صفحه اصلي مباحث لغت


الرَّحْمنِ

ر
رحم
رحمن
رحيم









بِسْمِ 


اللَّهِ 


الرَّحْمنِ 


الرَّحِيمِ



مفردات القرآن للفراهي (ص: 185)
(18) الرحمن
اسم مخصوص بالرب تعالى. والعرب عرفته، ولم يُسَمَّ له غيرُ الله إلا "رحمن اليمامة" (1) ولكن بغير حرف التعريف. فكلمة "الرحمن" لم يعرفوا بها إلا الله تعالى. فهو قريب من اسم الذات (2).
وزعم أكثر الناس خلاف ذلك، فظنّوا أن العرب لم تعرف هذا الاسم لله تعالى (3). ومتمسكهم قوله تعالى:
__________
(1) هو مُسَيلمِة بن ثمامة الحنفي الوائلي، ولد ونشأ باليمامة، ادعى النبوة وقتل سنة 12 هـ وهو ابن مائة وخمسين سنة. انظر ترجمته في المعارف: 405، والأعلام في 7: 226.
(2) قال المقدسي في البدء والتاريخ 1:61 وهو يحتج على إثبات الباري عز وجل بأنه لا يخلو لسان أمة من الأمم إلا وهم يسمونه بخواص من أسمائه عندهم، ومستحيل وجود اسم لا مسمى له:
"فمن ذلك قول العرب له "الله" مفرداً من غير أن يشاركوه في هذا الاسم بأحد من معبوداتهم لأنه خاص له عندهم. وكانوا يطلقون على غيره على التنكير. وأما "الرب" بالتعريف و"الرحمن" فلم يكونوا يجيزونه إلا لله تعالى. وإنما تسمى مسيلمة الكذاب بالرحمن مضادة لله جل وعزّ، ومعاندة لرسوله عليه السلام. ذلك مشهور مستفيض في قوافي أوائلهم قبل قيام الإسلام. فمن ذلك قول بعضهم في الجاهلية:
ألاَ ضرَبَتْ تلِكَ الْفَتاةُ هَجِينَها ... ألاَ قَطَعَ الرَّحْمنُ مِنها يَمِينَها
فأضاف فعل القطع إلى الرحمن لأنه أراد به الدعاء، وعلم أنه لا يجيب الدعاء إلا الله".
(3) انظر تفسير سورة الفرقان في معاني الفراء 2: 270، والكشاف 3: 98، والعجب منه - وهو اللغوي الأديب- أنه قال: {وَمَا الرحَمَنُ} يجوز أن يكون سؤالاً عن المجهول بما ويجوز أن يكون سؤالاً عن معناه، لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما استعمل الرحيم والرحوم والراحم"! والحق أن استعمال "الرحمن" في كلام العرب أكثر من استعمال "الرحوم". ونقل النسفي كلام الزمخشري بحروفه وزاد في أوله (3: 385): "أي لا نعرف الرحمن فنسجد له، فهذا سؤال عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم"! وقال الرازي في مفاتيح الغيب (24: 105): "يحتمل أنهم جهلوا الله تعالى، ويحتمل أنهم وإن عرفوه لكنهم جحدوه، ويحتمل أنهم وإن اعترفوا به، لكنهم جهلوا أن هذا الاسم =




مفردات القرآن للفراهي (ص: 186)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (1).
والتأويل عندي غير ما فهموه، كما سنذكره بعد إثبات أن العرب عرفت هذا الاسم للرب تعالى (2).
[1] قال حاتم الطائي (3):
يَقُولُونَ لِي أهْلَكْتَ مَالَك فَاقْتَصِدْ ... وَمَا كُنتُ لَولاَ مَا تقولونَ سَيِّدَا
كُلُوا الآنَ مِنْ رِزْقِ الإلهِ وأيْسِرُوا ... فإنَّ عَلَى الرَّحْمنِ رِزْقكُمُ غَدَا (4)
__________
= من أسماء الله تعالى. وكثير من المفسرين على هذا القول الأخير، قالوا: الرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة والعرب ما عرفوه"! وهذا القول الأخير قول الزجاج انظر معاني القرآن له 4: 73 و (اللسان رحم) وانظر ابن كثير 6: 129.
(1) سورة الفرقان، الآية: 60.
(2) لم يذكر تأويله هنا. وردَّ الطبري على القائلين بأن العرب لم يعرفوا "الرحمن" ردّاً مفحماً فقال (1: 131 - شاكر):
"وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف "الرحمن"، ولم يكن ذلك في لغتها، ولذلك قال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} إنكاراً منهم لهذا الاسم، كأنه كان محالاً عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته، أو لا، وكأنه لم يتل من كتاب الله قول الله {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} يعني محمداً {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} سورة البقرة: 146 - وهم مع ذلك به مكذبون ولنبوته جاحدون، فيعلم بذلك أنهم كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء ... " ثم أنشد الطبري بيتين، ثانيهما لسلامة بن جندل السعدي. وعلق على قول الطبري العلامة محمود محمد شاكر فقال: "لا يزال أهل الغباء في عصرنا يكتبونه، ويتبجَّحون بذكره في محاضراتهم وكتبهم نقلاً عن الذين يتتبعون ما سقط من الأقوال، وهم الأعاجم الذين يؤلفون فيما لا يحسنون باسم الاستشراق، ورد الطبري مفحم لمن كان له عن الجهل والخطأ ردة تنهاه عن المكابرة" وانظر القرطبي 1: 90.
(3) هو حاتم بن عبد الله الطائي. يضرب به المثل في الجود والكرم، ابنه عدي بن حاتم صحابي جليل مشهور. وكان حاتم شاعراً جيد الشعر.
ابن قتيبة: 241 - 249، الأغاني 17: 278 - 304، الكامل لابن الأثير 1: 606 - 608، الخزانة 3: 127 - 130.
(4) البيتان من قصيدة في ديوانه: 231. وفيه: "اليومَ" مكان "الآن".



مفردات القرآن للفراهي (ص: 187)
(2) وقد كانوا يسمون بعبد الرحمن في أيام الجاهلية مثل ... (1).
__________
(1) بياض في الأصل. وممن سمي "عبد الرحمن" في الجاهلية:
1 - عبد الرحمن بن عامر بن عُتوارة. قال ابن الكلبي: "وقد سمَّت العرب في الجاهلية "عبد الرحمن"، سمى عامر بن عُتوارة ابنه عبد الرحمن" انظر الاشتقاق:58. وهو عند ابن حزم في جمهرة الأنساب 182: ابن عتوارة بن عامر. قال: وهو أول من سُمّي في الجاهلية عبد الرحْمن.
2 - عبد الرحمن بن جُمانة المحاربي، أحد بني طريف بن خلَف بن محارب بن خَصَفة. نصّ على كونه جاهلياً في اللسان والتاج (حرم) وله شعر في نوادر ابن زيد: 440، وفي المؤتلف عن ثعلب في أماليه. وهو غير عبد الرحمن بن جمانة الباهلي الذي ورد شعره في رثاء قتية الباهلي في تاريخ الطبري 6: 521 والبلدان (بلنجر) على أنني أخشى أن يكون الصواب في الثاني عبد الملك، فإن الآمدي لم يذكر فيمن يقال له ابن جمانة إلا عبد الرحمن المحاربي وعبد الملك الباهلي وبشاراً العبسي. والأبيات التي وردت في الطبري عُزِيت في النقائض: 363 إلى "جمانة بن عبد الملك"، رجل من بني أوس بن معن بن مالك" والصواب إن شاء الله: عبد الملك بن جمانة. وقد صرح السكري بأن جمانة أمّه- انظر المؤتلف: 109.
3 - عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري. قتله أبو قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أغار عبد الرحمن على إبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقتل راعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل. رواه إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد (النووي 12: 421) وأحمد 52:4 - 54، وابن سعد في طبقاته: 2: 81 - 84. وانظر سيرة ابن هشام 281:3 وقد كتب إليّ بهذا الاسم قديماً الشيخ العلامة حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله قبل أن أعثر على نص ابن الكلبي في الاشتقاق (ط وستنفلد). فلما لقيته لأول مرة في دلهي سنة 1401 هـ وأخبرته بالنص المذكور فرح وعاتبني على عدم إفادته به. ثم لم يتفق لي لقاؤه حتى توفي سنة 1412 هـ.
4 - سمى ابن سلام في طبقات فحول الشعراء: 131 جد سلامة بن جندل "عبد الرحمن" وغيره يقول: "ابن عبد". يقول الأستاذ محمود محمد شاكر: "فإن صحت رواية ابن سلام فهي دليل آخر قوي على فساد دعوى الشنقيطي" (يعني أن العرب لم يعرفوا الرحمن). وتأمل بعد ذلك قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه، وهو يذكر اختلافهم في اسمه: "اختلف في اسمه، فقيل: ... وقيل: "عبد الله"، وقيل "عبد الرحمن". وجميعها محتمل في الجاهلية والإسلام إلا الأخير، فإنه إسلامِيّ جزماً"! انظر الإصابة: رقم 10674.




مفردات القرآن للفراهي (ص: 188)
(3) والقرآن أنزِل بلسان قوم نبينا، وحينئذٍ كيف يستعمل اسماً لمعنى جديد؟
[4] (1) ثم القرآن نقل عن المشركين تسميتهم الرب تعالى باسم "الرحمن". وذلك قوله تعالى:
{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} (2).
وقال أعشى قيس:
وَلاَ جَعَلَ الرَّحْمنُ بَيْتَكَ فِي الْعُلاَ ... بِأجْيَادَ غَرْبِيَّ الصَّفَا وَالْمُحَرَّمِ (3)
[قال المثقِّب العَبْدي (4):
لَحَى الرَّحْمنُ أَقْوَاماً أَضاعُوا ... عَلَى الوَعْوَاعِ أفرَاسِي وَعِيسِي (5)
__________
(1) لم يرد الرقمان 1 و4 في الأصل ولا المطبوعة، فزدتهما.
(2) سورة الزخرف، الآية: 20. وانظر التعليقات التفسيرية: 396 ومثله قوله تعالى حكاية عنهم في سورة الأنبياء: 26 {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وانظر كذلك سورة مريم: الآية 88.
(3) البيت من قصيدته التي يهجو بها عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، وصلة البيت قبله:
فَمَا أَنْتَ مِنْ أهْلِ الحَجُونِ وَلاَ الصَّفَا ... وَلاَ لَكَ حَقُّ الشُّرب مِنْ مَاءِ زَمزَمِ
ديوانه: 159، والبيت وحده في اللسان (جيد) والإتقان 88:2 ومع بيت آخر في البلدان 1:104، والعجز وحده في اللسان (حرم) أجياد: موضع بمكة يلي الصفا، المحرَّم: الحرم، قاله الليث.
(4) اسمه عائذ بن مِحْصَن بن ثعلبة -وكان أبوه مِحْصن زعيماً كبيراً في عصره، وقد لقب بالمُصْلِح لسعيه في الصلح بين بكر وتغلب- والعَبْدي نسبة إلى عبد القيس أحد أجداده. وهو شاعر جاهلي قديم من شعراء البحرين. كان في زمن عمرو بن هند. و "المثقِّب" بكسر القاف، وقيل: بفتحها.
ابن سلام: 329 - 332، ألقاب الشعراء: 316، ابن قتيبة: 60، شرح المفضليات للأنباري: 574. المرزباني: 167 - 168، شرح الأبيات: 2: 15.
(5) البيت من ثلاثة أبيات وردت له في معجم البلدان 5: 380، وانظر ملحق الديوان: 57 الوَعْواعُ: اسم موضع.



مفردات القرآن للفراهي (ص: 189)
وقال سُوَيد بن أبي كاهل اليَشكري (1):
كَتَبَ الرَّحْمنُ وَالْحَمْدُ لَهُ ... سَعَةَ الأَخْلاَقِ فِينَا وَالضَّلَعْ (2)] (3)
__________
(1) شاعر متقدم من المخضرمين. وهو من المعمرين: عمر في الإسلام حتى أدرك الحجاج ابن يوسف.
ابن سلام:152 - 153، ابن قتيبة: 421 - 422، الأغاني 13: 100 - 106، الإصابة: 3725، الخزانة 6: 125 - 126.
(2) البيت من مفضليته التي قال فيها الأصمعى إن العرب كانت تفضلها، وتقدمها، وتعدّها من حكمها، ثم روى عن "عيسى بن عمر أنها كانت في الجاهلية تسمى "اليتيمة". انظر المفضليات: 197، وشرح الأنباري: 399 والتبريزي: 867 - 920، والبيت في اللسان (ضلع) والعجز وحده في المقاييس 3: 369. الضّلَع: من الاضطلاع بالأمور.
(3) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من شواهد المؤلف التي أشار إليها في نسخته من شعراء النصرانية.
ومن شواهد الرحمن:
1 - قال سَلامَة بن جندل السعدي من قصيدة:
عَجِلْتُمُ عَلَيْنَا عَجْلَتَينَا عَلَيكُمُ ... وَمَا يَشَأِ الرَّحمنُ يَعْقِدْ وَيُطْلِقِ
كذا في الطبري 1: 131 (شاكر)، واحتج به على معرفة العرب للرحمن. وفي ديوانه: 184 والأصمعيات: 152 "حِجّتَين عليكم". قال الأصمعي: سنتين كانتا عليهم.
2 - وقال الشنفرى:
ألا ضربتْ تلك الفتاةُ هجينَها ... ألا قضَبَ الرحمنُ ربّي يمينَها
أورده الطبري قائلاً: "قد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء". وذكر الأستاذ محمود شاكر أن ابن سيده استشهد به في المخصص 17:152 ثم نقل تعليق الشنقيطي على البيت، وردّ عليه. والبيت للشنفرى نسبه إليه ابن الكلبي، وقال: "وقد روي بيت في الجاهلية ولم ينقله الثقات، وهو للشنفرى" انظر الاشتقاق: 59 والبدء والتاريخ: 1: 61.
3 - وقال بلعاء بن قيس الكناني -جاهلي- من أربعة أبيات في أسماء خيل العرب لأبي محمد الأعرابي 39:
قدَرَ الرحمنُ أن ألقاكمُ ... عارضاً رمحي على مَتْنِ الأغَرّْ
4 - وقال خداش بن زهير في يوم الفجار من أبيات في الأغاني 76:22:
أتتنا قريشٌ حافلِين بجمعهم ... عليهم من الرحمن واقٍ وناصِرُ
وهي في المفضليات: 365 والأصمعيات: 217 لعوف بن الأحوص. ورواية البيت == فيهما خالية من الشاهد.
5 - وقال قيس بن الحِدادية -وهي أمه، وقيس شاعر جاهلي قديم- من قصيدة نقلها صاحب الأغاني (14: 151) من كتاب لأبي عمرو الشيباني:
شكوتُ إلى الرحمن بُعدَ مزارِها ... وما حَمّلتْني وانقطاعَ رجائيا
6 - وقال رُشَيد بنُ رمَيض العَنَزي، وهو شاعر مخضرم:
جاءت هدايا من الرحمن مرسلةً ... حتّى أنيخت لدى أبياتِ بسطامِ
يريد بسطام بن قيس الشيباني من أشهر فرسان العرب في الجاهلية، أدركَ الإسلام ولم يسلم. انظر شعراء النصرانية: 258 والأعلام 2: 51.
7 - وقالت هند بنت عتبة -قبل إسلامها- لرملة بنت شيبة بن ربيعة، وهي من المهاجرات:
لحى الرحمن صابيةً بِوَجٍّ ... ومكةَ عند أطراف الحَجونِ
تدين لمعشرٍ قتلوا أبَاها ... أقتلُ أبيكِ جاءكِ باليقين
انظر الاستيعاب 2: 730 وأسد الغابة: 6925 والإصابة: رقم 11186. وجّ: هو الطائف، انظر البلدان 5: 361.