بسم الله الرحمن الرحیم

فائدة ثالثة در خاتمة وسائل در توضیح إجازات

فهرست مباحث حدیث
طرق تحمل حدیث-سماع-قراءة-إجازة-مناولة-وجادة
استعمال أخبرني-أخبرنا در سماع-قراءة-إجازة
گستره سماع-قراءة
گستره إجازات



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 5
الفائدة الثالثة - من خاتمة كتاب

مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل‏
[المقدمة]
في ذكر طرقنا إلى أصحاب الكتب المتقدمة و غيرها، مما ألف و صنف في الأحاديث و التفسير و الأصولين و الفقه و غيرها، منهم و من غيرهم من سلفنا الصالحين، و العلماء الراشدين، و حملة علوم الحجج الطاهرين عليهم السلام.
و لنذكر قبل الشروع مقدمة، هي:
إنه قد شاع بين أهل العلم- و يذكر في بعض الإجازات، و صرح به جماعة أولهم فيما أعلم الشهيد الثاني‏ «1»- أن اتصال السلسلة إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام، و تحمل الروايات بإحدى الطرق الثمانية «2»- التي أسهلها و أكثرها الإجازة- لمجرد التبرك و التيمن، و أنه لا حاجة إليه في العمل بالروايات، لتواتر الكتب عن مؤلفيها، أو قيام القرائن القطعية على صحتها، و ثبوتها، و انتسابها إليهم.
و الظاهر من بعض الأصحاب توقف العمل بها عليه، و ذهب إليه شيخنا الجليل المبرور الحاج المولى علي بن الحاج ميرزا خليل الرازي الطهراني قدس الله روحه.
و قال الشيخ إبراهيم القطيفي في إجازته لشاه محمود الخليفة:
لا يقال: إذا صح الكتاب، و تواتر و اشتهر مصنفه، جاز نسبته إليه، فما
______________________________
(1) انظر: الرعاية في شرح الدراية: 263.
(2) و هي: السماع، القراءة، الإجازة، المناولة، الكتابة، الإعلام، الوجادة، الوصية، هذا و هناك خلاف في عددها و ترتيبها.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 6
فائدة الإجازة؟.
فنقول: الإجازة تفيد كون المجاز له يروي عنه الكتاب، و بين إسناده إليه و روايته عنه فرق، فإن ما شرطه الرواية لا يكفي فيه الإسناد، و من شروط الاجتهاد إسناد الرواية «1».
و قال في إجازته الكبيرة للشيخ شمس الدين محمد بن تركي:
فلقائل أن يقول: لا فائدة في الإجازة من حيث هي، لأن الغالب عدم إجازة كتاب معين مشار إليه بالهاذية «2»، بل هو موصوف، و شرط صحة روايته صحته، و كونه مصححا تصحيحا يؤمن معه الغلط، حسب إمكان القوة البشرية، و يعرف ذلك بأمور: منها مباشرة تصحيحه، و منها نقل تصحيحه، و منها سبرة أكثريا و أغلبيا مع رؤية آثار الماضين و خطهم و إجازتهم عليه، و تبليغهم عليه. إلى غير ذلك، ثم يثبت أنه من تصانيف الإمامية. و هذا القدر إذا كان حاصلا جازت روايته من غير إجازة، إذ لا يتوقف عاقل أن يسند كتاب القواعد- مثلا- إلى العلامة، و المبسوط إلى الشيخ، فانتفت فائدة الإجازة.
و الجواب: أن إسناد ذلك إلى مصنفه مما لا يشك فيه عاقل، و لا يلزم منه أن يكون المسند إليه راويا له عنه، فيقول: رويت عن فلان أنه قال في كتابه كذا.
و شرط الاجتهاد اتصال الرواية، لأن النقل من الكتب من أعمال الصحفيين‏ «3».
______________________________
(1) بحار الأنوار 108: 87.
(2) مصدر صناعي من اسم الإشارة «هذا» مصطلح لأهل الحديث مأخوذ من قولهم: أجزت هذا الكتاب.
(3) لعله إشارة إلى الحديث المشهور: «إياكم و أهل الدفاتر و لا يغرنكم الصحفيون»، انظر تحرير الأحكام: 3 و العوالي 4: 78/ 69.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 7
و أيضا: فلا يجوز لعامل أن يستدل أو يعمل برواية إذا سئل عن إسنادها قال: وجدتها مكتوبة في التهذيب للشيخ، لأن ذلك مع عدم التعرض له من أضعف المراسيل، بل هو من مقطوع الآخر بالنسبة إليه، فهو حينئذ ممن لم تتصل به الرواية عن أهل البيت عليهم السلام، فلا يجوز له العمل بما لم يرو له.
نعم، لو كان من الأحاديث ما هو متواتر بشرائط التواتر من تساوي الطرفين و الواسطة، جاز العمل به مع معرفته، كما في محكمات الكتاب العزيز، كقول: الله لا إله إلا هو* «1» ألا ترى أن ما ليس بمتواتر المعنى من الكتاب العزيز لا يجوز العمل به إلا بعد تصحيح النقل عن أئمة الهدى عليهم السلام بالرواية الثابتة، فالمتوهم بعد هذا هو الراد على دين الله، العامل بغير سبيل الله‏ و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين‏ «2» «3».
و قال أيضا في إجازة كبيرة أخرى فيها فوائد كثيرة: الخامسة:
لا يقال: ما فائدة الإجازة؟ فإن الكتاب تصح نسبته إلى قائله و مؤلفه و كذا الحديث، لأنه مستفيض أو متواتر، و أيضا فالإجازة لا بد فيها من معرفة ذلك، و إلا لم يجز النقل، إذ ليس كل مجيز يعين الكتب و ينسبها، بل يذكر ما صح له أنه من كتب الإمامية، و نحو هذه العبارة.
لأنا نقول: نسبة الكتاب إلى مؤلفه لا إشكال في جوازها، لكن ليس من أقسام الرواية، و العمل و النقل للمذاهب يتوقف على الرواية، و أدناها الإجازة، فما لم تحصل لم تكن مروية، فلا يصح نقلها و لا العمل بها، كما لو وجد كتابا كتبه‏
______________________________
(1) طه 20: 8.
(2) آل عمران 3: 85.
(3) انظر البحار 108: 101- 102.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 8
آخر، فإنه و إن عرف أنه كتبه لا يصح أن يرويه عنه، فقد ظهرت الفائدة «1».
و له في إجازة أخرى كلام يقرب من ذلك‏ «2».
و في إجازة المحقق الثاني للمولى عبد العلي الأسترآبادي- بعد الخطبة و بعض المقدمات- ما لفظه: و قد استخرت الله تعالى، و أجزت له أن يروي جميع ما للرواية فيه مدخل، مما يجوز لي و عني روايته- من معقول و منقول، و فروع و أصول، و فقه و حديث و تفسير- رواية عامة في العلوم الإسلامية، و المصنفات المعتبرة العلمية، مشترطا عليه رعاية ما يجب رعايته في الإجازة من الأمور المعتبرة عند علماء الحديث، آخذا عليه تحري جادة الاحتياط الموصلة إلى سواء الصراط، بأسانيده المعتبرة المتصلة بالمصنفين و المنتهية إلى النبي و الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم. إلى آخره‏ «3».
و ظاهر قوله: (ما للرواية فيه مدخل) مدخليته في الاجتهاد و العمل، و توجد هذه العبارة أو ما يقرب منها في إجازة جملة من الأعلام.
و قال الشهيد الثاني في شرح درايته: و في جواز العمل بالوجادة الموثوق بها قولان للمحدثين و الأصوليين، فنقل عن الشافعي و جماعة من نظار «4» أصحابه جواز العمل بها، و وجهوه بأنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول، لتعذر شرائط الرواية فيها. و حجة المانع واضحة حيث لم يحدث به لفظا و لا معنى، و لا خلاف بينهم في منع الرواية بها لما ذكرناه من عدم الإخبار.
______________________________
(1) إجازة الشيخ إبراهيم القطيفي للشيخ شمس الدين الأسترآبادي، حكاها المجلسي قدس سره في البحار 108: 112.
(2) الظاهر إجازته للسيد الشريف التستري، انظر البحار 108: 119- 120.
(3) أوردها الشيخ المجلسي في البحار 108: 65.
(4) في الحجرية: نظائر، و المثبت من المصدر أصح.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 9
و لو اقترنت الوجادة بالإجازة، بأن كان الموجود خطه حيا و أجازه، أو أجازه غيره عنه و لو بوسائط، فلا إشكال في جواز الرواية، أو العمل حيث يجوز العمل بالإجازة «1» انتهى.
قلت: فإذا لم يكن العالم راويا، فربما يشكل دخوله في عموم قوله عليه السلام في التوقيع المبارك: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله» «2».
و قوله عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة: «ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا» «3» إلى آخره.
و قول رسول الله صلى الله عليه و آله: «اللهم ارحم خلفائي»- ثلاثا- قيل:
يا رسول الله، و من خلفاؤك؟ قال: «الذين يأتون بعدي يروون حديثي» «4».
و قول الصادق عليه السلام: «اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا» «5».
و أمثال ذلك، مما هو عمدة أدلة وجوب الرجوع إلى المفتي و القاضي في الأحكام و الخصومات و غيرها.
و قال بعض المعاصرين: المشهور بين العلماء أنه يشترط الإجازة بأحد الطرق الستة أو السبعة في نقل الخبر بقوله، و الظاهر الاحتياج إليها في الكتب غير المتواترة كالكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة رضي الله عنهم، و كالكتب المشهورة عند الأئمة الثلاثة، فلا يكون ذكر الطرق إليها حينئذ إلا لمجرد التيمن‏
______________________________
(1) الدراية: 301، و انظر الباعث الحثيث: 133، و مقدمة ابن الصلاح: 294.
(2) إكمال الدين 2: 483/ 4، الغيبة للشيخ الطوسي: 176، الاحتجاج 1: 469.
(3) الكافي 7: 412/ 5، التهذيب 6: 301/ 845، الفقيه 3: 5/ 17.
(4) صحيفة الإمام الرضا عليه السلام: 56/ 73، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 73/ 94، معاني الأخبار: 374، وسائل الشيعة 18: 65/ 50، الفقيه 4: 302/ 915.
(5) أصول الكافي 1: 40/ 13 و اللفظ له، اختيار معرفة الرجال 1: 5.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 10
و التبرك.
مع أن في كلام هذا البعض نظر من جهة أنه ظن انحصار فائدة الإجازة في تصحيح النسبة، أو محض التيمن و التبرك، و هو في حيز المنع، فإن الظاهر من كلمات القوم و فحاوي الأخبار الواردة في هذا المقام عدم جواز الرواية تعبدا، أو سدا لثغور الشريعة المطهرة، إلا بعد حصول الرخصة فيها من المشايخ، بأحد من الوجوه المقررة، كما لا تجوز الفتوى إلا بعد حصول درجة الاجتهاد، و إن كان مما يطابق الواقع، مضافا إلى عدم انطباق لفظ جاءكم‏ المذكور في آية النبإ «1» على غير ما كان من الخبر منقولا بهذه النسبة، فيبقى العمل بما ألفاه الرجل من غير هذه الطرق تحت أصالة المنع عن العمل بمطلق الظن، انتهى.
و قال الشيخ شمس الدين محمد بن المؤذن الجزيني في إجازته للشيخ علي ابن عبد العالي الميسي: و بعد، فلما كان الواجب على نوع الإنسان التفقه في كل زمان، و ذلك بالنسبة إلينا بدون الرواية متعذر، و كان ممن وسم بالعلم و الفهم و حصل منه على أكبر سهم، الشيخ الصالح المحقق زين الدين علي ولد الشيخ الصالح عبد العالي الشهير بابن مفلح الميسي- زيد فضله و كثر في العلماء مثله- قد التمس من العبد إجازة متضمنة ما أجيز لي من مشايخي قراءة و إجازة، لعلمه بأن الركن الأعظم في الدراية هو الرواية، فاستخرت الله و أجزت له. إلى آخره‏ «2».
و غير ذلك مما يوجد في كلماتهم صريحا أو إشارة، و يستظهر منه الاحتياج إلى تحمل الأحاديث ببعض طرقه في مقام العمل بها، و إن كان في المناقشة في جملة منها مجال‏
[في ذكر وجوه التأمل على القول بأن ذكر الطرق و أخذ الإجازة لمجرد التبرك و التيمن‏]
إلا أن فيما ذكره الجماعة- من أن ذكر الطرق و أخذ الإجازة لمجرد
______________________________
(1) الحجرات 49: 6.
(2) انظر بحار الأنوار 108: 35.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 11
التبرك و التيمن- تأملا من وجوه:
الأول: أن التيمن الذي ذكروه هو دون المستحب الشرعي‏
لعدم وجود نص صريح صحيح- أو غيره- يدل عليه، بل هو مجرد حسن عرفي و استحسان عقلي لا يوجب كمالا في النفس و لا مزية في العمل، كما يوجبه أدنى المستحبات.
و لا يقتضي هذه الدرجة من الاهتمام و المواظبة و الولوع و الرغبة من كافة الأصحاب في جميع الأعصار، على اختلاف مشاربهم. و طريقتهم- فقيههم و أصوليهم، و محدثهم و أخباريهم، و حكميهم و صوفيهم- منذ بني على تدوين الحديث و جمع الأخبار، و عدم القناعة بطريق واحد، و الإجازة من شيخ واحد، بل بكل طريق تمكنوا منه، و من كل شيخ وجدوا السبيل إليه، و لو بالمسافرة إلى البلاد البعيدة و قطع البراري و البحار، و بالمكاتبة و إرسال الرسل، و المفاخرة بالكثرة و العلو.
قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح درايته: و ذكر الشيخ جمال الدين السيبي قدس سره أن السيد فخار الموسوي اجتاز بوالده مسافرا إلى الحج، قال: فاوقفني والدي بين يدي السيد، فحفظت منه أنه قال لي: يا ولدي أجزت لك ما يجوز لي روايته، ثم قال: و ستعلم فيما بعد حلاوة ما خصصتك به.
و على هذا جرى السلف و الخلف، و كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع حمل الحديث النبوي، ليؤدي به بعد حصول أهليته، حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة، و تقريبه من رسول الله صلى الله عليه و آله بعلو الإسناد «1».
قال (رحمه الله): و قد رأيت خطوط جماعة من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم عند ولادتهم مع تأريخ ولادتهم، منهم: السيد جمال الدين بن طاوس لولده‏
______________________________
(1) الدراية: 272.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 12
غياث الدين، و شيخنا الشهيد استجاز من أكثر مشايخه بالعراق لأولاده الذين ولدوا بالشام قريبا من ولادتهم، و عندي الآن خطوطهم لهم بالإجازة «1».
و من أجال الطرف في أكناف الصحف التي فيها إجازاتهم، لعله يتعجب من شدة اهتمامهم و استكثارهم من المشايخ.
قال المحقق صاحب المعالم في إجازته الكبيرة للسيد نجم الدين العاملي- و هي أحسن و أتقن و أنفع ما دون في هذا الباب-: ان السيد الأجل العلامة النسابة تاج الدين أبا عبد الله محمد ابن السيد أبي القاسم بن معية الديباجي الحسيني، يروي عن جم غفير من علمائنا الذين كانوا في عصره، و أسماؤهم مسطورة بخطه رحمه الله في إجازته لشيخنا الشهيد الأول- و هي عندي- فأنا أورد كلامه بعينه، و هذه صورته:
فمن مشايخي الذين يروي عني عنهم:
مولانا الشيخ الرباني السعيد جمال الدين أبو منصور الحسن بن المطهر قدس الله روحه.
و الشيخ السعيد صفي الدين محمد بن سعيد.
و الشيخ السعيد المرحوم نجم الدين أبو القاسم عبد الله بن حملان‏ «2».
و السيد الجليل السعيد جمال الدين يوسف بن ناصر بن حماد الحسيني.
و السيد الجليل السعيد جلال الدين جعفر بن علي بن صاحب دار الصخر الحسيني.
و شيخي السعيد المرحوم علم الدين المرتضى علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي.
______________________________
(1) الدراية: 271.
(2) كذا، و في الأمل 2: 161/ 467: حملات.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 13
و السيد الجليل السعيد المرحوم رضي الدين علي بن السعيد غياث الدين عبد الكريم بن طاوس الحسني.
و والدي السيد السعيد أبو جعفر القاسم بن الحسين بن معية الحسني.
و القاضي السعيد المرحوم تاج الدين أبو علي محمد بن محفوظ بن وشاح.
و السيد السعيد المرحوم صفي الدين محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي.
و السيد السعيد المرحوم صفي الدين محمد بن محمد بن أبي الحسن الموسوي.
و العدل الأمين المرحوم جلال الدين محمد بن السعيد «1» المرحوم شمس الدين محمد بن أحمد بن‏ «2» الكوفي الهاشمي.
و السيد السعيد المرحوم كمال الدين الرضي الحسن بن محمد الآوي‏ «3» الحسيني.
و الشيخ الأمين زين الدين جعفر بن علي بن يوسف عروة الحلي‏ «4».
و الشيخ السعيد مهذب الدين محمود بن يحيى بن محمود بن سالم الشيباني الحلي.
و السيد السعيد المرحوم ناصر الدين‏ «5» عبد المطلب بن باد شاه الحسيني الخرزي صاحب التصانيف السائرة.
و الشيخ الزاهد السعيد المرحوم كمال الدين علي بن الحسين بن حماد
______________________________
(1) في الحجرية: سعيد.
(2) جاء فوق لفظ بن: كذا.
(3) في المستدرك: اللاوي، و ما أثبتناه من أمل الآمل 2: 76، و البحار 109: 9.
(4) كذا في الحجرية و المخطوط، و في البحار و الأمل 2: 53:. يوسف بن عروة الحلي.
(5) في الحجرية و المخطوط: تاج الدين، و المثبت من الحقائق الراهنة: 125، و أمل الآمل 2:
164، و فيه: الحويزي الحلي بدل الخرزي.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 14
الواسطي.
و السيد السعيد المرحوم فخر الدين أحمد بن علي بن عرفة الحسيني‏ «1».
و السيد الإمام السعيد المرحوم مجد الدين أبو الفوارس محمد بن شيخنا السعيد المرحوم فخر الدين علي بن محمد بن الأعرج الحسيني.
و السيد الإمام السعيد المرحوم ضياء الدين عبد الله بن السيد السعيد مجد الدين أبي الفوارس محمد بن الأعرج الحسيني.
و الشيخ العالم شمس الدين محمد بن الغزال المضري الكوفي.
و من مشايخي الذين استفدت منهم. إلى أن قال: درة الفخر و فريدة الدهر، مولانا الإمام الرباني عميد الملة و الحق و الدين، أبو عبد الله عبد المطلب ابن الأعرج أدام الله شرفه و خص بالصلاة و السلام سلفه.
و منهم الشيخ الإمام العلامة، بقية الفضلاء و أنموذج العلماء، فخر الملة و الحق و الدين، محمد بن المطهر حرس الله نفسه و أنمى غرسه.
و منهم الشيخ الإمام العلامة أوحدي عصره، نصير الملة و الحق و الدين، علي بن محمد بن علي القاشي.
و الشيخ الإمام الفقيه الفاضل علي بن أحمد المزيدي‏ «2».
و ممن صاحبته و استفدت منه، فرويت عنه و روى عني:
السيد الجليل الفقيه العالم عز الدين الحسن بن أبي الفتح بن الدهان الحسيني.
و الشيخ السعيد المرحوم جمال الدين أحمد بن محمد بن الحداد.
و الشيخ العالم الفاضل شمس الدين محمد بن علي بن غني‏ «3».
______________________________
(1) في الحجرية: بن غرفة الحسيني، و ما أثبتناه من المصدر و أمل الآمل 2: 19.
(2) في البحار: احمد بن المزيدي، و في أمل الآمل 2: 176/ 530: أحمد بن يحيى المزيدي.
(3) في الحجرية: علي عيسى، و المثبت من البحار و أمل الآمل 2: 288، و الحقائق الراهنة: 193.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 15
و الفقيه السعيد المرحوم قوام الدين محمد بن الفقيه رضي الدين علي بن مطهر.
و ممن رويت عنه من المشايخ أيضا، الفقيه السعيد المرحوم ظهير الدين محمد بن محمد بن مطهر «1». انتهى.
و يقرب منه في كثرة المشايخ جماعة كثيرة، كابن شهرآشوب، و الشيخ منتجب الدين، و الشهيد. و أضرابهم.
و في الإجازة المذكورة: إن إعطاء الحديث حقه من الرواية و الدراية أمر مهم لمن أراد التفقه في الدين، إذ مدار أكثر الأحكام الشرعية عليه، و قد كان للسلف الصالح رضوان الله عليهم مزيد اعتناء بشأنه، و شدة اهتمام بروايته و عرفانه، فقام بوظيفته منهم في كل عصر من تلك الأعصار أقوام بذلوا في رعايته جهدهم، و أكثروا في ملاحظته كدهم و وكدهم، فلله درهم إذ عرفوا من قدره ما عرفوا، و صرفوا إليه من وجوه الهمم ما صرفوا، ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا حقه و جهلوا قدره، فاقتصروا من روايته على أدنى مراتبها، و ألقوا حبل درايته على غاربها. إلى آخره‏ «2».
و هذا الاهتمام و الاعتناء و تحمل المشاق، و العتاب على من قنع بالإجازة دون ما فوقها من المراتب لمجرد التبرك- كالتبرك بغسل الأكفان بماء الفرات، و مسها بالضرائح المقدسة، و غيرها مما لم يرد به نص، و اتخذه بعضهم شعارا من دون أن يتفق عليه عوام الناس فضلا عن العلماء الأعلام- خلاف الإنصاف.
و هذا الاتفاق العملي، و التصريح من البعض، إن لم يوجب القطع بالاحتياج و عدم كونه للتيمن، فلا أقل من الظن في مقام إثبات الحجية المخالفة
______________________________
(1) نقلها الشيخ المجلسي في البحار 109: 8- 10.
(2) بحار الأنوار 109: 3- 4.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 16
للأصل الكافي فيه الشك فيها فضلا عن الظن بالعدم.
و لقد حدثني بعض العلماء قال: كنت حاضرا في محفل قطب رحى الفقاهة شيخنا الأعظم الشيخ مرتضى طاب ثراه فسأله الفقيه النبيه الشيخ مهدي النجفي- سبط «1» كاشف الغطاء- و قال ما معناه: إنه بلغني أن جنابك تحتاط في ثلاث تسبيحات كبرى في الركوع و السجود، فما وجهه؟ فقال (رحمه الله): أنت أدركت أباك الشيخ علي؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلي؟ قال:
بثلاثة تسبيحات كبرى، قال: أدركت عمك الشيخ موسى؟ قال: نعم، قال:
كيف كان يصلي؟ قال: بالثلاثة، قال: أدركت عمك الشيخ حسن؟ قال:
نعم، قال: كيف كان يصلي؟ فأجابه بمثل ذلك، فقال (رحمه الله) يكفي في مقام الاحتياط مواظبة ثلاثة من الفقهاء في العمل.
و مما يستغرب من جملة من الأعلام- في هذه الأعصار- أنهم يحتاطون في كثير من الفروع الجزئية لشبهة ضعيفة، كمخالفة قليل مع عدم ظهور دليل له، بل قيام الدليل المعتبر على خلافه، و لا يحتاطون في أخذ الإجازة، و الدخول في عنوان الراوي كما دخله كل من تقدم علينا، حتى من صرح بكونه للتبرك، لما مر و يأتي من الشبهات. مع أنه في تركه- مع احتمال الاحتياج إليه- يهدم أساس فقهه من الطهارة إلى الديات، اللهم إلا أن يقطع بعدم الحاجة، و لا يخلو مدعيه من الاعوجاج و اللجاجة، و يأتي إن شاء الله تعالى مزيد توضيح لذلك.
الوجه الثاني: [أنهم كذلك بنوا على الإجازة و الاستجازة في كتب الفتاوى و الاستدلال، و المسائل الأصولية و أمثالها]
إنهم كما بنوا على الاستجازة و الإجازة في كتب الأحاديث و الأخبار المحتمل كونها للتبرك- من جهة اتصال السند إلى الأئمة الطاهرين عليهم السلام- كذلك بنوا على الإجازة و الاستجازة في كتب الفتاوى و الاستدلال، و المسائل الأصولية و أمثالها، مما يحتاجون إلى النقل و النسبة و ترتيب‏
______________________________
(1) كذا، و الصحيح هو حفيده، إذ هو الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 17
الآثار عليها، فتراهم في صدر الإجازات أو ذيلها يذكرون: إني أجزت لفلان أن يروي عني جميع مصنفاتي، و يعددونها، و ربما كان جميعها في الفقه و الأصولين، و كذا مصنفات كثير ممن تقدم عليهم من ذلك، بل رأينا إجازات جملة من الأساطين مخصوصة بها.
و عندي تبصرة العلامة بخط الشيخ أبي الفتوح أحمد بن أبي عبد الله الآبي- ابن عم صاحب كشف الرموز- و على ظهرها إجازة المصنف قدس سره له بخطه الشريف، و هذه صورته:
قرأ علي هذا الكتاب الشيخ العالم، الفقيه الفاضل، المحقق المدقق، ملك العلماء، قدوة الفضلاء، رئيس المحققين، جمال الملة و الدين، نجم الإسلام و المسلمين، أبو الفتوح أحمد بن السعيد المرحوم أبي عبد الله بلكو بن أبي طالب بن علي الآوي- أدام الله توفيقه و تسديده و أجل من كل عارفة حظه و مزيده- قراءة مهذبة تشهد بكماله، و تدل على فضله و تعرب عن جلاله، و قد أجزت له رواية هذا الكتاب عني لمن شاء و أحب. و كتب العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن المطهر مصنف الكتاب في شهر رجب من سنة خمس و سبعمائة، حامدا مصليا مستغفرا.
و في آخره و جملة من مواضعه تبليغات بخطه الشريف.
و عندي مسائل السيد المهنا المدني عن العلامة، بخط السيد حيدر الآملي، قرأها على فخر المحققين، و على ظهرها بخطه الشريف: هذه المسائل و أجوبتها صحيحة، سأل عنها والدي فأجابه بجميع ما ذكر فيها، و رؤيته‏ «1» أنا على والدي قدس الله سره و رويته عنه، و قد أجزت لمولانا السيد الإمام العالم- إلى أن قال بعد الأوصاف و النسب-: أن يروي ذلك عني، عن والدي قدس‏
______________________________
(1) كذا، و لعلها و قرأته.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 18
الله سره، و أن يعمل بذلك و يفتي به. و كتب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي في أواخر ربيع الآخر لسنة إحدى و ستين و سبعمائة، و الحمد لله تعالى.
و عندي الشرائع بخط العالم الفاضل الشيخ محمد بن إسماعيل الهرقلي- صاحب القضية المعروفة «1»- و قد قرئ على جماعة كثيرة من العلماء، و عليه خطوطهم و إجازاتهم، منها ما كتبه العالم الجليل الشيخ يحيى البحراني- تلميذ المحقق الثاني و شارح الجعفرية- قال بعد الحمد: فإن العبد الصالح و المحب الناصح المطيع لله المانح، محمد بن صالح، قد قرأ على العبد الجاني هذا الكتاب و هو شرائع الإسلام- إلى أن قال-: و قد أجزت له روايته عني، عن شيخي و إمامي. و ساق مناقب المحقق الثاني، و السند إلى أولهما «2».
و في إجازة الشيخ شمس الدين محمد بن المؤذن الجزيني للشيخ علي بن عبد العالي الميسي: و أجزت له الرواية مع العمل بجميع ما تضمنه كتاب التحرير- من جملة مقروءاتي- و ما عليه من النقل، و ما فيه من الفتاوى الخالية عن النقل- إلى أن قال-: عني، عن الشيخ جمال الدين بن الحاج علي، و عن الشيخ عز الدين حسن بن الفضل. و كذلك أجزته له ما نقلته عنهما من فتاوى فخر الدين، و فتاوى أبي القاسم نجم الدين بن سعيد، و جميع فتاوى ابن عمي خاتمة المجتهدين محمد بن مكي. و كذلك جميع ما في الدروس من الظاهر «3».
و كذلك جميع فتاوى كتاب القواعد للإمام البحر الحسن بن المطهر.
______________________________
(1) نقلها أغلب من ترجم له، انظر: الكنى و الألقاب 3: 241. و خلاصتها خروج توثة على فخذه الأيسر فوق العرق الأكحل و تعسر علاجها لذلك، و يأس الأطباء، ثم شفاؤه ببركة الإمام الحجة (عج)
(2) أي المحقق الأول (قدس سره)
(3) المراد هنا هو استظهارات صاحب الدروس، أي ما اختاره فتوى و رجح عنده نقلا أو دليلا



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 19
و أجزت له رواية تذكرة الفقهاء عني، عن ابن عمي ضياء الدين، عن والده السعيد أبي عبد الله محمد بن مكي، عن شيخه عميد الدين عن المصنف.
و أجزت له رواية كتاب إرشاد الأذهان- الذي عندي- و ما عليه‏ «1» من الفتاوى ..
و أجزت له أن يعمل بجميع ما يجده بخط ابن عمي الشهيد، أو بخطي من خطه، بشرط أن يعلم ذلك، فليرو ذلك و يعمل به، إذا صح عنده و تحققه، محتاطا في ذلك رواية و عملا. إلى آخره‏ «2».
و يقرب من ذلك ما كتبه العلامة- على ظهر القواعد- للقطب الرازي و فيه: و قد أجزت له رواية هذا الكتاب بأجمعه، و رواية جميع مؤلفاتي و رواياتي، و ما أجيز لي روايته، و جميع كتب أصحابنا السالفين‏ «3». إلى آخره.
و في إجازة الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي لابن أخته المحقق الداماد: و إني أجزته أن ينقل ما وصل إليه و ظهر لديه أنه من أقوالي، و أن يعمل به، و أن يروي مصنفات والدي المرحوم المغفور علي بن عبد العالي، و أن يروي جميع ما لي روايته عن مشايخي الإعلام‏ «4». إلى آخره.
و في إجازة مربي العلماء المولى عبد الله التستري لولده المولى حسن علي:
و كذلك أجزت له- طول الله عمره، و أفاض على العالمين بره- أن يروي عني جميع مؤلفاتي، و أن يفيدها لمن كان أهل ذلك. إلى أن قال: و كتب ذلك بقلمه و قاله بفمه أبوه الشفيق الفقير إلى رحمة الله‏ «5»، إلى آخره.
______________________________
(1) في البحار: علمته.
(2) نقلها الشيخ المجلسي في بحاره 108: 36- 37.
(3) حكاها الشيخ المجلسي في البحار 107: 140.
(4) حكاها الشيخ المجلسي في البحار 109: 86.
(5) حكاها الشيخ المجلسي في البحار 110: 20.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 20
إلى غير ذلك، مما يوجب نقله الإطناب و الخروج عن وضع الكتاب.
و أنت خبير بأن احتمال التيمن و التبرك في رواية الكتب الفقهية و ما ماثلها عن أربابها شطط من الكلام، مع أن الإجازة بعد القراءة، التي هي أعلى و أتقن منها، و الإذن في روايتها- كما نقلناه عن العلامة و غيره- مما ينبئ عن أمر عظيم، و احتياط شديد، في نقل الأقوال و نسبة الآراء إلى أصحاب التصانيف، و عدم القناعة بما يظهر من ألفاظهم الكاشفة عن آرائهم، مع حجيته عند كافتهم، بل بعد الإذن الرافع لما ربما يحتمل في كلامهم و ان كان بعيدا.
و بالجملة فلولا اعتقاد الحاجة أو الاحتياط- و لو لأمر تعبدي وصل إليهم- لما كان لإجازاتهم في هذا الصنف من الكتب محمل صحيح يليق نسبته إلى مثل آية الله العلامة و أضرابه.
الوجه الثالث: [أنهم كذلك استجازوا عن علماء العامة جميع مؤلفاتهم و مصنفاتهم التي قد يحتاجون إلى النقل منها]
انهم كما استجازوا رواية الأحاديث و مصنفات الأصحاب عن مشايخهم طبقة بعد طبقة، كذلك استجازوا عن علماء العامة- من الفقهاء و المحدثين و أرباب العلوم الأدبية- جميع مؤلفاتهم و مصنفاتهم التي قد يحتاجون إلى النقل منها، و ذكروا مشايخهم منهم إلى أرباب الكتب- التي نسبتها إليهم معلومة مقطوعة بالتواتر و القرائن القطعية- في أواخر إجازاتهم، فلاحظ:
الإجازة الكبيرة من العلامة لبني زهرة «1».
و الشهيد الثاني للشيخ حسين والد شيخنا البهائي‏ «2».
و صاحب المعالم للسيد نجم الدين العاملي‏ «3».
بل استكثروا من الطرق، و تحملوا أعباء السفر، و ضربوا آباط الإبل في‏
______________________________
(1) حكاها الشيخ المجلسي في البحار 107: 60.
(2) المصدر المتقدم 108: 146.
(3) المصدر السابق 109: 3.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 21
الوصول إليهم، و ذكروا في ترجمة الشهيد الأول أنه يروي مصنفات العامة عن نحو أربعين شيخا من علمائهم.
و قال هو رحمه الله في إجازته لأبي الحسن علي بن الحسن بن محمد الخازن: و أما مصنفات العامة و مروياتهم، فاني أروي عن نحو من أربعين شيخا من علمائهم بمكة، و المدينة، و دار السلام بغداد، و مصر، و دمشق، و بيت المقدس، و مقام الخليل. «1» إلى آخره.
و قريب منه الشهيد الثاني كما يظهر من رسالة تلميذه ابن العودي‏ «2».
و قال مروج المذهب المحقق الثاني في آخر إجازته لصفي الدين: و أما كتب العامة و مصنفاتهم، فإن أصحابنا لم يزالوا يتناقلونها و يروونها، و يبذلون في ذلك جهدهم، و يصرفون في هذا المطلب نفائس أوقاتهم، لغرض صحيح ديني، فإن فيها من شواهد الحق، و ما يكون وسيلة إلى تزييفات الأباطيل، ما لا يحصى كثرة. و الحجة إذا قام الخصم بتشييدها، عظم موقعها في النفوس، و كانت ادعى إلى إسكات الخصوم و المنكرين للحق، و دفع تعللاتهم، و مع ذلك ففي الإحاطة بها فوائد اخرى جمة.
و قد اتفق لي- في الأزمنة السابقة- بذل الجهد و استفراغ الوسع مدة طويلة في تتبع مشاهير مصنفاتهم في الفنون، خصوصا العلوم النقلية من الفقه و الحديث و ما يتبعه و التفسير، و ما جرى مجراها كاللغة و فنون العربية، فثبت لي حق الرواية بالقراءة لجملة كثيرة من المصنفات الجليلة المعتبرة، و كذا ثبت لي حق الرواية (بالسماع لجملة أخرى، و كذا في المناولة. و اما الإجازة فقد ثبت لي‏
______________________________
(1) نقلها في البحار 107: 19.
(2) المطبوعة ضمن الدر المنثور من المأثور و غير المأثور 2: 149 باسم (رسالة بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد) ذكر ما عثر عليه فيها.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 22
بها حق الرواية) «1» لما لا يكاد يحصى و لا يحصر من مصنفاتهم في العلوم الإسلامية، إجازة خاصة و عامة من علمائنا رضوان الله عليهم، و من علمائهم الذين عاصرتهم و أدركت زمانهم، فأخذت عنهم، و أكثرت الملازمة لهم، و التردد إليهم، بدمشق و بيت المقدس- شرفه الله تعالى و عظمه- و بمصر و مكة- زادها الله شرفا و تعظيما- و صرفت في ذلك سنين متعددة و أزمنة متطاولة، و جمعت أسانيد ذلك و أثبته في مواضع و كتبت مشيخة شيخنا الجليل أبي يحيى زكريا الأنصاري بمصر. و تتبعت جملة من أسانيد شيخنا الجليل العلامة كمال الدين أبي عبد الله محمد بن أبي شرف‏ «2» المقدسي فكتبتها، و خطه مكتوب على بعضها، و كذا خط زكريا مكتوب على مواضع من مشيخته التي سبق ذكرها.
فأجزت له- أدام الله تعالى رفعته- رواية جميع ذلك بأسانيده، مضافا إلى ما سبق تفصيله و إجماله. انتهى‏ «3».
و لا يخفى أن الغرض من رواية كتبهم، و اتصال السند إلى أربابها:
إما التبرك المقطوع عدمه.
أو الحاجة إليه لإثبات الكتاب، و صحة النسبة إلى من انتسب إليه، و هو كالأول، لكون أكثر ما عددوه منها مما تواتر عن صاحبه أو نقطع بها لقرائن قطعية.
أو للحاجة إليه في مقام النقل، و نسبة القول و الرأي. و هو المطلوب الذي يمكن استظهاره من الرواة و أصحاب المجاميع السالفة أيضا.
توضيح ذلك: انه لا فرق بيننا و بين الطبقات السابقة في الحاجة إلى‏
______________________________
(1) ما بين القوسين ساقط من البحار. ثابت في المخطوط و الحجري.
(2) كذا، و هو كمال الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي، المتوفى: 906، انظر البحار 108: 79، و شذرات الذهب 8: 29.
(3) رواها الشيخ المجلسي في البحار 108: 79.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 23
الإجازة و عدمها، في صورة عدم تواتر الكتاب عن صاحبه، أو عدم قطعية الصدور و لو بالقرائن، و في صورة التواتر و القطعية، لاتحاد وجه الحاجة و عدمها للجميع.
و نحن بعد السبر و التأمل في كلمات القدماء، لم نجدهم يفرقون في مقام الحاجة- إلى الطرق و الأسانيد إلى الكتب المصنفة- بين ما كان منها قطعي الصدور و عدمه.
و لم نجد لما ذكره بعض المتأخرين من كون ذكر السند في الأول لمحض التبرك في كلامهم عينا و لا أثرا.
و نحن نذكر أولا ما ذكره المتبركون ثم نتبعه بكلام الأقدمين.
قال العالم الجليل السيد جواد- صاحب مفتاح الكرامة- في إجازته للعالم العلام آغا محمد علي ابن علامة عصره آغا باقر المازندراني: الإجازة على قسمين:
قسم للمحافظة على اليمن و البركة، و الفوز بفضيلة الشركة في النظم في سلسلة أهل بيت العصمة و خزان العلم و الحكمة، لأن من انتظم فيها فاز بالمرتبة الفاخرة، و فاز بسعادة الدنيا و الآخرة، و هذا هو المعروف المألوف في هذه الأزمان لا غير.
و قسم للمحافظة على الضبط و قوة الاعتماد، و الأمن من التحريف و التصحيف و السقط في المتن و الإسناد، و هذا القسم يجري مجرى القراءة على الشيخ و السماع من فلق‏ «1» فيه، و هذا أمر معروف أيضا بين الأقدمين لا شك فيه، و لذا ترى المجازين يقولون- حيث يستجيزون الكتاب الذي نظره المجيز و عرف صحته و شهد بالاعتماد عليه-: حدثني و أخبرني من دون أن يقول‏
______________________________
(1) الفلق، بفتح الفاء و سكون اللام: الشق، وجئ بها هنا للتأكيد على صحة السماع.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 24
إجازة.
و استوضح ذلك في المفيد، فإن علماء الرجال قد صرحوا بأن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، و أحمد بن محمد بن يحيى العطار، شيخا إجازة للمفيد، و هو يروي عنهما من دون أن يقول إجازة، فهو:
إما أن يكون قد سمع عنهما، و عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه- لأنه شيخه أيضا- جميع كتب أصحابنا مشافهين له بالخطاب، و الا لما صح له أن يقول: أخبرني و حدثني، أو: عن أحمد، مثلا. و من البعيد جدا أن يكون هؤلاء الثلاثة قرءوا عليه مخاطبين له كتاب الكافي، و كتب الحسين بن سعيد، و كتب محمد بن علي بن محبوب، و كتب محمد بن أحمد بن يحيى العطار «1»، و أحمد بن إدريس، و هلم جرا فصاعدا.
و إما أن يكون قد قرأ عليه أو على بعضهم بعض هذه، فيجب عليه حينئذ أن يقول: قراءة عليه.
ثم إنه من البعيد أيضا أن يكون قد قرأ عليهم جميع هذه الكتب.
سلمنا، لكن لأي شي‏ء قيل: إن الأحمدين شيخا إجازة له؟ فهلا قيل:
شيخا إجازة و قراءة و سماع؟! و أما شيخه الرابع و هو محمد بن بابويه فلا ريب أنه لم يقرأ عليه، و لم يسمع منه، اللهم إلا أن يكون يوم استجاز منه قرأ من أول كل كتاب أجازه حديثا، و من وسطه حديثا، و من آخره حديثا، كما ورد في الخبر.
فالمفيد في روايته عن هؤلاء الثلاثة، و الشيخ في روايته عن مشايخه الخمسة- و هم المفيد، و أحمد بن عبدون، و الحسين بن عبيد الله الغضائري،
______________________________
(1) كذا، و الظاهر إما زيادة (العطار) فهو الأشعري القمي حينئذ، أو زيادة (أحمد بن) فهو محمد بن يحيى العطار أبو جعفر القمي.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 25
و علي بن أحمد بن أبي جيد، و علم الهدى- إما أن يكونا قد سمعا جميع الكتب التي رويا عنها عن جميع مشايخهم الأربعة و الخمسة، و هذا يكاد يكون مستحيلا، مع خلوه في الواقع عن فائدة يعتد بها.
أو يكونا قرءاها أو بعضها عليهم، فيكونان- مع بعده أيضا- مدلسين و العياذ بالله عز و جل و إلا لقالا: أخبرني قراءة، أو عن فلان قراءة.
أو يكونا استجازاها، فيكونان أيضا مدلسين- لا سيما المفيد بالنسبة إلى الأحمدين- و إلا لقالا يوما: عنه إجازة، أو: أخبرني إجازة.
فتعين انهما قرءا بعضا و سمعا بعضا، و أجيز لهما ما قرء أو سمعاه، و ما لم يقرآه و لم يسمعاه، بمعنى أن مشايخهم عمدوا إلى كتاب معروف مقروء و مصحح، و أجازوا لهما روايته بمعنى أنهم ضمنوا لهما صحته، و أباحوا لهما روايته عنهم، كما أن المتأخرين جرت عادتهم بأن يقولوا قرأ علي المبسوط- مثلا- قراءة مهذبة، و أجزت له أن يروي عني، بمعنى أني ضمنت له صحة الكتاب الذي قرأه علي، و أبحت له روايته.
فهذه الإجازة بهذا المعنى تجري مجرى السماع و القراءة، بل ربما قيل بأنها أقوى منهما.
و قد نبه على ذلك الأستاذ رضي الله تعالى عنه في عدة مواضع من تعليقه على الرجال، قال في ترجمة العبيدي: إن أهل الدراية غير متفقين على المنع من الرواية إجازة من دون ذكر هذه اللفظة «1». إلى آخره.
و كانت عادتهم في الإجازة بهذا المعنى، كعادتنا اليوم في الوجادة، نقول:
قال الشيخ في المبسوط.
______________________________
(1) تعليقة الوحيد البهبهاني على رجال الأسترآبادي الكبير: 313.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 26
و ما في التهذيب‏ «1» و المعالم‏ «2» و غيرهما من أن الأعلى السماع ثم القراءة ثم الإجازة. إلى آخره، فمبني على مذهب بعض أهل الدراية، و لعله لتعدد نسخ الكتاب الواحد، و عدم الاعتناء بضبطه، أو عدم الاعتداد به، لمكان تقاصر الهمم باعتبار كبر الكتب و تعددها، أو لأمور أخر.
و من لحظ ما قررناه، و لحظ كلام المعالم في تعريفه الإجازة، ظهر له أن كلامه غيره محرر.
و اما محمد بن الحسن بن الوليد فإنه يعتبر في الإجازة القراءة أو السماع، و أن يكون السامع فاهما لما يرويه.
و مما ذكر أيضا يسهل معرفة مشايخ الإجازة، و لقد أعيت معرفتهم على ناس كثيرين، حتى أن شيخنا و مولانا ميرزا أبو القاسم‏ «3» صنف في ذلك رسالة ما زاد فيها على أنهم يعرفون بنص علماء الرجال، ثم إنه سرد من ظفر أنهم نصوا عليه بذلك، و لم يعين الوجه في النص على هذا دون هذا، مع أنهما معا في وسط السند مثلا أو في أوله.
و قد بينا فيما كتبناه في شرح طهارة الوافي- من تقرير الأستاذ الشريف رضي الله تعالى عنه- و غيره، أن لنا إلى معرفتهم طرقا أربعة.
و كيف كان فاحتفال رواتنا و علمائنا بالاستجازة أشهر من أن يذكر.
هذا شيخ القميين و فقيههم و رئيسهم، و الذي يلقى السلطان غير مدافع، أحمد بن محمد بن عيسى، بل هو شيخ أعيان الفرقة: كسعد، و محمد ابن علي بن محبوب، و أحمد بن إدريس، و العطار، و صاحب النوادر. و غيرهم‏
______________________________
(1) تهذيب الأصول للعلامة: مخطوط.
(2) معالم الدين: 209.
(3) هو الميرزا أبو القاسم القمي صاحب القوانين، و الغنائم، و له رسالة في مشايخ الإجازات.
انظر مصفى المقال: 35.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 27
من المشايخ الكبار، شد الرحال من قم- على عظمته عند سلطان وقته و عدم أمنه منه- إلى الكوفة، فأتى الحسن بن علي ابن بنت إلياس الوشاء البغدادي، ليجيزه كتاب أبان بن عثمان الأحمر، و كتاب العلاء بن رزين القلاء، فلما أخرجهما له، قال له: أحب أن تجيزهما لي، فقال: ما عجلتك؟ اذهب فاكتبهما، و اسمع من بعد، فقال له: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإني أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام.
و هذا شيخنا المفيد استجاز من الصدوق لما أتى بغداد و هو أعلم و أفضل منه، قال في الرد عليه في بعض رسائله: من وفق لرشده لا يتعرض لما لا يحسنه.
و هذا شيخ علم الهدى أبو غالب الزراري كتب إجازة لابن ابنه و هو في المهد في رسالة طويلة و حكاية لطيفة «1». انتهى‏ «2».
و قال في شرحه على الوافي‏ «3»- الذي هو تقريرات بحث أستاذه العلامة الطباطبائي-: و ليعلم أن الإجازة على أقسام:
إجازة الشيخ مقرواته و مجازاته و مسموعاته لكل أحد.
و إجازته لواحد مخصوص.
و إجازة المخصوص منها لكل أحد.
و إجازة المخصوص منها المعين لشخص معين، و هذا لا بد فيه من توثيق‏
______________________________
(1) رسالة أبي غالب الزراري: 41.
(2) أي كلام السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة في إجازته لآغا محمد علي بن آغا باقر المازندراني.
(3) القائل: السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 28
المجيز، لأنه يكون ضامنا لصحة ذلك الكتاب، و أمنه من الغلط و التحريف، و ذلك يستلزم الوثاقة، و لذلك أتى ابن عيسى من قم ليستجيز من الوشاء كتابي أبان و العلاء.
و هذه الإجازة تجري مجرى القراءة على الشيخ، أو قراءة الشيخ عليه، بل ربما كانت أشد ضبطا، و عليه كان القدماء يعمد الشيخ منهم إلى كتاب مصحح مقروء مسموع له عن الشيوخ، و يجيز روايته لطالب الإجازة، و يأخذ [ه‏] المجاز له إلى الشيخ الآخر فينظره و يجيز روايته‏ «1»، و هكذا.
هذا شيخ الطائفة له إلى الكليني طرق متعددة، و من المعلوم أنه لم يقرأ الكافي عليه جميع أولئك المشايخ، و لا قرأ هو عليهم، و إنما كان يقرأ بعضه على بعض أو كله، أو لا يقرأ منه عليه شي‏ء- كما قدمنا- و يأتي به إلى الآخر فيعرضه عليه فيجيزه، بل كان الغالب منهم- كما في الأخبار- أن المستجيز يأتي إلى كتاب قد ضمن المجيز صحته فيقرأ من أوله حديثا، و من وسطه حديثا، و من آخره حديثا، و يجيزه له، فله أن يقول: أخبرني و حدثني، و هذه طريقة معروفة، و إلا فالمفيد دائما يقول: أخبرني أبو القاسم جعفر، أو أحمد بن الوليد أو أحمد بن العطار، و قد قالوا: إن الأخيرين شيخا إجازة، فإما أن يكون المفيد قرأ عليهما جميع الكتب، أو قرءاها عليه- و هو بعيد جدا- أو يكونا عمدا إلى الكتب المقروءة المصححة و أجازاه ذلك، هذا هو الظاهر.
فالرواية بلفظ (أخبرني) معروفة مألوفة على النحو المذكور- و لا تصغ إلى ما في المعالم‏ «2»، و ما في ترجمة محمد بن عيسى العبيدي‏ «3»- و هذا مما لا يكاد
______________________________
(1) كذا، و لعل الصحيح: و يجيز له روايته، أو: يجيزه بروايته. علما أن المخطوطة هنا مشوشة.
(2) معالم الدين: 209 و ما بعدها.
(3) انظر: رجال النجاشي: 333 ت 896، و تفصيل تنقيح المقال ج 3: 169 ت 11211 ذيل ترجمته، و تعليقة الوحيد البهبهاني: 313 و المطبوعة بهامش المنهج ترجمة محمد بن عيسى بن عبيد.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 29
و ليس لك بعد ذلك أن تقول: إن الأصل الرواية بالسماع من الشيخ، لما عرفت، و لأنه ينقض عليك بالقراءة، فإنه لم يجزه‏ «1» قطعا مع أنه مألوف معروف قال الأستاذ في حاشيته على كتاب الميرزا: إن القدماء كانوا لا يروون إلا بالإجازة أو القراءة و أمثالهما، و يلاحظون غالبا حتى في كتب الحسين بن سعيد. و أطال في بيان ذلك.
و قد جرت عادة السلف أيضا أن الشيخ أيضا بعد القراءة عليه يجيزه رواية ما قرأه عليه يمنا و بركة، أو زيادة وثوق بالأمن من التحريف، و الإجازة بالمعنى الأول ليست إلا لليمن و البركة- كما هو الشأن في إجازاتنا اليوم غالبا- و أما حيث يجيزه رواية الكتاب المخصوص فلا بد من أن يكون الشيخ ثقة و لو كان الكتاب متواترا، فلا تلتفت إلى ما في المعالم‏ «2» أيضا من أنه لا أثر لها إلا في غير المتواتر «3». انتهى.
و في المعالم: فاعلم أن أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنما يظهر حيث لا يكون متعلقها معلوما بالتواتر و نحوه، ككتب أخبارنا الأربعة، فإنها متواترة إجمالا، و العلم بصحة مضامينها تفصيلا يستفاد من قرائن الأحوال، و لا مدخل للإجازة فيه غالبا، و إنما فائدتها حينئذ بقاء اتصال سلسلة الإسناد بالنبي و الأئمة صلوات الله عليهم، و ذلك أمر مرغوب إليه للتيمن، كما لا يخفى. على أن الوجه في الاستغناء عن الإجازة ربما أتى في غيرها من باقي وجوه الرواية،
______________________________
(1) في نسخة بدل: يخبره. (منه قدس سره)
(2) المعالم: 212- 213.
(3) شرح الوافي، للسيد العاملي: مخطوط.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 30
غير أن رعاية التصحيح، و الأمن من حدوث التصحيف- و شبهه من أنواع الخلل- يزيد في وجه الحاجة إلى السماع و نحوه‏ «1».
إلى غير ذلك من الكلمات التي تشبه بعضها الأخرى في انحصار فائدة الإجازة- في أمثال الكتب الأربعة- بالنسبة إلينا في التيمن، إلا أن يكون متعلقها كتابا خاصا فتفيد الضمان، و تعهد صحته و حفظه من الغلط و التصحيف.
و نحن بعد المراجعة في كلمات الأقدمين لم نجد لهم شاهدا في تلك الدعوى، بل وجدناهم يظهرون الاحتياج إليها مطلقا، تواتر الكتاب عن صاحبه أم لا، علم بالنسبة- من جهة القرائن- أم لا.
قال شيخ الطائفة في أول مشيخة التهذيب: و اقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله، و استوفينا غاية جهدنا. إلى أن قال: فحيث وفق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطريق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الأصول و المصنفات، و نذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار، لتخرج الأخبار بذلك عن حد المراسيل، و تلحق بباب المسندات.
فما ذكرته في هذا الكتاب عن محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله فقد أخبرنا [به‏] «2» الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله عن محمد بن يعقوب.
و أخبرنا به أيضا الحسين بن عبيد الله، عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري، و أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، و أبي القاسم جعفر بن‏
______________________________
(1) معالم الدين: 212.
(2) زيادة من المصدر.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 31
محمد بن قولويه، و أبي عبد الله أحمد بن أبي رافع الصيمري، و أبي المفضل الشيباني، و غيرهم، كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني.
و أخبرنا به أيضا أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، عن أحمد بن أبي رافع، و أبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز- بتنيس‏ «1» و بغداد- عن أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، جميع مصنفاته و أحاديثه سماعا و إجازة، ببغداد بباب الكوفة بدرب السلسلة سنة سبع و عشرين و ثلاثمائة.
و ما ذكرته عن علي بن إبراهيم بن هاشم‏ «2». و ساق الطرق إلى المصنفين- الذين كثير منهم كأبي جعفر الكليني في الجلالة، و قطعية نسبة كتبهم إليهم بالتواتر و غيره كنسبة الكافي إلى مؤلفه- كالصدوق، و جعفر بن قولويه، و الصفار، و أحمد بن محمد بن عيسى، و البرقي، و الحسين بن سعيد، و غيرهم.
كل ذلك عند الشيخ الذي أخرج الأحاديث من مصنفاتهم، فلو لا الحاجة لما اعتذر لذكر الطرق بقوله: لتخرج الأخبار بذلك عن حد المراسيل‏ «3».
و لو كان للتيمن لكان ذكرها في هذا الكتاب غير مناسب، و لما استكثر الطرق إلى مثل الكافي الذي هو في وضوح النسبة كالشمس في رابعة النهار، و أبعد منه احتمال كونه للتعهد من احتمال الخلل، و ضمان الصحة و الأمن من التحريف، فإنه بعد التسليم إنما هو في كتاب مخصوص لمعين أو لمن ينقل عنه.
______________________________
(1) اختلفت المصادر الرجالية في ضبط هذه الكلمة فتارة ورد تفليس كما في مجمع الرجال 4:
100، 6: 73، 7: 218، و رياض العلماء 3: 180، و معجم رجال الحديث 18: 52، و فهرست الشيخ: 136. و في تنقيح المقال 3: 201 و الاستبصار 4: 310 ورد: بتنيس.
و شتان ما بينهما إذ تفليس بفتح التاء و كسرها و سكون الفاء بلد بأرمينية و هي قصبة ناحية جرزان و أما تنيس بكسرتين و تشديد النون جزيرة قريبة من البر بين الفرما و دمياط عند بحر مصر، انظر معجم البلدان 2: 35، 51، و مراصد الاطلاع 1: 266، 278.
(2) مشيخة التهذيب 10: 4- 29 بتصرف.
(3) مشيخة التهذيب 10: 5.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 32
و الظاهر أن المشيخة المذكورة لم توضع لذكر الطرق إلى كتب مخصوصة معينة للجماعة المذكورين فيها، بل ليس فيها إجازة و إذن لأحد كي يحتمل فيها التعهد و الضمان، و إنما وضعها لبيان حال نفسه، و أنه لم يذكر في كتابه المراسيل من الأخبار- التي هو مرسلها- بل ما أودع فيه إلا المسانيد، فلو جاز عنده العمل بما في الكافي من الأحاديث من دون اتصاله بمؤلفه- بما ذكره من الطرق- لما كان فرق بين المسند منها و المرسل في الحجية، فيتجه التعليل بمجرد التسمية أو إظهار الفضيلة، و ساحة مؤلفه بريئة عن قذارة هذه النسبة.
و قال رحمه الله في مشيخة الاستبصار: و كنت سلكت في أول الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها، و على ذلك اعتمدت في الجزء الأول و الثاني، ثم اختصرت في الجزء الثالث، و عولت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه أو أصله، على أن أورد عند الفراغ من الكتاب جملة من الأسانيد يتوصل بها إلى هذه الكتب و الأصول، حسبما عملته في كتاب تهذيب الأحكام‏ «1». إلى أن ساق الطرق كما في مشيخة التهذيب، و ابتدأ بالكافي كما فيها.
فقوله: يتوصل بها إلى هذه الكتب، إن كان الغرض تصحيح النسبة- كما لو كان الكتاب غير معلوم الانتساب إلى مؤلفه- فيذكر الطريق ليتبين صدوره من مؤلفه، و يظهر جواز الاعتماد عليه، و لهذا يشترطون وثاقة كل من فيها، و إن كانوا مشايخ الإجازة، و إن لم يشترطوها فيهم في غير المقام، فهذا غير محتمل في أغلب الكتب المذكورة كالكافي، و المحاسن، و كتب الصدوق، و أمثالهم.
و إن كان المقصود التوصل بها إلى رواية هذه الكتب- أي يجوز لكل من‏
______________________________
(1) الاستبصار 4: 305.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 33
يروي عن الشيخ و له منه إجازة عامة أن يروي هذه الكتب- بهذه الطرق متيمنا متبركا، فهو مع بعده عن كلامه غير مناسب لذكره في هذا المقام، و إنما يناسب ذكره في الفهارست، و ما يكتبونه من الإجازات، دون هذا الكتاب العلمي الفرعي الذي لا يليق أن يذكر فيه إلا ما كان من مقدمات ثبوت الحكم و كيفية العمل، فلا بد أن يكون الغرض التوصل إلى روايتها المحتاجة إليها في مقام العمل بما فيها.
و السيد المحقق الكاظمي رحمه الله مع أنه ممن يرى التبرك في الإجازات المعهودة، صرح في عدته بأن هذه الكتب التي أخرج منها الشيخ أخبار الكتابين نسبتها إليه كنسبة الكتابين و أمثالهما إلينا.
قال رحمه الله بعد كلام طويل فيما علقه الصدوق و الشيخ في الكتب الثلاثة، ما لفظه: و على هذا فضعف الطريق إلى تلك الأصول و الكتب و جهالته غير مضر، لأن تلك الكتب- و لا سيما الأصول- كانت في تلك الأيام معروفة مشهورة، و كيف لا تكون كذلك و فيها مدارستهم و عليها معولهم؟! إلا أن يشذ شي‏ء، و من هنا قال الشيخ في أوائل كتاب الصوم من التهذيب: إن عدم وجدان الحديث في الأصول المصنفة يوجب الحكم بضعفه‏ «1»، و هل هي فيهم إلا كالجوامع الأربعة العظام بالنسبة إلينا؟! أ لا ترى أن استمرار طريقة الأصحاب في هذه الجوامع الأربعة على الرواية و الاستجازة لا يقضي‏ «2» بها إلى الجهالة بدونها؟ كلا، بل هي متواترة إلى أربابها، و إنما تؤخذ بالإسناد للتيمن باتصال السلسلة، و الجري على طريقة السلف الصالح.
و ما كانت الفاصلة بينهم و بين أرباب تلك الكتب كالفاصلة بيننا و بين المشايخ الثلاثة، بل أكثرها تعلم نسبته بالقرائن لشدة القرب، و لا تحتاج‏
______________________________
(1) التهذيب 4: 169.
(2) في المصدر: و الاستجازة يقضي.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 34
إلى دعوى الشهرة «1» كأصول أصحاب الصادق عليه السلام و نحوها «2»، لاستمرار طريقة القدماء المعاصرين للأئمة عليهم السلام على مدارستها، و العمل بما فيها، و المحافظة عليها «3». انتهى.
و لقد أجاد فيما أفاد في الحكم بالاتحاد، إلا أن كون الأخذ بالإسناد للتيمن يوجب كون ذكر أغلب أسانيد الكتب الثلاثة لغوا، إذ التيمن لا يقتضي هذه الدرجة من الولوع و الحرص في ذكر الطرق، بل الشيخ لم يقنع بما ذكره في المشيختين حتى أحال الباقي إلى محاله.
قال: فقد أوردت جملا من الطرق إلى هذه المصنفات و الأصول، و لتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارست للشيوخ، فمن أراده وقف عليه هناك إن شاء الله تعالى‏ «4».
و أبعد من الكتب الثلاثة في الحمل المذكور رابعها، فانظر إلى ما فعله ثقة الإسلام في الكافي، فإنه مع تقدمه على الصدوق و الشيخ، و قرب عهده إلى أرباب الأصول و المصنفات، المقتضي للوقوف على أكثر مما وقفا عليه من أسباب قطعية صدورها من مؤلفيها، مع معلومية أنه أيضا أخرج ما جمع فيه من تلك الأصول و المصنفات، و بنائه على الإيجاز و الاقتصار على ذكر ما صح عنده منها، و اختاره من بين الأخبار المختلفة، من باب التسليم المأمور به بعد إعمال المرجحات المنصوصة التي صرح- رحمه الله- بعدم التمكن من الوصول إليها، و مع ذلك لم يذكر متنا إلا مع تمام طريقه إلى صاحب الأصل و الكتاب، و منه إلى حامل المتن، إلا في موارد قليلة. فلولا مسيس الحاجة لكان الأليق بحاله و جلالة مثله- ممن لا يريد في التأليف إظهار الفضل، و الإكثار من‏
______________________________
(1) وردت هنا زيادة في المصدر: و ما بعد في الجملة.
(2) وردت هنا زيادة في المصدر: فبالشهرة.
(3) العدة للمحقق الكاظمي: 184.
(4) مشيخة الاستبصار 4: 342، و انظر مشيخة التهذيب 10: 88.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 35
التصنيف- أن يقنع في النقل بقوله: فلان في أصله، أو في كتابه، أو ما يقرب منه، خصوصا في الكتب التي كانت في عصره أشهر من أن تحتاج في مقام النسبة إلى السند.
و بالجملة فاعتقاد كون جل أسانيد الكافي غير مفيد إلا التيمن، الذي لم نجد له أصلا يوجب التمسك به كما هو نتيجة ما حققه هو و غيره، مما يأباه الذوق السليم، و احتمال كون ذكره للاحتياج إليه في مثل أعصارنا- التي خفي علينا فيها ما كان عندهم من القرائن- بعيد في حقه، و إنما هو آت في كلام من هو عالم بما يحدث بعده من الفتن.
و مما يؤيد ما ذكرنا قصة ابن عيسى مع الوشاء، التي أشار إليها شارح الوافي كما تقدم‏ «1» و استشهد بها لمقصوده، و هي على خلافه أدل.
قال النجاشي في رجاله: أخبرني ابن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن يحيى، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشاء، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلاء و أبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إلي، فقلت له: أحب أن تجيزهما لي، فقال لي: يرحمك الله و ما عجلتك؟! اذهب فاكتبهما و اسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإني أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول:
حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام‏ «2».
و أنت خبير بأن هذه الحكاية ظاهرة بل صريحة في أن ابن عيسى كان عالما بالنسبة إلا أنه لم يجدهما «3» و أنه لما أتى بهما الوشاء لم يقنع بالعثور عليهما بل طلب‏
______________________________
(1) تقدم في صحيفة: 28.
(2) رجال النجاشي: 28.
(3) أي: كتاب القلاء- و قد طبع ضمن الأصول الستة عشر- و كتاب الأحمر لا زال مخطوطا.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 36
منه الاذن في روايتهما، و ظاهره الاحتياج إليها لا لمجرد التبرك، و لا لضمان صحة الكتابين و أمنهما من التحريف و الغلط، لعدم وجود ما يدل عليه في الحكاية، و عدم ملاءمته لقوله: و ما عجلتك؟ و قوله: و اسمع من بعد. فإنه كالصريح في أن غرضه تحمل روايتهما، لا الاعتماد بصحة متنهما.
و مما يؤيد ما ذكرنا ما ذكره الصدوق في أول الفقيه، قال: و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول و إليها المرجع، مثل: كتاب حريز ابن عبد الله السجستاني، و كتاب عبيد الله بن علي الحلبي، و كتب علي بن مهزيار الأهوازي، و كتب الحسين بن سعيد، و نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، و كتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري‏ «1»، و كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، و جامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد، و نوادر محمد بن أبي عمير، و كتاب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي، و رسالة أبي رضي الله عنه إلي، و غيرها من الأصول و المصنفات، التي طرقي إليها معروفة في فهرست الكتب التي رؤيتها عن مشايخي و أسلافي رضي الله عنهم‏ «2». انتهى.
و هذا القيد الأخير لو لم يكن من مقدمات صحة الاستناد إلى ما استخرجه من تلك الكتب المشهورة و شرائط حجيته لكان لغوا، لعدم احتمال التبرك و الضمان، كما لا يخفى.
و قال شيخ الطبرسيين ابن شهرآشوب في المناقب- بعد ما ذكر قصده في تأليفه-: و ذلك بعد ما أذن لي جماعة من أهل العلم و الديانة بالسماع و القراءة و المناولة و المكاتبة و الإجازة، فصح لي الرواية عنهم بأن أقول: حدثني،
______________________________
(1) في الأصل و الحجري: أحمد بن محمد- و هو خطأ قطعا.
(2) من لا يحضره الفقيه 1: 3- 5.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 37
و أخبرني، و أنبأني، و سمعت: فأما طريق العامة فقد صح لنا طريق إسناد البخاري. و ساق طرقه إلى كتبهم في كلام طويل بأقسامها السابقة، إلى أن قال: و أما أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، حدثنا بذلك. و ساق طرقه إلى أن قال: و قد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار على متون الأخبار، و عدلت عن الإطالة و الإكثار، و الاحتجاج من الظواهر و الاستدلال على فحواها، و حذفت أسانيدها لشهرتها، و لإشارتي إلى رواتها و طرقها و الكتب المنتزعة منها، لتخرج بذلك عن حد المراسيل و تلحق بباب المسندات‏ «1». انتهى.
و هو قريب من كلام الشيخ في التهذيب‏ «2».
و قال العلامة رحمه الله في آخر الخلاصة: لنا طرق متعددة إلى الشيخ السعيد أبي جعفر الطوسي رحمه الله، و كذا إلى الشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه، و كذا إلى الشيخين أبي عمرو الكشي، و أحمد بن العباس النجاشي، و نحن نثبت منها هنا ما يتفق، و كلها صحيحة. إلى أن قال: و قد اقتصرت من الروايات إلى هؤلاء المشايخ بما ذكرت، و الباقي من الروايات إلى هؤلاء المشايخ و إلى غيرهم مذكور في كتابنا الكبير «3».
و ظاهره أنه يعامل بالطرق إلى هؤلاء المشايخ معاملته بطرقهم إلى أرباب الأصول و المصنفات، و حمله على التبرك بعيد غايته.
و مثله ما قاله الشهيد في إجازته لابن الخازن- كما يأتي- من قوله: فليرو مولانا زين الدين علي بن الخازن جميع ذلك إن شاء، بهذه الطرق و غيرها- مما
______________________________
(1) المناقب لابن شهرآشوب 1: 6- 13 باختصار.
(2) مشيخة التهذيب 10: 4.
(3) خلاصة الأقوال: 282- 283.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 38
يزيد على الألف- و الضابط أن يصح عنده السند في ذلك بعد الاحتياط التام لي و له‏ «1». إلى آخره و حمله عليه أبعد لوجوه لا تخفى.
هذا و في الأخبار ما فيه إشارة أو دلالة عليه، فروى ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن أحمد بن عمر الحلال، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب و لا يقول: اروه عني، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: «إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه» «2». و ظاهره معهودية الحاجة إلى الرواية، و قرره عليه السلام على ذلك. و إنما سؤاله عن كفاية المناولة التي هي أحد أقسام التحمل، فأجابه عليه السلام بالكفاية مع العلم بكون الكتاب له و من مروياته.
و ما قيل: بأن المراد أن العلم بأن الكتاب له و من مروياته كاف للرواية عنه سواء أعطى الكتاب أم لا؟ ضعيف، بأنه لا تجوز الرواية بدون التحمل بأحد الأقسام المعهودة إجماعا، كما صرح به الشهيد في شرح درايته‏ «3». و إنما الكلام في العمل بما يجده العالم في الكتب المعلومة و إن لم يكن له طريق إليها.
فقوله عليه السلام: (فاروه) لا بد أن يكون بعد إحراز قابليته، التي هي في المقام تحمله بالمناولة، و لا يجوز أن يكون المراد العمل، لعدم كون السؤال عنه، و عدم دلالة اللفظ عليه، مع أنه لو أراده لقال عليه السلام: فاعمل به، كما فعلوا بكتاب الفضل بن شاذان.
فروى الكشي في رجاله، بإسناده عن بورق البوشنجاني‏ «4»- و ذكر أنه من‏
______________________________
(1) ذكرها الشيخ المجلسي في البحار 107: 192.
(2) الكافي 1: 41/ 6.
(3) الدراية: 102.
(4) البوشنجي: بضم الباء الموحدة و فتح الشين المعجمة و سكون النون و في آخرها الجيم، هذه النسبة إلى بوشنج، و هي بلدة على سبعة فراسخ من هراة يقال لها: بوشنك، هذا و قال الشيخ المامقاني في ترجمة الرجل: و الشين المعجمة المفتوحة على ما في كتاب الكشي. و لم أجد له محملا إلا كونه منسوبا إلى بوسنج معرب بوشنك بلدة من هراة على سبعة فراسخ منها، و مقتضى القاعدة أن تكون النسبة إليها البوسنجي، و إنما أدخلوا عليه الألف و النون على خلاف القياس انظر: أنساب السمعاني 2: 332، و تنقيح المقال 1: 184/ 1429.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 39
أصحابنا، معروف بالصدق و الصلاح، و الورع و الخير- قال: خرجت إلى سر من رأى و معي كتاب يوم و ليلة، فدخلت على أبي محمد عليه السلام و أريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك إني رأيت أن تنظر فيه، [فلما نظر فيه‏] «1» و تصفحه ورقة ورقة، فقال عليه السلام: «هذا صحيح ينبغي أن تعمل به» «2». الخبر.
و في الكافي أيضا، بإسناده عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يجيئني القوم فيسمعون مني حديثكم، فأضجر و لا أقوى، قال: «فأقرأ عليهم من أوله حديثا، و من وسطه حديثا و من آخره حديثا» «3».
و ظاهره أن مجي‏ء القوم لمجرد أخذ الحديث لا للاستفتاء و أخذ المسائل، و الضمير في قوله: (من أوله) راجع إلى الكتاب المفهوم من قوله: (فاقرأ عليهم).
و قال المجلسي: و حمل الأصحاب قراءة الأحاديث الثلاثة على الاستحباب، و الأحوط العمل به قال: و يحتمل أن يكون المراد بالأول و الوسط و الآخر الحقيقي منها، أو الأعم منه و من الإضافي، و الثاني أظهر، و إن كانت رعاية الأول أحوط و أولى‏ «4».
و من عجيب الأوهام ما وقع لصاحب الوافي في هذا المقام، فإنه قال:
و المعنى أن الحديث إذا كان متعددا و ضعفت عن قراءته و عجزت، جاز أن تقرأ
______________________________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من المصدر.
(2) اختيار معرفة الرجال 2: 818.
(3) الكافي 1: 41/ 5.
(4) مرآة العقول 1: 176- 178.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 40
عليهم من أول الكتاب حديثا، و من وسطه آخر، و من آخره آخر. و المعنى أن الحديث الواحد إذا كان طويلا فاقرأ عليهم كلاما مفيدا بالاستقلال من أوله، و آخر من وسطه، و آخر من آخره، يعني إذا اشتمل الحديث الواحد على جمل متعددة تكون كل منها مستقلة بالإفادة، كحديث هشام الطويل الذي مضى.
و أما إذا ارتبط بعض أجزاء الحديث ببعض، فلا يجوز فيه الاقتصار على نقل البعض، إذ ليس كل من تلك الأجزاء بحديث بل بعض منه.
قيل: و لعل الوجه في تخصيص الأول و الوسط و الآخر أن الجمل المتقاربة تكون في أكثر الأمر من نوع واحد، فليست الفائدة فيها كالتي تكون في الجمل المتباعدة، إذ الكلام فيها ينتقل من نوع إلى نوع يباينه، فالفائدة فيها لا محالة تكون أكثر، لاحتوائها على فنون مختلفة من الأحكام، كل منها نوع برأسه. انتهى‏ «1».
و ليت شعري ما الداعي إلى إرجاع الضمير في (أوله) إلى الحديث حتى يحتاج إلى هذه التمحلات الباردة.
قال العالم الجليل الآميرزا رفيع النائيني في شرح الكافي: أي يجيئني القوم لسماع حديثكم مني، فأقوم بقضاء حاجتهم و يستمعون مني حديثكم، و لا أقوى على ما يريدون من سماع كل ما رويته من حديثكم مني، و أضجر لعدم الإتيان بمرادهم، فقال عليه السلام في جوابه: فاقرأ عليهم من أوله- أي من أول كتاب الحديث- حديثا، و من وسطه حديثا، و من آخره حديثا. و المعنى أنه إذا لم تقو على القيام بمرادهم و هو السماع على الوجه الكامل، فاكتف بما يحصل لهم فضل السماع في الجملة، و ليعنعنوا بما به يجوز العمل و النقل من الإجازة، و إعطاء الكتاب و غيره- كما ورد في الأخبار و الأحاديث‏ «2»- و بذلك صرح أيضا
______________________________
(1) الوافي 1: 54.
(2) شرح الكافي للنائيني: مخطوط.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 41
الشيخ علي سبط الشهيد في شرحه‏ «1»، و كذا الفاضل الطبرسي و المولى محمد صالح في شرحه‏ «2».
و بالجملة ففي الخبر إيماء إلى الاحتياج إلى الإذن، و لذا قال المجلسي- بعد شرح الخبر في مرآة العقول، و ترجيح جواز العمل بالكتب المشهورة المعروفة، التي يعلم انتسابها إلى مؤلفيها، كالكتب الأربعة و سائر الكتب المشهورة- ما لفظه: و إن كان الأحوط تصحيح الإجازة و الإسناد في جميعها «3».
و في جميع ما ذكرناه لعله كفاية لمن أمعن فيه النظر، لعدم الحكم الجزمي بعدم الفائدة للإجازة و انحصارها في التبرك، و أن الاحتياط الشديد في أخذها.
و أما ما رواه في الكافي بإسناده عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شنبولة، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام، و كانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم، فلم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدثوا بها فإنها حق‏ «4».
و استشهد به جماعة لعدم الحاجة إلى الطريق إلى كل كتاب علم أنه ممن ينتسب إليه.
ففيه أنه عليه السلام أذن في التحديث بها، معللا بأنها حق، و أن كل ما فيها صادر عنهم عليهم السلام، لعلمه عليه السلام به، لا لأنها منهم فيطرد الإذن في غيرها.
و على ما ذكرنا لا يوجد لتلك الكتب نظير يوجب سريان الإذن إليه، مع أنه لو كان المراد ما ذكروه لما أعرض القدماء عنه. ففي الخلاصة- في ترجمة محمد
______________________________
(1) الدر المنظوم من كلام المعصوم: مخطوط.
(2) شرح الكافي للمولى محمد صالح 2: 260.
(3) مرآة العقول 1: 179/ ذيل الحديث 5.
(4) الكافي 1: 42/ 15.



مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، الخاتمةج‏2، ص: 42
ابن سنان-: و دفع أيوب بن نوح إلى حمدويه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان، فقال: إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا، فإني كتبت عن محمد بن سنان، و لكن لا أروي لكم عنه شيئا، فإنه قال قبل موته: كل ما حدثتكم به لم يكن لي سماعا و لا رواية، و إنما وجدته‏ «1».
قال الأستاذ الأكبر في التعليقة- في مقام رفع المطاعن عنه-: و غير خفي أن الرواية بالوجادة لا ضرر فيها، نعم المعروف من كثير من القدماء عدم ارتضائها عندهم، و إن كان الظاهر من غيرهم ارتضاؤه‏ «2». انتهى.
و ربما استند بعضهم في هذا المقام بأخبار فيها أمرهم عليهم السلام بكتابة الكتاب و حفظه، كلها أجنبية عن إثبات المرام، فلا حظ و تأمل.
______________________________
(1) خلاصة العلامة: 251.
(2) تعليقة الوحيد البهبهاني على الرجال الكبير: 299.