدة عالية عن مرتبة الصور العنصرية بها صار نوعا اكمل متميزا عن ساير الانواع، فالبدن الخاص المتخصص بودايع و آثار من نفس مخصوصة لا يمكن له ان يصير مادة متحركة الى نفس اخرى، كما ان النفس الجزئية المفارقة عن بدنها لا يتعلق ببدن جزئى آخر؛ كما علمت فى مباحث بطلان التناسخ ، فان المادة الخاصّة الجزئية لا تقبل صورتين عرضيتين متباينتين، فتراب بدن زيد لكونه متصورة بصور ودايع نفسه لا يمكن ان يصير نطفة متحركة الى نفس عمرو بل يكون محفوظا عند من لا يعزب عن عمله مثقال ذرة بحسب النظام الكلى للوجود المبلغ كل ذى غاية الى غايته، فافهم فهم عقل.

***

[[نحوة افافته الوجود الامكانى من المبدء الاوّل]]

قوله (ع) «فيجمع» بصيغة المفعول، لعل سرّ هذا الجمع الذى تحيرت الاوهام فيه، ان الوجود الامكانى لما نزل بصورة الافاضة من المبدء الاول الصرف بحكم العناية الصرفة الازلية اقتضت صرافة العناية افاضة غير محدودة غير واقفة الى حد من حدود الامكان نزولا بحسب الفعلية و التحصل الى ان بلغت الى مرتبة اخيرة ملازمة للهيولى الاولى التى هى فى صرافة القوة. فحصل بنحو من التبعية و بالعرض من صرف الفعلية الواجد لتمام الفعليات و الكمالات بما هى فعليات و كمالات بنحو البساطة صرف القوة التى هى واجدة لتمام القوى و الامكانات بما هى قوى و امكانات، فمرت الافاضة بجميع المراتب التى بينهما بلا طفرة كما هو قضية قاعدة امكان الاشرف، و كذا لزوم المناسبة التامة لكل علة بالذات مع معلولها بالذات بحيث لا يتصور مناسبة بينها و بين امر آخر مما هو تحتها مكافئة لها او اتم منها، و الا لزم من صدوره منها دون ذلك الاخر ترجح احد المتساويين على الاخر او المرجوح على الراجح، فصورة الوجود الامكانى فى النزول واجدة لتمام ما يمكن ان يوجد من الانواع المتحصلة و المراتب الموجودة بالذات او بالعرض، الى ان يصل الى موجود بالعرض واقع فى المرتبة الاخيرة التى هى مرتبة القوة الصرفة و الهيولى الاولى. و لما لم يمكن الوقوف الى تلك المرتبة ايضا كما هو قضية العناية الصرفة الالهية و كانت تلك القوة لصرافتها غير آبية فى ذاتها عن الصور بايّة صورة من صور الفعليات المتقدمة عليها و هى ايضا لا يمتنع عن الاتحاد بها، كيف و هى حاصلة منها متحدة بها نزولا، كما هو قضية وحدة الفعل الاطلاقى السارى فى كل المراتب، اقتضت العناية الالهية الصرفة افاضة المراتب المتقدمة النازلة على تلك المادة القابلة افاضة دائمة غير واقفة الى حد. لكن الاخس فى الوجود هيهنا مقدم على الاشرف، كما ان الاشرف فيه مقدم فى النزول على الاخس، و ليست تلك الافاضة الابنهج التدريج و التجدد، لانها على حسب استعدادات متجددة لتلك المادة القابلة تابعة لحصول فعليات فيها متجددة تابعة لاستعدادات متجدده متقدمة عليها بوجه لا يدور، فاول فعلية تقبلها فعلية تناسبها مناسبة تامة لا اتم منها. و لا يمكن ان يكون ذلك القبول بنهج الحالية و المحلية بحيث يكون الحال و المحل متساويين فى الوجود، و الا لزم كون الهيولى مستغنية بذاتها عن الصورة المفاضة عليها و لا تكون متحصلة بها بعد حصولها فلا تكون مستكملة بها لكون افاضة الصورة عليها من قبيل انضمام مباين الى مباين فيكون التركيب بينهما اعتباريا و لا يحصل منهما ماهية واحدة بوحدة نوعية متحصلة. بل نقول القوّة الصرفة بما هى كذلك متحدّة مع ايّة صورة تصورت بها، نزولية كانت ام صعودية، و الا لم تكن لها فى ذاتها فعلية ما، هذا خلف. فاذن التركيب بينهما اتحادى و لا يمكن لها الاتحاد مع صورة ما بعد ما لم يكن الا بالحركة، و الحركة فعلية ما، لانها كمال اول لما هو بالقوة من حيث هو بالقوة يتوسل بها الى فعلية اخرى، و قد علمت ان الهيولى فى ذاتها قوة صرفة و ليست فيها فعلية اصلا فتكون متحركة الى الصورة بالعرض، و لا يمكن وضع ما بالعرض الا بعد وضع ما بالذات. فاذن تكون الصورة النزولية التى حصلت بها الهيولى نزولا على نهج كون تلك الصورة شريكة لعلتها متحركة بالذات الى تلك الصورة الصعودية الكافئة لها لكون الصعود مطابقا للنزول و الهيولى متحركة اليها بالعرض، فالصورة الاخيرة فى النزول جعلت من المبدء القيوم متحركة بذاتها لا انها جعلت ثم تحركت. و المتحرك بالذات نفس الحركة و العلة القريبة للحركة ايضا متحركة بذاتها كما انها علة بذاتها و، الا لزم تخلف المعلول عن العلة، فالصورة التى هى فوق تلك الصورة و متصلة بها ايضا متحركة بذاتها بنفس هذا البيان، لكن كل مرتبة عالية تكون الحركة فيها اضعف من الحركة التى فيما دونها و ثباتها اتم من ثباتها، و هكذا الى ان ينتهى الى مرتبة متصلة بما هو ثابت فى نفسه بوجهها العالى و لها تجدد ما بوجهها السافل، و الثابت فى نفسه انما هو عالم فعله سبحانه و امره، فما سوى ذاته سبحانه و صفاته و اسمائه و فعله و امره بما هو فعله و امره متحرك بالذات، و الثابت فى نشأة الامكان فعله بما هو فعله الذى هو نفس قيوميّته المطلقة التى هى مرجع صفاته الاضافية؛ و صفاته تعالى حقيقية كانت او اضافية، ذاتية كانت او فعلية غير خارجة عن مفهوم اسم الله الجامع لجميع الصفات و الكمالات «كُلُّ مَنْ عَلَيْهٰا فٰانٍ وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاٰلِ وَ الْإِكْرٰامِ».

فنظام الوجود فى النزول يقتضى كون كل ما هو غير عال فعله و اسمائه و صفاته؛ و هو المراد بما سوى الله متحركا بذاته، و كل متحرك انما يتحرك الى غاية لذاته، و كل غاية حركة يجب و ان تكون اتم من تلك الحركة و من المتحرك بما هو متحرك، لانها ما به يستكمل المتحرك بما هو متحرك، فاذا كانت صورة ما و فعلية ما جوهرية كانت فاعلة قريبة له فى الصعود مكافئة لما هو فاعل له فى النزول متصلة به. و هذا معنى قولهم غاية كل شئ فاعله، و فاعل كل شئ غايته، فكل متحرك بما هو متحرك انما يتحرك الى ما هو فاعله او ما هو جهة من جهات فاعله ، و لكن المتحركات مختلفة الحصول، فبعضها له مرتبة من الحصول لا يتجاوز عنها لكون حصوله قويا حافظا لمادته و مرتبته كالانواع المتحصلة التى تكون بشرط لا فى نظام الوجود عن الاتحاد مع فعلية اخرى فوقها، بحيث لا تكون سالكة فى سبيل الوصول اليها، كالشجر فانه غير سالك فى سبيل الحيوانية و كذا الفرس فانه غير سالك فى سبيل الانسانية، بخلاف الجنين النامى فانه سالك فى سبيل الحيوانية او الانسانية. و الطائفة الاولى تتحرك الى ما هو تمام نوعها و لا يخرج من عرض وجود نوعها و دائرته، فغايتها التشبه او الوصول الى نفس كلية و ملك سماوى من نوعها او عقل كلى و روح امرى كذلك مرب لها و ذو عناية بها. و الطائفة الثانية تتحرك الى ما هو اعلى من نشأتها الى ان يصير نوعا متحصلا كالطائفة الاولى، و لا يخرج من عرض ذلك النوع و نشأته، بل انما تتحرك فى مراتبه و درجات حصوله كالنطفة الانسانية، فانها تتحرك من الجمادية الى الحيوانية و منها الى الانسانية، و لا يخرج من الانسانية الى نوع اعلى منها، فغاية وجودها كونها مظهر الرب النوع الانسانى او مكافئة له متصلة به او فى مرتبة اعلى منه و اجمع. و لعل هذه الجامعية بحسب الحركة هى المراد من اماناته التى حملها الانسان الكامل المشار اليها فى كلامه سبحانه «إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهٰا وَ حَمَلَهَا الْإِنْسٰانُ إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولاً» . فظهر و تبين من هذه البيانات ان كل نوع واقع فى عالم الحركات متحرك الى الوصول الى غاية الاعلى منه وجودا حركة طولية الى ان يصل اليها، و الاعلى من الدنيا هو الاخرة، و من الحركة الطولية هو الثبات بحسب الطول، و من المتجدّد الثابت، و من المادية التجرد، و من النفس العقل، و من الانفصال الاتحاد، و من البسط القبض، و من الموت الحيوة، و من الجهل العلم، و هكذا. فاذن الدنيا بكلية وجودها من سماوياتها و ارضياتها متحركة الى الآخرة، اذ قد ثبت الحركة الذاتية فيها و الآخرة لكل واحد من هذه هى ما يناسبه، و يختلف كاختلافها فى الدنيا، فكل واحد من اجزاء الدنيا متحرك الى غايته المناسبة له مناسبة تامة ذاتية لكون الحركة ذاتية جوهرية فلا يخرج بعد الوصول اليه من شخصه، بل يتم به شخصه و سيكمل به هويته. و قد علمت ان البدن او التراب الذى صار البدن اليه امر شخصى ممتاز بما كمن فيه من آثار النفس و ودايعها التى نزلت منها بحسب ذاتها و ملكاتها اليه، فهو ايضا متحرك الى غايته الاعلى منه الّتى لا اقرب اليه منها الى ان يتصلّ بها و يتم بها شخصه و يستكمل، فيصير آخرة بعد كونه دنيا و حيا بعد كونه ميتا «إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ» ، و عالما بعد كونه جاهلا و ناطقا بعد كونه صامتا «أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» ، «اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ» و لا اقرب اليه من النفس التى فارقت عنه التى كانت فاعلة له و كانت بها تمامية شخصه و حصلت منها ما به تتعين بعد مفارقتها عنه من الآثار المودعة فيه منها. و هى فاعلة له متصرفة فيه بعد المفارقة عنه ايضا لان النفوس الكونية الجزئية من قوى النفس الكلية الهية، فاذا قبضت اتّصلت بها و رجعت الى عالمها، كما ان القوى الحسيّة الظاهرية اذا قبضت حال النوم اتصلت بالقوّة الخيالية اتصال المعلوم بعلّته بنحو الجمع و رجعت اليها رجوع الفرع الى اصله فدخلت فيها دخول الرقيقة فى حقيقتها، لكن الفرق ثابت بين النفوس الجزئيته و تلك القوى فان النفس لقوة تجردها صارت حقيقة من الحقايق و لها وجود فى مرتبتها و تعيّن خاص بها بعد انقباضها ايضا، فلا تكون رقيقة صرفة داخلة فى صقع النفس الكلية التى لها عناية خاصة بها فتكون جهة فاعلية خارجيه لتربية النفس الكلية المدبرة للبدن بعد المفارقة كما كانت كذلك قبلها. و الفرق بينهما انهما قبل المفارقة ببسطها فيه فى النظام الجزئى الشخصى الكونى، و بعدها تدبيره بانقباضها الى النفس الكليه و اتصالها بها و كونها جهة فاعلية له من مجرى بسط تلك النفس الكلية فى النظام الكلى الى ان يتصل البسط بالبدن او التراب الباقى بعد المفارقة، و قد علمت ان غاية كل شىء فاعله، فغاية حركة البدن بعد المفارقة وصوله الى النفس التى فارقت عنه، كما ان حركته فى البد و بحسب استعدادات خاصة اكتسبها انما هى الى تلك النفس بعينها، فيتحرك تراب كل جزء من اجزاء البدن الى صورة ذلك الجزء التى نزلت الى ذلك التراب فان شخصها باق بحسب ذاتها فاذا تمت صور الاعضاء ثانيا تتحرك الى ان يتصل بالنفس و ذلك قول سبحانه «كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ» و قوله فى سورة الروم «وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» ، و الاهونية انما هى من جهة اتصال البدن بالنفس بالعلاقة التى ذكرناها و وجود آثار النفس فيه، بل فيهما نحو من الاتحاد بحسب النظام الكلى ايجابا لما علمت من ان لها تعلق بالبدن بعد المفارقة ايضا، الا ان تعلقها به بعد المفارقة تعلق ايجابى و ليس للبدن لها اعداد من قبيل الا عدادات التى لها قبل المفارقة، فبرجوع النفس فى البرزخ الى الاخرة و القيامة الكبرى يرجع البدن فى الدنيا اليها، و بكل مرتبة من قرب النفس اليها، يحصل قرب للبدن من النفس الى ان يتصل بها، و هذه العلاقة الايجابيه هى المصححة لبقاء بدن المقربين بصورته و هيئته فى القبر. و كذا تكلّم بعض النفوس القدسيه الالهيه (ع) و تلاوتها القرآن بعد الانتقال من الدنيا ، و كذا رجوع النفس الى البدن فى القبر الدنيوى لسؤال منكر و نكير ، و لم يسم رجوعها من القبر الى البرزخ نزعا و توفيا لعدم الاتحاد الاعدادى الدنيوى.

و من ذلك يعد هذا الرجوع و السؤال و الجواب مع كونها فى هذا القبر الدنيوى من مقامات الاخرة و منازلها، و كذا ما روى كثيرا من مشاهدة اشتعال النار من قبور النفوس الشقية و كذا احياء الموتى. تدبر فى ذلك كله تدبرا عقليا تفهم ان كنت ذا فطرة ثانية؛ فان معلم الفلاسفة قدست اسرارهم قال: «من ارادان يتعلم الحكمة فليطلب فطرة ثانية» قوله (ع) «فينقل باذن الله القادر» هذا صريح فيما قلناه من ان البدن يتحرك الى الاتصال بالروح فى نشاة الاخرة لان ان الروح يعود اليه فى نشاة الدنيا. قوله (ع) «فتعود الصور باذن المصور كهيئتها»، هذا عند ذوى الاذهان الثاقبه كالصريح فيما ذكرناه من ان من الصور و الفعليات السابقه من النفس و قواها و ملكاتها ودايع و آثار فى البدن، و كذا من صور الاعضاء فى التراب الذى نزل اليه البدن عند فساد صور الاعضاء و صيرورتها ترابا، فانه اذا كان التراب الذى فسد اليه صور الاعضاء ترابا صرفا لم يبق فيه ما يتعين و يتخصص به بانه تراب بدن زيد كان نسبته الى بدن زيد و غيره متساوية، فان حصلت فيه صور اعضاء زيد بعينها فمع الاغماض من ان ذلك لا يكون الا باستعداد خاص فى التراب كالابتداء يتحرك به الى تلك الصور من دون طفرة فيصير نطفة ثم مضغة و هكذا الى ان يصير تلك الصور، مع ان تخصص الاستعداد انما هو بتخصص المعدات و المخصصات و هى غير ما كان فى الابتداء فلا يصير الى تلك الصور بل الى صور اخرى كان ذلك اعادة للمعدوم بعينه. و جلّ الامام الناطق الصادق (ع) من ان يقول بما قامت البراهين العقلية القاطعة على بطلانه و ان حصلت فيه صور اعضاء اخرى من دون بقاء ما يتخصص به صور اعضاء زيد كان البدن شخصا اخر من البدن كبدن عمرو، فان نسبة صرف التراب اليهما متساوية و تشخّص كل مادة بما هى مادة بصورتها فلم يعد بدن زيد و لا الصور السابقة كهيئتها، فاذن يجب و ان يكون تعينات صور الاعضاء باقية بوجه النزول الى التراب على نهج الكمون فيه، فاذا تحرك التراب بتلك الخصوصيات بوجه الصعود صار تلك الصور. فتلك الصور بحسب الاصل الثابت منها بعينها الصور الاولى و بحسب مراتب الحركة غيرها، فان الصور الاولى درجة من درجات الحركة الذاتية للمادة الخاصة المتصورة بالاصل الثابت و الصور الثانية درجة اخرى.

و من اجل ذلك قال (ع) «تعود الصور كهيئتها» مع «الكاف» و لم يقل بعينها من جميع الجهات، و مثل هذه المغايرة لا يصادم بشخصية الشخص مع وجود اصل ثابت باق، كما ان بدن زيد فى الدنيا يتغير من الصبى الى الشيخوخة مع بقاء شخصه بحيث لا يشك احد فى انه بدنه بعينه و شخصه لبقاء اصل ثابت باق فيه، و ليس ذلك الاصل هو المادة المطلقة فان نسبتها الى الكل متساوية بل مادة متخصصه بانها مادة بدن زيد و تخصص المادة انما هو بالصورة ففيها اصل باق من سنخ الصورة و ان تبدلت درجاتها. و هذا الحكم جار فى الماء الواحد الذى فى اناء واحد اذا صب فى انائين، فان كل احد يحكم بان المائين الذين فى الانائين هما الماء الذى فى الاناء الواحد بعينه قالوا ان الوجه فى ذلك الحكم انما هو بقاء المادة، فان ارادوا بذلك بقاء المادة المطلقة فالمادة المطلقه نسبتها الى الكل متساوية فليس بقائها وجها لهذا الحكم ، فيجب و ان تكون هيهنا مادة خاصة باقية و خصوصية المادّة بالصورة فيكون الامر الباقى فى الحالين من سنخ الصورة، فهيهنا صورة مائية واحدة متحركة بذاتها الى درجات و شئون لها فى الوحدة و الكثرة، فافهم ذلك ينفعك فى كثير من المواضع. قوله (ع) «و تلج الروح فيه» ، قال فى القاموس «ولج يلج و لوجا: دخل و هو وليجتهم اى لصيق بهم» و قال صاحب منتخب اللغة «ولوج بضم درآمدن چيزى در چيزى، وليج آنچه در ميان چيزى بوده باشد كه از جنس او نباشد» انتهى. و ولوج الروح اما بمعنى دخولها فيه او بمعنى لصوقها به . و كل واحد من المعنيين بظاهر هما و هو على وجه المباينة كدخول جسم فى جسم او لصوق جسم بجسم لا يناسب علاقة الروح بالبدن ، اذ نسبتها الى البدن سواء كانت فى الدنيا او الاخرة نسبة اتحادية، اذ تصرفها فى البدن اما تصرف ايجابى منها و اعدادى و استعدادى من البدن بحسب المعدات الخارجيه كما فى الدنيا و ايجابى منها و استعدادى و اعدادى من البدن بنحو الاستكفاء من دون مدخلية معد خارجى، بل يكون اعداده لها بحصول مرتبة له منها يعدّها لمرتبة اخرى لها بها توجب مرتبة اخرى له تعدّها لمرتبة اخرى لها و هكذا يدور الامر بينهما الى ما شاء الله. و هذا التصرف على اى واحد من الوجهين تصرف ذاتى وجودى، و هو لا يكون الا بعلاقة ذاتية تامة بينهما لا تكون هى و لا اتم منهما بين شىء منها و شى اخر يغايرهما ، و الا لزم الترجح بلا مرجح او ترجح المرجوح على الراجح، و لو فرضت تلك العلاقة بينهما على صورة التباين لتصورت بينهما مرتبة اقرب الى كل واحد منهما من كل واحد منهما، فيكون اتم مناسبة من كل واحد منهما لكل واحد منهما، هذا خلف. و نقول ايضا تلك الواسطه ان كانت متحدة مع الطرفين فهو المطلوب من البيان، و الا لزم وجود واسطة اخرى بينهما و هكذا، فلو لم ينته الامر الى الاتحاد لزم وجود امور غير متناهية مترتبة مع كونها محصورة بين حاصرين. و قد علمت من البيانات السابقه ان البدن يتحرك من جهة خصوصيات حاصلة فيه من تلقاء النفس الى تلك النفس بعينها، اذ هى بعينها النفس بوجه النزول و لا يناسب نفسا اخرى مناسبة تامه فاذن غاية حركته اتصاله بها على نهج الاتحاد، و الا لم يكن و اصلا الى غايته و الاتحاد بين شيئين لا يكون الا بان يكون احدهما موجودا بالذات و الآخر موجودا بالعرض، و كذا يكون احدهما مجعولا بالذات و الاخر مجعولا بالعرض اذا كانا مجعولين، اذا التأصلان فى الجعل او الوجود لا يتحدان. فلو كانت النفس بعد المفارقة عن البدن مباينة عنه بحيث لا يكون بينهما امر وجودى مشترك بينهما سار فيها لا يمكن اتحادهما، او تكونان عند ذلك متأصلين فى الوجود فلا يمكن اتحادهما فيجب و ان يكون بينهما جهة اتحاد وجودى كما كان الامر كذلك قبل مفارقتها عنه بحسب نظامها الجزئى، فتكون تلك الجهة بعد مفارقتها عنه فى مجرى النظام الكلى فى صقع من النفس الكلية الالهية، فيكون لها من ذلك المجرى علاقة ايجابية معه بها تجذبه الى ذاتها و يتحرك هو اليها فتحركه النفس الى عالمها و هو ايضا يتحرك بذاته اليها و المحرك فى الحركات الذاتيه هو الفاعل للحركة بعينه. فدرجات البدن بعد المفارقة ايضا من مجرى نفسه الجزئيه، فيصير بالحركة لطيفا مناسبا لنشاة الآخرة و عالم نفسه، فيتصل بها كاتصال القوى الظاهرية بالقوه الخياليه حال النوم بواسطة بسط النفس و سريانها فيها بنحو الاتحاد، و اتصال القوى بالخيال حال النوم ليس بورودها فيه بحيث تكون عين الخيال بحسب المرتبة، فان له فى حد ذاتها تلك القوى و لا يتحرك تلك القوى الذاتية التى له من مقامها الى مقام الحس الظاهر بحيث يصير الخيال خاليا عنها حال اليقظة، و الا لزم نزول الخيال بعينه عن مقامه اذا ليس هو الا هذه بنحو اعلى، بل انما هى اظلال لقوتها الذاتيه و افعال لها تنبسط منها تارة و تنقبض اليها اخرى و لها مرتبة دون مرتبة تلك القوى الذاتية، و من ذلك قد يرى الانسان حال النوم فى نفسها تلك القوى الظاهرية و يرى ايضا انه مع ذلك يتخيل كتخيله حال اليقظة. فاذا قويت قوة الخيال بوجوده فى النشاة الاخروية يرى الانسان تلك القوى فى مرتبة عالية مرتبة الخيال و فى مرتبة دانية ايضا هى مرتبة تلك القوى الظاهرية المنقبضة اليه و فى مرتبة اخرى هى مرتبة البدن المتحرك من نشاة الدنيا التى هى نشاة الموت الى نشاة الآخرة التى هى نشاة الحيوة و الحيوة مبدء الحس و الادراك، فللبصر مثلا فى الآخرة وجود مبسوط له مراتب كلها من عالم الملكوت و القوة و القدرة و من ذلك قال جل من قائل «فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» . فالبدن اذا اتصل بالنفس لا يكون بعينه البدن الخيالى، بل له مرتبة من الوجود دونه بواسطة يشهد بذلك قوله سبحانه فى صوره حم فصلت: «حَتّٰى إِذٰا جٰاؤُهٰا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ وَ قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا قٰالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.» قال فى الصافى: «قال الصادق (ع): فعند ذلك يختم الله على السنتهم و ينطق جوارحهم، فشهد السمع بما سمع مما حرمه الله، و يشهد البصر بما نظر به الى ما حرم الله، و تشهد اليدان بما اخذتا، و يشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله، و تشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله، ثم انطق الله سبحانه السنتهم فيقولون لجلودهم لم شهدتم علينا» انتهى. وجه الاستشهاد ان الشهادة انما هى على ما ارتكبوه من الاعمال و الافعال الجزئيه، فمدركها قوة تدرك الجزئيات و مصدر الاعمال العقل العملى المدرك للقضايا الجزئية و الاعمال يتصور فى الآخرة، فمدركها مدرك الصور الجزئية كما ان مصدرها الوهم المشوب بالخيال و بشركته، و الشاهد غير ما شهد عليه كما انه غير ما شهد به، و المخاطب بصيغة الفاعل غير المخاطب بصيغة المفعول، فليس المراد من السمع مثلا السمع الخيالى الذى فى مرتبة ذات الخيال و كذا من الجلد البدن المثالى الخيالى فانهما نفس ما شهدت الجلود عليه و عين المخاطب لخطاب خلقكم فلتلك القوى مراتب فى الآخرة و لكل منها ذات منبسطة. فسمع هو فى مرتبة الخيال و سمع هو مقبوض مع النفس و سمع هو نفس البدن المرتقية الى نشأة الآخرة، و الشاهد منها هو الخادم المسخر و المشهود عليه هو المخدوم المسخّر، و الكلّ يتنعّم او يعذّب على قدر مدخليّته فى صدور العمل و طورها، كما هو قضية عدله سبحانه الذى هو العدل الحقيقى الغير المنحرف عن حاق الوسط الى احد الجانبين بوجه من الوجوه. فالمراد من ولوج الروح فى البدن ان كان دخولها فيه كان من قبيل دخول الاصل فى فرعه و الفاعل بمعنى ما به الوجود فى مفعوله و ما بالذات فيما بالعرض و الكل بنحو الاتحاد، و ان كان لصوقها به و هو الاظهر كان من قبيل لصوق الاصل بفرعه و الفاعل بالمعنى المذكور بمفعوله و ما بالذات بما بالعرض. فافهم ذلك كله ان كنت تفهم. قوله (ع) «فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا» قال فى القاموس: «استوى اعتدل و الرجل بلغ اشده و الى السماء صعد و عمد و قصد هو او اقبل عليها و استولى.» لعله (ع) اراد ان النفس بعد اتصالها ببدنها بصعود البدن اليها لكونها جامعة لشراشره و عناصره و جهاته المكتسبة منها من ودايعها و آثارها و لجميع قواها بوجه تناسب نشأتها الاخروية و لجميع ملكاتها الفطرية و المكتسبة من مجرى بدنها تكون معتدلة فى صراط وجودها مستقيمة فى سلوكها فيه بالغة اشدها و غاية قوتها بصعودها الى سماء وجودها، و قصدها اليها تكوينا و تشريعا مستولية على جهاتها الذاتيه و المكتسبة محيطة بها اجمالا و جمعا بوجه و تفصيلا و فرقا بوجه اخر بحيث لا يشذ عن احاطتها بها و استيلائها عليها شىء من مثقال ذرة منها، فعند ذلك ترى فى ذاتها جميع جهاتها الذاتية النفسانية و البدنية و كذا جميع جهاتها المكتسبة بالاعمال الصادرة منها، بل جميع تلك الاعمال بصورة الجمع و الوحده و الاجمال المنكشف بها فى عين جمعها و فرقها و فى وحدتها كثرتها و فى اجمالها تفصيلها ، و الا لم يكن ذلك الجمع جمعا لذلك الفرق و تلك الوحده وحدة لتلك الكثرة و ذلك الاجمال اجمالا لذلك التفصيل بل لغيرها او تكون نسبتها اليها و الى غيرها نسبة التساوى من جهة المباينة و الاجنبية. قال عز من قائل فى سورة آل عمران «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ مٰا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهٰا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» ، و قال فى سورة بنى اسرائيل «وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ كِتٰاباً يَلْقٰاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتٰابَكَ كَفىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً». قال فى الصافى : «فى المجمع و العياشى عن الصادق فى هذه الاية قال: يذكر العبد جميع ما عمل و ما كتب عليه حتى كانّه فعله تلك الساعة فلذلك قالوا «ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها». و قال فى سورة الكهف «وَ وُضِعَ الْكِتٰابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّٰا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يٰا وَيْلَتَنٰا مٰا لِهٰذَا الْكِتٰابِ لاٰ يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لاٰ كَبِيرَةً إِلاّٰ أَحْصٰاهٰا وَ وَجَدُوا مٰا عَمِلُوا حٰاضِراً وَ لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً». قال فى الصافى فيكتب عليه ما لم يقعل او لا ينقص ثواب محسن و لا يزيد فى حساب مسىء، و القمى قال يجدون ما عملوا كله مكتوبا ، و العياشى عن الصادق (ع) اذا كان يوم القيمة دفع الى الانسان كتابه ثم قيل اقرء فيقرء ما فيه فيذكره فما من لحظة و لا كلمة و لا نقل قدم الا ذكره كانه فعله تلك الساعة فلذلك قالوا «يا ويلتنا» انتهى .

[[النفوس كلّها متحركة بذاتها الى غاياتها]]

و تمام السر فى هذا المطلب الغامض الذى هو ركن من اركان الايمان و المعرفة و الايقان هو ما دل عليه البرهان الساطع القاطع من ان النفوس كلية كانت او جزئية سماوية كانت او ارضية كلها متحركة بذاتها الى غاياتها، و كذلك الابدان كل الى غايته التى تناسبه اذ غاياتها مختلفة، لان فواعلها القريبه و المتوسطة كذلك فى جليل النظر و هو نظر الكثرة و النظام التفصيلى الفرقى و الكل متحرك الى القرب الى غاية واحدة، فان فاعل الكل واحد لا شريك له فى الايجاد فى دقيق النظر و هو نظر التوحيد الافعالى و النظام الجمعى الجملى و عزل الفواعل القريبة و المتوسطة بحسب حدودها عن الفاعلية، فيبقى فعله سبحانه بما هو فعله هو الاول و الاخر، و غاية كل شى كفاعله تمامه و تمام كل شى انما هو ما يكون واجدا له بنحو اتم و اكمل مما هو عليه فى مقامه وحده، فيكون واجدا له من دون فقد لجهة من جهاته الوجوديه و الا لم يكن اتم و اكمل مما هو عليه فى مرتبته وحده. و كل مرتبة من مراتب الاستكمال فى الحركات الاستكمالية غايتها القريبة هى المرتبة التى بعدها بلا فصل فتلك المرتبه حسب ما ذكرناه واجدة لجميع جهات المرتبة الاولى و هكذا الى ان يتصل بغاية اخيرة هى غاية الغايات لجميع المراتب فهى واجدة لجميع وجدانات المراتب وجهاتها الذاتية الوجودية بحيث لا يشذّها منها شى بصورة الوحدة و البساطة و الجمع و الاجمال، و ذلك الجمع و الاجمال كاشف عن ذلك الفرق و التفصيل، و الا لم يكن جمعا و اجمالا له و الاعراض تابعة لموضوعاتها و الموضوعات مشخصات لها، فان كل موضوع فاعل بمعنى ما به يعرضه و شريك لعلته اذا الفيض يمر من الفاعل به اولا ثم به بعرضه، اذ موضوع العرض ان كان مجردا كان العرض عرضا لازما له و الا لزم كون ما فرضناه مجردا ماديا، هذا خلف. و تخلل الجعل بين اللازم و الملزوم يلازم انفكاك اللازم عنه اذ طباع وجد فوجد فيه و اوجد فاوجد فيه يلازم الانفكاك فيكون متحدا مع العرض جعلا، و الاتحاد فى الجعل يلازم الاتّحاد فى الوجود و ان كان ماديا، فان كان العرض لازما له، فقد اتضح مما ذكرناه، و ان كان مفارقا لم يكن الموضوع واسطة فى قبول القابل له فقط بان يكون هو قابلا له اولا و بتوسطه مادته، اذ كل فعلية بما هى فعلية تابى بذاته عن فعلية اخرى و لا شرطا و معدا فقط لقبول مادته له، و الا لزم ورود العرض عليها و حلوله فيها من دون قيامه به، فيكون صورة اخرى، فان كانت مكافئة للموضوع لزم حلول صورتين فى مادة واحدة فى مرتبة واحدة و هو محال، كوجود فصلين محصلين لجنس واحد فى مرتبة واحدة كما قرروه فى مقامه، فيكون اعلى و اكمل منه لتاخرها فى الورود على المادة عنه و تاخر استكمال المادة لها عن استكمالها به، فيكون صورة اكمل من الصورة الاولى، فلا يكون عرضا و لا الصورة الاولى موضوعة لها، هذا خلف. و اذا لم يكن واسطة فى قبول القابل فقط و لا شرطا و معدا لقبوله فقط فيكون واسطة فى الاقتضا ايضا، فان كان فاعلا له بمعنى ما منه الوجود فيكون له وجود غير وجوده لزم كون المقارن فاعلا بلا مشاركة الوضع، اذ لا وضع بين الموجود و المعدوم فيكون فاعلا بمعنى ما به الوجود له و متحدا معه فى الوجود و الجعل، فيمر الجعل و الوجود به اوّلا ثم بعرضه ثانيا. و هذا معنى قول الفلاسفة المتقدمين «ان الاعراض تابعة للموضوعات، و ان الموضوعات مشخصات لها و شريكة لعللها.» و اذا كان كل عرض متحدا مع موضوعه و موضوعه مبدأ لها فتبدل العرض و حدوثه يلازم تبدل الموضوع فى ذاته و تحوله فى جوهره، و الا لزم انفصاله و تباينه عنه فى الوجود و الجعل و تخلف المعلول عن علته. و هذا معنى قولهم عند بيانهم الصغرى فى الاستدلال على حدوث العالم بكليته بان العالم متغير و كل متغير حادث من ان صفاته و اعراضه متغير، فان تغير الصفات و الاعراض اذا لم يكن مستلزما لتغير الموصوف و الموضوع فى ذاته لم يكن تغير الصفات و الاعراض دليلا على حدوث العالم فى ذاته و بكليته، لاحتمال ان يكون ذاته قديمة و اعراضه السانحة له حادثة.

و اذ قد ثبت ان مبدء كل عرض ذات موضوعة، فنقول مبدء كل وجود و وجدان بما هو وجود و وجدان وجود و وجدان، فموضوع كل عرض يكون مبدأ له بحسب وجوده و وجدانه لا من جهة عدمه و فقدانه، و اذا كان الموضوع متحركا بجوهره مستكملا فى ذاته بحركته الجوهرية الذاتية و كل مرتبة من مراتب استكماله واجدة للمراتب التى دونها، فيكون الغاية الاخيرة الطولية لحركاته واجدة لجميع المراتب التى هى مبادى اعراضه و صفاته و افعاله و اعماله بصورة الجمع بعد ما كانت متفرقة، و ذو المبدء لا ينفك عن مبدئه ، فنقول كل عمل صادر من النفس بحسب مرتبة من مراتب استكمالاتها فمبدئه فى ذات تلك المرتبة، و كذا كل عمل يباشره البدن بحسب مرتبة من مراتب تحوله فمبدئه فى ذات تلك المرتبة، و الغاية الاخيرة لهما واجدة لجميع تلك المراتب فتكون واجدة لجميع مبادى الاعمال التى صدرت منهما، و ذو المبدء لا ينفك عن مبدئه فجميع الاعمال الصادرة من النفس بذاتها او من مجرى بدنها بهيئته الفرق و التفصيل موجودة معها حاضرة عندها باشخاصها بصورة الجمع و الاجمال ، فهى مدركة لها باعيانها الوجودية و لا تكون حاضرة عندها باعيانها الا ذا كانت مع جميع مشخصاتها المتحققه مع المراتب التى صدرت هى منها من الزمان و المكان و غيرهما من مشخصاتها من الموجودات العالية. و قد ثبت عندك ان الموجودات العالمية نفوسها و طبايعها كلها متحركة بذواتها حركة استكمالية الى غاياتها فجميع مراتب النفوس تسير الى مرتبة جامعة لجميع تلك المراتب، و كذلك الحال فى الطبايع و لوازمها الوجودية من الامكنة و الازمنة و غيرهما فيصير الكل مقبوضة بيد الله مطوية عندها فجميع الازمنة عند ذلك مطوية فى زمان واحد و كذلك جميع الامكنة فى مكان واحد، جميع الاعمال محضورة مجتمعة حاضرة عند النفس باشخاصها و مشخصاتها، و لذلك قال (ع) «كانه فعله تلك الساعة». قال تبارك و تعالى فى صورة الزمر: «وَ الْأَرْضُ قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ السَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ». قال فى الصافى: «فى التوحيد عن الصادق (ع): قبضته ملكه لا يملكها معه احد، قال اليمين اليد و اليد القدرة و القوة مطويات بيمينه يعنى بقدرته.» و قال عز من قائل فى سوره ابراهيم: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّمٰاوٰاتُ وَ بَرَزُوا لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ». قال فى الصافى: «و فى المجمع من طريق العامة عن النبى (ص): يبدل الله الارض غير الارض فيبسطها و يمدها مد الاديم العكاظى لا ترى فيها عوجا و لا امتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة فاذاهم فى هذه المبدلة فى مثل مواضعهم من الاولى ما كان فى بطنها كان فى بطنها و ما كان فى ظهرها كان على ظهرها» انتهى كلام الصافى. قوله سبحانه «وَ بَرَزُوا لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ» اقول ضمير ذوى العقول راجع الى الارض و السموات كما هو الظاهر و لا يحتاج الى تقدير، فان ذلك التبديل انما هو بنفخة الصعق المقدم على نفخة القيام و هى نفخة الاماتة و الحشر كما ان نفخة القيام هى نفخة الاحياء و النشر بعد الاماتة و الحشر، و الاماتة و الحشر انما هما بالقبض الى صورة الوحدة الجامعة التى هى الوحدة الروحية العقلية فتتبدلا من هيئة الكثرة و الفرق الى صورة الوحدة و الجمع فتفنى تعيناتهما الفرقية الامتدادية الى تعينهما الجمعية المعنوية التى هى جامعة لجميع جهاتهما الذاتية و العرضية جمع الحقيقة لرقائقها و الاصل لفروعه بصورة الوحدة المستولية على الكثرة الفانية فيها، و بروزهما عند ذلك اتم من بروزهما قبله فانه بالوجود، فكلّما قوى الوجود قوى البروز و قبل تمام حركاتها الاستكمالية ليس تمام جهاتهما بارزة بل بعضها كامن فى القوّة و الاستعداد كوجودهما بصورة تلك الوحدة الجامعة العقلية، فعند تبدلهما الى تلك الوحدة تكونان من ذوات العقول بل تمام جهاتهما العقل.

و لما كانت تلك الوحدة هى بعينها القبض و الاماتة، و الاماتة لا تكون الا بصورة القهر كما قال (ع) فى دعاء الصباح «و قهر عباده بالموت و الفناء» قال سبحانه «لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ» فان وجودهما عند ذلك مظهر للاسم الواحد القهار، و كل مظهر لاسم فهو مظهر لساير الاسماء فانها فى الحقيقة الظاهرة التى هى صرف الوجود و صرف كمالاته موجودة بصورة الوحدة و البساطة فكل ما هو مظهر لتلك الحقيقة مظهر لجميع اسمائه، فانها بتمام ذاتها ظاهرة كما انها بتمام ذاتها فاعلة و غلبة الظهور لاسم واحد او فوق واحد انما هو لخصوصية فى المظهر. و لاجل ذلك قال سبحانه «لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ» فاتى باسم الله الجامع لجميع الاسماء للاعلام بان وجودهما عند الطى مظهر لجميع الاسماء و باسمى الواحد القهار بخصوصهما للاعلام بغلبة ظهورهما فيهما. قال فى الصافى فى سورة الزمر فى تفسير قوله سبحانه «ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذٰا هُمْ قِيٰامٌ يَنْظُرُونَ» «قائمون من قبورهم يقلبون ابصارهم فى الجوانب، القمى عن السجاد (ع) انه سئل عن النفختين كم بينهما؟ قال: ما شاء الله. قال: فاخبرنى يا ابن رسول الله كيف ينفخ فيه‌؟ فقال: اما النفخة الاولى فان الله عز و جل يأمر اسرافيل فيهبط الى الدنيا و معه الصور و للصور راس واحد و طرفان، و بين راس كل طرف منهما الى الاخر مثل ما بين السماء و الارض، و اذارات الملائكة اسرافيل قد هبط الى الدنيا و معه الصور قالوا: قد اذن الله فى موت اهل الارض و فى موت اهل السماء. قال: فيهبط اسرافيل بحظيرة بيت المقدس و هو مستقبل الكعبة، فاذا رآه اهل الارض قالوا: قد اذن اللّه تعالى فى موت اهل الارض، فنيفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذى يلى الارض، فلا يبقى فى الارض ذو روح الاّ صعق و مات، و يخرج الصوت من الطرف الذى يلى السموات، فلا يبقى فى السموات ذو روح الاصعق و مات الا اسرافيل، قال: فيقول الله لاسرافيل: يا اسرافيل مت، فيموت اسرافيل فيمكثون فى ذلك ما شاء الله، ثم يأمر السموات فتمور و يامر الجبال فتسير و هو قوله سبحانه «يَوْمَ تَمُورُ السَّمٰاءُ مَوْراً وَ تَسِيرُ الْجِبٰالُ سَيْراً» يعنى يبسط و يبدل الارض غير الارض يعنى بارض لم تكسب عليه الذنوب بارزة ليس عليها جبال و لا نبات كما دحتها اول مرة و يعيد عرشه على الماء كما كان اول مرة مستقلا بعظمته و قدرته، قال: فعند ذلك ينادى الجبار تبارك و تعالى بصوت من قبله جهورى يسمع اقطار السموات و الارضين «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ» فلا يجيبه، فعند ذلك يقول الجبار عز و جل: انا قهرت الخلائق كلهم و امتهم، انى انا الله، لا اله الا انا وحدى لا شريك لى و لا وزير، و انا خلقت الخلق بيدى و انا امتهم بمشيتى و انا احييهم بقدرتى. قال: فينفخ الجبار نفخة اخرى فى الصور، فيخرج الصوت من احد الطرفين الذى يلى السموات، فلا يبقى احد فى السموات الا حى و قام كما كان و يعود حملة العرض و يحضر الجنة و النار، و يحشر الخلائق للحساب. قال الراوى: فرايت على بن الحسين (ع) يبكى عند ذلك بكاء شديدا» انتهى كلام الصافى. اقول: تامل فى هذا الحديث الشريف فان فيه اشارات لطيفة الى ما ذكرناه. ***

[[نسبة نفوسنا الى النفوس الكلية]]

و اعلم ان نسبة نفوسنا الى النفوس الكلية التى هى نفوس الملائكة العالمين العاملين المدبرين فى العالم الكبير انما هى كنسبة قوانا المدركة و المحركة الى نفوسنا فى العالم الصغير، فكما ان الاعمال الصادرة من قوانا يصعد الى مقام نفوسنا و يركن فيها بالتمرّن و المواظبة، الى ان تصير ملكة نفسانيه محفوظة تكون مبدء الصدور مثل تلك الاعمال منا بالية قوانا من دون روية، فكذلك ما يصدر من نفوسنا يصدر من مجرى نفوسنا الى تلك النفوس الكلية و تكون محفوظة هناك و يكون مبدءا لنزولها الى موطن نفوسنا و يعلق عليها. و الفرق ان ملكاتنا مادام كوننا فى الدنيا ضعيفة لكون نفوسنا هيهنا غير مستكفية فلا تكون مبدءا لصدور الاعمال منا بالفعل الا بانضمام معدات اخرى اليها، و هؤلاء الكرام البررة الحفظة لكون نفوسهم مستكفية كافية فى صدور اعمالهم منهم ذواتهم و بواطن ذواتهم و بواطن بواطن ذواتهم الى ان ينتهى الى من هو الباطن المطلق فيتنزل الاعمال المحفوظة من مقامهم الى نفوسنا، و لكن النازل مثل الصاعد فان الصعود كالنزول انما هو باضافة منه سبحانه و مجرى الافاضة على السوافل و حاملها و الموكل عليها انما هى ذوات هؤلاء الملائكة العالمون العاملون الموكلون المدبرون، و الا لزم التشبيه فيه سبحانه تعالى عنه، فيفاض اولا بنحو الصعود على نفوسنا صورة تلك الاعمال بعينها، فتتصور بها نفوسنا بحيث اذا نزلت تلك الصور صارت امثال تلك الاعمال الصادرة، و النزول بافاضة ثانية فالصاعد بافاضة اخرى، فالصاعد غير النازل و المتصور به النفس اولا غير الوارد عليها، و كل فى مقامه محفوظ و ان كان النازل بعينه الصاعد بوجه، فصورة الاعمال النازلة من النفوس الكلية يغاير ما هو فى موطن النفس ثابتة محفوظة فتلك الصور طيران صعودا و نزولا، و لاجل ذلك سمى كتابها بالطائر. لما كان مقام العقل العملى الذى هو مبدء الاعمال الجزئية بالنسبة الى مقام العقل النظرى مقام العنق من الرأس يكون الالزام فى العنق فقوله سبحانه «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ...» اشارة الى الكتابين الكتاب الذى هو فى موطن النفس محفوظ، بل هو النفس بعينها وجودا و الذى يلزم فى العنق، و قوله سبحانه «وَ كُلَّ إِنسٰانٍ أَلْزَمْنٰاهُ طٰائِرَهُ اشارة الى الكتاب المعلق على العنق، و قوله سبحانه «كَفىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» اشارة الى الكتاب الذى هو فى موطن النفس، فلعله سبحانه قال: ان كتاب النفس كاف فى الحساب و الحسيب لكن نظام الوجود و حق القول و القول الحق منى الذى هو العدل الحقيقى الغير المنحرف من حاق الوسط الى احد الطرفين يوجب كتابا آخر ليكون حساب النفس فى عالمين عالم كبير و عالم صغير. فيظهر صحة قوله سبحانه «وَ لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» اتم ظهورا و ينكشف اكمل انكشافا، فالكتاب كتابان كتاب داخل فى النفس و كتاب خارج عنها ، و الخارج عين الداخل بوجه فان الاخراج فرع الدخول، بل كل عمل النفس شخص واحد له مراتب صعودا و نزولا. لكن بعض الآيات و الاخبار اظهر دلالته على الكتاب الخارج بل بعض الاخبار صريح فيه كالمروى فى العلل: عن الباقر (ع) انه قال فى تسمية سدرة المنتهى بها: انها سميت سدرة المنتهى لان اعمال اهل الارض تصعدها الملائكة الحفظة الى محل السدرة، و الحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما يرفع اليهم الملائكة من اعمال العباد فى الارض، قال فينتهون بها الى محل السدرة. قال فى الصافى فى سورة بنى اسرائيل عند تفسيره قوله سبحانه «وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ كِتٰاباً» : هى صحيفة عمله اقول هى بعينها نفسه التى رسخت فيها آثار اعماله بحيث انتقشت بها. انتهى كلامه الشريف. اقول: كلمة «نُخْرِجُ» صريح فى الكتاب الخارج، و الاخراج يلازم الدخول مطلقا لا خصوص دخوله فى النفس الجزئية بل يعلم ذلك بدليل خارج عن مدلول اللفظ كما ذكرناه، فافهم ذلك. فاستبان ان النفس فى الآخرة لا تنكر شيئا من جهاتها الذاتيه و العرضية من ذاتها، لكن ذلك عند ذاتها كليا لا عند ربها، فان الكفرة و المنافقين الذين غلبت عليهم شقوتهم لجهلهم لغلبة الجهل بالله و صفاته و افعاله عليهم ينكرون فى الاخرة عند ربهم افعالهم السّيئة لجهلهم هناك، بانه سبحانه عالم بكل شى «لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي الْأَرْضِ»، و ذلك من جهلهم هيهنا به و «يَوْمَ تُبْلَى السَّرٰائِرُ» ظهر جهلهم و قوى لقوة طبايعهم الخبيثة التى هى مواطن جهالاتهم و مواضع نكس عقولهم التى هى رؤس بواطنهم، كما قال سبحانه فى سورة بنى اسرائيل: «مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً» فان المراد من العمى كما يدل عليه قوله سبحانه «وَ أَضَلُّ سَبِيلاً»، عمى بصيرة القلب المعنوى الذى هو القوة النظرية الفكرية التى يسمى بالعقل من جهة العلم و الادراك و بالقلب من جهة الحال و التحول، و عماه هو جهله باصل الوجود و مبدئه الذى هو واجب الوجود بذاته و لذاته من جهة ذاته و صفاته الذاتية و الفعلية و مراتب فعله من قلمه و لوحه و ملائكته و انبيائه و اوليائه و اليوم الاخر لعدم تفكرهم فى خلق السموات و الارض و ما فيهما التى هى آيات بينات و دلائل واضحات على وجوده سبحانه و انه الحى العليم القدير المريد السميع البصير المتكلم الذى خلق الخلق ليعرفوه. قال فى الصافى فى سورة الذاريات فى تفسيره قوله سبحانه «وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ» : «فى العلل عن الصادق (ع) خرج الحسين بن على (ع) على اصحابه فقال: ايها الناس ان الله ما خلق العباد الا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه و اذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه. فقال له رجل: يا بن رسول الله بابى انت و امى فما معرفة الله‌؟ قال: معرفة اهل كل زمان امامهم الذى تجب عليهم طاعته» انتهى كلام الصافى. اقول قوله (ع) «امامهم» السر فى كونها معرفة الله ان المراد من الامام ظاهرا هو المعنى المعروف المذكور قبال الرسول و عرفه (ع) بقوله «الذى تجب عليهم طاعته» و معرفته بما هى امام لا ينفك عن معرفة الرسول بما هو رسول و معرفة الرسول بما هو رسول لا ينفك عن معرفة الله. و يمكن بعيدا ان يكون المراد منه من يجب على العباد طاعته و هو يشمل الله سبحانه و الرسول (ص) ايضا. و السرّ فى قوله (ع) «استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه» ان العبادة اذا وقعت على وجه المعرفة مع كونها مطابقة لما صدر من صاحب الشريعة و متابعة لطلبه و امره يكمل بها عرفان العابد بالمعبود الحق سبحانه و بصفاته و افعاله و آثاره، و يحصل له القرب اليه و الزلفى لديه، فيفنى فى آثاره عن آثار ما سواه و فى افعاله عن افعال ما سواه و فى صفاته عن صفات ما سواه و فى ذاته عن ذوات ما سواه فيستغرق فى لجة بحار احديته و صمديته و يغوص فى طمطام يم وحدانيته و فردانيته. و لما لم يكن جمهور العباد مستكفين بذواتهم و بواطن ذواتهم و بواطن بواطن ذواتهم و هكذا الى ربهم الذى هو الباطن المطلق، كما هو الظاهر المطلق هديهم سبحانه الى سبيل الرشاد و ارشدهم الى طريق السداد بارسال الانبياء و المرسلين المستكفين بذواتهم و فاعل ذواتهم و اوصيائهم الصالحين المقربين السالكين الى سبيل الوصول التابعين لهم فى سلوكهم متابعة الفرع لاصله، فيحيى من اطاعهم عن بينة و يهلك من عصاهم عن بينة فجعل لا طاعتهم و عصيانهم غاية و لظهور تلك الغاية دار اكمل و اشرف من دار اعمالهم، لان الغاية الذاتية فى كل حركة اشرف من تلك الحركة كما اذا كانت الحركة ذاتية جوهرية استكمالية كحركة النفس فى ذاتها الى كمالاتها الذاتية، و ان كانت باعداد الحركات الفكرية و الاعمال البدنية كما قال سبحانه فى سورة الاعلى «وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ» و فى سورة العنكبوت «وَ مٰا هٰذِهِ الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلاّٰ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ» .

فاستبان مما ذكر ان التفكر فى مخلوقاته و مصنوعاته و آثار رحمته و عنايته سبحانه مقدم ذاتا و شرفا و خيرا على كل عبادة، اذ يحصل به المعرفة بالله و كتبه و رسله و اليوم الاخر التى هى «اول الدين » كما هو فى خطبة امير المؤمنين (ع) و «اصله» كما هو فى خطبة سيدنا الرضا (ع) ، و يتوقف على اصلها صحة العبادات و على كمالها كمالها و ان كانت المعرفة ايضا من جهة كمالها و بحسب الشهود العينى يتوقف على الاعمال الصالحة المطابقة لما ورد فى الشريعة كما روى فى اصول الكافى: عن الصادق (ع) «لا يقبل الله عملا الا بمعرفة و لا معرفة الا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل و من لم يعمل فلا معرفة له، الا ان الايمان بعضه من بعض» انتهى. و لذلك وقع التوبيخ منه تعالى على من لا يتفكر فى مخلوقاته و مصنوعاته ليحصل له المعرفة بالمبدء و المعاد فى مواضع من كتابه الكريم منها قوله سبحانه فى سورة النحل «أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلىٰ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلاٰلُهُ» يعنى يصير متفيئة او ظله فيئا ليعلم ان ذلك لا يكون الا بحركة متحرك مضيئ كالشمس، و المتحرك لا يتحرك من نفسه فينتهى الامر الى محرك غير متحرك بحسب الخارج فان كانت له مهية فيعقل له حركة عقلية من حاق الوسط الى احد الجانبين فله ايضا محرك فينتهى الامر الى محرك لا تكون له ماهية و لا حركة عقلية. و قد علمت ان الحركات العرضيه تابعة لحركات جوهرية، و المحرك فى المتحركات الجوهرية هو بعينه فاعل ذواتها فان ذواتها التى هى بعينها وجوداتها بعينها حركاتها، و الفاعل التام فى فاعليته فاعليته عين ذاته، فذلك المحرك للمتحركات فاعل بالذات لوجوداتها، فان كان بذاته فاعلا لا لذاته كانت فاعليته كوجوده مرتبطا بغيره، فيكون الفاعل لتلك المتحركات هو ذلك الغير فان وجوده بعينه ايجاد ذلك الغير لتلك الوجودات، فينتهى الامر الى فاعل لا تكون فاعليته مرتبطة بغيره، اذ المفروض ان لتلك المتحركات فاعل فى نظام الوجود لوجوده، و منه حصلت ذواتها و حركاتها، فهو مبدء كل وجود و موجود اذا لا يعقل وجود فوقه و الا فهو اتم و اقوى فى ذلك الكمال، و هو فاعلية تلك المتحركات بالذات، و لا يمكن ان يكون كل واحد منهما فاعلا تاما بالذات لها باعيانها اذا خصوصية المعلول انما هى من خصوصية اقتضاء الفاعل الذى هو عين ذاته، فيكون معلول هذا غير معلول ذاك و ليس للمجموع وجود غير وجود الآحاد، مع ان ذلك خرق الفرض فاذن الفاعل المفروض اولا مرتبط فى ذاته بذلك الاتم و الكلام فى ذلك الاتم يعود فمبدء تلك المتحركات لا وجود فوقه. فهو واجب الوجود بالذات و للذات، و واجب الوجود بالذات و للذات واجب الوجود من جميع الجهات و الحيثيات، فليس فيه بذاته الا جهة واحدة هى جهة وجوب الوجود فهو صرف وجوب الوجود، و صرف الشى لا يتكرر فلا مكافؤ له فى فعله و لا مماثل له فى ذاته و لا مشابه له فى وصفه و لا مشارك له فى اسمه، و اذ ليس فيه قوة و لا امكان و لا تجدد و لا حدثان و لا فقد و لا نقصان، لانه صرف الوجود و الوجدان فكل كمال للموجود بما هو موجود بما هو كمال للموجود بما هو موجود، ثابت له فى ذاته فيكون حيا عليما قديرا مريدا سميعا بصيرا متكلما احدا صمدا مبدأ، فله فعل و فعله واحد، لانه بسيط واحد و لفعله درجات، اذا لا شريك له فى الايجاد كما قال سبحانه «وَ مٰا أَمْرُنٰا إِلاّٰ وٰاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ». و لما كان فى مرتبة ذاته واجدا لجميع الكمالات اللايقة بذاته فكل كمال ذاتى له غير محدود كذاته، فعلمه صرف العلم كما ان وجوده صرف الوجود فيتعلق بجميع المعلومات و الا لم يكن صرفا، و كذا قدرته صرف القدرة فيتعلق بجميع المقدورات فلا يقف فعله فى درجة من درجات الافاضة و الايجاد، بل يمر بجميع مراتب الفعليات من الاشرف فالاشرف الى الاخس فالاخس كما هو قضية قاعدة الامكان الاشرف، الى ان ينتهى الى ما هو فى ذاته قوة جميع الصور و الكمالات، و لا يمكن بحكم صرافة صفاته تعالى الوقوف عند تلك القوة ايضا، فيرجع الافاضة و النزول الى العادة و الصعود. و لا يمكن ذلك الا بحركة ذاتية و استعداد جوهرى و شوق فطرى و جذبة ربوبية بعناية الهية و لكل حركة غاية، و مقام الغاية و دارها اشرف من مقام ذى الغاية و داره، فينقلب النطفة علقة الى ان تصير بدنا و ينشأ البدن نفسا و النفس عقلا و يبدل الدنيا بجميع ما فيها من ابدانها و نفوسها و ارضياتها و سماوياتها آخرة، اذا الكل متحركات بجواهرها عايدات بذواتها.

فاستبان ان النظر فى آية من آيات كتابه سبحانه التكوينى كالظل و فى آية من آيات كتابه التدوينى مثل هذه الآية الشريفه يرشد الى اثبات ما عليه الوجود من مبدئه و معاده « ذٰلِكَ فَضْلُ اللّٰهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشٰاءُ». و منها قوله سبحانه فى سوره يوسف: «وَ مٰا أَكْثَرُ النّٰاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ» و فيها ايضا «وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهٰا وَ هُمْ عَنْهٰا مُعْرِضُونَ» و منها قوله سبحانه فى سورة يس: «مٰا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيٰاتِ رَبِّهِمْ إِلاّٰ كٰانُوا عَنْهٰا مُعْرِضِينَ» ، و منها امثال هذه من الآيات فارجع اليها. و كذا وقع المدح منه تعالى فى مواضع من كتابه على المتفكرين فى آياته الموقنين بالمبدء و المعاد، و منها قوله سبحانه فى سورة آل عمران «اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ فَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ» و منها قوله سبحانه فى سورة البقرة «اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولٰئِكَ عَلىٰ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» . فظهر و انكشف ان الاعراض عن آيات الله الآفاقيه و الانفسيه و عدم امعان النظر فى كتابه التكوينى و التدوينى يلازم بقاء الجهل بالله و صفاته و افعاله، و استمرار الجهل يوجب ركونه فى النفس و ارتكازه فيه، فيحشر «يَوْمَ تُبْلَى السَّرٰائِرُ» بصورة ذلك الجهل فينكر علم الله الذى «لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي الْأَرْضِ» عصمنا الله و اخواننا المومنين من اغواء الشياطين.

قال فى الصافى فى سورة فصلت عند تفسيره قوله سبحانه «حَتّٰى إِذٰا مٰا جٰاؤُهٰا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا قٰالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» القمى : نزلت فى قوم تعرض عليهم اعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا شيئا منها، فاشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم اعمالهم. قال الصادق (ع): فيقولون لله: يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا، و ذلك قول الله عز و جل «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمٰا يَحْلِفُونَ لَكُمْ» و هم الذين غصبوا امير المؤمنين (ع) فعند ذلك يختم الله تعالى على السنتهم و ينطق جوارحهم، فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله، و يشهد النظر بما نظر به الى ما حرم الله عز و جل، و تشهد اليدان بما اخذتا، و تشهد الرجلان بما سعتا فيما حرم الله عز و جل و يشهد الفرج بما ارتكب مما حرم الله ثم انطق الله عز و جل السنتتهم فيقولون «لجلودهم لم شهدتم علينا» الآية انتهى. ***

[[نحوة انتساب افعال المخلوقات الى اللّه]]

اعلم يا اخى ان اختلاف اشكال الاعضاء و مقاديرها و اوضاعها و الصور الخاصة التى فى اجزاء البدن التى يترتب عليها آثار و منافع جزئية شخصية و كلية نوعية و تفاوتها فى الكثافة و اللطافة حسب تفاوت المقاصد منها كالعقب و العين، فان المقصود من الاول المشى و الركون به و من الثانى الابصار، و المناسب للاول الغلظة و الكثافة للثانى اللطافة المناسبة للانوار، و كذا الافعال المنظمة المنضدة المتوجهة الى غايات كلية و جزئية كفعل الجاذبة فانها فى كل عضو يجذب من الغذاء ما يناسبه و الغاذيه ايضا تغذيه كذلك، و كذلك الامر فى المنمية و المولده، و يترتب على هذه الافعال غايات جزئية شخصية نافعة فى عيش الشخص و بقائه و غايات كلية نوعية نافعة لبقاء النوع؛ تدل دلالة واضحة على ان تلك الافعال المنتظمة المنضدة المتناسبة التى بعضها مقدمة لبعض، كفعل الجاذبة المقدمة لفعل الماسكة المقدمة لفعل الهاضمة المقدمة لفعل المفصلة المفرزة للفضول الغير المناسبة للبدن المقدمة لفعل الدافعة و الغاذية و المنمية و المولدة، لا تكون منسوبة الى تلك القوى الجزئية الغير الشاعرة بافعالها و غاياتها الجزئية، فضلا عن الغايات الكلية التى لا تشعر بها الا القوة العاقلة المدركة للكليات. و لا يمكن ايضا نسبتها اليه تعالى من دون وسائط عقلية و نفسية و طبعية كما راه الظاهريون المسمون بالاشاعرة، لتجويزهم مباشرته سبحانه لجميع الافعال من كل جهة ، و ان كانت مادية جسمانية متجددة من دون مخصص قابلى و مرجح فاعلى، لتجويزهم ترجيح الفعل من الفاعل المختار باراداته و اختياره من دون مرجح و مخصص، فان ذلك يوجب الجبر و التشبيه و نزوله سبحانه فى منازل مخلوقاته و مصنوعاته، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. و لا الى بعض مخلوقاته سبحانه كنفس عاقلة من النفوس من دون ان ينسب اليه تعالى، كما عليه القدريون القائلون بالتوليد فى ترتب آثار الاشياء عليها، فان ذلك يوجب التعطيل فيه سبحانه و، الا الاستقلال و الاستبداد فى خلقه و تفويض الامر الى مخلوقاته، و ذلك يلازم الشرك.

بل تلك الافعال تجب و ان تنسب الى نفوس عاقلة عالمة مدبرة مسخرة له تعالى فطرة و جبلة بحيث يكون افعالها كذواتها مرتبطة به تعالى فينسب تلك الافعال اليها و يثبت له تعالى ايضا، فيكون افعالها مع انها افعالها فعله سبحانه اى درجات فعله، الا ترى العين تبصر على الحقيقه من دون شوب مجاز و النفس ايضا تبصر كذلك، فالابصار و السمع و سائر افعال القوى تنسب الى النفس على الحقيقة لان تلك القوى جنودها و خوادمها و عمالها مرتبطة بذواتها بها لانها من مراتب فعلها الواحد السارى فى بدنها. فكل فعل من افعال خلقه سبحانه صدر منهم من جهة ارتباطهم به تعالى، وجهة ارتباط الكل به فعله، فهو فى الحقيقة فعله سبحانه لكن فى درجة ذلك الفاعل الذى فعله من الجهة التى ذكرناها، و لا سيما اذا كان الفاعل مقربا عنده تعالى فانيا فى فعله او صفاته او ذاته مستهلكا فى سطوح نوره و افاضته. قال فى الصافى فى سورة النساء عند تفسيره قوله سبحانه «تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ» : «فى الاحتجاج عن امير المومنين (ع) انه سئل عن قول الله عز و جل «اَللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا» و قوله «قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ» و قوله «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنٰا» و قوله «اَلَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ» فمرة يجعل الفعل لنفسه و مرة لملك الموت و مرة للرسل و مرة للملائكة. فقال (ع): ان الله تبارك و تعالى اجلّ و اعظم من ان يتولى ذلك بنفسه ، و فعل رسله و ملائكته فعله، لانهم بامره يعملون، فاصطفى من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه و هم الذين قال فيهم «اَللّٰهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّٰاسِ» فمن كان من اهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، و من كان من اهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة، و لملك الموت اعوان من ملائكة الرحمة و النقمه يصدرون عن امره و فعلهم فعله و كل ما يأتونه منسوب اليه، فاذا كان فعلهم فعل ملك الموت ففعل ملك الموت فعل الله لانه يتوفى الانفس على يد من يشاء و يعطى و يمنع و يثبت و يعاقب على يد من يشاء، و انّ فعل امنائه فعله كما قال «وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ»

و فى الفقيه «عن الصادق (ع) انه سئل عن ذلك، فقال: ان الله تعالى جعل لملك الموت اعوانا من الملائكة يقبضون الارواح بمنزلة صاحب الشرطة له اعوان من الانس يبعثهم فى حوائجه، و يتوفيهم الملائكة و يتوفيهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو و يتوفيها الله من ملك الموت.» و فى التوحيد «سئل عن امير المومنين (ع) عن ذلك فقال: ان الله تعالى يدبر الامور كيف يشاء و يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء، اما ملك الموت فان الله يوكله بخاصة من يشاء و يوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه و الملائكة الذين سماهم اللّه عزّ ذكره و كلّهم بخاصة من يشاء و من خلقه تبارك و تعالى يدبر الامور كيف يشاء، و ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم ان يفسره لكل الناس لان منهم القوى و الضعيف، و لان منه ما يطيق حمله و منه ما لا يطيق حمله، الا من يسهل الله له و اعانه عليه من خاصة اوليائه و انما يكفيك ان تعلم ان الله هو المحيى المميت و انه يتوفى الانفس على يدى من شاء من خلقه من ملائكة و غيرهم.» اقول: و لغموض هذه المسئله قال (ع) ما قال. و السر فيه ان قابض روح النبات و متوّفيه و رافعه الى سماء الحيوانية هى النفس المختصة بالحيوان، و هى من اعوان الملائكة الموكلة باذن الله لهذا الفعل باستخدام القوى الحساسه و المحركة، و كذلك قابض روح الحيوان و متوفيه و رافعه الى سماء الدرجة الانسانية هى النفس المختصه بالانسان، و هى كلمة الله المسماة بالروح القدس الذى شانه اخراج النفوس من القوة الهيولانيه الى العقل المستفاد بامر الله و ايصال الارواح الى جوار الله و عالم الملكوت الاخروى، و هم المرادون بالملائكة و الرسل، و اما الانسان بما هو انسان فقابض روحه ملك الموت «قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ» و اما المرتبة العقلية فقابضها هو الله سبحانه «اَللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ» «يٰا عِيسىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رٰافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» «يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ» انتهى كلام الصافى

فقد ثبت و تحقق ان تلك الافعال المنظمة المنضده لا يصدر الا عن نفس عاقلة عالمة مدبرة شاعرة بها و بمنافعها الجزئية و الكلية، و ليست هى النفس الانسانية المتعلقة بالبدن فانها و ان كانت عاقلة عالمة مدبرة فى افعالها الاختيارية و لكنها غير شاعرة بتلك الافعال الطبيعيه غير عالمة بمنافعها فطرة، بل لا يحصل لها هذا العلم الا باكتساب بعض العلوم الالهية و الطبيعية، فاذن فاعل تلك الافعال نفس اخرى هى المصورة حقيقة و الغاذية حقيقة و هكذا، و لكنها بمجرد كونها عاقلة لا تكون مباشرة لتلك الافعال الجزئية، فان النفس العاقلة بما هى عاقلة لا يتصرف فى بدن جزئى تصرفا جزئيا الا بخوادم و آلات جزئية، و الا لزم التشبيه فى ذاتها العقلية و التجافى عن مقامها العقلى فيجب ان يكون لها و هم مدرك للمعانى الجزئية و خيال مدرك للصور الجزئية و هكذا الى ان ينتهى الى القوة التى سماها الجمهور بالقوة المصورة، و هكذا الامر فى سائر القوى الطبيعية و افعالها، فتلك النفس لها قوى و آلات جسمانية منبسطة مترتبة فلها جسم يناسبها، فالمصورة مرتبة من مراتب تلك النفس و فعلها مرتبة من مراتب فعلها، فيكون فعلها بعينه فعلها كما ان فعلها بعينه فعل النفس الانسانية اذ ينسب التصوير الى تلك النفس ايضا حقيقة بلا شوب مجاز نسبة طبيعية فطرية لا اختيارية. و تمام السرّ فى ذلك اتصال مراتب قوس نزول الوجود الامكانى اتصالا اتحاديا كما هو قضية امكان الاشرف، و قوس صعوده ايضا كما هو قضية امكان الاخس، و اتصال الصعود بالنزول اتصال المفعول بفاعله القريب المكافىء له فى المرتبة، فان كل مرتبة من النزول فاعل بمعنى ما به لمرتبة يقابلها فى الصعود، و الفاعل بهذا المعنى متحد مع مفعوله اذ الفيض يمر به اولا ثم بمفعوله فهو بالذات فى مرور الفيض و ما بالذات متحد مع ما بالعرض، و الدليل على ذلك ان الصعود بمراتبه مطابق للنزول، و ليست مرتبة من النزول فاعلة بمعنى ما منه الوجود للمرتبة المكافئة لها من الصعود و الابطل التكافؤ و التطابق بينهما، بل الفاعل لها بهذا المعنى هى المرتبة التى هى فوق تلك المرتبة النزولية فى النزول، فان كانت فاعلة من دون توسط تلك المرتبة المكافئة لزم فى جليل النظر صدور الكثير بما هو كثير عن الواحد بما هو واحد، و فى دقيقه كون المرتبة الصعودية بعينها المرتبة النزوليه فان خصوصية المعلول انما هى بخصوص اقتضاء فاعله القريب، و من اجل ذلك قالوا تشخص كل شئ بفاعله و استعداد المادة لا يزيد على تلك الخصوصية شيئا، فانه استعداد لها لا لها مع شى اخر، فيكون فاعلة لها بتوسطها، فيمر الفيض بتلك الواسطة اولا ثم بما يكافئها، فهى واسطة فى مرور الفيض بها وساطة ما بالذات لما بالعرض، و لعلّنا اشرنا الى ذلك فيما سبق ذكره. فالفيض من الحق سبحانه يمر بمراتب النزول و ينزل الى ان يتصل بما هو فى النزول مكافئ لما افيض عليه من الصعود، و لما كانت النفس الصاعدة الانسانى متحدة مع النفس النازلة الملكية كانت القوة المصورة خادمة لهما آلة لفعلهما، و لكنها خادمة للاولى فطرة فقط و للثانية فطرة و اختيارا، فالقوة المصورة مصورة حقيقة بمعنى انها آلة لنفس عاقلة مدبرة هى ملك من الملائكة و كله الله سبحانه بالتصوير، و ذلك الملك ايضا مصور و نفسه قوة مصورة بمعنى انها مباشرة للتصوير موكل به، و الله سبحانه ايضا مصور بمعنى انه تعالى خالق الصور و موجدها، و بوجه النظر الى النظام الكلى الجملى كل من عنده «قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ» «لا جبر و لا تفويض بل امر بين الامرين» .

[[مراتب النفس و قواها محالّ تصرفات نفوس اخرى]]

فتبين مما ذكر ان مراتب النفس و قواها كما انها مراتب تصرفات النفس تصرفات طبيعية فطرية هى غير شاعرة بها، كما فى افعالها الغير الاختيارية و تصرفات اختيارية هى شاعرة بها، كما فى افعالها الاختيارية كذلك هى محال تصرفات نفوس اخرى عالمة شاعرة بافعالها، و تلك النفوس هى الملائكة العالمة العاملة المدبرة الموكلة بتلك الافعال، فللبدن و قواها مخدومان مسخران لهما قاهران عليهما، احدهما النفس الانسانية المتعلقة بهما و الاخر الملائكة الموكلون بهما، و الاول معلوم لكل انسان شاعر بنفسه، بخلاف الثانى فانه مستور على من ليس له معرفة بربه و افعال ربه و جنود ربه، كهؤلاء النفوس التى شهد عليهم جلودهم، و لذلك «قالوا لم شهدتم علينا» مع انكم مسخرون لنا و لم نطقتم بالشهادة و انكم لستم بناطقين قالوا انطقنا بالشهادة الله الذى انطق كل شىء «و لَهُ مَقٰالِيدُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ» اى مفاتيحها لا يملك امرها و لا يتمكن من التصرف فيها غيره و «بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ» اى ما يقوم به ذلك الشى و هو الملك الموكلّ به، فنحن مسخرون له حقيقة و لمن و كلّه بنا من ملائكته و جنوده و ناصيتكم بيده اذ «مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّٰ هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِيَتِهٰا» و لسنا مسخرين لكم الا بتسخرنا له و الجنود و هو قاهر عليكم و على كل شئ. قال العارف البارع الشيخ عبد الرزاق القاسانى قدس سره فى التاويلات فى قوله تعالى «حَتّٰى إِذٰا مٰا جٰاؤُهٰا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ» «اى غيرت صور اعضائهم و صورت اشكالها على هيئة اعمالهم التى ارتكبوها و بدلت جلودهم و ابشارهم فنطق بلسان الحال و تدّل بالاشكال على ما كانوا يعلمون و لنطقها بهذا اللسان قالوا «انطقنا الله الذى انطق كل شئ» اذ لا يخلو شئ ما من نطق بهذا اللسان و لكن الغافلين لا يفقهون.»

و قال فى قوله تعالى فى سورة النور «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ بِمٰا يَفْعَلُونَ» «من فى عالم سموات الارواح بالتقديس و اظهار صفاته الجمالية و من فى عالم اراضى الاجساد بالتمجيد و التعظيم و اظهار صفاته الجلالية، و طير القوى النفسانيه و السرية بالامرين صافات مترتبات فى مراتبها من فضاء السر مستقيمات بنور السكينة لا يتجاوز واحدة منها حده كما قال «وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ» . كل قد علم صلواته و طاعته المخصوصة به من انقهاره و تسخره تحت قهره و سلطنته، عملية كانت او علمية، و هى محافظته لرتبته و حضوره لوجهه تعالى فيما امره (ع)، و تسبيحه اظهار خاصيته التى يتفرد بها الشاهدة على وحدانيته، و الله عليم بافعالهم [و طاعاتهم] . قال فى الصافى فى تفسير هذه الاية: «قال بعض اهل المعرفة قد خلق الله الخلق ليسبحوه فنطقهم بالتسبيح له و الثناء عليه و السجود له فقال «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الطَّيْرُ» الآية و قال ايضا «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ» الاية، و خاطب بهاتين الايتين نبيه الذى اشهده ذلك و رآه فقال: «أَ لَمْ تَرَ» و لم يقل ا لم تروا، فانا ما رايناه فهو لنا ايمان و لمحمد (ص) عيان، فاشهده سجود كل شئ و تواضعه لله و كل من اشهده الله ذلك و رآه دخل تحت هذا الخطاب، و هذا تسبيح فطرى و سجود ذاتى عن تجل تجلى لهم، فاحبوه فانبعثوا الى الثناء عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتى، و هذه هى العبادة الذاتيه التى اقامهم الله فيها بحكم الاستحقاق الذى يستحقه، قال: و ليس هذا التسبيح بلسان الحال كما يقوله اهل النظر ممن لا كشف له. قال و نحن زدنا مع الايمان بالاخبار الكشف، فقد سمعنا الاحجار تذكر الله رؤية عين بلسان تسمعه آذاننا منها و تخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله مما ليس يدركه كل انسان.

اقول : قد سبق فى سورة النحل و بنى اسرائيل زيادة بيان لهذا. و القمى عن الصادق (ع): ما من طير يصادفى بر و لا بحر و لا يصاد شئ من الوحش الا بتضييعه التسبيح . و عن امير المؤمنين (ع): ان لله ملكا فى صورة الديك الاملح الاشهب براثنه فى الارضين السابعة و عرفه تحت العرش له جناحان جناح بالمشرق و جناح بالمغرب، فاما الجناح الذى فى المشرق فمن ثلج، و امّا الجناح الذى فى المغرب فمن نار، فكلما حضر وقت الصلوة قام على براثنه و رفع عرفه تحت العرش، ثم امال احد جناحيه على الآخر يصفق بهما كما يصفق الديك فى منازلكم، فلا الذى من الثلج يطفى النار و لا الذى من النار يذيب الثلج، ثم ينادى باعلى صوته: اشهد ان لا اله الا الله و اشهد ان محمدا عبده و رسوله خاتم النبيين و ان وصيه خير الوصيين، سبوح قدوس رب الملائكة و الروح. فلا يبقى فى الارض ديك الا اجابه، و ذلك قوله عز و جل «وَ الطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ» و فى التوحيد عنه (ع) مثله » انتهى كلامه. اقول: قوله سبحانه «أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» يحتمل ان يكون المراد منه كل شى له قابلية النطق و شانه و استحقاقه كالملائكة و الانسان و الجن. و يحتمل ان يكون المراد كل شىء فى الدار الاخرة، كما قال سبحانه «إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ» بل الحيوة منحصرة فيها كما يدل عليه ضمير الفصل و الخبر المحلى باللام، و صيغة فعلان يدل على المبالغة فى الحيوة، و النفس الحيوانية المتعلقة بالبدن فى الدنيا من نشأة الآخرة ايضا لكن لاتصالها بالبدن اتصالا صعود يا ضعفت حيوتها، و كل حيوان فى النشاة الآخرة حيوان انسانى لكونه متصلا بالنفس الانسانية كالجلود، او بالنفس الانسانية الكلية بحسب ذاتها كما فى النزول او بعد انقباضها الى تلك النفس الانسانية الكلية اتصالا قريبا. و كل حيوان انسانى سالم عن النقص و الفتور ناطق. و يحتمل ان يكون المراد منه كل شى فى الغيب و الشهادة و الدنيا و الآخرة، فان الشهادة و الدنيا متصلة بالغيب و الآخرة اتصالا اتحاديا، و الكل من مراتب الانسان الكبير، و النفس الكلية الالهية سارية فيها كسريان النفس الجزئية الصعودية بقويها و اعضائها على نحو الاتحاد، فالكل متحد بها اذا اخذ لا بشرط، فالجسم الكلى جسمها و محمول عليها اذا اخذ لا بشرط و عزل النظر عن درجتها، كما يحمل البدن على النفس الانسانية اذا اخذ بما هو جسم جنسى لا بشرط لا بما هو مادة مخصوصة جزئية مأخوذة بشرط لا، و كذا يحمل النفس الكلية على الجسم الكلى اذا اخذت لا بشرط و لا يحمله عليها اذا اخذت بشرط لا، بل هذا الاعتبار معتبر فى الموضوع و المحمول فى كلا الحملين، بل فى كل حمل و وضع و حكم كل واحد من المتحدين يصدق على الاخر بنحو الحقيقة، اى الحقيقة فى الاسناد، و ان لم يصدق عليه بالحقيقة العقلية الحكمية، اى بالذات كما يقال بعض الجسم حساس و ناطق اى مدرك للمحسوسات و المعقولات، مع ان الجسم بحسب مقامه و درجة وجوده ليس بحساس و لا بناطق. هذا ما يقتضيه القواعد العقلية الالهية اذا حمل النطق على النطق الانسانى فى الاية الشريفة. و الاقرب ان يحمل النطق على المعنى الاعم منه، كما حمل فى بعض الاخبار المروية فى تفسير بعض الايات الاخر ليكون مطابقا لها. قال الفاضل الكامل النيشابورى عند تفسيره قوله تعالى فى سورة النمل «عُلِّمْنٰا مَنْطِقَ الطَّيْرِ» : «و المنطق يشمل كل ما يصوت به من المفرد و المؤلف مفيد او غير مفيد، و منه قوله نطقت الحمامة، قال المفسرون: انه تعالى جعل الطير فى ايامه مما له عقل، و ليس كذلك حال الطيور فى ايامنا، و ان كل فيها ما الهمه الله تعالى الدقايق التى خصت بالحاجة اليها. يحكى انه مر على بلبل فى شجرة، فقال لاصحابه انه يقول: اكلت نصف ثمرة و على الدنيا العفى، اى التراب، و صاح طاووس فقال: كما تدين تدان، و اخبر ان الهدهد يقول: استغفروا الله يا مذنبون، و القمرى يقول: سبحان ربى الاعلى.» انتهى كلام النيشابورى.

و قال فى الصافى: «و القمى عنه اعطى سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكل لسان و معرفة اللغات و منطق الطير و البهائم و السباع . و فى البصائر عنه (ع) قال امير المؤمنين (ع) لابن عباس: ان الله علمنا منطق الطير كما علم سليمان بن داود و منطق كل دابة فى بر و بحر. و عنه (ع): ان سليمان بن داود قال: علمنا منطق الطير، و اوتينا من كل شى، و قد و الله علمنا منطق الطير، و علم كل شىء. و فى الكافى عن الكاظم (ع) قال: ان الامام لا يخفى عليه كلام احد من الناس و لا طير و بهيمة و لا شئ فيه الروح، فمن لم تكن هذه الخصال فيه فليس بامام. و عن الباقر (ع): وقع عنده زوج ورشان على الحايط و هدلا هديلهما، فرد (ع) عليهما كلامهما ساعة، ثم نهضا فلما طار اعلى الحايط هدل الذكر على الانثى ساعة، ثم نهضا فسئل (ع) ما هذا الطير «فقال: كل شى خلقه الله من طير او بهيمة او شى فيه روح فهو اسمع لنا و اطوع من ابن آدم، ان هذا الورشان ظن بامرأته فحلفت له ما فعلت، فقال ترضى بمحمد بن على فرضيابى، فاخبرته انه لها ظالم، فصدقها . و الاخبار فى هذا المعنى كثيرة» و قال فيه ايضا عند تفسيره قوله تعالى «فَتَبَسَّمَ ضٰاحِكاً مِنْ قَوْلِهٰا» : «من قولها فى العيون عن الرضا (ع) عن ابيه عن آبائه عليهم السلام فى قوله عز و جل «فَتَبَسَّمَ ضٰاحِكاً مِنْ قَوْلِهٰا» قال: لما «قٰالَتْ نَمْلَةٌ يٰا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسٰاكِنَكُمْ لاٰ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمٰانُ وَ جُنُودُهُ» و حملت الريح صوت النملة الى سليمان، و هو مارّ فى الهواء و الريح قد حملته، فوقف و قال علىّ بالنملة، فلما اتى بها قال سليمان: يا ايتها النملة اما علمت انى نبى الله و انى لا اظلم احدا «قالت النملة: بلى. قال سليمان: فلم تحذرهم ظلمى و قلت «يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم»؟ «قالت النملة: خشيت ان ينظروا الى زينتكم فيفتتنوا بها فيعبدوا غير اللّه عز و جلّ ثم قالت النملة: انت اكبر ام ابوك‌؟ قال سليمان: بل ابى داود. قالت النملة: فلم زيد فى حروف اسمك حرف على حروف اسم ابيك داود؟ قال سليمان: ما لى بهذا علم. قالت النملة: لان اباك داود (ع) داوى جرحه بوّد، فسمى داود و انت يا سليمان ارجو ان تلحق بابيك. ثم قالت النملة: هل تدرى لم سخرت لك الريح من بين ساير المملكة‌؟ قال سليمان: ما لى بهذا علم. قالت النملة: يعنى عزّ و جلّ بذلك لو سخرّت لك جميع المملكة كما سخرّت لك هذه الريح لكان زوالها من بين يديك كزوال الريح. فحينئذ «فتبسم ضاحكا من قولها». اقول: و لعل النملة ارادت بقولها «لان اباك داود داوى جرحه بود» ان اسم ابيك كان ذلك فخفف و انما عبرت عنه بهذه العبارة اشارة الى علة التسمية و على هذا يزيد اسم ابيه على اسمه.» قال فيه ايضا فى سورة بنى اسرائيل عند تفسيره قوله تعالى «وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لاٰ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» : «فى الكافى، و العياشى عن الصادق (ع): تنقض الجدر تسبيحها. و عنه (ع) ما من طير يصاد الا بتضييعه التسبيح . و عن الباقر (ع) انه سئل: اتسبح الشجرة اليابسة‌؟ فقال: نعم اما سمعت خشب البيت كيف ينقض و ذلك تسبيحه لله تعالى فسبحان الله على كل حال. اقول: و ذلك لان نقصانات الخلايق دلايل كمالات الخالق و كثراتها، و اختلافاتها شواهد وحدانيته و انتفاء الشريك عنه و الضد و الندّ، كما قال امير المؤمنين (ع) «بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له، و بتجهيره الجوهر عرف ان لا جوهر له، و بمضادته بين الاشياء عرف ان لا ضد له، و بمقارنته بين الاشياء عرف ان لا قرين له» الحديث. فهذا تسبيح فطرى و اقتضاء ذاتى نشأ عن تجلّ تجلى لهم فاحبوه فانبعثوا على الثناء عليه من غير تكليف، و هى العبادة الذاتية التى اقامهم الله فيها بحكم الاستحقاق الذى يستحقه جل جلاله.» انتهى. قال الشيخ المتأله العارف فى الفصوص فى الفص السليمانى «و ما ثم الا حيوان الا انه بطن فى الدنيا عن ادراك بعض الناس و ظهر فى الآخرة لكل الناس فانها الدار الحيوان، و كذلك الدنيا الا ان حياتها مستورة عن بعض العباد ليظهر الاختصاص و المفاضلة بين عباد الله بما يدركونه من حقايق العالم.»

و قال الفاضل العارف القيصرى فى شرحه «اعلم ان سريان الهوية الالهية فى الموجودات كلها اوجب سريان جميع الصفات الالهية فيها من الحيوة و العلم و القدرة و السمع و البصر و غيرها كليها و جزئيها، لكن ظهر فى بعضها بكل ذلك كالكمل و الاقطاب و لم يظهر فى البعض، فظن المحجوب انها معدومة فى البعض، فسمى البعض حيوانا و البعض جمادا فالشيخ رضوان الله عليه نبه ان الكل حيوان ما، ثم من لا حيوة له، ثم نبه بقوله «الا انه بطن عن ادراك بعض الناس» على ان كونه حيوانا ليس باطنا فى نفس ذلك الشىء حتى تكون له الحيوة بالقوة [لا بالفعل كباقى الصفات بل هو حيوان بالفعل و ان كان باقى صفاته بالقوة]، و ظهر فى الاخرة كونه حيوانا لكل الناس، فانها الدار الحيوان لذلك تشهد الجوارح بافعال العبد فى الآخرة. و كذلك الدنيا حيوان و حيوتها ظاهرة لكن للكمّل كما قال امير المؤمنين (ع): كنا فى سفر مع رسول الله (ص) ما استقبلنا حجر و لا شجر الا سلّم على رسول الله صلى الله عليه و آله فظهر بادراك الحقايق و لوازمها و صفاتها الاختصاص و المفاصلة بين عباد الله.» انتهى كلامه. اقول: ان اريد بالهوية الالهية الذات الواجبة التى هى واجبة بذاتها و لذاتها فسريانه فى الموجودات بنفسها غير مطابق للقواعد الحكيمة، بل السارى فى الموجودات انما هو فعله سبحانه، و يمكن تسمية فعله سبحانه بالهوية الالهية نظرا الى انه داخل فى مفهوم اسم الله الجامع لجميع الصفات الذاتية و الفعلية الاضافية، و الصفات الفعلية يرجع الى صفة واحدة هى القيومية المطلقة، و هى عين فعله سبحانه، فان فعله تعالى بوجهه العالى هو ظهوره تعالى بصفاته و اسمائه، و معرفة الظهور بما هو ظهور بعينها معرفة الحقيقة الظاهرة بوجه الوجه لا بوجه الكنه، و الحقيقة الظاهرة جامعة لجميع الصفات الكمالية بوجه الوحدة و البساطة، فظهورها بما هو ظهورها ايضا جامع لجميع تلك الصفات بصورة الوحدة النازلة منزلتها عن مرتبة وحدة تلك الحقيقة الظاهرة، فتكون محدودة بحد اول من مراتب المحدودية، و لما كانت من الصفات الكمالية المبدئية الذاتية ظهر فى ذلك الظهور المحدود عكس تلك المبدئية و ترتب عليه اثرها، فيترشح منها مرتبة اخرى محدودة بحد انزل من الحد الاول، و هكذا تنزل الامر و الوجود الى ان ينتهى الى حد وجودى لاحد دونها و لا فعلية وجودية انقص منها. و قضية المناسبة الذاتية التامة بين كل مرتبة و مرتبة اخرى متصلة بها الاتحاد بينهما، و لا يتصور بينهما مرتبة اخرى اتم مناسبة لكل من الطرفين من كل منهما، فاذن المراتب كلها متحدة فى الوجود، و ذلك الوجود هو فعله سبحانه، فليست تلك المراتب الا مراتب فعله، فلا موجد فى الوجود الا هو. و قد يسمى بعض تلك المراتب بالروح، و بعضها بالملك، كما قد يسمى بعضها بالجبروت، و بعضها بالملكوت، و بعضها بالناسوت، و كذا قد يسمى بعضها بالعقل، و بعضها بالنفس، و بعضها بالطبع، و كذا قد يسمى بعضها بالغيب، و بعضها بالشهادة، فبنزول فعله تعالى يتنزل الصفات التى هى عينها، فيتنزل العلم الى علم لا يتصور من حقيقة العلم مرتبة دونها، فيكون علما ضعيفا مشوبا بالجهل غالبا عليه جهاته بحيث لا يسمى عند الجمهور بالعلم، و لذلك لا يسمى بالعقل و لا بالحس. فالتسبيح فى تلك المرتبة لا يكون تسبيحا شعوريا استشعاريا، بل اما تسبيح فطرى ذاتى كما قال (ع) «بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له» ، و اما تسبيح شعورى استشعارى، و ذلك لا يتصور الا فى الملك الموكل بتدبير امر ذلك الشئ الذى لا شعور له، و ملكوت كلى شى ليس هو الا ملكه الشاعر باموره المدبر لها و المتصرف فيه باذن ربه، كما ان ناصية كل شئ ليس هو الا ذلك الملك بعينه، و هو بوجه المحدودية بيد الله تعالى، و لذلك قال سبحانه «فَسُبْحٰانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ» و بوجه الاطلاق هو يد الله الباسطة و قدرته النافذة و فعله السارى. فاخبار بعض اهل المعرفة عن نفسه بانه يسمع تسبيح هذه الاشياء، لا يصح الا بحمل سمعه على ما يمكن به ان يسمع كلام الملائكة و نطقهم، او بحمل التسبيح فى كلامه على اصوات يناسب تسبيح الملائكة. فيكون صوت كل طائر مثلا مناسبا بذاته لنطق ملكه الموكل به، بحيث اذا نزل نطقه الى مقام الطائر المناسب له صار بعينه صوت ذلك الطائر، و اذا سعد ذلك الصوت يكون بعينه نطق ذلك الملك، فيفهم كل من هو عالم بتلك المناسبة الذاتية من اصوات الطيور مقاصدهم، كما قال سليمان (ع) «عُلِّمْنٰا مَنْطِقَ الطَّيْرِ» فافهم ذلك كله، ايدك الله بتاييداته. ***

[[بداهة المعاد الجسمانى على تقريرنا]]

واعلم ان المعاد الجسمانى على الوجه الذى ذكرناه لا يحتاج الى برهان عند المسلمين، فانه من ضروريات الدين. و البرهان العقلى عليه حجة لنا على من هو خارج عن ملتنا، بل عن ساير الملل الحقه ايضا، اذا يمكن بقوة الحدس ان يحكم على انه من ضرورياتها ايضا، و لذلك ما تصدى الحكماء الالهيون باثباته و اقامة البرهان عليه. و انا الى هذه الغاية لم اقف على انكار احد من ناقصيهم للمعاد الجسمانى مطلقا فضلا عن الكاملين، و كيف يتصوّر ذلك منهم مع ان اثبات النبوة المطلقة العامة و المقيدة الخاصة من عمدة المسائل و اعظم المقاصد فى كتبهم، اذ من اثبت نبوة نبى (ص)، ثم انكر ما هو مما جاء به ضرورة و مركوزا فى اذهان كل من تدين بدين ذلك النبى لا يكون الا مجنونا خارجا عن التكليف، فان ذلك يلازم ادعائه و زعمه انه اعلم و افهم من نبيه الذى اثبت نبوته بالبرهان، فاذا ثبت جنونه بذلك فالمعترض عليه فى ذلك ايضا لا يخلو من شئ. و من يدعى انه وقف على ذلك من واحد منهم مع كونه عالما بلسانهم و مصطلحاتهم و تتبعا فى كلماتهم و كتبهم فنلتمس منه ان يرينا لنطلع عليه. نعم قد يظهره العجز عن اقامة البرهان عليه عقلا، و اين هو من انكاره تدينا و شرعا؟ قال رئيس الحكماء الاسلاميين ابو على بن سينا قدس سره فى المقالة التاسعة من الهيات الشفاء فصل فى المعاد: «و بالحرى ان نحقق هيهنا احوال الانفس الانسانية اذا فارقت ابدانها، و انها الى اية حالة [ستصير]، نقول يجب ان يعلم ان المعاد منه ما هو مقبول من الشرع، و لا سبيل الى اثباته الا من طريق الشريعة و تصديق خبر النبوة، و هو الذى للبدن عند البعث، و خيرات البدن و شروره معلوم لا يحتاج الى ان تعلم، و قد بسطت الشريعة الحقة التى اتانا بها سيدنا و نبينا و مولينا محمد بن عبد الله (ص) حال السعادة و الشقاوة التى بحسب البدن.

و منه ما هو مدرك بالعقل و القياس البرهانى، و قد صدقته النبوة و هو السعادة و الشقاوة الثابتتان بالقياس اللتان للانفس، و ان كنت الاوهام منا يقصر عن تصورها الان لما نوضح من العلل؛ و الحكماء الالهيون رغبتهم فى اصابة هذه السعادة اعظم من رغبتهم فى اصابة السعادة البدنية، بل كانهم لا يلتفتون الى تلك، و ان اعطوها، و لا هو يستعظمونها فى جنبة هذه السعادة التى هى مقاربة الحق الاول على ما سنصفه عن قريب، فلنعرف حال هذه السعادة و الشقاوة المضادة لها، فان البدنية مفروغ عنها فى الشرع.» انتهى و قال صدر الحكماء المتألهين المصنف قدس سره فى الباب السادس من مباحث النفس من هذا الكتاب فى فصل عقده لبيان الشواهد السمعيه من الكتاب و السنة على تجرد النفس الناطقة الانسانية: «و لنذكر ادلة سمعية لهذا المطلب حتى يعلم ان العقل و الشرع متطابقان فى هذه المسئلة كما فى ساير الحكميات، و حاشى الشريعة الحقة الالهية البيضاء ان يكون احكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية، و تبّا لفلسفة يكون قوانينها غير مطابقة للكتاب و السنة.» و سيقول فى مباحث اثبات المعاد الجسمانى من هذا الكتاب ايضا بعد ذكره مقدمات اثباته: «فصل فى نتيجه ما قدمناه و ثمرة ما اصلّناه اقول: ان من تأمل و تدبر فى هذه الاصول و القوانين العشرة التى احكمنا بنيانها و شيّدنا اركانها ببراهين ساطعة و حجج قاطعة لامعة، مذكورة فى كتبنا و صحفنا سيما هذا الكتاب، تأملا كافيا و تدبرا وافيا، بشرط سلامة فطرته عن آفة الغواية و الاعوجاج، و مرض الحسد و العناد، و عادة العصبية و الافتخار و الاستكبار، لم يبق له شك و ريب فى مسئلة المعاد و حشر النفوس و الاجساد، و يعلم يقينا و يحكم بان هذا البدن بعينه يحشر يوم القيامة بصورة الاجساد، و ينكشف له ان المعاد فى المعاد مجموع النفس و البدن بعينهما و شخصهما، و انّ المبعوث يوم القيامة هذا البدن بعينه لا بدن آخر مباين له.» انتهى فتأمل فى المقدمات التى ذكره هذا الجليل، لئلا يشتبه عليك نتيجتها.

فليكن هذا آخر ما اردنا بيانه فى هذا التعليق. و التوفيق من الله سبحانه خير رفيق. و انما بيّنا كيفية المعاد هيهنا على هذا القدر من الاختصار، مع ارادتنا ان نعلق تعليقات على تفصيل مسائل المعاد من هذه الكتاب المستطاب، لعدم الاطمينان ببقاء العمر و مزيد التوفيق. و اسئل الله ان يبقى عمرى و وفقنى لذلك. و هو حسبى و نعم الوكيل


الف: «تمت هذه التعليقات الشريفه من افادات الاستاد الاعظم و المولى المعظم العارف الواصل و السالك الى الله فخر الحكماء المتألهين قدوة العلماء المحققين نخبة الفضلاء المدققين العالم الفاضل و الكامل الباذل الحبر الملىّ الكيّس جناب آقا على المدرس ادام الله تعالى ايام افاضاته و امد الله ظلال افاداته. كتبه العبد الاثيم لوالدى العزيز الشهيم الفهيم الحاج ميرزا ابراهيم وفقه الله تعالى لتحصيل مراضيه، و قد صادف اتمامها يوم السبت ثانى عشر من شهر جمادى الاولى من عام اثنين و ثلثمائة بعد الالف 1302 [ه‍. ق]». ع: «قد تمت الرساة المؤلفة للفيلسوف الاعظم و العالم المعظم افتخار الحكماء و المتألهين فخر العلماء و المدققين زبدة الفضلاء و المحققين جامع المعقول و المنقول حاوى الفروع و الاصول، الحكيم العارف الفاضل، البدر اللامع و النور الساطع و المحقق البارع، البحر المواج المتلاطم الذى بحقائق المعارف الدينية و الحكم الاسلامية نعم المؤسس مولانا و استادنا و معتمدنا جناب آقا على المدرس مد الله ظله و ايام افاضاته، على يد الاقل عبد العلى العراقى الگرمرودى فى سنة 1302 [ه‍. ق.]». ش: «و قد صرت مأمورا من جناب حضرت المصنف - الذى هو فى عصره فريد و فى عهده وحيد، مفتاح العلم و لسانه، [نور] العقل و ضيائه، حاوى فنون الفضائل. مجمع العوارف و الفواضل، عالم محقق، فاضل مدقق، قدوة العلماء الراسخين، زبدة الحكماء الالهيين، المدح فى حضرته قدح اذ لا يحيط بكنه صفاته مدح، مولانا و مقتدانا آقائى، آقا على المشهور بالمدرس ادام الله افاضاته على رؤس العالمين - بتسويد هذه الاوراق و تصحيحه فى شهر جمادى الاولى سنة  1307 [ه‍. ق] و انا الجانى الآثم، سمىّ الخامس من الخمس.» ص: «هذه الحاشية من رشحات الفيلسوف الاعظم و تعليق من تعليقات العالم المعظّم صدر الحكماء و المتألهين فخر العلماء و المتشرعين زبدة الفضلاء و المحققين جامع المعقول و المنقول حاوى الاصول و الفروع، الحكيم العارف الكامل الفاضل العامل، الدرّ اللامع و النور الساطع و المحقق البارع البحر المواج المتلاطم، الذى بحقائق المعارف و الحكم و الشرع [واقف]، نعم المؤسس مولانا و استادنا و معتمدنا اعنى جناب آقا على المدرس مد اللّه ظلّه العالى ايام افاضاته على رؤوس المحققين فى علم العقل و الحكمة و المعارف الالهيه.» ح: «كتبها لعبد المحتاج الى رحمة الملك الغنى ابو القاسم الجيلانى فى دار الخلافة طهران، اصانها الله عن آفات الدوران فى شهر رجب المرجب من شهور سنة 1310 من الهجرة النبوية.»

 




*******************

سوال
Friday - 23/10/2020 - 15:3

سلام علیکم

آیا مرحوم ملاصدرا با توجه به کتاب اسفار قائل به معاد جسمانی هستند؟

سلام علیکم
قائل بودن به معاد جسمانی، غیر از توجیه برهانی آنست، حاجی در منظومه میفرمایند: ابن سینا میگوید نمیتوانم معاد جسمانی را از طریق برهان ثابت کنم، سپس اضافه میکنند نه اینکه قبول نداشته باشد، حاشاه عن ذلک، یعنی ابن سینا منزه از اینکه معاد جسمانی را قبول نداشته باشد، همانجا خود ابن سینا میگوید مخبر صادق خبر داده هر چند نتوانم برهان برای آن اقامه کنم، صاحب اسفار افتخار میکند که توانسته معاد جسمانی را برهانی کند، اما چقدر موفق بوده و چقدر در کتب مختلفش متفاوت سخن گفته، حرف دیگری است، معاد جسمانی ثابت شده توسط برهان اسفار، بخش کوچکی از مباحث معاد جسمانی است، و بخش اعظم آن ثابت نشده است، و بخش مهم آن در بیانات آقاعلی مدرس ثابت شده، هر چند ارادتمندان به صاحب اسفار همگی موافق آقاعلی نیستند، و اختلافات و کلمات نسبتا معروفی دارند، آقاعلی در رساله سبیل الرشاد بر طبق روایت احتجاج و مبنای حرکت جوهریه مشی کردند.









فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است