بسم الله الرحمن الرحیم

کلمات السید ابي القاسم الخوئي قده در باره قراءات

فهرست مباحث علوم قرآنی
قائلین به تعدد قراءات از علمای شیعه پس از قرن یازدهم
کلمات امین الاسلام طبرسي قده صاحب مجمع در باره قراءات
اسناد قراءات نزد علماي شيعه



التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي (3/ 572)
وقال الطبري عن يريدة الاسلمي انه قرأ (عابد الطاغوت) فهذه ثمانية أوجه، لكن لايقرأ إلا بقرائتين أو ثلاثة، لان القراء ة متبوعة يؤخذ بالمجموع عليه، قال الفراء (عبد) على ما قرأ حمزة إن كانت لغة فهومثل حذر وحذر، وعجل وعجل فهو وجه والا


التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي (1/ 62) القراءة: أجمع القراء السبعة على كسر الغين وضم التاء وروي عن بعض القراء فتح الغين وعن الحسن ضم الغين وحكي عن عاصم في الشواذ: غشاوة بنصب التاء ولايقرأ بجميع ذلك.


تفسير مجمع البيان - الطبرسي (1/ 34)
قالوا: وإنما اجتمع الناس على قراءة هولاء، واقتدوا بهم فيها لسببين. أحدهما:
إنهم تجردوا لقراءة القرآن، واشتدت بذلك عنايتهم مع كثرة علمهم، ومن كان قبلهم، أو في أزمنتهم، ممن نسب إليه القراءة من العلماء، وعدت قراءتهم في الشواذ. لم يتجرد لذلك تجردهم، وكان الغالب على أولئك الفقه، أو الحديث، أو غير ذلك من العلوم.
والآخر: إن قراءتهم وجدت مسندة لفظا، أو سماعا، حرفا حرفا، من أول القرآن إلى آخره، مع ما عرف من فضائلهم، وكثرة علمهم بوجوه القرآن.




موسوعة الإمام الخوئي؛ ج‌14، ص: 431
إنما الكلام فيما إذا لم يكن غلطاً و لا مغيّراً للمعنى، و هذا كما في الصفة ككلمة الرب في قوله الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و كلمة مالك في مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، حيث قالوا بجواز الوجوه الثلاثة في إعرابها الجر تبعاً للموصوف كما هو الشائع الذائع و النصب بتقدير كلمة أعني، و الرفع خبراً لمبتدإ محذوف، فهل يجوز في الصلاة اختيار كل ذلك، أو يتعين الأوّل كما هو المتعارف فلا يتغير عما هو عليه؟
ربما يقال بالجواز، نظراً إلى أنّ اللّازم هو الإتيان بقراءة صحيحة و هي متحققة في كل ذلك، لكن الظاهر البطلان لأنّا مأمورون بقراءة القرآن كما انزل و كما يقرأه الناس، للنصوص الدالة على ذلك كما سيجي‌ء، لا بكل كلام عربي‌ صحيح فصيح، فليس كل صحيح مجزئاً، بل اللّازم قراءة القرآن على الوجه النازل، فلا يجوز التغيير عمّا هو عليه و إن لم يخرج بذلك عن الصحة، و إلّا لجاز التغيير و التبديل في المواد أيضاً مع التحفظ على المعنى، كأن يقول بدل قوله تعالى يس. وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ «1» هكذا: يس و الكتاب الحكيم إنّك لمن النبيين، و هو كما ترى.
و على الجملة: فلا يجوز التخطي عن القراءات المتعارفة لا في المواد و لا في الهيئات، سواء صحت بحسب اللغة و القواعد العربية أم لا.
و ممّا قدّمنا يظهر الحال في التشديد، فلا يجوز تغييره و الإخلال به، فلو قال بدل إنّا أنزلناه، إننا أنزلناه بالتفكيك، بطل لكونه على خلاف القرآن المنزل، بل ربما يعد من الغلط في كلام العرب كما لا يخفى.
و أمّا المدّ الواجب و كذا تغيير الحروف عن مخارجها فسيجي‌ء الكلام عليها.




موسوعة الإمام الخوئي، ج‌14، ص: 439‌
[مسألة 50: الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة]
[1542] مسألة 50: الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة و إن كان الأقوى عدم وجوبها، بل يكفي القراءة على النهج العربي [1]، و إن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب (1).
______________________________
(1) فصّلنا الكلام حول القراءات في مبحث التفسير، و مجملة: أنّه لا شك أنّ القرّاء السبعة المعروفين الّذين أوّلهم نافع و آخرهم الكسائي، متأخرون عن زمن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و لم يدركه واحد منهم، و إن كان قبلهم قرّاء آخرون أدركوه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كابن مسعود و ابن عباس و أُبيّ و غيرهم، أمّا هؤلاء فكانوا معاصرين للصادق (عليه السلام) و أدرك بعضهم الباقر (عليه السلام) أيضاً، و بقي بعض آخر منهم إلى ما بعد الصادق (عليه السلام) آخرهم الكسائي الذي مات سنة 190 تقريباً.
و عليه فلا ينبغي الريب في عدم كون هذه القراءات متواترة عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم)، بل و لا مسندة إليه حتى بالخبر الواحد، و لم يدّع ذلك أحد منهم، و لا نسب قراءته إليه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لا بطريق مسند و لا مرسل، و إنّما هو اجتهاد منهم، أو من أساتيذهم و رأي ارتأوه، بل إنّ هذه القراءات لم يثبت تواترها حتى من نفس هؤلاء القرّاء، و إنّما أُسند إليهم بأخبار آحاد بتوسيط تلاميذهم. على أنّ بعض هؤلاء التلاميذ معروفون بالفسق و الكذب كحفص الراوي لقراءة عاصم على ما صرّح به في ترجمته «1».
و على الجملة: فلم تثبت هذه القراءات ثبوتاً قطعياً عن نفس القرّاء فضلًا‌
______________________________
[1] فيه منع ظاهر، فانّ الواجب إنّما هو قراءة القرآن بخصوصه لا ما تصدق عليه القراءة العربية الصحيحة، نعم الظاهر جواز الاكتفاء بكل قراءة متعارفة عند الناس و لو كانت من غير السبع.
______________________________
(1) لاحظ تفسير البيان ص 82، 123.

اسناد قراءات نزد علماي شيعه
کلمات امین الاسلام طبرسي قده صاحب مجمع در باره مسند بودن قراءات

موسوعة الإمام الخوئي، ج‌14، ص: 440‌
..........
______________________________
عن النبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و إنّما حكيت عنهم بطريق الآحاد. هذا و حيث قد جرت القراءة الخارجية على طبق هذه القراءات السبع لكونها معروفة مشهورة ظن بعض الجهلاء أنّها المعنيّ بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) على ما روى عنه «إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف» «1» و هذا كما ترى غلط فاحش، فإنّ أصل الرواية لم تثبت و إنّما رُويت من طريق العامّة، بل هي منحولة مجعولة كما نصّ الصادق (عليه السلام) على تكذيبها بقوله (عليه السلام): «كذبوا أعداء اللّٰه و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد» «2».
و على تقدير الصحة فلها معنى آخر، إذ لا يحتمل تطبيقها على هذه القراءات السبع المستحدثة المتأخر أصحابها عن عصر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كما عرفت. و عليه فلا خصوصية و لا امتياز لهذه السبع من بين القراءات جزماً.
إذن مقتضى القاعدة الأوّلية بعد ورود الأمر بقراءة الفاتحة و بسورة بعدها هو الأخذ بالمقدار المتيقن الذي لا اختلاف فيه، و ما تضمّن الاختلاف يكرّر القراءة، فيقرأ مرّة مثلًا ملك و أُخرى مالك، و يختار من السورة المأمور بها ما اتفقت فيه القراءات، و لو اختار مورد الخلاف يكرّر عملًا بقاعدة الاشتغال و خروجاً عن عهدة التكليف المعلوم، فيقصد بأحدهما لا بعينه القرآن، و بالآخر الذكر المطلق.
نعم، وردت في المقام عدة روايات تضمّنت الأمر بالقراءة كما يقرؤها الناس فيظهر منها الاجتزاء بكل قراءة متعارفة بين الناس، و لا شك أنّها غير محصورة في السبع، و قد عدها بعضهم إلى أربع عشرة و صنّف في ذلك كتاباً و أنهاها بعض آخر إلى سبعين، و إن كانت جملة منها شاذة لا محالة، و بذلك يخرج عن مقتضى القاعدة المتقدمة لو تمت هذه النصوص فلا بدّ من التعرض إليها.
______________________________
(1) مسند أحمد 2: 300، مستدرك الحاكم 1: 553، تفسير الطبري 1: 9.
(2) الكافي 2: 630/ 13.


موسوعة الإمام الخوئي، ج‌14، ص: 441‌
..........
______________________________
فمنها: ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان مرسلًا عن الشيخ الطوسي قال روي عنهم (عليهم السلام) جواز القراءة بما اختلف القرّاء فيه «1» و هي كما ترى مرسلة من جهتين، و لعل المراد إحدى الروايات الآتية.
و منها: رواية سفيان بن السمط قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن ترتيل القرآن، فقال: اقرأوا كما علمتم» «2» و هي أيضاً ضعيفة بسهل و بسفيان نفسه.
و منها: ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «قلت له جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال: لا، اقرأوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم» «3» و هي ضعيفة أيضاً بسهل و بالإرسال.
و منها: و هي العمدة ما رواه الكليني بسنده عن سالم أبي سلمة كما في الوسائل قال: «قرأ رجل على أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و أنا أستمع، حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّٰه على حده و أخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام)» إلخ «4».
و هي كما ترى ظاهرة الدلالة، إنّما الكلام في سندها، فانّ الموجود في الوسائل عن سالم أبي سلمة كما قدّمناه الذي هو سالم بن مكرم، و هو ثقة على‌
______________________________
(1) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 5، مجمع البيان 1: 80.
(2) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 3.
(3) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 2، الكافي 2: 619/ 2.
(4) الوسائل 6: 162/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 1، الكافي 2: 633/ 23.


موسوعة الإمام الخوئي، ج‌14، ص: 442‌
..........
______________________________
الأظهر، و إن نسب العلامة إلى الشيخ أنّه ضعفه في مورد «1»، لكنه لا يتم، بل هو من الخطأ في التطبيق كما تعرّضنا له في المعجم «2» و المذكور في الوافي و الحدائق «3» هكذا: سالم بن سلمة، بتبديل الأب بالابن و هو مجهول.
و الموجود في الطبعة الحديثة من الكافي «4» في باب النوادر من القرآن: سالم ابن أبي سلمة بالجمع بين الأب و الابن و في جامع الرواة «5» أيضاً كذلك، و هو ضعيف قد ضعّفه النجاشي و الشيخ «6»، إذن يتردد الراوي الأخير بين الثقة و المجهول و الضعيف، فتسقط الرواية عن الاستدلال «7».
فقد ظهر من جميع ما مرّ أنّه ليست عندنا رواية يعتمد عليها في الحكم بالاجتزاء بكل قراءة متعارفة حتى يخرج بذلك عن مقتضى القاعدة الأوّلية.
لكنه مع ذلك كله لا ينبغي الشك في الاجتزاء، لجريان السيرة القطعية من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) على ذلك، فانّ اختلاف القراءات أمر شائع ذائع بل كان متحققاً بعد عصر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كقراءة ابيّ و ابن عباس و ابن مسعود و غيرهم، و قد صنّف في ذلك كتب كالمصاحف للسجستاني و غيره، و قد أحرق عثمان جميع المصاحف سوى مصحف واحد حذراً عن الاختلاف‌
______________________________
(1) الخلاصة: 354/ 1404.
(2) معجم رجال الحديث 9: 24/ 4966.
(3) الوافي 9: 1777/ 9087، الحدائق 8: 100.
(4) الموجود في الطبعة الحديثة: سالم بن سلمة.
(5) جامع الرواة 1: 347.
(6) رجال النجاشي: 190/ 509، الفهرست: 79/ 327.
(7) و لكنه (دام ظله) رجّح في المعجم 9: 20/ 4948، 4954. نسخة صاحب الوسائل و وقوع التحريف في غيرها، و بذلك تصبح الرواية معتبرة.


موسوعة الإمام الخوئي، ج‌14، ص: 443‌
..........
______________________________
و مع ذلك تحقق الاختلاف بعد ذلك كثيراً حتى اشتهرت القراءات السبع و غيرها في عصر الأئمة، و كانت على اختلافها بمرأى و مسمع منهم (عليهم السلام)، فلو كانت هناك قراءة معيّنة تجب رعايتها بالخصوص لاشتهر و بان و كان من الواضحات و كان ينقله بطبيعة الحال كابر عن كابر و راوٍ عن راوٍ، و ليس كذلك بالضرورة، فيظهر جواز القراءة بكل منها كما عليه العامّة و إلّا لبيّنوه (عليهم السلام) و نقل إلينا بطريق التواتر، كيف و لم يرد منهم تعيين حتى بخبر واحد.
نعم، إنّ هناك رواية واحدة قد يظهر منها التعيين، و هي رواية داود بن فرقد، و المعلى بن خنيس جميعاً قالا: «كنّا عند أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال: إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال، ثم قال أما نحن فنقرؤه على قراءة أُبيّ» «1» و احتمل ضعيفاً أن تكون العبارة هكذا على قراءة أبي يعني الباقر (عليه السلام).
و كيف كان، فهي محمولة على إرادة مورد خاص «2» كانت القراءة فيه شاذّة أو مغيّرة للمعنى، لما عرفت من أنّ التعيين لو كان ثابتاً لنقل بالتواتر و كان من الواضحات، كيف و قد ادعي الإجماع على جواز القراءة بكل قراءة متعارفة‌
______________________________
(1) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 4.
(2) و لكن يبعّده ملاحظة متن الحديث بتمامه، فإنّه كما في الكافي 2: 634/ 27 هكذا: عبد اللّٰه بن فرقد و المعلى بن خنيس قالا: «كنا عند أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و معنا ربيعة الرأي فذكرنا فضل القرآن، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قرائتنا فهو ضال، فقال: ربيعة ضال؟ فقال: نعم، ضال، ثم قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) أما نحن فنقرأ على قراءة ابيّ».
فانّ قول أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «إن كان ابن مسعود ...» إلخ بعد تذاكر القوم في فضل القرآن بشكل عام لا ينسجم مع كون نظره (عليه السلام) إلى مورد خاص كما لا يخفى.


موسوعة الإمام الخوئي، ج‌14، ص: 444‌
[مسألة 51: يجب إدغام اللّام مع الألف و اللّام في أربعة عشر حرفاً]
[1543] مسألة 51: يجب إدغام اللّام مع الألف و اللّام في أربعة عشر حرفاً و هي التاء، و الثاء، و الدال، و الذال، و الراء، و الزاي، و السين، و الشين و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء، و اللّام، و النون، و إظهارها في بقيّة الحروف فتقول في (اللّٰه)، و (الرّحمٰن)، و (الرّحيم)، و (الصراط)، و (الضالين)، مثلًا بالإدغام، و في (الحمد)، و (العالمين)، و (المستقيم)، و نحوها بالإظهار (1).
______________________________
متداولة. على أنّ متن الخبر لا يخلو عن شي‌ء، فانّ الأنسب أن يقال: إن كان ابن مسعود لم يقرأ إلخ، دون «لا يقرأ» لظهور الثاني في زمان الحال «1» و أن ابن مسعود حيّ حاضر مع أن زمانه متقدم عليه (عليه السلام) بكثير.
و قد تحصّل من جميع ما قدّمناه: أنّ الأقوى جواز القراءة بكل ما قام التعارف الخارجي عليه، و كان مشهوراً متداولًا بين الناس، كي لا تحصل التفرقة بين المسلمين، و لا شك أنّ المشهور غير منحصر في السبع المعهودة، فلا خصوصية و لا امتياز لها من بين القراءات أبداً، فكل معروف يجزئ و إن كان من غير السبع، فالعبرة بما يقرأه الناس و إن كان الاختلاف من جهة اختلاف البلدان كالبصرة و الكوفة و نحوهما.
(1) إذا دخل حرف التعريف على أحد الحروف الشمسية أُدغم فيها و هي أربعة عشر: التاء و الثاء من أوائل حروف التهجي و اللّ







************
البيان في تفسير القرآن، ص: 121
أضواء على القرّاء



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 122
- حال القراء السبعة و هم: عبد اللّه بن عامر. ابن كثير المكي.
عاصم بن بهدلة الكوفي. أبو عمرو البصري. حمزة الكوفي.
نافع المدني. الكسائي الكوفي.
- ثلاثة قراء آخرون هم: خلف بن هشام البزار. يعقوب بن إسحاق. يزيد بن القعقاع.


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 123
تمهيد:
لقد اختلفت الآراء حول القراءات السبع المشهورة بين الناس، فذهب جمع من علماء أهل السنة إلى تواترها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ربما ينسب هذا القول الى المشهور بينهم. و نقل عن السبكي القول بتواتر القراءات العشر «1» و أفرط بعضهم فزعم أن من قال إن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر. و نسب هذا الرأي إلى مفتي البلاد الاندلسية أبي سعيد فرج ابن لب «2».
و المعروف عند الشيعة أنها غير متواترة، بل القراءات بين ما هو اجتهاد من القارئ و بين ما هو منقول بخبر الواحد. و اختار هذا القول جماعة من المحققين من علماء أهل السنة. و غير بعيد أن يكون هذا هو المشهور بينهم- كما ستعرف ذلك- و هذا القول هو الصحيح. و لتحقيق هذه النتيجة لا بد لنا من ذكر أمرين:
الأول: قد أطبق المسلمون بجميع نحلهم و مذاهبهم على أن ثبوت القرآن ينحصر طريقة بالتواتر. و استدل كثير من علماء السنة و الشيعة على ذلك: بأن القرآن تتوافر الدواعي لنقله، لأنه الأساس للدين الإسلامي، و المعجز الإلهي لدعوة نبي المسلمين.
و كل شي‏ء تتوفر الدواعي لنقله لا بد و أن يكون متواترا. و على ذلك فما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعا.
نعم ذكر السيوطي: «أن القاضي أبا بكر قال في الإنتصار: ذهب قوم من الفقهاء
__________________________________________________
(1) مناهل العرفان للزرقاني: ص 433.
(2) نفس المصدر: ص 428.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 124
و المتكلمين الى إثبات قرآن حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة و كره ذلك أهل الحق، و امتنعوا منه» «1».
و هذا القول الذي نقله القاضي واضح الفساد- لنفس الدليل المتقدم- و هو أن توفر الدواعي للنقل دليل قطعي على كذب الخبر إذا اختص نقله بواحد أو اثنين.
فإذا أخبرنا شخص أو شخصان بدخول ملك عظيم الى بلد، و كان دخول ذلك الملك الى ذلك البلد مما يمتنع في العادة أن يخفى على الناس، فإنا لا نشك في كذب هذا الخبر إذا لم ينقله غير ذلك الشخص أو الشخصين، و مع العلم بكذبه كيف يكون موجبا لاثبات الآثار التي تترتب على دخول الملك ذلك البلد. و على ذلك، فإذا نقل القرآن بخبر الواحد، كان ذلك دليلا قطعيا على عدم كون هذا المنقول كلاما إلهيا، و إذا علم بكذبه، فكيف يمكن التعبد بالحكم الذي يشتمل عليه.
و على كل حال فلم يختلف المسلمون في أن القرآن ينحصر طريق ثبوته و الحكم بأنه كلام إلهي بالخبر المتواتر.
و بهذا يتضح أنه ليست بين تواتر القرآن، و بين عدم تواتر القراءات أية ملازمة، لأن أدلة تواتر القرآن و ضرورته لا تثبت- بحال من الأحوال- تواتر قراءاته، كما ان أدلة نفي تواتر القراءات لا تتسرب إلى تواتر القرآن بأي وجه و سيأتي بيان ذلك- في بحث «نظرة في القراءات»- على وجه التفصيل.
الثاني: ان الطريق الأفضل إلى إثبات عدم تواتر القراءات هو معرفة القرّاء أنفسهم، و طرق رواتهم، و هم سبعة قراء. و هناك ثلاثة آخرون تتمّ بهم العشرة، نذكرهم عقيب هؤلاء. و إليك تراجمهم، و استقراء أحوالهم واحدا بعد واحد:
__________________________________________________
(1) الإتقان: 1/ 243، في النوع 22- 27 الطبعة الثالثة.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 125
1 عبد اللّه بن عامر الدمشقي‏
هو أبو عمران اليحصبي. قرأ القرآن على المغيرة بن أبي شهاب. قال الهيثم بن عمران: «كان عبد اللّه بن عامر رئيس أهل المسجد زمان الوليد بن عبد الملك، و كان يزعم أنه من حمير، و كان يغمز في نسبه». و قال العجلي و النسائي: «ثقة».
و قال أبو عمرو الداني: «ولي قضاء دمشق بعد بلال بن أبي الدرداء ... اتخذه أهل الشام إماما في قراءته و اختياره» «1». و قال ابن الجزري: «و قد ورد في اسناده تسعة أقوال أصحها أنه قرأ على المغيرة». و نقل عن بعض أنه قال: «لا يدري على من قرأ». ولد سنة ثمان من الهجرة. و توفي سنة 118 «2».
و لعبد اللّه راويان رويا قراءته- بوسائط- و هما: هشام، و ابن ذكوان.
أما هشام: فهو ابن عمار بن نصير بن ميسرة، أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم. قال يحيى بن معين: «ثقة». و قال النسائي: «لا بأس به». و قال الدار قطني:
«صدوق كبير المحل». ولد سنة 153 و توفي سنة 245 «3».
__________________________________________________
(1) تهذيب التهذيب: 5/ 274.
(2) طبقات القراء: 404.
(3) طبقات القراء: 2/ 354- 356.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 126
و قال الآجري عن أبي داود: «إن أبا أيوب- يعني سليمان بن عبد الرحمن- خير منه، حدّث هشام بأربعمائة حديث مسند ليس لها أصل».
و قال ابن وارة: «عزمت زمانا أن امسك عن حديث هشام، لأنه كان يبيع الحديث».
و قال صالح بن محمد: «كان يأخذ عليّ الحديث، و لا يحدث ما لم يأخذ ... قال المروزي: ذكر أحمد هشاما فقال: «طياش خفيف» و ذكر له قصة في اللفظ بالقرآن أنكر عليه أحمد حتى أنه قال: «إن صلوا خلفه، فليعيدوا الصلاة» «1».
أقول فيمن روى القراءة عنه خلاف، فليراجع كتاب الطبقات و غيره.
و أما ابن ذكوان: فهو عبد اللّه بن أحمد بن بشير، و يقال: بشير بن ذكوان. أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم. قال أبو عمرو الحافظ: «و قرأ على الكسائي حين قدم الشام». ولد يوم عاشوراء سنة 173، و توفي سنة 242 «2».
أقول: و الحال في من روى القراءة عنه كما تقدم.
__________________________________________________
(1) تهذيب التهذيب ج 11 ص 52- 54.
(2) طبقات القراء: 1/ 403.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 127
2 ابن كثير المكي‏
هو عبد اللّه بن كثير بن عمرو بن عبد اللّه بن زاذان بن فيروزان بن هرمز المكي الداري، فارسي الأصل. أخذ القراءة عرضا- على ما في كتاب التيسير- عن عبد اللّه بن السائب فيما قطع به الحافظ أبو عمرو الداني و غيره، و ضعف الحافظ- أبو العلاء الهمداني- هذا القول، و قال: «إنه ليس بمشهور عندنا» و عرض أيضا على مجاهد بن جبر، و درباس مولى عبد اللّه بن عباس. ولد بمكة سنة 45 و توفي سنة 120 «1». قال علي بن المديني: «كان ثقة». و قال ابن سعد: «ثقة». و ذكر أبو عمرو الداني أنه:
«أخذ القراءة عن عبد اللّه بن السائب المخزومي». و المعروف انه إنما أخذها عن مجاهد «2».
و لعبد اللّه بن كثير راويان- بوسائط- هما: البزي، و قنبل.
أما البزي: فهو أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن القاسم بن نافع بن أبي بزة، اسمه بشار، فارسي من أهل همدان، أسلم على يد السائب بن أبي السائب المخزومي.
__________________________________________________
(1) نفس المصدر: 1/ 443- 445.
(2) تهذيب التهذيب: 5/ 37.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 128
قال ابن الجزري: «أستاذ محقق ضابط متقن». ولد سنة 170 و توفي 250 «1».
قرأ البزي على أبي الحسن أحمد بن محمد بن علقمة المعروف بالقواس، و على أبي الأخريط وهب بن واضح المكي، و على عبد اللّه بن زياد بن عبد اللّه بن يسار المكي «2». قال العقيلي: «منكر الحديث»، و قال أبو حاتم: «ضعيف الحديث لا أحدث عنه» «3».
أقول: الكلام في من أخذ القراءة عنه كما تقدم.
و أما قنبل: فهو محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد أبو عمرو المخزومي مولاهم المكي. أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد بن عون النبّال، و هو الذي خلّفه بالقيام بها بمكة، و روى القراءة عن البزي. انتهت إلى قنبل رئاسة الأقراء بالحجاز ... و كان على الشرطة بمكة. ولد سنة 195 و توفي 291 «4». ولي الشرطة فخربت سيرته، و كبر سنه و هرم، و تغير تغيرا شديدا، فقطع الأقراء قبل موته بسبع سنين «5».
أقول: الكلام في رواة قراءته كما تقدم.
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 119.
(2) النشر في القراءات العشر: 1/ 120.
(3) لسان الميزان: 1/ 283.
(4) طبقات القراء: 2/ 205. [.....]
(5) لسان الميزان: 5/ 249.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 129
3 عاصم بن بهدلة الكوفي‏
هو ابن أبي النجود أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي. أخذ القراءة عرضا عن زر ابن حبيش، و أبي عبد الرحمن السلمي، و أبي عمرو الشيباني. قال أبو بكر بن عياش:
«قال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، و كنت أرجع من عنده فأعرض على زر». و قال حفص: «قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها في القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي، و ما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود» «1».
قال ابن سعد: «كان ثقة إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه». و قال عبد اللّه بن أحمد، عن أبيه: «كان خيّرا ثقة، و الأعمش أحفظ منه». و قال العجلي: «كان صاحب سنة و قراءة، و كان ثقة رأسا في القراءة ... و كان عثمانيا». و قال يعقوب بن سفيان: «في حديثه اضطراب و هو ثقة». و قد تكلم فيه ابن علية، فقال: «كان كل من اسمه عاصم سي‏ء الحفظ». و قال النسائي: «ليس به بأس». و قال ابن خراش:
__________________________________________________
(1) طبقات القراء:/ 3481.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 130
«في حديثه نكرة». و قال العقيلي: «لم يكن فيه إلا سوء الحفظ». و قال الدارقطني:
«في حفظه شى‏ء». و قال حماد بن سلمة: «خلط عاصم في آخر عمره». مات سنة 127 أو سنة 128 «1».
و لعاصم بن بهدلة راويان بغير واسطة هما: حفص، و أبو بكر:
أما حفص: فهو ابن سليمان الأسدي، كان ربيب عاصم. قال الذهبي: «أما القراءة فثقة ثبت ضابط لها. بخلاف حاله في الحديث» أو ذكر حفص: «أنه لم يخالف عاصما في شى‏ء من قراءته إلى في حرف ... «الروم سورة 3 آية 54» اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ... قرأه بالضم و قرأ عاصم بالفتح» ولد سنة 90 و توفي سنة 180 «2». و قال ابن أبي حاتم عن عبد اللّه عن أبيه: «متروك الحديث». و قال عثمان الدارمي و غيره عن ابن معين: «ليس بثقة». و قال ابن المديني: «ضعيف الحديث، و تركته على عمد». و قال البخاري: «تركوه». و قال مسلم: «متروك». و قال النسائي: «ليس بثقة، و لا يكتب حديثه». و قال صالح بن محمد: «لا يكتب حديثه و أحاديثه كلها مناكير». و قال ابن خراش: «كذاب متروك يضع الحديث». و قال ابن حيان: «كان يقلب الأسانيد، و يرفع المراسيل». و حكى ابن الجوزي في الموضوعات عن عبد الرحمن بن مهدي قال: «و اللّه ما تحل الرواية عنه». و قال الدار قطني: «ضعيف» و قال الساجي: «حفص ممن ذهب حديثه، عنده مناكير» «3».
أقول: الحال فيمن روى القراءة عنه كما تقدم.
و أما أبو بكر: فهو شعبة بن عياش بن سالم الحناط الأسدي الكوفي قال ابن‏
__________________________________________________
(1) تهذيب التهذيب: 5/ 39.
(2) طبقات القراء: 1/ 254.
(3) تهذيب التهذيب: 2/ 401.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 131
الجزري: «عرض القرآن على عاصم ثلاث مرات، و على عطاء بن السائب، و أسلم المنقري و عمّر دهرا إلا أنه قطع الأقراء قبل موته بسبع سنين، و قيل بأكثر، و كان إماما كبيرا عالما عاملا، و كان يقول: «أنا نصف الإسلام». و كان من أئمة السنة. و لما حضرته الوفاة بكت أخته فقال لها: ما «يبكيك، انظري الى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة». ولد سنة 95 و توفي سنة 193، و قيل 194 «1». قال عبد اللّه بن أحمد عن أبيه: «ثقة و ربما غلط». و قال عثمان الدارمي: «و ليس بذاك في الحديث». و قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عن أبي بكر بن عياش، و أبي الأحوص فقال: ما أقربهما». و قال ابن سعد: «كان ثقة صدوقا عارفا بالحديث و العلم، إلا أنه كثير الغلط». و قال يعقوب بن شيبة: «في حديثه اضطراب». و قال أبو نعيم: «لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه». و قال البزار: «لم يكن بالحافظ» «2».
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 325- 327.
(2) تهذيب التهذيب: 12/ 35- 37.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 132
4 أبو عمرو البصيري‏
هو زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري. قيل إنه من فارس. توجه مع أبيه لما هرب من الحجاج، فقرأ بمكة و المدينة، و قرأ أيضا بالكوفة و البصرة على جماعة كثيرة، فليس في القراء السبعة أكثر شيوخا منه. و لقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمائة فتركوا ذلك، لأن شخصا قدم من أهل العراق، و كان يلقن الناس بالجامع الاموي على قراءة أبي عمرو، فاجتمع عليه خلق، و اشتهرت هذه القراءة عنه.
قال الأصمعي: سمعت أبا عمرو يقول: «ما رأيت أحدا قبلي أعلم مني». ولد سنة 68. قال غير واحد: مات سنة 154 «1».
قال الدوري عن ابن معين: «ثقة». و قال أبو خيثمة: «كان أبو عمرو بن العلاء رجلا لا بأس به و لكنه لم يحفظ». و قال نصر بن علي الجهضمي عن أبيه: قال لي شعبة: «انظر ما يقرأ به أبو عمرو، فما يختاره لنفسه فاكتبه، فإنه سيصير للناس استاذا». و قال أبو معاوية الأزهري في التهذيب: «كان من أعلم الناس بوجوه‏
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 288- 292.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 133
القراءات، و ألفاظ العرب، و نوادر كلامهم، و فصيح أشعارهم» «1».
و لقراءة أبي عمرو راويان بواسطة يحيى بن المبارك اليزيدي، هما: الدوري، و السوسي.
أما يحيى بن المبارك: فقال ابن الجزري: «نحوي مقرى‏ء، ثقة عمّة كبير». نزل بغداد و عرف باليزيدي لصحبته يزيد بن منصور الحميري خال المهدي، فكان يؤدب ولده. أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو، و هو الذي خلّفه بالقيام بها، و أخذ أيضا عن حمزة.
روى القراءة عنه أبو عمرو الدوري، و أبو شعيب السوسي، و له اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة. قال ابن مجاهد: «و إنما عولنا على اليزيدي- و إن كان سائر أصحاب أبي عمرو أجلّ منه- لأجل أنه انتصب للرواية عنه، و تجرّد لها، و لم يشتغل بغيرها، و هو أضبطهم». توفي سنة 202 بمرو. و له أربع و سبعون سنة.
و قيل: بل جاوز التسعين، و قارب المائة «2».
و أما الدوري: فهو حفص بن عمرو بن عبد العزيز الدوري الازدي البغدادي. قال ابن الجزري: «ثقة ثبت كبير ضابط أول من جمع القراءات». توفي في شوال سنة 246 «3».
قال الدار قطني: «ضعيف». و قال العقيلي: «ثقة» «4».
أقول: الكلام فيمن أخذ القراءة عنه كما تقدم.
__________________________________________________
(1) تهذيب التهذيب: 12/ 178- 180.
(2) طبقات القراء: 2/ 375- 377.
(3) نفس المصدر: 1/ 255.
(4) تهذيب التهذيب: 2/ 408.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 134
و أما السوسي: فهو أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد اللّه. قال ابن الجزري: «ضابط محرر ثقة». أخذ القراءة عرضا و سماعا عن أبي محمد اليزيدي، و هو من أجلّ أصحابه. مات أول سنة 261، و قد قارب السبعين «1». قال أبو حاتم:
«صدوق». و قال النسائي: «ثقة». و ذكره ابن حيان في الثقات. و ذكر أبو عمرو الداني: «أن النسائي روى عنه القراءات، و ضعفه مسلم بن قاسم الأندلسي بلا مستند» «2».
أقول: الكلام فيمن أخذ القراءة عنه كما تقدم.
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 332.
(2) تهذيب التهذيب: 4/ 392. [.....]



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 135
5 حمزة الكوفي‏
هو ابن حبيب بن عمارة بن إسماعيل أبو عمارة الكوفي التميمي، أدرك الصحابة بالسن. أخذ القراءة عرضا عن سليمان الأعمش، و حمران بن أعين. و في كتاب «الكفاية الكبرى و التيسير» عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، و طلحة بن مصرف، و في كتاب «التيسير» عن مغيرة بن مقسم و منصور و ليث ابن أبي سليم، و في كتاب «التيسير و المستنير» عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قالوا: «استفتح حمزة القرآن من حمران، و عرض على الأعمش و أبي إسحاق و ابن أبي ليلى، و إليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم و الأعمش و كان إماما حجة ثقة ثبتا عديم النظير».
قال عبد اللّه العجلي: قال أبو حنيفة لحمزة: «شيئان غلبتنا عليهما لسنا ننازعك فيهما: القرآن و الفرائض».
و قال سفيان الثوري: «غلب حمزة الناس على القرآن و الفرائض».
و قال عبد اللّه بن موسى: «و كان شيخه الأعمش إذا رآه قد أقبل يقول: هذا حبر


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 136
القرآن». ولد سنة 80 و توفي سنة 156 «1».
قال ابن معين: «ثقة). و قال النسائي: «ليس به بأس». و قال العجلي: «ثقة رجل صالح». و قال ابن سعد: «كان رجلا صالحا عنده أحاديث و كان صدوقا صاحب سنة». و قال الساجي: «صدوق سيى‏ء الحفظ ليس بمتقن في الحديث». و قد ذمّه جماعة من أهل الحديث في القراءة. و أبطل بعضهم الصلاة باختياره من القراءة. و قال الساجي أيضا و الازدي: «يتكلمون في قراءته و ينسبونه إلى حالة مذمومة فيه».
و قال الساجي أيضا: «سمعت سلمة بن شبيب يقول: كان أحمد يكره أن يصلي خلف من يصلي بقراءة حمزة». و قال الآجري عن أحمد بن سنان: «كان يزيد- يعني ابن هرون- يكره قراءة حمزة كراهية شديدة». قال أحمد بن سنان: سمعت ابن مهدي يقول: «لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره و بطنه». و قال أبو بكر بن عياش: «قراءة حمزة عندنا بدعة». و قال ابن دريد: «إني لأشتهي أن يخرج من الكوفة قراءة حمزة» «2».
و لقراءة حمزة راويان بواسطة، هما: خلف بن هشام، و خلاد بن خالد:
أما خلف: فهو أبو محمد الأسدي بن هشام بن ثعلب البزار البغدادي.
قال ابن الجزري: «أحد القراء العشرة، و أحد الرواة عن سليم عن حمزة، حفظ القرآن و هو ابن عشر سنين، و ابتدأ في الطلب و هو ابن ثلاث عشر، و كان ثقة كبيرا زاهدا عابدا عالما». قال ابن اشته: «كان خلف يأخذ بمذهب حمزة إلا أنه خالفه في مائة و عشرين حرفا». ولد سنة 150، و مات سنة 229 «3».
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 261.
(2) تهذيب التهذيب: 3/ 27.
(3) طبقات القراء: 1/ 272.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 137
قال اللالكائي: «سئل عباس الدوري عن حكاية عن أحمد بن حنبل في خلف بن هشام. فقال: لم أسمعها و لكن حدثني أصحابنا أنهم ذكروه عند أحمد، فقيل انه يشرب. فقال: انتهى إلينا علم هذا، و لكنه- و اللّه- عندنا الثقة الأمين». و قال النسائي: «بغدادي ثقة». و قال الدار قطني: «كان عابدا فاضلا». قال: «أعدت صلاة أربعين سنة كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين». و حكى الخطيب في تاريخه عن محمد بن حاتم الكندي قال: «سألت يحيى بن معين عن خلف البزار فقال: لم يكن يدري ايش الحديث» «1».
أقول: و سيجي‏ء الكلام فيمن روى قراءته.
و أما خلّاد بن خالد: فهو أبو عيسى الشيباني الكوفي. قال ابن الجزري: «إمام في القراءة ثقة عارف محقق أستاذ». أخذ القراءة عرضا عن سليم، و هو من أضبط أصحابه و أجلّهم. توفي سنة 220 «2».
أقول: و الكلام في رواة قراءته كما تقدم.
__________________________________________________
(1) تهذيب التهذيب: 3/ 156.
(2) طبقات القراء: 1/ 274.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 138
6 نافع المدني‏
هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم. قال ابن الجزري: «أحد القراء السبعة و الأعلام ثقة صالح، أصله من أصبهان». أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة. قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: «قراءة أهل المدينة سنّة، قيل له قراءة نافع؟ قال: نعم». و قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: «سألت أبي أيّ القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة. قلت: فإن لم يكن قال: عاصم».
مات سنة 169. «1»
قال أبو طالب عن أحمد: «كان يؤخذ عنه القرآن، و ليس في الحديث بشى‏ء». و قال الدوري عن ابن معين: «ثقة». و قال النسائي: «ليس به بأس». و ذكر ابن حيان في الثقات، و قال الساجي: «صدوق ... اختلف فيه أحمد و يحيى. فقال أحمد: منكر الحديث. و قال يحيى: ثقة» «2».
و لقراءة نافع راويان بلا واسطة. هما قالون، و ورش:
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 2/ 330.
(2) تهذيب التهذيب: 10/ 407.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 139
أما قالون: فهو عيسى بن ميناء بن وردان أبو موسى. مولى بني زهرة يقال إنه ربيب نافع، و هو الذي سماه قالون لجودة قراءته. فإن قالون باللغة الرومية جيد. قال عبد اللّه بن علي: «إنما يكلمه بذلك لأن قالون أصله من الروم كان جد جده عبد اللّه من سبي الروم»، أخذ القراءة عرضا عن نافع. قال ابن. أبي حاتم: «كان أصم، يقرى‏ء القرآن و يفهم خطأهم و لحنهم بالشفة». ولد سنة 120، و توفي سنة 220 «1».
قال ابن حجر: «أما في القراءة فثبت، و أما في الحديث فيكتب حديثه في الجملة». سئل أحمد بن صالح المصري عن حديثه فضحك و قال: «تكتبون عن كل أحد» «2».
أقول: و الكلام فيمن روى القراءة عنه كما تقدم.
و أما ورش: فهو عثمان بن سعيد. قال ابن الجزري: «انتهت اليه رئاسة الأقراء في الديار المصرية في زمانه، و له اختيار خالف فيه نافعا، و كان ثقة حجة في القراءة».
ولد سنة 110 بمصر، و توفي فيها سنة 197 «3».
أقول: الكلام في رواة قراءته كما تقدم.
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 615.
(2) لسان الميزان: 4/ 408.
(3) طبقات القراء: 1/ 502.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 140
7 الكسائي الكوفي‏
هو على بن حمزة بن عبد اللّه بن بهمن بن فيروز الأسدي، مولاهم من أولاد الفرس.
قال ابن الجزري: «الإمام الذي انتهت اليه رئاسة الأقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات. أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات و عليه اعتماده». و قال أبو عبيد في كتاب القراءات: «كان الكسائي: يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض و ترك بعضا» و اختلف في تاريخ موته، فالصحيح الذي أرّخه غير واحد من العلماء و الحفاظ سنة 189 «1». أخذ القراءة عن حمزة الزيات مذاكرة، و عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، و عيسى بن عمرو الأعمش، و أبي بكر بن عياش، و سمع منهم الحديث، و من سليمان بن أرقم، و جعفر الصادق عليه السّلام، و العزرمي، و ابن عيينة ...
و علم الرشيد، ثم علم ولده الأمين «2».
و حدث المرزباني فيما رفعه الى ابن الاعرابي، قال: «كان الكسائي أعلم الناس على رهق فيه، كان يديم شرب النبيذ، و يجاهر به إلا أنه كان ضابطا قارئا عالما
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 535.
(2) تهذيب التهذيب: 7/ 313.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 141
بالعربية صدوقا» «1».
و للكسائي راويان بغير واسطة. هما الليث بن خالد، و حفص بن عمر.
أما الليث: فهو أبو الحارث بن خالد البغدادي. قال ابن الجزري: «ثقة معروف حاذق ضابط». عرض على الكسائي و هو من أجلة أصحابه مات سنة 240 «2».
أقول: الكلام في رواة قراءته كما تقدم.
و أما حفص بن عمر الدوري: فقد تقدمت ترجمته عند ترجمة عاصم.
هذا ما أردنا نقله من ترجمة القراء السبعة، و رواة قراءاتهم، و قد نظم أسماءهم، و أسماء رواتهم «القاسم بن فيره» في قصيدته اللامية المعروفة بالشاطبية.
و أما الثلاثة المتممة للعشرة فهم: خلف، و يعقوب، و يزيد بن القعقاع.
__________________________________________________
(1) معجم الأدباء: 5/ 185.
(2) طبقات القراء: 2/ 34. [.....]



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 142
8 خلف بن هشام البزّاز
تقدمت ترجمته عند ترجمة حمزة، و لقراءته راويان، هما: إسحاق، و إدريس.
أما إسحاق: فقال فيه ابن الجزري: «إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد اللّه أبو يعقوب المروزي ثم البغدادي، ورّاق خلف، و راوي اختياره عنه، ثقة». توفي سنة 286 «1».
أقول: الكلام فيمن قرأ عليه كما تقدم.
و أما إدريس: فقال فيه ابن الجزري: «إدريس بن عبد الكريم الحداد أبو الحسن البغدادي، إمام ضابط، متقن ثقة. قرأ على خلف بن هشام. سئل عنه الدار قطني فقال:

و أما إدريس: فقال فيه ابن الجزري: «إدريس بن عبد الكريم الحداد أبو الحسن البغدادي، إمام ضابط، متقن ثقة. قرأ على خلف بن هشام. سئل عنه الدار قطني فقال:
«ثقة و فوق الثقة بدرجة». توفي سنة 292 «2».
أقول: الكلام فيمن روى القراءة عنه كما تقدم.
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 155.
(2) نفس المصدر: ص 154.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 143
9 يعقوب بن إسحاق‏
هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد اللّه أبو محمد الحضرمي، مولاهم البصري.
قال ابن الجزري: «أحد القراء العشرة». قال يعقوب: «قرأت على سلام في سنة و نصف، و قرأت على شهاب بن شرنفة المجاشعي في خمسة أيام، و قرأ شهاب على مسلمة بن محارب المحاربي في تسعة أيام، و قرأ مسلمة على أبي الأسود الدؤلي على علي عليه السّلام. مات في ذي الحجة سنة 205، و له ثمان و ثمانون سنة «1».
قال احمد و أبو حاتم: «صدوق». و ذكره ابن حيان في الثقات.
و قال ابن سعد: «ليس هو عندهم بذاك الثبت» «2».
و ليعقوب راويان، هما: رويس، و روح.
أما رويس: فهو محمد بن المتوكل أبو عبد اللّه اللؤلؤي البصري. قال ابن الجزري:
«مقرى‏ء حاذق ضابط مشهور أخذ القراءة عرضا عن يعقوب الحضرمي». قال الداني: «و هو من أحذق أصحابه». روى القراءة عنه عرضا محمد بن هارون التمار،
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 2/ 38.
(2) تهذيب التهذيب: 11/ 382.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 144
و الإمام أبو عبد اللّه الزبير بن أحمد الزبيري الشافعي. توفي سنة 338. «1»
و أما روح: فهو أبو الحسن بن عبد المؤمن الهذلي، مولاهم البصري النحوي. قال ابن الجزري: «مقرى‏ء جليل ثقة ضابط مشهور». عرض على يعقوب الحضرمي، و هو من أجلة أصحابه، توفي سنة 235 أو 234. «2»
أقول: الكلام فيمن عرض القراءة عليه كما تقدم.
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 2/ 234.
(2) نفس المصدر: 1/ 285.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 145
10 يزيد بن القعقاع‏
قال ابن الجزري: «يزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزومي المدني القارئ.
أحد القراء العشرة تابعيّ مشهور كبير القدر». عرض القرآن على مولاه عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة، و عبد اللّه بن عباس، و أبي هريرة. قال يحيى بن معين: «كان إمام أهل المدينة في القراءة فسمّي القارئ بذلك، و كان ثقة قليل الحديث». و قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عنه فقال: صالح الحديث». مات بالمدينة سنة 130 «1».
و لأبي جعفر راويان هما: عيسى، و ابن جماز:
أما عيسى: فهو أبو الحارث عيسى بن وردان المدني الحذاء. قال ابن الجزري:
«إمام مقرى‏ء حاذق، و راو محقق ضابط». عرض على أبي جعفر و شيبة ثم عرض على نافع. قال الداني: «هو من أجلة أصحاب نافع و قدمائهم، و قد شاركه في الاسناد». مات- فيما أحسب- في حدود سنة 160 «2».
أقول: الكلام فيمن عرض عليه كما تقدم.
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 2/ 382.
(2) نفس المصدر: 1/ 616.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 146
و أما ابن جماز: فهو سليمان بن مسلم بن جماز أبو الربيع الزهري مولاهم المدني.
قال ابن الجزري: «مقرى‏ء جليل ضابط». عرض على أبي جعفر، و شيبة على ما في كتابي «الكامل و المستنير»، ثم عرض على نافع على ما في «الكامل». مات بعد سنة 170 فيما أحسب «1».
إن من ذكرناهم من رواة القراء العشرة هم المعروفون بين أهل التراجم. و أما القراءة المروية بغير ما ذكرناه من الطرق فغير مضبوطة. و قد وقع الخلاف بين المترجمين في رواة اخرى لهم. و قد أشرنا إلى هذا- فيما تقدم- و لذلك لم نتعرض- هنا- لذكرهم.
__________________________________________________
(1) طبقات القراء: 1/ 315.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 147
نظرة في القراءات‏



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 148
- تواتر القرآن من الضروريات.
- ليست القراءات متواترة.
- تصريحات أرباب الفن بعدم تواتر القراءات.
- نقد ما استدل به على تواتر القراءات.
- ليست الأحرف السبع هي القراءات السبع.
- حجية القراءات.
- جواز القراءة بها في الصلاة.


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 149
تواتر القرآن من الضروريات‏
قد أسلفنا في التمهيد من بحث «أضواء على القرّاء» بعض الآراء حول تواتر القراءات و عدمه و أشرنا إلى ما ذهب اليه المحققون من نفي تواتر القراءات، مع أن المسلمين قد أطبقوا على تواتر القرآن نفسه. و الآن نبدأ بالاستدلال على ما اخترناه من عدم تواترها بأمور:
الأول: إن استقراء حال الرواة يورث القطع بأن القراءات نقلت إلينا بأخبار الآحاد. و قد اتضح ذلك فيما أسلفناه في تراجمهم فكيف تصح دعوى القطع بتواترها عن القرّاء. على أن بعض هؤلاء الرواة لم تثبت و ثاقته.
الثاني: إن التأمل في الطرق التي أخذ عنها القرّاء، يدلنا دلالة قطعية على أنّ هذه القراءات إنما نقلت إليهم بطريق الآحاد.
الثالث: اتصال أسانيد القراءات بالقرّاء أنفسهم يقطع تواتر الأسانيد حتى لو كانت رواتها في جميع الطبقات ممن يمتنع تواطؤهم على الكذب، فإن كل قارئ إنما ينقل قراءته بنفسه.
الرابع: احتجاج كل قارئ من هؤلاء على صحة قراءته، و احتجاج تابعيه على


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 150
ذلك أيضا، و إعراضه عن قراءة غيره دليل قطعي على أن القراءات تستند إلى اجتهاد القراء و آرائهم، لأنها لو كانت متواترة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يحتج في إثبات صحتها إلى الاستدلال و الاحتجاج.
الخامس: ان في إنكار جملة من أعلام المحققين على جملة من القراءات دلالة واضحة على عدم تواترها، إذ لو كانت متواترة لما صح هذا الإنكار فهذا ابن جرير الطبري أنكر قراءة ابن عامر، و طعن في كثير من المواضع في بعض القراءات المذكورة في السبع، و طعن بعضهم على قراءة حمزة، و بعضهم على قراءة أبي عمرو، و بعضهم على قراءة ابن كثير. و ان كثيرا من العلماء أنكروا تواتر ما لا يظهر وجهه في اللغة العربية، و حكموا بوقوع الخطأ فيه من بعض القرّاء «1».
و قد تقدم في ترجمة حمزة إنكار قراءته من إمام الحنابلة أحمد، و من يزيد بن هارون، و من ابن مهدي «2» و من أبي بكر بن عياش، و من ابن دريد.
قال الزركشي:- بعد ما اختار أن القراءات توقيفية- خلافا لجماعة منهم الزمخشري، حيث ظنوا أنها اختيارية، تدور مع اختيار الفصحاء، و اجتهاد البلغاء، و ردّ على حمزة قراءة «و الأرحام» بالخفض، و مثل ما حكي عن أبي زيد، و الأصمعي، و يعقوب الحضرمي أنهم خطأوا حمزة في قراءته «و ما أنتم بمصرخيّ» بكسر الياء المشددة، و كذلك أنكروا على أبي عمرو إدغامه الراء في اللام في «يغفر لكم». و قال الزجاج: «إنه غلط فاحش» «3».
__________________________________________________
(1) التبيان: ص 106 للمعتصم باللّه طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري. طبع في مطبعة المنار سنة 1334.
(2) هو عبد الرحمن بن مهدي قال في تهذيب التهذيب: 6/ 280، قال أحمد بن سنان: سمعت علي بن المديني يقول: «كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس» قالها مرارا. و قال الخليلي: «هو إمام بلا مدافعة». و قال الشافعي: «لا أعرف له نظيرا في الدنيا».
(3) التبيان: ص 87.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 151
تصريحات نفاة تواتر القراءات:
و قد رأينا و من المناسب أن نذكر من كلمات خبراء الفن ممن صرح بعدم تواتر القراءات ليظهر الحق في المسألة بأجلى صوره:
1 قال ابن الجزري: «كل قراءة وافقت العربية و لو بوجه، و وافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمال، و صح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، و لا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و وجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، و متى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة، أو شاذة، أو باطلة سواء كانت من السبعة أم عمن هو أكبر منهم».
هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف و الخلف. صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، و نص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب، و كذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي، و حققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة و هو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
2 و قال أبو شامة في كتابه المرشد الوجيز: «فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة و يطلق عليها لفظ الصحة، و انها هكذا أنزلت، إلا


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 152
إذا دخلت في ذلك الضابط، و حينئذ لا يتفرد بنقلها مصنف عن غيره، و لا يختص ذلك بنقلها عن غيرهم من القرّاء فذلك لا يخرجها عن الصحة، فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب اليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة و غيرهم منقسمة إلى المجمع عليه و الشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم، و كثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم: تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم» «1».
3 و قال ابن الجزري أيضا: «و قد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن و لم يكتف فيه بصحة السند، و زعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، و ان ما جاء مجي‏ء الآحاد لا يثبت به قرآن. و هذا مما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم و غيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجب قبوله، و قطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم خالفه، و إذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف، الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة و غيرهم. و لقد كنت- قبل- اجنح الى هذا القول، ثم ظهر فساده و موافقة أئمة السلف و الخلف».
4 و قال الإمام الكبير أبو شامة في مرشده: «و قد شاع على ألسنة جماعة من المقرءين المتأخرين، و غيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل‏
__________________________________________________
(1) النشر في القراءات العشر: 1/ 9.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 153
فرد فرد ما روي عن هؤلاء السبعة. قالوا: و القطع بأنها منزّلة من عند اللّه واجب.
و نحن بهذا نقول، و لكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق، و اتفقت عليه الفرق، من غير نكير له مع أنه شاع و اشتهر و استفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها» «1».
5 و قال السيوطي: «و أحسن من تكلم في هذا النوع إمام القرّاء في زمانه شيخ شيوخنا أبو الخير ابن الجزري. قال في أول كتابه- النشر (كل قراءة وافقت العربية ... فنقل كلام ابن الجزري بطوله الذي نقلنا جملة منه آنفا.- ثم قال- قلت:
أتقن الإمام ابن الجزري هذا الفصل جدا» «2».
6 و قال أبو شامة في كتاب البسملة: «إنا لسنا ممن يلتزم بالتواتر في الكلمات المختلف فيها بين القرّاء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر و غير متواتر، و ذلك بيّن لمن أنصف و عرف، و تصفح القراءات و طرقها» «3».
7 و ذكر بعضهم: «إنه لم يقع لأحد من الأئمة الأصوليين تصريح بتواتر القراءات،
__________________________________________________
(1) النشر في القراءات العشر: 1/ 13. [.....]
(2) الإتقان: 1/ 129، النوع 22- 27.
(3) التبيان: 1/ 102.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 154
و قد صرح بعضهم بأن التحقيق ان القراءات السبع متواترة عن الأئمة السبعة بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات، و هي نقل الواحد عن الواحد» «1».
8 و قال بعض المتأخرين من علماء الأثر: «ادّعى بعض أهل الأصول تواتر كل واحد من القراءات السبع، و ادّعى بعضهم تواتر القراءات العشر و ليس على ذلك إثارة من علم ... و قد نقل جماعة من القرّاء الإجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر، و فيها ما هو آحاد، و لم يقل أحد منهم بتواتر كل واحد من السبع فضلا عن العشر، و إنما هو قول قاله بعض أهل الأصول. و أهل الفن أخبر بفنهم» «2».
9 و قال مكي في جملة ما قال: «و ربما جعلوا الإعتبار بما اتفق عليه عاصم و نافع فإن قراءة هذين الإمامين أولى القراءات، و أصحها سندا، و أفصحها في العربية» «3».
10 و ممن اعترف بعدم التواتر حتى في القراءات السبع: الشيخ محمد سعيد العريان في تعليقاته، حيث قال: «لا تخلو إحدى القراءات من شواذ فيها حتى السبع المشهورة فإن فيها من ذلك أشياء». و قال أيضا: «و عندهم أن أصح القراءات من جهة توثيق‏
__________________________________________________
(1) نفس المصدر: ص 105.
(2) التبيان: 1/ 106.
(3) نفس المصدر: ص 90.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 155
سندها نافع و عاصم، و أكثرها توخّيا للوجوه التي هي أفصح أبو عمرو، و الكسائي» «1».
و لقد اقتصرنا في نقل الكلمات على المقدار اللازم، و ستقف على بعضها الآخر أيضا بعيد ذلك.
تأمّل بربك. هل تبقى قيمة لدعوى التواتر في القراءات بعد شهادة هؤلاء الأعلام كلهم بعدمه؟ و هل يمكن إثبات التواتر بالتقليد، و باتّباع بعض من ذهب إلى تحققه من غير أن يطالب بدليل، و لا سيما إذا كانت دعوى التواتر مما يكذّبها الوجدان؟
و أعجب من جميع ذلك أن يحكم مفتي الديار الأندلسية أبو سعيد بكفر من أنكر تواترها!!! لنفرض أن القراءات متواترة، عند الجميع، فهل يكفر من أنكر تواترها إذا لم تكن من ضروريات الدين، ثم لنفرض أنها بهذا التواتر الموهوم أصبحت من ضروريات الدين، فهل يكفر كل أحد بإنكارها حتى من لم يثبت عنده ذلك؟! أللهم إنّ هذه الدعوى جرأة عليك، و تعدّ لحدودك، و تفريق لكلمة أهل دينك!!!
أدلة تواتر القراءات:
و أما القائلون بتواتر القراءات السبع فقد استدلوا على رأيهم بوجوه:
الأول: دعوى قيام الإجماع عليه من السلف إلى الخلف، و قد وضح للقارى‏ء فساد هذه الدعوى، على أن الإجماع لا يتحقق باتفاق أهل‏
__________________________________________________
(1) اعجاز القرآن للرافعي: ص 52، 53، الطبعة الرابعة.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 156
مذهب واحد عند مخالفة الآخرين. و سنوضح ذلك في الموضع المناسب إن شاء اللّه تعالى.
الثاني: ان اهتمام الصحابة و التابعين بالقرآن يقضي بتواتر قراءته، و إن ذلك واضح لمن أنصف نفسه و عدل.
الجواب:
إن هذا الدليل إنما يثبت تواتر نفس القرآن، لا تواتر كيفية قراءته، و خصوصا مع كون القراءة عند جمع منهم مبتنية على الاجتهاد، أو على السماع و لو من الواحد. و قد عرفت ذلك مما تقدم، و لو لا ذلك لكان مقتضى هذا الدليل أن تكون جميع القراءات متواترة، و لا وجه لتخصيص الحكم بالسّبع أو العشر. و سنوضح للقارى‏ء أن حصر القراءات في السبع إنما حدث في القرن الثالث الهجري، و لم يكن له قبل هذا الزمان عين و لا أثر، و لازم ذلك أن نلتزم إما بتواتر الجميع من غير تفرقة بين القراءات، و إما بعدم تواتر شى‏ء منها في مورد الاختلاف، و الأول باطل قطعا فيكون الثاني هو المتعين.
الثالث: ان القراءات السبع لو لم تكن متواترة لم يكن القرآن متواترا و التالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله: و وجه التلازم أن القرآن إنما وصل إلينا بتوسط حفّاظه، و القرّاء المعروفين، فإن كانت قراءاتهم متواترة فالقرآن متواتر، و إلا فلا. و إذن فلا محيص من القول بتواتر القراءات.
الجواب:
1- ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، لأن الإختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها، و لهذا نجد أن اختلاف الرواة في بعض ألفاظ قصائد


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 157
المتنبي- مثلا- لا يصادم تواتر القصيدة عنه و ثبوتها له: و ان اختلاف الرواة في خصوصيات هجرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا ينافي تواتر الهجرة نفسها.
2- ان الواصل إلينا بتوسّط القرّاء إنما هو خصوصيات قراءاتهم. و أما أصل القرآن فهو و اصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، و بنقل الخلف عن السلف. و تحفظهم على ذلك في صدورهم و في كتاباتهم، و لا دخل للقراء في ذلك أصلا، و لذلك فإن القرآن ثابت التواتر حتى لو فرضنا أن هؤلاء القرّاء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا. و عظمة القرآن أرقى من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين.
الرابع: ان القراءات لو لم تكن متواترة لكان بعض القرآن غير متواتر مثل «ملك» و «مالك» و نحوهما ... فإن تخصيص أحدهما تحكّم باطل. و هذا الدليل ذكره ابن الحاجب و تبعه جماعة من بعده.
الجواب:
1- ان مقتضى هذا الدليل الحكم بتواتر جميع القراءات، و تخصيصه بالسبع أيضا تحكّم باطل. و لا سيما أن في غير القرّاء السبعة من هو أعظم منهم و أوثق، كما اعترف به بعضهم، و ستعرف ذلك. و لو سلمنا أن القرّاء السبعة أوثق من غيرهم، و أعرف بوجوه القراءات، فلا يكون هذا سببا لتخصيص التواتر بقراءاتهم دون غيرهم. نعم ذلك يوجب ترجيح قراءاتهم على غيرها في مقام العمل. و بين الأمرين بعد المشرقين، و الحكم بتواتر جميع القراءات باطل بالضرورة.
2- ان الاختلاف في القراءة إنما يكون سببا لالتباس ما هو القرآن بغيره، و عدم تميزه من حيث الهيئة أو من حيث الإعراب، و هذا لا ينافي تواتر أصل القرآن.


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 158
فالمادة متواترة و إن اختلف في هيئتها أو في إعرابها، و إحدى الكيفيتين أو الكيفيات من القرآن قطعا و إن لم تعلم بخصوصها.
تعقيب:
و من الحق إن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات. و قد اعترف بذلك الزرقاني حيث قال: يبالغ بعضهم في الإشادة بالقراءات السبع، و يقول من زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر، لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة، و يعزى هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية الأستاذ أبي سعيد فرج ابن لب، و قد تحمّس لرأيه كثيرا و ألف رسالة كبيرة في تأييد مذهبه. و الرد على من رد عليه، و لكن دليله الذي استند اليه لا يسلم. فإن القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن، كيف و هناك فرق بين القرآن و القراءات السبع، بحيث يصح أن يكون القرآن متواترا في غير القراءات السبع، أو في القدر الذي اتفق عليه القرّاء جميعا. أو في القدر الذي اتفق عليه عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب قرّاء كانوا أو غير قرّاء «1».
و ذكر بعضهم: ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، و انه لم يقع لأحد من أئمة الأصوليين تصريح بتواتر القراءات و توقف تواتر القرآن على تواترها، كما وقع لابن الحاجب «2».
قال الزركشي في «البرهان»: للقرآن و القراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للبيان و الاعجاز، و القراءات اختلاف ألفاظ الوحي‏
__________________________________________________
(1) مناهل العرفان: ص 248.
(2) التبيان: ص 105.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 159
المذكور في الحروف، و كيفيتها من تخفيف و تشديد غيرهما، و القراءات السبع متواترة عند الجمهور، و قيل بل هي مشهورة. (و قال أيضا:) و التحقيق انها متواترة عن الأئمة السبعة. أما تواترها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففيه نظر، فإن اسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات، و هي نقل الواحد عن الواحد «1».
القراءات و الأحرف السبعة:
قد يتخيل أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هي القراءات السبع، فيتمسك لإثبات كونها من القرآن بالروايات التي دلت على أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا بد لنا أن ننبه على هذا الغلط، و ان ذلك شى‏ء لم يتوهمه أحد من العلماء المحققين.
هذا إذا سلمنا ورود هذه الروايات، و لم نتعرض لها بقليل و لا كثير. و سيأتي الكلام على هذه الناحية.
و الأولى أن نذكر كلام الجزائري في هذا الموضع. قال:
«لم تكن القراءات السبع متميزة عن غيرها، حتى قام الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد- و كان على رأس الثلاثمائة ببغداد- فجمع قراءات سبعة من مشهوري أئمة الحرمين و العراقين و الشام، و هم: نافع، و عبد اللّه بن كثير، و أبو عمرو بن العلاء، و عبد اللّه بن عامر، و عاصم، و حمزة، و علي الكسائي. و قد توهم بعض الناس أن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة، و ليس الأمر كذلك ...
و قد لام كثير من العلماء ابن مجاهد على اختياره عدد السبعة، لما فيه من الإيهام ...
قال أحمد بن عمار المهدوي: لقد فعل مسبّع هذه السبعة ما لا ينبغي له، و أشكل الأمر
__________________________________________________
(1) الإتقان: 1/ 138، النوع 22- 27.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 160
على العامة بايهامه كل من قلّ نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر، و ليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة ...».
و قال الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد القراب في الشافي:
«التمسك بقراءة سبعة من القرّاء دون غيرهم ليس فيه أثر و لا سنة، و إنما هو من جمع بعض المتأخرين، لم يكن قرأ بأكثر من السبع، فصنف كتابا، و سماه كتاب السبعة، فانتشر ذلك في العامة ...».
و قال الإمام أبو محمد مكي:
«قد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة، و أجل قدرا من هؤلاء السبعة ... فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين، قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها- هذا تخلّف عظيم- أ كان ذلك بنص من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أم كيف ذلك!!! و كيف يكون ذلك؟ و الكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون و غيره- و كان السابع يعقوب الحضرمي- فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة و نحوها الكسائي موضع يعقوب» «1».
و قال الشرف المرسي:
«و قد ظن كثير من العوام أن المراد بها- الأحرف السبعة- القراءات السبع، و هو جهل قبيح» «2».
و قال القرطبي:
«قال كثير من علمائنا كالداودي، و ابن أبي سفرة و غيرهما: هذه القراءات السبع،
__________________________________________________
(1) التبيان: 1/ 82.
(2) نفس المصدر: 61.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 161
التي تنسب لهؤلاء القرّاء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، و إنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، و هو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس و غيره و هذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القرّاء» «1».
و تعرض ابن الجزري لإبطال توهم من زعم أن الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن مستمرة إلى اليوم. فقال:
«و أنت ترى ما في هذا القول، فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة و العشرة، و الثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهورا في الاعصار الاول، قلّ من كثر، و نزر من بحر، فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين، و ذلك أن القرّاء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة، و غيرهم كانوا أمما لا تحصى، و طوائف لا تستقصى، و الذين أخذوا عنهم أيضا أكثر و هلم جرا. فلما كانت المائة الثالثة، و اتسع الخرق و قلّ الضّبط، و كان علم الكتاب و السنّة أوفر ما كان في ذلك العصر، تصدّى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام، و جعلهم- فيما أحسب- خمسة و عشرين قارئا مع هؤلاء السبعة و توفي سنة 224 و كان بعده أحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية، جمع كتابا في قراءات الخمسة، من كل مصر واحد. و توفي سنة 258 و كان بعده القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون، ألّف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم هؤلاء السبعة. توفي سنة 282 و كان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جمع كتابا سماه «الجامع» فيه نيف و عشرون قراءة.
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي: 1/ 46.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 162
توفي سنة 310 و كان بعيده أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني، جمع كتابا في القراءات، و أدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة. و توفي سنة 324، و كان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، و روى فيه عن هذا الداجوني، و عن ابن جرير أيضا. و توفي سنة 324».
ثم ذكر ابن الجزري جماعة ممن كتب في القراءة. فقال:
«و إنما أطلنا هذا الفصل، لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، أو أن الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هي قراءة هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في «الشاطبية و التيسير»، و أنها هي المشار إليها بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنزل القرآن على سبعة أحرف، حتى أن بعضهم يطلق على ما لم يكن في هذين الكتابين أنه شاذ، و كثير منهم يطلق على ما لم يكن عن هؤلاء السبعة شاذا، و ربما كان كثير مما لم يكن في «الشاطبية و التيسير»، و عن غير هؤلاء السبعة أصح من كثير مما فيهما، و إنما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا «أنزل القرآن على سبعة أحرف» و سمعوا قراءات السبعة فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها، و لذلك كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القرّاء، و خطّأوه في ذلك، و قالوا: ألا اقتصر على دون هذا العدد أو زاده، أو بيّن مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة. ثم نقل ابن الجزري- بعد ذلك- عن ابن عمار المهدوي، و أبي محمد مكي ما تقدم نقله عنهما آنفا» «1».

__________________________________________________
(1) النشر في القراءات العشر: 1/ 33- 37.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 163
قال أبو شامة:
«ظنّ قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، و هو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، و إنما يظن ذلك بعض أهل الجهل» «1».
و بهذا الاستعراض قد استبان للقارى‏ء، و ظهر له ظهورا تاما أن القراءات ليست متواترة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا عن القراء أنفسهم، من غير فرق بين السبع و غيرها، و لو سلّمنا تواترها عن القراء فهي ليست متواترة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قطعا. فالقراءات إما أن تكون منقولة بالآحاد، و إما أن تكون اجتهادات من القراء أنفسهم، فلا بد لنا من البحث في موردين:
1- حجية القراءات:
ذهب جماعة إلى حجية هذه القراءات، فجوّزوا أن يستدل بها على الحكم الشرعي، كما استدل على حرمة و طى‏ء الحائض بعد نقائها من الحيض و قبل أن تغتسل، بقراءة الكوفيين- غير حفص- قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ بالتشديد.
الجواب:
و لكن الحق عدم حجية هذه القراءات، فلا يستدل بها على الحكم الشرعي.
و الدليل على ذلك أن كل واحد من هؤلاء القراء يحتمل فيه الغلط و الاشتباه، و لم يرد دليل من العقل، و لا من الشرع على وجوب اتباع قارئ منهم بالخصوص، و قد استقل العقل، و حكم الشرع بالمنع عن اتباع غير العلم. و سيأتي توضيح ذلك إن شاء اللّه تعالى.
__________________________________________________
(1) الإتقان: 1/ 138، النوع 22- 27. [.....]



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 164
و لعل أحدا يحاول أن يقول: إن القراءات- و إن لم تكن متواترة- إلا أنها منقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتشملها الأدلة القطعية التي أثبتت حجية الخبر الواحد، و إذا شملتها هذه الأدلة القطعية خرج الاستناد إليها عن العمل بالظن بالورود، أو الحكومة، أو التخصيص «1».
الجواب:
أولا: ان القراءات لم يتضح كونها رواية، لتشملها هذه الأدلة، فلعلها اجتهادات من القراء، و يؤيد هذا الاحتمال ما تقدم من تصريح بعض الأعلام بذلك، بل إذا لا حظنا السبب الذي من أجله اختلف القراء في قراءاتهم- و هو خلوّ المصاحف المرسلة إلى الجهات من النقط و الشكل- يقوى هذا الاحتمال جدا.
قال ابن أبي هاشم:
«إن السبب في اختلاف القراءات السبع و غيرها. ان الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة و كانت المصاحف خالية من النقط و الشكل. قال: فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة، بشرط موافقة الخط، و تركوا ما يخالف الخط ... فمن ثم نشا الاختلاف بين قراء الأمصار» «2».
و قال الزرقاني:
«كان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف و شكله، مبالغة منهم في‏
__________________________________________________
(1) و قد أوضحنا الفرق بين هذه المعاني في مبحث «التعادل و الترجيح» في محاضراتنا الاصولية المنتشرة.
(المؤلف).
(2) التبيان: ص 86.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 165
المحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، و خوفا من أن يؤدي ذلك إلى التغيير فيه ... و لكن الزمان تغيّر- كما علمت- فاضطر المسلمون إلى إعجام المصحف و شكله لنفس ذلك السبب، أي للمحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، و خوفا من أن يؤدي تجرّده من النقط و الشكل إلى التغيير فيه» «1».
ثانيا: ان رواة كل قراءة من هذه القراءات، لم يثبت وثاقتهم أجمع، فلا تشمل أدلة حجية خبر الثقة روايتهم. و يظهر ذلك مما قدّمناه في ترجمة أحوال القراء و رواتهم.
ثالثا: إنا لو سلمنا أن القراءات كلها تستند إلى الرواية، و أن جميع رواتها ثقات، إلا أنّا نعلم علما إجماليا أن بعض هذه القراءات لم تصدر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قطعا، و من الواضح أن مثل هذا العلم يوجب التعارض بين تلك الروايات و تكون كل واحدة منها مكذبة للاخرى، فتسقط جميعها عن الحجية، فإن تخصيص بعضها بالاعتبار ترجيح بلا مرجح، فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب المعارضة، و بدونه لا يجوز الاحتجاج على الحكم الشرعي بواحدة من تلك القراءات.
و هذه النتيجة حاصلة أيضا إذا قلنا بتواتر القراءات. فإن تواتر القراءتين المختلفتين عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يورث القطع بأن كل من القراءتين قرآن منزل من اللّه، فلا يكون بينهما تعارض بحسب السند، بل يكون التعارض بينهما بحسب الدلالة. فإذا علمنا إجمالا أن أحد الظاهرين غير مراد في الواقع فلا بد من القول بتساقطهما، و الرجوع إلى الأصل اللفظي أو العملي، لأن أدلة الترجيح، أو التخيير تختص بالأدلة التي يكون سندها ظنيا، فلا تعمّ ما يكون صدوره قطعيا. و تفصيل ذلك كله في بحث «التعادل و الترجيح» من علم الأصول.
__________________________________________________
(1) مناهل العرفان: ص 402، الطبعة الثانية.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 166
2- جواز القراءة بها في الصلاة:
ذهب الجمهور من علماء الفريقين إلى جواز القراءة بكل واحدة من القراءات السبع في الصلاة، بل ادعي على ذلك الإجماع في كلمات غير واحد منهم، و جوّز بعضهم القراءة بكل واحدة من العشر، و قال بعضهم بجواز القراءة بكل قراءة وافقت العربية و لو بوجه، و وافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمالا، و صحّ سندها، و لم يحصرها في عدد معين.
و الحق: ان الذي تقتضيه القاعدة الأولية، هو عدم جواز القراءة في الصلاة بكل قراءة لم تثبت القراءة بها من النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو من أحد أوصيائه المعصومين عليهم السّلام لأن الواجب في الصلاة هو قراءة القرآن فلا يكفي قراءة شى‏ء لم يحرز كونه قرآنا، و قد استقلّ العقل بوجوب إحراز الفراغ اليقيني بعد العلم باشتغال الذمة، و على ذلك فلا بدّ من تكرار الصلاة بعدد القراءات المختلفة أو تكرار مورد الاختلاف في الصلاة الواحدة، لإحراز الامتثال القطعي، ففي سورة الفاتحة يجب الجمع بين قراءة «مالك»، و قراءة «ملك». أما السورة التامة التي تجب قراءتها بعد الحمد- بناء على الأظهر- فيجب لها إما اختيار سورة ليس فيها اختلاف في القراءة، و إما التكرار على النحو المتقدم.
و أما بالنظر إلى ما ثبت قطعيا من تقرير المعصومين- عليهم السّلام- شيعتهم على القراءة، بأيّة واحدة من القراءات المعروفة في زمانهم، فلا شك في كفاية كل واحدة منها. فقد كانت هذه القراءات معروفة في زمانهم، و لم يرد عنهم أنهم ردعوا عن بعضها، و لو ثبت الردع لوصل إلينا بالتواتر، و لا أقل من نقله بالآحاد، بل ورد


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 167
عنهم عليهم السّلام إمضاء هذه القراءات بقولهم: «اقرأ كما يقرأ الناس» «1». «اقرؤوا كما علّمتم» «2». و على ذلك فلا معنى لتخصيص الجواز بالقراءات السبع أو العشر، نعم يعتبر في الجواز أن لا تكون القراءة شاذة، غير ثابتة بنقل الثقات عند علماء أهل السنة، و لا موضوعة، أما الشاذة فمثالها قراءة، ملك يوم الدين بصيغة الماضي و نصب يوم، و أما الموضوعة فمثالها قراءة إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ برفع كلمة اللّه و نصب كلمة العلماء على قراءة الخزاعي عن أبي حنيفة.
و صفوة القول: أنه تجوز القراءة في الصلاة بكل قراءة كانت متعارفة في زمان أهل البيت عليهم السّلام.
__________________________________________________
(1) الكافي: 2/ 633، باب النوادر، الحديث: 23.
(2) الكافي: 2/ 631، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، الحديث: 15.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 169
هل نزل القرآن على سبعة أحرف؟!!



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 170
- عرض الروايات حول نزول القرآن على سبعة أحرف.
- تفنيد تلك الروايات.
- عدم رجوع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول.
- الوجوه العشرة التي ذكروها تفسيرا للأحرف السبعة.
- بيان فساد تلك الوجوه


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 171
عرض الروايات حول نزول القرآن على سبعة أحرف‏
لقد ورد في روايات أهل السنة: أن القرآن انزل على سبعة أحرف، فيحسن بنا أن نتعرض إلى التحقيق في ذلك بعد ذكر هذه الروايات:
1- أخرج الطبري، عن يونس و أبي كريب، بإسنادهما، عن ابن شهاب، بإسناده عن ابن عباس، حدثه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:
«أقرأني جبرئيل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف».
و رواها مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب عن يونس «1» و رواها البخاري بسند آخر «2» و روى مضمونها عن ابن البرقي، بإسناده عن ابن عباس.
2- و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده، عن أبيّ بن كعب قال:
__________________________________________________
(1) صحيح مسلم: 2/ 202، كتاب صلاة المسافرين و قصرها رقم الحديث: 355. طبعة محمد علي صبيح بمصر.
(2) صحيح البخاري: 6/ 100، كتاب بدء الخلق، باب انزل القرآن على سبعة أحرف، رقم الحديث: 2980.
طبعة دار الخلافة. المطبعة العامرة.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 172
«كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فدخلنا جميعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: فقلت يا رسول اللّه إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقرءا، فحسّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شأنهما، فوقع في نفسي من التكذيب، و لا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا كأنما أنظر إلى اللّه فرقا. فقال لي: يا أبيّ أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه أن هوّن على امتي، فرد عليّ في الثانية أن اقرأ القرآن على حرف «1» فرددت عليه أن هوّن على امتي، فردّ عليّ في الثالثة ان اقرأه على سبعة أحرف، و لك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها.
فقلت: اللهم اغفر لامتي. اللهم اغفر لامتي، و أخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السّلام» «2».
و هذه الرواية رواها مسلم أيضا بأدنى اختلاف «3». و أخرجها الطبري عن أبي كريب بطرق أخرى باختلاف يسير أيضا. و روى ما يقرب من مضمونها عن طريق يونس بن عبد الأعلى و عن طريق محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن أبيّ.
3- و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن سليمان بن صرد، عن أبيّ بن كعب قال:
__________________________________________________
(1) هكذا في النسخة، و في صحيح مسلم: على حرفين.
(2) مسند احمد: مسند الأنصار، رقم الحديث: 20234 و 20242.
(3) صحيح مسلم: 2/ 203، رقم الحديث: 1356. كتاب صلاة المسافرين و قصرها.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 173
«رخت إلى المسجد فسمعت رجلا يقرأ. فقلت: من أقرأك؟
فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فانطلقت به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:
استقرى‏ء هذا، فقرأ. فقال: أحسنت. قال: فقلت إنك أقرأتني كذا و كذا فقال: و أنت قد أحسنت. قال: فقلت قد أحسنت قد أحسنت.
قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: اللهم أذهب عن أبيّ الشك.
قال: ففضت عرقا و امتلأ جوفي فرقا، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن الملكين أتياني. فقال أحدهما: اقرأ القرآن على حرف، و قال الآخر: زده قال: فقلت زدني. قال: اقرأ على حرفين حتى بلغ سبعة أحرف.
فقال: اقرأ على سبعة أحرف».
4- و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال:
«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال جبرئيل: اقرأ القرآن على حرف.
فقال ميكائيل: استزده فقال: على حرفين، حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف- و الشك من أبي كريب- فقال: كلها شاف كاف. ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب كقولك: هلمّ و تعال».
5- و أخرج عن أحمد بن منصور، بإسناده، عن عبد اللّه بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده قال:
«قرأ رجل عند عمر بن الخطاب فغيّر عليه فقال: لقد قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يغير عليّ قال: فاختصما عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه ألم تقرئني آية كذا و كذا؟ قال: بلى. فوقع في صدر عمر شى‏ء فعرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك في وجهه. قال: فضرب


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 174
صدره. و قال: أبعد شيطانا، قالها ثلاثا ثم قال: يا عمر إن القرآن كله سواء، ما لم تجعل رحمة عذابا و عذابا رحمة».
و أخرج عن يونس بن عبد الأعلى، بإسناده، عن عمر بن الخطاب قضية مع هشام بن حكيم تشبه هذه القصة. و روى البخاري و مسلم و الترمذي قصة عمر مع هشام بإسناد غير ذلك، و اختلاف في ألفاظ الحديث «1».
6- و أخرج عن محمد بن المثنى، بإسناده، عن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان عند إضاءة بني غفار قال:
«فأتاه جبرئيل. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقال: اسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن أمتي لا تطيق ذلك. قال: ثم أتاه الثانية. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. فقال: أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن امتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الثالثة. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن امتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الرابعة. فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا».
و رواها مسلم أيضا في صحيحه «2». و أخرج الطبري أيضا نحوها، عن أبي‏
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري: كتاب الخصومات، رقم الحديث: 2241 و كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث: 4653.
و صحيح مسلم: 2/ 202، كتاب صلاة المسافرين و قصرها، رقم الحديث: 1354، و رقم الحديث: 1357. و سنن النسائي: كتاب الافتتاح رقم الحديث: 930. و سنن الترمذي: كتاب القراءات رقم الحديث: 2867.
(2) صحيح مسلم: 2/ 203، رقم الحديث: 1357.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 175
كريب، بإسناده، عن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب. و أخرج أيضا بعضها، عن أحمد بن محمد الطوسي، بإسناده، عن ابن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب باختلاف يسير.
و أخرجها أيضا عن محمد بن المثنى، بإسناده عن أبيّ بن كعب.
7- و أخرج عن أبي كريب بإسناده عن زر عن أبيّ قال:
«لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جبرئيل عند أحجار المراء. فقال: إني بعثت إلى أمّة أمّيين منهم الغلام و الخادم، و فيهم الشيخ الفاني و العجوز. فقال جبرئيل: فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف» «1».
8- و أخرج عن عمرو بن عثمان العثماني، بإسناده، عن المقبري، عن أبي هريرة أنه قال:
«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف، فاقرأوا و لا حرج، و لكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، و لا ذكر عذاب برحمة».
9- و أخرج عن عبيد بن أسباط، بإسناده، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. قال:
«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «انزل القرآن على سبعة أحرف. عليم.
حكيم. غفور. رحيم».
و أخرج عن أبي كريب، بإسناده، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مثله.
10- و أخرج، عن سعيد بن يحيى، بإسناده، عن عاصم، عن زر، عن عبد اللّه بن مسعود قال:
__________________________________________________
(1) و رواها الترمذي أيضا بأدنى اختلاف: 11/ 62.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 176
«تمارينا في سورة من القرآن، فقلنا: خمس و ثلاثون، أو ست و ثلاثون آية. قال: فانطلقنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوجدنا عليا يناجيه. قال: فقلنا إنما اختلفنا في القراءة. قال: فاحمرّ وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم. قال: ثم أسرّ الى عليّ شيئا. فقال لنا عليّ: إن رسول اللّه يأمركم أن تقرءوا كما علّمتم» «1».
11- و أخرج القرطبي، عن أبي داود، عن أبيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«يا أبيّ إني قرأت القرآن. فقيل لي: على حرف أو حرفين. فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة.
فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت سميعا، عليما، عزيزا، حكيما، ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب» «2».
هذه أهم الروايات التي رويت في هذا المعنى، و كلها من طرق أهل السنة، و هي مخالفة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
«إن القرآن واحد نزل من عند واحد، و لكن الإختلاف يجي‏ء من قبل الرواة» «3».
و قد سأل الفضيل بن يسار أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال:
__________________________________________________
(1) هذه الروايات كلها مذكورة في تفسير الطبري: 1/ 9- 15. [.....]
(2) تفسير القرطبي: 1/ 43.
(3) اصول الكافي: 1/ 630، كتاب فضل القرآن- باب النوادر، رقم الحديث: 12.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 177
«إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
كذبوا- أعداء اللّه- و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد» «1».
و قد تقدم إجمالا أن المرجع بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في امور الدين، إنما هو كتاب اللّه و أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا «و سيأتي توضيحه مفصلا بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى» و لا قيمة للروايات إذا كانت مخالفة لما يصح عنهم.
و لذلك لا يهمنا أن نتكلم عن أسانيد هذه الروايات. و هذا أول شى‏ء تسقط به الرواية عن الاعتبار و الحجية. و يضاف إلى ذلك ما بين هذه الروايات من التخالف و التناقض، و ما في بعضها من عدم التناسب بين السؤال و الجواب.
تهافت الروايات:
فمن التناقض أن بعض الروايات دلّ على أن جبرئيل أقرأ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حرف فاستزاده النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فزاده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، و هذا يدل على أنّ الزيادة كانت على التدريج، و في بعضها أن الزيادة كانت مرة واحدة في المرة الثالثة، و في بعضها أن اللّه أمره في المرة الثالثة أن يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف، و كان الأمر بقراءة سبع في المرة الرابعة.
و من التناقض أن بعض الروايات يدل على أن الزيادة كلها كانت في مجلس واحد، و أن طلب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزيادة كان بإرشاد ميكائيل، فزاده جبرئيل حتى بلغ‏
__________________________________________________
(1) اصول الكافي 1/ 630، كتاب فضل القرآن- باب النوادر- رقم الحديث: 13.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 178
سبعا، و بعضها يدل على أن جبرئيل كان ينطلق و يعود مرة بعد مرة.
و من التناقض أن بعض الروايات يقول: إن أبيّ دخل المسجد، فرأى رجلا يقرأ على خلاف قراءته. و في بعضها أنه كان في المسجد، فدخل رجلان و قراءا على خلاف قراءته. و قد وقع فيها الاختلاف أيضا فيما قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبيّ ... إلى غير ذلك من الاختلاف.
و من عدم التناسب بين السؤال و الجواب، ما في رواية ابن مسعود من قول علي عليه السّلام إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأمركم أن تقرءوا كما علمّتم. فإن هذا الجواب لا يرتبط بما وقع فيه النزاع من الاختلاف في عدد الآيات. أضف إلى جميع ذلك أنه لا يرجع نزول القرآن على سبعة أحرف إلى معنى معقول، و لا يتحصل للناظر فيها معنى صحيح.
وجوه الأحرف السبعة:
و قد ذكروا في توجيه نزول القرآن على سبعة أحرف وجوها كثيرة نتعرض للمهم منها مع مناقشتها و بيان فسادها:
1- المعاني المتقاربة:
إن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو «عجّل، و أسرع، واسع» و كانت هذه الأحرف باقية إلى زمان عثمان فحصرها عثمان بحرف واحد، و أمر بإحراق بقية المصاحف التي كانت على غيره من الحروف الستة. و اختار هذا الوجه الطبري «1». و جماعة. و ذكر القرطبي أنه مختار أكثر أهل العلم «2». و كذلك قال‏
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري: 1/ 15.
(2) تفسير القرطبي: 1/ 42.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 179
أبو عمرو بن عبد البر «1».
و استدلوا على ذلك برواية ابن أبي بكرة، و أبي داود، و غيرهما مما تقدم. و برواية يونس بإسناده، عن ابن شهاب. قال:
«أخبرني سعيد بن المسيب أن الذي ذكر اللّه تعالى ذكره:
إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ «16: 103».
إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سميع عليم، أو عزيز حكيم، و غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو على الوحي، فيستفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول: «أ عزيز حكيم، أو سميع عليم، أو عزيز عليم»؟ فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيّ ذلك كتبت فهو كذلك، ففتنه ذلك. فقال: إن محمدا أو كل ذلك إليّ فاكتب ما شئت».
و استدلوا أيضا بقراءة أنس «إن ناشئة الليل هي أشدّ وطأ و أصوب قيلا» فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة إنما هي «و أقوم» فقال: «أقوم، و أصوب، و أهدى واحد».
و بقراءة ابن مسعود «إن كانت إلّا زقية واحدة» «2».
و بما رواه الطبري عن محمد بن بشار، و أبي السائب بإسنادهما عن همام أن أبا الدرداء كان يقرى‏ء رجلا:
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ «44: 44».
قال: فجعل الرجل يقول «إن شجرة الزقوم طعام اليتيم» قال: فلما أكثر عليه أبو
__________________________________________________
(1) التبيان: 2: ص 39.
(2) تفسير الطبري: 1/ 18.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 180
الدرداء فرآه لا يفهم. قال: «إن شجرة الزقوم طعام الفاجر» «1».
و استدلوا أيضا على ذلك بما تقدم من الروايات الدالة على التوسعة: «ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة».
فإن هذا التحديد لا معنى له إلا أن يراد بالسبعة أحرف جواز تبديل بعض الكلمات ببعض. فاستثنى من ذلك ختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب.
و بمقتضى هذه الروايات لا بد من حمل روايات السبعة أحرف على ذلك بعد رد مجملها إلى مبيّنها.
إن جميع ما ذكر لها من المعاني أجنبي عن مورد الروايات- و ستعرف ذلك- و على هذا فلا بد من طرح الروايات، لأن الالتزام بمفادها غير ممكن.
و الدليل على ذلك:
أولا: ان هذا إنما يتم في بعض معاني القرآن، التي يمكن أن يعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة. و من الضروري أن أكثر القرآن لا يتم فيه ذلك، فكيف تتصور هذه الحروف السبعة التي نزل بها القرآن؟.
ثانيا: إن كان المراد من هذا الوجه أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد جوّز تبديل كلمات القرآن الموجودة بكلمات اخرى تقاربها في المعنى- و يشهد لهذا بعض الروايات المتقدمة- فهذا الاحتمال يوجب هدم أساس القرآن، المعجزة الأبدية، و الحجة على جميع البشر، و لا يشك عاقل في أن ذلك يقتضي هجر القرآن المنزل، و عدم الاعتناء بشأنه. و هل يتوهم عاقل ترخيص النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يقرأ القارئ «يس، و الذكر العظيم، إنك لمن الأنبياء، على طريق سويّ، إنزال الحميد الكريم، لتخوّف قوما ما خوّف أسلافهم‏
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري: 25/ 78، عند تفسير الآية المباركة.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 181
فهم ساهون» فلتقرّ عيون المجوزين لذلك. سبحانك اللهم إن هذا إلا بهتان عظيم. و قد قال اللّه تعالى:
قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ «10: 15».
و إذا لم يكن للنبي أن يبدّل القرآن من تلقاء نفسه، فكيف يجوّز ذلك لغيره؟ و إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علّم براء بن عازب دعاء كان فيه: «و نبيك الذي أرسلت» فقرأ براء «و رسولك الذي أرسلت» فأمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن لا يضع الرسول موضع النبي «1». فإذا كان هذا في الدعاء، فماذا يكون الشأن في القرآن؟. و إن كان المراد من الوجه المتقدم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ على الحروف السبعة- و يشهد لهذا كثير من الروايات المتقدمة- فلا بد للقائل بهذا أن يدلّ على هذه الحروف السبعة التي قرأ بها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأن اللّه سبحانه قد وعد بحفظ ما أنزله:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «9: 15».
ثالثا: أنه صرحت الروايات المتقدمة بأن الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف هي التوسعة على الامة، لأنهم لا يستطيعون القراءة على حرف واحد، و أن هذا هو الذي دعا النبي إلى الاستزادة إلى سبعة أحرف. و قد رأينا أن اختلاف القراءات أوجب أن يكفّر بعض المسلمين بعضا. حتى حصر عثمان القراءة بحرف واحد، و أمر بإحراق بقية المصاحف.
و يستنتج من ذلك امور:
1- إن الإختلاف في القراءة كان نقمة على الأمة. و قد ظهر ذلك في عصر عثمان،
__________________________________________________
(1) التبيان: ص 58.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 182
فكيف يصح أن يطلب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من اللّه ما فيه فساد الأمة. و كيف يصح على اللّه أن يجيبه إلى ذلك؟ و قد ورد في كثير من الروايات النهي عن الإختلاف. و أن فيه هلاك الأمة. و في بعضها أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تغير وجهه و احمرّ حين ذكر له الاختلاف في القراءة.
و قد تقدم جملة منها، و سيجي‏ء بعد هذا جملة اخرى.
2- قد تضمنت الروايات المتقدمة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إن أمتي لا تستطيع ذلك «القراءة على حرف واحد» و هذا كذب صريح، لا يعقل نسبته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنا نجد الامة بعد عثمان على اختلاف عناصرها و لغاتها قد استطاعت أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فكيف يكون من العسر عليها أن تجتمع على حرف واحد في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد كانت الأمة من العرب الفصحى.
3- إن الاختلاف الذي أوجب لعثمان أن يحصر القراءة في حرف واحد قد اتفق في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد أقرّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كل قارئ على قراءته، و أمر المسلمين بالتسليم لجميعها، و أعلمهم بأن ذلك رحمة من اللّه لهم، فكيف صح لعثمان، و لتابعيه سد باب الرحمة، مع نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن المنع عن قراءة القرآن، و كيف جاز للمسلمين رفض قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخذ قول عثمان و إمضاء عمله، أ فهل و جدوه أرأف بالأمة من نبيها أو أنه تنبه لشى‏ء قد جهله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قبل و حاشاه، أو أن الوحي قد نزل على عثمان بنسخ تلك الحروف؟!.
و خلاصة الكلام: أن بشاعة هذا القول تغني عن التكلف عن ردّه، و هذه هي العمدة في رفض المتأخرين من علماء أهل السنة لهذا القول. و لأجل ذلك قد التجأ بعضهم كأبي جعفر محمد بن سعدان النحوي، و الحافظ جلال الدين السيوطي إلى القول بأن هذه الروايات من المشكل و المتشابه، و ليس يدرى ما هو مفادها «1». مع‏
__________________________________________________
(1) التبيان: ص 61.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 183
أنك قد عرفت أن مفادها أمر ظاهر، و لا يشك فيه الناظر إليها، كما ذهب اليه و اختاره أكثر العلماء.
2- الأبواب السبعة:
ان المراد بالأحرف السبعة هي الأبواب السبعة التي نزل منها القرآن و هي زجر، و أمر، و حلال، و حرام، و محكم، و متشابه، و أمثال.
و استدل عليه بما رواه يونس، بإسناده، عن ابن مسعود، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:
«كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، و نزل القرآن من سبعة أبواب و على سبعة أحرف: زجر، و أمر، و حلال، و حرام، و محكم، و متشابه، و أمثال. فأحلّوا حلاله، و حرّموا حرامه، و افعلوا ما أمرتم به، و انتهوا عما نهيتم عنه، و اعتبروا بأمثاله، و اعملوا بمحكمه، و آمنوا بمتشابهه، و قولوا آمنّا به كلّ من عند ربنا» «1».
و يرد على هذا الوجه:
1- أن ظاهر الرواية كون الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن غير الأبواب السبعة التي نزل منها، فلا يصح ان يجعل تفسيرا لها، كما يريده أصحاب هذا القول.
2- أن هذه الرواية معارضة برواية أبي كريب، بإسناده عن ابن مسعود. قال:
إن اللّه أنزل القرآن على خمسة أحرف: حلال، و حرام، و محكم، و متشابه، و أمثال «2».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري: 1/ 23.
(2) تفسير الطبري: 1/ 24.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 184
3- ان الرواية مضطربة في مفادها، فإن الزجر و الحرام بمعنى واحد، فلا تكون الأبواب سبعة، على أن في القرآن أشياء اخرى لا تدخل في هذه الأبواب السبعة، كذكر المبدأ و المعاد، و القصص، و الاحتجاجات و المعارف، و غير ذلك. و إذا أراد هذا القائل أن يدرج جميع هذه الأشياء في المحكم و المتشابه كان عليه أن يدرج الأبواب المذكورة في الرواية فيهما أيضا، و يحصر القرآن في حرفين «المحكم و المتشابه» فإن جميع ما في القرآن لا يخلو من أحدهما.
4- ان اختلاف معاني القرآن على سبعة أحرف لا يناسب ما دلت عليه الأحاديث المتقدمة من التوسعة على الأمة، لأنها لا تتمكن من القراءة على حرف واحد.
5- ان في الروايات المتقدمة ما هو صريح في أن الحروف السبعة هي الحروف التي كانت تختلف فيها القرّاء، و هذه الرواية إذا تمت دلالتها لا تصلح قرينة على خلافها.
3- الأبواب السبعة بمعنى آخر:
إن الحروف السبعة هي: الأمر، و الزجر، و الترغيب، و الترهيب، و الجدل، و القصص، و المثل. و استدل على ذلك برواية محمد بن بشار، بإسناده، عن أبي قلامة قال:
«بلغني أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: انزل القرآن على سبعة أحرف: أمر، و زجر، و ترغيب، و ترهيب، و جدل، و قصص، و مثل» «1».
و جوابه يظهر مما قدمناه في جواب الوجه الثاني.
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري: 1/ 24.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 185
4- اللغات الفصيحة:
إن الأحرف السبعة هي اللغات الفصيحة من لغات العرب، و أنها متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش، و بعضه بلغة هذيل، و بعضه بلغة هوازن، و بعضه بلغة اليمن، و بعضه بلغة كنانة، و بعضه بلغة تميم، و بعضه بلغة ثقيف. و نسب هذا القول الى جماعة، منهم: البيهقي، و الأبهري، و صاحب القاموس.
و يرده:
1- ان الروايات المتقدمة قد عينت المراد من الأحرف السبعة، فلا يمكن حملها على أمثال هذه المعاني التي لا تنطبق على موردها.
2- ان حمل الأحرف على اللغات ينافي ما روي عن عمر من قوله: نزل القرآن بلغة مضر «1». و انه أنكر على ابن مسعود قراءته «عتى حين» أي حتى حين، و كتب اليه أن القرآن لم ينزل بلغة هذيل، فأقرى‏ء الناس بلغة قريش، و لا تقرئهم بلغة هذيل «2».
و ما روي عن عثمان أنه قال: «للرهط القرشيين الثلاثة، إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شى‏ء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم» «3».
و ما روي: «من أن عمر و هشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان، فقرأ هشام قراءة. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هكذا أنزلت، و قرأ عمر قراءة غير تلك القراءة.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هكذا أنزلت، ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن هذا القرآن أنزل‏
__________________________________________________
(1) التبيان: ص 64. [.....]
(2) نفس المصدر: ص 65.
(3) صحيح البخاري: 1/ 156، كتاب المناقب، باب نزل القرآن بلسان قريش، رقم الحديث: 3244.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 186
على سبعة أحرف» «1».
فإن عمر و هشام كان كلاهما من قريش، فلم يكن حينئذ ما يوجب اختلافهما في القراءة، و يضاف إلى جميع ذلك أن حمل الأحرف على اللغات قول بغير علم، و تحكّم من غير دليل 3- ان القائلين بهذا القول إن أرادوا أن القرآن اشتمل على لغات اخرى، كانت لغة قريش خالية منها، فهذا المعنى خلاف التسهيل على الأمة، الذي هو الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف، على ما نطقت الروايات بذلك، بل هو خلاف الواقع، فإن لغة قريش هي المهيمنة على سائر لغات العرب، و قد جمعت من هذه اللغات ما هو أفصحها، و لذلك استحقت أن توزن بها العربية، و أن يرجع إليها في قواعدها.
و إن أرادوا أن القرآن مشتمل على لغات اخرى و لكنها تتحد مع لغة قريش، فلا وجه للحصر بلغات سبع، فإن في القرآن ما يقرب من خمسين لغة. فعن أبي بكر الواسطي: في القرآن من اللغات خمسون لغة، و هي لغات قريش، و هذيل، و كنانة، و خثعم، و الخزرج، و أشعر، و نمير ... «2».
5- لغات مضر:
إن الأحرف السبعة هي سبع لغات من لغات مضر خاصة، و انها متفرقة في القرآن، و هي لغات قريش، و أسد، و كنانة، و هذيل، و تميم، و ضبّة، و قيس.
و يرد عليه جميع ما أوردناه على الوجه الرابع.
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري: كتاب الخصومات، رقم الحديث: 2241.
(2) راجع الإتقان: 1/ 204- 230، النوع 37.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 187
6- الاختلاف في القراءات:
إن الأحرف السبعة هي وجوه الاختلاف في القراءات. قال بعضهم: إني تدّبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا.
فمنها: ما تتغير حركته و لا يزول معناه و لا صورته مثل: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ بضم أطهر و فتحه.
و منها: ما تتغيير صورته و يتغير معناه بالإعراب مثل: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا بصيغة الأمر و الماضي.
و منها: ما تبقى صورته و يتغير معناه باختلاف الحروف مثل: «كالعهن المنفوش و «كالصوف المنفوش».
و منها: ما تتغير صورته و معناه مثل: «و طلح منضود» و «طلع منضود».
و منها: بالتقديم و التأخير مثل: «و جاءت سكرة الموت بالحق»، و «جاءت سكرة الحق بالموت».
و منها: بالزيادة و النقصان: «تسع و تسعون نعجة أنثى». و «أما الغلام فكان كافرا و كان أبواه مؤمنين». «فإن اللّه من بعد إكراههن لهن غفور رحيم».
و يردّه:
1- ان ذلك قول لا دليل عليه، و لا سيما ان المخاطبين في تلك الروايات لم يكونوا يعرفون من ذلك شيئا.
2- ان من وجوه الاختلاف المذكورة ما يتغير فيه المعنى و ما لا يتغير، و من الواضح أن تغير المعنى و عدمه لا يوجب الانقسام إلى وجهين، لأن حال اللفظ


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 188
و القراءة لا تختلف بذلك، و نسبة الإختلاف إلى اللفظ في ذلك من قبيل وصف الشي‏ء بحال متعلقه. و لذلك يكون الاختلاف في «طلح منضود. و كالعهن المنفوش» قسما واحدا.
3- ان من وجوه الاختلاف المذكور بقاء الصورة للفّظ، و عدم بقائها، و من الواضح أيضا أن ذلك لا يكون سببا للانقسام، لأن بقاء الصورة إنما هو في المكتوب لا في المقروء، و القرآن اسم للمقروء لا للمكتوب و المنزل من السماء إنما كان لفظا لا كتابة. و على هذا يكون الاختلاف في «و طلح. و ننشزها» وجها واحدا لا وجهين.
4- ان صريح الروايات المتقدمة أن القرآن نزل في ابتداء الأمر على حرف واحد.
و من البين أن المراد بهذا الحرف الواحد ليس هو أحد الاختلافات المذكورة، فكيف يمكن أن يراد بالسبعة مجموعها!.
5- ان كثيرا من القرآن موضع اتفاق بين القراء، و ليس موردا للاختلاف، فإذا أضفنا موضع الاتفاق إلى موارد الإختلاف بلغ ثمانية. و معنى هذا أن القرآن نزل على ثمانية أحرف.
6- أن مورد الروايات المتقدمة هو اختلاف القراء في الكلمات، و قد ذكر ذلك في قصة عمر و غيرها. و على ما تقدم فهذا الإختلاف حرف واحد من السبعة، و لا يحتاج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رفع خصومتهم إلى الاعتذار بأن القرآن نزل على الأحرف السبعة، و هل يمكن أن يحمل نزول جبريل بحرف، ثم بحرفين، ثم بثلاثة. ثم بسبعة على هذه الاختلافات؟! و قد أنصف الجزائري في قوله: «و الأقوال في هذه المسألة كثيرة، و غالبها بعيد عن الصواب». و كأن القائلين بذلك ذهلوا عن مورد


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 189
حديث انزل القرآن على سبعة أحرف، فقالوا ما قالوا «1».
7- اختلاف القراءات بمعنى آخر:
ان الأحرف السبعة هي وجوه الإختلاف في القراءة، و لكن بنحو آخر غير ما تقدم. و هذا القول اختاره الزرقاني، و حكاه عن أبي الفضل الرازي في اللوائح.
فقال: الكلام لا يخرج عن سبعة أحرف في الإختلاف الأول: اختلاف الأسماء من إفراد، و تثنية، و جمع، و تذكير، و تأنيث. الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض، و مضارع، و أمر. الثالث: اختلاف الوجوه في الأعراب. الرابع: الاختلاف بالنقص و الزيادة. الخامس: الاختلاف بالتقديم و التأخير. السادس: الاختلاف بالإبدال.
السابع: اختلاف اللغات «اللهجات» كالفتح، و الامالة، و الترقيق، و التفخيم، و الإظهار، و الإدغام، و نحو ذلك.
و يرد عليه:
ما أوردناه على الوجه السادس في الإشكال الأول و الرابع و الخامس منه، و يردّه أيضا: أن الاختلاف في الأسماء يشترك مع الاختلاف في الأفعال في كونهما اختلافا في الهيئة، فلا معنى لجعله قسما آخر مقابلا له. و لو راعينا الخصوصيات في هذا التقسيم لوجب علينا أن نعد كل واحد من الإختلاف في التثنية، و الجمع، و التذكير، و التأنيث، و الماضي، و المضارع، و الأمر قسما مستقلا. و يضاف إلى ذلك أن الإختلاف في الإدغام، و الإظهار، و الروم، و الإشمام، و التخفيف و التسهيل في اللفظ الواحد لا يخرجه عن كونه لفظا واحدا. و قد صرح بذلك ابن قتيبة على ما حكاه الزرقاني‏
__________________________________________________
(1) التبيان: ص 59.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 190
عنه «1».
و الصحيح أن وجوه الإختلاف في القراءة ترجع إلى ستة أقسام:
الأول: الإختلاف في هيئة الكلمة دون مادتها، كالإختلاف في لفظة «باعد» بين صيغة الماضي و الأمر، و في كلمة «أمانتهم» بين الجمع و الافراد.
الثاني: الاختلاف في مادة الكلمة دون هيئتها، كالإختلاف في لفظة «ننشرها» بين الراء و الزاي.
الثالث: الاختلاف في المادة و الهيئة كالاختلاف في «العهن و الصوف».
الرابع: الاختلاف في هيئة الجملة بالإعراب، كالاختلاف «و أرجلكم» بين النصب و الجر.
الخامس: الاختلاف بالتقديم و التأخير، و قد تقدم مثال ذلك.
السادس: الاختلاف بالزيادة و النقيصة، و قد تقدم مثاله أيضا.
8- الكثرة في الآحاد:
ان لفظ السبعة يراد منه الكثرة في الآحاد، كما يراد من لفظ السبعين و السبعمائة الكثرة في العشرات أو المئات. و نسب هذا القول إلى القاضي عيّاض و من تبعه.
و يرده:
ان هذا خلاف ظاهر الروايات، بل خلاف صريح بعضها. على أن هذا لا يعدّ قولا مستقلا عن الوجوه الاخرى، لأنه لم يعين معنى الحروف فيه، فلا بد و ان يراد من الحروف أحد المعاني المذكورة في الوجوه المتقدمة، و يرد عليه ما يرد من‏
__________________________________________________
(1) مناهل العرفان: ص 154.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 191
الاشكال على تلك الوجوه.
9- سبع قراءات:
و من تلك الوجوه ان الأحرف السبعة «موضوعة البحث» هي سبع قراءات.
و يردّه:
ان هذه القراءات السبع إن أريد بها السبع المشهورة، فقد أوضحنا للقارى‏ء بطلان هذا الاحتمال في البحث عن تواتر القراءات- و قد تقدم ذلك- في باب «نظرة في القراءات».
و ان أريد بها قراءات سبع على إطلاقها، فمن الواضح أن عدد القراءات أكثر من ذلك بكثير، و لا يمكن أن يوجه ذلك بأن غاية ما ينتهي اليه اختلاف القراءات أكثر من ذلك بكثير، الواحدة هي السبع، لأنه إن أريد أن الغالب في كلمات القرآن أن تقرأ على سبعة وجوه فهذا باطل، لأن الكلمات التي تقرأ على سبعة وجوه قليلة جدا. و إن أريد أن ذلك موجود في بعض الكلمات و على سبيل الإيجاب الجزئي فمن الواضح أن في كلمات القرآن ما يقرأ بأكثر من ذلك فقد قرأت كلمة «و عبد الطاغوت» باثنين و عشرين وجها، و في كلمة «أفّ» أكثر من ثلاثين وجها. و يضاف إلى ما تقدم ان هذا القول لا ينطبق على مورد الروايات، و مثله أكثر الأقوال في المسألة.
10- اللهجات المختلفة:
إن الأحرف السبع يراد بها اللهجات المختلفة في لفظ واحد، اختاره الرافعي في كتابه «1».
__________________________________________________
(1) إعجاز القرآن: ص 70.



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 192
و توضيح القول: أن لكل قوم من العرب لهجة خاصة في تأدية بعض الكلمات، و لذلك نرى العرب يختلفون في تأدية الكمة الواحدة حسب اختلاف لهجاتهم فالقاف في كلمة «يقول» مثلا يبدلها العراقي بالكاف الفارسية، و يبدلها الشامي بالهمزة، و قد أنزل القرآن على جميع هذه اللهجات للتوسعة على الأمة، لأن الالتزام بلهجة خاصة من هذه اللهجات فيه تضييق على القبائل الأخرى التي لم تألف هذه اللهجة، و التعبير بالسبع إنما هو رمز إلى ما ألفوه من معنى الكمال في هذه اللفظة، فلا ينافي ذلك كثرة اللهجات العربية، و زيادتها على السبع.
الردّ:
و هذا الوجه- على أنه أحسن الوجوه التي قيلت في هذا المقام- غير تام أيضا:
1- لأنه ينافي ما ورد عن عمر و عثمان من أن القرآن نزل بلغة قريش، و أن عمر منع ابن مسعود من قراءة «عتى حين».
2- و لأنه ينافي مخاصمة عمر مع هشام بن حكيم في القراءة، مع أن كليهما من قريش.
3- و لأنه ينافي مورد الروايات، بل و صراحة بعضها في أن الاختلاف كان في جوهر اللفظ، لا في كيفية أدائه، و ان هذا من الأحرف التي نزل بها القرآن.
4- و لأن حمل لفظ السبع- على ما ذكره خلاف- ظاهر الروايات، بل و خلاف صريح بعضها.
5- و لأن لازم هذا القول جواز القراءة فعلا باللهجات المتعددة، و هو خلاف السيرة القطعية من جميع المسلمين، و لا يمكن أن يدّعي نسخ جواز القراءة بغير اللهجة الواحدة المتعارفة، لأنه قول بغير دليل، و لا يمكن لقائله أن يستدل على


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 193
النسخ بالإجماع القطعي على ذلك، لأن مدرك الإجماع إنما هو عدم ثبوت نزول القرآن على اللهجات المختلفة، فإذا فرضنا ثبوت ذلك كما يقوله أصحاب هذا القول فكيف يمكن تحصيل الإجماع على ذلك؟ مع أن إصرار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على نزول القرآن على سبعة أحرف إنما كان للتوسعة على الأمة، فكيف يمكن أن يختص ذلك بزمان قليل بعد نزول القرآن، و كيف يصح أن يقوم على ذلك إجماع أو غيره من الأدلة؟! و من الواضح أن الامة- بعد ذلك- أكثر احتياجا إلى التوسعة، لأن المعتنقين للإسلام في ذلك الزمان قليلون. فيمكنهم أن يجتمعوا في قراءة القرآن على لهجة واحدة، و هذا بخلاف المسلمين في الأزمنة المتأخرة، و لنقتصر على ما ذكرناه من الأقوال فإن فيه كفاية عن ذكر البقية و التعرض لجوابها و ردّها.
و حاصل ما قدمناه: أن نزول القرآن على سبعة أحرف لا يرجع إلى معنى صحيح، فلا بدّ من طرح الروايات الدالة عليه، و لا سيما بعد أن دلّت أحاديث الصادقين عليهم السّلام على تكذيبها، و أن القرآن. إنما نزل على حرف واحد، و ان الاختلاف قد جاء من قبل الرواة.


************
البيان في تفسير القرآن، ص: 195
صيانة القرآن من التحريف‏



************
البيان في تفسير القرآن، ص: 196
- وقوع التحريف المعنوي في القرآن باتفاق المسلمين.