بسم الله الرحمن الرحیم
جمل العلم و العمل، ص 49
و سؤر الكافر من اليهود و النصارى و من يجري مجراهم نجس، و لا بأس بسؤر الجنب و الحائض.
رسائل الشریف المرتضی، ج 4، ص 329
و الذي يدور بين الفقهاء في قولهم «نجس العين» و «نجس الحكم» محمول على ضرب من تعارفهم، و هو أن كل ما حكم بنجاسته في حال الحياة و حال الموت و لم يتغير أجزاء هذا الوصف عليه قالوا «نجس العين» كالخنزير، و ما اختلف حاله فحكم عليه في بعض الأحوال بالطهارة و بعض الأحيان بالنجاسة قالوا «نجس الحكم». أ لا ترى أن ما تقع عليه الذكاة كالشاة و غيرها يحكم بطهارته حيا و بنجاسته إذا مات، و الكافر يحكم بنجاسته في حال كفره و بطهارته عند إسلامه، فأجروا على ما اختلف حاله بأنه نجس الحكم و على ما لزمته صفة النجاسة في جميع الأحوال بأنه نجس العين.
الانتصار، ص 88
مسألة [3] [حكم سؤر الكافر] و مما انفردت به الإمامية: القول بنجاسة سؤر اليهودي و النصراني و كل كافر، و خالف جميع الفقهاء في ذلك . و حكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني و المشرك أنه لا يتوضأ به ، و وجدت المحصلين من أصحاب مالك يقولون: إن ذلك على سبيل الكراهية لا التحريم لأجل استحلالهم الخمر و الخنزير و ليس بمقطوع على نجاسته، فكأن الإمامية منفردة بهذا المذهب.
و يدل على صحة ذلك: مضافا إلى إجماع الشيعة عليه، قوله جل ثناؤه «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» . فإذا قيل: لعل المراد نجاسة الحكم لا نجاسة العين. قلنا: نحمله على الأمرين، لأنه لا مانع من ذلك. و بعد، فإن حقيقة هذه اللفظة تقتضي نجاسة العين في الشريعة، و إنما تحمل على الحكم تشبيها و مجازا، و الحقيقة أولى باللفظ من المجاز. فإن قيل: فقد قال الله جل ثناؤه «وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ» ، و هو عموم في جميع ما شربوا و عالجوه بأيديهم . قلنا: يجب تخصيص هذا الظاهر بالدلالة على نجاستهم، و نحمل هذه الآية على أن المراد بها طعامهم الذي هو الحبوب و ما يملكونه، دون ما هو سور أو ما عالجوه بأجسامهم. على أن في طعام أهل الكتاب ما يغلب على الظن أن فيه خمرا أو لحم خنزير، فلا بد من إخراجه من هذا الظاهر، و إذا أخرجناه من الظاهر لأجل النجاسة، و كان سؤرهم على ما بيناه نجسا أخرجناه أيضا من الظاهر.
شرح جمل العلم و العمل، ص 54
و سؤر الكفار من اليهود و النصارى و من يجرى مجراه نجس و لا بأس بسؤر الجنب و الحائض و يجوز الوضوء بسؤر جميع البهائم ما اكل لحمه و ما لم يؤكل الاسؤر الكلب و الخنزير و يكره سور الجلال من البهائم و يغسل الاناء عن ولوع الكلب ثلاث مرات احديهن بالتراب) .
موسوعه ابن ادریس، ج 12، ص 189
و روي رواية شاذّة: أنّه يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار إلى طعامه فيأكل معه، فإن دعاه فليأمره بغسل يده، ثمّ يأكل معه إن شاء ، أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا، و هذه الرواية لا يلتفت إليها، و لا يعرّج عليها، لأنّها مخالفة لأصول المذهب، لأنّا قد بينّا بغير خلاف بيننا: أنّ سؤر الكفّار نجس ينجس المائع بمباشرته، و الأدلّة لا تتناقض، و بأزاء هذه الرواية روايات كثيرة بالضدّ منها، و أيضا الإجماع على خلافها. قال السيّد المرتضى في انتصاره: مسألة، و ممّا انفردت به الإمامية أنّ كلّ طعام عالجه الكفّار من اليهود و النصارى و غيرهم ممّن ثبت كفرهم بدليل قاطع، فهو حرام لا يجوز أكله، و لا الانتفاع به، و خالف باقي الفقهاء في ذلك، و قد دللنا على هذه المسألة في كتاب الطهارة، حيث دللنا على أنّ سؤر الكفّار نجس، و لا يجوز الوضوء به، و استدللنا بقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ و استقصيناه، فلا معنى لإعادته . هذا آخر كلام المرتضى رضي اللّه عنه.
الکافی فی الفقه، ص 131
و الثاني أن يماس الماء و غيره حيوان نجس كالكلب و الخنزير و الثعلب و الأرنب و الكافر.
الکافی فی الفقه، ص 139-140
الشرط السابع: طهارة الجسم عدا مخرج النجو شرط في صحة الصلاة، و لا يزول ما عليه من نجاسة إلا بالماء، الا ما رخص فيه من مسح اليد بالتراب بعد مصافحة الكافر، و زوال ما يتعلق بباطن القدمين من النجاسات بالمشي عليهما حتى تذهب عنهما.
النهایه، ص 589-590
و يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار الى طعامه، فيأكل معه. فإن دعاه فليأمره بغسل يديه، ثمَّ يأكل معه إن شاء.
النهایه، ص 504
و إذا أراد الإنسان أن يسترضع لولده، فلا يسترضع إلاّ امرأة عاقلة مسلمة عفيفة وضيئة الوجه. و لا يسترضع كافرة مع الاختيار فإن اضطرّ إليها، فليسترضع يهوديّة أو نصرانيّة، و ليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و تكون معه في منزله، و لا يسلّم الولد إليها لتحمله الى منزلها. و لا يسترضع المجوسيّة إلاّ أن لا يجد غيرها من النّساء. و لا يسترضع من ولد من الزّنا.
مجموعه فتاوی ابن جنید، ص 313-314
الفصل الثالث في الذبح و كيفيّته مسألة 1: المشهور عند علمائنا تحريم ذبائح الكفّار مطلقا سواء كانوا أهل ملّة كاليهود، و النصارى، و المجوس أولا، كعبّاد الأوثان و النيران و غيرهما (الى أن قال): و قال ابن الجنيد: و لو تجنّب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم و في آنيتهم و كذلك ما صنع في أواني مستحلّ الميتة و مواكيلهم ما لم تيقّن طهارة أوانيهم و أيديهم كان أحوط. الى آخره. (المختلف: ص 679).
النهایة، ص 589
و لا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم و لا استعمال أوانيهم إلاّ بعد غسلها بالماء. و كلّ طعام تولاّه بعض الكفّار بأيديهم، و باشروه بنفوسهم، لم يجز أكله، لأنّهم أنجاس ينجس الطّعام بمباشرتهم إيّاه. و قد رخّص في جواز استعمال الحبوب و ما أشبهها ممّا لا يقبل النّجاسة، و إن باشروه بأيديهم.
شرائع الاسلام، ج 3، ص 178
و الكفار أنجاس ينجس المائع بمباشرتهم له سواء كانوا أهل الحرب أو أهل ذمة على أشهر الروايتين. و كذا لا يجوز استعمال أوانيهم التي استعملوها في المائعات (: و روي إذا أراد مؤاكلة المجوسي أمره بغسل يده) و هي شاذة.
المعتبر، ج 1، ص 95-96
و أما الكفار فقسمان: يهود و نصارى، و من عداهما، أما القسم الثاني: فالأصحاب متفقون على نجاستهم، سواء كان كفرهم أصليا أو ارتدادا، لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ و لقوله تعالى كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ لا يقال: «الرجس» العذاب رجوعا الى أهل التفسير، لأنا نقول: حقيقة اللفظ يعطي ما ذكرناه، فلا يستند الي مفسر برأيه، و لان «الرجس» اسم لما يكره فهو يقع على موارده بالتواطؤ، فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق، و أما اليهود و النصارى «فالشيخ» قطع في كتبه بنجاستهم، و كذا «علم الهدى» و الاتباع و «ابنا بابويه» و «للمفيد» قولان: أحدهما: النجاسة، ذكره في أكثر كتبه و الأخر الكراهية ذكره في الرسالة الغرية.
کشف الرموز، ج 2، ص 372
[الثالث كلّ مائع لاقته النجاسة] (الثالث) كلّ مائع لاقته النجاسة (نجاسة خ) فهو نجس، كالخمر و الدم و الميتة و الكافر الحربي. و في الذمّي روايتان، أشهرهما: النجاسة. و في رواية: إذا اضطرّ إلى مؤاكلته أمره بغسل يديه و هي متروكة. (1)
المائع، و هو استناد إلى رواية سعيد الأعرج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام، عن قدر فيها جزور، وقع فيها قدر أوقية من دم، أ يؤكل؟ قال: نعم، فان النار تأكل الدم، روى هذه محمد بن يعقوب، و الشيخ و ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه . و الى رواية زكريا بن آدم، قال: سألت الرضا عليه السلام (و ذكر حديثا منه) فإن (فإنّه ئل) قطر فيه دم؟ قال: الدم تأكله النار، إن شاء اللّٰه . و سعيد الأعرج مجهول الحال، و في طريق رواية ابن آدم محمد بن موسى، و قد ذكر ابن الغضائري و النجاشي، انّ القميّين طعنوا فيه و رموه بالغلو. و قال المفيد: لا يجوز أكله، إلاّ بعد زوال عين الدم و تفرّقها، و يحرم ما خالط الدم، و التقييد حسن. «قال دام ظلّه»: و في الذمّي روايتان، أشهرهما النجاسة، و في رواية، إذا اضطرّ إلى مؤاكلته أمره بغسل يده، و هي متروكة. أمّا نجاسة المائع بملاقاة الذمّي [1] فهو الذي انعقد عليه العمل و به روايات . و حكي عن المفيد في رسالته (الرسالة خ) الغرية الطهارة، و هو متروك، و به
و لو كان ممّا وقع فيه النجاسة جامدا القي ما يكتنف (يكتنفه خ) النجاسة و حلّ ما عداه. و لو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء لا تحت الأظلّة. و لا يحلّ ما يقطع من أليات الغنم، و لا يستصبح بما يذاب منها. و ما يموت فيه ماله نفس سائلة من المائع ينجس (نجس خ) دون ما لا نفس له. [الرابع) أبوال ما لا يؤكل لحمه حرام] (الرابع) أبوال ما لا يؤكل لحمه حرام. و هل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلاّ أبوال الإبل،
رواية محمولة على التقية. و امّا انّ مع الاضطرار، يأمره بغسل يده، فمذهب الشيخ في النهاية، و به يشهد ما رواه العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي؟ فقال: لا بأس إذا كان من طعامك، و سألته عن مؤاكلة المجوسي؟ فقال: إذا توضّأ فلا بأس . و المعني بالتوضّي هنا، غسل اليد، و فيه اشكال، اللّهمّ الاّ ان يحمل على ان يكون الطعام يابسا. و قال المتأخّر: لا يجوز مؤاكلة الكفّار ايّ جنس كان، لأنّهم أنجاس
.
کنز الفوائد، ج 3، ص 327-328
قوله رحمه اللّه : «و روي انّه يأمر المجوسي إذا أراد مؤاكلته بغسل يده، و هي محمولة على الأجسام الجامدة أو مع اختلاف الأواني». أقول : الرواية المشار إليها هي: ما رواه عيص بن القاسم في الصحيح، عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن مؤاكلة اليهودي و النصراني فقال: لا بأس إذا كان من طعامك، و سألته عن مؤاكلة المجوسي، فقال: إذا توضأ فلا بأس . و اعلم انّ الشيخ أبا جعفر رحمه اللّه عمل على ظاهر هذه الرواية، فقال في النهاية: يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار على طعامه فيأكل معه، فإذا دعاه فليأمر بغسل يده . و قال المفيد: لا يجوز مؤاكلة المجوس . و قال ابن البرّاج: لا يجوز الأكل و الشرب مع الكفّار . و قال ابن إدريس: قول شيخنا في نهايته رواية شاذّة، أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا، و هذه الرواية لا يلتفت إليها و لا يعرّج عليها، لأنّها مخالفة لأصول المذهب، لأنّا قد بينّا بغير خلاف بيننا انّ سؤر الكفّار نجس فينجس المائع بمباشرته . و هو المختار عند المصنّف، و أجاب عن استدلال
مختلف الشیعة، ج 8،ص 350-351
مسألة 50: قال الشيخ في (النهاية): يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار على طعامه فيأكل معه، فإذا دعاه فليأمره بغسل يديه ثمَّ يأكل معه إن شاء . و قال شيخنا المفيد: لا تجوز مؤاكلة المجوس . و قال ابن البرّاج: لا يجوز الأكل و الشرب مع الكفّار . و قال ابن إدريس: قول شيخنا في (النهاية) رواية شاذّة أوردها شيخنا في (نهايته) إيرادا لا اعتقادا، و هذه الرواية لا يلتفت إليها و لا يعرج عليها، لأنّها مخالفة لأصول المذهب، لأنّا قد بيّنّا بغير خلاف بيننا أنّ سؤر الكفّار نجس ينجس المائع بمباشرته. و أيضا الإجماع على خلافها . قال السيّد المرتضى في (انتصاره): و ممّا انفردت به الإمامية: أنّ كلّ طعام عالجه الكفّار من اليهود و النصارى و غيرهم ممّن ثبت كفرهم بدليل قاطع فهو حرام لا يجوز أكله و لا الانتفاع به، و خالفنا باقي الفقهاء في ذلك . و المعتمد: ما اختاره ابن إدريس. لنا: أنّهم أنجاس، فينفعل ما باشروه برطوبة من الأطعمة. و ما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه السلام، قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه على فراش واحد و أصافحه، فقال: «لا» . و سأل هارون بن خارجة الصادق عليه السلام، فقال: إنّي أخالط المجوس فآكل من طعامهم، قال: «لا» . احتجّ الشيخ: بما رواه عيص بن القاسم - في الصحيح - عن الصادق عليه السلام، قال: سألته عن مؤاكلة اليهودي و النصراني، فقال: «لا بأس إذا كان من طعامك» و سألته عن مؤاكلة المجوسي، فقال: «إذا توضّأ فلا بأس» . و الجواب: الحمل على ما إذا كان الطعام ممّا لا ينفعل بالملاقاة، كالفواكه اليابسة و الثمار كذلك و الحبوب. لما رواه سماعة أنّه سأل الصادق عليه السلام: عن طعام أهل الكتاب ما يحلّ منه؟ قال: «الحبوب» .
التنقیح الرائع، ج 1، ص 61
قوله: و أما الأسئار فكلها طاهرة عدا [سؤر] الكلب و الخنزير و الكافر (1) الكافر قسمان : حربي و لا خلاف في نجاسته، و ملي و اتفق الأصحاب على نجاسته الا المفيد في «العزية» فإنه جعله مكروها و رواياتنا بخلافه.
التنقیح الرائع، ج 4، ص 23
[الثالث كل مائع لاقته نجاسة فقد نجس] (الثالث) كل مائع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، و الدم و الميتة، و الكافر الحربي. و في الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة. (1) و في رواية: إذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده و هي متروكة. و لو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة و اعلم أن التقي وافق الشيخين فيما قالا و طرد الحكم في النجاسات كلها. و ليس بشيء. قوله: و في الذمي روايتان أشهرهما النجاسة (1) و في رواية إذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده، و هي متروكة لم نقف على رواية بطهارة الذمي، فإن وجد شيء فهو محمول على التقية. و أما روايات النجاسة فكثيرة، و لذلك جعلها هي الأشهر، خصوصا مع موافقتها للكتاب في قوله تعالى «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» . و أهل الذمة مشركون لما تقدم في النكاح. و أما الرواية الثالثة فرواها العيص بن القاسم عن الصادق عليه السلام و قد سأله عن مؤاكلة اليهودي و النصراني. فقال: لا بأس إذا كان من طعامك، و عن مؤاكلة المجوسي فقال: إذا توضأ فلا بأس . فأراد بالتوضؤ غسل يده. و أفتى بها الشيخ في النهاية و المفيد في العزية. و ليس فيها حجة على الطهارة و الا لم يحتج الى قوله «إذا كان من طعامك» و يمكن حملها على طعام جامد.
مفتاح الکرامة، ج 2، ص 35-37
[الكافر]
قوله قدّس سرّه: و الكافر مشركاً أو غيره ذمياً أو غيره إجماعاً في «الناصريّات و الانتصار و الغنية و السرائر و المعتبر و المنتهى و البحار و الدلائل و شرح الفاضل » و ظاهر «التذكرة و نهاية الإحكام ». و في «التهذيب » إجماع المسلمين عليه. قال الفاضل الهندي: و كأنّه أراد إجماعهم على نجاستهم في الجملة، لنصّ الآية الشريفة و إن كان العامّة يؤوّلونها بالحكميّة . و في «الغنية» أنّ كلّ من قال بنجاسة المشرك قال بنجاسة غيره من الكفّار . و في «حاشية المدارك» أنّ الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة منهم، بل و عوامّهم يعرفون أنّ هذا مذهب الشيعة، بل و نساؤهم و صبيانهم يعرفون ذلك و جميع الشيعة يعرفون أنّ هذا مذهبهم في الأعصار و الأمصار . و نقل عن القديمين القول بعدم نجاسة أسآر اليهود و النصارى و عن ظاهر المفيد في رسالته «العزيّة » و ربما ظهر ذلك في موضع من «النهاية» حيث قال: و يكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلى طعامه فيأكل معه فإن دعاه فليأمره بغسل يديه ثمّ يأكل معه إن شاء . لكنّه صرّح قبله في غير موضع بنجاستهم على اختلاف مللهم و خصوصاً أهل الذمّة، و لذا اعتذر عنه المحقّق في «النكت » بالحمل على الضرورة أو المؤاكلة في اليابس. قال: و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الّذي يعرض من ملاقاة النجاسات العينيّة و إن لم تفد طهارة اليد. و اعتذر عنه ابن إدريس بأنّه ذكر ذلك إيراداً لا اعتقاداً . و مال إلى طهارتهم صاحب «المدارك و المفاتيح ».
قال الاُستاذ في «حاشية المدارك» لا يحسن جعل ابن أبي عقيل من جملة القائلين بعدم نجاسة هؤلاء مع تخصيصه عدم النجاسة بأسآرهم، لأنّه لا يقول بانفعال الماء القليل، و السؤر عند الفقهاء الماء القليل الّذي لاقاه فم حيوان أو جسمه. قال: و الكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوي . فيكون ابن الجنيد هو المخالف فقط.
العاشر: الكافر نجس سواء جحد الاسلام أو النحلة و جحد بعض ضرورياته الخ و نحوه في الذكرى و التذكرة و الارشاد و الشرائع و الروضة و الرياض و حاشية الشرائع و نهاية الاحكام و غيرهن و كيف كان فالظاهر انطباق كلماتهم على ان جاحد الضروري كافر و ان انتحل الاسلام و هم ادرى بحقائق الشرع و دقائق معاني خطاباته و على هذا يثبت نجاسة كل من جحد ضروريا دينيا بما دل على نجاسة الكافر من الاجماعات و الادلة بل ظاهر التذكرة و الرياض و نهاية الاحكام الاجماع عليه بخصوصه نعم يبقى الكلام في ان جحود الضروري هل هو كفر في نفسه او لكشفه عن انكار النبوة مثلا ظاهرهم الأول و لا يبعد القول بالثاني لان انكار الضروري الذي لا يتعلق بالاصول و العقائد يبعد ان يكون مكفراً من حيث نفسه فعلى هذا لو احتمل وقوع الشبهة عليه لم يحكم بتكفيره و في شرح الفاضل تقييد انكار الضروري ممن يعلم الضرورية الا ان الخروج عن مذاق الأكثر مما لا ينبغي و ولد الزنا طاهر كما في التحرير و المنتهى و التذكرة و نهاية الاحكام و المعتبر و البيان و الدروس و اللمعة و غيرهن و في خلاف الاجماع على طهارته و في الخلاف ولد الزنا يغسل و يصلي عليه و استدل عليه باجماع الفرقة و في المختلف قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي و النصراني و ولد الزنا و المشرك و جعل ولد الزنا كالكافر و هو منقول عن المرتضى و ابن ادريس و باقي علماءنا حكموا باسلامه و هو الحق عندي و هو يؤذن بالاجماع ممن عدا من استثنى و خروج معلوم النسب غير مخل على ان الاجماع سبقهم و لحقهم و في الكفاية الاشهر طهارته انتهى. و لا ينبغي الشك في طهارته و اسلامه إذ الاسلام كما في الأخبار هو الاقرار بالشهادتين فالكبير المقر مسلم و الصغير مولود على الفطرة حتى يكون ابواه هما اللذان يهودانه و ينصرانه و اولاد الكفار اخرجهم الدليل أو ان المراد بتهويد الابوين الحاقه اياه بهم و ان كان بعيدا مضافا إلى ما ورد من ان بعض اولاد الزنا صار مقبولا عند الائمة (ع) و بعضهم وفق للشهادة و كان مرضيا عنه مع ان الاصول الاسلامية و أصل الطهارة و ما دل على انه ليس أحد خيرا من أحد الا بالتقوى و ما دل على انا مأمورون بالاتيان بالاعمال دون الانساب إلى غير ذلك دالة على ذلك مع مشهورية الحكم بالطهارة بل اجماعيته على انه لا يخفى على من تتبع السير كثرة اولاد الزنا في مبدأ الاسلام قرب الجاهلية و لم يعهد بجنب سؤرهم و في مرسل الوشاء عن الصادق (ع) انه كره سؤر ولد الزنا و اليهودي و النصراني و المشرك و هو إلى دلالته على النجاسة اقرب منه من دلالته على الطهارة الا ان تقول بتحليل الرواية و لو اريد بالكراهة المعنى الاعم لم تكن فيه دلالة من الجانبين و عن الصادق (ع) في خبر ابن أبي يعفور انه قال لا تغتسل من البئر التي يتجمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و ربما كان في تذييله بعدم الطهارة إلى سبعة آباء ايماء إلى ارادة التنزيه إذ الظاهر انه لا عامل على مضمونه خلافا لبعضهم هم الصدوق و السيد و ابن ادريس قيل و ظاهر الكليني لانه رؤي الرواية الآتية من غير توجيه و عزاه في المختلف إلى جماعة و سيجيء في كلام المحقق ما يؤذن بوجود الناقل للاجماع و في السرائر ردا على الخلاف و ان ولد الزنا ثبت كفره بالادلة بلا خلاف و قال في المختلف قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي و النصراني و ولد الزنا و المشرك و جعل ولد الزنا كالكافر و هو المنقول عن السيد المرتضى و ابن ادريس في الذخيرة ان عبارة الصدوق ليس فيها دلالة على التنجيس لان المنع من الاستعمال اعم من التنجيس و فيه نظر لان التنجيس ظاهر من عبارة الصدوق و في المعتبر و ربما يعلل المانع بانه كافر و نحن نمنع ذلك و نطالبه بدليل دعواه و لو ادعى الاجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية فانا لا نعلم ما ادعاه انتهى. و ربما يستدل لهم بان الاسلام عبارة عن الشهادتين مع الشرائط و الاطفال انما قام الاجماع على لحوقهم بالآباء في الاسلام حيث يكونون اولاد حلال و غيرهم باقي على حكم الأصل و حيث لم يكن ولد الزنا محكوما باسلامه في صغره استصحب الحال في كبره و فيه من الضعف ما لا يخفى و استدل لهم أيضا بما دل على وجوب اجتناب غسالة ماء الحمام معللا بان فيها غسالة الناصب و ولد الزنا كرواية حمزة بن احمد و رواية العلل و رواية ابن أبي يعفور و موثقته لكن في رواية حمزة بن احمد الاشتمال على ما يغتسل به الجنب و في رواية ابن أبي يعفور ان ولد الزنا لا يطهر إلى ستة اباء و كل ذلك يصلح ان يكون قرنية الكراهة و اولاد الكفار حكمهم حكم آبائهم في النجاسة كما في التذكرة و الذكرى و نهاية الاحكام و شرح الموجز و نسبه في الكتاب إلى العلامة و جمع من الأصحاب و ظاهر ما عدا النهاية القطع بالحكم بل كونه اجماعيا لعدم نقل الخلاف فيه و في الكفاية نقل الشهرة فيه نعم في نهاية الاحكام ان الاقرب تبعية اولاد الكفار لهم و هو يؤذن بالخلاف أو التردد و في الكتاب ذكر ان مستندهم نجاسة اصلية قال و هو مشكل لان الدليل لو تم دل على نجاسة الكافر و المشرك و اليهودي و النصراني و الولد قبل بلوغه لا يصدق عليه شيء من ذلك انتهى. اقول كلامه (ره) جيد ان لم يعم الاجماع على خلافه لكن قد مر ان ظاهر ما عدا النهاية عدم الخلاف في الحكم و في شرح الاستاد ان الصبي الذي لم يبلغ و منهم الذي بلغ مجنونا نجس عند الأصحاب و احتجاج الأصحاب بنجاسة اصلية كما في المتولد من نجسي العين لا يخلو من تامل لان جزئيته كانت حين النطقية و قد انقلبت إلى حقيقة اخرى فاستصحاب نجاسة النطفة الا إذا قام دليل الطهارة و استصحاب حكم الجزئية في نهاية الضعف و يمكن ان يستند في ذلك إلى ان تسويغ اسرهم و تملكهم و بيعهم و شرائهم مبني على لحوقهم بالكفار و فيه نظر أيضا و في الايضاح الاستناد في نجاسة اولاد الكفار إلى قوله تعالى [وَ لاٰ يَلِدُوا إِلاّٰ فٰاجِراً كَفّٰاراً] و فيه ما فيه و في لقطات المبسوط ان اولاد الكفار كفار و ربما يؤيد ذلك شيوع اطلاق الكفار على الصغار و الكبار و إذا كان أحد والدي الولد مسلما حكم بطهارته و اسلامه كما عليه الأصحاب نقله عنهم الاستاد في شرحه لان الولد يتبع اشرف الابوين و لان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه و لانه ولد مسلم فيلحقه حكم اولاد المسلمين و لان أصل الطهارة قائم خرج الخارج بدليل فيبقى الباقي و في المبسوط و الايضاح الاستناد إلى قوله تعالى [وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ] فاخبر تعالى بان ايمان الذرية يلحق ايمان الابوين انتهى. و اسلام الاجداد كإسلام الآباء مطلقاً سواء كان الاقرب حيا أولا كما في لقطات الكتاب و عليه الفاضل المحشي و احتمله في الايضاح و استند إلى آية الحقنا بهم ذرياتهم و قيل بالعدم لان المتيقن الآباء و لا أقل من الشك في غيرهم فيندرجون في حكم ذراري الكفار و قيل يلحقون بالاجداد ان فقد الاقرب لبقاء
الشرط السابع: طهارة الجسم عدا مخرج النجو شرط في صحة الصلاة، و لا يزول ما عليه من نجاسة إلا بالماء، الا ما رخص فيه من مسح اليد بالتراب بعد مصافحة الكافر، و زوال ما يتعلق بباطن القدمين من النجاسات بالمشي عليهما حتى تذهب عنهما.
مصباح الفقیه، ج 7، ص 235-260
(العاشر: الكافر) بجميع أصنافه على المشهور، بل لم يعرف الخلاف في غير الكتابي منه من أحد، و قد استفيض بل تواتر نقل الإجماع عليه. و أمّا الكتابي: فعن جماعة أيضا دعوى الإجماع على نجاسته. لكن حكي عن ابن الجنيد و ظاهر العماني و نهاية الشيخ القول بطهارته ، و تبعهم جماعة من متأخّري المتأخّرين.
و استدلّ للنجاسة مطلقا: بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ بناء على شمول المشرك لجميع أصناف الكفّار، كما ادّعاه بعض من أنّه يطلق على كلّ كافر من عابد صنم و يهوديّ و نصرانيّ و مجوسيّ و زنديق و غيرهم. و المناقشة فيه: بمنع الإطلاق على سبيل الحقيقة غير ضائر بالنسبة إلى غير أهل الكتاب، لعدم القول بالفصل. و أمّا أهل الكتاب: فالمجوس - بناء على كونهم من الكتابي على ما قيل - قائلون بإلهيّة يزدان و النور و الظلمة، فهم من أظهر أصناف المشرك. و أمّا اليهود و النصارى: فيدلّ على كونهم من المشركين: قوله تبارك و تعالى وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ - إلى قوله تعالى - سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ . و ما يقال - من أنّ النجس مصدر، فلا يصحّ وصف الجثّة به إلاّ مع تقدير كلمة «ذو» و نحوها، فلا تدلّ على المدّعى، لجواز أن تكون نسبتهم إلى النجس عدم انفكاك ظاهر جسدهم من النجاسات العرضيّة، لأنّهم لا يتطهّرون و لا يغتسلون - ففيه: أنّ حمله على المبالغة - ك «زيد عدل» - أولى و أظهر
و يتوجّه على الاستدلال: منع كون النجس في زمان صدور الآية حقيقة في المعنى المصطلح، بل المتبادر من حمل النجس على المشركين - كحمل الرجس على الميسر و الأنصاب و الأزلام في قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلاٰمُ رِجْسٌ - معناه اللغوي الذي هو أعمّ من المعنى المصطلح. و العجب من صاحب الحدائق حيث حاول إثبات إرادة المعنى الأخصّ من الآية بكون النجس في عرف الأئمّة عليهم السّلام حقيقة في المعنى الأخصّ، كما لا يخفى على المتتبّع، و دفع احتمال تأخّر ثبوت الحقيقة العرفيّة الخاصّة بقوله: إنّ عرفهم في الأحكام الشرعيّة و فتاويهم و أمرهم و نهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه صلّى اللّه عليه و آله، فإنّهم نقلة عنه و حفظة لشريعته و تراجمة لوحيه، كما استفاضت به أخبارهم . انتهى. و فيه ما لا يخفى من عدم ارتباط كونهم حفظة للشريعة و تراجمة للوحي بالمدّعى. نعم، ربّما يظنّ من صيرورة اللفظ حقيقة لدى المتشرّعة في معنى كون هذا المعنى هو المراد بهذه الكلمة في استعمالات الشارع، و أنّ صيرورتها حقيقة فيه نشأ من ذلك. لكن لا يعتنى بمثل هذه الظنون ما لم تتحقّق. و قد يجاب عن المناقشة: أوّلا: بتسليم كون النجس مستعملا في معناه العرفي، و هو القذارة، لكنّ القذارة التي يراها الشارع قذارة هي القذارات التي أمر بالتجنّب عنها، أي النجاسات، دون الأجسام الطاهرة شرعا. و ثانيا: بأنّ تفريع حرمة قربهم من المسجد الحرام قرينة على إرادة القذارة الخاصّة الموجبة لحرمة الدخول في المسجد، و هي النجاسة الشرعيّة، إذ لا يجب تجنّب المساجد عن غير النجس الشرعي إجماعا.
و فيه: أنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه كون كلّ ما أوجب الشارع التجنّب عنه قذرا عنده، لا انحصار القذر لديه فيما أوجب التجنّب عنه، كيف! و بعض الأشياء يستحبّ التنزّه عنه، فهو قذر لدى الشارع، لكن لم يوجب الاجتناب عنه و عن ملاقيه إمّا لقصور المقتضي عن سببيّته للإيجاب، أو لوجود المانع. و أمّا ما ذكروه من أن التفريع قرينة على إرادة النجس الشرعي، للإجماع على عدم وجوب تجنّب المساجد عن غير النجس الشرعيّ ففيه: أوّلا: النقض بالقذارات المعنويّة الحاصلة بالجنابة و الحيض و نحوهما، فإنّ إطلاق النجس عليها - كإطلاق القذر و الرجز و الرجس - بلحاظ معناه اللغوي غير مستنكر، بل شائع، فلا مانع من أن يكون المراد بالنجس في الآية الخباثة الباطنيّة و القذارة المعنويّة الحاصلة بالشرك الذي هو أشدّ قذارة من الأحداث المانعة من دخول المساجد. و ثانيا: أنّ ما ادّعوه من الإجماع مرجعه إلى دعوى الإجماع على انحصار سبب منع المشركين من دخول المسجد الحرام في نجاستهم الظاهريّة، و هي ممنوعة على مدّعيها أشدّ المنع، بل المشركون يحرم دخولهم في المسجد الحرام و إن لم نقل بنجاستهم بنصّ الكتاب و إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين، المستكشفة من استقرار سيرة العامّة و الخاصّة على منعهم من دخول المسجد الحرام، بل و كذا غيره من المساجد و المناسك المخصوصة بالمسلمين من المشاهد المشرّفة و ما يتعلّق بها، لا لأجل نجاستهم من حيث هي، بل لكفرهم الذي هو قذارة باطنيّة و نجاسة معنويّة موجبة لهتك حرمة المسجد و نحوه. كيف! و لو كان المانع منحصرا في نجاستهم الظاهريّة من حيث هي، لاتّجه اختصاص المنع بما إذا كانت مسرية، لما ستعرف من أنّ الأظهر جواز إدخال النجاسة الغير المتعدّية، مع أنّه لا يظنّ بأحد أن يلتزم بذلك، فليتأمّل. ثمّ لو سلّمنا دلالة الآية على النجاسة المصطلحة، فهي أخصّ من المدّعى، لعدم شمول المشركين لأغلب أصناف الكفّار من أهل الكتاب و المرتدّين و المنتحلين للإسلام.
و ما قيل - من إطلاق المشرك على كلّ كافر - ففيه: أنّه مبنيّ على التجوّز. و أمّا نسبة الإشراك إلى أهل الكتاب ببعض الاعتبارات - كما في الكتاب العزيز - فلا تصحّح إرادتهم من إطلاق المشرك الذي لا يتبادر منه إلاّ إرادة الثنويّ و الوثنيّ و نحوهم، لا مطلق من صحّ توصيفه بالإشراك ببعض الاعتبارات، و إلاّ فصدق المشرك على المرائي أوضح من صدقه على اليهود بواسطة قولهم عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ و قد أطلق عليه المشرك في جملة من الأخبار، مع أنّه لا يعمّه الإطلاق قطعا. هذا، مع أنّ المتبادر من الآية - بشهادة سياقها - إرادة مشركي أهل مكّة التي أنزلت البراءة من اللّه و رسوله منهم، و منعوا من قرب المسجد الحرام، فلا يجوز التعدّي عنهم إلاّ بتنقيح المناط، أو عدم القول بالفصل، و لا يتمّ شيء منهما بالنسبة إلى أهل الكتاب. و استدلّ أيضا: بالأخبار الآتية الدالّة على نجاسة أهل الكتاب، فإنّها تدلّ على نجاسة سائر أصناف الكفّار بالأولويّة القطعيّة. و فيه: منع الأولويّة بالنسبة إلى المنتحلين للإسلام، المحكوم بكفرهم، و كذا بالنسبة إلى بعض أصناف المرتدّين.
و استدلّ لنجاسة أهل الكتاب - مضافا إلى ما عن صريح السيّد و ظاهر غيره من دعوى الإجماع عليها ، المعتضدة بالشهرة المحقّقة، و شذوذ المخالف، بل بمعروفيّة الحكم بالنجاسة لدى الخاصّة على وجه صار شعارا لهم يعرفه منهم علماء العامّة و عوامّهم و نساؤهم و صبيانهم بل و أهل الكتاب فضلا عن الخاصّة - بموثّقة سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر اليهودي و النصراني أ يؤكل أو يشرب؟ قال: «لا» . و صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن رجل صافح مجوسيّا، قال: «يغسل يده و لا يتوضّأ» . و رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام في مصافحة المسلم لليهوديّ و النصرانيّ، قال: «من وراء الثياب، فإن صافحك بيده فاغسل يدك» ..
و صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام، قال: سألته عن النصرانيّ يغتسل مع المسلم في الحمّام، فقال: «إذا علم أنّه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام إلاّ أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمّ يغتسل» و سألته عن اليهوديّ و النصرانيّ يدخل يده في الماء أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال: «لا، إلاّ أن يضطرّ إليه» . و عن الشيخ أنّه حمل الاضطرار على التقيّة حتّى لا ينافي نجاسته. و صحيحته الأخرى عن أخيه موسى عليه السّلام، قال: سألته عن فراش اليهوديّ و النصرانيّ ينام عليه، قال: «لا بأس و لا يصلّى في ثيابهما» و قال: «لا يأكل المسلم مع المجوس في قصعة واحدة، و لا يقعده في فراشه و لا مسجده، و لا يصافحه» قال: و سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للّبس لا يدري لمن كان هو، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: «إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، و إن اشتراه من نصرانيّ فلا يصلّي فيه حتّى يغسله» . و روايته الأخرى أيضا عن أخيه موسى عليه السّلام، قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه على فراش واحد و أصافحه، قال: «لا» . و رواية هارون بن خارجة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي أخالط المجوس فآكل من طعامهم، فقال: «لا» . و مفهوم رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن طعام أهل الكتاب ما يحلّ منه؟ قال: «الحبوب» . و صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمّة و المجوس، فقال: «لا تأكلوا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» . و الإنصاف أنّه لا إشعار في أغلب هذه الأخبار بالنجاسة فضلا عن الدلالة عليها. أمّا صحيحة محمّد بن مسلم، الأخيرة: فهي على خلاف المطلوب أدلّ، لأنّ ظاهرها انحصار المنع بالأكل في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر، دون ما يشربون فيها الماء و نحوه من الأشياء المحلّلة. و أمّا المنع من أكل طعامهم الذي يطبخون: فيحتمل قويّا أن يكون لأجل عدم تجنّبهم عن مزجه بالأشياء المحرّمة من الميتة و لحم الخنزير و شحمه و غير ذلك ممّا لا يتحرّزون عنه، و لا أقلّ من كون أوانيهم المعدّة للطبخ متنجّسة بمثل هذه الأمور، فلا يدلّ على أنّ المنع منه ليس إلاّ لأجل مباشرتهم برطوبة مسرية حتى يستفاد منه نجاستهم.
كيف! و لو كان هذا هو العلّة للمنع، لكان الأنسب المنع من أكل كلّ ما باشروه برطوبة مسرية، لا خصوص طعامهم الذي يطبخونه. و بهذا ظهر لك قصور سائر الأخبار الناهية عن أكل طعامهم عن إثبات المدّعى. و لعلّ ما أشرنا إليه هو الوجه لما في الأخبار المستفيضة الواردة في تفسير قوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ من تخصيصه بالحبوب، بل في بعض تلك الأخبار إشعار بذلك. و أمّا صحيحة عليّ بن جعفر عليه السّلام، الاولى: فمفادها جواز الوضوء بالماء الذي يدخل اليهوديّ و النصرانيّ يده فيه لدى الضرورة، و هو ينافي نجاسته، كما أشرنا إليه. و ما عن الشيخ - من حمل الاضطرار على التقيّة - بعيد، فإنّ ظاهرها الاضطرار إلى الوضوء منه بانحصار الماء فيه، لا الاضطرار إلى أن يتوضّأ بالماء النجس لصلاته تقيّة. و ما في صدر هذه الصحيحة - من حكم الاغتسال في الحمّام الذي اغتسل فيه النصراني - فلا يخلو وجهه عن إجمال لا يكاد يستفاد منها نجاسة النصرانيّ من حيث هو، كما لا يخفى على المتأمّل. و أمّا صحيحته الثانية - المشتملة على المنع من الصلاة في ثيابهما و الأكل مع المجوس في قصعة واحدة و تمكينه من الجلوس في فراشه و مسجده و المصافحة معه و النهي عن الصلاة في الثوب الذي اشتراه من النصرانيّ إلاّ أن يغسله - فلا بدّ من تأويلها أو حملها على الاستحباب، لعدم إمكان العمل بظاهرها على الإطلاق. نعم، يمكن ذلك في خصوص المنع من الصلاة في ثيابهما على تقدير نجاستهما، نظرا إلى غلبة ملاقاتهما لثيابهما مع الرطوبة المسرية، فيكون إطلاق المنع منزّلا على الغالب، فعلى هذا يتمّ الاستشهاد بهذه الفقرة للمدّعى. لكن لقائل أن يقول: كما أنّ الغالب ملاقاتهما لثوبهما برطوبة مسرية، كذلك الغالب عدم خلوّ ثوبهما و جسدهما الملاقي للثوب مع الرطوبة عن النجاسة العرضيّة، فلا ينحصر وجه المنع بكون الثوب ملاقيا لجسدهما من حيث هو حتّى يتمّ به الاستدلال. و أمّا روايته الثالثة: فلا يبعد أن يكون ما فيها من المنع من الأشياء المذكورة في السؤال بلحاظ كونها نحوا من الموادّة المنهيّ عنها، و إلاّ فمجرّد نجاستهم لا تقتضي إلاّ المنع من بعض تلك الأشياء في الجملة لا مطلقا. و الحاصل: أنّه لا يمكن استفادة نجاسة أهل الكتاب من الأحكام المذكورة في هذه الروايات، لعدم الملازمة بينها و بين النجاسة لا عقلا و لا عرفا و لا شرعا.
و ما يمكن الاستشهاد به للمدّعى من الأخبار المتقدّمة إنّما هو موثّقة سعيد و صحيحة محمّد بن مسلم، الاولى، و رواية أبي بصير، فإنّ المتبادر من النهي عن أكل سؤرهم و شربه - كما في الموثّقة - بواسطة القرائن المغروسة في أذهان المتشرّعة: المنع منه، لقذارته شرعا، لا الحرمة تعبّدا. و حمله على الكراهة - كالنواهي المتعلّقة بالأسآر المكروهة، كسؤر الفأرة و نحوها - خلاف الظاهر. و كذا المتبادر من الأمر بغسل اليد الملاقية للكتابي بالمصافحة - كما في الخبرين الأخيرين - نجاستها، و كون الأمر بغسلها ناشئا منها، فحمله على إرادة الوجوب التعبّدي بعيد، مع مخالفته لفتوى الأصحاب. و حمله على الاستحباب - كما في غسل الثوب من بول الحمار و نحوه - غير بعيد، لكنّه خلاف ظاهر الأمر. لكن بناء على إرادة ظاهره من الوجوب الشرطي يجب تقييده بما إذا كانت الملاقاة برطوبة مسرية، جمعا بينه و بين ما دلّ على أنّ «كلّ يابس ذكيّ» فيدور الأمر بين التقييد بقرينة منفصلة، و بين حمل الأمر على الاستحباب. و لا يبعد أن يكون الأوّل أولى خصوصا مع اعتضاده بفهم الأصحاب و فتواهم، فيتمّ به الاستدلال. و احتمال كون الأمر بالغسل في الروايتين ، و كذا النهي عن سؤرهم في الرواية الأولى ناشئا من نجاستهم العرضيّة، فإنّ الغالب نجاسة ظاهر بدنهم، لأنّهم لا يغتسلون و لا يتطهّرون، مدفوع: بأنّ الغلبة لا توجب القطع بالنجاسة في خصوصيّات الموارد حتّى يجب الاجتناب عنهم مطلقا، كما يقتضيه ظاهر الروايات، مع أنّ مقتضى ظاهرها سببيّة نفس العنوان المذكور فيها للحكم، فليتأمّل. لكن ربما يؤيّد إرادة الاستحباب التفكيك بين المصافحة من وراء الثوب و بدونه، كما في رواية أبي بصير، فإنّ ظاهرها نفي البأس عن المصافحة من وراء الثياب، مع أنّه لو كانت المصافحة برطوبة مسرية، وجب غسل الثوب الملاقي لليهوديّ أو النصرانيّ، بناء على نجاستهما، و إلاّ لم يجب غسل اليد أيضا لو لم تكن من وراء الثياب. و يؤيّده أيضا رواية القلانسي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألقى الذمّي فيصافحني، قال: «امسحها بالتراب أو بالحائط» قلت: فالناصب، قال: «اغسلها» فإنّ مقتضى الاجتزاء بمسح اليد عدم نجاستها.
و حملها على عدم الرطوبة فيكون المسح مستحبّا تعبّدا ينافيه الأمر بغسلها في الفقرة الأخيرة، فإنّ سوق الرواية يشهد باتّحاد المراد بالفقرتين. اللّهمّ إلاّ أن يراد بالغسل أيضا الاستحباب. و يؤيّده أيضا مرسلة الوشّاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كره سؤر ولد الزنا و سؤر اليهوديّ و النصرانيّ و المشرك و كلّ ما خالف الإسلام، و كان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب . لكن يحتمل قويّا إرادة الحرمة من الكراهة، فإنّ إرادتها منها بلحاظ معناها اللغوي غير عزيز في الأخبار.
و استدلّ القائلون بالطهارة: بالأصل، و عموم قوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ و بالأخبار المستفيضة: منها: صحيحة إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: «لا تأكله» ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: «لا تأكله» [ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: «لا تأكله] و لا تتركه تقول: إنّه حرام، و لكن تتركه تنزّها عنه، إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير» . و هذه الرواية مع صراحتها في عدم الحرمة تصلح قرينة بمدلولها اللفظي على صرف الأخبار الظاهرة في الحرمة أو النجاسة عن ظاهرها، كصحيحة عليّ بن جعفر، المتقدّمة الدالّة على جواز الوضوء للصلاة بالماء الذي باشره اليهوديّ أو النصرانيّ لدى الضرورة. و منها: صحيحة العيص بن القاسم، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مؤاكلة اليهوديّ و النصرانيّ، فقال: «لا بأس إذا كان من طعامك» و سألته عن مؤاكلة المجوسيّ، فقال: «إذا توضّأ فلا بأس» .
و صحيحة إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السّلام: الجارية النصرانيّة تخدمك و أنت تعلم أنّها نصرانيّة لا تتوضّأ و لا تغتسل من جنابة، قال: «لا بأس تغسل يديها» . و هذه الصحيحة تدلّ على المدّعى قولا و تقريرا. و نحوها صحيحته الأخرى، قال: قلت للرضا عليه السّلام: الخيّاط أو القصّار يكون يهوديّا أو نصرانيّا و أنت تعلم أنّه يبول و لا يتوضّأ ما تقول في عمله؟ قال: «لا بأس» . و رواية زكريّا بن إبراهيم، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقلت: إنّي رجل من أهل الكتاب و إنّي أسلمت و بقي أهلي كلّهم على النصرانيّة و أنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم فآكل من طعامهم؟ فقال: «يأكلون لحم الخنزير؟» قلت: لا، و لكنّهم يشربون الخمر، فقال لي: «كل معهم و اشرب» . و موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنّه يهوديّ؟ قال: «نعم» قلت: فمن ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال: «نعم» . و رواية أبي جميلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن ثوب المجوسيّ ألبسه و أصلّي فيه؟ قال: «نعم» قلت: يشربون الخمر، قال: «نعم، نحن نشتري الثياب السابريّة فنلبسها و لا نغسلها» . و رواية الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أنّه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام: عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة و لا يغتسلون من الجنابة و ينسجون لنا ثيابا فهل تجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل؟ فكتب إليه في الجواب «لا بأس بالصلاة فيها» . و رواية أبي على البزّاز عن أبيه قال: سألت جعفر بن محمّد عليه السّلام عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلّي فيه قبل أن يغسل؟ قال: «لا بأس و إن يغسل أحبّ إليّ» . و عن معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابريّة
و يدلّ عليه أيضا مخالطة الأئمّة عليهم السّلام و خواصّهم مع عامّة الناس من الخاصّة و العامّة الذين لا يتحرّزون عن مساورة أهل الكتاب مع قضاء العادة باستحالة بقاء ما في أيديهم من المأكول و المشروب و الملبوس و ما يتعلّق بهم من أثاث بيتهم على طهارته على تقدير نجاسة اليهود و النصارى. و يرد على هذا الدليل: النقض بسائر النجاسات، فإنّ عامّة الناس لا يتحرّزون عنها و لا أقلّ من ابتلاء بعضهم بها في الجملة و لو في حال الجهل، فتسري النجاسة منها إلى جميع ما في أيدي الناس بواسطة الاختلاط، فهذه شبهة سارية متعلّقها مسألة كون المتنجّس منجّسا، لا خصوص المقام، و سيأتي الكلام في حلّها إن شاء اللّه.
و أجيب عن الأصل: بانقطاعه بالدليل. و عن الآية: بأنّها مفسّرة في الأخبار المستفيضة بالحبوب ،
فلا يصحّ التمسّك بإطلاقها للمدّعى. و عن الأخبار الدالّة على الطهارة، الغير القابلة للحمل على صورة عدم العلم و غيره من المحامل: بأنّها جارية مجرى التقيّة، لموافقتها لمذهب العامّة. و استشهد لذلك ببعض تلك الرويات مثل: رواية زكريّا بن إبراهيم، التي يظهر منها الفرق بين الخمر و لحم الخنزير، فلو لا صدورها تقيّة، لم يكن وجه لذلك. و أوضح من ذلك رواية الكاهلي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم مسلمين يأكلون، فحضرهم رجل مجوسيّ أ يدعونه إلى الطعام؟ فقال: «أمّا أنا فلا أؤاكل المجوسيّ، و أكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» فإنّ الظاهر من الرواية أنّ مؤاكلة المجوسي محرّمة من اللّه سبحانه، لكنّي لا أحرّم من جهة شيوع ذلك في بلادكم، فإنّها لو لا التقيّة، لم يكن شيوع الارتكاب علّة لكراهة التحريم، و لو لم يكن الحكم من اللّه التحريم، لم يكن وجه لتعليل كراهة التحريم بشيوع الارتكاب في تلك البلاد. و لا يخفى ما في هذا التقريب، فإنّ التقيّة ليست مقتضية لأن يكره الإمام عليه السّلام تحريم ما حرّمه اللّه تعالى، فالظاهر أنّ مؤاكلة المجوسيّ من حيث هي - و لو بالنسبة إلى الخبز و غيره من الأطعمة الجامدة على ما يقتضيه إطلاق أدلّتها - من الأمور المكروهة التي يمقتها اللّه و أولياؤه عليهم السّلام. و لعلّ حكمته كونها نحوا من الموادّة الممقوتة، لكنّ الإمام عليه السّلام كره أن يكلّفهم بالمنع إرفاقا بهم و توسعة عليهم. فمراده بقوله عليه السّلام: «أن أحرّم عليكم» إمّا مطلق المنع لا التحريم المصطلح. أو التحريم الحقيقي، لكن بلحاظ تعلّق أمر الإمام عليه السّلام بتركه، كما لو أمر الوالد ولده بترك بعض الأشياء المحلّلة لغرض صحيح، و قد صرّح غير واحد بوجوب إطاعة الإمام عليه السّلام في كلّ ما يأمر به و ينهى عنه و إن لم يكن متعلّقه واجبا أو حراما شرعيّا بالذات، فلا مقتضي لصرف الرواية عن ظاهرها و لو بناء على نجاسة المجوسيّ، إذ لا مقتضي لحملها على إرادة خصوص المائعات التي تنفعل بملاقاة النجس، فالمقصود بها بيان حكم المؤاكلة من حيث هي، محرّمة كانت أو مكروهة. و كيف كان فلا شهادة في هذه الرواية على كون الحكم بطهارة الكتابي في سائر الأخبار لأجل التقيّة. و أضعف من ذلك الاستشهاد له برواية زكريّا بن إبراهيم، فإنّهم إن أكلوا لحم الخنزير يكون اللّحم أيضا من جملة طعامهم، و ربما يمزجونه في سائر أطعمتهم، و لذا استفصل عنه الإمام عليه السّلام عند إرادة بيان حكم طعامهم، و أمّا الخمر فهو شراب مستقلّ لا يكون مانعا من حلّ طعامهم أ لا ترى أنّه يصحّ أن نقول: يحلّ طعام شارب الخمر، و لا يصحّ أن نقول: يحلّ طعام من يأكل لحم الخنزير إلاّ بعد التقييد بخلوّ طعامه عنه، فلعلّ الإمام عليه السّلام استفصل عنه لإرادة تقييد الرخصة بصورة العلم بخلوّ طعامهم عنه أو عدم العلم بوجوده فيه.
هذا، مع أنّه يظهر بالتدبّر فيما أسلفناه في مبحث نجاسة الخمر أنّ احتمال صدور الأخبار الدالّة على طهارتها تقيّة ليس بأقوى من احتمال كون ما دلّ على نجاستها كذلك. فالإنصاف أنّه ليس في شيء من أخبار الطهارة ما يشعر بصدورها تقيّة فضلا عن أن يدلّ على ذلك دلالة معتبرة مصحّحة لطرح هذه الأخبار الكثيرة، فلا يجوز رفع اليد عن مثل هذه الروايات إلاّ بدليل معتبر.
و الذي يقتضيه الجمع بينها و بين أخبار النجاسة إنّما هو ارتكاب التأويل في تلك الأخبار، فإنّ أخبار الطهارة لو لم تكن نصّا فلا أقلّ من كونها أظهر دلالة من تلك الروايات. مع ما أشرنا إليه من أن جملة من هذه الروايات تصلح أن تكون بمدلولها اللفظي قرينة لصرف تلك الروايات عن ظاهرها، خصوصا مع ما عرفت من وهن دلالة تلك الأخبار على النجاسة، بل إمكان منع ظهورها فيها. اللّهمّ إلاّ أن يدّعى انجبار ضعف دلالتها - كسندها - بفهم الأصحاب و عملهم، لكن لا يكفي ذلك في ترجيحها على أخبار الطهارة بعد عدم التنافي و إمكان الجمع عرفا مع وجود الشاهد عليه. إلاّ أن يقال: إنّ إعراض المشهور عن أخبار الطهارة أسقطها عن الاعتبار، فأخبار النجاسة على هذا التقدير حجّة سليمة من المعارض يجب الأخذ بظاهرها.
لكنّ الاقتناع بهذا القول في طرح مثل هذه الأخبار أراه مجرّد التقليد و التصديق من غير تصوّر، فلا بدّ من تحقيق هذا القول. فنقول: لا شبهة في أنّ إعراض أصحابنا - رضوان اللّه عليهم - عن رواية واصلة إلينا بواسطتهم مع شدّة اهتمامهم بالتعبّد بما وصل إليهم من الأئمّة عليهم السّلام مانع من حصول الوثوق بكون ما تضمّنته تلك الرواية بظاهرها حكما شرعيّا واقعيّا، و كلّما ازدادت الرواية قوّة من حيث السند و الدلالة و السلامة من المعارض المكافئ - كما فيما نحن فيه - ازدادت و هنا، فيكون إعراضهم عن الرواية أمارة إجماليّة كاشفة عن خلل فيها من حيث الصدور أو جهة الصدور أو الدلالة، أو من حيث ابتلائها بمعارض أقوى.
لكنّك خبير بعدم كونه موجبا للقطع بالخلل غالبا، و على تقدير حصول القطع بذلك فلا بحث فيه، لأنّ القاطع مجبول على اتّباع قطعه، و لا يعقل أن يكلّف بالعمل برواية يقطع بعدم كون مضمونها حكم اللّه في حقّه. و لكنّ الكلام إنّما هو بالنسبة إلى من لم يقطع بذلك بحيث يصحّ عقلا أن يتعبّد بالعمل بالخبر الذي أعرض عنه الأصحاب، فإعراض الأصحاب عنه بالنسبة إليه أمارة ظنّيّة لا دليل على اعتبارها، فإن أثّرت و هنا في الرواية من حيث السند بأن منعتها من إفادة الوثوق بصدورها، سقطت الرواية عن الحجّيّة، بناء على اعتبار الوثوق بالصدور في حجّيّة الخبر أو عدم وهنه بأمارة الخلاف، و أمّا بناء على كفاية مجرّد وثاقة الراوي أو عدالته و عدم اشتراط الوثوق الشخصي في خصوصيّات الموارد فلا وجه لرفع اليد عنه بواسطة أمارة غير معتبرة، كما أنّه لا وجه لرفع اليد عن دلالته أو ظهوره في كونه مسوقا لبيان الحكم الواقعي لذلك. اللّهمّ إلاّ أن يقال باشتراط حجّيّة الظواهر بالظنّ الشخصيّ، أو عدم الظنّ بخلافها. و لكنّه خلاف التحقيق.
و كيف كان فأخبار الباب الدالّة على الطهارة - لتكاثرها أو تظافرها و صحّة أسانيدها و اعتضاد بعضها ببعض - أجلّ من أن يطرأ عليها وهن في سندها أو دلالتها، لإمكان دعوى القطع بصدور أغلبها لو لم نقل بذلك في كلّها، كما ذهب إليه بعض، فلا يتطرّق إليها الوهن من حيث السند. و أمّا دلالتها فهي من القوّة بمكان كاد يكون بعضها نصّا في المدّعى، فلا نجد في نفوسنا ريبة في دلالتها، و إنّما الريبة التي تتطرّق إليها إنّما هي في جهة صدورها، فيتقوّى بإعراض المشهور عنها احتمال كونها صادرة عن تقيّة و نحوها من الأمور المقتضية لإظهار خلاف الواقع. لكن احتمال صدورها من الإمام عليه السّلام تقيّة منه في القول - بمعنى كونه عليه السّلام متّقيا في مقام بيان الحكم - بعيد عن مصبّ الروايات، كما لا يخفى على المتأمّل.
فالذي يحتمل قويّا كونها صادرة لأجل التقيّة في مقام العمل، بمعنى أنّه قصد بها أن يعمل السائلون على ما يوافق مذهب العامّة كيلا يصيبهم منهم سوء. و لا مبعّد لهذا الاحتمال عدا الآثار الوضعيّة الثابتة للنجاسات، فإنّه لو لم يكن لها إلاّ الأحكام التكليفيّة التي يرفعها دليل نفي الحرج و نحوه، لكان الأمر فيها هيّنا. لكن على تقدير نجاسة الكتابي و تنجّس من خالطه و استلزام تنجّسه بطلان وضوئه و غسله المتوقّف عليهما صلاته و صومه و سائر عباداته المتوقّفة على الطهور لدى قدرته من تطهير بدنه و استعمال الماء الطاهر أو التيمّم بدلا منهما لدى العجز عن التطهير، فمن المستبعد جدّا أن يأمر الإمام عليه السّلام بمخالطتهم و مساورتهم من غير أن يبيّن لهم نجاستهم حتّى يتحفّظوا عنها في طهورهم و صلاتهم و لو بالتيمّم بدلا من الوضوء و الغسل، مع أنّ العادة قاضية بقدرتهم على التيمّم غالبا من غير أن يترتّب عليه مفسدة. هذا، مع إمكان دعوى القطع بأنّه لم يكن تكليفهم في زمان مخالطتهم مع اليهود التيمّم و ترك الوضوء و الغسل، مع أنّه لو كان بدنهم نجسا، لكان تكليفهم التيمّم عند عدم قدرتهم على التطهير. اللّهمّ إلاّ أن يلتزم بالعفو عن النجاسة مع عموم الابتلاء بها، و كون التجنّب عنها موجبا للحرج، و على هذا التقدير لا حاجة لحمل الأخبار على التقيّة، بل تحمل على صورة الضرورة و تعسّر التجنّب عن مساورتهم و لو بالوسائط، كما هو الغالب بالنسبة إلى مواردها، فليتأمّل.
و كيف كان فحمل الأخبار على التقيّة لا يخلو عن بعد، و على تقدير قرب احتماله لا يكفي ذلك في الحمل، مع مخالفته للأصل ما لم يدلّ عليه دليل معتبر، و قد أشرنا إلى أنّ مجرّد الإعراض لا يصلح دليلا عليه. اللّهمّ إلاّ أن يدّعى إفادته للقطع بعدم كونها مسوقة لبيان الحكم الواقعي. و عهدتها على مدّعيها، فهي لا تنهض حجّة على من لم يقطع بذلك حتّى يجوز له طرح الأخبار المعتبرة، كما أنّ الشهرة و نقل الإجماع على الفتوى بل الإجماع المحقّق أيضا كذلك ما لم يوجب القطع بموافقة الإمام عليه السّلام. و دعوى أنّه سبب عادي للقطع بالموافقة غير مجدية بعد أن لم يجد الإنسان من نفسه القطع الذي هو أمر وجدانيّ لا تجوز مخالفته عقلا، و الطبع مجبول على اتّباعه قهرا.
و بهذا ظهر لك ضعف الاستدلال للنجاسة: بالشهرة و نقل الإجماع و غيرهما من المؤيّدات التي تقدّمت الإشارة إليها. لكن لقائل أن يقول: إنّ ما ذكر من أدلّة النجاسة و إن لا يصلح شيء منها في حدّ ذاته لإثبات المدّعى في مقابلة هذه الأخبار الكثيرة، لكن ربما يحصل - بملاحظة المجموع من نقل الإجماع و الشهرة و شذوذ المخالف و مغروسيّته في أذهان المتشرّعة على وجه صار لديهم نظير الضروريّات الثابتة في الشريعة، التي يعرفها العوام و النساء و الصبيان، و غيرها من المؤيّدات المعاضدة لظواهر أخبار النجاسة - الجزم بنجاستهم و كون أخبار الطهارة مؤوّلة أو معلولة. و الإنصاف أنّ هذه الدعوى قريبة جدّا، فإنّه ربما يحصل بملاحظة معروفيّته في الشريعة لدى العوام و الخواصّ و تجنّبهم عن مساورة أهل الكتاب الجزم بالحكم، لكونها - كالسيرة القطعيّة - كاشفة عن رأي المعصوم. لكنّ الذي يوهنها في خصوص المقام السير في أخبار الباب، فإنّها تشهد بحدوث هذه السيرة و تأخّرها عن عصر الأئمّة عليهم السّلام، لشهادة جلّها بخلوّ أذهان السائلين - الذين هم من عظماء الشيعة و رواة الأحاديث - عن احتمال نجاستهم الذاتيّة، و أنّ الذي أوقعهم في الريبة الموجبة للسؤال عدم تجنّبهم عن النجاسات، حتّى أنّ محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري - الذي كتب إلى صاحب الزمان - عجّل اللّه تعالى فرجه - في زمان الغيبة - استشكل في الصلاة في الثياب المتّخذة من المجوس بواسطة أنّهم يأكلون الميتة و لا يغتسلون من الجنابة ، فيستفاد من مثل هذا السؤال: أنّ احتمال نجاسة المجوس ذاتا لم يكن طارقا بذهنه، و إلاّ لكان الفحص عن حكم الثياب بملاحظتها أولى، فيظنّ بمثل هذه الأسئلة أنّ معروفيّتها لدى العوام و مغروسيّتها في أذهانهم نشأت من شهرة القول بها بين العلماء الذين هم مرجع تقليد العوام، و هي في حدّ ذاتها لا تفيد الجزم بالحكم خصوصا مع قوّة احتمال كون مستند المشهور في الحكم بالنجاسة - كما يساعد عليه مراجعة كتبهم - استظهارها من الآية الشريفة ببعض التقريبات المتقدّمة، فلم يجوّزوا رفع اليد عن ظاهر الكتاب بأخبار الطهارة إمّا بناء منهم على أنّها أخبار آحاد، و لا يجوز تخصيص الكتاب بها، أو لزعمهم ابتلاء المخصّص بالمعارض، أو غير ذلك من جهات الترجيح، فلا وثوق بوصول الحكم إليهم يدا بيد عن معصوم عليه السّلام، أو عثورهم على دليل معتبر غير ما بأيدينا من الأدلّة.
و الحاصل: أنّه لا يجوز طرح الأخبار الدالّة على الطهارة أو المؤيّدة لها - التي لا تتناهى كثرة - بمثل هذه التلفيقات التي تشبّث بها القائلون بالنجاسة حتّى ألحق المسألة بعضهم بالبديهيّات التي رأى التكلّم فيها تضييعا للعمر، مع أنّه لا يرجع شيء منها إلى دليل يعتدّ به، عدا ظواهر أخبار النجاسة التي عرفت حالها. فالحقّ أنّ المسألة في غاية الإشكال
و لو قيل بنجاستهم بالذات و العفو عنها لدى عموم الابتلاء أو شدّة الحاجة إلى معاشرتهم و مساورتهم أو معاشرة من يعاشرهم، لمكان الحرج و الضرورة، كما يؤيّده أدلّة نفي الحرج. و يشهد له صحيحة عليّ بن جعفر، المتقدّمة الدالّة على جواز الوضوء بما باشره اليهودي و النصراني لدى الضرورة. و المنع منه في غيرها لم يكن بعيدا عمّا يقتضيه الجمع بين الأدلّة لو لم يكن مخالفا للإجماع، إذ لا يكاد يستفاد من أغلب أخبار الطهارة أزيد من نفي البأس عن استعمال ما باشروه لدى الضرورة العرفيّة، لورود جلّها في هذا الفرض، و لا بعد فيه. و قد التزم صاحب الحدائق بنحو ذلك في العامّة حيث قال بنجاستهم و العفو عنها لدى عموم الابتلاء بهم، لمكان الحرج . و اللّه العالم بحقائق أحكامه.
منهاج الصالحین حکیم ج 1 ص150
العاشر الکافر و هو من انتحل دينا غير الإسلام أو انتحل الإسلام و جحد ما يعلم انه من الدين الإسلامي و لا فرق بين المرتد، و الكافر الأصلي الحربي و الذمي و الخارجي و الغالي و الناصب. هذا في غير الكتابي أما الكتابي فطاهر في نفسه و ينجس بالنجاسات التي يلاقيها فإذا طهر نفسه منها فسؤره طاهر و يجوز أكل الطعام الذي يباشره
«الموسوعة الفقهية الكويتية» (1/ 122):
«ب - آنية غير المسلمين:
14 - آنية أهل الكتاب:
ذهب الحنفية والمالكية وهو أحد القولين عند الحنابلة إلى جواز استعمال آنية أهل الكتاب، إلا إذا تيقن عدم طهارتها. فقد نص الحنفية على أن " سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر؛ لأن المختلط به اللعاب، وقد تولد من لحم طاهر فيكون طاهرا. ويدخل في هذا الجواب الجنب والحائض
«الموسوعة الفقهية الكويتية» (1/ 123):
«والكافر. " (1) وما دام سؤره طاهرا فاستعمال آنيته جائز من باب أولى. واستدلوا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد (2) وكانوا مشركين، ولو كان عين المشرك نجسا لما فعل ذلك. ولا يعارض بقوله تعالى {إنما المشركون نجس} (3) لأن المراد به النجس في الاعتقاد، (4) ومن باب أولى أهل الكتاب وآنيتهم. وذلك لقوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} (5) وروى عبد الله بن مغفل قال دلي جراب من شحم يوم خيبر، فالتزمته وقلت: والله لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا. فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم (6) . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز شعير وإهالة سنخة. ( x667 ;)
_________
(1) فتح القدير 1 / 75، والحطاب 1 / 122، والمغني 1 / 68
(2) خبر نزول وفد ثقيف في المسجد رواه أحمد 4 / 218 ط الميمنية، وأبو داود وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والطحاوي وابن خزيمة في صحيحه والطبراني. (عمدة القاري 3 / 273 ط المنيرية، وأماني الأحبار 1 / 18، 19 ط سهارنبور الهند، وابن ماجه 1 / 559 ط عيسى الحلبي.)
(3) سورة التوبة / 28
(4) العناية مع فتح القدير 1 / 75
(5) سورة المائدة / 5
(6) رواه مسلم ولفظه " أصبت جرابا من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما.) (صحيح مسلم 3 / 1393)
(7) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسالم أضافه يهودي. . . " رواه أحمد بعدة روايات بأسانيده عن قتادة عن أنس أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه. (مسند أحمد 3 / 210 - 211) وأصله في البخاري (فتح الباري 4 / 242) والإهالة (بكسر الهمزة وتخفيف الهاء) ما أذيب من الشحم والألية. وقيل: كل دسم جامد. وقيل: ما يؤتدم به من الأدهان. وقوله سنخة (بفتح المهملة، وكسر النون، بعدها معجمة مفتوحة) أي المتغيرة الريح. (فتح الباري 5 / 105)»
«الموسوعة الفقهية الكويتية» (1/ 123):
«وتوضأ عمر من جرة نصرانية (1) .
وصرح القرافي من المالكية في الفروق بأن جميع ما يصنعه أهل الكتاب والمسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون ولا يتحرزون من النجاسات، من الأطعمة وغيرها، محمول على الطهارة، وإن كان الغالب عليه النجاسة. (2)
ومذهب الشافعية، وهو رواية أخرى للحنابلة، أنه يكره استعمال أواني أهل الكتاب، إلا أن يتيقن طهارتها، فلا كراهة، وسواء المتدين باستعمال النجاسة وغيره. ودليلهم ما روى أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض أهل كتاب، أنأكل في آنيتهم؟ فقال: لا تأكلوا في آنيتهم إلا إن لم تجدوا عنها بدا، فاغسلوها بالماء، ثم كلوا فيها. (3) وأقل أحوال النهي الكراهة، ولأنهم لا يجتنبون النجاسة، فكره لذلك. على أن الشافعية يرون أن أوانيهم المستعملة في الماء أخف كراهة. (4)
_________
(1) توضي عمر من جرة نصرانية رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح (المجموع 1 / 300 ط المكتبة العالمية.)
(2) الحطاب 1 / 122
(3) حديث: " لا تأكلوا في آنيتهم. . . " رواه البخاري (فتح الباري 9 / 512 ومسلم 3 / 1532
(4) المجموع 1 / 263، 264، ونهاية المحتاج 1 / 127 ط مصطفى الحلبي، والمغني مع الشرح 1 / 68»
«الحاوي الكبير» (1/ 80):
«مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: " ولا بأس بالوضوء من ماء مشرك وبفضل وضوئه ما لم يعلم نجاسته فقد توضأ عمر رضي الله عنه من ماء في جرة نصرانية ".
وقال الماوردي: وهذا كما قال.
المشركون على أصل الطهارة في أبدانهم، وثيابهم، وأوانيهم، وهو قول جمهور الفقهاء. وحكي عن أحمد وإسحاق وداود أنهم أنجاس يحرم استعمال ما لقوه بأجسادهم استدلالا بقوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] فنص على نجاستهم.
ودليلنا قوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 5] .
ومعلوم أن طعامهم مصنوع بأيديهم ومياههم وفي أوانيهم فدل على طهارة ذلك كله.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم - شرب ماء من مزادة وثنية.
وروي أن عمر رضي الله عنه توضأ من جر نصرانية ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قد كان يأذن للمشركين في دخول مسجده وربط ثمامة بن أثال حين أسره على سارية في المسجد، ولو كان نجسا لكان أولى الأمور به تطهير مسجده منه، ولأن الاعتقاد لا يؤثر في تنجيس الأعيان، ولو كان بسوء معتقده ينجس ما كان طاهرا لكان حسن معتقدنا يطهر ما كان نجسا.
فأما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] . ففيه تأويلان:
أحدهما: أنهم أنجاس الأبدان كنجاسة الكلب والخنزير، وهذا قول عمر بن عبد العزيز.
وقال الحسن البصري كذلك، وأوجب الوضوء على من صافحهم»
«الحاوي الكبير» (1/ 81):
«والثاني: وهو قول الجمهور أنه سماهم نجسا، لأنهم لا يغتسلون من الجنابة فصاروا لما وجب عليهم الغسل كالنجاسة التي يجب غسلها لا أنهم في أبدانهم أنجاس.
فإذا ثبت طهارة المشركين فهم على ثلاثة أضرب. [الأول] : ضرب منهم يرون اجتناب الأنجاس كاليهود والنصارى واستعمال مياههم والصلاة في ثيابهم جائزة.
و [الثاني] ضرب منهم لا يرون اجتنابها ولا يعتقدون العبادة في استعمالها كالدهرية، والزنادقة فيجوز استعمال مياههم والصلاة في ثيابهم، لأن الأصل فيها الطهارة، ونكرهها خوفا من حلول النجاسة.
والضرب الثالث: أن لا يجتبنوها ويرون العبادة في استعمالها كالبراهمة من الهند، وطائفة من المجوس يرون استعمال الأبوال قربة، فاستعمال مياههم جائز، وإن كان مكروها، وأما الصلاة في ثيابهم، فيجوز فيما لم يلبسوه كثيرا كاليوم أو بعضه، وأما ما كثر لباسهم لها حتى طال زمانهم فيها، ففي جواز الصلاة فيها وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي، لا يجوز الصلاة فيها، ومن صلى فيها فعليه الإعادة، لأن الغالب فيها حلول النجاسة كالمسلم الذي لا يخلو لباسه إذا طال عليه من حلول الماء فيه، لأنه يستعمله عبادة فلم ينفك منه.
والوجه الثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة إن الصلاة فيها جائزة وإن كرهت لأن الأصل فيها الطهارة، فلم يجز أن يحكم نجاستها بالشك، وأشد ما يكره من ثياب من لا يجتنب الأنجاس الميارز والسراويلات، فأما أواني المشركين، فمن كان منهم لا يرى أكل لحم الخنزير جاز استعمال أوانيهم، ومن كان يرى أكله، ففي جواز استعمالها إذا طال استعمالهم لها وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق لا يجوز، لأن الظاهر نجاستها، وقد روى أبو قلابة، عن أبي ثعلبة الخشني قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا بأرض أهل الكتاب، وأنا محتاج إلى آنيتهم، فقال: فارحضوها بالماء ثم اطبخوا فيها.
والوجه الثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن استعمالها جائز، وإن كرهت اعتبارا بالأصل في طهارتها، وإسقاطها بحكم الشك في نجاستها غير مستحب. والله أعلم»
کتاب الطهاره، ج 3،ص 427-438
التمسّك بطوائف من الروايات لإثبات نجاسة أهل الكتاب وما فيه واستدلّ على نجاسة أهل الكتاب بروايات مستفيضة، و هي على طوائف: منها: ما وردت في النهي عن مصافحتهم، والأمر بغسل اليد إن صافحهم، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: في رجل صافح رجلاً مجوسياً، فقال: «يغسل يده، ولا يتوضّأ» . وصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السلام قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قَصْعة واحدة، وأرقد معه على فراش واحد، واُصافحه، قال: «لا» . وقريب منها صحيحته الاُخرى . فإنّ الأمر بالغسل محمول على ما إذا كان في اليد رطوبة سارية، فهو ظاهر في نجاستهم، كالأمر بغسل الثوب من ملاقاة الكلب . وفيه: أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى صحيحة ابن مسلم لو لا سائر الروايات، و أمّا مع ملاحظتها فالظاهر منها أنّ مصافحة الذمّي مرجوح نفساً؛ لأجل ترك المحابّة معهم، والأمر بالغسل محمول على الاستحباب لإظهار التنفّر والانزجار عنهم؛ سواء كانت اليد مرطوبة أو لا. والدليل على المرجوحية مطلقاً - مضافاً إلى رواية الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «أ نّه نهىٰ عن مصافحة الذمّي» - صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة، وصحيحته الاُخرى الظاهرتان في أنّ المصافحة معهم مطلقاً مرجوح. وحمل النهي فيها على الغيري خلاف الظاهر، سيّما في مثل المقام ممّا يعلم مرجوحية إظهار الموادّة معهم بأيّ نحو كان. ويؤيّده بل يدلّ عليه إرداف النهي عن المصافحة بالرقود مع المجوس على فراش واحد، وبالنهي عن إقعاد اليهودي و النصراني على فراشه ومسجده في صحيحته الاُخرى.
وتدلّ على أنّ الغسل ليس للتطهير بل لإظهار التنفّر - مضافاً إلى ما تقدّم - رواية خالد القَلانسي قال: قلت لأبي عبداللّٰه عليه السلام: ألقى الذمّي فيصافحني، قال: «امسحها بالتراب أو بالحائط». قلت: فالناصب، قال: «اغسلها» . فإنّ الظاهر منها أنّ الموضوع في الموردين واحد، فيكون المسح بالتراب أو الحائط لإظهار نفرة وانزجار منهم، و هو في الناصب أشدّ. ويمكن أن يكون الغسل في الناصب للنجاسة، والمسح في الذمّي لإظهار النفرة، فالرواية دالّة على طهارتهم. وموثّقة أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام: في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني قال: «من وراء الثوب، فإن صافحك بيده فاغسل يدك» . والظاهر منها أنّ غسل اليد ليس للنجاسة، وإلّا لكان يأمر بغسل الثوب أيضاً، بل لأجل التماسّ مع يدهما، و هو نحو انزجار ونفور. والحمل على عرق اليدين مشترك، والتفكيك كما ترى، فتلك الطائفة أجنبيّة عن الدلالة على النجاسة. ومنها: ما دلّت على النهي عن مؤاكلتهم في قَصْعة واحدة، كصحيحة علي ابن جعفر المتقدّمة وصحيحته الاُخرى، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن فراش اليهودي و النصراني، ينام عليه؟ قال: «لا بأس، ولا يصلّىٰ في ثيابهما، ولا يأكل المسلم مع المجوسي في قَصْعة واحدة، ولا يقعده علىٰ فراشه، ولا مسجده، ولا يصافحه...» إلى آخره. وصحيحة هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبداللّٰه عليه السلام: إنّي اخالط المجوس، فآكل من طعامهم؟ فقال: «لا» .
والظاهر منها النهي عن المؤاكلة، فتدلّ على نجاستهم. وفيه: أنّه لا دلالة لها على النجاسة؛ لقوّة احتمال مرجوحية المؤاكلة معهم مطلقاً، لا للسراية، كما أنّه مقتضى إطلاقها الشامل لليابس، سيّما مع اشتمالها على النهي عن الإقعاد على الفراش و المسجد ونحوهما. وتشهد له حسنة الكاهلي قال: سألت أبا عبداللّٰه عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون، وحضرهم رجل مجوسي، أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال: «أمّا أنا فلا اؤاكل المجوس، وأكره أن احرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم» . والمراد من التحريم المنع، وظاهرها أنّ الحكم على سبيل التنزّه لا الحرمة، كما هو ظاهر هذا التعبير في غير واحد من المقامات. وصحيحةُ عِيص بن القاسم قال: سألت أبا عبداللّٰه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني و المجوسي، فقال: «إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس» . وصحيحتهُ الاُخرى قال: سألت أبا عبداللّٰه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني، فقال: «لا بأس إذا كان من طعامك». وسألت عن مؤاكلة المجوسي، فقال: «إذا توضّأ فلا بأس» . ولعلّ المراد بالتوضّي الاستنجاء بالماء، أو غسل يده. وهما ظاهرتا الدلالة في عدم نجاستهم، والنهي عن مؤاكلتهم على سبيل الكراهة مطلقاً، أو في بعض الصور. ومنها: ما وردت في النهي عن آنيتهم، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال: قال لي أبو عبداللّٰه عليه السلام: «لا تأكل ذبائحهم، ولا تأكل في آنيتهم» يعني أهل الكتاب ونحوها روايته الاُخرى وكذا رواية عبداللّٰه بن طلحة . وصحيحةِ محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس، فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم الذي يشربون فيه الخمر» . بدعوى: أنّ النهي عنه ظاهر في نجاستهم. وفيها: أنّ هاهنا احتمالين آخرين أقرب ممّا ذكر: أحدهما: احتمال المرجوحية النفسية؛ لكون الأكل في آنيتهم أيضاً نحو عِشْرة معهم. والدليل عليه - مضافاً إلى أنّ إطلاقها يقتضي منع الأكل من مطلق أوانيهم؛
سواء كان المأكول يابساً أو لا، والآنية يابسة أو لا - رواية زرارة، عن أبي عبداللّٰه عليه السلام: في آنية المجوس، فقال: «إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء» . فإنّ الظاهر منها أنّ المنع ليس لنجاستهم، وإلّا لما قيّده بالاضطرار. نعم، ظاهر الأمر بالغسل نجاسة إنائهم، وإطلاقه يقتضي نجاستهم؛ و إن أمكن أن يقال: إنّ إطلاقه يقتضي لزوم غسل إنائهم ولو لم يستعملوه في المائعات، أو شكّ فيه، فيكون الغسل نحو نفور وانزجار عنهم، تأمّل. ثانيهما: أنّ الأمر بالغسل لكونها مستعملة في أكل النجس وشربه، وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن آنية أهل الكتاب، فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم ولحم الخنزير» . وصحيحةُ إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبداللّٰه عليه السلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: «لا تأكله» ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: «لا تأكله» ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: «لا تأكله، ولا تتركه، تقول: إنّه حرام، ولكن تتركه تتنزّه» «تنزّهاً» - خ. ل - «عنه؛ إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير» . وهما مفسّرتان لسائر الروايات، وظاهرتان في طهارتهم، وشاهدتان للجمع بين جميع الروايات؛ لو فرضت دلالتها على النجاسة في نفسها. ومنها: ما وردت في سؤرهم، كصحيحة سعيد الأعرج - بناءً على كونه ابن عبد الرحمان، كما هو الظاهر - قال: سألت أبا عبداللّٰه عليه السلام عن سؤر اليهودي و النصراني، فقال: «لا» . ومرسلة الوشّاء، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّٰه عليه السلام: «أ نّه كره سؤر ولد الزنا، وسؤر اليهودي و النصراني و المشرك، وكلّ من خالف الإسلام، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب» . بناءً على كون الكراهة الانزجار على نحو الالتزام. وفيه: - مضافاً إلى معارضتهما بما هو كالصريح في الطهارة؛ أعني موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبداللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهودي؟ فقال: «نعم» فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟! قال: «نعم» . والظاهر أنّ المراد بقوله: «على أنّه يهودي» أنّه على فرض كون الرجل يهودياً. والحمل على الظنّ بكونه يهودياً خلاف الظاهر. وصحيحةَ إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام: الجارية النصرانیه تخدمك، وأنت تعلم أنّها نصرانية؛ لا تتوضّأ، ولا تغتسل من جنابة، قال: «لا بأس، تغسل يديها» . ومقتضى الجمع بينهما وبين ما تقدّم حمل النهي على الكراهة؛ لاحتمال النجاسة العرفية بل الصحيحة الأخيرة شاهدة للجمع بين الروايات المتفرّقة كما هو واضح - أنّه يمكن منع دلالتهما: أمّا الثانية: فهي على خلاف المطلوب أدلّ، سيّما مع اقترانه بولد الزنا. و أمّا الاُولى: فلأنّ استفادة نجاستهم منها، إنّما هي بمدد ارتكاز العقلاء على أنّ النهي عن سؤرهم لانفعال الماء منه، كما تستفاد النجاسة في سائر النجاسات من الأمر بالغسل، أو النهي عن الصلاة فيها، أو نحو ذلك، و هو في المقام ممنوع بعد الاحتمال العقلائي المعوّل عليه بأنّ الشرب من سؤرهم وفضلهم - بما أنّهم أعداء اللّٰه - كان منهيّاً عنه ومنفوراً، سيّما مع ورود النهي عن مؤاكلتهم ومصافحتهم، والنوم معهم على فراش واحد، وإقعادهم على الفراش و المسجد ، فإنّها توجب قوّة احتمال أن تكون النواهي الواردة فيهم، نواهيَ نفسية لتجنّب المسلمين ونفورهم عنهم، لا لنجاستهم العرضية أو الذاتية، بل لمحض كونهم مخالفين للإسلام وأعداء اللّٰه ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم. ويؤيّده قوله في المرسلة: «وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب». وبالجملة: لو لم نقل بأنّ تلك النواهي ظاهرة في ذلك، فلا أقلّ من الاحتمال الراجح أو المساوي، فلا يستفاد منها نجاستهم بوجه. وممّا ذكرناه يظهر الكلام في روايات اخر، كموثّقة عبداللّٰه بن أبي يعفور، عن أبي عبداللّٰه عليه السلام في حديث قال: «وإيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام؛ ففيها يجتمع غُسالة اليهودي والنصراني و المجوسي و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم؛ فإنّ اللّٰه تبارك وتعالىٰ لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه» . فإنّ استفادة نجاستهم منها لمقارنتهم بالناصب، مع تصريحه بأ نّهم «أنجس من الكلب» و هي لم تصل إلى حدّ الدلالة، فضلاً عن معارضة غيرها. ولو سلّمت دلالتها فمقتضى الجمع بينها وبين ما هو كالصريح في طهارتهم، حملها على الكراهة، أو على ابتلائهم بالنجاسات. مضافاً إلى قيام شواهد على ذلك في روايات المنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام، أو على الحمل على الكراهة، كالتعليل بأنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء ؛ لمعلومية أنّ الطهارة فيها غير ما تقابل نجاسة ظاهر أبدانهم، كرواية محمّد بن علي بن جعفر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه الجُذام، فلا يلومنّ إلّانفسه». فقلت لأبي الحسن: إنّ أهل المدينة يقولون: إنّ فيه شفاء من العين، فقال: «كذبوا، يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرّهما وكلّ من خلق اللّٰه، ثمّ يكون فيه شفاء من العين؟!» . بناءً على أنّ المراد، الغسل من غسالة الحمّام. وعنه عليه السلام في حديث أنّه قال: «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرّهم» . وغيرها ممّا تشعر أو تدلّ على الكراهة. هذا إذا كان المراد من «الغسالة» غير ماء الحمّام، كما لا يبعد. و أمّا لو كان المراد ذلك، فلا إشكال في كونها محمولة على الكراهة؛ للمستفيضة الدالّة على عدم انفعال ماء الحمّام، وأ نّه «كماء النهر» و «لاينجّسه شيء» فعليها أيضاً تحمل صحيحة علي بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى ابن جعفر عليه السلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام، قال: «إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام، إلّاأن يغتسل وحده على الحوض، فيغسله ثمّ يغتسل». وسأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء، أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال: «لا، إلّاأن يضطرّ إليه» . فإنّ الظاهر منها الاغتسال بماء الحمّام، لا غسالته المجتمعة في البئر، فلا محيص عن الحمل على الكراهة؛ لعدم انفعاله. مع أنّ الظاهر من ذيلها طهارتهم. والحمل على الاضطرار للتقيّة، كما ترى. ومنها: ما وردت فيما يعملون من الثياب أو يستعيرونها فإنّها و إن اشتملت على نفي البأس غالباً، لكن يظهر منها معهودية نجاستهم. وفيه: أنّها أعمّ من الذاتية، كما تشعر أو تدلّ على العرضية نفس الروايات. مع أنّها لا تقاوم الأدلّة الصريحة أو كالصريحة بطهارتهم، كما مرّت .
فتحصّل من جميع ذلك: أنْ لا دليل على نجاسة أهل الكتاب ولا الملحدين ما عدا المشركين، بل مقتضى الأصل طهارتهم. بل قامت الأدلّة على طهارة الطائفة الاُولى. بل هي مقتضى الأخبار الكثيرة الدالّة على جواز تزويج الكتابيه واتّخاذها ظِئراً ، وتغسيل الكتابي للميّت المسلم بعض الأحيان ... إلى غير ذلك. ويؤيّدها مخالطة الأئمّة عليهم السلام وخواصّهم للعامّة غير المتحرّزين عن معاشرتهم.
فالمسألة مع هذه الحال التيتراها لا ينبغي وقوع خطأ عمّن له قدم في الصناعة فيها، فضلاً عن أكابر أصحاب الفنّ ومهرة الصناعة، فكيف بجميع طبقاتهم؟! ومن ذلك يعلم: أنّ المسألة معروفة بينهم من الأوّل، وأخذ كلّ طائفة من سابقتها... وهكذا إلى عصر الأئمّة عليهم السلام و التمسّك بالأدلّة أحياناً ليس لابتناء الفتوى عليها. ولقد أجاد العلَم المحقّق صاحب «الجواهر» قدّس اللّٰه نفسه حيث قال: «فتطويل البحث في المقام تضييع للأيّام في غير ما أعدّ له الملك العلّام» وتعريض بعض الأجلّة عليه وقع في غير محلّه، وخروجٌ عن الحدّ في حقّ من عجز البيان عن وصفه، وعقم الدهر عن الإتيان بمثله في التحقيق والتدقيق، والكرّ و الفرّ، والرتق و الفتق، وجودة الذهن، وثقابة الفكر، والإحاطة بأطراف المسائل و الآثار و الدلائل، شكر اللّٰه سعيه، ونضّر اللّٰه وجهه، وجزاه اللّٰه عنّا وعن الإسلام أفضل الجزاء.
موسوعه الشهید الصدر، ج 11، ص 303-
(1) المعروف بين فقهائنا الحكم بنجاسة الكافر. وقد ينقل القول بطهارته - ولو في الجملة - عن بعضهم . والمعروف بين فقهاء العامّة الحكم بطهارته، ولكن ذهب بعضهم أيضاً إلى نجاسة الكافر بنحوٍ يشمل الكتابيّ أيضاً، كابن حزم . وقد استدلّ للنجاسة بالإجماع والكتاب والسنّة. أمّا الإجماع فتقريبه: أنّ دعوى الإجماع على النجاسة قد استفاضت في كلمات عددٍ كبيرٍ من الفقهاء: كالسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، والمحقّق الحلّي ، وغيرهم . واذا انضمّ إلى هذه الاستفاضة الاطّلاع المباشر على فتاوى عددٍ كبيرٍ من علمائنا، وعدم العثور على خلافٍ معتدٍّ به، بل على مطلق الخلاف في المشرك ونحوه من أقسام الكفّار، وما هو الملحوظ من ارتكازية الحكم بالنجاسة في أذهان مختلف طبقات الطائفة استخلصنا من ذلك كلّه الوثوق بحصول إجماعٍ تعبّديٍّ على النجاسة، بنحوٍ يكشف عن تلقّي ذلك من الأئمّة عليهم السلام. ومن الواضح أنّ حجّية هذا الإجماع - كأيّ إجماعٍ - تستند إلى كونه سبباً لليقين، أو الاطمئنان بثبوت معقده شرعاً على أساس حساب الاحتمالات، وكونه تجميعاً لقرائن احتماليةٍ يحصل من تراكمها الاطمئنان. ولهذا يجب أن تلحظ مجموع القرائن التي لها دخل في إيجاد هذا الاطمئنان إثباتاً ونفياً، إذ قد يتّفق كون أمارةٍ مقتضيةً لليقين في نفسها، ولكنّها لا تؤدي إلى ذلك عند مزاحمتها ببعض القرائن المنافية. وليس الإجماع أو نقل الإجماع بعنوانه موضوعاً للحجّية شرعاً؛ لئلّا يتوقّف العمل به على ملاحظة تلك القرائن. وهناك عدّة نقاطٍ يمكن إثارتها حول الاستدلال بهذا الإجماع: إمّا بلحاظ بعض أصناف الكفّار، أو مطلقاً:
النقطة الاُولى: التشكيك في وقوع هذا الإجماع بإبراز القرائن على وجود الخلاف، وهذا التشكيك ليس عليه شواهد وأرقام محدّدة بلحاظ المشرك، ولكن بالإمكان تحصيل بعض الشواهد الباعثة على التشكيك بلحاظ غير المشرك، أو على الأقلّ بلحاظ الكتابي: فمنها: كلام المحقّق الحلّيّ قدس سره، إذ قسّم الكفّار إلى قسمين: المشرك، وأهل الكتاب، وادّعىٰ الإجماع على نجاسة المشرك. وأمّا بالنسبة إلى أهل الكتاب فلم يدَّعِ مثل ذلك، وإنّما استعرض أسماء عددٍ من العلماء القائلين بالنجاسة، فلو كان المحقّق قد أحرز الإجماع على النجاسة في كلا القسمين لَما ساق التعبير بهذا النحو. ومنها: دعوى ابن زهرة في الغنية الإجماع المركَّب، إذ قال: «التفرقة بين نجاسة المشرك وغيره خلاف الإجماع» ، فإنّه لو كان يرىٰ انعقاد الإجماع على نجاسة الكافر مطلقاً لَما عدل إلى الاستدلال بالإجماع المركّب على نجاسة غير المشرك. ومنها: كلام للشيخ الطوسيّ قدس سره في تفسيره لسورة المائدة في قوله تعالى: «وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» ، إذ ذكر: أنّ أكثر أصحابنا قالوا: إنّ طعام أهل الكتاب الحبوب، وأمّا ذبائحهم وما ساوروه بالرطوبة فغير جائز . إذ قد يستظهر من هذه العبارة: أنّ جملةً من أصحابنا يجوِّزون - خلافاً للأكثر - ما ساوره الكتابيّ بالرطوبة، اللهمّ إلّاأن يكون التعبير بالأكثر بلحاظ الفتوى بحرمة ذبيحة الكتابي، لا بلحاظ الفتوى بحرمة ما ساوره بالرطوبة. ومنها: أيضاً كلام للشيخ الطوسيّ قدس سره في النهاية استظهر منه القول بطهارة أهل الكتاب، وهو قوله: «ويكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلى طعامه فيأكل معه، وإن دعاه فليأمره بغسل يديه ثمّ يأكل معه إن شاء» . ولكنّ هذا الظهور لا يمكن الأخذ به؛ لأنّ للشيخ في كلامٍ متقدّمٍ بأسطر - على ما نقلناه - نصّاً يدلّ بوضوحٍ على فتواه بالنجاسة، فلا بدّ من حمل كلامه هذا على فرض عدم المساورة برطوبة، عملاً بما دلّ من الروايات على إناطة الإذن في مؤاكلة الكتابيّ على الوضوء المحمول على الغسل، كصحيحة العيص بن القاسم الآتية، بعد تقييدها بكيفيةٍ لا تسري معها النجاسة، فيكون أمر الكافر بغسل يديه أدباً شرعياً صرفاً. ومنها: ما نقل عن الشيخ المفيد قدس سره في أجوبة بعض مسائله من الحكم بكراهة سؤر اليهود والنصارى ، وهو لا يناسب القول بالنجاسة؛ لظهور الكراهة في كلام المفيد وأمثاله في المعنى المصطلح المقابل للحرمة. ويبقى استغراب أن يكون المفيد قائلاً بالطهارة، ولا يُؤْثَر ذلك عنه! بل يدَّعي تلامذته - كالمرتضى ، والشيخ الطوسيّ - الإجماع على النجاسة، وهم أكثر الناس اطّلاعاً على رأي استاذهم. وقد يدفع هذا الاستغراب: بإمكان افتراض عدول المفيد قدس سره عن الفتوى بالطهارة، إذ لا نعرف تأريخ صدور الحكم بالكراهة منه، فلعلّه كان في بداية أمره، وفي مرحلة تأ ثّره باُستاذه ابن الجنيد وابن أبي عقيل اللذَين ينسب اليهما القول بالطهارة. ومنها: ما نسب إلى القديمين: ابن أبي عقيل وابن الجنيد من القول بالطهارة. فعن الأوّل أ نّه قال بطهارة سؤر الكتابي، وهذا بمجرّده إنّما يدلّ على قوله بالطهارة إذا لم يفترض اختصاص السؤر اصطلاحاً في كلام مثله بالماء المطلق، وإلّا أمكن أن يكون مبنيّاً على عدم انفعال الماء القليل. وعن الثاني أ نّه قال: «ولو تجنّب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم وفي آنيتهم، وكلّ ما صنع في أواني مستحلّي الميتة، ومؤاكلتهم، ما لم يتيقّن طهارة أوانيهم وأيديهم كان أحوط» . وكلمة «أيديهم» إن رجعت إلى الجميع كان كلامه واضحاً في نفي النجاسة العينية عن الكتابي، وإن رجعت إلى خصوص مستحلِّي الميتة فلا يستفاد من كلامه حينئذٍ إلّاالتوقّف عن الفتوى بالنجاسة. النقطة الثانية: أ نّنا اذا رجعنا إلى عصرٍ أقدم من عصور الفقه الإمامي - أي عصر الرواة - نجد أنّ قضية نجاسة الكفّار لم تكن أمراً مركوزاً في أذهان الرواة إلى زمان الغيبة، ولهذا كثر السؤال عن ذلك بين حينٍ وحين، وفرض في بعض تلك الأسئلة أ نّهم يأكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة، كما في رواية الحميريّ الذي هو من فقهاء الإمامية في عصر الغيبة الصغرى، إذ كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام: عندنا حاكة مجوس يأكلون الميِتة ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟... إلىٰ آخره .
وحمل جميع الأسئلة على أ نّها بملاكٍ علميٍّ بحتٍ بعيد جدّاً. كما أنّ حمل فرض الحميريّ لنجاساتٍ عَرَضيةٍ في حياة الكافر على أ نّه بقصد إبراز قوّة احتمال تنجّس الثياب التي يحوكها بلا شاهدٍ. بل إنّ افتراض السائل لعدم الغسل من الجنابة في الكافر واضح الدلالة على أ نّه لم يكن قد ارتكزت في ذهنه نجاسة الكافر العينية، وإلّا فأيّ أثرٍ للغسل بالنسبة إليه؟ وحيث إنّ الإجماع إنّما يكون حجّةً باعتبار كشفه عن التلقّي الارتكازيّ من عصر الرواة، فيكون ما ذكرناه نقطةَ ضعفٍ في كاشفية هذا الإجماع. النقطة الثالثة: أنّ ابتلاء المسلمين بالتعايش مع أصنافٍ من الكفّار في المدينة وغيرها على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كان على نطاقٍ واسع، واختلاطهم مع المشركين كان شديداً جدّاً، خصوصاً بعد صلح الحديبية، ووجود العلائق الرحميّة وغيرها بينهم، فلو كانت نجاستهم مقرّرةً في عصر النبوّة لانعكس ذلك وانتشر وأصبح من الواضحات، ولسُمِعَتْ من النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم توضيحات كثيرة بهذا الشأن، كما هو الحال في كلّ مسألةٍ تدخل في محلّ الابتلاء إلى هذه الدرجة. ولا توجد في مثل هذه المسألة دواعي الإخفاء، وأيّ داعٍ إلى ذلك مع ظهور الإسلام؟ وعدم منافاة هذا الحكم مع أغراض أولياء الأمر بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم. وحتّى لو افترضنا أنّ الحكم بالنجاسة كان في ظرف نزول سورة التوبة - التي نزلت بعد الفتح - فإنّ طبيعة الأشياء كانت تقتضي شيوعه وانتشاره أيضاً، فعدم وجدان شيءٍ من هذه اللوازم العادية عند ملاحظة التأريخ العامّ يشكّل عامل تشكيكٍ في مسألتنا. النقطة الرابعة: أنّ اشتهار الاستدلال على نجاسة الكافر بالآية الكريمة بين الأصحاب، ووجود وجوهٍ اجتهاديةٍ لتقديم روايات النجاسة على روايات الطهارة - على ما يأتي - يوجب - على الأقلّ - احتمال استناد عددٍ كبيرٍ من المجمعين إلى مدركٍ اجتهاديٍّ في الفتوى بالنجاسة، فلا يكون كاشفاً مستقلّاً عن المقصود ما دام إجماعاً مدركياً. ودعوى: أنّ الإجماع على نجاسة أهل الكتاب يجب أن يكون مستنداً إلى جهةٍ فوق الاجتهاد؛ لأنّ وضوح وجود الجمع العرفيّ بين روايات الطهارة وروايات النجاسة بحمل الأخيرة على التنزّه يكشف عن استناد المجمعين إلى جهةٍ فوق ذلك في طرح أخبار الطهارة مدفوعة: بأنّ صناعة الجمع العرفيّ، وكونه متقدّماً على سائر أنحاء التصرّف الاُخرى - بما فيها الحمل على التقية - ليست بدرجةٍ من الوضوح في فقه جملةٍ من فقهائنا المتقدّمين، على النحو الذي لا يصحّ معه افتراض تطبيقهم للصناعة على وجهٍ آخر. وفي كلماتهم شواهد عديدة على ذلك: فمن هذه الشواهد في كلام الشيخ الطوسي قدس سره ما ذكره في مسألة نجاسة الخمر والمسكر، الذي وردت فيه أخبار صريحة في الطهارة، وأخبار تأمر بالغسل منه. إذ حمل أخبار الطهارة على التقية، مع أنّ العامة لا يقولون بالطهارة. قال في كتاب التهذيب: «والذي يدلّ على أنّ هذه الأخبار محمولة على التقية: ما تقدم ذكره من الآية، وأنّ اللّٰه تعالى أطلق اسم الرجاسة على الخمر، ولا يجوز أن يرد من جهتهم عليهم السلام ما يضادّ القرآن وينافيه. وأيضاً قد أوردنا من الأخبار ما يعارض هذه، ولا يمكن الجمع بينهما إلّابأن نحمل هذه على التقية؛ لأنّا لو عملنا بهذه الأخبار كنّا دافعين لأحكام تلك جملةً، ولم نكن آخذين بها على وجه. واذا عملنا على تلك الأخبار كنّا عاملين بما يلائم ظاهر القرآن، فحملنا هذه على التقية؛ لأنّ التقية أحد الوجوه التي يصحّ ورود الأخبار لأجلها من جهتهم، فنكون عاملين بجميعها على وجهٍ لا تناقض فيه» . فنراه قدس سره يفضِّل الجمع بالحمل على التقية على الجمع العرفيّ الذي يقتضي تقديم روايات الطهارة، ويرى أنّ العمل بهذه الروايات إسقاط للمعارض رأساً، بخلاف الحمل على التقية. ومعه فأيّ استبعادٍ يبقى في أن يكون الشيخ وأمثاله في فتواهم بالنجاسة وتقديم رواياتها مستندِين إلى وجوهٍ اجتهاديّةٍ من هذا القبيل؟! من قبيل: دعوى الجمع بين الطائفتين بحمل أخبار الطهارة على التقية، أو ترجيح أخبار النجاسة بالموافقة للكتاب، أو بالأكثرية، أو بالموافقة للأصل لو بني على أصالة الاحتياط في الشبهة الحكمية، أو بكونها قطعية الصدور إجمالاً لتظافرها، بخلاف أخبار الطهارة، أو إيقاع التعارض بين الطائفتين، واختيار أخبار النجاسة ولو لنكتة الظنّ الشخصيّ على طبقها إذا بني على التخيير، أو افتراض التساقط بين الطائفتين في الكتابي، والرجوع إلى الآية كعامٍّ فوقي. فهذه وجوه سبعة يمكن افتراض كلّ واحدٍ منها في بعضٍ من المجمعين، بعد أن لاحظنا إمكانية استبعادهم للجمع العرفيّ بالحمل على التنزّه
النقطة الخامسة: التشكيك في ثبوت الإجماع بمناقشة مستندات إثباته. وهذه النقطة تختلف عن النقطة الاُولى: في أنّ المقصود في الاُولى: إبراز المعارض الدالّ على وجود الخلاف، والمقصود هنا: التشكيك في بعض دلائل الإجماع في نفسها. وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ منشأ الوثوق بإجماع المتقدّمين على المحقّق رحمه الله واتّفاقهم على النجاسة مجموع امورٍ ثلاثة، وهي: استفاضة نقل الإجماع، وعدم نقل الخلاف، والعبارات التي يمكننا تحصيلها مباشرةً من أقوال المتقدمين ممّا يدلّ على الإفتاء بالنجاسة. أمّا نقل الإجماع في كلمات العلماء المتقدّمين على المحقّق الحلّي، الذي تحفّظ في المعتبر من دعوى الإجماع في غير المشرك فقد وجد في جملةٍ من كلماتهم قدّس اللّٰه أسرارهم. فمنها: عبارة السيّد المرتضى قدس سره في الانتصار، حيث ذكر: أنّ ممّا تفرّدت به الإمامية القول بنجاسة سؤر اليهوديّ والنصرانيّ وكلّ كافر، وخالف جميع الفقهاء في ذلك . والتتبّع في كتاب الانتصار يكشف عن أ نّه لا يقصد بالإجماع - حين يدّعيه - ما نريده من الاتّفاق. فقد ادّعىٰ الإجماع في مسائل تشتمل على خلافٍ واضح، كدعواه الإجماع على انفعال البئر ، مع مخالفة العمانيّ وابن الغضائريّ وجملةٍ من العلماء ، وكدعواه الإجماع على اشتراط إسلام الذابح ، وغير ذلك. ومنها: عبارته أيضاً في شرح الناصريات، والمتن لجدّه الاُمّي. قال الماتن: «سؤر المشرك نجس». فذكر في التعليق عليه: «عندنا: أنّ سؤر كلّ كافرٍ - بأيّ ضربٍ من الكفر كان كافراً - نجس» . وكلمة «عندنا» إن أراد بها عند الطائفة لا عند الشارح دلّ على الإجماع بالمقدار الذي يلحظ ثبوته من الاتّفاق في موارد إجماعاته المنقولة عادةً.
وكلّ من العبارتين تعرّضتا إلى نجاسة سؤر الكافر، ولم تتضمّن دعوى الإجماع على نجاسة الكافر مباشرةً. ونجاسة السؤر أعمّ من نجاسة ذي السؤر عند جملةٍ من فقهائنا الأقدمين، حتّى أنّ صاحب المعالم قدس سره عقد بحثاً في أ نّه هل توجد ملازمة بين طهارة ذي السؤر وطهارة سؤره؟ وذكر: أنّ المشهور قالوا بالملازمة، وأ نّه خالف جماعة من الفقهاء، كالشيخ في جملةٍ من كتبه، وابن الجنيد، وابن إدريس . وأنّ جملةً من الفقهاء قالوا في ما لا يؤكل لحمه مع طهارته بنجاسة سؤره. وهذه النكتة تقتضي تعذّر استكشاف الإجماع على نجاسة الكافر من نقل الإجماع على نجاسة سؤره في كلام السيّد المرتضى وغيره. ومنها: عبارة الشيخ قدس سره في التهذيب، حيث ذكر: أ نّه أجمع المسلمون على نجاسة المشركين والكفّار إطلاقاً . والعبارة بظاهرها لا يمكن الأخذ بها؛ لعدم ذهاب المخالفين من المسلمين إلى القول بنجاسة الكافر. فلابدّ: إمّا من تأويل كلمة «المسلمين» وإرادة «الشيعة» بها، وهو أمر بعيد في تلك المرحلة من الفقه الإماميّ، الذي كان منفتحاً فيها على أقوال فقهاء العامّة والفقه السنّيّ عموماً. أو تأويل النجاسة وإرادة ما يعمّ النجاسة المعنوية، ومعه لا يبقى وثوق بمفاد النقل المذكور. ومنها: كلام ابن زهرة في الغنية، حيث قال: والثعلب والأرنب نجسان، بدليل الإجماع المذكور. والكافر نجس بدليله أيضاً، وبدليل قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» . وهذه العبارة - كما ترى - لا تعطي إجماعاً على نجاسة الكافر إلّامثل الإجماع في الثعلب والأرنب، اللذين لا إشكال في طهارتهما، أو على الأقلّ ليس فيهما ارتكاز عام للنجاسة. فهذه هي عمدة عبارات نقل الإجماع الواصلة إلينا من فقهاء ما قبل المحقّق الحلّيّ رحمه الله. وأمّا الثاني - وهو عدم نقل الخلاف، أو نقله في نطاقٍ محدودٍ جدّاً عن القديمين: ابن الجنيد، وابن أبي عقيل، الذي كان خلافه المنقول بلسان الافتاء بجواز سؤر الكافر، الأمر الذي يمكن تأويله بإرجاعه إلى عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة - فهناك نكتة بهذا الصدد تجب ملاحظتها، وهي: أنّ فقه الشيعة كان مبناه قبل مبسوط الشيخ الطوسيّ - كما أشار إليه في مبسوطه - على ممارسة الفتاوىٰ بمقدار مضامين الروايات، وكانت كتب أصحابنا الفقهية مقتصرة عادةً على الفتوی
بمتون الأخبار مع حذف الأسانيد والتنسيق. وهذه الحقيقة تجعل دعوى الإجماع على التفصيلات والتفريعات التي لا تستنبط عادةً من الروايات بصورةٍ مباشرةٍ، بل بالتفريع والاجتهاد، أقلّ أهمّيةً من دعوى الإجماع على حكمٍ في مسألة يترقّب أخذه بعنوانه من الروايات. ونجاسة الكافر وإن لم تكن من التفريعات والتفصيلات ولكنّها ملحقة بها؛ لأنّ نجاسة الكافر لم تكن بهذا العنوان مطرحاً للبحث عادةً في متون كتبهم قبل الشيخ. والوجه في ذلك: أ نّه لم يرد في الأخبار الحكم بنجاسة الكافر بهذا العنوان، ولمّا كانت الروايات الواردة في النجاسات متّجهةً عادةً إلى بيان حكم السؤر، ومتكفّلةً للأمر بغسل الثياب والبدن ونحوها ممّا يلاقي تلك النجاسات نجد أنّ جملةً من كتب الأقدمين خالية من فصلٍ تحت عنوان «النجاسات»، كما يذكر في كتب الفقهاء المتأخّرين عنهم، وإنّما يتعرّضون إلى النجاسات تحت عنوان «الأسآر» في باب المياه، وتحت عنوان «تطهير الثياب والأواني»، تبعاً لمضامين الروايات، ولهذا لا نجد تعرّضاً لنجاسة الكافر بهذا العنوان في جملةٍ ممّا وصل إلينا من عبائر الأقدمين، كهداية الصدوق، ومقنعه، وفقيهه، والمقنعة للمفيد، ونحو ذلك. وما دام طرح المسألة في الفقه القديم كان مطابقاً لمتون الروايات - كما رأينا - فما نستطيع أن نفترض الإجماع عليه - على أفضل تقديرٍ - هو حرمة سؤر الكافر أو نجاسة هذا السؤر. وأمّا نجاسة نفس الكافر على نحوٍ تسري النجاسة إلى كلّ ما يلاقيه فقد تكون دعوى الإجماع على ذلك متأثّراً بالاجتهاد، واستنتاج القول بنجاسة الكافر من القول بحرمة سؤره، مع أ نّه لا ملازمة كما تقدم. وقد نقل السيّد المرتضى القول بحرمة سؤر الكافر عن جملةٍ من علماء السنّة ، مع أ نّهم يفتون بطهارة الكافر. وبهذا يظهر أنّ بالإمكان افتراض ذهاب عددٍ من الأقدمين إلى القول بالطهارة، ولا يضرّ بذلك عدم نقل الخلاف، بعد أن عرفنا أنّ نجاسة الكافر بهذا العنوان لم يكن مطرحاً للحديث، والبحث في الفقه القديم بحكم تبعية الفقه القديم لمتون الروايات، فليس من الضروريّ أن ينعكس الخلاف في أصل نجاسة الكافر إذا كان هناك خلاف. نعم، انعكس خلاف ابن أبي عقيل، لكن لا بصيغة أنّ الكافر طاهر، بل بصيغة على مستوى الطرح القديم للمسألة، حيث نقل عنه الفتوى...
والمستخلص من كلّ هذا العرض: أنّ كلمات الأقدمين جملة منها غير واضحةٍ في الفتوى بنجاسة الكافر، وبعضها ظاهر في عدم النجاسة، وجملة منها اقترنت فيها الفتوى بنجاسة الكافر بالفتوى بنجاسات أشياء اخرى لا يلتزم بنجاستها، الأمر الذي يوجب احتمال كون مدرك النجاسة في الجميع عندهم على نحوٍ واحد، وهو مجرّد الاستفادة من ظواهر الروايات على نحوٍ يمكن رفع اليد عنه بظهورٍ أقوى. والخالي من كلّ نقاط الضعف هذه ليس إلّابعض تلك الكلمات.
النقطة السادسة: أنّ الروايات الدالّة على الطهارة: تارةً تلحظ بما هي حجّة تعبّداً على نفي النجاسة، وهذا استدلال بالسنّة، وسوف يأتي الكلام عنه. واُخرى تلحظ بما هي قرينة ظنّية، بقطع النظر عن دليل الحجّية وما يقتضيه، على نحوٍ يمكن استخدامها كعاملٍ مزاحم لتأثير الإجماع في حصول العلم بالنجاسة، وهذا هو المقصود في المقام؛ لأنّ حجّية الإجماع ليست إلّابسبب إفادته للعلم بحساب الاحتمالات، فيكون كلّ كاشفٍ ظنّيٍّ على خلافه مؤثّراً بدرجةٍ ما في المنع عن تكوّن العلم على أساسه. غير أنّ القرينة الظنّية قد لا تكون ذات أهمّيةٍ معتدٍّ بها في المقام. والنكتة في ذلك: أنّ صدور أخبار الطهارة مترقّب على كلّ حالٍ، سواء كان الحكم هو الطهارة أو النجاسة. أمّا على الأوّل فلأجل بيان الواقع. وأمّا على الثاني فلأجل توفّر ظروف التقية عادةً، إذ في المسائل التي يعمّ الابتلاء بها، ويكون اتّفاق العامّة فيها على خلاف المتبنَّى من قبل أهل البيت: يبعد عدم وقوع بعض الحالات التي تفرض التقية فيها بيان الحكم على وفقها. ولهذا نلاحظ في مسائل من هذا القبيل وجود رواياتٍ على طبق مذهب العامّة عادةً، إلى جانب الروايات التي تبيّن الحكم الواقعي. وعليه فلا تكون لأخبار الطهارة كاشفية تكوينية معتدّاً بها. ولكن بالرغم من ذلك فإنّ لها كاشفيةً مزاحمةً - على أيّ حالٍ - إذا لاحظنا أنّ بعض ألسنة تلك الروايات وخصوصيّاتها لا يناسب التقية، من قبيل ما دلّ على النهي عن الوضوء بسؤر الكتابي، مع استثناء صورة الاضطرار، ومن قبيل كون الراوي لبعض الروايات مثل عليّ بن جعفر، خصوصاً مع كثرة روايات الطهارة وصراحتها، وعدم وجود شيءٍ من التذبذب والتزلزل في البيان في أكثرها. وهناك مبعِّدات متفرّقة في الفقه للقول بالنجاسة، من قبيل جواز نكاح الكتابية، مع استبعاد إمضاء الحياة الزوجية بين الطاهر بالذات والنجس بالذات، وتشريع تغسيل الكتابيّ للمسلم في بعض الحالات، ونحو ذلك. وحيث إنّ أكثر هذه النقاط تختصّ بمثل الكتابيّ من الكفّار فما يمكن أن نستخلصه من مجموع ما تقدّم: سقوط الإجماع المدّعىٰ عن الحجّية بالنسبة إلى الكتابيّ ومَنْ هو من قبيله من الكفّار. وأمّا بالنسبة إلى المشرك ومَنْ هو أسوء منه: فإن لم يمكن التعويل على الإجماع فيه جزماً لضآلة منافذ التشكيك فلا أقلّ من التعويل علیه بنحو الاحتیاط الوجوبی