بسم الله الرحمن الرحیم

قضاء-بيّنة

القواعد الفقهیة و الاصولیة

فرق شهادت و خبر-بینة-عدل واحد
قضاء-بيّنة
شهادة المرأة
شهادة المرأة الواحدة
الشاهد و الیمین



مستمسك العروة الوثقى؛ ج‌1، ص: 65
(مسألة 36): فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور (الأول) أن يسمع منه شفاها (1). (الثاني): أن يخبر بها عدلان (2) .....
ـــــــــــــــــــــ
(2)بناء على ثبوت عموم يقتضي حجية البينة بنحو يشمل المقام، كما ادعاه شيخنا الأعظم (ره) في رسالة الجماعة و نسب الى المشهور في كلام غير واحد. و يأتي- إن شاء اللّه- في مبحث المياه «1» تقريبه.
________________________________________
حكيم، سيد محسن طباطبايى، مستمسك العروة الوثقى، 14 جلد، مؤسسة دار التفسير، قم - ايران، اول، 1416 ه‍ ق





مستمسك العروة الوثقى، ج‌1، ص: 202‌
[ (مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره- بالعلم، و بالبينة]
(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره- بالعلم، و بالبينة (1)،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)على المشهور. و في الجواهر: «ينبغي القطع به، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي و ظاهر عبارة الكاتب و الشيخ، و لا ريب في ضعفه». لعموم ما دل على حجية البينة. و خصوص‌
خبر عبد اللّه ابن سليمان المروي عن الكافي و التهذيب عن الصادق (ع) في الجبن: «كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة» «1».
لكن قد يستشكل في الرواية بضعف السند، و اختصاصها بما فيه الميتة، و أنها لا تدل على ثبوت النجاسة، و إنما تدل على ارتفاع الحل و ثبوت الحرمة.
و أما العموم فهو و ان ادعاه جمع من الأعاظم، و فيهم شيخنا الأعظم (رحمه اللّٰه) في رسالة الجماعة، لكنه غير ظاهر. إذ دليله إن كان هو الإجماع المحكي عن النراقي و السيد الأصبهاني (قدهما) فهو ينافيه الخلاف في المقام ممن عرفت و غيرهم من متأخري المتأخرين، و كذا الخلاف في مقام آخر.
و ان كان‌
قوله (ع): «فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» «2»‌
فالمراد من التصديق فيه التصديق النفسي و لو ببعض مراتبه، لا التعبدي بترتب آثار الواقع شرعا الذي هو محل الكلام. و يشهد بذلك ملاحظة مورده، فان العمل فيه ليس موضوعا لأثر شرعي. هذا مضافا الى أنه لو تمَّ اقتضى حجية خبر المسلم مطلقاً من دون اعتبار العدد و العدالة فيه.
______________________________
(1) الوسائل باب: 60 من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 2.
(2) الوسائل باب: 6 من كتاب الوديعة حديث: 1.



مستمسك العروة الوثقى، ج‌1، ص: 203‌
.....
و مثله قوله تعالى (يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) «1» إذ المراد منه الإيمان الصوري.
و ان كان آية النبإ «2»، فيتوقف الاستدلال بها على ثبوت المفهوم لها، و هو محل الاشكال. مع عدم اعتبار العدد فيها.
و ان كان ما ورد في جواز شهادة العبد، و المكاتب، و الصبي، بعد البلوغ، و الاعمى، و الأصم و نحوهم. ففيه: أنه لا إطلاق له من حيث المورد، و لا تعرض فيه لاعتبار العدد و العدالة.
و ان كان بناء العقلاء على حجية خبر الثقة. ففيه: أن بين خبر الثقة و بين البينة عموما من وجه.
و ان كان الاستقراء. فثبوته و حجيته معا ممنوعان.
و ان كان‌
رواية مسعدة بن صدقة: «كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك. و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك و لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك. و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» «3».
فالبينة فيها إنما جعلت غاية للحل الذي هو المراد من اسم الإشارة، و كونها حجة على الحرمة لا يقتضي حجيتها على الموضوع، فضلا عن عموم الحجية لما لم يكن مورداً للحل و الحرمة من موضوعات سائر الأحكام.
اللهم إلا أن يقال: المراد من قيام البينة بالحرمة أعم من كونها مدلولا مطابقيا و تضمنيا و التزاميا، فاذا شهدت بكون الثوب سرقة فقد‌
______________________________
(1) التوبة: 61.
(2) الحجرات: 6.
(3) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.



مستمسك العروة الوثقى، ج‌1، ص: 204‌
.....
قامت بحرمته، و كذا إذا شهدت بكون المرأة رضيعة فقد قامت بحرمتها.
فليس المراد من قيام البينة بالحرمة شهادتها بها فحسب، بل أعم من ذلك و من شهادتها بموضوع خارجي تلزمه الحرمة، أو لازم لها، أو ملازم، مثل كون المائع خمراً أو بولا أو دما أو نحوها، و كذا أعم من شهادتها بعنوان اعتباري مثل إخوة امرأة، أو نجاسة مائع، أو حرية رجل، إذا كان بينه و بين الحرمة ملازمة، فإن البينة في جميع ذلك قائمة بالحرمة، فلا يختص موردها بما إذا شهدت البينة بالحرمة لا غير.
ثمَّ إن البينة لما كانت من سنخ الامارات العرفية، كان الظاهر من ثبوت الحرمة عند قيامها بها كونها طريقاً إلى مؤداها، لا تعبداً كما في موارد الأصول، فإذا شهدت البينة بكون الثوب سرقة، فثبوت الحرمة ظاهرا لثبوت موضوعها و قيام الامارة عليه. و عليه لا فرق بين الحرمة و غيرها من الأحكام المترتبة على السرقة، فكما تثبت الحرمة تثبت تلك الاحكام، لأن طريقيتها بنظر العرف لا تختص بجهة دون جهة، فيحمل الدليل على إطلاق الحجية، و مقتضى ذلك حجية البينة مطلقاً عند قيامها بالحرمة، فيترتب عليها جميع الاحكام و الآثار. فلم يبق مورد خارج عن الرواية إلا ما لا يترتب عليه أثر الحرمة أصلا، بحيث لا تدل عليه البينة أصلا و لو بالالتزام لكنه نادر. و لا يبعد التعدي إليه بعدم القول بالفصل أو لعدم التفكيك عرفا بينه و بين مورد الرواية، بحيث تكون البينة حجة حيث يكون في موردها حكم الحرمة، و لا تكون حجة في غير ذلك. فلاحظ.
و المتحصل: أن الرواية المذكورة صالحة لإثبات عموم الحجية بتوسط أمور: (الأول): أن المراد من قيام البينة بالحرمة كونها مدلولا للكلام و لو بالالتزام (الثاني): أن طريقية البينة عرفا تقتضي كون المفهوم من الدليل عموم الحجية (الثالث): امتناع التفكيك بين الموارد التي تكون‌



مستمسك العروة الوثقى، ج‌1، ص: 205‌
الحرمة فيها مدلولا للكلام- و لو التزامياً و لو باللزوم غير البين- و بين غيرها من الموارد مما هو نادر إما لعدم القول بالفصل، أو لإلغاء الخصوصية عرفا.
و يعضد العموم المذكور الإجماع المدعى ممن عرفت على عموم الحجية.
و لا ينافيه الخلاف في بعض الموارد، لأنه لشبهة، كما يظهر ذلك من استدلال المخالف في المقام: بأن البينة ليست من العلم الذي جعل غاية للحل في‌
قولهم (ع): «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر» «1»‌
و نحوه.
و كذا المخالف في حجية البينة في الاجتهاد استدل: بأن الاجتهاد من الأمور الحدسية التي لا تكون مورداً للشهادة مع تيسر العلم. و لو كان الوجه في الخلاف عدم ثبوت العموم الدال على الحجية كان المناسب الاستدلال به أيضاً، و لكان اللازم الخلاف في كل مورد لم يقم دليل بالخصوص على الحجية، و هو مما لا يحصى كثرة، مع أن الخلاف لم ينقل إلا في موارد خاصة هذا و بعين هذا التقريب يمكن إثبات عموم الحجية في إثبات النجاسة من رواية عبد اللّه بن سليمان المتقدمة في صدر المسألة، بناء على ظهورها في كون ذكر الميتة فيها من باب المثال.












عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 811‌
عائدة (86) في أصالة حجية شهادة العدلين‌
هل الأصل في شهادة العدلين وجوب القبول و العمل بمقتضاها إلّا ما أخرجه الدليل، أو عدمه؟.
ظاهر أكثر أصحابنا بل صريحهم- سيما المتأخرين منهم- الأول «1».
بل ربما يظهر من بعضهم الإجماع عليه، و كون اعتبار قولهما ثابتا من شريعتنا «2».
و المحكي عن القاضي عبد العزيز ابن البراج الثاني «3». و اختاره بعض المتأخرين «4». و هو الظاهر من غير واحد من مشايخنا المعاصرين، حيث قالوا:
بعدم ثبوت النجاسة بقول العدلين، لعدم دليل على اعتباره عموما «5».
بل هو ظاهر السيد في الذريعة، و المحقق الأول في المعارج، و الثاني في‌
______________________________
(1) انظر السرائر 1: 86، و المعتبر 1: 54، و معالم الدين: 162، و كشف اللثام 1: 43، و الحدائق الناضرة 5: 247، و مشارق الشموس: 284.
(2) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، و العلّامة في المختلف 1: 16، و المنتهى 1: 9.
(3) المهذب 1: 30، جواهر الفقه: 9، و نقله عنه في المختلف 1: 16.
(4) كفاية الأحكام: 11.
(5) كما في شرح المفاتيح للوحيد عند شرح قول المصنف: مفتاح: كلّ شي‌ء غير ما ذكر فهو طاهر.
و الشرح مخطوط.



عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 812‌
الجعفرية، و صاحب الوافية «1»، حيث حكموا بعدم ثبوت الاجتهاد بشهادتهما، لعدم دليل على اعتبارها.
و كنت على ذلك منذ أعوام كثيرة، و عليه بنيت عدم قبول شهادتهما على تنجس الطاهر و تطهير المتنجس في كتاب مستند الشيعة «2»، و عدم قبولها على ثبوت اجتهاد المجتهد في مناهج الأحكام «3».
و الحق هو الأول، لا لما ذكروه من ظاهر الإجماع، أو لحمل أقوال المسلمين على الصدق، أو لقبولهما في كل مورد مع تعلّق النزاع و المخاصمة فيه- كما إذا نوزع في نجاسة الماء المبيع أو تطهيره «4»، أو في نفوذ حكم مجتهد على شخص بعد حكمه عليه، و نحو ذلك- و التعدّي إلى سائر الموارد بعدم الفصل، لمنع الإجماع، و عدم ثبوت قاعدة الحمل كما ذكرنا في ذلك الكتاب، و منع ثبوت الإجماع المركب.
بل كل من يمنع اعتبار شهادة العدلين في مورد يقبلها عند التنازع و الترافع فيه.
بل لحسنة حريز، بإبراهيم بن هاشم، التي هي صحيحة على الأقوى، المذكورة في الكافي، و نقلها في الوافي في باب من أدان ماله بغير بينة من كتاب المعايش و المكاسب، و فيها بعد ما عاب أبو عبد اللّه عليه السلام ابنه إسماعيل في دفعه دنانير له إلى رجل بلغه أنه شارب الخمر، فأتلفها، أنه: لم فعلت ذلك، و لا أجر لك؟ فقال إسماعيل: يا أبت إني لم أره أنه يشرب الخمر، إنما سمعت الناس يقولون، فقال:
«يا بني إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ «5» يقول:
______________________________
(1) الذريعة 2: 801، معارج الأصول: 201، الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 80، الوافية: 129، 161.
(2) مستند الشيعة 1: 42.
(3) مناهج الأحكام: 182.
(4) كذا، و الأنسب: طهارته.
(5) التوبة 9: 61.



عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 813‌
يصدّق اللّه عزّ و جلّ و يصدّق المؤمنين، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم» «1» الحديث.
أمر عليه السلام بتصديق المؤمنين إذا شهدوا عنده، و «المؤمنون» و إن كان جمعا معرّفا و لكن عموم الجمع المعرّف و استغراقه أفرادي لا جمعي، كما ثبت في محله، فالمعنى: كل مؤمن شهد عندك فصدّقه، خرج المؤمن الواحد بالدليل، كما يأتي، فيبقى الباقي.
مع أنّ إرادة العموم الجمعي هنا منتفية قطعا، لعدم إمكان شهادة جميع المؤمنين عنده من بدو الإيمان إلى يوم القيامة، بل و لا جميع مؤمني عصر، بل و لا نصفهم و لا ثلثهم، بل و لا عشرهم و لا واحد من ألف منهم.
فالمراد: إما الاستغراق الأفرادي بالمعنى الذي ذكرناه، أو مطلق الجمع الشامل للثلاثة فما فوقها، أو جميع أفراد الجموع الشاملة للثلاثة، المتعدي حكمه إلى الاثنين أيضا بالإجماع المركب القطعي.
و أيضا الحكم مفرّع على قوله سبحانه يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ، و تصديق النبي للّه عزّ و جلّ و للمؤمنين، و هو وارد في تصديق النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لعبد اللّه بن نفيل، و هو كان واحدا.
و أيضا ظاهر أنّ من أخبر إسماعيل بشرب الخمر ليس إلّا اثنين أو ثلاثة.
و يدلّ على المطلوب أيضا: الأخبار الغير المحصورة، المصرّحة بجواز شهادة المملوك و نفوذها قبل العتق و بعده، و المكاتب، و الصبي بعد الكبر، و اليهودي و النصراني بعد الإسلام، و الخصي، و الأعمى، و الأصم، و الولد، و الوالد، و الوصي، و الشريك، و الأجير، و الصديق، و الضيف، و المحدود إذا تاب، و العدل، و المولود على الفطرة، و غير ذلك. و هي مما لا تحصى كثرة، مدونة في أبواب متكثرة.
______________________________
(1) الكافي 5: 299- 1، الوافي 3: 129، الوسائل 13: 230 أحكام الوديعة ب 6 ح 1.



عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 814‌
وجه الدلالة: أنها تدلّ بإطلاقها بل عمومها- لمكان المفرد المضاف و المعرف- على قبول كلّ شهادة كلّ من هؤلاء المذكورين، سواء كان في مقام الترافع و التنازع أو لا، و سواء كان كلّ منهم منفردا أو متعددا، اثنين أو أكثر، خرج المنفرد بما يأتي، فبقي الاثنان فما زاد.
ثم قبول شهادة شخص و نفوذها و إن كان أعم من أن يجعل علّة تامة للحكم بمقتضاها، أو علّة ناقصة و جزء علّة، إلّا أنّه ليس المراد كونها جزءا لما يفيد العلم قطعا، إذ لا فرق في جزء ما يفيد العلم بين هؤلاء المذكورين و غيرهم.
و لا معنى للتقييد بما قيّد به أكثر هذه الموارد من معرفة الصلاح، أو الخيرية، أو العدالة، أو العتق، أو الإسلام، أو البلوغ، أو انضمام الغير، أو كونه مرضيّا، أو تائبا، أو نحو ذلك.
فيكون المراد: إما قبوله من حيث التمامية، أو الجزئية لغير العلم.
و كل من يقول بصلاحيته لجزئيّة العلّة الغير العلميّة، لا يقول باشتراط الأزيد من الاثنين في غير الزنا، فيحصل المطلوب بالإجماع المركب القطعي.
فإن قيل: السائل و المسئول عنه في جميع تلك الأخبار إنما هو في مقام بيان حكم آخر دون إطلاق الحكم أو عمومه، فلا يفيد إلّا قبول شهادة هؤلاء في الجملة، و لا كلام فيه.
قلنا: قد مرّ في بعض العوائد المتقدّمة قريبا أنّ ذلك لا يضر في إطلاق اللفظ المطلق أو العام على سبيل الإطلاق، و إنما هو في بعض الموارد الذي ليس هذا منه.
و يؤكّد المطلوب أيضا: الأخبار المتكثرة الواردة في موارد مختلفة، ظاهرة فيما لا تنازع فيه، أو مطلقة بالنسبة إليه و إلى غيره.
كموثقة مسعدة: «كلّ شي‌ء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل ثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعله حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو‌



عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 815‌
رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة.» «1»‌
و البينة و إن كانت حقيقة فيما يظهر و يعلم منه الشي‌ء، إلّا أنّ المستعمل في الأخبار إنما هو في الشاهد.
و المروي في الكافي و التهذيب عن الصادق عليه السلام: «كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أنّ فيه ميتة» «2».
و صحيحة الحلبي، و فيها: الخفاف عندنا في السوق نشتريها، فما ترى في الصلاة فيها؟ قال: «صلّ فيها حتى يقال لك: إنها ميتة بعينها» «3».
و مرسلة يونس عمن رواها، قال: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين» «4» الحديث.
و المروي في كتاب عرض المجالس للصدوق عن الصادق عليه السلام، و فيه: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة و الستر» «5» الحديث.
و مرسلة الفقيه، قال الصادق عليه السلام: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل، و هي نصف شهادة، و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد» «6».
و الأخبار الواردة في الوصية، و النكاح، و الطلاق، و الحدود، و الهلال، و غيرها.
و التأييد بهذه الأخبار: تارة بكل واحد منها منفردا، و جعله مؤيّدا حينئذ‌
______________________________
(1) الكافي 5: 313- 40، التهذيب 7: 226- 989، الوسائل 12: 60 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.
(2) الكافي 6: 339- 2، الوسائل 17: 91 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 2.
(3) الكافي 3: 403- 28، التهذيب 2: 234- 920، الوسائل 2: 1071 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.
(4) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 18: 176 أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 4.
(5) أمالي الصدوق: 91- 3، الوسائل 18: 292 أبواب الشهادات ب 41 ح 13.
(6) الفقيه 3: 41- 135، الوسائل 18: 298 أبواب الشهادات ب 44 ح 5.



عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 816‌
باعتبار احتمال اختصاصها بمواردها.
و اخرى باجتماعها الموجب للاستقراء «1» الظني لا أقل منه، مع أنه يثبت من هذه الأخبار حجيتها في معظم الموارد، كبواعث الحرمة كلّها كما في الموثقة، و الحقوق برمّتها كما في المرسلة، و الذنوب بأجمعها كما في رواية المجالس، و غير ذلك.
و يمكن جعلها دليلا تاما أيضا بضميمة عدم الفصل في بعض مواردها.
فوائد خمس:
الاولى [في معنى الشهادة]
الشهادة مأخوذة من شهد، و هي تارة بمعنى حضر، كما فسّره به في المحيط، و النهاية الأثيرية، و الصحاح، و القاموس، و مجمع البحرين «2».
و منه: الشاهد يرى ما لا يراه الغائب «3»، و قوله سبحانه وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «4»، و قوله تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «5».
و علم، ذكره في القاموس أيضا في تفسير: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» و في تفسير شَهِدَ اللّٰهُ «6».
و منه قوله سبحانه نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ «7».
و عاين، ذكره أيضا في القاموس، و المجمع، و قالوا: المشاهدة المعاينة «8».
و اخرى بمعنى أخبر، ذكره في المجمع «9». و منه قوله تعالى:
______________________________
(1) في «ح»: للاستغراق.
(2) المحيط للبستاني 1: 1131، النهاية لابن الأثير 2: 513، الصحاح 2: 494، القاموس المحيط 1: 316، مجمع البحرين 3: 81.
(3) مجمع البحرين 3: 81.
(4) النور 24: 2.
(5) الطلاق 65: 2.
(6) آل عمران 3: 18، القاموس المحيط 1: 317.
(7) المنافقون 63: 1.
(8) القاموس المحيط 1: 316، مجمع البحرين 3: 81.
(9) مجمع البحرين 3: 82.



عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، ص: 817‌
وَ مٰا شَهِدْنٰا إِلّٰا بِمٰا عَلِمْنٰا «1» أو أخبر عن يقين و علم، نقله في المسالك «2».
أو بمعنى أخبر عن يقين حاصل بالمشاهدة و المعاينة، قاله في النهاية الأثيرية، و قال: الشهادة في الأصل: الإخبار عما شاهده و عاينه «3». انتهى.
و لا يخفى أنه ليس المراد منها في هذه الأخبار أحد المعاني الثلاثة الأول، و هو ظاهر، فهي تكون إما بمعنى أخبر، أو أخبر عن علم، أو أخبر عن مشاهدة و حضور. و الأخير قطعي، لدخوله في الأولين أيضا.
فتدلّ تلك الأخبار على حجّية ما أخبره العدلان عن مشاهدة و عيان.
أما تخصيصه بالإخبار الجازم «4» عن الحق اللازم للغير- كما فسّره به في المسالك- شرعا، فلا دليل عليه أصلا، و لا يوافقه كثير من موارد الاستعمال في كلمات الفقهاء و أخبار الآل، كما في الشهادة على الحرمة، و الميتة، و الهلال، و الذنوب، و لعل نظره في المراد من الشهادة في مقام الترافع و التنازع.
و كذا لا يشترط في صدق الشهادة على الخبر المذكور مقارنته للتنازع، لما مر من عدم دليل عليه، و عدم مساعدته لكثير من موارد الاستعمال.
فالثابت من الأخبار: هو حجية إخبار العدلين عن مشاهدة و عيان، أي الشهادة المستندة إلى إحدى الحواس الظاهرة، المعبّر عنها بالشهادة الحسيّة.
و أما مطلق أخبارهما و لو علميّا، فلا دليل على حجيته و وجوب قبوله.
________________________________________
نراقى، مولى احمد بن محمد مهدى، عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، در يك جلد، انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1417 ه‍ ق