بسم الله الرحمن الرحیم
فهرست علومالقوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج1، ص: 137
الثالثة: المجاز مثل الحقيقة في أنّه لا يجوز التعدّي عما حصل الرخصة من العرب في نوعه،
فإنّ الحقيقة كما أنّها موضوعة بوضع شخصي، فالمجاز موضوع بوضع نوعي، و لا بدّ من ملاحظة الوضع النوعي أيضا، و أنّ الرخصة في أي نوع حصل.
و الحاصل، أنّه لا يجب الرخصة من العرب في كلّ واحد من الاستعمالات الجزئية إذا حصل الرخصة في كليها، و هذه الرخصة ليست بنصّ من العرب و تصريح منه، بل يحصل لنا من استقراء استعمالاته الجزئية، العلم بتجويزه لهذا النوع من الاستعمالات في ضمن أيّ فرد من أفراد ذلك النوع، و قد ذهب المحقّقون من علماء الأدب «1» الى عدم وجوب الرّخصة في الجزئيّات.
إذا عرفت هذا، فاعلم، أنّه قد يوجد تلك الاستعمالات في جزئيّات صنف من أصناف نوع من أنواع العلاقات المعتبرة في المجاز أو نوع من أنواع جنس منها، و لم يوجد في صنف آخر من ذلك النّوع و لا نوع آخر من ذلك الجنس. فالذي نجد الرّخصة من أنفسنا هو الحكم بالتجويز فيما لم نطّلع عليه من سائر جزئيّات ذلك الصّنف المستعمل في بعضها بسبب استقراء ما وجد فيه الاستعمال، لا في جزئيّات الصّنف الآخر «2»، و هكذا الكلام في النوع من الجنس.
مثلا إذا رأينا العرب يستعمل اللّفظ الموضوع للجزء في الكلّ، لكنّا وجدنا ذلك فيما كان للكلّ تركّب حقيقي خارجي، و كان الجزء ممّا له قوام في تحقّق الكلّ،
__________________________________________________
(1) المقصود أعمّ من علماء المعاني و البيان و غيرهما.
(2) كاستعمال الأصبع في الانسان و هو غير صحيح.
القوانين المحكمة في الأصول ( طبع جديد )، ج1، ص: 138
كالرّقبة في الإنسان و العين في الربيئة «1»، فلا يجوز القياس باستعمال سائر الأجزاء في المركّبات الحقيقيّة، و جميع الأجزاء في المركّبات الاعتبارية.
و كذلك وجدنا أنّهم يستعملون اللّفظ الموضوع للكلّ في الجزء، إذا كان المركّب مركّبا حقيقيّا، كالأصابع في الأنامل في قوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ «2»، و اليد في الأصابع الى نصف الكفّ في آية السّرقة، و الى المرفق في آية الوضوء، و الى الزّند في آية التيمم «3»، فلا يجوز القياس في غير المركّبات الحقيقية.
و أيضا إنّا وجدنا العرب تستعمل الألفاظ الموضوعة للمعاني الحقيقية في المعاني المجازية مع القرينة الصارفة منفردا منفردا، أعني لا يريد في الاستعمال الواحد إلّا معنى مجازيا واحدا.
و بالجملة، المجازات المستعملة وحداني غالبا، و لم يحصل لنا العلم بترخيصهم في استعمال اللّفظ في مجازين، و عدم العلم بالرّخصة كاف في عدم جواز الاستعمال، فإنّ جواز الاستعمال مشروط بحصول العلم أو الظنّ بالرّخصة.
الحاشية على قوانين الأصول، ج1، ص: 37
[بطلان القول بجواز استعمال المفرد المشترك فى اكثر من معنى على سبيل المجاز]
قوله المجاز مثل الحقيقة اه
الظاهر ان الغرض من تمهيد هذه المقدّمة ان يتفرع عليها بطلان القول بجواز استعمال المفرد المشترك فى اكثر من معنى على سبيل المجاز لسقوط قيد الوحدة الماخوذة مع المعنى فى الوضع عن المستعمل فيه كما نبّه عليه فيما ياتى عند الاستدلال على عدم الجواز مجازا بقوله و امّا عدم الجواز مجازا فلما عرفت فى المقدمة الثالثة من عدم ثبوت الرخصة فى هذا النوع من الاستعمال الخ
الفصول، ص 25
ثم اعلم أن الأكثر لم يبالغوا في في حصر أنواع العلاقة و ضبطها كما يشهد به تصفّح كتبهم و كان ذلك تنبيه منهم على أن المعتبر في العلاقة إنما هو تحقق المناسبة التي يقبل الطّبع إطلاق اللّفظ الموضوع لأحدهما على الآخر و أنّ الوجوه المذكورة من مظانها و هذا هو التحقيق الذي ينبغي تنزيل كلماتهم عليه و أمّا ما سبق إلى بعض الأوهام من أنّ الواضع قد اعتبر هذه الأنواع من حيث الخصوص و أنّ أهل اللغة قد نقلوها فليس لنا التعدي عمّا نقلوه ففي غاية السقوط للقطع بأن ليس هناك نقل ينتهي إلى الواضع و لا ادّعاه أحد و إنما القوم تصفّحوا كلمات العرب فوجدوهم يطلقون بعض الألفاظ على ما يناسب معانيها الأصليّة فعمدوا إلى تلك المناسبة فوجدوها في موضع مناسبة المشابهة و في آخر مناسبة السّببيّة إلى غير ذلك فعبّروا عن كلّ باسم يخصّه ثم إنهم إن أرادوا بذلك ما ذكرناه فلا كلام و إن أرادوا أنّ الواضع قد اعتبر هذه العلاقات بخصوصها كما نسبه التفتازاني إليهم مدّعيا عليه الوفاق فمجرّد الاستعمال لا يساعدهم على ذلك
شرح كفاية الأصول، ص: 14
الامر (الثالث) (صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع وجهان بل قولان)
أشهرهما الأول فان الجمهور ذهبوا إلى أن لمجاز موضوع بالوضع التأويلي النوعي و ان صحته متوقفة على نقل النوع من دون حاجة إلى نقل الآحاد ثم انهم اختلفوا فى كمية أنواع المناسبة و العلاقة فالقدماء على انها خمسة و عشرون: 1 تسمية الشيء باسم سببه نحو رعينا الغيث 2 و عكسه نحو أمطرت السماء نباتا، 3 و تسميته باسم جزئه كالعين فى الربيئة، 4 و تسميته باسم كله كالأصابع فى الانامل فى قوله تعالى يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ، 5 و تسميته باسم ما كان عليه نحو قوله تعالى وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ، 6 و تسميته باسم ما يئول اليه نحو قوله تعالى إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً، 7 و تسميته باسم محله كقوله تعالى فَلْيَدْعُ نادِيَهُ أي أهل النادية الحال فيها و النادية المجلس، 8 و عكسه كقوله تعالى وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ أي فى الجنة التي يحل فيها رحمة اللّه، 9 و تسميته الشيء باسم آلته كقوله تعالى وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أي ذكرا حسنا، 10 و تسمية الشيء باسم المشبه به نحو رأيت أسدا يرمي 11 و تسمية المقيد باسم المطلق كاليوم فى يوم القيمة، 12 و عكسه كالعلم و ارادة اليقين أو الاعتقاد الراجح، 13 و اطلاق اسم الملزوم على اللازم ككثير الرماد للجواد، 14 و عكسه كشد الازرار لاعتزال النساء، 15 و ذكر الخاص و ارادة العام كذكر زيد و ارادة العلماء 16 و عكسه كعكسه 17 و حذف المضاف نحو اسأل القرية أي أهلها، 18 و حذف المضاف اليه نحو أنا ابن جلا و طلّاع الثنايا أي أنا ابن رجل جلا، 19 و اطلاق الشيء و ارادة مجاوره نحو جرى الميزاب أى الماء فتأمل، 20 و ذكر المبدل و ارادة البدل نحو فلان آكل الدم أى الدية، 21 و استعمال النكرة المثبتة فى العموم نحو قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ، 22 و استعمال المعرف باللام فى الواحد نحو ادخلوا الباب، 23 و الحذف فى غير ما ذكر كقوله تعالى
شرح كفاية الأصول، ص: 15
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أى لئلا تضلوا، 42 و الزيادة نحو قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، 25 و استعمال الضد فى الضد نحو قوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أى فانذرهم، و عن الآمدي انها خمسة و عن العلامة انها ثلاثة عشر و عن السيد انها احدى و ثلاثون و حكى عن بعضهم انها ستة و عشرون (و أظهرهما انه بالطبع) يعني ان المعتبر إنما هو تحقق المناسبة التي يقبل الطبع أى طبع أهل الاستعمال و جبلتهم الغريزية بها اطلاق اللفظ الموضوع لاحدهما على الآخر إما لاجل تنزيل المعنى المجازى لاجل المناسبة المذكورة منزلة المعنى الحقيقي فى جواز استعمال اللفظ فيه و اما لجعله فردا ادعائيا للمعنى الحقيقي كما ذهب اليه السكاكي (بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه) أى فيما وجده الطبع مناسبا (و لو مع منع الواضع عنه و) بشهادة (استهجان الاستعمال فيما لا يناسبه و لو مع ترخيصه) أى ترخيص الواضع (و لا معنى لصحته) أى الاستعمال (إلا حسنه) أى حسن الاستعمال و بذلك يندفع ما قد يتوهم فى المقام من لزوم الدور بتقريب ان استحسان الطبع الاستعمال يتوقف على ترخيص الواضع و هو متوقف على استحسان طبع أهل الاستعمال و ذلك لان استحسان الطبع إنما يتوقف على تحقق المناسبة و العلاقة و لو فرض منع الواضع و اما النقل و لو نوعا كما عليه الجمهور فلا دليل يساعد عليه بل نقطع بعدم نقل ينتهي الى الواضع و لم يدّعه أحد و إنما القوم تصفحوا كلمات العرب فوجدوهم يطلقون بعض الالفاظ على ما يناسب معانيها الاصلية فعمدوا الى تلك المناسبة فوجدوها فى موضع علاقة المشابهة و فى آخر علاقة السببية و هكذا فعبروا عن كل باسم يخصه فعلى هذا لا حصر فى العلائق و لا انتهاء بل كثيرا ما ينشأ من أسباب مجهولة العناوين لا يحيط بها الاوهام القاصرة كما فى مجازات الحروف و منها ما يتطرق الى أدوات الاستفهام كالاستبطاء فى قولهم كم دعوتك؟ و التعجب مثل ما لي لا أرى الهدهد! و التنبيه على الضلال نحو أين تذهبون، و قد قال التفتازاني فى المطوّل فى بحث الانشاء و تحقيق كيفية هذا المجاز و بيان انه أى نوع من أنواعه مما لم يحم أحد حوله انتهى
«ميزان الأصول في نتائج العقول» (1/ 382):
«وأما بيان أحكام الحقيقة والمجاز
فهي (6) تتضمن مسائل منها:
مسألة - المجاز هل هو موضوع كالحقيقة أم لا؟
قال بعضهم: إنه موضوع كالحقيقة: موضوعة، إلا أن الحقيقة بوضع أصلي، والمجاز بوضع طارئ، لأن المجاز من باب اللغة، حتى يقال إنه أحد نوعي الكلام، وإنه أحد اللسانين، ولو لم يأكل بوضع أرباب اللغة لا يكون من اللغة (7)»
«ميزان الأصول في نتائج العقول» (1/ 383):
«وقال بعضهم: طريق المجاز بوضح أرباب اللغة دون الألفاظ المجازية، لأن في وضع اللغة الحقيقة غنية (1) لهم عن وضع المجاز، ولكن وضعوا الطريق توسعة على الناس في الكلام، فيكون التكلم بالمجاز بعدهم بناء على طريقهم الوضوع بإذنهم ورضاهم، فيكون من باب اللغة.
وقال بعضهم: المجاز ليس بموضوع إذ (2) لو كان موضوعاً يكون هذا إنكاراً للمجاز (3)، لأن الحقيقة اسم لما وضعه واضع اللغة، وكذا ليس طريقه موضوعاً، لأنه علة وضع اسم المجاز (4)، والعلة متى كانت منصوصة يكون الحكم منصوصاً، كالعلة في الأحكام الشرعية: إذا كانت منصوص يكون الحكم الثابت بها منصوصاً، فيفسد باب المجاز. وهو خلاف إجماع أهل اللغة: أن الكلام حقيقة ومجاز، لكن المجاز كل مستعمل شائع فيما بين أهل اللغة، ولم يكن كل منهم التنصيص على الطريق لما ذكرنا، لكن عرف ذلك بالتأمل والنظر في كيفية استعمالهم (5) المجاز في أشعارهم ومحاوراتهم وكيفية استعاراتهم (6)، كالأحكام الشرعية المنصوص عليها الخالية عن التنصيص على العلة، فإنه، يعرف عللها بالنظر والتأمل في النظائر - فهذا كذلك. والله أعلم.»
«تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه» (2/ 5):
«(واعلم أن الوضع يكون لقاعدة) ليست اللام صلة الوضع لأن القاعدة ليست ما وضع له، بل هي لام الغرض، فإن المقصد من هذا النوع من الوضع تحصيل قاعدة كلية يعلم منها وضع ألفاظ كثيرة بإزاء معان كثيرة كقوله: وضعت كل اسم فاعل بإزاء ذات ثبت لها مبدأ الاشتقاق بمعنى الحدوث وقوله (كلية) صفة كاشفة، لأنه لا تكون القاعدة إلا كلية (جزئيات موضوعها) أي موضوع تلك القاعدة وهو في المثال المذكور كل اسم فاعل (ألفاظ مخصوصة) كضارب وناصر وكل واحد منهما موضوع لمعنى مخصوص (ولمعنى خاص) معطوف على قوله لقاعدة: أي الغرض من القسم الثاني من الوضع إفادة معنى خاص وضع اللفظ بإزائه بخلاف الأول، فإن الغرض منه إفادة معان كثيرة بألفاظ كثيرة (وهو) أي الوضع لمعين خاص (الوضع الشخصي، والأول) أي الوضع لقاعدة إلى آخره الوضع (النوعي) لكون كل من الموضوع له فيه مفهوما كليا يندرج تحته أفراد كثيرة بخلاف الأول (وينقسم) النوعي (إلى ما) أي إلى وضع نوعي (يدل جزئي موضوع متعلقة) قد عرفت أن الوضع النوعي متعلقة القاعدة الكلية وأن لها موضوعا، لأنها قضية كلية وأن لموضوعها جزئيات: أي أفرادا هى ألفاظ مخصوصة، فإن كان جزئي موضوع متعلقه دالا (بنفسه) فهو القسم المشار إليه بقوله (وهو) ما يدل إلى آخره (وضع قواعد التراكيب) القواعد متعلقة بالتراكيب كقوله: وضعت هذه الهيئة التركيبية للنسبة الإسنادية، وهذه للنسبة الإضافية إلى غير ذلك (والتصاريف) أي وقواعد متعلقة بالتصاريف، والتصريف تحويل مبدأ الاشتقاق إلى أمثلة مختلفة كالفعل واسم الفاعل والمفعول وغيرها (و) إلى ما يدل جزئي موضوع متعلقه (بالقرينة وهو) أي ما يد بالقرينة (وضع المجاز كقول الواضع: كل مفرد»
«حاشية الدسوقي على مختصر المعاني» (1/ 17):
«هذا وقد وقع خلاف فى بناء المجاز على المجاز: فقال بعضهم بمنعه؛ لأن فيه أخذ الشىء من غير مالكه؛ لأن الحق فى اللفظ إنما هو للمعنى الحقيقىّ والمجازىّ أخذه تطفلا، وقال بعضهم بالجواز؛ لأن اللفظ لما نقل للمعنى المجازى بالعلاقة صار كأنه موضوع له خصوصا، وقد قالوا: إن المجاز موضوع بالوضع النوعى، وجعل من ذلك قوله تعالى:
وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا (1)، فإن السر ضد الجهر، ثم أطلق على الوطء مجازا؛ لأنه لا يكون غالبا إلا سرّا، ثم استعمل اللفظ فى سببه وهو العقد، وحينئذ فاستعمال السر فى العقد مجاز مبنى على مجاز. ثم اعلم أنه على القول بالجواز تعتبر علاقة المجاز الثانى بينه وبين المجاز الأول، لا بينه وبين المعنى الحقيقى.»
«حاشية الدسوقي على مختصر المعاني» (3/ 30):
«أو يقال:
إن أهل هذا الفن يمنعون أن دلالة المجاز وضعية، ويدل لهذا كلام السيرامى عند تعريف الدلالة ونصه الوضع المعتبر سواء كان شخصيا أو نوعيا تعيين اللفظ نفسه بلا واسطة قرينة بإزاء المعنى لا تعيينه مطلقا بإزائه، وصرح بذلك الشارح أيضا فى التلويح فانتفى الوضع مطلقا فى المجاز، فدلالته تضمنية أو التزامية نظرا إلى تحقق الفهم ضمنا فتكون عقلية كدلالة المركبات على مدلولها والقياس على النتيجة- اه يس.»