مستویات التأصیل الخمسة فی المعجم الاشتقاقی المؤصل

فهرست علوم
صفحه اصلي مباحث لغت
زبانشناسی-زبان-الفبا-خط
الاشتقاق-اشتقاق كبیر
نگاهی به تطورات علم لغت در قرن اخیر




****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Wednesday - 19/2/2025 - 14:3

المستوی الاول-المعنی المحوری

المعجم  الاشتقاقی المؤصل، ص 13

إن المعنى المحوري للتركيب إذا أُحكم استخلاصه، فإنه يمكننا من إحكام تفسيرنا لمفردات التركيب في سياقاتها القرآنية، ويمكننا كذلك من تقويم التفسيرات المَرْويّة للفظ؛ لنختار منها ما نطمئن إلى صحته، ونستبعد ما يتجافى مع المعنى المحوري. وهذه جدوى بالغة القيمة؛ لأن كثيرًا من الألفاظ رُويت لها تفسيرات مختلفة، ولا يسعنا الاختيار العشوائي، وبخاصة إذا كان السياق يسمح بأكثر من تفسير. وهذا المعنى المحوري هو أهم مستويات التأصيل هنا.

 

المستوی الثانی-العلاقة بین المعنی المحوری و الاستعمالات

ص 19

بعد الأمرين السابقين جئتُ بمعاني مفردات كل تركيب قرآني في سياقاتها -مع بيان وجه انضوائها تحت المعنى المحوري وانتمائها إليه- وهذا مستوى آخر من التأصيل. وقد التزمتُ في استقراء المفردات بالقدر الذي رجَحت أنه كافٍ -سواء كان السياق قرآنيًّا أو كان لغويًّا ليس من النص القرآني الكريم. وفي حالة السياق القرآني فإني أختار من المعاني التي تذكرها التفاسيرُ ما أعتقد أنه الأوْلَى أن يفسَّر به اللفظ القرآني في سياقه. وقد آتي بمعنًى لم تذكره التفاسير إذا اطمأننت إلى أنه الأدق أو الأوْلى بتفسير اللفظ الكريم. وقد حرصت على أن أعزو ما أخذته من التفاسير إليها، وكذلك ما كان من لسان العرب أو غيره من المعاجم، كما ميزتُ ما كان من كلامي أنا تحملًا للمسئولية. وأسأله تعالى مغفرةَ ما يمكن أن يكون فاتني من ذلك التمييز. ولم أترك من المفردات القرآنية إلا أسماء الأعلام الأعجمية، وربما بعض أحرف المعاني، وأسماءَ الإشارة والموصول والشرط.

 

 

المستوی الثالث-الفصل المعجمی

ص 19-21

رابعًا: جئت ببيان العلاقة في المعنى بين تراكيب الفصل المعجمي الواحد. والفصل المعجمي يتمثل في التراكيب التي تبدأ بحرفين بعينيهما مرتَّبَيْن، سواء كانت تلك التراكيب ثلاثيةً أو رباعة. وقد ألحقنا بهذا الفصل ما توسَّطَ الحرفين فيه أو سبقهما أو تلاهما فيه حرفُ علة أو همزة، (مثلًا: بيان أن التراكيب: بدد، بدو، بيد، بدأ، أبد، بدر، بدع، بدل، بدن -وهي كلها من فصل (بدْ) - كلٌّ منها كلماته تعبر عن سورة من الفراغ والاتساع -وما إلى ذلك- بين الأشياء). ومعنى الفصل المعجمي هذا لفتَ إليه عدد من الأئمة في فصول جِدِّ محدودة، على ما سأفصّل في المبحث التالي. لكن دراستنا هذه كشفت اطِّراده، فكان من حق لغة القرآن ودارسيها، وحقِّ علماء اللغات أن نبرز هذه الخصيصة للغة العربية. وهذه الدراسة أحق بها؛ لأن هذه الخصيصة لا تثبت إلا بتطبيقٍ موسَّع كالذي نحن فيه، فالتقطناها حتى لا تضيع، وقد عزلنا سورة اطرادها في كل فصل في فقرة خاصة في آخره، لمن شاء أن يدرسها أو يغفلها.وتفصيل ذلك أنه تكشَّف لنا في أثناء الدراسة التي ذكرنا أمرها من (أولًا) إلى الآن: أن الحرفين الأول والثاني الصحيحين بترتيبهما من كل تركيب، وهما اللذان سميتهما الفصل المعجمي = يستصحبان المعنى الذي كانا يعبران عنه، وهما في صورة الثلاثي المضعَّف (فتّ) مثلًا، عندما يتصدران ثلاثيًّا منبسطًا، أو يشتركان في بناء ثلاثي منبسط تكوَّن منهما مع ثالثٍ غير ثاني المضعفين (فتح، فتر، فتش، فتق، فتك، فتل، فتن، فتو، فتى، فتأ) في هذا المثال، بل إن ذلك المعنى يظل معهما بصورةٍ ما، حتى لو سبقهما أو توسطهما حرفُ علة أو همزة، كما في (فوت) هنا، ولا يوجد تركيب (أفت ولا فأت) في هذا المثال.وأمرُ اطِّراد معنى الفصل المعجمي هذا له إيضاحات:الأول أنه من الطبيعي أن المعنى الذي كان الثلاثي المضعَّف يعبر عنه لا يوجد كاملًا في الثلاثي المنبسط الذي مثلنا له؛ لأن في الثلاثي المضعف حرفا مكررا هو الثاني والثالث، وهذا التكرار له قيمته في التعبير عن المعنى. في حين أن في الثلاثي المنبسط من التركيب المضعف حرفين فقط ("فت "مكون من ف+ ت+ ت، و "فتح "مكون ف+ ت+ ح). وبذا فإن المعنى الذي تعبر عنه (فت) يوجد ثلثاه فحسب في (فتح) وهكذا الأمر في (فتر) ... إلخ .. وهذا واضح وطبيعي؛ لأن لكل حرف في هذه اللغة قيمته. كما سأذكر قريبا هنا.

الإيضاح الثاني أن الحرف الثالث (الحاء في فتح مثلًا) له هو أيضًا معناه. وسيأتي الكلام عن معاني الحروف مفصَّلًا.الإيضاح الثالث أن معاني الأحرف التي يتكون منها التركيب تتفاعل معًا حسب معنى كلٍّ منها، وحسب موقعه في التركيب، أي كونه هو الحرف الأول أو الثاني أو الثالث. والمعنى الكامل لأي تركيب أو كلمة من تركيب هو حصيلة هذا التفاعل. ولا شك أن العرب كانوا يشعرون بالمعنى الجُملي الذي هو حصيلة هذا التفاعل عندما اختاروا كل لفظ من أحرف معينة، بترتيب معين، ليعبر عن معنًى بعينه: تسميةً لشيء مادي في البيئة، أو قوليةً صوتية لمعنى في نفوسهم. والفصل المعجمي هذا مستوى بالغ الأهمية من مستويات التأصيل للألفاظ والمعاني في هذا المعجم.

 

 

المستوی الرابع-لكل حرف معني مستقل

ص 19

جئت -في أول معالجة كل فصل معجمي- ببيان معنى كل من حروف الهجاء المشتركة في بناء ذلك الفصل وتراكيبه. (وسيأتي قريبا تفصيل ذلك). وهذا هو المستوى الأخير من التأصيل في هذا المعجم.

 

 

ص 23-24

 إن تبيُّن صحة فكرتَيْ المعنى المحوري والفصل المعجمي وتحققهما باطراد في آلاف التراكيب ومئات الفصول المعجمية = لا يفسَّر إلا بوجود ارتباط علمي يقيني بين الألفاظ ومعانيها بصورة مجملة، ثم بين مكونات الألفاظ ومعانيها بصورة مفصَّلة. ومكونات الألفاظ هي الحروف الألفبائية. إن اطِّراد معنى التركيب ذي الأحرف المعينة بترتيب بعينه - في مفردات هذا التركيب يثبت ارتباطًا محدودًا بين أحرف هذا التركيب ومعناه [كلما وُجدت أحرف كذا بترتيب معين وُجد معنى كذا = كلما وُجد (أ) وجد (ب)]. ثم إن اطراد ذلك في آلاف التراكيب (حيث لا بد أن تستعمل كل أحرف الهجاء، وفي كل المواقع: صدرًا ووسطًا وآخِرًا ضرورةً، تفاديًا للتكرار) -مع اطِّراد تغير المعنى تبعا لتغير الحروف ولتغير مواقعها = كل ذلك يثبت أن لكل حرف ألفبائي معنى مستقلًّا، وبخاصة مع ثبوت التلازم بين جنس المعنى ووجود الحرف. واطرادُ سورة من معنى الحرف المعين، ومن معنى الفصل المعجمي في ثلاثياته، مع وجود مقابل الحرف الثالث، هو أيضًا يثبت أن لكل حرف ألفبائي معنى مستقلًّا

 

 

 

المستوي الخامس-المناسبة بین اصوات اللغة و معانیها

ص 24

ثم تبين إمكان ربط معنى الحرف بجرسه الصوتي، وخصائصه الصوتية المتمثلة في مخرجه، وكيفية خروجه بصفاته؛ فحاولت تحديد ذلك أخذا بالأصل، وهو التعبير لا العشوائية. وهذا التعبير هو ما يُسَمى المناسبة بين أصوات اللغة ومعانيها، وقد سبق إلى بيانه وإثباته الإمام ابن جني (١). هذا مع كون المعنى اللغوي للحرف ومناسبته صوتيا لمعناه متعدِّدَي الصور، في نطاق المعنى نفسه والمناسبة (٢). وذلك طبيعي، لاشتراك الحرف في تراكيب بالغة الكثرة، متنوعة المعاني. وقد حددنا لكل حرف معناه؛ تحقيقا وخروجا عن الهلامية.وبثبوت ذلك كله بما يشبه رَأْيَ العين، فإنه ما كان يسوغ لي ولا لغيري أن يغفل هذه الخصيصة للعربية، فتندفن وتغيب عن أهلها -في حين أنها حق العربية، وحق لأهلها، وهي من ذكرهم الذي امتن الله به إذ أنزل القرآن بالعربية {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)} [الزخرف: ٤٤].

 

 












فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است



****************
ارسال شده توسط:
عباس
Thursday - 10/4/2025 - 2:3

المعجم الاشتقاقي المؤصل – طبعة مركز المربّي (1440 ه.ق): ص 25

إن المعنى المحوري للتركيب إذا أُحكم استخلاصُه، فإنّه يمكِّننا من إحكام تفسيرنا لمفردات التركيب في سياقاتها القرآنية، ويمكِّننا كذلك من تقويم التفسيرات المَرْويّة للفظ؛ لنختار منها ما نطمئنّ إلى صحّته، ونستبعد ما يتجافى مع المعنى المحوري. وهذه جدوى بالغة القيمة؛ لأن كثيرًا من الألفاظ رُويت لها تفسيرات مختلفة، ولا يسعنا الاختيارُ العشوائي، وبخاصة إذا كان السياق يسمح بأكثر من تفسير. وهذا المعنى المحوري هو أهمُّ مستويات التأصيل هنا.

 

المعجم الاشتقاقي المؤصل – طبعة مركز المربّي (1440 ه.ق): ص 26

ومن هنا، وإمعانًا في التوثيق والتأصيل جئت – على رأس كلّ تركيب عالجتُه في هذا المعجم الاشتقاقيبشيئين قبل أن آتي بمعاني المفردات القرآنية:

أولًا: مجموعة من الكلمات والعبارات الواقعية، أي التي استعملها العربُ فعلًا في عصر الاحتجاج في نثرهم، وشعرهم، وأثبتها اللغويون في المعاجم القديمة، مع تفسير علماء اللغة المتقدمين لها. وذلك بيانًا للاستعمالات اللغوية العربية التي استنبطنا منها المعنى المحوريَّ الجامع الذي سنتحدّث عنه في الفقرة (ثانيًا) الآتية.

وقد تحرّيتُ في كلّ مجموعة جئتُ بها على رأس التركيب أن تكون من الاستعمالات المادية الحسية التي ذكرتْها أوثقُ المعاجم العربية، وبخاصة: لسان العرب، وتاج العروس. وإنما اخترنا الاستعمالات الحسية خاصة؛ لأنها أوضح في معانيها، وأبعدُ عن الهلامية، كما أنها أثبتُ وأوضحُ في استخلاص المعاني المحورية منها. والعلماء الذين فسَّروا تلك الاستعمالاتِ هم من الذين عاصروا عربَ عصر الاحتجاج في البادية، أو كانوا أقربَ ما يكون إلى معاصرتهم، وفهمِ معاني كلامهم، وما يقصدون منه.

والقصدُ من تقديم ذكر المفردات والعبارات العربية التي حدّدنا نوعها أنْ تكون تلك الاستعمالاتُ أمام الدارس مباشرةً؛ ليرجع إليها، ويتوثَّق بنفسه، من صحّة ما استخلصناه منها في المعنى المحوري، وليتيسّر له نقدُ استخلاصنا، أو نقدُ التعبير عنه، إذا شاء. وهذا تأصيلٌ لأساس استنباط المعنى المحوري.

 

المعجم الاشتقاقي المؤصل – طبعة مركز المربّي (1440 ه.ق): ص 27

ثانيًا: المعنى المحوري الجامع لمعاني الكلمات والعبارات التي استعملها عربُ عصر الاحتجاج من هذا التركيب. وهو- كما قلتُ- مستخلَص من الاستعمالات التي أوردتها في الفقرة (أولًا) المذكورة قبل هذا. وهذا الاستخلاص جُهدي أنا بناءً على خبرة ومعايشة طويلة لكلام العرب في الشعر الجاهلي، وما بعده إلى آخر عصر الاحتجاج، وفي المعاجم القديمة الأصيلة.

وقد اعتمدتُ في استخلاص المعاني المحورية للتراكيب من استعمالاتها العربية التي تحدثتُ عنها في الفقرة )أولًا) – على المَلاحظ المشتركة بين هذه الاستعمالات الحسِّية. وكان للاستعمالات المعنوية – أعني غير الحسية – سهمُها في هذا الاستخلاص، وهو أنها تَلفِتُ إلى هذه الملاحظ.

إن الملاحظ المشتركة التي يُبنى عليها استخلاص المعنى المحوري قد تكون صريحةً مباشرة، كأنْ تكون صفةً بعينها متحقِّقة في كلّ الاستعمالات الحسية التي اخترناها: طولًا أو قصرًا، سَعةً أو ضيقًا، خفةً أو كثافة، ضخامةً أو دقّةَ جسم، صفاءً أو شَوبًا... الخ. وهنا يكون الأمر قريبًا، أعني أنه يُلحَظ بأدنى تأمل. ولكنه في كثري من الأحيان يكون غامضًا يحتاج إلى فضل تأمُّل، وإلى تأويلٍ ينبغي أن يُحذر فيه من التكلف. وهنا يتحول الأمر إلى إدراك العلاقاتِ بين المعاني المختلفة لكلمات التركيب. وإدراك العلاقات بين معاني كلمات التركيب هذا، هو قِوام الجانب الاشتقاقي في هذا المعجم.

 

المعجم الاشتقاقي المؤصل – طبعة مركز المربّي (1440 ه.ق): ص 29

ثالثًا: بعد الأمرين السابقين جئتُ بمعاني مفردات كلِّ تركيب قرآني في سياقاتها – مع بيان وجه انضوائها تحت المعنى المحوري وانتمائها إليه – وهذا مستوًى ثانٍ من التأصيل. وقد التزمتُ في استقراء المفردات بالقدر الذي رجَّحت أنه كافٍ – سواء كان السياق قرآنيًّا، أو كان لغويًّا ليس من النصّ القرآني الكريم. وفي حالة السياق القرآني فإني أختار من المعاني التي تذكرها التفاسيرُ ما أعتقد أنه الأوْلى أن يفسَّر به اللفظُ القرآني في سياقه. وقد آتي بمعنًى لم تذْكره التفاسيرُ إذا اطمأننتُ إلى أنه الأدقّ، أو الأوْلى بتفسير اللفظ الكريم. وقد حَرَصتُ على أن أعزو ما أخذتُه من التفاسير إليها، وكذلك ما كان من «لسان العرب»، أو غيره من المعاجم، كما ميزتُ ما كان من كلامي أنا تحمُّلًا للمسئولية. وأسأله تعالى مغفرةَ ما يمكن أن يكون فاتني من ذلك التمييز. ولم أترك من المفردات القرآنية إلا أسماءَ الأعلام الأعجمية، وربما بعضَ أحرف المعاني، وأسماءَ الإشارة، والموصول، والشرط.

 

المعجم الاشتقاقي المؤصل – طبعة مركز المربّي (1440 ه.ق): ص 29 و 30

رابعًا: جئتُ ببيان العلاقة في المعنى بين تراكيب الفصل المعجمي الواحد. و «الفصل المعجمي» يتمثل في التراكيب التي تبدأ بحرفين بعينيهما مرتَّبَيْن، سواء كانت تلك التراكيب ثلاثيةً، أو رباعية. وقد ألحقنا بهذا الفصل ما توسَّطَ الحرفين فيه، أو سبقهما، أو تلاهما فيه حرفُ علّة، أو همزة. (مثلًا: بيان أن التراكيب: بدد، بدو، بيد، بدأ، أبد، بدر، بدع، بدل، بدن – وهي كلها من فصل (بد) - كلٌّ منها كلماته تعبّر عن صورة من الفراغ والاتساع – وما إلى ذلك – بين الأشياء). ومعنى «الفصل المعجمي» هذا لفتَ إليه عددٌ من الأئمة في فصول جِدِّ محدودة، على ما سأفصّل في المبحث التالي. لكنّ دراستنا هذه كشفَت اطِّراده، فكان من حقِّ لغة القرآن، ودارسيها، وحقِّ علماء اللغات، أن نُبرز هذه الخصيصةَ للغة العربية. وهذه الدراسة أحقّ بها؛

لأن هذه الخصيصة لا تَثبُت إلا بتطبيقٍ موسَّع كالذي نحن فيه، فالتقطناها حتى لا تضيع، وقد عزلنا صورةَ اطّرادها في كل فصل في فقرة خاصة في آخره، لمن شاء أن يَدرسها، أو يُغفلها.

وتفصيل ذلك أنه تكشَّف لنا بالدراسة التي ذكرنا أمرها من (أولًا) إلى الآن: أن الحرفين الأول والثاني الصحيحين بترتيبهما من كلّ تركيب- وهما اللذان سمَّيتُهما الفصل المعجمي- يستصحبان المعنى الذي كانا يعبّران عنه وهما في صورة الثلاثي المضعَّف (فتّ في المثال الآتي)، عندما يتصدران ثلاثيًّا منبسطًا، أو يشتركان في بناء ثلاثي منبسط تكوَّن منهما مع ثالثٍ غير ثاني المضعفين (فتح، فتر، فتش، فتق، فتك، فتل، فتن، فتو، فتى، فتأ: فَكُّ مادةٍ متصلة، أو تفكُّكها، مع دِقةٍ، أو لُطْفٍ- والفتلُ لَفّ منفصلين) في هذا المثال. ويظلّ ذلك المعنى معهما بصورةٍ ما، حتى لو شاركهما حرفُ علة، أو همزة، كما في (فوت) هنا، ولا يوجد تركيب (أفت، ولا فأت).

وأمرُ اطِّراد معنى الفصل المعجمي هذا له إيضاحات:

الأول: أنّه من الطبيعي أن المعنى الذي كان الثلاثي المضعَّف يعبّر عنه لا يوجد كاملًا في الثلاثي المنبسط الّذي مثَّلنا له؛ لأن في الثلاثي المضعف حرفًا مكرّرًا هو الثاني والثالث، وهذا التكرار له قيمته في التعبير عن المعنى. في حين أن في الثلاثي المنبسط من التركيب المضعف حرفين فقط ( «فت » مكوّن من ف + ت + ت، و «فتح » مكوّن ف + ت + ح). وبذا فإن المعنى الذي تعبّر عنه (فتّ) يوجد ثلثاه فحَسْب في (فتح)، وهكذا الأمر في (فتر) ...إلخ. وهذا واضح وطبيعي؛ لأن لكل حرف في هذه اللغة قيمته، كما سأذكر قريبا هنا.

الإيضاح الثاني: أن الحرف الثالث (الحاء في فتح مثلًا) له هو أيضًا معناه. وسيأتي الكلام عن معاني الحروف مفصّلًا.

الإيضاح الثالث: أن معاني الأحرف التي يتكوّن منها التركيبُ تتفاعل معًا حَسَبَ معنى كلٍّ منها، وحَسَبَ موقعه في التركيب، أي كونِه هو الحرف الأول، أو الثاني، أو الثالث. والمعنى الكامل لأيّ تركيب، أو كلمة من تركيب، هو حصيلة هذا التفاعل. ولا شكّ أن العرب كانوا يشعرون بالمعنى الجُملي الذي هو حصيلة هذا التفاعل عندما اختاروا كلَّ لفظ من أحرف معينة، بترتيب معين، ليعبّر عن معنًى بعينه: تسميةً لشيء مادّي في البيئة، أو قولبةً صوتية لمعنًى في نفوسهم. والفصل المعجمي هذا مستوًى بالغُ الأهمية من مستويات التأصيل للألفاظ والمعاني في هذا المعجم. وهو ثالثها.

 

خامسًا: جئتُ -في أول معالجة كلّ فصل معجمي- ببيان معنى كلٍّ من حروف الهجاء المشترِكة في بناء ذلك الفصل وتراكيبه (وسيأتي قريبا تفصيل ذلك). وهذا هو المستوى الرابع من التأصيل في هذا المعجم.

 

المعجم الاشتقاقي المؤصل – طبعة مركز المربّي (1440 ه.ق): ص 32

إن تبيُّن صحّةِ فكر المعنى المحوري والفصل المعجمي وتحقُّقهما باطّراد في آلاف التراكيب ومئات الفصول المعجمية = لا يُفسَّر إلّا بوجود ارتباط علمي يقيني بين الألفاظ ومعانيها بصورة مجملة، ثم بين مكوّنات الألفاظ ومعانيها بصورة مفصَّلة. ومكوّنات الألفاظ هي الحروف الألفبائية. إن اطِّراد معنى التركيب ذي الأحرف المعينة، بترتيب بعينه، في مفردات هذا التركيب، يُثبت ارتباطًا محدودًا بين أحرف هذا التركيب ومعناه [كلما وُجدت أحرف كذا بترتيب معين وُجد معنى كذا = كلما وُجد (أ) وجد (ب).]

ثمّ إن اطّراد ذلك في آلاف التراكيب (حيث لا بدّ أن تُستعمل كلُّ أحرف الهجاء، وفي كلّ المواقع: صدرًا، ووسطًا، وآخِرًا ضرورةً، تفاديًا للتكرار) – مع اطّراد تغيُّر المعنى؛ تبعًا لتغيّر الحروف، ولتغير مواقعها = كل ذلك يُثبت أن لكل حرف ألفبائي معنًى مستقلّا وبخاصة مع ثبوت التلازم بين جنس المعنى ووجود الحرف ]كلما تغيّر (أ) تغيّر (ب)]. واطّرادُ صورةٍ من معنى الحرف المعيّن ومن معنى الفصل المعجمي في ثلاثياته، مع وجود مقابل الحرف الثالث، هو أيضًا يُثبت أن لكلّ حرف ألفبائي معنًى مستقلّا. ثم تبيَّن إمكانُ رَبْطِ معنى الحرف بجرسه الصوتي، وخصائصه الصوتية المتمثلة في مخرجه، وكيفية خروجه بصفاته؛ فحاولتُ تحديد ذلك أخذا بالأصل، وهو التعبير لا العشوائية. وهذا التعبير هو ما يُسَمَّى المناسبة بين أصوات اللغة ومعانيها (وهو المستوى الخامس والأخير من التأصيل). وقد سبق إلى بيانه وإثباته الإمامُ ابن جني. هذا مع كون المعنى اللغوي للحرف ومناسبته صوتيًّا لمعناه متعدِّدَي الصور، في نطاق المعنى نفسه، والمناسبة. وذلك طبيعي، لاشتراك الحرف في تراكيب بالغة الكثرة، متنوعة المعاني. وقد حدَّدنا لكلّ حرف معناه؛ تحقيقًا وخروجًا عن الهُلامية.

وبثبوت ذلك كلِّه بما يُشبه رَأْيَ العين، فإنه ما كان يسوغ لي، ولا لغيري، أن يُغفل هذه الخصيصةَ للعربية؛ فتندفن وتغيب عن أهلها – في حين أنها حقُّ العربية، وحقّ لأهلها، وهي مِن «ذِكرِهم» الذي امتنَّ الله به إذ أنزل القرآنَ بالعربية: (وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُون‏( [الزخرف: 44].