جوابات أهل الموصل في العدد و الرؤية المعروف ب‍ الرسالة العددية-الشیخ المفید

فهرست فقه
كتاب الصوم
مباحث رؤیت هلال-كتاب الصوم
مباحث روایات عدد و رؤیت

رؤيت هلال؛ ج‌1، ص: 149

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 149‌

(2) الردّ على أصحاب العدد

تأليف علم الهدى سيد مرتضى قدّس سرّه (م 436)

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 151‌

مقدّمه

مؤلّف

ابو القاسم علم الهدى شريف مرتضى، على بن حسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن ابراهيم بن امام موسى بن جعفر عليهما السلام، از بزرگان علماى اماميه، و جامع علوم و فنون، و مراتب فضل و كمال او در علم و ادب و كلام و حكمت و نحو و لغت و فقه و اصول و تفسير و حديث و رجال و شعر، مسلّم نزد شيعه و سنّى بوده است.

وى، در ماه رجب سال 355 از مخدّره جليله فاطمه، دختر حسين بن احمد بن حسن اطروش- ملقب به ناصر الحق- بن على بن حسين بن عمر اشرف بن على بن الحسين زين العابدين عليه السلام زاده شد و در مهد تربيت پدر و مادر علوى فاطمى خويش پرورش يافت تا آنكه شايستگى حضور در درس معلّم امّت شيخ مفيد را يافت و ساليان فراوان در درسهاى وى و ديگران شركت كرد تا اينكه از اكابر و مشايخ بزرگ شيعه شد و مدت سى سال امير الحاج، و نقيب الاشراف، و قاضى القضات و مرجع تظلمات، و مدرّس علوم گوناگون در عاصمه خلافت اسلامى- بغداد- بود و پس از وفات شيخ مفيد (سوم ماه رمضان 413) رياست علمى و دينى شيعه بدو محول، و موفق شد شاگردان بسيارى همچون: شيخ طوسى، ابن برّاج، سلّار ديلمى، ابو الصلاح حلبى، ابو الفتح كراجكى، أبو يعلى جعفرى، عماد الدين مروزى، سليمان بن حسن صهرشتى، جعفر بن محمّد درويستى، مفيد رازى، سيد نجيب الدين حسن موسوى و تقى بن ابى طاهر نقيب رازى (كه برخى از آنها از شاگردان شيخ مفيد بودند و پس از درگذشت استاد، به حلقه درسى سيد پيوستند) تربيت‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 152‌

كند و افزون بر آن توانست حدود هشتاد عنوان كتاب و رسالۀ كوچك و بزرگ در علوم مختلف اسلامى، از خود به يادگار نهد.

سيد مرتضى، مرد علم و ادب، رياست و سياست، عبادت و سخاوت و گوهر فرد ميدانهاى فضائل اخلاقى بود و در جود و سخاى وى داستانها نوشته‌اند.

خانه او دار العلم بغداد و كتابخانه‌اش قبله نياز دانشمندان عامه و خاصه بود. هزينۀ زندگى شاگردانش را از مال خويش به اندازه فضل و كمال آنان مى‌بخشيد (مثلا به شيخ طوسى ماهى 12 دينار و به ابن براج ماهى 8 دينار مى‌پرداخت).

پسرش محمّد و دخترش فاطمه، هر دو از علما و فضلاى عصر خويش بوده‌اند و فاطمه، نهج البلاغه را نزد عمويش سيد رضى خواند و از او روايت كرد.

وى در روز يكشنبه 25 ربيع الأوّل 436 در 81 سالگى درگذشت و پيكر پاكش را نجاشى و سلّار ديلمى و أبو يعلى جعفرى غسل دادند و فرزندش محمّد بر آن نماز خواند و در خانۀ خود، مدفون و پس از آن به كربلا منتقل و در جوار قبر مطهر حضرت سيد الشهداء عليه السلام به خاك سپرده شد. «1»

رسالۀ حاضر

اين رساله مانند رسالۀ پيشين در ردّ قول به عدد و در تأييد رؤيت است. از اين رساله در منابع با عنوانهاى الرسالة العددية (ذريعه، ج 11، ص 209 و ج 24، ص 176)؛ و رسالۀ في نقص الشهور في العدد و أنّها برؤية الأهلّة (فهرست ملك، ج 5، ص 93)؛ و النصرة لأهل الرؤية في ثبوت الأهلّة (فهرست رضوى، ج 20، ص 579) نيز ياد شده است؛ ولى نام معروف آن همان الردّ على أصحاب العدد است و تهرانى قدّس سرّه در ذريعه (ج 10، ص 185)

______________________________
(1). برخى از منابع سرگذشت سيد عبارتند از: أدب المرتضى؛ ريحانة الأدب، ج 4، ص 183- 190؛ مفاخر اسلام، ج 3، ص 263- 295؛ فهرست شيخ طوسى، ص 99؛ خلاصة الأقوال، ص 94- 95، رقم 22؛ الغدير، ج 4، ص 351- 398، چاپ جديد؛ لؤلؤة البحرين، ص 313- 322؛ رجال بحر العلوم، ج 3، ص 87- 155؛ مجالس المؤمنين، ج 1، ص ب‍ 502؛ اعيان الشيعة، ج 8، ص 213 به بعد؛ الفوائد الرضوية، ص 280- 282؛ خاتمة مستدرك الوسائل، ج 3، ص 213- 221، چاپ جديد. در برخى از اين آثار مانند الغدير، منابع ديگرى نيز معرفى شده است.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 153‌

ذيل همين نام آن را معرّفى كرده است.

اين رساله عمدتا نقد رساله‌اى در تأييد قول به عدد است كه كسى آن را نزد سيد فرستاده و سيد آن را نقد كرده است. تهرانى قدّس سرّه رسالۀ مذكور را چنين معرفى كرده است:

نصرة القول بالعدد في تعيين ابتداء الشهور و خاصّة رمضان. لبعض المعاصرين للسيّد المرتضى و المتأخّرين عن الصدوق (م 381). يروي فيه عن كتب الصدوق و يدعو له بقوله رضى اللّه عنه. بعث بهذا الكتاب إلى المرتضى فكتب هو الرسالة العدديّة ردّا عليه بعنوان «قال صاحب الكتاب». «1»

از نسخۀ شماره 21509 كتابخانۀ آستان قدس رضوى استفاده مى‌شود كه مخاطب سيد مرتضى در آغاز اين رساله شيخ ابو الفتح كراجكى است و وى رساله‌اى در تأييد قول به عدد نزد سيد فرستاده است. در آغاز نسخۀ مزبور آمده است:

كتاب النصرة للرؤية في ثبوت الأهلّة من مصنّفات سيّدنا المرتضى في الجواب عمّا جمعه تلميذه الشيخ أبو الفتح الكراجكي في انتصار القول بالعدد.

نسخه‌هاى الردّ على أصحاب العدد عبارتند از:

1. نسخۀ شمارۀ 2337، كتابخانۀ آستان قدّس رضوى، مورّخ 676 (فهرست رضوى، ج 2، ص 38).

2. نسخۀ شمارۀ 4/ 593، كتابخانۀ ملك، مورّخ 1125 (فهرست ملك، ج 5، ص 93). «2»

3. نسخۀ شمارۀ 16/ 7615، كتابخانۀ آية الله مرعشى قدّس سرّه، مورّخ 1281، مكتوب از روى نسخۀ شمارۀ 1 (فهرست مرعشى، ج 20، ص 20).

4. نسخه‌اى به خط شيخ آقا بزرگ تهرانى در كتابخانه‌اش در نجف اشرف، كه وى از روى نسخه شمارۀ 1 استنساخ كرده است. (ذريعه، ج 10، ص 185).

5. ميكروفيلم 19/ 1162، كتابخانۀ مركزى دانشگاه تهران، فيلم نسخۀ شيخ آقا بزرگ تهرانى (شماره 4) است (فهرست ميكروفيلمها، ج 1، ص 574).

______________________________
(1). ذريعه، ج 24، ص 176؛ نيز ر ك: ذريعه، ج 11، ص 108.

(2). فهرست‌نگاران كتابخانۀ ملك، در فهرست كتابخانه، اين رساله را به غلط چنين معرفى كرده‌اند: «نامه‌هايى است با پاسخ آنها با عنوانهاى قال صاحب الكتاب»!!

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 154‌

6. نسخۀ شماره 21509 كتابخانۀ آستان قدس رضوى، مورّخ 1329 (فهرست رضوى، ج 20، ص 579). اين نسخه- با واسطه يا بى‌واسطه- از روى نسخۀ شمارۀ 1 كتابت شده است.

اين رساله به سال 1405 ضمن رسائل الشريف المرتضى (ج 2، ص 17- 63) غير محقّقانه و با اغلاط بسيار چاپ شده است. تصحيح ما بر اساس نسخۀ شماره 2، 3، 6 و با استفاده از همين چاپ صورت گرفته است. گفتنى است كه نسخه‌هاى اين رساله چندان مصحّح نيست و احتمال وجود خطاهايى در تصحيح ما به دليل مغلوط بودن نسخه‌ها منتفى نيست.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 155‌

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه على وافر الحباء، و باهر العطاء، و متواصل الآلاء، و متتابع السرّاء. و صلّى الله على خير البشر، و أفضل البدو و الحضر، سيّدنا محمّد نبيّه و صفيّه، و على الطاهرين من عترته و سلّم.

وقفت (أحسن الله توفيقك) على ما أنفذته من الكلام المجموع في نصرة العدد في الشهور، و الطعن على من ذهب إلى الرؤية و اعتمدها، و لم يلتفت إلى ما سواها.

و أنا أجيب مسألتك و أنفعك بطلبتك، و أعمل في هذا الباب كلاما وجيزا تقع بمثله الكفاية، فإنّ من طوّل من أصحابنا الكلام في هذه المسألة تكلّف ما لا يحتاج إليه، و الأمر فيها أقرب و أهون من أن يحوج إلى التدقيق و التطويل. و الله الموفّق للصواب في جميع الأمور.

[الاستدلال بالإجماع على الرؤية]

و اعلم أنّ هذه المسألة إذا تؤمّلت علم أنّها مسألة إجماع من جميع المسلمين، و الإجماع عليها هو الدليل المعتمد؛ لأنّ الخلاف فيها إنّما ظهر من نفر من أصحاب الحديث المنتمين إلى أصحابنا، و قد تقدّمهم الإجماع و سبقهم، و لا اعتبار بالخلاف الحادث؛ لأنّه لو كان به اعتبار لما استقرّ إجماع، و لا قامت الحجّة به.

و قد علمنا ضرورة أنّ أحدا من أهل العلم لم يخالف قديما في هذه المسألة، و لا جرى بين أهل العلم فيها متقدّما كلام، و لا نظر و لا جدال، حتّى ظهر من بين أصحابنا فيها هذا الخلاف.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 156‌

ثمّ لا اعتبار بهذا الخلاف، سالفا كان أم حادثا متأخّرا؛ لأنّ الخلاف إنّما يعتدّ به إذا وقع ممّن بمثله اعتبار في الإجماع من أهل العلم و الفضل و الدراية و التحصيل.

و الذين خالفوا من أصحابنا في هذه المسألة عدد يسير ممّن ليس قوله بحجّة في الأصول و لا في الفروع، و ليس ممّن كلّف النظر في هذه المسألة، و لا فيما هو أجلى منها؛ لقصور فهمه و نقصان فطنته.

و ما لأصحاب الحديث- الذين لم يعرفوا الحقّ في الأصول، و لا اعتقدوها بحجّة و لا نظر، بل هم مقلّدون فيها- و الكلام في هذه المسائل، و ليسوا بأهل نظر فيها و لا اجتهاد، و لا وصول إلى الحقّ بالحجّة، و إنّما تعويلهم على التقليد و التسليم و التفويض.

فقد بان بهذه الجملة أنّ هذه المسألة مسألة إجماع، و الإجماع عندنا حجّة؛ لأنّ الإمام المعصوم- الذي لا يخلو الزمان منه- قوله داخل فيه، و هو حجّة؛ لدخول قول من هو حجّة فيه.

و قد بيّنّا في مواضع كثيرة من كتبنا صحّة هذه الطريقة، و كيفيّة العلم بالطريق إلى أنّ قول الإمام داخل في أقوال الشيعة و غير منفصل عنها في زمان الغيبة، الذي يخفى عنّا فيه قول الإمام على التحقيق.

منها: في جواب مسائل أبي عبد الله بن التبّان رحمه اللّه. و قد مضى الكلام هناك في هذه المسألة أيضا فيما هو جواب مسائل أهل الموصل الواردة أخيرا. و من أراد استيفاء الكلام في هذا الباب رجع إلى ما أشرنا إليه من هذه الكتب. «1»

[الاستدلال بالسيرة على الرؤية]

دليل آخر: و هو أنّا قد علمنا ضرورة أنّ المسلمين من لدن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى وقتنا هذا يفزعون و يلجئون في أوائل الشهور و العلم بها على التحقيق إلى الرؤية، و يخرجون إلى الصحارى و المواضع المنكشفة، خروجا منكشفا ظاهرا معلنا شائعا ذائعا. حتّى أنّهم يتأهّبون لذلك و يتزيّنون له، و يتجمّلون بضروب التجمّلات، لا يخالف في ذلك منهم مخالف،

______________________________
(1). انظر جوابات المسائل التبّانيات، و جوابات المسائل الموصليات الثالثة، ضمن رسائل الشريف المرتضى، ج 1، ص 11- 20، 205- 208.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 157‌

و لا يعارض منهم معارض، و لا ينكر منهم منكر، حتّى أنّه قد جرى مجرى الأعياد و الجمع في الظهور و الانتشار.

فلو كان تعيين الشهور- التي تتعلّق الأحكام بتعيينها من صوم و حجّ و انقضاء عدّة و وجوب دين، و غير ذلك من الأحكام الشرعيّة- إنّما يثبت بالعدد لا برؤية الأهلّة، لكان جميع ما حكينا من فعل المسلمين من الفزع إلى الرؤية عبثا و غلطا و تكلّفا بما لا فائدة فيه، و العدول عمّا فيه الفائدة.

[الاستدلال بالآيات القرآنية على الرؤية]

دليل آخر: و هو قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ «1». و هذا نصّ صريح- كما ترى- بأنّ الأهلّة هي المعتبرة في المواقيت، و الدالّة على الشهور؛ لأنّه علّق بها التوقيت.

فلو كان العدد هو الذي يعرف به التوقيت، لخصّ العدد بالتوقيت دون رؤية الأهلّة؛ إذ لا معتبر برؤية الأهلّة في المواقيت على قول أصحاب العدد.

دليل آخر: و هو قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيٰاءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنٰازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسٰابَ «2». و هذا نصّ صريح- كما ترى- على أنّ معرفة السنين و الحساب مرجوع فيها إلى القمر و نقصانه و زيادته، و أنّه لا حظّ للعدد الذي يعتمده أصحاب العدد في علم السنين و الشهور. و هذا أوضح من أن تدخل على عاقل فيه شبهة.

[الاستدلال بالأخبار الواردة على الرؤية]

دليل آخر: و هو الخبر المرويّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين». «3» و هذا الخبر و إن كان من طريق الآحاد- و ممّا لا يعلم كما علم طريقه من أخبار العلم- فقد أجمعت الأمّة على قبوله، و إن اختلفوا في تأويله، فما ردّه أحد‌

______________________________
(1). البقرة (2): 189.

(2). يونس (10): 5.

(3). سنن البيهقي (السنن الكبرى)، ج 4، ص 206.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 158‌

منهم، و لا شكّك فيه.

و هو نصّ صريح غير محتمل؛ لأنّ الرؤية هي الأصل، و أنّ العدد تابع لها و غير معتبر، إلّا بعد ارتفاع الرؤية.

و لو كان بالعدد اعتبار لم يعلّق الصوم بنفس الرؤية، و لعلّقه بالعدد، و قال: صوموا بالعدد و أفطروا بالعدد. و الخبر يمنع من ذلك غاية المنع.

فإن قيل: فما معنى قوله: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته»، و أيّ فائدة لهذا الكلام؟

قلنا: معنى ذلك: صوموا لأجل رؤيته و عند رؤيته، كما يقول القائل: «صلّ الغداة لطلوع الشمس» يعني لأجل طلوعه و عند طلوعه، كما قال تعالى: أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1».

ثمّ نعود إلى الكلام على ما ذكره صاحب الكتاب «2»:

[المناقشة في الاستدلال بالكتاب على العدد]

قال صاحب الكتاب:

دليل من القرآن: قال الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ «3». فأخبر بأنّ الصوم المكتوب علينا نظير الصوم المكتوب على من قبلنا، و قد علم أنّه عنى بذلك أهل الكتاب، و أنّهم لم يكلّفوا في معرفة ما كتب عليهم من الصيام إلّا العدد و الحساب، و قد بيّن الله تعالى ذلك بقوله في الآية:

أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ.

و هذا نصّ من الكتاب في موضع الخلاف، يشهد بأنّ فرض الصيام المكتوب علينا أيّاما معدودة، حسب ما اقتضاه التشبيه بين الصومين، و ما فسّره بقوله: أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ. فإذا وجب ذلك فالمعدود من العبادات محفوظ بعدده، محروس بمعرفة كمّيّته، لا يجوز عليه تغييره ما دام فرضه لازما على وجه.

______________________________
(1). الإسراء (17): 78.

(2). يعني الكتاب الذي أرسله السائل إلى السيّد في نصرة العدد، لبعض المعاصرين للسيّد رحمه اللّه.

(3). البقرة (2): 183 و 184.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 159‌

فهذا هو الذي نذهب إليه في شهر رمضان من أنّ نيّة معرفته بالعدد و الحساب، و أنّه محصور بعدد سالم من الزيادة و النقصان، و لو لا ذلك لم يكن لقوله تعالى: أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ معنى يستفاد.

يقال له: ما رأينا أبعد عن الصواب و موقع الحجّة من هذا الاستدلال؛ لأنّ الله تعالى إنّما جمع بين ما كتبه علينا من الصيام، و بين ما كتبه على من كان قبلنا، و شبّه أحدهما بصاحبه في صفة واحدة، و هي أنّ هذا مفروض مكتوب، كما أنّ ذلك مفروض مكتوب، فجمع في الإيجاب و الإلزام، و لم يجمع بينهما في كلّ الصفات.

أ لا ترى أنّ العدد و فيما فرض علينا من الصيام، و فيما فرض على اليهود و النصارى مختلف غير متّفق، فكيف يدّعى أنّ الصفات و الأحكام واحدة؟

على أنّا لو سلّمنا أنّ الآية تقتضي التشبيه بين الصومين في كلّ الأحكام- و ليس الأمر كذلك- لم يكن لهم في الآية حجّة؛ لأنّا لا نعلم أنّ فرض اليهود و النصارى في صومهم العدد دون الرؤية، و اليهود يختلفون في طريقتهم إلى معرفة الشهور. فمنهم من يذهب إلى أنّ الطريق هو الرؤية، و آخرون يذهبون إلى العدد، و إذا لم يثبت أنّ أهل الكتاب كلّفوا في حساب الشهور العدد دون الرؤية، سقط ما بنوا الكلام عليه و تلاشى.

فأمّا قوله تعالى: أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ فلم يرد به أنّ الطريق إلى إثبات هذا الصيام و تعيينه هو العدد دون الرؤية، و إنّما أراد تعالى أحد أمرين:

إمّا أن يريد ب‍ مَعْدُودٰاتٍ محصورات مضبوطات، كما يقول القائل: «أعطيته مالا معدودا» يعني أنّه محصور مضبوط متعيّن، و قد ينحصر الشي‌ء و ينضبط بالعدد و بغيره، فهذا وجه.

أو يريد بقوله: مَعْدُودٰاتٍ أنّها قلائل، كما قال تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرٰاهِمَ مَعْدُودَةٍ «1» يريد أنّها قليلة.

و هذان التأويلان جميعا يسوغان في قوله تعالى: وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ «2».

فأمّا قوله: «إنّ المعدود من العبادات محفوظ بعدده، محروس بمعرفة كمّيّته، لا يجوز عليه تغييره ما دام فرضه لازما» فهو صحيح، لكنّه لا يؤثّر في موضع الخلاف في هذه‌

______________________________
(1). يوسف (12): 20.

(2). البقرة (2): 203.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 160‌

المسألة؛ لأنّ المعدود إذا كان محفوظا بالعدد مضبوط الكمّية أنّ هذا المعدود المضبوط إنّما عرف مقداره و ضبط عدده، لا من طريق الرؤية، بل من الطريق الذي يدّعيه أهل العدد، فليس في كونه مضبوطا معروف العدد ما يدلّ على الطريق الذي به عرفنا عدده و حصرناه، و ليس بمنكر أن تكون الرؤية هي الطريق إلى معرفة حصره و عدده.

ثمّ من أين صحّة قوله: «و أنّه محصور بعدد سالم من الزيادة و النقصان» فليس في قوله تعالى: أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ أنّها لا تكون تارة ناقصة، و تارة زائدة بحسب ما تدلّ عليه الرؤية، و إنّما تدلّ على أحد الأمرين اللذين ذكرنا هما: إمّا معنى القلّة، أو معنى الضبط و الحصر.

و ليس في كونها مضبوطات محصورات ما يدلّ على أنّها تكون تارة زائدة، و تارة ناقصة بحسب الرؤية و طلوع الأهلّة.

فأمّا انتصاب قوله تعالى: أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ فقد قيل: إنّه على الظرف، كأنّه قيل: الصيام في أيّام معدودات، كما يقول القائل: أوجبت عليّ الصيام أيّام حياتي، و خروج زيد يوم الخميس.

و الوجه الثاني: أن يعدّى الصيام، كأنّه قال: كتب عليكم أن تصوموا أيّاما معدودات.

و وجه ثالث: أن يكون تفسيرا عن «كما»، و يكون مردودا على لفظة «كما»، كأنّه قال:

كتب عليكم الصيام كتابة كما كتب على الذين من قبلكم، و فسّر فقال: و هذا المكتوب على غيركم أيّاما معدودات.

و يجوز أيضا أن يكون تفسيرا و تمييزا للصوم، فإنّ لفظة «الصوم» مجملة و يجوز أن تتناول الأيّام و الليالي و الشهور، فميّز بقوله تعالى: أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ و بيّن أنّ هذا الصوم واقع في أيّام.

و قال الفرّاء:

هو مفعول ما لم يسمّ فاعله، كقوله: أعطي زيد المال. و خالفه الزجّاج فقال:

هذا لا يشبه ما مثّل به؛ لأنّه لا يجوز رفع الأيّام فيقول: كتب عليكم الصيام أيّام، كما [لا] يجوز رفع المال، فيقول: أعطي زيد المال. فالأيّام لا تكون إلّا منصوبة على كلّ حال. «1»

______________________________
(1). التبيان، ج 2، ص 116؛ مجمع البيان، ج 1، ص 272، ذيل الآية 184 من البقرة (2).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 161‌

و ممّا يمكن أن يقال هاهنا في هذا الباب ممّا لم نسبق إليه: أن تجعل أَيّٰاماً منصوبة بقوله: تَتَّقُونَ، كأنّه قال: لعلّكم تتّقون أيّاما معدودات، أي تحذرونها و تخافون شرّها، و هذه الأيّام أيّام المحاسبة، و المؤاخذة، و المساءلة، و دخول النار، و ما أشبه ذلك من الأيّام المحذورة المرهوبة. و يكون المعنى: إنّ الصوم إنّما كتب عليكم لتحذروا هذه [الأيّام] و تخافوها، و تتجنّبوا القبائح و تفعلوا الواجب.

ثمّ حكى صاحب الكتاب عنّا ما لا نقوله و لا نعتمده و لا نسأل عن مثله، و هو: «أنّ قوله تعالى: أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ إنّما أراد به إن كان عددها [كذا]». و تشاغل بنقض ذلك و إبطاله، و إذا كنّا لا نعتمد ذلك و لا نحتجّ به فقد تشاغل بما لا طائل فيه. و الذي نقوله في معنى مَعْدُودٰاتٍ من الوجهين ما ذكرناه فيما تقدّم و بيّنّاه، فلا معنى للتشاغل بغيره.

[المناقشة في الاستدلال الثاني بالكتاب على العدد]

قال صاحب الكتاب:

دليل آخر من القرآن، و هو قوله (جلّ اسمه): شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ- إلى قوله تعالى- وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «1». فأبان تعالى في هذه الآية أنّ شهر رمضان عدّة يجب صيامها على شرط الكمال، و هذا قولنا في شهر الصيام: إنّه كامل تامّ سالم من الاختلاف، و إنّ أيّامه عدّة محصورة لا تعتريها زيادة و لا نقصان. و ليس كما يذهب إليه أصحاب الرؤية؛ إذ كانوا يجيزون نقصانه عن ثلاثين، و عدم استحقاقه لصفة الكمال.

يقال له: من أين ظننت أنّ قوله تعالى: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ معناه: صوموا ثلاثين يوما من غير نقصان عنها؟

و ما أنكرت أن يكون قوله: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ معناه: صوموا العدّة التي وجب عليكم صيامها من الأيّام على التمام و الكمال. و قد يجوز أن تكون هذه العدّة تارة ثلاثين، و تارة تسعة و عشرين يوما، و من رأى الهلال فقد أكمل العدّة التي وجب عليه صيامها و ما نقص عنها شيئا.

______________________________
(1). البقرة (2): 185.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 162‌

أ لا ترى أنّ من نذر أن يصوم تسعة و عشرين يوما من شهر ثمّ صامها، نقول: إنّه قد أكمل العدّة التي وجبت عليه و تمّمها و استوفاها، و لم يصم شهرا عدده ثلاثون يوما.

ثمّ قال صاحب الكتاب:

و قد عارض بعضهم في هذا الاستدلال، فقال: إنّ الشهر و إن نقص عدد أيّامه عن ثلاثين يوما، فإنّه يستحقّ من صفة الكمال ما يستحقّه إذا كان ثلاثين، و إنّ كلّ واحد من الشهرين المختلفين في العدد، كامل تامّ على كلّ حال.

ثمّ قال:

و هذا غير صحيح؛ لأنّ الكامل و الناقص من أسماء الإضافات، و هما كالكبير و الصغير، و الكثير و القليل، فكما لا يقال: «كبير» إلّا لوجود صغير، و لا «كثير» إلّا لحصول قليل، فكذلك لا يقال لشهر من الشهور: «كامل» إلّا بعد ثبوت شهر ناقص، فلو استحال تسمية شهر بالنقصان، لاستحال لذلك تسمية شهر آخر بالتمام و الكمال. و هذا واضح يدلّ المنصف على فساد معارضة الخصوم، و وجود كامل و ناقص في الشهور.

يقال له: لسنا ننكر أن يكون في الشهور ما هو ناقص و منها ما هو كامل، لكن قولنا:

«ناقص» يحتمل أمرين: أحدهما: أن يراد به النقصان في العدد، و يحتمل أن يراد به النقصان في الحكم و أداء الفرض.

فإذا سألنا سائل عن شهرين: أحدهما: عدده ثلاثون يوما، و الآخر عدده تسعة و عشرون يوما، و قال: ما تقولون إنّ الشهر الذي عدده تسعة و عشرون يوما أنقص من الذي عدده ثلاثون يوما؟

فجوابنا أن نقول له: إن أردت النقصان في العدد، فالقليل الأيّام ناقص عن الذي زاده عدده. و إن أردت النقصان في الحكم و أداء الفرض، فلا نقول ذلك.

بل نقول: إنّ من أدّى ما عليه في الشهر القليل العدد، و صامه كملا إلى آخره، فقد كمّل العدّة التي وجبت عليه، و نقول: إنّ صومه كامل تامّ لا نقصان فيه، و إن كان عدد أيّامه أقلّ من عدد أيّام الشهر الآخر، فلم ننكر، كما ظننت، أن يكون شهر ناقصا و شهر تامّا، حتّى تحتاج إلى أن تقول: إنّ هذا من ألفاظ الإضافات. و إنّما فصّلنا ذلك و قسّمناه و وضعناه في موضعه.

ثمّ قال صاحب الكتاب من بعد ذلك:

ثمّ يقال لهم: كيف استجزتم القول بأنّ سائر الشهور كاملة، مع إقراركم بأنّ فيها ما عدد‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 163‌

أيّامه ثلاثون يوما، و فيها ما هو تسعة و عشرون يوما، و ليس في العرب أحد إذا سئل عن الكامل من هذه الشهور، التبس عليه أنّه الذي عدده ثلاثون يوما؟

يقال له: هذا ممّا قد بان جوابه في كلامنا الماضي، و جملته أنّنا لا ننكر أنّ الشهر الذي عدد أيّامه تسعة و عشرون يوما أنقص عددا من الذي عدده ثلاثون يوما، و أنّ الذي عدده ثلاثون يوما أكمل من طريق العدد من الذي هو تسعة و عشرون.

و إنّما أنكرنا أن يكون أحدهما أكمل من صاحبه و أنقص منه في باب الحكم و أداء الفرض؛ لأنّهما على الوجه الذي يطابق الأمر و الإيجاب، و هذا ممّا لا يشتبه على المحصّلين.

ثمّ قال بعد ذلك:

و قد قال بعض حذّاقهم: إنّ قوله تعالى: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ إنّما أراد به قضاء الفائت على العليل و المسافر؛ لأنّه ذكره بعد قوله: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ.

ثمّ قال:

يقال لهم: لو كان الأمر على ما ظننتموه، لكان قاضي ما فاته من علّة أو سفر مندوبا إلى التكبير عقيب القضاء؛ لقوله تعالى: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ. و قد أجمعت الأمّة على أنّه لا تكبير عليه فرضا و لا سنّة، و إنّما هو مندوب إليه عقيب انقضاء شهر رمضان ليلة الفطر من شوّال.

فعلم بما ذكرنا سقوط هذه المعارضة، و صحّة ما ذهبنا إليه في معنى الآية، و أنّ كمال العدّة يراد به نفس شهر الصيام، و إيراده على التمام.

يقال له: قد بيّنّا أنّ أمره تعالى بإكمال العدّة ليس المراد به: صوموا ثلاثين على كلّ حال، و إنّما يراد به صوموا ما وجب عليكم صيامه، و اقتضت الرؤية أو العدد الذي يصير إليه بعد الرؤية، و أكملوا ذلك و استوفوه، فمن صام تسعة و عشرين يوما وجب عليه؛ لموجب الرؤية، كمن صام ثلاثين يوما وجب عليه برؤية، أو عدد عند عدم الرؤية؛ لأنّهما قد أكملا العدّة و تمّماها.

و إذا كان الأمر على ما ذكرناه فلا حاجة بنا إلى أن نجعل قوله: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ مخصوصا بقضاء الفائت على العليل و المسافر.

و لو قال صاحب الكتاب في جواب ما حكاه- من أنّ بعض حذّاقهم قال: إنّ إكمال العدّة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 164‌

إنّما أمر به العليل و المسافر-: «إنّ هذا تخصيص للعموم بغير دليل» لكان أجود ممّا عوّل عليه؛ لأنّ قوله تعالى: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عامّ في قضاء الفائت من شهر رمضان و في استيفاء العدد و تكميله، و إذا صرفه صارف إلى موضع دون آخر، كان مخصّصا بغير دليل.

فأمّا قوله:

إنّ مندوبيّة التكبير إنّما هو عقيب انقضاء شهر رمضان ليلة الفطر، و ليس على قاضي ما فاته في علّة أو سفر تكبير، و لا هو مندوب إليه.

فغلط منه؛ لأنّ التكبير و ذكر الله تعالى و شكره على نعمه مندوب إليه في كلّ وقت و على كلّ حال، و عقيب كلّ أداء العبادة و قضائها، فكيف يدّعي أنّه غير مندوب إليه إلّا عقيب انقضاء شهر رمضان؟

[المناقشة في الخبر الدالّ على العدد]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

دليل آخر من جهة الأثر، و هو ما روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي رضى اللّه عنه في رسالته إلى حمّاد بن عليّ الفارسي في الردّ على الجنيديّة. و ذكر بإسناده عن محمّد، عن يعقوب بن شعيب، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إنّ الناس يروون أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم [ما] صام شهر رمضان تسعة و عشرين يوما أكثر ممّا صام ثلاثين، فقال: «كذبوا، ما صام رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا تامّا، و لا تكون الفرائض ناقصة، إنّ الله تعالى خلق السنة ثلاثمائة و ستّين يوما، و خلق السماوات و الأرض في ستّة أيّام يحجزها من ثلاثمائة و ستّين يوما، فالسنة ثلاثمائة و أربعة و خمسون يوما، و شهر رمضان ثلاثون يوما؛ لقول الله تعالى: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ و الكامل تامّ، و شوّال تسعة و عشرون يوما، و ذو القعدة ثلاثون يوما؛ لقول الله تعالى وَ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ ثَلٰاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنٰاهٰا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقٰاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً «1» و الشهر هكذا، شهر تامّ و شهر ناقص، و شهر رمضان لا ينقص أبدا، و شعبان لا يتمّ أبدا» «2».

______________________________
(1). الأعراف (7): 142.

(2). الفقيه، ج 2، ص 170- 171، ح 2044.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 165‌

و هذا الخبر يغني عن إيراد غيره من الأخبار؛ لما يتضمّنه من النصّ الصريح على صحّة المذهب، و يحويه من البيان.

يقال له: أمّا هذا الخبر فكأنّه موضوع و مرتّب على مذهب أصحاب العدد؛ لأنّه على ترتيب مذهبهم، و قد احترس فيه من المطاعن، و استعمل من الألفاظ ما لا يدخله الاحتمال و التأويل. و لا حجّة في هذا الخبر، و لا في أمثاله على كلّ حال.

و قد بيّنّا في مواضع كثيرة من كتبنا أنّ خبر الواحد لا يوجب العلم، و لا يقطع على صحّته و إن رواه العدول الثقات، كأنّ العلم به لا يجوز؛ لأنّا لا نأمن فيما تقدّم عليه من الحكم الذي تضمّنه أن يكون مفسدة، و لا نقطع على أنّه مصلحة، و الإقدام على مثل ذلك قبيح، حتّى أنّ من أصحابنا من يزيد على ذلك و يقول: إنّ أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها، و لا التعبّد بأحكامها من طريق العقول.

و قد بيّنّا في مواضع كثيرة أنّ المذهب الصحيح هو تجويز ورود العبادة بالعمل بأخبار الآحاد من طريق العقول، لكن ذلك ما ورد و لا تعبّدنا بها. فنحن لا نعمل بها؛ لأنّ التعبّد بها مفقود و إن كان جائزا.

فإن قيل: كيف تجيزون العمل بها من طريق العقول و ورود العبادة بذلك، مع ما ذكرتموه من أنّه لا يؤمن في الإقدام عليها أن يكون مفسدة؛ لأنّ الذي يؤمن ذلك القطع على صدق رواتها، و لا قطع إلّا مع العلم، و الظنّ لا قطع معه؟.

قلنا: إذا فرضنا ورود العبادة بالعمل بأخبار الآحاد، آمنّا أن يكون الإقدام عليها مفسدة؛ لأنّه لو كان مفسدة أو قبيحا لما وردت العبادة به من الحكيم تعالى بالعمل بها، فصار دليلا على العمل بها، يقطع معه على أنّ العمل مصلحة، و ليس بمفسدة، كما يقطع على ذلك مع العلم بصدق الراوي.

و إذا لم ترد العبادة بالعمل بأخبار الآحاد و جوّزنا كذب الراوي، فالتجويز لكون العمل بقوله مفسدة ثابت، و مع هذا التجويز لا يجوز الإقدام على الفعل؛ لأنّا لا نأمن كونه مفسدة، فصارت هذه الأخبار التي تروى في هذا الباب غير حجّة، و ما ليس كذلك لا يعمل به و لا يلتفت إليه.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 166‌

[حمل أخبار الرؤية على التقيّة و المناقشة فيه]

قال صاحب الكتاب:

دليل آخر: هو أنّ مشايخ العصابة و أمناء الطائفة قد رووا أخبار العدد، كما رووا أخبار الرؤية، و قد علمنا أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا في زمان تقيّة، و لم يكن أحد من المتغلّبين في أيّامهم و لا من العامّة في وقتهم يقول بالعدد فيخوّفه، و في علمنا بخلاف ذلك دلالة على أنّ أخبار الرؤية أولى بالتقيّة.

يقال له: هذا منك كلام على من يحتجّ في إثبات الرؤية بأخبار الآحاد المرويّة، و نحن لا نحتجّ بشي‌ء من ذلك، و لا نعوّل إلّا على طرف من الأدلّة توجب العلم و يزول معها الشكّ و الريب، و قد تقدّم في صدر كتابنا هذا ما يجب أن يعوّل عليه.

فأمّا ترجيح أخبار العدد على أخبار الرؤية بذكر الرؤية، فهو و إن كان كلاما على غيرنا ممّن يعوّل على أخبار الآحاد في إثبات العمل بالرؤية، فهو أيضا غير معتمد؛ لأنّ أكثر ما في هذا الترجيح الذي ذكره أن تكون أخبار العدد الظنّ فيها أقوى منه في أخبار الرؤية، و مع الظنّ التجويز قائم، و العلم القاطع غير حاصل، و العمل مع ذلك لا يسوغ؛ لأنّ العمل إنّما يحسن مع القطع لا مع قوّة الظنّ.

قال صاحب الكتاب:

و يزيد ذلك بيانا ما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا أتاكم عنّا حديثان فحدّثوا «1» بأبعدهما من أقوال العامّة». و في إجماع العامّة على القول بالرؤية- مع ورود هذه الأخبار عن الأئمّة (صلوات الله عليهم)- دلالة واضحة على وجوب الأخذ بالعدد، و أنّه الأصل الذي عليه المعوّل.

يقال له: و من أين علم صحّة هذا الخبر المرويّ عن الصادق عليه السلام حتّى جعلته أصلا، و عوّلت عليه في العمل بالأخبار المرويّة، و ترجيح بعضها على بعض؟ أ و ليس هذا الخبر من أخبار الآحاد؟ نعني بقولنا: «إنّه من أخبار الآحاد» أنّه لا يوجب علما، و لا ينفي تجويزا، و إن كان رواه أكثر من واحد.

______________________________
(1). في هامش بعض النسخ: «فخذوا» بدل «فحدّثوا».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 167‌

فكيف تعوّل في أخبار الآحاد و ترجيح بعضها على بعض على خبر هو من جملة أخبار الآحاد، و هذا يعوّل عليه من أصحابنا من لا يعرف ما نقوله و نأتيه و نذره!؟

[الاستدلال بالقياس على العدد و المناقشة فيه]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

استدلال من طريق القياس: و ممّا يدلّ على ما نذهب إليه في شهر رمضان أنّا وجدنا صيامه أحد فرائض الإسلام، فوجب أن تكون من فرضه سلامة أيّامه من الزيادة و النقصان؛ قياسا على الصلوات الخمس التي لا يجوز كونها مرّة أربعا و مرّة خمسا و مرّة ستّا؛ و على الزكاة أيضا؛ لفساد إخراج أربعة من المائتين و خمسة مرّة أخرى.

فعلم بهذا الاعتبار أنّ شهر رمضان لا يجوز عليه زيادة و لا نقصان.

يقال له: إذا كان القياس عندك باطلا و عند أصحابك، فكيف- و لا خلاف بينهم- تحتجّ بما ليس بحجّة عندك؟ و كيف تثبت الأحكام الشرعيّة بما ليس بدليل؟

فإن قال ما قد قاله بعيد هذا الموضع:

ننكر من القياس ما خالف النصوص، و قياسنا هذا يعضده النصّ الوارد في القرآن، و الأخبار تدلّ على صحّته و استمراره على أصله.

قيل له: هذا مخالف لما يقوله أصحابك المتقدّمون و المتأخّرون؛ لأنّ القياس عندهم باطل، لا يجوز اعتماده فيما وافق النصوص و لا فيما خالفها، و لا هو حجّة في شي‌ء من الأحكام على وجه، و لا سبب.

و إذا كانت النصوص تدلّ على الحكم، أيّ حاجة بنا إلى استعمال القياس في ذلك الحكم؟

و قد عرفناه من طريق النصوص، فوجود القياس هاهنا كعدمه، و إنّا إذا كنّا نستغني بالنصّ الوارد في الحكم عن نصّ آخر، و إن كان الثاني حجّة دالّا على الحكم.

على أنّ القياس الذي استعملته- و ليس لك استعماله- باطل غير صحيح في نفسه؛ لأنّ الأصل الذي قست عليه- و هو الصلوات- يجوز اختلاف العبادة فيها على المكلّفين بالزيادة و النقصان.

أ لا ترى أنّ من دخل في صلاة الظهر لا يعلم أنّه يبقى حتّى يصلّي الركعات الأربع، و أنّه يجوز عليه الاخترام قبل التمام، و إنّما يعلم أنّه مكلّف بالأربع إذا فرغ منها و جاوزها.

و قد يجوز أن يبقي الله سبحانه بعض المكلّفين صحيحا سليما إلى أن يصلّي الأربع، و قد‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 168‌

يجوز أن يخترمه و قد فرغ من واحدة أو اثنتين أو ثلاث، فيعلم أنّ الذي دخل في تكليفه ما نقص الفراغ منه، و ما اقتطع دونه من الركعات فليس بداخل في تكليفه، فقد اختلف الفرض كما ترى، و صار فرض بعض المكلّفين في الصلوات زائدا و بعضهم ناقصا، و جرى ذلك مجرى شهر رمضان، فإنّه يلحقه الزيادة و النقصان.

فيجب على من رأى الهلال ليلة الثلاثين أن يفطر، و يكون فرضه تسعة و عشرين يوما.

و يكون من لم يره و لا شهد عنده به من يجب العمل بقوله، أن يصوم ثلاثين، فيختلف فرضاهما. و يجب أيضا على الجميع إذا غمّ عليهم ليلة الثلاثين أن يصوموا شهرا على التمام.

و يجب عليهم إذا رأوه ليلة الثلاثين أن يفطروا، فيختلف التكليفان باختلاف الأحوال.

و على هذا تختلف أحوال التكليف في الصيام، فإنّ من اخترم في أيّام شهر رمضان فتكليفه ما صامه من الأيّام، و علمنا بالاخترام أنّ صيام باقي الشهر لم يكن في تكليفه، و من بقي إلى آخر الشهر قطعنا على أنّه مكلّف بصيام جميع الشهر.

و هذا إنّما يخفى على من لم يعرف كيف الطريق إلى العلم بدخول بعض الأفعال في التكليف، و هل يسبق ذلك وقوع الفعل أو يتأخّر عنه؟

[الاستدلال بمعرفة العبادات في أوقاتها و المناقشة فيه]

قال صاحب الكتاب:

استدلال آخر، و هو أنّ جميع الفرائض يعلم المكلّف أوقاتها قبل حلولها، و يعلم أوائلها قبل دخوله فيها، و كذلك يعلم أواخرها قبل تقضّيها.

أ لا ترى أنّه لا شي‌ء من الصلوات و طهورها، و الزكوات و شرائطها، و فرائض الحجّ و العمرة و مناسكها إلّا و هذه صفته و حكمه، فعلمنا أنّ شهر رمضان كذلك إذا كان أحد الفرائض، يجب أن يعلم أوّله قبل دخول التكليف فيه و آخره قبل تقضّيه، و هذا لا يقدر عليه إلّا بالعدد دون الرؤية، فعلم أنّ العدد هو الأصل.

يقال له: إن أردت بكلامك هذا أنّ جميع الفرائض لا بدّ أن يعلم المكلّف أوقاتها قبل دخوله فيها و أوائلها و أواخرها، و أنّه لا بدّ أن يعلم ذلك على الجملة، و يكون مميّزا للأوّل و الآخر بالصفات التي أوردتها الشريعة من غير أن يعلم أنّه في نفسه لا يكون داخلا في تكليف الأوّل و الآخر، فالأمر على ما ذكرت.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 169‌

و إن أردت أنّه لا بدّ أن يعلم قبل الدخول فيها أنّه مكلّف لأوّلها و آخرها في تكليف الآخر، كما دخل في تكليف الأوّل، فقد بيّنّا أنّ الأمر بخلاف ذلك، و أنّ المكلّف [لا] يعلم أنّه مكلّف للآخر و لا كلّ جزء من العبادات إلّا بعد قطعه و تجاوزه.

فإن قيل: لا يعلم المكلّف على مذهبكم قبل دخول شهر رمضان أوّل هذه العبادة و آخرها.

قلنا: يعلم أوّل هذه العبادة بأن يشاهد الهلال ليلة الشهر، أو يخبره من يجب عليه قبول خبره برؤيته، فيعلم بذلك أنّه أوّل هذه العبادة قبل دخوله فيها.

فأمّا آخرها فيعلمه أيضا قبل الوصول إليه، بأن يشاهد الهلال ليلة الثلاثين، أو يخبره عن مشاهدته من يلزمه العمل بخبره، أو بأن يفقد الرؤية مع الطلب و الخبر عنها، فيلزمه حينئذ أن يصوم الثلاثين، فقد صار أوّل شهر رمضان و آخره متميّزين عند أصحاب الرؤية، كما تميّزا عند أصحاب العدد.

فإن قيل: التمييز عند أصحاب العدد واضح؛ لأنّهم يعوّلون على شي‌ء واحد في أوّل الشهر و آخره، و هو العدد دون انتقال من غيره إليه، و أصحاب الرؤية يعوّلون على الرؤية التي يجوز أن تحصل و أن لا تحصل، ثمّ ينتقلون إذا لم تحصل إلى العدد.

قلنا: و أيّ فرق بين تمييز العبادة و تعيينها بين أن تتميّز بأمر واحد لا ينتقل منه إلى غيره و لا يختلف حكمه، و بين أن تتميّز بأمر يتقدّر حصوله و يتوقّع كونه، فإن وقع تميّز به، و إن لم يقع وقع الانتقال إلى أمر آخر. و أكثر الشريعة على ما ذكرناه، و أنّها تتميّز بأوصاف مختلفة و شروط متعاقبة مترتّبة.

أولا ترى أنّ العدّة في الطلاق قد تختلف على المرأة، فتعتدّ تارة بالشهور، و تارة بالأقراء، فتنتقل العدّة بالمعتدّة الواحدة من شهور إلى أقراء، و من أقراء إلى شهور، فتختلف العادة، و هذا الاختلاف كاختلاف الشروط و الصفات فيها.

[الاستدلال بالحصر على بطلان الرؤية و المناقشة فيه]

قال صاحب الكتاب:

أخبرونا عمّن طلب أوّل شهر رمضان إذا رقب الهلال فرآه، لا يخلو أمره من إحدى ثلاث خصال:

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 170‌

إمّا أن يعتقد برؤيته أنّه قد أدرك معرفة أوّله لأهل الإسلام، حتّى لا يجيز ورود الخبر برؤيته قبل ذلك في بعض البلاد.

أو يعتقد أنّه أوّل الشهر عنده؛ لأنّه رآه و يجيز رؤية غيره له من قبل، و استتاره عنه في الحال، لكنّه لا يلتفت إلى هذا الجواز، و لا يعوّل إلّا على ما أدركه و رآه.

أولا يعتقد ذلك و يقف مجوّزا غير قاطع؛ لإمكان ورود الخبر الصادق بظهوره لغيره قبل تلك الليلة في إحدى الجهات. فعلى أيّ هذه الأقسام يكون تعويل المكلّف في رؤية الهلال؟

فإن قالوا: [يعتمد] على القسم الأوّل- و هو القطع و ترك التجويز مع المشاهدة ليصحّ الاعتقاد- أوجبوا على المكلّف اعتقاد أمر آخر يجوز عند العقلاء خلافه، و ألزموه ترك ما يشهد به الامتحان و العادة بتجويزه؛ لأنّ اللبس مرتفع عن ذوي التحصيل في اختلاف أسباب المناظر، و جواز تخصيص العوارض و الموانع.

ثمّ ما رووه من وجوب صوم الشكّ- حذرا من ورود الخبر برؤية الهلال- يدلّ على بطلان ذلك.

و إن قالوا: يعتمد على القسم الثاني، فيعتقد أنّه أوّل الشهر لما دلّته عليه المشاهدة، و لا يكترث لما سوى ذلك من الأمور المجوّزة، أجازوا اختلاف أوّل شهر رمضان؛ لجواز اختلاف رؤية الهلال، و أحلّوا لبعض الناس الإفطار في يوم أوجبوا على غيرهم فيه الصيام، و لزمهم في آخر الشهر نظير ما التزموه في أوّله من غير انفصال.

و هذا يؤول إلى نقصانه عند قوم، و كونه عند قوم على التمام. و فيه أيضا بطلان التواريخ و فساد الأعياد.

و فيه أنّ المعلوم من حقيقة الشهر عند الله سبحانه غير معلوم لسائر العباد مع عموم التكليف لهم بصومه على الكمال، و هو خلاف ما أجمعت عليه الشيعة من الردّ على أصحاب القياس، من بطلان تحليل شي‌ء و تحريمه على غيرهم من الناس.

و هو أيضا يضادّ ما يروونه من صوم يوم الشكّ على سبيل الاستظهار. و ظهور بطلان هذا القسم يغني من الإطالة فيه و الإكثار.

و إن قالوا: الواجب على العبد إذا رأى الهلال أن لا يبادر بالقطع و الثبات، و أن يتوقّف مجوّزا لورود أخبار البلاد بما يصحّ معه الاعتقاد، كان هذا بعيدا عن الصواب و أولى بالفساد، و هو مسقط عن كافّة الأمّة اعتقاد أوّل شهر رمضان إلى أن تتّصل بهم أخبار البلاد.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 171‌

و كيف السبيل لمن لم ير الهلال إلى العلم بأنّه قد رئي في بعض الجهات، فيبيّت له النيّة في فرض الصيام؟ بل كيف يصنع من رآه إذا اتّصل به أنّه ظهر قبل تلك الليلة للناس؟

و متى يستدرك النيّة و الاعتقاد في أمر قد فات؟

ثمّ قال:

و اعلم أنّ إيجابهم لصوم يوم الشكّ لا يسقط ما لزمهم في هذا الكلام؛ لأنّا سألناهم عن النيّة و الاعتقاد. و ليس يمكنهم القول بأنّ يوم الشكّ من شهر رمضان، و لا يجب على من أفطره ما يجب على من أفطر يوما فرض عليه فيه الصيام، و الشكّ فيه يمنع من النيّة على كلّ حال.

يقال له: القسم الثاني من أقسامك التي ذكرتها هو الصحيح المعتمد، و ما رأيناك أبطلت هذا القسم إلّا بما لا طائل فيه؛ لأنّك قلت: إنّه يلزم على اختلاف أوّل شهر رمضان- لجواز اختلاف رؤية الهلال- أن يحلّ لبعض الناس الإفطار في يوم يجب على غيرهم فيه الصيام، و أنّه يلزم في آخر الشهر نظير ما لزم في أوّله، و هذا يؤول إلى نقصانه عند قوم، و كونه عند غيرهم على التمام.

و هذا الذي ذكرته كلّه- و قلت: إنّه لازم لهم- صحيح، و نحن نلتزم ذلك، و هو مذهبنا. و أيّ شي‌ء يمنع من اختلاف العبادات لاختلاف أسبابها و شروطها، و أن يلزم بعض المكلّفين من العبادة ما لا يلزم غيره، فتختلف أحوالهم باختلاف أسبابهم؟

و من الذي يدفع هذا و ينكره و الشريعة مبنيّة عليه؟ أ لا ترى أنّ من وجبت عليه بعض الصلوات و يجتهد في جهة القبلة، فغلب في ظنّه بقوّة بعض الأمارات أنّها في جهة مخصوصة، فإنّه تجب عليه الصلاة إلى تلك الجهة.

و إذا اجتهد مكلّف آخر فغلب في ظنّه أنّها في جهة أخرى غير تلك الجهة، فإنّه يجب عليه أن يصلّي إلى تلك الجهة الأخرى و إن خالفت الأولى. فقد اختلف فرض هذين المكلّفين كما ترى، و صار فرض أحدهما أن يصلّي إلى جهة و فرض الآخر أن يصلّي إلى خلافها.

و كذلك لو دخل اثنان في بعض الصلوات و ذكر أحدهما أنّه على غير وضوء، و أنّه أحدث و نقض الوضوء، و الآخر لم يذكر شيئا من ذلك، لكان فرض أحدهما أن يقطع الصلاة و يستأنفها، و فرض الآخر أن يمضي فيها و يستمرّ عليها.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 172‌

و كذلك لو حضر ماء بين يدي محدثين، فغلب في ظنّ أحدهما بأمارة لاحت له نجاسة ذلك الماء، و الآخر لم يغلب في ظنّه نجاسته، لكان فرضاهما مختلفين، و وجب على أحدهما أن يتجنّب ذلك الماء، و على الآخر أن يستعمله.

و كذلك حكم الأوقات عند من غلب في ظنّه دخول بعض الصلوات، فإنّه تجب عليه الصلاة في ذلك الوقت، و من لم يغلب ذلك في ظنّه لا يحلّ له أن يصلّي في ذلك الوقت. و هذا أكثر من أن يحصى، و الشريعة مبنيّة على ذلك.

و كما يجوز أن يكون الوقت وقتا للصلاة عند قوم، و غير وقت لها عند آخرين، و القبلة في جهة عند قوم، و عند آخرين خلاف ذلك، فيختلف الفرض بحسب اختلاف الأسباب، كذلك يجوز أن يكون الشهر ناقصا عند قوم، و تامّا عند آخرين، و إلّا فما الفرق؟

فأمّا قوله: «إنّ في ذلك بطلان التواريخ و فساد الأعياد» فيتبعان الرؤية، و قد يجوز أن يكون عيد قوم غير عيد غيرهم؛ لأنّ ذلك يتبع الأسباب المختلفة.

فأمّا قوله:

و في هذا أنّ المعلوم من حقيقة الشهر عند الله تعالى غير معلوم لسائر العباد، مع عموم التكليف لهم بصومه على الكمال.

فكلام غير متحقّق لما يقوله خصومه في هذا الباب؛ لأنّ المعلوم من حكم الشريعة عند الله تعالى هو المعلوم للعباد من غير اختلاف، و لا زيادة و لا نقصان؛ لأنّ الله تعالى إذا أوجب على من رأى الهلال ليلة الشهر أن يصومه، و يفتتح اليوم الذي رأى الهلال في ليله بالصوم، و يحكم بأنّه في عبادته أوّل الشهر على الحقيقة في حقّه، و أوجب على من لم يره في تلك الليلة، و لا يخبره مخبر برؤيته أن يحكم بأنّه ليس من شهر رمضان، و لا وجب عليه فيه الصيام.

فالمعلوم للّه تعالى هو هذا بعينه، و أنّه تعالى يعلم هذا الذي فصّلناه و فسّرناه، و هو أنّ هذا اليوم- في حقّ من رأى الهلال في ليله- من شهر رمضان، فواجب عليه صومه، و ليس هو من شهر رمضان في حقّ من لم يره، و لا صحّ عنده بالخبر رؤيته، و لا معلوم له يخالف ذلك.

كما قلنا في سائر المسائل الشرعيّة، و في جهة القبلة، و إنّ من غلب في ظنّه أنّها في جهة مخصوصة وجب عليه التوجّه إلى خلاف الجهة الأولى، و اختلف فرض هذين المكلّفين،

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 173‌

و كان معلوم الله تعالى مطابقا لمعلومهما، و غير مخالف لما وجب عليهما و علماه في هذا الباب.

فإن قيل: أ ليس الله تعالى لا بدّ أن يكون عالما بأنّ القبلة في جهة بعينها لا يجوز عليه الاختلاف و إن اختلفت ظنون المتوجّهين، و كذلك لا بدّ أن يكون عالما بطلوع الهلال في ليلة مخصوصة، أو بفقد طلوعه فيها و إن لم يظهر ذلك بعينه للمكلّف، و كيف يكون ما علمه الله تعالى في هذه المواضع مساويا لما يعتقده العبد و يعمله؟

قلنا: لا اعتبار في باب التكليف بجهة الكعبة نفسها، مع فقد المعاينة و بعد الدار، و إنّما الاعتبار الذي يتبعه الحكم إنّما يرجع إلى ظنّ المكلّف و ما يؤدّيه إليه اجتهاده في جهة الكعبة، مع بعد داره عنها.

و تكليفه إنّما يختلف بحسب اختلاف ظنونه، فإذا غلب في ظنّه أنّها في جهة مخصوصة، فتكليفه متعلّق بالتوجّه إلى الجهة بعينها، سواء كانت الكعبة فيها أو لم تكن، و إن كان فرضه بالتوجّه متعلّقا بما يغلب في ظنّه أنّه جهة الكعبة، فتلك الجهة هي قبلته، و المفروض عليه التوجّه إليها، و علم الله متعلّق بهذا بعينه.

و كذلك القول في مكلّف آخر غلب في ظنّه أنّ جهة الكعبة في جهة أخرى، فإنّ الواجب عليه التوجّه إلى تلك الجهة و هي جهة قبلته. و القول في طلوع الهلال و استتاره كالقول في الكعبة، فلا معنى لإعادته.

فأمّا قوله في الفصل:

هو خلاف ما أجمعت عليه الشيعة من الردّ على أصحاب القياس، من بطلان تحليل شي‌ء لقوم و تحريمه على غيرهم من الناس.

فما أجمعت الشيعة على ما ظنّه، و لا يرد من الشيعة على أصحاب القياس بهذا الضرب من الردّ محصّل و لا متأمّل. و قد بيّنّا في كثير من كتبنا و كلامنا كلاما في هذا الموضع، و أنّه لا يمتنع في التكليف أن يحلّل الله تعالى شيئا على قوم و يحرّمه على آخرين، و أنّ هذا لغير متناقض و لا متناف.

و إنّما يعوّل على هذا الضرب من الكلام من يبطل القياس من طريق العقول، و يعتقد أنّ العبادة تستحيل أن ترد به، و قد بيّنّا جواز ورود العبادة بالقياس، و إنّما نحرّمه في الشريعة‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 174‌

و لا نثبت به أحكامها؛ لأنّ العبادة ما وردت به و لا دلّ دليل على صحّته.

فأمّا قوله: «و هو أيضا يضادّ ما يروونه من صوم يوم الشكّ على سبيل الاستظهار» و قد كان ينبغي أن يبيّن و يوضّح موضع التضادّ بين القولين في مذهبنا بالرؤية، و بين ما نستحبّه من صوم يوم الشكّ على سبيل الاستظهار. و ما تعرّض لذلك.

فأمّا قوله:

فالواجب على العبد إذا رأى الهلال أن لا يبادر إلى القطع و الثبات، و أن يتوقّف مجوّزا لورود أخبار البلاد بما يصحّ معه الاعتقاد، و هذا بعيد عن الصواب و أولى بالفساد، و هو مسقط عن كافّة الأمّة اعتقاد أوّل شهر رمضان إلى أن تتّصل بهم أخبار البلاد.

فقد بيّنّا أنّ القسم الصحيح من أقسامه التي قسّمها هو غير هذا القسم، و أوضحناه، و أنّ الواجب على من رأى الهلال أن يعتقد أنّ هذه ليلة أوّل شهر رمضان في حقّه و حقّ من يجري مجراه في رؤيته، و إن جوّز أن يكون رئي في بعض البلاد، و يختلف فرض من رآه تلك الليلة و من لم يره و يخبر عنه، غير أنّه و إن قطع بالرؤية على أنّه أوّل يوم من شهر رمضان، فلا بدّ أن يكون ذلك مشروطا بأن لا يرد الخبر الصحيح بأنّه رئي قبل تلك الليلة. و [إن] كان قد صام بالاتّفاق و على سبيل الشكّ اليوم الذي رآه غيره في ليلة أخرى، أجزأ ذلك عنه، و سقط عنه فرض قضائه، و كان مؤدّيا. و إن لم يتّفق له صوم ذلك اليوم كان عليه قضاء صيامه، و لا إثم عليه و لا حرج.

و أمّا قوله:

كيف السبيل لمن لم ير الهلال إلى العلم بأنّه قد رئي في بعض الجهات، فيبيّت له النيّة في فرض الصيام؟ بل كيف يصنع من رآه إذا اتّصل به أنّه ظهر قبل تلك الليلة للناس؟ و متى هو يستدرك النيّة و الاعتقاد في أمر قد فات؟

فقد بيّنّا كيف السبيل لمن لم يره إلى العلم بأنّه قد رئي في بعض تلك الجهات قبل تلك الليلة، و هو أن يخبره عن ذلك من يثق بعدالته و أمانته، فيبيّت له النيّة، و إذا كان ما فاته صيام ذلك اليوم، فقد بيّنّا ذلك.

فأمّا من رآه في بعض الليالي، و صحّ عنده أنّه ظهر قبل تلك الليلة، و لم يكن صام ذلك اليوم بنيّة النفل، فعليه القضاء على ما بيّنّاه، و ليس عليه من الاستدراك أكثر من أن يصوم يوما و يعتقد أنّه قضاء ذلك اليوم الفائت.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 175‌

و أمّا قوله:

و اعلم أنّ إيجابهم لصوم يوم الشكّ لا يسقط ما لزمهم في هذا الكلام؛ لأنّا سألناهم عن النيّة و الاعتقاد، و ليس يمكنهم القول بأنّ يوم الشكّ من شهر رمضان، و لا يجب على من أفطره ما يجب على من أفطر يوما فرض عليه فيه الصيام، و الشكّ فيه يمنع من النيّة على كلّ حال.

فكلام غير صحيح؛ لأنّا لا نوجب صيام يوم الشكّ، و لا أحد من المسلمين أوجبه، و إنّما نستحبّه، و نرى فيه فضل استظهار للفرض. و إنّما نستجيز صومه بنيّة النفل و التطوّع، فإن اتّفق أن يظهر أنّه من شهر رمضان فقد أجزأ ذلك الصيام، و وقع في موقعه و لا قضاء عليه، و إن لم يتّفق ظهور أنّه من شهر رمضان، كان صائم ذلك اليوم مثابا عليه ثواب النفل و التطوّع.

و قوله:

و ليس يمكنهم القول بأنّ يوم الشكّ من شهر رمضان، و لا يجب على من أفطره ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان.

فبعيد عن الصواب؛ لأنّا لا نوجب صيام يوم الشكّ على ما قدّمنا ذكره، و يوم الشكّ إنّما هو اليوم الذي يجوّز المكلّفون أن يروا الهلال في ليلته، فيحكموا أنّه من شهر رمضان، و يخرج من أن يستحقّ اسم الشكّ عمّا لا يجوّزون. [و] إن لا يروا الهلال في تلك الليلة، و لا يخبرهم عن رؤيته مخبر يقع القطع على أنّه من شعبان و يزول عنه اسم الشكّ أيضا.

و لسنا نقول بأنّ يوم الشكّ يوم من شهر رمضان على الإطلاق، بل على القسمة الصحيحة التي ذكرناها. فأمّا من أفطر يوم الشكّ و لم ير الهلال و لا أخبر عنه، فلا إثم عليه و لا قضاء.

فأمّا إذا رآه في ليلة يوم الشكّ أو أخبر عن رؤيته، فالذي يجب عليه أن يقضي إن كان ما صام ذلك اليوم. و إن كان قد اتّفق له صيامه بنيّة النفل فلا قضاء عليه.

[الكلام في صوم يوم الشكّ]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

و ربما التبس الأمر عليهم في هذا الباب، فظنّوا أنّ صوم يوم الشكّ بغير اعتقاد أنّه من شهر رمضان يغني عن الاعتقاد إذا كان منه، و يجري مجرى بقيّة الأيّام؛ قياسا على المسجون إذا كان قد صام شهرا على الكمال فصادف ذلك شهر رمضان على الاتّفاق من‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 176‌

غير علم بذلك، و أنّه يجزئه عن الفرض عليه من صومه في شريعة الإسلام و إن لم يقدّم النيّة و الاعتقاد، و الفرق واضح بين الصومين بلا ارتياب.

و ذلك أنّ أفعال الاضطرار لا تقاس عليها أمور التمكّن و الاختيار، و معلوم تباين الممنوع و المطلق، و من يتمكّن من السؤال و ارتقاب الهلال و من لا يقدر، و ما هما إلّا كالعاجز و القادر، فالمماثلة فيما هذا سبيله باطلة، و القياس فاسد.

يقال له: أوّل ما نقوله لك: إنّك حكيت عنّا أنّا نقيس من خفي عليه الهلال ليلة يوم الشكّ- فلم يره و لم يخبر عن رؤيته، فصامه بنيّة النفل ثمّ ظهر بالخبر أنّه رئي و أنّه من شهر رمضان، في أنّه يجزئ عنه صيامه، و إن لم يصحّ بنيّة الفرض، و لا يجب عليه القضاء- على المسجون.

و نحن لا نقيس هذا على ذاك، و لا نرى القياس في الأحكام، و إنّما سوّينا بينهما في صحّة الصيام و إجزائه، و أنّه لا قضاء فيه عليه بدليل يوجب العلم، و لو لم يكن في ذلك إلّا إجماع الفرقة المحقّة من الشيعة عليه، و إجماعهم حجّة؛ لدخول المعصوم عليه السلام فيه.

فأمّا قوله: «إنّ حال الضرورة لا تقاس على الاختيار».

فقد بيّنّا أنّا لا نقيس حالا على أخرى، على أنّه إن رضي لنفسه بهذا القدر من الفرق، فالحالان متساويتان في الضرورة و نفي الاختيار؛ لأنّ المسجون كما لا قدرة له و لا سبيل إلى أن يعلم تعيّن شهر رمضان؛ لأنّه لا يتمكّن من رؤية الهلال و لا من سؤال غيره، فكذلك من غمّ عليه الهلال ليلة يوم الشكّ، فلم يره و لا خبر برؤيته و لا سبيل له إلى العلم بأنّه ذلك اليوم من شهر رمضان، فهو أيضا كالمضطرّ الذي لا قدرة له على العلم بأنّ ذلك اليوم من شهر رمضان، فجرى مجرى المسجون في سقوط الفرض عنه.

[ما استدلّ به الخصم على العدد و الجواب عنه]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

فإن تجاسر أحدهم على ادّعاء المماثلة بينهما في الاضطرار، أتى بالفظيع من الكلام، و أدخل سائر الأمّة في حكم الاضطرار، و فتح على نفسه بابا من الإلزام في تكليف ما لا يطاق؛ لأنّه لا فرق بين أن يكلّف الله العباد صوم شهر رمضان على الكمال، و لا يجعل لهم على معرفة أوّله دليلا إلّا دليل شكّ و ارتياب، يلتجئ معه المكلّفون إلى أحكام الاضطرار، و بين أن يفرض عليهم أمرا و يعدمهم ما يتوصّلون به إليه على كلّ حال، حتّى‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 177‌

يدخلهم ذلك في حيّز الإجبار، و هذا ما ينكره معتقدوا العدل من كافّة الناس.

ثمّ قال:

و يقال لهم: فإذا كان الله تعالى قد بعث رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليبيّن للناس فما وجه للبيان في دليل فرض يعترضه اللبس؟ و أين موضع الإشكال إلّا في عبادة افتتاحها الشكّ؟

يقال له: ما الفظيع من الكلام و الشنيع من المذهب إلّا ما عوّلت عليه في هذا الفصل؛ لأنّك ظننت أنّ خصومك يقولون: إنّ الله تعالى فرض صوم الشكّ على من لم يدلّه عليه و لم يرشده إلى طريق العلم به، و ألزمت على ذلك تكليفه ما لا يطاق، و هذا ما لا يقوله من الخصوم و لا من غيرهم محصّل.

و صوم أوّل يوم من شهر رمضان لا يجب إلّا على من دلّه اللّه عليه، إمّا برؤيته نفسه الهلال، أو بأن يخبره عنه من يجب عليه الرجوع إلى قوله، فأمّا من عدم رؤيته فصوم ذلك اليوم ليس من فرضه و لا عبادته.

و هذا الذي لا يطيق معرفة كون هذا اليوم من شهر رمضان ما توجّه إليه قطّ تكليف صومه.

و يلزم على هذا كلّ المسائل التي ذكرناها فيما تقدّم في القبلة و الصلاة و الأحداث، حتّى يقال له: كيف يكلّف الله تعالى مكلّفا التوجّه إلى الكعبة بعينها، و لا ينصب له دليلا عليها يعلم به أنّه متوجّه إلى جهتها؛ لأنّه إذا كان بعيدا عنها فإنّما يتوجّه إلى حيث يظنّ أنّه جهة الكعبة من غير تحقيق و لا قطع، و هل هذا إلّا تكليف ما لا يطاق؟ و كذلك القول في سائر المسائل التي أشرنا إلى بعضها، و هي كثيرة.

و أمّا الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقد بيّن لنا هذه المواضع بما لا يعترضه لبس و لا يدخله شكّ، و من تأمّل ما فصّلناه و قسّمناه علم أنّه لا لبس و لا إشكال في هذه العبادة.

[الاستدلال بخبر «يوم صومكم يوم نحركم» و الجواب عنه]

قال صاحب الكتاب:

مسألة أخرى عليهم: يقال لهم: قد رويتم أنّ «يوم صومكم يوم نحركم» «1» فما الحاجة إلى ذلك و على الرؤية معوّلكم؟ بل كيف يصحّ ما ذكرتموه على أصل معتقدكم؟ لما تجيزونه‌

______________________________
(1). إقبال الأعمال، ج 1، ص 60.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 178‌

من تتابع ثلاثة شهور ناقصة و توالي ثلاثة أخرى تامّة؟ و كيف يوافق مع ذلك أوّل يوم من شهر رمضان ليوم العاشر من ذي الحجّة أبدا من غير اختلاف؟

فهل يصحّ هذا إلّا من طريق أصحاب العدد؛ لقولهم بتمام شهر رمضان و نقصان شوال، و إنّ شهر ذي القعدة تامّ كشهر رمضان، فيكون يوم الصوم أبدا موافقا ليوم النحر على اتّساق و نظام.

فما تصنعون في هذا الخبر مع اشتهاره؟ أ تقبلونه و إن خالف ما أنتم عليه في أصل الاعتقاد؟ أو تلتجئون فيه إلى الدفع و الإنكار.

يقال له: أمّا هذا الخبر فغير وارد مورد الحجّة؛ لأنّه خبر غير مقطوع عليه و لا معلوم، و قد بيّنّا أنّ أخبار الآحاد لا يجب العمل بها في الشريعة، و من اعتمد عليها- و هي على هذه الصفة- فقد عوّل على سراب بقيعة. و ليس يجب علينا أن نتأوّل خبرا لا نقطع به و لا نعلم صحّته.

و قد يجوز على سبيل التسهيل ما عوّل عليه بعض أصحابنا في تأويل هذا الخبر- و إن لم يكن ذلك واجبا- أنّ المراد به سنة بعينها اتّفق فيها أنّ أوّل الصوم كان موافقا للنحر، فحمل على الخصوص دون العموم؛ لأنّه لا يصحّ فيه العموم، و الشهادة الاستقراء بخلافه.

و يمكن أيضا في تأويل الخبر وجه آخر، و هو: أن يكون المراد به أنّ يوم الصوم يجري في وجوب الأحكام المشروعة و لزومها مجرى يوم النحر في الأحكام المتعلّقة به، و المراد بذلك تحقيق المماثلة و المساواة، كما يقول القائل: صلاتكم مثل صومكم، أو يقول: صلاة العصر هي صلاة الغداة. و ما يريد الأعمّ، و يريد المماثلة و المساواة في الأحكام، و هذا بيّن.

[مناقشة الخصم في آية الأهلّة و الجواب عنها]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

مسألة أخرى لهم و جوابها.

ثمّ قال:

و سألوا عن قول الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ «1».

______________________________
(1). البقرة (2): 189.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 179‌

و أجمع الكافّة على أنّها شهور قمريّة، قالوا: فما الذي أجاز لكم الاعتبار بغير القمر؟ و هل انصرافكم إلى العدد إلّا خلاف الإجماع؟

ثمّ قال:

الجواب: يقال لهم: ما ورد به النصّ و تقرّر عليه الإجماع، فهو مسلّم على كلّ حال، لكن وجود الاتّفاق على أنّ الأهلّة ميقات لا يحيل الاختلاف فيما يعرف به الميقات.

و حصول الموافقة على أنّها شهور قمريّة لا تضادّ الممانعة في الاستدلال عليها بالرؤية؛ إذ ليس من شرط المواقيت اختصاص العلم من جهة مشاهدتها، و لا لأنّ الشهور العربيّة قمريّة وجب الاستدلال على أوائلها برؤية أهلّتها. و لو كان ذلك واجبا لدلّت العقول عليه و شهدت بقبح الاختلاف فيه.

و بعد، فلا يخلو الطريق إلى معرفة هذا الميقات من أن تكون المشاهدة له و العيان، أو العدد الدالّ عليه، و الحساب.

و محال أن تكون الرؤية هي أولى بالاستدلال؛ لما يقع فيها من الاختلاف و الشكّ، و ذلك أنّ رؤية الهلال لو كانت تفيد معرفة له من الليالي و الأيّام، لما يختلف فيه عند رؤيته اثنان.

و في إمكان وجود الاختلاف في حال ظهوره دلالة على أنّ الرؤية لا يصحّ بها الاستدلال، و أنّ العدد هو الدالّ على الميقات؛ لسلامته ممّا يلحق الرؤية من الاختلاف.

يقال له: هذه الآية التي ذكرتها دليل واضح على صحّة القول بالرؤية و بطلان العدد، و قد بيّنّا في صدر كتابنا هذا كيفيّة الاستدلال بها، و أنّ تعليق المواقيت بالأهلّة دليل على أنّها لا تتعلّق بالعدد و لا بغير الأهلّة.

و قوله: «إنّ وجود الاتّفاق على أنّ الأهلّة ميقات لا يحيل الاختلاف فيما يعرف به الميقات» ليس بالصحيح؛ لأنّ المواقيت إذا وقفت على الأهلّة فمعلوم أنّ الهلال لا طريق إلى معرفته و طلوعه أو عدم طلوعه إلّا الرؤية في النفي و الإثبات، فيعلم من رأى طلوعه بالمشاهدة، أو بالخبر المبنيّ على المشاهدة، و يعلم أنّه ما طلع بفقد المشاهدة و فقد الخبر عنها.

و لا يخفى على محصّل أنّ إثبات الأهلّة في طلوع أو أفول مبنيّ على المشاهدات، و وصف الشهور العربيّة بأنّها قمريّة يمنع من أن تكون عدديّة؛ لأنّه لو كان الطريق إلى إثبات الشهور العدد لا رؤية الأهلّة لأضيف إلى العدد لا إلى القمر، و كيف تكون قمريّة و لا اعتبار‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 180‌

بالقمر فيها و لا له حظّ في تمييزها و تعيينها؟

فأمّا قوله: «و محال أن تكون الرؤية هي أولى بالاستدلال؛ لما يقع فيها من الشكّ و الاختلاف» فقد بيّنّا أنّه لا شكّ في ذلك و لا إشكال، و أنّ التكليف صحيح مع القول بالرؤية، غير مشتبه و لا متناقض، و أنّ من ظنّ خلاف ذلك فهو قليل التأمّل. و فيما ذكرناه كفاية.

[الاستدلال بخبر: «صوموا لرؤيته» على العدد و الجواب عنه]

و قال صاحب الكتاب:

مسألة أخرى: و سألوا أيضا عن الخبر المرويّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين» «1». قالوا: فما تصنعون في هذا الخبر و قد استفاض بين الأمّة و اشتهر؟

ثمّ قال:

قيل لهم: لعمري إنّه خبر ذائع لا يختلف في صحّته اثنان، و مذهبنا فيه ما قال الصادق عليه السلام: «إنّ الناس كانوا يصومون بصيام رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يفطرون بإفطاره، فلمّا أراد مفارقتهم في بعض الغزوات قالوا: يا رسول الله، كنّا نصوم بصيامك و نفطر بإفطارك، و ها أنت ذاهب لوجهك، فما نصنع؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يوما». فخصّ بهذا القول لهم تلك السنة جوابا عن سؤالهم، فاستعمله الناس على سبيل الغلط في سائر الأعوام. و لذلك أظهر الله تعالى لهم الهلال في يوم السرار «2» بخلاف ما جرت به العادات، و لو لم يدلّ على تخصيص هذا الخبر إلّا ما قدّمناه من دلائل القرآن و الآثار [لكفى]، و إذا كان خاصّا فاستعماله على العموم غير صواب.

يقال له: إذا كان قوله عليه السلام: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته» عامّا في الظاهر، فلا يقبل قول من خصّصه و عدل به إلى أنّه في سنة واحدة إلّا بدليل قاهر، و لا دليل على تخصيص هذا الخبر و لا حجّة.

______________________________
(1). سنن البيهقي (السنن الكبرى)، ج 4، ص 206.

(2). «سرار الشهر: آخر ليلة فيه» (المعجم الوسيط، ص 426، «س ر ر»).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 181‌

و بعد، فكيف يعلّق الصيام في سنة واحدة- إذا سلّمنا التخصيص- بالرؤية؟ فنقول: صوموا لأجل رؤيته، و أنّ الرؤية علّة في الصوم موجبة له.

و على مذهب أصحاب العدد أنّ الرؤية لا حظّ لها في الصوم و لا تؤثّر في وجوبه؛ فإنّ العدد هو الموجب للصوم. فإن اتّفق ما قاله صاحب الكتاب أن يظهر الله تعالى لهم الهلال، فعلى هذا التخريج و التعليل لم يجب الصوم لأجل الرؤية، بل وجب لأجل العدد.

أ لا ترى أنّه لو فقدت الرؤية هاهنا لوجب الصوم بالعدد، و لم يؤثّر فقد الرؤية في انتفاء وجوب الصيام. و لو فقد العدد و ثبتت الرؤية لما وجب الصوم، فعلم أنّ العدد هو المؤثّر دون الرؤية.

و ظاهر الخبر يقتضي أنّ الرؤية مؤثّرة في الصوم، فقد بان أنّه لا منفعة لهم في تخصيص الخبر أيضا.

و أمّا قوله عليه السلام: «و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين» فهو يدلّ على أنّ العدد لا يصار إليه إلّا بعد اعتبار الرؤية و فقدها، فمن جعله أصلا يرجع إليه من غير اعتبار بفقد الرؤية فقد خالف ظاهر الخبر.

و قوله عليه السلام: «و أفطروا لرؤيته» يدلّ أيضا على أنّه يجب الإفطار إذا رأيناه و إن كنّا قد صمنا تسعة و عشرين يوما و لم يبلغ الثلاثين؛ لأنّه لو كان ورد: «و أفطروا لرؤيته إذا بلغ ثلاثين» لما كان لقوله: «فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين» معنى، و إنّما يصحّ الكلام إذا كان معناه: و أفطروا لرؤيته على النقصان، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين للتمام.

قال صاحب الكتاب:

على أنّ من أصحابنا من استدلّ بهذا الخبر بعينه على صحّة العدد. فقال: إنّه لمّا أمرهم بالصوم و الإفطار لرؤية الهلال في تلك السنة، أبان لهم- بجواز الإغماء عليه و دخول اللبس فيه- ما يستدلّ به على أنّ الرؤية ليست بأصل يطّرد استعماله في سائر السنين.

و إنّما خصّهم بها في تلك السنة؛ للعجز من ظهور الهلال يوم السرار لهم، و لما يعلم الله تعالى في ذلك الوقت من مصلحتهم، فقال لهم: «فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين». فلمّا شهد بالإغماء أمر بالرجوع عند ذلك إلى العدد، [ف‍] علمنا أنّ العدد هو الأصل الذي لا يعترضه الإغماء و لا اللبس، و أنّه لو لم يكن أصلا لجاز الإغماء و الإشكال عليه، و لكان اللبس و الاختلاف يجوزان فيه. و هذا وجه صحيح يقنع العارف المنصف، و الحمد للّه تعالى.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 182‌

يقال له: هذا الذي ذكرته طعن على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و شهادة بأنّه عوّل بأمّته في عبادة الصوم على ما لا تأثير له و لا طائل فيه؛ لأنّ الرؤية إذا كان لا اعتبار بها في الصوم و لا حظّ لها في الدلالة على دخول شهر رمضان و خروجه، فلا معنى لقوله: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته» و قد كان يجب أن يقول: صوموا بالعدد و أفطروا بالعدد. و لا يجعل العدد مصارا إليه عند الغمّة و امتناع الرؤية.

و كيف يصحّ أن يقول قائل: علمنا أنّ العدد هو الأصل؟ و قد جعله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في هذا الخبر فرعا، و أحال عليه عند تعذّر الرؤية، و هو على الحقيقة فرع و الأصل غيره. و هذا واضح.

قال صاحب الكتاب:

و قد ظنّ قوم من أهل الخلاف أنّ ما تضمّنه هذا الخبر من الرجوع إلى العدد عند وجود الالتباس يجري مجرى التيمّم بالتراب عند عدم الماء لاضطرار. قالوا: «فكما أنّه ليس التيمّم أصلا للوضوء، فكذلك ليس العدد أصلا للرؤية».

ثمّ قال:

و هذا قياس بعيد، و جمع بين أشياء هي أولى بالتفريق، و ذلك أنّ الوضوء، و التيمّم- الذي هو بدل منه عند الضرورة- عبادة يستباح بفعلهما أداء فرض آخر لا يعرف بهما وقت وجوبه، و لا يدلّان على أوّله و آخره.

و الرؤية و العدد قد وردا في هذا الخبر مورد العلامة، و قاما مقام الدلالة التي يجب بهما التديّن و يلزم الاعتقاد، و لذلك جاز موافقة العدد للرؤية في بعض السنين، و لم يجز الجمع بين الوضوء و التيمّم على قول سائر المسلمين.

يقال له: لا شبهة على محصّل في أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علّق الصوم بالرؤية تعليقا يوجب ظاهره أنّها سبب فيه، و علامة على دخول وقته، فقال: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته».

فعلّق الإفطار أيضا بالرؤية، كما علّق الصوم بها، و هذا يقتضي أنّ الصوم و الإفطار متعلّقان بالرؤية و لا سبب فيهما غيرها؛ لأنّه لو كان لهما سبب غير الرؤية من عدد أو غيره لعلّقهما به.

ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين». فأمر بالرجوع إلى العدد عند عدم الرؤية، و أنّه لا حكم للعدد إلّا بعد انتفاء الرؤية، و لا يجب المصير إليه إلّا عند امتناعها.

و أصحاب العدد عكسوا ذلك، فقالوا: إنّ الصوم بالعدد و الإفطار بالعدد، لا حظّ للرؤية في شي‌ء منهما. و لا يمتنع أن يقال: إنّ المصير إلى العدد عند فقد الرؤية يجري مجرى‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 183‌

استعمال التراب عند فقد الماء.

فأمّا تعاطيه الفرق بين الرؤية و العدد، و بين الماء و التراب، بأنّ الوضوء و التيمّم عبادتان يستباح بفعلهما أداء فرض آخر لا يعرف بهما وقت وجوبه، و لا يدلّان على أوّله و آخره، و أنّ الرؤية و العدد في هذا الخبر قد وردا مورد العلامة، و قاما مقام الدلالة، فممّا لا يغني شيئا؛ لأنّه لا فرق من حيث الجمع بين الموضعين؛ لأنّ التراب لا حكم له مع وجود الماء، و إنّما يجب استعماله عند فقد الماء، فجرى مجرى العدد الذي لا حكم له في الرؤية و إمكانها، و إنّما استعمل العدد مع فقد الرؤية.

[قال صاحب الكتاب:]

فأيّ وجوب للرجوع فيما التبس ظاهره من الآيات المتشابهات إلى أدلّة العقول؟ فإن جاز أن نقول: إنّ العدد ليس بأصل للرؤية، و إنّما هو بدل منها ألجأت إليه الحاجة، كالتيمّم الذي ليس بأصل للطهارة، و إنّما هو بدل منها في حال الضرورة، جاز للآخر أن يقول مثل ذلك في الرجوع إلى القرآن عند التباس الأخبار و الاعتماد على أدلّة العقول في متشابه القرآن، فلمّا كان هذا لا يجوز بإجماع، كان العدد و الرؤية مثله.

يقال له: إن كان هذا الذي ظننته صحيحا في الرؤية و العدد، و إنّما يشبهان ما ذكرته من أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالرجوع إلى الكتاب فيما التبس من الأخبار و عرضها عليه، و فيما التبس من الآيات و الرجوع فيها إلى أدلّة العقول، فيجب أن نقول مثله في الوضوء بالماء و التيمّم بالتراب، و إنّ أمره لنا بالرجوع إلى التراب عند عدم الماء دلالة على أنّ التيمّم هو الأصل، كما قلته في الكتاب و الأخبار؛ لأنّ الصوم في قوله: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين» كالصورة [كذا] في قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* «1».

فكلّ شي‌ء تعتمده في أنّه لا شبهة «2» بين الوضوء و التيمّم، و بين الرجوع إلى الكتاب و عرض الأخبار عليه، فهو بعينه يفرق بين الرؤية و العدد، و عرض الأخبار على الكتاب.

و بعد، فإنّ ما أمرنا به من الصوم للرؤية و الإفطار لها من المصير إلى فائدة في أن نفرّق بين الأمرين، بأن نقول: إنّ الوضوء و التيمّم يستباح بفعلهما أداء فرض آخر لا يعرف بهما وقت‌

______________________________
(1). النساء (4): 43.

(2). «فيه شبهة منه، أي شبه» (لسان العرب، ج 13، ص 504، «ش ب ه‍»).

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 184‌

وجوبه، و هل هذا إلّا كمن فرّق بينهما؟ إنّ هذا وضوء و تلك رؤية، و هذا تيمّم و ذاك عدد.

و من الذي يقول: إنّ الموضعين يتشابهان في كلّ الأحكام حتّى يفرّق بينهما بأنّ صفة الوضوء و التيمّم ليست للعدد و الرؤية؟

فأمّا قوله: «إنّ الرؤية و العدد يتّفقان، و لا يتّفق وجود الوضوء و التيمّم في موضع من المواضع» فغلط؛ لأنّ الرؤية و العدد لا يتّفق حكمهما و تأثيرهما على الاجتماع عند أحد؛ لأنّ مذهبنا أنّه إذا رأى الهلال ليلة الثلاثين وجب عليه الإفطار و لا حكم للعدد، و إذا لم ير يكمل العدّة ثلاثين، و الحكم هاهنا للعدد و لا تأثير للرؤية، فكيف يجتمعان على ما ظنّه؟

و أمّا على مذهب أصحاب العدد، فإن اتّفق على ما ادّعاه أن يوافق العدد للرؤية فلا حكم هاهنا عندهم للرؤية البتّة، و إنّما الحكم للعدد، فما اتّفق قطّ على مذهب اجتماع الرؤية و العدد مؤثّرين و معتبرين.

[مخالفة أخبار الرؤية للكتاب و الجواب عنه]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

فصل: و اعلم أنّه لا شي‌ء أشبه بالعدد و الرؤية المذكورين في هذا الخبر من الاستدلال في أحكام الشرع بالقرآن و الأثر، و ذلك أنّ الرسول عليه السلام أمرنا بالرجوع إلى الكتاب عند التباس الأخبار، و قال: «ستكثر عليّ الكذّابة من بعدي، فما ورد عنّي من خبر فاعرضوه على الكتاب». و كذلك وجوب الرجوع الذي قد تقدّم، و كذلك إذا تعذّرت الرؤية، و أمرنا بالوضوء بالماء، و إذا فقدنا الماء فالتيمّم بالتراب، من عرض الأخبار على الكتاب، و الأخذ بما يوافقه دون ما يخالفه.

و الجواب أن يقال له: ليس في هذا الموضوع الذي هو الأمر بعرض الأخبار تنزيل أمرنا به، فنصير إلى حالة بعد حالة و اعتبار أمر من الأمور، بشرط إمكانه إذا تعذّر بالرجوع إلى غيره، و إنّما أمرنا بعرض الأخبار على الكتاب؛ لأنّ الكتاب أصل و دليل على كلّ حال، و حجّة في كلّ موضع، و الأخبار ليست كذلك، فعرضنا ما لم نعلم صحّته منها على الكتاب الذي هو الدليل و الحجّة على كلّ حال و في كلّ وقت.

و كذلك العقول دلالة على جميع الأحوال غير محتملة، فرددنا كلّ مشتبه من آيات و غيرها إلى أدلّة العقول؛ لأنّها أصل، فما هاهنا انتقال من منزلة إلى أخرى، و لا أحوال مرتّبة بعضها‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 185‌

على بعض، كالوضوء و التيمّم، و الرؤية و العدد؛ لأنّ العدد مرتّب على الرؤية، و حكم الصيام تعلّق بالرؤية، و حكم الإفطار أيضا تعلّق بالرؤية، و إنّما أمرنا بالمصير إلى العدد عند فوت الرؤية، و هذه أحكام- كما ترى- مرتّبة بعضها على بعض، و كذلك القول في الوضوء و التيمّم.

و ليس من هذا شي‌ء في عرض الأخبار على الكتاب و الأخذ بما يوافق منها، و لا الرجوع إلى العقول في المتشابه، فمن خلط بين الأمرين فهو قليل التأمّل.

[ردّ كلام القائل بالعدد في خبر «صوموا لرؤيته»]

قال صاحب الكتاب:

فإن قال قائل: إنّا نراكم قد أقررتم بأنّ رؤية الأهلّة دلالة على أوائل الشهور، و إن كان العدد عندكم هو الأصل، و قد نفيتم- قبل ذلك- الاستدلال بها و عدلتم عن العدد، و هل هذا إلّا مناقضة منكم لا يخفى ظهورها؟

ثمّ قال:

قيل له: ليس يلزمنا مناقضة على ما ظننت، و على العدد نعوّل في أوائل الشهور و نستدلّ، و قد ذكرنا بعض أدلّتنا عليه فيما سلف. و لمّا سألنا عن قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين» أخبرنا بمذهبنا فيه، و أعلمنا السائل أنّه خاصّ لسنة واحدة أمر الناس فيها رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالاستدلال على أنّ أوّل الشهر بالرؤية، و أوجب عليهم الرجوع إن عرض لهم الإغماء إلى العدد؛ ليعلمهم أنّه الأصل الذي لا يعترضه اللبس، فالرؤية قد كانت دليلا لتلك السنة، و كان في الاستدلال فيها على هذا الوجه.

و ليس يلزمنا أن يكون دليلا في كلّ شهر؛ لما روي عن الصادق عليه السلام في تخصيص الخبر.

يقال له: قد بيّنّا الكلام عليك في تأويل ما روي عنه عليه السلام: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته» و أنّ الذي خرّجته فيه من الخصوص لسنة واحدة تخريج باطل لا حظّ له من الصواب، فلا معنى لإعادته.

و إذا كانت الرؤية ليست بدليل على أوائل الشهور أو أواخرها على ما خرّجته في الأوقات على الاستمرار، فلا يجوز أن يكون دليلا في بعض السنين حسب ما ادّعيته و خرّجته؛ لأنّ الدليل لا يكون في بعض المواضع دليلا و في بعض غير دالّ؛ و لأنّ الرؤية في‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 186‌

تلك السنة التي ادّعيت فيها موافقتها للعدد لم تكن دليلا في نفسها و مؤثّرة لما يرجع إليها، و إنّما المؤثّر عندكم العدد، و إنّما طابق العدد للرؤية على سبيل الاتّفاق.

فأمّا قولك في أثناء كلامك: «إن عرض لهم الإغماء» فمصدر «أغمي على المريض إغماء»، و ليس بمصدر لقولهم: «غمّ الهلال» إذا خفي و استتر، و إنّما مصدره «غمّ غمّا» «1»، و هذا و إن كان خارجا عمّا نحن فيه، فلا بدّ من بيان الصواب فيه من الخطإ.

[مناقشة القائلين بالعدد في استدلال الرؤية و الجواب عنها]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

وجه آخر: و هو أنّ من أصحابنا من يستدلّ برؤية الهلال في كلّ شهر، فيقول: إنّ اليوم الذي يظهر في آخره هو أوّل المستهلّ بموافقته للعدد، فمتى رأى الاختلاف عاد إلى العدد الذي هو الأصل.

و منهم من يستدلّ بالرؤية من وجه آخر، و هو أن يرقب ظهور الهلال له في المشرق و قبل طلوع الشمس، يفعل ذلك يوما بعد يوم من آخر الشهر إلى أن يخفى عنه آخره من الشمس فلا يظهر، فيعلم حينئذ أنّه آخر يوم في الشهر الماضي، و هو يوم السرار، و اليوم الذي يليه أوّل المستهلّ، فيستدلّ بذلك ما لم يخالف العدد، فإذا خالفه أو اعترض له لبس عاد؛ مستمسكا بالأصل. و هذه فصول مستمرّة، و الحمد للّه.

يقال له: أمّا ما قدّمته في هذا الفصل فهو غلط فاحش؛ لأنّك ادّعيت أنّ اليوم الذي يظهر في آخره الهلال هو أوّل يوم المستهلّ، ثمّ قلت بشرط موافقته للعدد، فإن وقع اختلاف وجب الرجوع إلى العدد.

فأيّ فائدة في أن يعلم المكلّف إذا رأى الهلال في آخر يوم أنّ ذلك اليوم مستهلّ الشهر و قد فات و انقضى، و لا يتمكّن من صيامه و لا أداء العبادة فيه؟ و إنّما أمارة الشهر و دخوله تجب أن تكون متقدّمة ليعلم بها الشهر، فيؤدّى الفرض فيه، فأمّا أن تكون متأخّرة و قد فات الصوم فيه، فغير صحيح.

و قوله: «بشرط موافقته للعدد» يسقط أن يكون برؤية الأهلّة اعتبارا و تكون دليلا في‌

______________________________
(1). انظر المعجم الوسيط، ص 663- 664، «غ م م».

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 187‌

نفسها؛ لأنّه إذا شرط أن توافق الرؤية العدد فلا حظّ للرؤية هاهنا، و لا حكم تؤثّر فيه، و إنّما التأثير للعدد دونها، فلا معنى لقوله: «إنّا نستدلّ بالرؤية على بعض الوجوه».

و قوله: «و من أصحابنا من يستدلّ بالرؤية من وجه آخر»- إلى آخر الفصل- غير صحيح؛ لأنّه إذا رقب ظهور الهلال في المشرق إلى آخر الشهر فخفي عنه؛ لقربه من الشمس، على أنّه آخر يوم من الشهر الماضي، فيعلم أنّه اليوم الذي أوّل المستهلّ.

فهذا الترتيب الذي رتّبه من أين له صحّته؟ و أيّ دليل قام عليه؟ فما رأينا أحدا من المسلمين راعى في رؤية الهلال هذا الذي ادّعاه من مراعاة عند طلوع الشمس، و لا رأيناهم يراعون الأهلّة إلّا في أواخر الأيّام و غياب الشمس، و لا يبرزون إلى الأماكن المصحرة إلّا في أواخر النهار و عند مغيب الشمس، و ما رأيناهم قطّ اجتمعوا قبل طلوع الشمس، و لا راعوا طلوعه في هذا الوقت أو خفاءه.

على أنّه قد نقض الكلام كلّه بقوله: «يستدلّ بذلك ما لم يخالف العدد، فإذا خالفه كان مستمسكا بالأصل»؛ لأنّه إذا كان الأمر على ما ذكره فالعدد هو الدليل و هو المؤثّر، و قد تقدّم هذا؛ لأنّ ظهور الهلال أو خفاءه في الوقت الذي ذكره إذا كان يصدق و يكذب. و إنّما يعوّل عليه إذا وافق العدد، و إذا خالفه اطّرح، فالعدد إذن هو المؤثّر، و به الاعتبار دون غيره، و لا تأثير لرؤية الهلال.

فمن ادّعى أنّ الرؤية مؤثّرة، فقد استعار هربا من الشناعة و الخلاف، و إشفاقا لما روي من قوله: «صوموا لرؤيته، و أفطروا لرؤيته» ما لا يصحّ له، و لا يستقيم على مذهبه.

[حول خبر: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب سائر الشهور»]

قال صاحب الكتاب:

مسألة أخرى:

ثمّ قال:

و سألوا عن الخبر المرويّ عن الصادق عليه السلام إنّه قال: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب سائر الشهور من الزيادة و النقصان» «1».

______________________________
(1). تهذيب الأحكام، ج 4، ص 157، ح 435.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 188‌

ثمّ قال:

و يقال لهم: هذا الخبر إن كان منقولا على الحقيقة فيحتمل أن يكون من أخبار التقيّة، دفع به الصادق عليه السلام عن نفسه و شيعته ما خشيه من العوام و سلطان الزمان من الأذيّة.

فإن قالوا: كيف تجوز التقيّة بقول يضادّ أصل المذهب، و ليس له معنى يخرج به عن حدّ الكذب؟

قيل لهم: بل يحتمل معنى يضمره الإمام يوافق الصواب، و هو أن يقصد زيادة النهار و نقصانه في الساعات، فيكون شهر رمضان مرّة في الصيف خمس عشرة ساعة، و يصير مرّة أخرى في الشتاء تسع ساعات، فقد لحقه ما لحق سائر الشهور من الزيادة و النقصان باختلاف الساعات لا في عدد الأيّام.

يقال له: هذا الخبر من أخبار الآحاد، و أخبار الآحاد عندنا لا توجب علما و لا عملا، و لا يصحّ الاستدلال بها على حكم من الأحكام، و قد بيّنّا هذا فيما تقدّم. و لو وفّقت أيّها المتكلّم لدفعت الاحتجاج عليك بهذا الخبر بأنّه لا يوجب العلم، و لكفيت بذلك.

و أمّا قوله: «إنّه من أخبار التقيّة» فدعوى بلا برهان، و ظاهر هذه الأخبار تقتضي أنّها على السلامة و عدم الخوف، فمن ادّعى خلاف ذلك فعليه الدليل.

و أمّا السؤال الذي سألت نفسك عنه، ثمّ أجبت عنه، فما يسأل عن مثله محصّل من مخالفيك؛ لأنّه يجوز أن يريد الإمام عليه السلام بقوله: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب سائر الشهور من الزيادة و النقصان» إذا كان شيعيّا خائفا على ما ادّعيت أنّ هذا يلحقه على مذهب هذه الطائفة التي لا ترى العدد. كما قال الله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ «1». أي عند قومك و أصحابك، فلا يحتاج في ذلك إلى ما تأوّلته من زيادة الساعات و نقصانها.

[كيفيّة الحجّ على القول بالعدد]

ثمّ قال صاحب الكتاب:

مسألة لهم أيضا: و سألوا عن حجّ الناس في وقتنا هذا على الرؤية، فقالوا: ما يصنع أحدكم في حجّه- و أنتم على العدد- و هو لا يقدر أن ينسك مناسكه على الرؤية؟

______________________________
(1). الدخان (44): 49.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 189‌

ثمّ أجاب، فقال:

هذا سؤال عمّا يفعله، و ليس فيه دلالة على صحّة الرؤية و بطلان ما نعتقده؛ لأنّه قد كان من الجائز الممكن أن يلي الحرمين سلطان عدديّ، فيأخذ الناس برأيه، و يحجّ بهم على مذهبه، فتكون الحال بخلاف ما هي عليه الآن.

و معلوم أنّ ذلك لا يكون دلالة على ما نذهب إليه من العدد، و كذلك حجّ الناس اليوم على الرؤية، و لا تصحّ به الدلالة. و الذي نعمله إنّا نقف مع الناس الموقفين، و نفعل المناسك التي هي أصل الحجّ، و لا يجب أن يكون ما نفعله من الحجّ على الإفراد بعد فوت المتعة كلّه صحيحا واقعا موقعه من المناسك.

و ليس كذلك ما يقوله أصحاب العدد؛ لأنّه من يقف على مذهبهم في يوم عرفات في غير يوم الموقف فكأنّه ما وقف، و يأتي منى في غير اليوم الذي يجب إتيانها فيه فكأنّه ما أتاها، و إذا وقعت منه المناسك في غير أوقاتها- لمخالفتها العدد الذي هو المعتبر- فكأنّه ما صنع شيئا، فلا حجّ له.

فأمّا قوله: «إنّا نقف مع الناس و نتابعهم للضرورة» فليس بشي‌ء يعتمد؛ لأنّ السؤال عليه أن يقال له: و لم تكلّف الخروج إلى الحجّ و أنت تعلم أنّك لا تتمكّن منه، و لا تقدر على أن تؤدّي أفعال الحجّ في أوقاتها، و أنّك تصدّ عنها و تمنع؟ و هل ذلك إلّا عبث؟

فإن قلت: قد كان من الجائز أن يلي الحرمين سلطان عدديّ، فنتمكّن به من أداء الحجّ على واجبه و حقّه.

قيل لك: فينبغي- إذا لم يقع هذا الجائز الذي تتمكّن به من شرائط الحجّ- أن تتوقّف على تكلّفه و الخروج إليه؛ لأنّ ذلك منك عبث.

فإن قلت: إنّما أتكلّفه قبل علمي بوقوع هذا الجائز؛ لتجويزي في طول طريقي إلى الحجّ أن يلي الحرمين من مذهبه العدد، فيمكن أن يكون حجّي على موجب العدد.

قيل لك: و أيّ شي‌ء ينفعك من تغيّر مذهب من يلي الحرم و تابعهم عند الضرورة و لا يخالف جار في ذلك مجرى الممنوع، و عن بعض شرائط الحجّ مصدود، و عند الاضطرار تبسط الأعذار.

[ثمّ قال:]

و هو نظير ما أجمعت عليه الشيعة و خالفت فيه العوامّ، من وجوب التمتّع بالعمرة إلى‌

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 190‌

الحجّ على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، حتّى أكّد أكثرهم ذلك، فقالوا: هو الفرض الذي لا يتقبّل في الحجّ غيره ممّن نأت عن مكّة داره. و معلوم جواز فوته لمن سلك طريق الشام؛ لجواز دخوله مكّة بعد الموقف من يوم التروية، و هو وقت لا يمكن فيه التمتّع بالعمرة، و إنّ ذلك يفوت من حجّ على طريق العراق؛ لوروده يوم عرفة. فتلجئ الضرورة لمن يقول هذا الرأي إلى المقام على الإحرام الذي عقده بنيّة التمتّع بالعمرة، و يصير إلى الإفراد الذي لو ابتدأ الإحرام به لكان مخطئا عند الشيعة على كلّ حال، فجوّزت له الضرورة هذا الفعال، و لذلك عدّة نظائر من الواجبات، و سنّة الناس اليوم على خلافها غير متمكّنين من إقامتها على شرائطها.

يقال له: و هذه المسألة أيضا ممّا لا نسأل عنه، و لا نحاجّ بمثله؛ لأنّه لا حجّة فيه.

و الفرق بين فوت التمتّع بالعمرة إلى الحجّ لمن حجّ مع كافّة الناس و بين ما يقوله أصحاب العدد واضح؛ لأنّ فوت التمتّع لا يبطل العدد، و هو إذا كان وقف بعرفات قبل وقوف أصحاب الرؤية، فقد فات على كلّ حال من يحجّ مع جملة الحاجّ الخارجين من العراق الوقوف بعرفات على مذهب أصحاب العدد.

و ليس بنافع له أن يتغيّر مذهب و الي الحرم، فيقف بعرفات على موجب العدد قبل فوته؛ لأنّ ذلك لا يمنع من فوات الحجّ لهذا الذي خرج في جملة الحجيج العاملين على الرؤية في يوم الوقوف، و تعذّر استدراك فرضه عليه. و هذا كلّه واضح لمن تأمّله بعين الإنصاف.

و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى الله على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين، و حسبنا الله و نعم الوكيل.

رؤيت هلال، ج‌1، ص: 191‌