بسم الله الرحمن الرحیم

التأمین-بیمه

فهرست علوم
فهرست فقه
اعتباریات
مباحثه مطالب مربوط به اعتباريات در مباحث الاصول
تبیین اعتباریات با تکیه بر نظام اغراض و ارزش ها
عناصر فقهی-حقوقی
الگوریتم ضمان-متلف-تالف-تلافي



بحوث فقهیه، ص 15-42

حقيقة التأمين و حاجة المجتمع اليه: كل شيء في هذه الحياة معرض الى الخطر بأوسع ما تشتمل عليه كلمة - كل شيء - من الأموال، و النفوس، و غيرهما. و الإنسان مدفوع بدافع خفي من غريزته الى تحاشي الخطر و بذل أقصى ما يمكن في سبيل تبعيد الاخطار عنه و عن ممتلكاته. و لذا كانت فكره التأمين من جملة الأشياء التي تبعد شبح الأخطار عن الإنسان - سواء في نفسه، أو ممتلكاته - من غرق، أو حريق، أو سرقة، أو وفاة، و ما شاكل هذه من الحوادث مما يؤمن له، أو لأفراد عائلته قسطا وافرا من المال، و الراحة بحيث تكون بمثابة التعويض عما يلحق الفرد من الخسائر و الإضرار في تلك المناسبات. ما هو التأمين ؟ لا يخرج التأمين في حقيقته عن كونه تعويضا للإنسان عن نتائج ما يقع عليه، أو على الغير بواسطة حادثة من حوادث القضاء، و القدر، و ذلك بمقتضى نظام تعاوني يقوم على القوانين، و الاحصائيات الحديثة. و لهذا عرف: بأنه اتفاق بين المؤمن - الشركة - من جهة و بين شخص، أو عدة اشخاص يعبر عنهم بالمؤمن له، أو لهم - طالب التأمين - من ناحية أخرى، و بمقتضى هذا الاتفاق يتعهد المؤمن - الطرف الأول - بأن يدفع له - الطرف الثاني - مبلغا معينا من المال، أو ما يساويه بمجرد وقوع حادث معين مبين في وثيقة العقد في مقابل أن يدفع المؤمن له، أو يتعهد يدفع مبلغ يتفق عليه الطرفان يسمى بقسط التأمين. تاريخ التأمين: و التأمين بنظرته البدائية لم يكن وليد الأيام المتأخرة بل هو موجود من زمن بعيد و إن لم يكن معروفا لدى العامة كفكرة لها قوانينها و نظمها الخاصة و لنأخذ لذلك مثلا، فان هذه المساعدات التي تصل إلى الإنسان من أقاربه و أصدقائه عند مرضه، أو حلول كإرثه به لهي نفسها فكره التأمين بشكلها البدائي. و كذلك العادات العشائرية القاضية بجمع الدية لذوي القتيل لو صدر اعتداء من أحد أفراد العشيرة على الغير هي نفسها فكره التأمين أيضا، و ضمان حياة القاتل من القتل الذي يكون بمثابة الاقتصاص منه. هذا، و أمثاله أنواع أخر من أمثلة التأمين بشكله البدائي.

...

ص 22

التأمين عقد رضائي: تعتبر أنظمة التأمين هذه العملية من عقود المعاوضة و التي يتم فيها الإيجاب و القبول بينما أخذت المعاوضة بعين الاعتبار من قبل القوانين الوضعية عامة، ذلك لأن كلا طرفي المعاملة مأخوذ بنظره ما يعطي. فالشركة تتعهد بدفع المبلغ المؤمن عليه في مقابل الحصول على مقدار من المال يتفق الطرفان على طريقة استحصاله. و طالب التأمين يدفع الاقساط المعينة عليه في قبال الحصول على المبلغ المؤمن عليه، سواء في وقت معين كأن يفرض التأمين إلى وقت يحدده الطرفان أو يكون لورثته عند حدوث الوفاة أو ما يتلف من ممتلكاته...

ثانيا - طبيعة هذه العملية من الناحية الدينية: أن شيخنا الأستاذ - دام ظله - يرى التأمين: «اتفاق بين الطرفين المؤمن - الشركة - أو من يقوم مقامها، و بين المؤمن له - طالب التأمين أو المأذون من قبلة - نتيجته ان المال إذا تلف تكون خسارته على المؤمن في قبال أن يدفع المؤمن له مبلغا من المال يتفق عليه الطرفان من حيث القدر، و التسديد». و حيث كانت هذه المعاملة مستحدثة لعدم وجود لها على عهد المشرع الإسلامي كما هي عليه اليوم، فلا بد لمعرفة حكمها الشرعي من اتباع الطرق الآتية: أولا - عرض هذه المعاملة على المعاملات الشرعية التي كانت قائمة في ذلك الوقت لعلنا نجد من بين تلك ما يماثل ما نحن فيه من معاملة التأمين. ثانيا - تطبيق إحدى القواعد العامة على معاملتنا التأمينية لو لم نجد لها ما يماثلها في عهد المشرع الأعظم. و بعد العجز عن هذين الطريقين فلا بد من الانتقال. ثالثا - إلى الأصول العملية. و سنذكر موجزا لتعريف الأصول العملية و متى نحتاج إليها. عرض التأمين على المعاملات الشرعية: إذا عرضنا عملية التأمين على باب الضمان نرى انه يستفاد من ملاحظة التأمين، و تعاريفه وجود ما يشبه الضامن، و المضمون و على هذا فيلزمنا البحث عن حقيقة المعاملة الضمانية، و كيفية تصوير الضمان بالنسبة الى كل من النفوس و الأعيان الخارجية، و مدى التقائه مع معاملتنا هذه، و بتمامية ذلك يكون التأمين من صغريات باب الضمان و يجري على التأمين ما يجري على الضمان. و مما سبق عرفت: أن الأركان التي تتألف منها عملية التأمين هي: الإيجاب و القبول. المؤمن عليه. مبلغ التأمين. فإن كانت معاملات الضمان تشمل على مثل هذه الأركان تمكنا من إدراج التأمين في باب الضمان.

في اصطلاح الفقهاء: فان الضمان هو إدخال المضمون في عهدة الضامن، و القيام من جانبه بكافة ما يترتب على هذا الإدخال، و الجعل من أحكام. و بهذا يكون قريبا من مفهومه اللغوي . أقسام الضمان: ينقسم الضمان بحسب النظر الأولي الى قسمين: الأول - ما كان تحققه متوقفا على فعل خارجي. كضمان اليد، و التلف. الثاني - ما كان محتاجا في حصوله على الإنشاء. كضمان الديون....

ضمان الديون: و يتحقق هذا بضمان ما في الذمم كما لو كان لزيد بذمة عمرو مبلغ قدره خمسون دينارا فيأتي شخص ثالث ليضمن لزيد مسألة بذمة عمرو فيقبل الدائن بذلك الضمان، و يكون تصوير ذلك بقوله: ضمنت مالك بذمة عمرو، و بقبول الدائن بهذا العرض ينتقل الدين من المضمون عنه الذي هو عمرو إلى ذمة الضامن و بهذا المقدار لم يخالف أحد من فقهائنا. إلا أن البعض منهم حصر الضمان الإنشائي في هذا النوع و هو ضمان الديون و لم يجر الضمان الإنشائي في غيره من الأعيان، و النفوس. قال المحقق - رحمة اللّه - في الشرائع: «الثاني في الحق المضمون و هو كل مال ثابت في الذمة» . و عقب الشيخ صاحب الجواهر - رحمه اللّه - على ذلك بقوله: «و مرجعه الى ما في القواعد من أن شرطه المالية و الثبوت في الذمة و ان كان متزلزلا كالثمن في مدة الخيار، و المهر قبل الدخول. بل قيل أن على الأول الإجماع معلوم و محكي في ظاهر الغنية و غيرها. بل منها، و غيرها أيضا الإجماع صريحا على الثاني. و في محكي التذكرة: لو قال لغيره: مهما أعطيت فلانا فهو على لم يصح إجماعا.» . و إنما لم تصح هذه الصورة الأخيرة بالإجماع لأن الذمة حين الإنشاء لم تكن مشغولة بشيء ليتحقق الضمان. و أما ما اختلفت كلمة الفقهاء فيه بالنسبة إلى الضمان، فهو: ضمان الأعيان المغصوبة: و تصويره بأن يغصب شخص ثوب آخر فيأتي شخص آخر ليضمن ذلك الثوب من الغاصب.

و قد وقع الخلاف في هذا النوع من الضمان، فأجازه جماعة، و منهم المحقق في الشرائع حيث قال: «و الأشبه الجواز» . و منعه آخرون: و منهم صاحب الجواهر حيث علق على عبارة المحقق هذه بقوله: «للعمومات و لأنه مال مضمون على المضمون عنه» ثم أشكل عليه بما حاصله: إنكار العموم و ما يروي عن النبي - ص - من (أن الزعيم غارم) ليس من أخبارنا ، فلا يكون حجه عندنا و أن (عموم الوفاء بالعقد) لا يمكن انطباقه على ما نحن فيه على مذهبنا من كون الضمان موجبا للانتقال من ذمة المضمون، منه، الى ذمة الضامن إذ ليست العين من المال في ذمة الغاصب فلو طبقناه على ما نحن فيه لكان مقتضاه كون الضمان ضم ذمة إلى أخرى و نحن لا نقول به .  و حاصل ما أفاده شيخنا - دام ظله - في هذا المقام هو: إمكان القول بأن ضمان العين المغصوبة يوجب انتقال ضمانها من الغاصب الى الضامن - و حينئذ فلو انتقل الضمان فيكون بقاؤها بيد العاصب من قبيل الأمانة، غايته أنه يجب على الغاصب إعادة العين الى مالكها فورا، و في هذه الأثناء لو تلفت العين يكون ضمانها على الضامن الجديد لا على الغاصب. نعم لو لم يرجع العين كانت يده الجديدة البقائية يد ضمان و عليه فيكون ضامنا من جديد و لو تلفت في هذا الدور كان عليه بدلها. و قد يعترض على المانعين من جريان الضمان في الأعيان المغصوبة بأنه ما الفرق بين ضمان الدين فأجيز و كان موجبا لانتقال الضمان من ذمه المديون إلى ذمة الضامن، و بين ضمان العين المغصوبة فمنع، و لم يكن موجبا لانتقال الضمان من ذمة الغاصب إلى ذمة الضامن.

و قد أجاب شيخنا الأستاذ - دام ظله - عن ذلك: بأن الدينار الكلي الذي لزيد في ذمة عمرو يكون من قبيل الكلي في المعين، فاذا جاء الضامن ليضمن ذلك الدينار كان محصل ضمانه هو: أن يكون الدينار الكلي في عهدة الضامن، و ذمته، و لا بد أن يكون وجوده في ذمة الضامن من قبيل الكلي في المعين كالأصل حيث كان في ذمة المدين. و حينئذ - فيكون المضمون الذي في ذمة المدين غير الذي في ذمة الضامن. و إذا كان الأمر كذلك فلا يمكن القول بأن الدائن يملكهما معا، الدينار الذي في ذمة المدين، و الذي هو في ذمة الضامن. و لا مخرج لنا إلا القول بأن ذلك الدينار الكلي الذي كان لزيد في ذمة عمرو يكون بواسطة الضمان قد انتقل من ذمة عمرو إلى ذمة الضامن. هذا في ضمان الدين، و أما في ضمان العين المغصوبة فلا يتحقق هذا المعنى ليحصل الضمان و ذلك لأن ضمان المغصوب لا يخرج عن أن تلك العين في عهدة الضامن كما هي في عهدة الغاصب، و المالك لم يتبدل ملكة من عين إلى أخرى، كما تبدل مملوكة الكلي من كلي إلى كلي آخر. و أقصى ما في البين: أن هذه البين التي هي ملكه كانت في عهدة الغاصب فصارت في عهدة الضامن فكان المملوك له شيئا واحدا و توارد عليه الضمانان بخلاف ضمان الكلي في الذمة، فكان المملوك الكلي الذي هو في ذمة المديون قد انطبق على هذا الكلي الذي هو في ذمة الضامن و يكون المملوك للدائن هو ما في ذمة الضامن، و سقط ماله في ذمة المديون. و إن شئت فقل: أن الضامن يسحب الكلي الذي في ذمة المديون الى ذمته و ضامن العين و ان سحب العين الى ذمته إلا أن ذلك لا ينافي بقاء نفس العين التي هي في يد الغاصب على ملك مالكها، و إن صارت أيضا بعهدة الضامن فكان الضامن، و الغاصب من قبيل توارد الأيدي.

و قد أجاب شيخنا الأستاذ - دام ظله - عن ذلك: بأن الدينار الكلي الذي لزيد في ذمة عمرو يكون من قبيل الكلي في المعين، فاذا جاء الضامن ليضمن ذلك الدينار كان محصل ضمانه هو: أن يكون الدينار الكلي في عهدة الضامن، و ذمته، و لا بد أن يكون وجوده في ذمة الضامن من قبيل الكلي في المعين كالأصل حيث كان في ذمة المدين. و حينئذ - فيكون المضمون الذي في ذمة المدين غير الذي في ذمة الضامن. و إذا كان الأمر كذلك فلا يمكن القول بأن الدائن يملكهما معا، الدينار الذي في ذمة المدين، و الذي هو في ذمة الضامن. و لا مخرج لنا إلا القول بأن ذلك الدينار الكلي الذي كان لزيد في ذمة عمرو يكون بواسطة الضمان قد انتقل من ذمة عمرو إلى ذمة الضامن. هذا في ضمان الدين، و أما في ضمان العين المغصوبة فلا يتحقق هذا المعنى ليحصل الضمان و ذلك لأن ضمان المغصوب لا يخرج عن أن تلك العين في عهدة الضامن كما هي في عهدة الغاصب، و المالك لم يتبدل ملكة من عين إلى أخرى، كما تبدل مملوكة الكلي من كلي إلى كلي آخر. و أقصى ما في البين: أن هذه البين التي هي ملكه كانت في عهدة الغاصب فصارت في عهدة الضامن فكان المملوك له شيئا واحدا و توارد عليه الضمانان بخلاف ضمان الكلي في الذمة، فكان المملوك الكلي الذي هو في ذمة المديون قد انطبق على هذا الكلي الذي هو في ذمة الضامن و يكون المملوك للدائن هو ما في ذمة الضامن، و سقط ماله في ذمة المديون. و إن شئت فقل: أن الضامن يسحب الكلي الذي في ذمة المديون الى ذمته و ضامن العين و ان سحب العين الى ذمته إلا أن ذلك لا ينافي بقاء نفس العين التي هي في يد الغاصب على ملك مالكها، و إن صارت أيضا بعهدة الضامن فكان الضامن، و الغاصب من قبيل توارد الأيدي. من الفقهاء متمسكين على ذلك بالإجماع، و قد نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع .

ضمان الأعيان الشخصية: و المقصود من الأعيان الشخصية هي الأعيان التي بيد أصحابها من دون أن تكون أمانة أو مغصوبة، أو مقبوضة بالعقد الفاسد، و منها - أموال الناس في متاجرهم و لم يتعرضوا لهذا النوع لا نفيا، و لا إثباتا. و لا بد لنا من ملاحظة هذا النوع، و هل هناك مانع من جريان الضمان فيه أو لا؟ و على توسعة باب الضمان إلى أمثال هذا النوع يتوقف اندراج مبحث التأمين في باب الضمان و إلا فلو اقتصر الضمان على ما في الذمم، أو الأعيان المضمونة كالغصب و العقد الفاسد فلا مجال لكون التأمين من أفراد الضمان. و قد عرفت أن عد التأمين من صغريات الضمان يتوقف على توسعة الضمان و شموله لكل فرد سواء كان المضمون دينا أو عينا بيد الغاصب، أو أمانة أو عينا شخصية خارجية بيد صاحبها، أو نفسا سواء كانت مملوكة أو غير مملوكة. الضمان الانشائي في الأعيان الخارجية: و هذا النوع من الضمان على نحوين: الأول: ان لا يكون في مقابل الضمان من الضامن تعويض بشيء، بل يقدم الشخص على الضمان لغرض من الأغراض فيقبل المضمون له بذلك العرض و تنتهي المشكلة. الثاني: أن يكون في البين شيء يكون عوضا عن هذا الضمان، يدفعه المضمون له الى الضامن. و تصوير ذلك: بأن يقول الضامن لصاحب العين ضمنت مالك لمدة عشرة سنين على أن تعوضني دينارا عن كل شهر، فيقبل المضمون له أو يكون الأمر بالعكس كأن يقول المضمون له: ادفع لك كل شهر دينارا على أن تضمن مالي لمدة عشرة سنوات، و يقبل الضامن بهذا العرض.
و بتصحيح هذا النحو الثاني من الضمان الإنشائي في الأعيان الخارجية يتم لنا ما نريده من إدراج عملية التأمين في باب الضمان حيث توجد في هذا النحو نفس الأركان الموجودة في التأمين و هي: الإيجاب و القبول. و المؤمن عليه - و هو معبر عنه هنا بالمضمون، و الذي هو العين الخارجية أو النفس. و مبلغ التأمين - و هو موجود هنا حيث يجعل المضمون له تعويضا يدفعه الى الضامن - كما بيناه في المثال المتقدم. و بحصول هذه الأركان في عملية الضمان أمكننا إدراج التأمين في معاملة الضمان من هذه الجهة، و يبقى علينا البحث عن تصحيح الضمان الإنشائي في الأعيان الخارجية، و النظر الى أن الضمان مقتصر على موارد خاصة كالضمان على الديون و بعض ما اختلف فيه كالمغصوب و غيره، أو أنه ليس بمقتصر على ذلك، بل يشمل جميع الإفراد؟. قال شيخنا - دام ظله - أن منطقة الضمان العقدي أوسع من الاقتصار على فرد دون آخر، فكما يجري في الديون كذلك يجري في الأعيان الخارجية من الأموال، و العقارات، و غيرها من النفوس مملوكة و غير مملوكة. فيمكن للشركة - حينئذ - أن تضمن هذه الأشياء لأن الضمان - كما بيناه - ليس إلا التعهد و إدخال الشيء في العهدة، و هو اعتبار يقره العقلاء، حيث يدخل الضامن المضمون في عهدته، و حيازته. و لإكمال ما ندعيه من هذه التوسعة لا بد من ملاحظة أمرين: الأول: الإجماع المدعى على أن يكون الحق المضمون مالا ثابتا في الذمة أما الإجماع فقد تقدم تفصيل الكلام فيه فيما نقلناه عن العروة و غيرها. الثاني: أن لا تكون في البين سفاهة ليكون ممنوعا عنها.
و من الواضح أنه لا سفاهة في معاملة التأمين، لأن القائمين بهذا النوع من المعاملات لا يقدمون على ذلك إلا بعد حساب الاستفادة من التجارب، و استفادة النتائج الناشئة من الحسابات الدقيقة التي تجريها تلك الشركات، و بعد تقدير ظروف الشخص و ممتلكاته فلا يكون الاقدام من جانب الشركات سفهيا، و في الوقت نفسه لا يكون إقدام الشخص من الطرف الآخر فيه شيء من السفاهة، ذلك لأن إقدامه على تأمين نفسه، أو ممتلكاته يبعث في النفس الاطمئنان على أن هناك من يعوضه عند حصول قدر يؤدي الى تلف بضاعته أو يعوض الأسرة المنكوبة لو حدث به ما يؤدي الى موته، و هذا المقدار من الطرفين (طالب التأمين) من جهة (و الشركة) من جهة ثانية يعتبر عملا عقلائيا. و بذلك تتم معاملة التأمين، و انها من جملة ما يندرج في باب الضمان لما بيناه من أن الضمان لا يخرج عن كونه تحمل للمسؤولية، و إدخال الشيء في حيازة الضامن من غير فرق بين الديون و الأعيان الخارجية، و النفوس الحرة و المملوكة فبإمكان الشركة أن تضمن أموال الشخص، أو نفسه أو عبده على نحو ما بيناه في الضمان، و أن الأركان واحدة في كلتا المعاملتين الضمان و التأمين. و قد يعترض على ذلك بأن هذا النحو من المعاملات لا يخرج عن كونه معاملة إيقاعية لحصولها من طرف واحد، و هو الضامن «الشركة» لإقدامه على تحمل المسؤلية، و إلقائها على عاتقه. و قد تصدى شيخنا الأستاذ - حفظه اللّه - للإجابة عن ذلك بأن هذا النوع من المعاملات ليس بمعاملة ايقاعية. بل انها معاملة واقعة من الطرفين لأنها حاوية على الإيجاب من طرف، و القبول من الطرف الآخر.
و من الواضح أنه لا سفاهة في معاملة التأمين، لأن القائمين بهذا النوع من المعاملات لا يقدمون على ذلك إلا بعد حساب الاستفادة من التجارب، و استفادة النتائج الناشئة من الحسابات الدقيقة التي تجريها تلك الشركات، و بعد تقدير ظروف الشخص و ممتلكاته فلا يكون الاقدام من جانب الشركات سفهيا، و في الوقت نفسه لا يكون إقدام الشخص من الطرف الآخر فيه شيء من السفاهة، ذلك لأن إقدامه على تأمين نفسه، أو ممتلكاته يبعث في النفس الاطمئنان على أن هناك من يعوضه عند حصول قدر يؤدي الى تلف بضاعته أو يعوض الأسرة المنكوبة لو حدث به ما يؤدي الى موته، و هذا المقدار من الطرفين (طالب التأمين) من جهة (و الشركة) من جهة ثانية يعتبر عملا عقلائيا. و بذلك تتم معاملة التأمين، و انها من جملة ما يندرج في باب الضمان لما بيناه من أن الضمان لا يخرج عن كونه تحمل للمسؤولية، و إدخال الشيء في حيازة الضامن من غير فرق بين الديون و الأعيان الخارجية، و النفوس الحرة و المملوكة فبإمكان الشركة أن تضمن أموال الشخص، أو نفسه أو عبده على نحو ما بيناه في الضمان، و أن الأركان واحدة في كلتا المعاملتين الضمان و التأمين. و قد يعترض على ذلك بأن هذا النحو من المعاملات لا يخرج عن كونه معاملة إيقاعية لحصولها من طرف واحد، و هو الضامن «الشركة» لإقدامه على تحمل المسؤلية، و إلقائها على عاتقه. و قد تصدى شيخنا الأستاذ - حفظه اللّه - للإجابة عن ذلك بأن هذا النوع من المعاملات ليس بمعاملة ايقاعية. بل انها معاملة واقعة من الطرفين لأنها حاوية على الإيجاب من طرف، و القبول من الطرف الآخر.
كان اللازم على الشركة الوفاء بالضمان الذي أخذته على عاتقها، و ان لم يقم المضمون له بالشروط فليست الشركة ملزمة بالضمان و لكنه لا يخلو عن اشكال لانحلاله الى تعليق الضمان على الشروط، و التعليق باطل في المعاملة، فلا بد من تنزيل هذه المعاملة على ما عرفت من الضمان العقدي ليكون الاشتراط فيها من قبيل الالتزام في ضمن الالتزام، كما هو الشأن في الشروط المأخوذة في المعاملة بين الطرفين من أحدهما على الآخر نعم لا نحتاج الى لفظ مخصوص بكل يكفي فيها كل ما هو موجد لها. و من المعلوم ان الإنشائيات من الأمور الاعتبارية التي لها تحقق في وعاء الاعتبار و معنى إنشائها هو جعلها و إيجادها في عالم الاعتبار و بأي سبب و أي لفظ أراد أن يوجدها الإنسان توجد، و لا تتوقف على لفظ خاص كبعث و ما شاكل بل تصح بكل لفظ يؤدي هذا المؤدى. الخلاصة: إذا مما تقدم عرفت أن معاملتنا التأمينية قابلة للاندراج في باب الضمان ليجري عليها ما يجري على الضمان من أحكام و لكن لو أبيت عن اعتبارها ضمانية لشبهة أن الضمان لا يكون إلا على ما في الذمم، و قد وقع الخلاف في بعض الموارد الأخر، و ليس منها ضمان الأعيان الخارجية، فإن علينا عرض ما نحن فيه - أعني التأمين - على بقية المعاملات التي كان لها وجود على عهد المشرع الإسلامي، لنرى مدى انطباقها عليها، حتى يمكن تجويزها لنا.
الهبة بشرط تحمل الخسارة: لا الهبة بشرط الضمان و إلا جاء الاشكال السابق في صحة ضمان الأعيان بل ان الشرط هو تحمل الخسارة التي تعرض للمضمون له الذي هو الواهب. و يتصور هذا الوجه بأن تتحمل الشركة الخسارة من مالها أو مما يجتمع عندها بحيث تتكفل بالخسارة إن حدث حادث بالمال أو النفس فيقول طالب التأمين: و هبتك كذا مقدارا من المال شهريا على أن تتحمل كذا مقدارا من المال خسارة لمدة عشر سنوات - مثلا - لو حدث حادث بمالي، أو نفسي، و يأتي دور الشركة لتقبل بهذه الهبة، و تسجل على نفسها ما اشترطه الواهب من تحمل الخسارة المذكورة فتكون الهبة من طالب التأمين إيجابا منه، و موافقة الشركة تقريرا على نفسها بقبول هذه الهبة المشروطة، و ليس هذا الشرط من الشرط المخالف ليبطل الشرط، و تقع الهبة غير مشروطة، بل هو شرط سائغ لا مانع فيه، و لو لاحظنا هذه الهبة المشروطة لرأيناها حاوية على نفس أركان التأمين لاشتمالها على الإيجاب و القبول، و المؤمن عليه: و هو النفس أو المال و مقدار الخسارة، و هو مبلغ‌؟ التأمين. و عليه فينزل التأمين على الهبة و يكون من صغريات هذه المعاملة و يجري عليه ما يجري عليها من الأحكام. الصلح بشرط تحمل الخسارة: و من جملة ما نعرض عليه معاملة التأمين هو باب الصلح حيث يتصالح الطرفان على أن يتحمل أحدهما، و هو الشركة الخسارة التي تحل بالطرف الآخر بشرط ان يدفع الطرف الآخر المقدار المعين من المال، و من الممكن أن يكون الصلح واقعا على أن يدفع طالب التأمين إلى الشركة مقدارا معينا من المال في كل شهر مثلا على أن تدفع الشركة خسارته لو حدث حادث بماله، أو كذا مقدارا من المال لو حل به موت أو تلف لعضو من أعضائه. و بهذه الطريقة أمكننا أن نهرب من الضمان و إشكالاته فكان تحمل الخسارة هو المصحح لمعاملتنا التأمينية. و ليس هذا بجديد فقد ذكر السيد الطباطبائي (قدس سره) لتصحيح ما لو اشترط ضمان العين المستأجرة على المستأجر بواسطة تحمل الخسارة، و منعوا من تصحيح ذلك بالضمان فقد قال: «العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة فلا يضمن تلفها أو تعيبها، إلا بالتعدي أو التفريط، و لو شرط المؤجر عليه ضمانها بدونها، فالمشهور عدم الصحة لكن الأقوى صحته، و أولى بالصحة إذا اشترط عليه أداء مقدار
مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيب لا بعنوان الضمان» . و من الواضح أن هذه الطرق المذكورة من الهبة أو الصلح لا يفرق فيها بين أن يكون الموضوع دينا أو عينا خارجية أو نفسا لعدم وجود ضمان في البين لتأتي الإشكالات السابقة فيه هذا كله في الطريق الأول. و هو عرض المعاملة التأمينية على المعاملات التي كانت موجودة في الزمن السابق ليؤخذ حكمها من تلك المعاملات. عرض التأمين على القواعد: و هل هناك وجه يصحح لنا ما نحن فيه‌؟ و ذلك بأن نعتبر هذه المعاملة عقدا مستقلا مؤلفا من إيجاب و قبول، كما هو الحال في باقي المعاملات الإنشائية فتكون حينئذ مشمولة للعمومات الكتابية القاضية بالوفاء بالعقد. كقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ‌ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . أو قوله عز و جل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ‌ آمَنُوا لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ‌ بَيْنَكُمْ‌ بِالْبٰاطِلِ‌ إِلاّٰ أَنْ‌ تَكُونَ‌ تِجٰارَةً‌ عَنْ‌ تَرٰاضٍ‌ مِنْكُمْ‌ . بناء على أن أوفوا بالعقود لا يكون مختصا بالعقود الموجودة سابقا، بل هو جار في كل ما يتعاقد عليه الطرفان ما لم يكن فيه خلل ممنوع من قبيل الربا، و نحوه مما منعه الشارع  المقدس، لأن القاعدة في كل عقد لزومه، و وجوب الوفاء، و ان لم يكن راجعا الى العقود الموجودة. و لا يفرق في البين بالنسبة إلى الالتزام بألفاظ خاصة حيث تنشأ بها المعاملة سواء في الإيجاب أو القبول و لا داعي الى ذلك لأنك قد عرفت مما تقدم عدم اشتراط ذلك، و لا داعي للاقتصار على لفظ خاص بعد أن كان للمنشيء أن يبرز ما في نفسه بأي مبرز كان. و لعل هذا الوجه هو أصح الوجوه المتقدمة، و الذي يعتبر من قبيل المعاملة الشخصية لأنا نرى التاجر يتطوع بطيب نفسه لتسجيل أمواله، و يوقع وثائق عديدة في هذا الصدد، و تنظم. الشركة له كشوفا على المال لو كان المؤمن عليه ما لا و يمكن مشاهدته أو على النفس لو كان نفسا و يقر الطرفان و يعترفان بالتعاقد بينهما بموجب وثيقة تصدرها الشركة لهذا الغرض، و تذكر فيها جميع الشروط المطلوبة فتشتمل المعاملة حينئذ على الإيجاب و القبول و الرضا من الطرفين، و في الوقت نفسه تخرج المعاملة عن كونها معاملة سفهية لأن كلا من الطرفين لا يقدم إلا بعد أن يضمن النفع لنفسه.

مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيب لا بعنوان الضمان» . و من الواضح أن هذه الطرق المذكورة من الهبة أو الصلح لا يفرق فيها بين أن يكون الموضوع دينا أو عينا خارجية أو نفسا لعدم وجود ضمان في البين لتأتي الإشكالات السابقة فيه هذا كله في الطريق الأول. و هو عرض المعاملة التأمينية على المعاملات التي كانت موجودة في الزمن السابق ليؤخذ حكمها من تلك المعاملات. عرض التأمين على القواعد: و هل هناك وجه يصحح لنا ما نحن فيه‌؟ و ذلك بأن نعتبر هذه المعاملة عقدا مستقلا مؤلفا من إيجاب و قبول، كما هو الحال في باقي المعاملات الإنشائية فتكون حينئذ مشمولة للعمومات الكتابية القاضية بالوفاء بالعقد. كقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ‌ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . أو قوله عز و جل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ‌ آمَنُوا لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ‌ بَيْنَكُمْ‌ بِالْبٰاطِلِ‌ إِلاّٰ أَنْ‌ تَكُونَ‌ تِجٰارَةً‌ عَنْ‌ تَرٰاضٍ‌ مِنْكُمْ‌ . بناء على أن أوفوا بالعقود لا يكون مختصا بالعقود الموجودة سابقا، بل هو جار في كل ما يتعاقد عليه الطرفان ما لم يكن فيه خلل ممنوع من قبيل الربا، و نحوه مما منعه الشارع  المقدس، لأن القاعدة في كل عقد لزومه، و وجوب الوفاء، و ان لم يكن راجعا الى العقود الموجودة. و لا يفرق في البين بالنسبة إلى الالتزام بألفاظ خاصة حيث تنشأ بها المعاملة سواء في الإيجاب أو القبول و لا داعي الى ذلك لأنك قد عرفت مما تقدم عدم اشتراط ذلك، و لا داعي للاقتصار على لفظ خاص بعد أن كان للمنشيء أن يبرز ما في نفسه بأي مبرز كان. و لعل هذا الوجه هو أصح الوجوه المتقدمة، و الذي يعتبر من قبيل المعاملة الشخصية لأنا نرى التاجر يتطوع بطيب نفسه لتسجيل أمواله، و يوقع وثائق عديدة في هذا الصدد، و تنظم. الشركة له كشوفا على المال لو كان المؤمن عليه ما لا و يمكن مشاهدته أو على النفس لو كان نفسا و يقر الطرفان و يعترفان بالتعاقد بينهما بموجب وثيقة تصدرها الشركة لهذا الغرض، و تذكر فيها جميع الشروط المطلوبة فتشتمل المعاملة حينئذ على الإيجاب و القبول و الرضا من الطرفين، و في الوقت نفسه تخرج المعاملة عن كونها معاملة سفهية لأن كلا من الطرفين لا يقدم إلا بعد أن يضمن النفع لنفسه.

 


















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است