بسم الله الرحمن الرحیم

موارد بحث ار انواع ملک در جواهر

فهرست فقه
القواعد الفقهیة و الاصولیة
کاربرد مشاع در کتب سابق
کاربرد کلي در معین در کتب سابق
موارد بحث ار انواع ملک در جواهر



شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، ج‌2، ص: 8‌
و أما الشروط‌
فمنها ما يتعلق بالمتعاقدين‌
....
و منها ما يتعلق بالمبيع‌
و قد ذكرنا بعضها في الباب الأول.
و نزيد هاهنا شروطا‌
الأول أن يكون مملوكا‌
....
شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌2، ص: 11
الرابع أن يكون الثمن معلوم القدر و الجنس و الوصف‌ فلو باع بحكم أحدهما لم ينعقد و لو تسلمه المشتري فتلف كان مضمونا عليه بقيمته يوم قبضه و قيل بأعلى القيم من يوم قبضه إلى يوم تلفه و إن نقص فله أرشه و إن زاد بفعل المشتري كان له قيمة الزيادة و إن لم يكن عينا.

الخامس أن يكون المبيع معلوما‌ و لا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا و لو كان‌ مشاهدا كالصبرة و لا بمكيال مجهول.
و يجوز ابتياع جزء من معلوم بالنسبة مشاعا سواء كانت أجزاؤه متساوية أو متفاوتة.
و لا يجوز ابتياع شي‌ء مقدر منه إذا لم يكن متساوي الأجزاء كالذراع من الثوب أو الجريب من الأرض أو عبد من عبدين أو من عبيد أو شاة من قطيع و كذا لو باع قطيعا و استثنى منه شاة أو شياها غير مشار إلى عينها.
و يجوز ذلك في المتساوي الأجزاء كالقفيز من كر و كذا يجوز لو كان من أصل مجهول كبيع مكوك من صبرة مجهولة القدر.
و إذا تعذر عد ما يجب عده جاز أن يعتبر بمكيال و يؤخذ بحسابه.




شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌2، ص: 28
النظر السادس في لواحق من أحكام العقود‌
الصبرة لا يصح بيعها إلا مع المعرفة بكيلها أو وزنها.
ف‍ لو باعها أو جزءا منها مشاعا مع الجهالة بقدرها لم يجز و كذا لو قال بعتك كل قفيز منها بدرهم أو بعتكها كل قفيز بدرهم و لو قال بعتك قفيزا منها أو قفيزين مثلا صح.
و بيع ما يكفي فيه المشاهدة جائز كأن يقول بعتك هذه الأرض أو هذه الساحة أو جزءا منها مشاعا.
و لو قال بعتكها كل ذراع بدرهم لم يصح إلا مع العلم بذرعانها.
و لو قال بعتك عشرة أذرع منها و عين الموضع جاز و لو أبهمه لم يجز لجهالة المبيع و حصول التفاوت في أجزائها بخلاف الصبرة.
و لو باعه أرضا على أنها جربان معينة فكانت أقل فالمشتري بالخيار بين فسخ البيع و بين أخذها بحصتها من الثمن و قيل بل بكل الثمن و الأول أشبه و لو زادت كان الخيار للبائع بين الفسخ و الإجازة بكل الثمن و كذا كل ما لا يتساوى أجزاؤه.
و لو نقص ما يتساوى أجزاؤه ثبت الخيار للمشتري بين الرد و أخذه بحصته من الثمن.
و لو جمع بين شيئين مختلفين في عقد واحد بثمن واحد كبيع و سلف أو إجارة و بيع أو نكاح و إجارة صح و يقسط العوض على قيمة المبيع و أجرة المثل و مهر المثل.
و كذا يجوز بيع السمن بظروفه و لو قال بعتك هذا السمن بظرفه كل رطل بدرهم كان جائزا‌




شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌2، ص: 45
الفصل الثامن في بيع الثمار‌
و النظر في ثمرة النخل و الفواكه و الخضر و اللواحق‌
أما النخل‌
....
شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌2، ص: 47
و أما اللواحق‌
فمسائل‌
الأولى يجوز أن يستثنى ثمرة شجرات أو نخلات بعينها‌
و أن يستثنى حصة مشاعة أو أرطالا معلومة و لو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه.





شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام؛ ج‌2، ص: 49
الفصل التاسع في بيع الحيوان‌
و النظر فيمن يصح تملكه و أحكام الابتياع و لواحقه‌
أما الأول [أي النظر فيمن يصح تملكه]
.....
الثالث في لواحق هذا الباب‌
و هي مسائل‌
.....
التاسعة
إذا اشترى عبدا في الذمة و دفع البائع إليه عبدين‌ و قال اختر أحدهما فأبق واحد قيل يكون التالف بينهما و يرتجع بنصف الثمن فإن وجده اختاره و إلا كان الموجود لهما و هو بناء على انحصار حقه فيهما و لو قيل التالف مضمون بقيمته و له المطالبة بالعبد الثابت في الذمة كان حسنا و أما لو اشترى عبدا من عبدين لم يصح العقد و فيه قول موهوم.








جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌22، ص: 417
[الخامس أن يكون المبيع معلوما]
الخامس إذ كما يشترط العلم بالثمن على الوجه المزبور كذلك يشترط أن يكون المبيع معلوما على الوجه الذي سبق و حينئذ فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا و لو كان مشاهدا كالصبرة و لا بمكيال مجهول كقصعة حاضرة و إن تراضيا بها، و لا الوزن المجهول كصخرة معينة و لا العدد المجهول كملأ اليد و نحوها بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النهي عن الغرر «1» و عدم صدق العلم و غير ذلك مما سمعت و خصوص‌
قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي «2» «لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر»‌
و قال: في الآخر «3» «لا يحل للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر قلت فان الرجل يستأجر للكيل الكيال فيكيل له بمد بيته لعله يكون أصغر من مد السوق و لو قال هذا أصغر من مد السوق لم يأخذ به و لكنه يحمله ذلك و يجعله في أمانته فقال: لا يصلح إلا مد واحد و الأمناء بهذه المنزلة»‌
و في‌ صحيح سعد «4» «عن أبي الحسن عليه السلام سئل عن قوم يصغرون القفزان يبيعون بها قال: أولئك الذين يبخسون الناس أشياءهم»‌
فما في الحدائق عن الأردبيلي رحمه الله من المناقشة في ذلك في غير محلها، نعم لو تعاقدا على صاع بلد و لو غير‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب عقد البيع و شروطه 2 مع اختلاف يسير.
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 418‌
بلدهما معلوم معروف عندهما أو وزن كذلك، أمكن القول بالجواز، و لا ينافيه الحسن المزبور المراد منه عدم الجواز بصاع غير صاع المصر على انه صاع المصر لا مع الفرض المزبور الذي وجه الصحة فيه واضح، للعمومات، و عدم الغرر، و صدق العلم، و لعل هذا هو الذي يريده الأردبيلي، لا جواز اتفاقهما على صخرة مجهولة، أو قصعة كذلك و نحوهما، مما وجه الفساد معه واضح، كوضوح عدم الفرق بين الاعتبارات الثلاثة، فالمناقشة عنه أيضا في اعتبار العدد في خصوص المعدود بمعنى أنه يجوز من غير اعتبار مع التراضي في غير محلها، ضرورة تحقق الغرر، كعدم الكيل و الوزن، في المكيل و الموزون، كما عساه يشهد له صحيح الحلبي و ابن مسكان في الجواز «1» كما ستعرف و التراضي بغير المشروع غير مجد، و ليس من المجهول ما يضعه حاكم الوقت معيارا للكيل و الوزن، فيجوز البيع به و الشراء قبل شيوعه، و قد عرفت ان المدار صدق المعلومية على الإطلاق، و لا ريب في اختلافها باختلاف الأحوال، فرب شي‌ء في حال من الأحوال لا مدخلية لاعتباره في صدقها، و إن توقفت عليه في حال آخر، بل قد يقل المكيل مثلا على وجه لا يدخله الكيل لقلته، فان الظاهر جواز بيعه جزافا، كما هو واضح، و الله العالم.
و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز ابتياع جزء من معلوم لا مجهول و إلا تجهل المبيع بجهله بخلاف ما إذا كان معلوما بنفسه و الجزء المبيع معلوما أيضا بالنسبة لكونه مشاعا كالثلث و الربع، فإنه لا جهالة و لا غرر حينئذ سواء كانت أجزائه متساوية أو متفاوتة بل الإجماع بقسميه عليه للعمومات السالمة عن معارضة الغرر و الجهل نعم لا يجوز ابتياع شي‌ء مقدر منه لا بقصد‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 419‌
الإشاعة، إذا لم يكن متساوي الأجزاء كالذراع من الثوب و الجريب من الأرض أو عبد من عبدين أو من عبيد أو شاة من قطيع بلا خلاف و لا إشكال مع قصد الإبهام الذي لا يصلح، لتعلق الخطاب فضلا عن تحقق الملك بالسبب المعتبر في متعلقة المعلومية، بل ظاهرهم ذلك أيضا مع قصد الكلية، من دون خلاف فيه فضلا عن كل واحد بخصوصه على البدل، نحو الوجوب التخييري، و لعل الوجه في الأخير أنه ليس في الشرع ملك واحد على البدل، فلا يصلح لأن يكون مورد الكل ناقل، فضلا عن البيع مضافا إلى صدق الغرر و الجهالة التي هي وجه الأول أيضا، لكن لو سلم ذلك في الأول حتى بالنسبة إلى الوصية، و شاة الزكاة، يمكن إشكاله في الأخير بمنع الغرر و الجهالة في بيع الكلي، من غير فرق بين حصر أفراده المعلومة للمتبايعين بالصفات المشتركة بينها على وجه يكتفي في بيع كلي منتزع منها و إن لم يحصر فيها و عدمه، و لذا صح عندهم السلم في الكلي و إن كان قيميا، و صح بيع الصاع من الصبرة و إن لم يكن على الإشاعة، كما ستسمعه إنشاء الله.
بل صحيح الأطنان كالصريح في ذلك،
روى بريد بن معاوية في الصحيح «1» «عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن فقال: البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال: المشتري قد قبلت اشتريت و رضيت فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وكل المشتري من يقبضه، فأصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن، و بقي عشرة آلاف فقال العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع»‌
و هو‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 420‌
صريح فيما ذكرناه و كونه في أطنان القصب و هي مثلية متساوية الأجزاء يدفعه أو لا منع كونه من المثليات، و على فرض تسليمه لم يفرقوا فيما ذكروه بين المثلي و القيمي، و لذا صرح في القواعد بالبطلان فيه، قال:
و لو قال بعتك صاعا من هذه الصيعان مما يتماثل أجزائه صح، و لو فرق الصيعان فقال بعتك أحدها لم يصح، و ظاهره التفرقة بين الصيعان المجتمعة و المتفرقة، بل لم أر أحدا ممن تأخر عنه خالفه في ذلك.
إلا ما عساه يظهر من المحكي عن الأردبيلي، فإنه بعد أن حكى عن الأصحاب المنع من بيع الذراع من الثوب أو الأرض، مع عدم تعيين الموضع و الجواز مع تعيينه بطرف مخصوص، قال: و فيه تأمل إذ لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم، فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من أي رأس أراد المشتري أو من أي جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك، مع أن الغالب هو التساوي في طول ثوب الكرباس مثلا، و الأرض المتصلة الأجزاء بمعنى عدم التفاوت بين أجزائها، المستلزم لتفاوت في القيمة، و كأنه لحظ ما ذكرناه و إن زاد بالمعية أخيرا في المناقشة، في خصوص الأرض و الثوب، بأنه ربما كانت متساوية الأجزاء، فما فهمه منه في الحدائق من اختصاص خلافه في خصوص ذلك من مختلف الأجزاء، حتى أنه هو قد اختار التفصيل في مختلف الأجزاء بذلك في غير محله، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع، بناء على ما ذكرناه.
و كذا صرحوا في البطلان فيما لو باع قطيعا من الغنم مثلا و استثنى منه شاة أو شياها غير مشار إلى عينها لأن الجهالة في عين المخرج جهالة في المخرج منه الذي هو المبيع من غير خلاف و لا إشكال فيه عندهم، نعم يجوز ذلك في متساوي الأجزاء كالقفيز‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 421‌
من كر حنطة مثلا، كما يجوز بيع القفيز منه بلا خلاف و لا إشكال فيه للعمومات، بل و كذا يجوز عندهم لو كان المبيع من متساوي الأجزاء من أصل مجهول كبيع مكول من صبرة مجهولة القدر إلا أنها معلومة الاشتمال عليه، بل ربما جوز بعضهم بيع ذلك منها مع عدم العلم، باشتمالها و إن تسلط على الخيار حينئذ للتبعيض، و ستسمع الكلام فيه إنشاء الله، و لعل الوجه فيما ذكره الأصحاب صدق الجهالة متى كان المبيع الكلي على البدل، دون ما لم يكن كذلك من الكلي و إن وجب على البائع دفع واحد على البدل، فإنه لا جهالة فيه، بل لعل الكلي من صبرة مثلا أولى في صدق المعلومية من الكلي غير المعين، إذ هو كلما ازداد توصيفا ازداد تعريفا، و من ذلك ظهر الفرق بين بيع الصاع من الصبرة و بين صاع من الصيعان المتشخصة كما أومأ إليه الفاضل في القواعد فيما سمعته من قوله: و لو فرق الصيعان إلخ.
نعم لو قصد بيع صاع منها على نحو الصاع من الصبرة صح و إن كانت مفرقة كما أنه لو فرض قصد بيع أحد الأصواع من الصبرة مشخصا لها بأحد المشخصات على نحو الصيعان المتفرقة بطل و إن كانت مجتمعة، فالاجتماع و الافتراق في كلامه إنما ذكر لغلبة إرادة الواحد على البدل منها في الثاني، و إرادة الكلي منها في الأول، و لعل ذلك كله ينافيه خبر الأطنان «1»، ضرورة عدم كون مورد عقد البيع فيه الكلي البدلي، و إنما مورده العشرة آلاف طن من الثلاثين ألفا، نحو الصاع من الصبرة، و لذا قال في الدروس و لو باعه صاعا من صبرة متماثل الأجزاء صح، و كذا عشرة أطنان من القصب المتماثل إلى آخره، فجعلهما من باب واحد، نعم لو أن الثلاثين مقسومة ثلاثة أجزاء كل‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 422‌
جزء منها عشرة معينة فاشترى واحدة منها على البدل، كان المتجه فيه حينئذ البطلان نحو ما سمعته في الصاع من الصيعان المتشخصة، فضلا عن الشاة من الشياه الموجودة، و العبد من عبيد مخصوصين، و بالجملة المدار في الصحة و البطلان على متعلق نفس عقد البيع، فان كان الكلي البدلي بطل لصدق الجهالة عرفا، و إن كان المطلق صح لصدق المعلومية، بل قد عرفت أنه أولى بذلك من الكلي غير المعين في صبرة، ضرورة زيادته عليه بوصف كونه من هذه الصبرة فتأمل، هذا.
و لكن الانصاف عدم دليل صالح للفرق بين الصاع عن الصبرة و بين الصاع في الصيعان المتمايزة، بل و لا بين العبد من العبيد المفروض تساويهم في الصفات التي تلاحظ في البيع على وجه ترفع الجهالة، و يصح انتزاع كلي منها موصوف بهذه الصفات، يكون موردا للبيع في الذمة، و دعوى أنه يغتفر في بيع الكلي في الذمة ما لا يغتفر في بيع الكلي في الخارج خالية عن الدليل، بل مقتضى العمومات الصحة بعد صدق المعلومية عرفا بنحو ذلك، اللهم إلا أن يكون إجماعا و الله العالم.
بقي الكلام في الذراع من الأرض و الثوب و يمكن أن يكون الوجه فيما ذكروه، أنه لمكان اختلاف الأفراد فيهما اختلافا فاحشا لا يصح بيع الكلي فيهما، لعدم إمكان ضبطه على وجه ترتفع به الجهالة، و لذا لو عينهما من طرف خاص صح، لكون المبيع فيهما مشخصا لا كليا، و الرضا بالذراع من هذا الثوب أو هذه الأرض المعلومين لدى المشتري لا يصير المبيع نفسه معلوما، بل أقصاه الرضا بأي ذراع كان من هذا الثوب أو من هذه الأرض، و هو غير كاف في صحة البيع المعتبر فيه شرعا معلومية المبيع نفسه، و إلا لجاز بيع المجهول بالتراضي كما هو واضح، نعم يتجه الصحة لو فرض إمكان الضبط بالوصف الرافع للجهالة‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 423‌
عرفا، ضرورة كونه حينئذ كالصاع من الصبرة، و كيف كان فقد بان لك الحال في أطراف المسألة، حتى حكم الصاع من الصبرة، و أنه من الكلي المضمون فيها لا المشاع، للصحيح المزبور، و إن كان لولاه لأمكن ذلك مؤيدا بما تسمعه منهم في بيع الثمار، من تنزيل الثنيا إذا كانت أرطالا معلومة على ذلك، و ما تقدم من تنزيل شاة الزكاة على ذلك، و غيرهما مما يفهم منه أن الأصل في ملك الكلي في الخارج الإشاعة، اللهم إلا أن يفرق بين البيع و غيره، باعتبار القبض في لزومه و إيجابه على البائع، فمع فرض وجود فرد يتحقق فيه المبيع يجب عليه دفعه للمشتري، إذ هو حينئذ شبه الكلي في الذمة بالنسبة إلى ذلك، و من هنا لو فرض حصول القبض من المشتري، و لو بأن قبض الصبرة أجمع بإذن البائع كان مشاعا معه قطعا، كالقطع بها مع فرض تواطئهما على إرادة الإشاعة و إن ذكر الصاع لتقديرها و إن لم يقبض فالتالف حينئذ عليهما، بل بان لك أيضا الوجه في جميع أقسام الصبرة، و ذلك لأنها اما أن تكون معلومة أو مجهولة فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع، و بيع جزء منها معلوم مشاع كثلث و ربع، و بيع مقدار معين كقفيز تشتمل عليه، و بيعها أجمع كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز منها بكذا، فإنه غير جائز لجهالة قدر المبيع الذي هو القفزان، كما أن البيع باطل في المجهولة في الأقسام كلها، إلا الثالث الذي قد عرفت الحال فيه، خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخ فجوز بعتكها كل قفيز بدرهم، و لا ريب في ضعفه للجهالة، نعم وجه الصحة في الثالث ظاهر، بل قد عرفت القول بالصحة مع عدم العلم باشتمالها عليه، و إن كان فيه أن الجهل بوجود مقدار المبيع من أعظم أفراد الغرر، بل هو من بيع المجهول، و إلا لجاز شراء كل صبرة بتخمينها بمقدار معين، خصوصا إذا كان على وجه يعلم‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 424‌
عدم زيادتها عليه، بل هي مساوية أو ناقصة مع الجبر بالخيار على التقدير الثاني للتبعض، و كأنه معلوم الفساد عندهم، نعم لو فرض طمأنينته باشتمالها عليه أمكن الصحة، و من هنا قال في الروضة: لو قيل:
بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها بل ظاهره ذلك، حتى لو بان العدم و إن تسلط على الخيار للتبعيض و تسمع تمام التحقيق فيه عند تعرض المصنف للنقص في صورة القطع إذ لا فرق بينهما بالنسبة إلى ذلك، بل تسمع غير ذلك مما دخل في المقام فلاحظ و تأمل جيدا و الله العالم.
و كيف كان ف‍ إذا تعذر عد ما يجب عده جاز أن يعتبر بمكيال و يؤخذ بحسابه بلا خلاف،
للصحيح عن ابن مسكان و الحلبي «1» عن أبي عبد الله عليه السلام «انه سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك من العدد قال: لا بأس،»‌
بل الظاهر الاكتفاء بالتعسر كما عبر به غير واحد من الأصحاب، بل قد يقال بعدم اعتبار شي‌ء منهما في ذلك، لصدق المعلومية، و اندفاع الغرر الذي لا ينافيه الاختلاف اليسير بذلك، نحو اختلاف المكاييل و الموازين و الاندار للظروف، بل قد سمعت خبر عبد الملك المشتمل على شراء مأة راوية من الزيت بوزن واحد منها «2» ثم قياس الباقي من غير ذكر للتعذر و التعسر لا ينافيه ذكر عدم الاستطاعة في سؤال هذا الخبر دون جوابه، فيكون ذلك أحد الطرق التي يرتفع بها الغرر و الجهالة، نحو أخبار المخبر، لأن ذلك مستثنى من قاعدة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 425‌
الجهالة و الغرر للتعذر أو التعسر.
نعم قد يستفاد من الخبر الأول عدم جواز بيع المعدود كيلا، و لعله كذلك لعدم ارتفاع الغرر به حينئذ، بل و وزنا أيضا كالموزن كيلا أو عدا و المكيل وزنا أو عدا، و في محكي السرائر نفى الخلاف في منع بيع الموزون كيلا، فضلا عن بيعه أو المكيل عدا، لكن عن بعضهم جواز بيع كل من المكيل و الموزون بكل منهما، لحصول الانضباط بهما و ل‍‌
خبر وهب «1» عن جعفر عن أبيه عن علي عليهما السلام قال: «لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن»‌
و به افتى الشهيد في سلم الدروس قال: و لو أسلم في الكيل وزنا و بالعكس فالوجه الصحة، لرواية وهب عن الصادق عليه السلام، و عن آخر جواز كل من المكيل و المعدود بالوزن دون العكس لأنه الأصل و الأقوى في رفع الغرر، و إنما عدل إلى الكيل تسهيلا، و الكل كما ترى، و خبر وهب مع ضعفه و احتماله إرادة نفي البأس عن سلف كل منهما في كل منهما على جهة الثمنية و المثمنية، بل عن بعضهم الجزم بذلك مؤيدا بإيراد الشيخ لها في باب اسلاف السمن بالزيت، قاصر عن معارضة قاعدة الغرر و الجهالة المؤيدة بالعقل و النقل، و دعوى أصالة الوزن في دفع الغرر واضحة المنع، ضرورة عدم اندفاع شي‌ء منه في مقام لا يعرف فيه إلا الكيل كالعكس كما هو واضح.
نعم في شرح الأستاد تقييد ذلك بما إذا لم يعلم حاله زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و إلا جاز بيعه على الحال السابق و لو علم تغييره عادة، للإجماع المنقول فما كان جزافا يبقى على جوازه جزافا، و ما كان اختباره بنحو، يبقى على اختباره، و إن استلزم الغرر على إشكال، و في‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 7 من أبواب السلف الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 426‌
خصوص الحنطة و الشعير بجواز اعتبار الوزن فيهما و إن كانا مكيلين في عهده صلى الله عليه و آله و سلم للإجماع المنقول، و حينئذ فالمرجع إلى العادة مشروط بجهل الحال في زمانه بالمرة، أو العلم بالتقدير و الجهل بالخصوصية و مع فقدهما فلا يلحظ في الأول سوى حصول الغرر و عدمه، و أما في الثاني فقيل: يقدم الوزن، لأصالته، و قيل: الكيل لغلبته و قيل: يتخير، و الظاهر أن حاله كحال ما قبله، و كأنه تبع بذلك ما في الحدائق فإنه بعد أن حكى عن تصريح الأصحاب بأن المراد بالمكيل و الموزون ما ثبت في زمنه صلى الله عليه و آله و سلم، و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيها، فكل ما كان مكيلا في بلد أو موزونا فيه يباع كذلك، و إلا فلا، و حكي عن الأردبيلي المناقشة في ذلك باحتمال إرادة المتعارف عرفا عاما، أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة إلى كل بلد بلد نحو المأكول و الملبوس، فيما يسجد عليه، و الظاهر هو الأخير قال: في الرد عليه ان الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الاخبار الحمل على عرفهم عليهم السلام، فكل ما علم كونه مكيلا أو موزونا في زمنهم عليهم السلام وجب، اجراء الحكم عليه بذلك في الأزمنة المتأخرة و ما لم يعلم فهو بناء على قواعدهم يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكروه من التفصيل إلى أن قال و أماما يفهم من كلامه من الرجوع إلى العرف العام مطلقا، و إن علم كونه مكيلا أو موزونا أو علم عدمه في زمنهم عليهم السلام فالظاهر أنه بعيد، مخالف لما صرح به الأصحاب في غير موضع من تقديم العرف الخاص أعني عرفهم عليهم السلام على العرف العام أو عرف كل بلد، و بالجملة فمحل الاشكال فيما يجهل حاله في زمنهم من كون العرف العام لا انضباط له، فان لكل قطر عرفا و عادة و الأحكام متحدة لا اختلاف فيها و إلا تناط بالأمور الغير المنضبطة.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 427‌
و لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغرائب ضرورة خروج ما نحن فيه عن مسألة معاني الألفاظ، فإن المكيل و الموزون لا اختلاف في معناه في عرفنا و عرفهم، و ان اختلفت أفراده فيهما فرب مكيل و موزون في ذلك الزمان ليس كذلك في هذا الزمان و بالعكس، و هو ليس اختلافا في المعنى و هو واضح، كوضوح كون المراد أن ما يباع كيلا أو وزنا مثلا على وجه يكون معتبرا في إرادة كميته الملحوظة في البيع و اختلاف الثمن باختلافها، بل مع عدم اعتبار عدمها عد من شراء الجزاف، لا يجوز بيعه إلا كذلك للغرر و الجهالة، كما أومئ إليه في‌
صحيح الحلبي السابق «1» بقوله «ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام،»‌
بناء على ما ذكرنا في تفسيره من عدم جواز بيع المسمى باسم المكيل مجازفة، بل منه و من النهي عن البيع بصاع غير صاع المصر و غير ذلك، مضافا إلى القواعد يظهر كون المدار في المكيل و الموزون و المعدود على المسمى بذلك، من حيث تعارف بيعه بأحد الاعتبارات أو بها على وجه يعد بيعه بدونها بيع مجهول و غرر، فيدور الحكم حينئذ مدار ذلك، و إن اختلف باختلاف الأقطار و الأمصار و الأزمنة، و ليس ذلك من اختلاف الأحكام الشرعية نفسها، بل هو من اختلاف موضوعاتها و عنوانها التي تدور مداره، كما هو الضابط في كل عنوان حكم و موضوعه إذا كان من هذا القبيل، و دعوى الإجماع هنا على كون المدار على زمان النبي صلى الله عليه و آله على الوجه الذي عرفته غريبة، فاني لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون إجماعا.
نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا كما تسمعه في محله لا أنه كذلك‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 428‌
أيضا بالنظر إلى الجهالة و العلم و الغرر، و عدمه الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلى الله عليه و آله و سلم في رفع شي‌ء من ذلك، و إثباته و احتمال جوزاه مع الغرر و الجهالة بما لا يعرفه أحد من الفقهاء، بل ظاهر كلام من وقفنا عليه منهم عدمه، بل لا يبعد القول بعدم اعتبار الكيل و الوزن في زمانه عليه السلام، مع فرض تعارف عدمه فيما تعقبه من الأزمنة، و إن أثموا بذلك من أول الأمر حيث أقدموا على البيع فاسدا، لكنه تعارف ذلك ذلك بحيث ساوى ما يباع جزافا، ضرورة عدم صدق الجهالة و الغرر، لتوقف تحققهما على اعتبار العلم بالكمية و ملاحظتها حتى يقال ان ذلك بدونها مجهول و فيه غرر، بخلاف ما لو كان جزافا في زمانه عليه السلام، و لكن تعارف اعتبار الوزن مثلا فيه فان بيعه بدون ذلك من الغرر و الجهالة قطعا، نعم لا عبرة بالعادة الناشئة عن التسامح في الدين و الاقدام على المعاينة، فإن مثله لا يكون عادة ضرورة كون الكمية ملاحظة لهم لكن يفعلون ذلك تسامحا.
و ربما اشتبه الحال على بعض الناس من الفرق بين العادتين، و لا إشكال مع اتفاق العادة أما مع اختلافها، فالمتجه جريان حكم كل قطر على عادته، بل لا يبعد صحة المعاملة بين شخصين من أهل قطر تعارف الجزاف فيما بينهم، و إن وقع ذلك منهما في البلد التي تعارف فيها الكيل و بالعكس، إنما الإشكال مع اختلاف المتعاقدين، و لا ريب في الصحة مع ملاحظة الاعتبار الجامع لهما. و الأقوى الفساد مع عدمه لأن الجهالة بالنسبة إلى أحدهما كافية في فساد العقد، من غير فرق في ذلك بين وقوع المعاملة في بلد الاعتبار أو بلد الجزاف أو في مكان خارج عنهما، ضرورة عدم اندفاع الجهالة بالبلد، فينبغي حينئذ لهما‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌22، ص: 429‌
التخلص بمعاملة لا تقدح فيها الجهالة كالهبة المعوضة و نحوها، و من ذلك كله يعرف ما في شرح الأستاد حيث قال: ثم الرجوع إلى العادة مع اتفاقها اتفاقي، و لو اختلف فلكل بلد حكمه، كما هو المشهور و هل يراد بلد العقد أو المتعاقدين الأقوى الأول، و لو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما، و لو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم، أو ذو الاختبار على ذي الجزاف، أو البائع في مبيعه، و المشتري في ثمنه، أو يبني على الإقراع مع الاختلاف، و ما اتفق عليه مع الاتفاق أو التخيير، و لعله الأقوى، و يجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان، و الاولى التخلص بإيقاع المعاملة بنوع لا تفسده الجهالة، من صلح أو هبة معوضة أو معاطاة و نحوها، و لو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي، فالأقوى التخيير، و مع الاختصاص بجمع قليل إشكال إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل و الإحاطة بما ذكرناه.









جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 221‌
[النظر السادس في لواحق من أحكام العقود]
النظر السادس في لواحق من أحكام العقود الصبرة لا يصح بيعها إلا مع المعرفة ب‍ ما يرفع جهالتها من كيلها أو وزنها أو عدها أو نحو ذلك مما هو شرط صحة البيع كما عرفته سابقا، فإذا عرفها صح بيعها أجمع و بيع جزء منها مشاع ثلث أو ربع، و بيعها كل قفيز منها بدرهم، و بيع قفيز منها، أما بيع كل قفيز منها بدرهم، فلا يصح، للجهل بقدر المبيع المستلزم للجهل بقدر الثمن، خلافا للإسكافي، فأجازه في المجهولة ف‍ ضلا عن المعلومة كما ستسمع و لو باعها إي الصبرة أو جزءا منها مشاعا أو كل قفيز منها بدرهم مع الجهالة بقدرها لم يجز، و كذا لو قال: بعتك كل قفيز منها بدرهم، أو بعتكها كل قفيز بدرهم خلافا للإسكافي في الجميع و ظاهر الشيخ في الثالث، إلا أن الأول حكى الفاضل في المختلف عنه بالنسبة إلى الصورة الأولى، جواز بيع الصبرة تارة اكتفاء بالمشاهدة عن اعتبارها، و اخرى أنه لا بأس ببيع الجزاف بالجزاف مما اختلف جنساهما، لأن المقتضى و هو البيع موجود، و المعارض منتف، لانه إما مانع؛ الجهالة و هو منتف بالجهالة، هكذا وجد في المختلف و الصواب «بالمشاهدة» أو مانع تطرق الربا و هو منتف باختلاف الجنس، لكن لا ريب في ضعفه على كل حال، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، فضلا عن محكيه في المختلف عليه، إذ الجهالة نفسها مانعة، للنهى عن الغرر «1» و المشاهدة غير كافية في ذلك قطعا.
و أما الصورة الثالثة ففي المختلف «أنه أطلق الصحة فيما إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، و لم يتعرض لكونها معلومة أو مجهولة» و عن ابن جنيد «أنه لو وقع البيع على صبرة بعينها، كل كر بكذا أو ماءة كر منها بكذا فقبض المشتري‌
______________________________
(1) الوسائل الباب- 40- من أبواب آداب التجارة الحديث- 3.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 222‌
البعض أو لم يقبض، ثم زاد السعر أو نقص، كان باقي الصبرة أو الماءة للمشتري بالسعر الذي قاطعه عليه، و أما إذا اشترى كل كر منها بكذا و لم يشترط جميع الصبرة، و لا مقدارا معلوما، كان بقدر ما وزن بسعر يوم الشراء» و ظاهره الصحة فيهما.
و في المختلف «إن التحقيق الصحة إذا كانت معلومة المقدار، و إلا احتمل البطلان في الجميع؛ و الصحة في قفيز واحد كما قاله أبو حنيفة، أما بطلان البيع في الجميع، فلانه مبيع مجهول المقدار، و الثمن فيه غير معلوم فكان باطلا، و أما صحته في قفيز فلان بيع كل قفيز يستلزم بيع قفيز ما، فيصح، لتعينه و تعين ثمنه» و قول الشيخ يقتضي الصحة في الجميع؛ لانه نقل كلام أبي حنيفة و لم يرتضه، و اختار كلام الشافعي، و مذهبه صحة الجميع، و على كل حال فضعف الجميع واضح، و إن اختلفت مراتبه، ضرورة صدق الغرر فيه، الذي لا يزول بالتقدير المزبور قطعا، و الصحة في الواحد بعد أن لم يكن مقصودا لهما كما ترى، نحو الصحة في الصورة الرابعة التي لم يعلم قدر المبيع و لا قدر الثمن.
نعم لو قال: بعتك قفيزا منها، أو قفيزين مثلا صح كالمعلومة بلا خلاف و لا إشكال إذا علم اشتمالها عليه، بل ظاهر اللمعة ذلك و إن لم يعلم إلا أنه يجبر نقص المبيع لو تحقق بالخيار، و فيه أنه لا غرر أعظم من الشك في الوجود؛ و لعله لذا كان خيرة الأكثر العدم إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن هناك طريق شرعي يقتضي وجوده من أصل أو غيره، و لعل من اعتبر العلم أراد ما يشمل ذلك، بل يمكن إرادة ما يشمل الاطمئنان منه و الأمر سهل.
إنما الكلام في أنه هل ينزل على الإشاعة في الصورتين، أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة و تظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، و على الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره، و يرجح الأول، عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا على وجه الإشاعة، بل ينحل إلى جهالة المبيع و إبهامه، و ما تسمعه في بيع الثمار من أن‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 223‌
استثناء البائع أرطالا معلومة ينزل على الإشاعة من غير خلاف فيه بينهم قالوا:
فلو خاست الثمرة بأمر من الله تعالى مثلا؛ وزع على النسبة و هو مثل المقام كما اعترف به في الدروس.
لكن‌
في الصحيح «1» «رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري: قد قبلت و رضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وكل المشتري من يقبضه، فأصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طن، و بقي عشرة آلاف طن، فقال عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع»‌
و هو يؤيد الثاني و به يفرق بين ما هنا، و بين ما في بيع الثمار، إلا أنه قد يشكل صحة أصل البيع فيه بجهالة عين المبيع فيه الموجبة للضرر المنفي «2» الموجب لفساد المعاملة؛ و صرح الأصحاب- فيما لو باع شاة غير معلومة من قطيع- بالبطلان و إن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياة لتفاوت أثمانها، بل صرحوا بالبطلان فيما لو فرقت الصبرة صيعانا متمايزة، و اشترى مقدارا منها، فالأطنان إن كانت قيمية فمن الأول، و إلا فمن الثاني.
اللهم إلا أن يلتزم الأخير و يكون البيع غير ملاحظ فيه خصوص ذلك التميز، و إنما المراد مقداره، حتى لو أراد البائع تغيير الأطنان من غير نقصان للمقدار كان له ذلك لأن المفروض أن الجميع من أجمة واحدة، فيصح حينئذ لأنه كبيع المقدار المعلوم من الصبرة.
و لكن على كل حال فالمتجه الجمود على النص في خصوص البيع بالفرض المزبور و لا يتعدى منه إلى غيره، كالصلح و ثمن الإجارة و مهر النكاح و نحو ذلك بناء على ما سمعت من أن ملك الكلي في العين الخارجية لا يكون إلا على الإشاعة و فرض المسألة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 1.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 224‌
كون المبيع في الذمة، و شرط التأدية من الصبرة خروج عن موضوع البحث و مقتضاه عدم البطلان، حتى لو تلفت الصبرة أجمع؛ و إن تسلط على الخيار بانعدام الشرط.
بقي شي‌ء و هو أن منشأ الوجهين على الظاهر، الاختلاف في تعيين مراد المتعاملين من العبارة التي هي مورد العقد، لان ذلك حكم شرعي و إن لم يقصداه، فيخرج عن محل البحث حينئذ ما صرح فيه بقصد الإشاعة أو الكلي، إلا أنه قد يشكل صحة الثاني، بناء على عدم ملك الكلي في غير الذمة لا على وجه الإشاعة و خبر الأطنان «1» لا دليل فيه على صحته، بل هو أعم منه و من الإشاعة، و إن كان قد خولف مقتضاها بجعل التالف عن البائع خاصة، فيكون حكما شرعيا تعبديا لا يقاس عليه غيره.
بل قد يقال: إن هذا المعنى حكم مطلق بيع الصاع من الصبرة، أما لو صرح به فلا دليل على جوازه و قد يحتمل في أصل المسألة أن منشأ الوجهين الاختلاف فيما تقتضيه الأدلة الشرعية في بيع مطلق الصاع من الصبرة من غير مدخلية لتعرف قصد المتعاملين، بل لو علم خلوهما عن الأمرين معا، جاء الوجهان أيضا و لم يحكم بفساد المعاملة، فتأمل جيدا، فإن التحقيق التنزيل على الإشاعة، ضرورة كونه كالمالين المختلطين، أو كالمال الذي اشترى أبعاضه، هذا كله فيما يتوقف رفع جهالته على الاعتبار.
و أما بيع ما تكفى فيه المشاهدة فإنه جائز مع حصولها بلا خلاف و لا إشكال، لحصول المقتضى و انتفاء المانع كأن يقول: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب، أو هذه الساجة بالجيم أو جزء منها مشاعا من غير مسح لها، بناء على كفاية المشاهدة في الثلاثة كما هو الأقوى، خلافا للشيخ في المحكي من ظاهر خلافه، فمنع في الأولين من دون مسح، و لا ريب في ضعفه، سيما بعد اقتضاء العمومات الجواز و لا معارض و كذا ما لا يكون العد معتبرا في معرفته، كقطيع الغنم، و جملة النخيل و الشجر و صبرة الكتب و نحو ذلك، فيصح شراؤه بعد مشاهدة كل واحد مثلا‌
______________________________
(1) الوسائل الباب- 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 225‌
على وجه يعلم به، و إن لم يعرف عده ضرورة عدم كونه كالدراهم و نحوها مما يتوقف معرفته على عده كما هو واضح.
نعم لو أراد بيعها ذرعانا ف‍ قال: بعتكها كل ذراع بدرهم لم يصح إلا مع العلم بذرعانها بجملتها، لحصول الجهالة في الثمن، و إن كانت هي معلومة بالمشاهدة على وجه يصح بيعها، و هذا هو الفارق بينها، و بين الصبرة المعلومة حيث صح بيعها كل قفيز بدرهم لأن معلوميتها، انما تكون من جهة الكيل، فيستلزم العلم بقدر الثمن، و لو اكتفينا بالمشاهدة فيها كما ذهب اليه ابن الجنيد، اشترط في بيعها كل قفيز بدرهم معرفة ما تشتمل عليه منه ليحصل بذلك العلم بقدر الثمن.
و لو قال بعتك عشرة أذرع منها و عين ابتداء الموضع و منتهاه جاز قطعا بل في المسالك و محكي التحرير الإجماع عليه، لكونه معلوما بالحد و المشاهدة، فهي عين مشخصة لا جهالة في شي‌ء منها، و لو عين المبتداء أو المنتهى، فقال: من هنا إلى حيث ينتهي، أو إلى هنا من حيث يبتدى، صح أيضا مع فرض تشخص المبيع بدايته و نهايته في الواقع، و إن جهل ذلك المتشخص، إلا أن جهله ليس لصدقه على كثيرين، بحيث تكون أفرادا له حتى يكون المبيع كليا من بعض الجهات بل كان الجهل لعدم العلم بخصوص المحل الذي تنتهي إليه العشرة و مثله غير قادح للأصل سواء كانت أجزاء الأرض أو الثوب متساوية أو مختلفة لأن الفرض مشاهدته لها أجمع، فارتفع الغرر من هذه الجهة، و ليست هي بأعظم غررا من بيع الثوب و الأرض برؤية بعضها الذي لا خلاف في جوازه، و لا من بيع شي‌ء مع عدم العلم بدخول ما يدخل فيه عرفا، مما يجوز معه النزاع، بل هذه الجهالة عند التأمل، كالجهالة بوزن العشرة أقفزة مثلا أو بعلو الصبرة التي تحصل منها أو نحو ذلك، ما لا تعد جهالة في العرف و لذا استمر العمل على مقدار الاذرعة من الثياب من دون علم بما ينتهى اليه ذلك المقدار من المذروع منه استمرارا يمكن تحصيل العلم بتقرير المعصوم منه.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 226‌
فما في الدروس و عن المبسوط و الخلاف و ابن إدريس و القاضي و المقدس الأردبيلي من الصحة حينئذ قوي جدا، بل قيل إنه خيرة الإرشاد و شرحه لولده، لكن عن غاية المراد أنه حكى ولد المصنف عن والده إصلاح صح «بلم يصح» حتى يوافق ما في كتبه و في المسالك «إن الأجود الصحة مع تساوي الأجزاء أو تقاربها، و إلا فالبطلان أجود» و كأنه أخذه مما عن غاية المراد من أنه قد ينصر الشيخ بأن هذا الاختلاف غير قادح لأنه اختلاف مقاربة لا مفارقة مع غلبة تساوى الأجزاء المتجاوزة، و حينئذ فالأولى أن يحمل قوله تساوي أجزاء الأرض غالبا أو تقاربها، و فيه أنه بناء على ما ذكرنا لا فرق بين تساوي الأجزاء و اختلافها، لأن جهالتها تتبع الكلي إذا لم يكن مشاعا منها، أما إذا كان شخصيا مشاهدا فلا جهالة فيه.
فالأولى بناء كلام الشيخ على ذلك، لا على ما ذكراه و إلا لاتجه الصحة و إن لم يعين المبدأ و لا المنتهى كما في الصبرة، لكون الفرض التساوي، أو التقارب، و قد صرح غير واحد بعدم الجواز بناء على عدم تساوي الأرض و كذا الثوب، و لذا قال:
في المتن و لو أبهمه أي الموضع لم يجز لجهالة المبيع، و حصول التفاوت في أجزائها، بخلاف الصبرة نعم في الدروس أنه لو باعه ذراعا من ثوب معلوم المساحة و قصدا معينا أو أن يختار أحدهما ما شاء، بطل، و إن قصد الإشاعة صح، و هو كذلك، إلا أنه غير ما نحن فيه.
من ذلك كله ظهر لك أنه لو عين المبدأ و كان المبيع عشرة أذرع كلية بالنسبة إلى غير محل الابتداء لم يصح قطعا كما إذا لم يعين مبدأ المبيع، و إن عين ما فيه المبيع بداية و نهاية بناء على اختلاف أجزاء الأرض على وجه لا يمكن رفعها بالكلي، و إن شوهد جميع أفراده الدائرة بينها، اللهم إلا أن يقصد الإشاعة، فقد يقال: بالصحة، كما سمعته من الدروس و إن لم يعلم مساحة الأرض، إذا كان المبيع أذرعا معلومة، لكون المبيع حينئذ حصة مشاعة مقدرة بالعشرة أذرع مثلا، و الجهل‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 227‌
بنسبتها إلى المجموع حال العقد غير قادح، بعد الضبط بالأذرع، فيملك حينئذ في كل جزء من الثوب على حسب نسبة العشرة إلى المجموع، نحو ما سمعته في بيع الصاع من الصبرة، علي تقدير التنزيل على الإشاعة، و اختلاف الأجزاء و تساويها لا مدخلية لها في علم المبيع و جهالته، فإذا صح بيع الصاع من الصبرة منزلا على ملك حصة من الصبرة مشاعة تعلم بنسبة الصاع الى المجموع، و لا يقدح جهالتها حال العقد، فكذلك المقام.
بل قد ينقدح من ذلك و مما سمعته سابقا في بيع الصاع من الصبرة من انصراف مطلقه عندنا إلى الإشاعة، صحة نحو ذلك في المقام، و إن لم يصرح بقصدها، فينزل حينئذ على الإشاعة المزبورة، و يكون صحيحا، و ما عساه يوهمه إطلاق بعض العبارات من عدم جواز مثل ذلك، بل و الصورة السابقة، يمكن دفعه بظهور الإطلاق في غير ذلك، و أن المراد منه بيع مقدار مخصوص لا على جهة الإشاعة، و لا ريب في بطلانه خصوصا في مختلف الأجزاء فتأمل جيدا.
فإن الظاهر البطلان مع قصد النسبة بما ذكره من العدد على وجه يكون المبيع الكسر الذي يطابق النسبة المزبورة في الواقع، لجهالة المبيع التي لا يرفعها ضبط النسبة المزبورة، و إلا لصح ذلك في القيمي كأن يبيعه من العبد مثلا ما يقابل عشرة من النسبة إلى مجموع قيمته، و هو معلوم الفساد، و لا ينافي ذلك القول بتنزيل الصاع من الصبرة على الإشاعة، فإنه لا يراد منه وقوع البيع على الكسر الذي يكون نسبة الصاع إلى مجموعه، بل المراد منها أن المبيع كلي شائع في مصاديقه في الصبرة كشيوع كلي الشاة في الزكاة في الأربعين في وجه، و هذا و إن لم يكن من الاشتراك على اشتراك الكسور كالنصف و نحوه؛ و لكن حكمه حكمه بالنسبة إلى توزيع التالف على المجموع باعتبار عدم تعيين كلي كل من المالكين في فرد مخصوص، بل هو مصداق لكل منهما و حينئذ فالتحقيق صحة بيع الكلي في الشائع في الافراد الخارجة، و لكن مع تساوى‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 228‌
الاجزاء كالصاع من الصبرة على الوجه الذي ذكرنا، و كذا الأرض و الثوب مع فرض تساوى الاجزاء، و لا يصح مع اختلافها، أما بيعه على وجه النسبة بمعنى كون المبيع الكسر من الصبرة أو الأرض المقدر بنسبة الصاع أو الذراع إلى المجموع فغير جائز في متفق الاجزاء و مختلفها، و لعله بذلك تعرف الوجه في إطلاقهم و الله أعلم.
و لو باعه أرضا مثلا على أنها جربان معينة مصرحا بذلك أو بنى العقد عليه فكانت أقل فالمشتري بالخيار بلا خلاف و لا إشكال، إلا أن الأكثر نقلا و تحصيلا بل في الرياض أنه حكى الشهرة عليه جماعة على كون الخيار بين فسخ البيع و استرجاع الثمن إن كان قد قبضه البائع و بين أخذها بحصتها من الثمن، و قيل:
بل بكل الثمن كما هو خيرة الشيخ و القاضي و الفاضل و ولده و أبى العباس و الصيمري على ما حكي عن بعضهم، بل هو ظاهر الوسيلة و النافع و جامع المقاصد، و قواه في الميسية على ما قيل، و استوجهه في المسالك و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، إذ المذكور و إن كان بصورة الوصف و الشرط الذين لا يوزع عليهما الأثمان لكنهما أجزاء من المبيع حقيقة خارجية فيفوت بفواتها بعض المبيع حينئذ فيثبت الخيار المزبور لتخلف الوصف الذي هو بعض من المبيع، و بذلك افترق عن بعض الأوصاف التي لا ترجع إلى أجزاء من المبيع، فكان الخيار فيها بتخلف الوصف بين الفسخ و القبول بتمام الثمن، لكون الفائت ليس جزء مبيع يقابل شيئا من الثمن، بل وصفه، و ما نحن فيه ليس من ذلك قطعا، بل هو لا ينقص عن وصف الصحة الذي يثبت الخيار بفقدها بالعيب بين الرد و القبول بالأرش، مضافا إلى‌
خبر عمر بن حنظلة «1» المنجبر بما سمعت قال فيه: «رجل باع أرضا على أن فيها عشرة أجربة، فاشترى المشتري منه بحدوده، و نقد الثمن، و أوقع صفقة البيع و افترقا، فلما مسح الأرض، فإذا هي خمسة أجربة، قال: إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء رد المبيع و‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الخيار الحديث- 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 229‌
أخذ ماله كله، إلا أن يكون إلى جنب تلك له أيضا أرضون، فليوفيه، و يكون البيع لازما، و عليه الوفاء بتمام المبيع، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع، فان شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله، و إن شاء رد الأرض و أخذ المال كله»‌
و اشتماله على ما نقول به مع إمكان تأويله، لا يمنع من العمل بالباقي، و إشكال ذلك كله- بأن ما فات لا قسط له من الثمن، لاستحالة تقسيط الثمن على الأجزاء أو العلم، لعدم الفائت، و عدم المماثل له، فاستحال تقومه، فاستحال ثبوت قسط له، خصوصا إذا كانت الأرض المشتراة مختلفة الاجزاء، و فرض الفائت من الجيد أو الردي تحكم، فاتضح أن الفوات هنا كفوات صفة كمال، و هو كم، و الكم عرض فكان كالتدليس، و فرق بينه و بين ما إذا باع عبدين، فبان أحدهما مستحقا، لأنه في هذه لم يسلم المبيع، و هو مجموع العبدين، و هنا قد سلم المبيع و هو مجموع الأرض، و إنما فقد منها كونها بقدر الجريب الواحد عشر مرات مثلا، و هذا وصف يعد كمالا، و لا يعد نقصه عيبا، و بأن التقسيط يؤدي إلى جهالة الثمن في الجملة و التفصيل- يدفعه إمكان كون طريق التقويم بأن هذه الأرض المشخصة من غير زيادة عليها و لا نقيصة على فرض أنها عشرة أذرع، و لو للاشتباه فيها، قيمتها كذا و على فرض أنها خمسة قيمتها كذا، فينسب إحدى القيمتين إلى الأخرى، و يؤخذ من الثمن بنسبته، فلا يحتاج حينئذ إلى إضافة شي‌ء إليها كي يستشكل بأنه يستحيل تقويمه لعدم المماثل، حتى يجاب عنه بأن الغالب في الأرض التساوي، فيفرض كونه مساويا لها، مع أنه قد يستشكل بأنه قد يفرض كونها مختلفة، فيلتزم كون الفائت مختلفا على نسبة اختلافها، إذا الجميع كما ترى، و لا جهالة حال العقد بعد الإقدام منهما على مقابلتها بالثمن على أنها عشرة، كما أنه لا يقدح الجهالة في التقسيط بعد معلومية المقابلة في الجملة.
و من ذلك ظهر لك الوجه في قول المصنف و لو زادت كان البائع بالخيار بين الفسخ و الإجازة بجميع الثمن، و كذا كل ما لا يتساوى أجزاؤه لعدم موجب التقسيط‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 230‌
هنا ضرورة اختصاص إيجاب التبعيض ذلك بالمشتري، فلم يبق إلا جهة تخلف الوصف الموجب ضررا على البائع لو كان البيع لازما فثبت له الخيار بالطريق المزبور و إلزام المشتري هنا بإعطاء ما يخص الزيادة على نسبة الثمن، أو تخيره بين ذلك و بين الفسخ لا يوافق الضوابط الشرعية؛ كاحتمال بطلان البيع كما في القواعد.
و عن المبسوط بل عن التبصرة أنه الوجه عندي لجهالة المبيع، لكون الزيادة غير معينة، إذ فيه أن المبيع بحسب الصورة هو المجموع، و قد تجدد كون الزائد ليس منه بعد الحكم بصحة العقد، على أن ذلك مبنى على كون الزيادة للبائع، و هو خلاف التحقيق كما ستعرف، بل قد عرفت أن مبنى كلام المصنف، و من عبر كعبارته على ذلك، و من هنا كان لا يرد على المتن بقرينة ذيله، أن إيجابه التقسيط في الأول قاض بالتبعيض، و إثباته الخيار المزبور هنا قاض بأنه من تخلف الوصف فيتدافع، إذ قد عرفت اجتماع الحيثيتين في الأول بخلاف الثاني.
لكن قد يناقش بأنه و إن كان التبعيض لا يوجب تقسيطا بالنسبة إلى البائع، إلا أن مقتضاه كون الزيادة للبائع كما صرح به بعضهم، و احتمله آخر و لا يكون له خيار حينئذ و احتماله- حينئذ للتضرر بعيب الشركة- يدفعه أولا أنه هو الذي غرر بنفسه، و ثانيا عدم الضرر عليه بعد أن كان قادما على مقابلة الجميع بالثمن، فظهور الشركة في الحقيقة نفع لا ضرر عليه، و التسلط بمثله على الخيار محل شك، بل منع لأصالة اللزوم.
نعم لا بأس به بالنسبة للمشتري حينئذ لأنه أقدم على كون الجميع له، فظهور الشركة فيه عيب بالنسبة إليه، بل لا يسقط حتى لو بذل البائع الزيادة، لعدم وجوب القبول عليه، فلا ريب حينئذ في ضعف الاحتمال المزبور، و أضعف منه حمل المتن عليه، ضرورة ظهوره في كون متعلق الخيار مجموع الأرض، بجميع الثمن.
فالتحقيق كون الزيادة و النقيصة من واد واحد، و الظاهر أنه من تخلف الوصف‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 231‌
فيهما؛ لأن المفروض كون المبيع عينا مشخصة محددة غير قابلة للزيادة و النقيصة إلا أنه وصفها البائع بمقدار مخصوص، و أخذها المشتري على ذلك الوصف فتخلف، فحصل الضرر منه على البائع أو المشتري، فيثبت الخيار؛ فليس في الحقيقة فواته مفوتا لجزء من المبيع، لما عرفت من أنه محدد مشخص غير قابل للزيادة و النقيصة.
لكن الخبر المزبور «1» الذي عمل به جماعة من الأصحاب أوجب التوزيع في صورة النقصان، و لا محيص عن العمل به إن لم يحمل بقرينة ذيله على كون المبيع عشرة معينة الابتداء إلى أن تنتهي، بناء على صحة ذلك، فبان قصورها عن العشر، فإن التوزيع هنا متجه، ضرورة كون مورد البيع المعدود من حيث العدد، إلا أنه خلاف الظاهر، و ذيله- بعد أن انفرد الشيخ بالعمل به في النهاية التي لم تعد للفتوى، فلا جابر له بالنسبة إلى ذلك- لا بأس بطرحه أو تنزيله على ما يوافق الضوابط و إن بعد، و لا يمنع من العمل بما تضمنه من التوزيع المزبور.
و منه يعلم حينئذ الحال فيما لو نقص ما يتساوى أجزاؤه فإنه ي‍ ثبت الخيار للمشتري بين الرد و أخذه بحصته من الثمن وفاقا للشيخ و الفاضل في بعض كتبه و الشهيدين في الدروس و اللمعة و غاية المرام على ما حكي عن بعضها، بل عن الأخير أنه المشهور، بل هو لازم لجميع من عرفته ممن قال به في مختلف الأجزاء ضرورة أولويته منه بذلك، و لذا أرسله بعضهم في ضمن الاستدلال إرسال المسلمات، بل ظاهر المقداد في التنقيح أو صريحه، أنه لا كلام فيه لإمكان توزيع الثمن فيه على أجزائه، فلا مانع فيه من هذه الجهة، بل إذا كان منه ما لا يضبط إلا بالوزن و نحوه، و لا تكفي فيه المشاهدة، كما هو الغالب فيه بكون التقدير فيه ملاحظا في المبيع أولا و بالذات، فكأنه باعه المقدر من حيث التقدير، فيفوت البعض بفواته.
______________________________
(1) الوسائل الباب 14- من أبواب الخيار الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 232‌
إلا أن الإنصاف كون العمدة إلحاقه بمضمون الخبر المزبور «1» و إلا فمتساوى الأجزاء، و إن كان يمكن توزيع الثمن عليه، و ليس فيه المانع المزبور، لكن بعد أن كان عينا مشخصة لا تزيد و لا تنقص صار التقدير المفروض فيها وصفا أيضا، حتى لو كان وزنا و نحوه، إذ هو طريق إلى المعلومية المسوغة للإقدام على البيع كالوصف، لا أنه بعض مبيع؛ و لذا كان خيرة الفاضل في القواعد التخيير فيه بين الرد و الأخذ بالثمن، بل هو المحكي عن ولده في الإيضاح، و عن الشهيد في حواشيه و الميسية و الكفاية أنه أقوى، و في المسالك أنه متجه، و مال إليه في جامع المقاصد، إلا أن فيه إعراضا عن الخبر المزبور، المنجبر بما عرفت، فالتوزيع هو الأقوى.
نعم هو متجه فيما لو زاد، فيتخير البائع بين الرد و القبول بالثمن المسمى، كما سمعته في مختلف الأجزاء وفاقا للفاضل في القواعد، و المحكي عن ولده في شرح الإرشاد و مال إليه المحقق الثاني و المقدس الأردبيلي على ما حكي عنه، بل ربما قيل إنه لازم لكل من قال به في مختلف الأجزاء ممن عرفت، فحينئذ يكون الزيادة للمشتري، و لا خيار له حينئذ، لأن المتضرر بفوات الوصف البائع دونه، خلافا للمبسوط و التحرير و الإرشاد و التبصرة و التنقيح و ظاهر موضع من الدروس، فجعلوا الزيادة للبائع على ما حكي عن بعضها، بل في مجمع البرهان لا شك في أنها له، بل في التنقيح لا كلام فيه، و لعله لا يخلو من قوة فيما يعتبر فيه الوزن و الكيل و العدد، إذ التزام دخول الصبرة المبيعة بعنوان أنها وزنة في ملك المشتري و إن كانت وزنتين لا يخلو من صعوبة.
و على كل حال فالمتجه ثبوت الخيار للمشترى، لأنه خلاف ما قدم عليه، و للتضرر بالشركة دونه، نحو ما سمعته في مختلف الأجزاء فمن الغريب ما في القواعد و التحرير من عدم الخيار له على هذا التقدير، و لعله لعدم التضرر، فهو كالصاع من الصبرة إلا أنه‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الخيار الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 233‌
كما ترى، فتأمل جيدا في جميع ما ذكرنا، فإن منه يظهر لك الخلل في جملة من كلمات الأصحاب في مواضع متعددة و اللّٰه أعلم.
و لو جمع بين شيئين مثلا مختلفين في كون كل منهما مورد عقد مخصوص في عقد واحد بثمن واحد كبيع و سلف فقال: بعتك هذا العبد و عشرة أقفزة حنطة موصوفة بكذا مؤجلا إلى كذا بمأة درهم أو إجارة و بيع فقال:
آجرتك الدار و بعتك العبد بكذا أو نكاح و إجارة فقال: أنكحتك نفسي و آجرتك الدار بكذا صح بلا خلاف أجده فيه، و إن أوهمه نسبة بعضهم إياه إلى الأكثر بل قيل صرح في المبسوط بأن فيه خلافا عندنا، لكنه احتمل إرادته من العامة.
نعم عن الأردبيلي أنه تأمل فيه، و لعله للشك في نقل مثل هذا العقد الذي لا يدخل في اسم كل منهما، و إلا اعتبر فيه ما يعتبر فيهما، و لأن الجهالة و الغرر و إن ارتفعا بالنسبة إلى هذا العقد، إلا أنهما متحققان بالنسبة إلى البيع و الإجارة، و قد نهي الشارع عنهما في كل منهما] «1» و ارتفاعها بالنسبة إلى مجموع العقد غير مجد، و ليس هو كالمبيعين الذين فسد البيع بالنسبة إلى أحدهما، للاكتفاء فيه بمعلومية ثمن المجموع الذي هو مبيع و الجهل بالتقسيط غير قادح بعد أن كان بالنسبة إلى جزء المبيع لا إلى مجموعه، بل لعل مثل ذلك غير قادح حتى مع العلم بالفساد من أول الأمر، لصدق معلومية ثمن المبيع، و لو كان البيع في بعضه فاسدا بخلاف المقام الذي ثمن تمام المبيع فيه مجهول، و إن كان هو معلوما بالنسبة إلى مجموع العقد.
اللهم إلا أن يقال: إن المعلوم من قدح الجهالة ما إذا كان البيع عقدا مستقلا لا جزء عقد، فإطلاق الأدلة بحاله، كما أن عموم قوله تعالى «2» «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كاف في ثبوت مشروعيته، بعد ظهور اتفاق الأصحاب عليه، الذي يكفي في ثبوت معهوديته، فتشمله الآية‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 4 المستدرك ج 2 ص 470.
(2) سورة المائدة الآية 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 234‌
و إن قلنا بأن اللام إشارة إلى العقود المتعارفة، إذ لا طريق لنا إلى ذلك إلا كلام الأصحاب، فيكفي حينئذ معلومية العوض لهذا العقد الذي هو في الصورة عقد واحد و في المعنى عقدان أو عقود، و لذا يجري عليه حكم كل منها لنفسه من غير مدخلية للآخر نحو خيار المجلس و غيره، كما هو واضح، إلا أنه من حيث اتحاد القبول فيه- باعتبار عدم الدليل على اعتبار القبول بعد العقد على وجه لا يشاركه غيره في معناه- واحد.
و حينئذ فإن احتيج إلى أن يقسط العوض لتعدد المالك أو غيره قسط على قيمة المبيع و أجرة المثل بلا خلاف و لا إشكال و على مهر المثل بلا خلاف أيضا إلا أنه أشكل بأن المفوضة ترجع إلى مهر السنة لو زاد مهر المثل عنه، و هنا لما لم يتعين لها مهر مقدر ابتداء أشبهت المفوضة، فلا يتم إطلاق مهر المثل، و يدفع بأنها هنا ليست مفوضة بل مسماة المهر، غايته عدم العلم بقدر ما يخصه ابتداء، على أن الرجوع إلى مهر السنة على تقدير زيادة مهر المثل محل تأمل أو منع.
نعم هو مسلم بالنسبة إلى مفوضة البضع، و هذه ليس منه قطعا كما هو واضح، و لو كان أحد الأعواض مؤجلا، قسط عليه كذلك، فلو باعه عبدا يساوى عشرة حالا، و عشرين مؤجلا فباعه مؤجلا، و أجره داره مدة سنة بعشرين، و العوض عشرون، فإنه يقسط بينهما بالسوية و كذا يجوز بلا خلاف بل و لا إشكال بيع السمن بظروفه مع العلم بوزن المجموع الكافي عن معلومية وزن كل منهما، بعد إقدام المشتري على الرضا بكون سعر الظرف سعر الدهن، فإذا احتيج إلى التقسيط قسط على ثمن مثلهما، بأن يقال:
قيمة الظرف مثلا درهم، و قيمة السمن تسعة فيخص الظرف عشر الثمن و لو قال: بعتك هذا السمن بظروفه كل رطل بدرهم بعد العلم بوزن المجموع كان جائزا أيضا لما عرفت‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌23، ص: 235‌
من وجود المقتضى و ارتفاع المانع، و التقسيط فيه بأن يوزن الظرف منفرد أو ينسب إلى الجملة، و يؤخذ له الثمن بتلك النسبة، و بذلك افترق هذا المثال عن الأول كما هو واضح و اللّٰه أعلم.








جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌24، ص: 84
[أما اللواحق فمسائل]
و أما البحث في اللواحق فمسائل‌
[المسألة الأولى يجوز لبائع الثمرة أن يستثنى ثمرة شجرات أو نخلات بعينها]
الأولى: يجوز لبائع الثمرة أن يستثنى ثمرة شجرات؛ أو نخلات بعينها بلا خلاف و لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه، و كذا استثناء عذق معين و نحوه نعم لو أبهم في شي‌ء من ذلك بطل بلا خلاف بل في التذكرة الإجماع عليه للجهالة في المبيع حينئذ، و منه الأجود أو الأردى إذا لم يكن معلوما بينهما على وجه يكون مشخصا؛ و يجوز له أيضا بلا خلاف و لا إشكال ان يستثنى حصة مشاعة كالثلث أو الربع، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا، بل المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه يجوز له أيضا ان يستثنى أرطالا مثلا معلومة بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 85‌
الخلاف الإجماع عليه، للأصل و صحيح ربعي «1» المتقدم سابقا و‌
خبره الآخر «2» «في الرجل يبيع الثمرة؛ ثم يستثنى كيلا و تمرا؟ قال: لا بأس به قال: و كان مولى له عنده جالسا فقال المولى: انه ليبيع و يستثنى أو ساقا يعني أبا عبد الله عليه السلام، قال: فنظر إليه و لم ينكر ذلك من قوله»‌
خلافا لأبي الصلاح منا، و الشافعي و أبي حنيفة و أحمد بن حنبل من غيرنا، فلم يجوزوه، لأدائه إلى جهالة مقدار المبيع من المشاهد الذي طريق معرفته المشاهدة، كما لو استثنى مشاهدا من الموزون الذي طريق اعتباره الوزن، بأن باعه الموزون مستثنيا منه مشاهدا غير موزون، و هو اجتهاد في مقابلة النص، المعتضد بما سمعت، و بعدم تحقق الجهالة في مثله عرفا؛ سيما بعد أن كان مرجع هذا الاستثناء إلى حصة مشاعة نسبتها إلى المجموع نسبة الأرطال المعلومة اليه، و جهالة مقدارها في ذلك الوقت بعد أن كانت مضبوطة بما لا يقبل الزيادة و النقصان غير قادح، كما لو باعه صاعا من الصبرة على هذا الوجه، بل الظاهر الصحة لو باع مختلف الأجزاء كالأرض و نحوها مستثنيا منها أذرعا مخصوصة على إرادة النسبة المزبورة، فتأمل جيدا.
و منه يعلم وجه ما ذكره المصنف و غيره من أنه لو خاست الثمرة سقطت من الثنيا إذا كانت حصة مشاعة أو أرطا لا معلومة بحسابه بل لا أجد فيه خلافا بينهم نعم لهم بحث سابق في بيع الصاع من الصبرة؛ و قد اعترف في الدروس هنا بأنه قد يفهم من هذا التوزيع، تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة، لكن في الروضة «أنه قد تقدم ما يرجح عدمه ففيه سؤال الفرق» قلت: قد مر لنا خلاف ذلك؛ و أن الراجح تنزيله على الإشاعة؛ بل قلنا: هناك لو صرح بعدم إرادة الإشاعة، أمكن بطلان البيع، لان بيع الكلي ما لم يكن في الذمة أو منزلا على الإشاعة؛ يتحقق به الجهالة.
و قد يؤيده ما في التذكرة هنا من أنه لو صرح بإرادة الاستثناء مما يسلم من الثمرة‌
______________________________
(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب بيع الثمار الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 86‌
أمكن بطلان البيع، اللهم إلا أن يستند في مسألة الصاع إلى خبر الأطنان «1» أو غيره مما مر تحقيقية هناك، فلاحظ و تأمل ما أسفلناه هناك، فإنه نافع في المقام بالنسبة إلى غير ذلك أيضا، حتى بالنسبة إلى اشتراط صحة بيع الصاع من الصبرة، بالعلم باشتمالها عليه و عدمه، و إن كان الظاهر عدم الصحة في المقام، مع عدم العلم؛ للشك في أصل وجود المبيع، لاحتمال الاستغراق، تنزيلا لإطلاق النص و الفتوى على المعهود ما يعلم فيه عدم الاستغراق مع احتماله هنا، و تكون الصحة مراعاة كما أن النقص هناك يجبر بالخيار، إلا أنه ضعيف جدا، خصوصا بناء على أن مدرك الصحة النص السابق، و أنه لولاه لكان باطلا للجهالة، فتأمل.
و الظاهر أنه لا فرق في استثناء الأرطال بين وجود الثمرة و بين عدمها كما لو باعه ثمرة سنتين مستثنيا الأرطال، للإطلاق و لا ينزل إشاعة السنة الثانية على نسبة السنة الأولى لاختلافها، بل كل منهما على نسبتها، و لو لم يخرج في السنة الثانية إلا مقدار المستثنى فما دون، ففي الصحة و البطلان وجهان ينشئان من تنزيل ذلك منزلة ما لو خاست الثمرة و عدمه؛ و على الأول يقدر لها حينئذ ثمرة العادة و ينسب لها الأرطال الموجودة، فيستحق المشتري على حسب تلك النسبة، لكنه كما ترى لا يخلو من بعد، بل ينقدح منه احتمال صحة استثناء الأرطال في الثمرة المشاهدة دون غيرها.
ثم إنه قد صرح غير واحد بأن طريق معرفة الإشاعة في مسألة الأرطال تخمين الفائت بالثلث و الربع مثلا ثم تنسب الأرطال إلى المجموع، و يسقط منها بالنسبة، لكن قد يقال: ان التخمين أن صح الاعتماد عليه باعتبار انحصار الطريق فيه، فهو بالنسبة إلى الفائت، أما نسبة الأرطال فيمكن معرفتها على التحقيق، فلا ينبغي الاكتفاء فيها بالتخمين بل الاولى الرجوع إلى الصلح بعد معرفتها أيضا لعدم الدليل على الاكتفاء بالتخمين الذي يمكن أن يكون محلا للنزاع، و ربما يتعسر معرفته في بعض الأحوال أو يتعذر هذا.
______________________________
(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 87‌
و قد قيد ثاني المحققين و الشهيدين و غيرهما نحو إطلاق المتن بما إذا كان التلف بغير تفريط، قيل: و المراد إنه إذا كان بتفريط المشتري مثلا اختص التالف به، قلت:
الظاهر إرادة اختصاص الضمان به؛ و إلا فلا ريب في أن التالف على كل تقدير يكون منهما، بناء على الإشاعة المزبورة؛ لعدم ما يقتضي اختصاص التالف أو الباقي بأحدهما، فلا فرق حينئذ في ذلك بين كون التلف منهما أو من أجنبي أو من آفة سماوية، فيكون الإطلاق حينئذ صحيحا، اللهم إلا أن يدعى عدم جريان حكم الإشاعة لو كان التلف من أحدهما أو خصوص المشتري و هو كما ترى:
[المسألة الثانية إذا باع ما بد إصلاحه فأصيب قبل قبضه كان من مال بايعه]
المسألة الثانية: إذا باع ما بد إصلاحه مثلا فأصيب الكل بآفة من الله سماوية أو أرضية قبل قبضه الذي هو التخلية كان من مال بايعه كغيره من أفراد المبيع للعموم و غيره مما تقدم في محله، و الظاهر إلحاق النهب و السرقة و نحوهما مما لا يكون المتلف فيه شخصا معينا، بها لا بتلف الأجنبي الذي ستعرف أنه مسلط على الخيار، دون الانفساخ، لصدق التلف بها و قد سمعت ما في خبر عقبة «1» من السرقة، و في التذكرة هنا «لا فرق بين أن يكون التلف بأمر سماوي كالريح و الثلج و البرد أو بغير سماوي كالسرقة و الحرق» إلا أن الظاهر إرادة التعريض به على خلاف أحمد، من أنها ان تلفت بأمر سماوي كان من ضمان البائع، و إن تلفت بنهب أو سرقة كان من ضمان المشتري فتأمل جيدا.
و كذا لو أتلفه البائع مباشرة أو تسبيبا لأولويته من التلف بالافة؛ لكن ظاهره الانفساخ قهرا به كالافة، و لم أعرفه إلا للمحكي عن الشيخ في مبسوطة و محتمل الإيضاح، لصدق التلف و هو جيد؛ إلا أن الفرق بينه و بين تلف الأجنبي غير واضح، و من هنا كان المعروف بين المتأخرين إلحاقه به، فيتخير المشتري بين الفسخ و مطالبة البائع بالمثل أو القيمة.
______________________________
(1) الوسائل الباب- 0 من أبواب الخيار الحديث- 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 88‌
و إن أصيب البعض انفسخ العقد فيه بلا خلاف فيه بيننا، و أخذ السليم بحصته من الثمن و كان له خيار التبعيض، بل في التحرير «إن اختار الإمساك فالأقرب تخير البائع» و هو لا يخلو من نظر و لو أتلفه أجنبي كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع، و بين مطالبة المتلف بلا خلاف أجده، فيه، جمعا بين ما دل على ضمان البائع، و على ضمان من أتلف مال غيره، و لا ينحصر المراد بضمان البائع في الانفساخ قهرا الذي على تقديره هنا تلغو قاعدة ضمان المتلف، فلا بد حينئذ من إرادة الفسخ الاختياري هنا، من ضمان البائع و لوجوب التسليم عليه، و قد تعذر؛ و من ذلك يظهر لك قوة الخيار في إتلاف البائع، لا الانفساخ فتأمل جيدا، لما تقدم سابقا منا من التوقف في اقتضاء مثل هذا التعذر الموجب ضمانا على الغير الخيار.
و لو كان التلف للكل أو البعض بآفة أو من أجنبي بعد القبض و هو التخلية مطلقا أو في نحوه الثمرة التي هي حال كونها على الشجر من غير المنقول، لم يرجع على البائع بشي‌ء على الأشبه بأصول المذهب و قواعده، لخروجه عن ضمانه بالقبض، فلا انفساخ حينئذ و لا فسخ، لكن في المحكي عن المبسوط و إن قلنا أنه ينفسخ في مقدار التلف أي بالافة كان قويا.
و في المسالك «ذهب بعض الأصحاب إلى أن الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع، و إن أقبضها بالتخلية نظرا إلى أن بيعها بعد بدو الصلاح بغير كيل و لا وزن على خلاف الأصل، لأن شأنها بعده النقل، و الاعتبار بالوزن أو الكيل، و إنما أجيز بيعها كذلك للضرورة، فيراعى فيها السلامة؟» قلت: لم نعرف القائل بذلك منا نعم حكاه في التذكرة عن الشافعي في القديم معللا له بأن التخلية ليست بقبض صحيح، و لهذا لو عطشت الثمرة كان من ضمان البائع أيضا تلفت و هو كما ترى، تعليلان عليلان، فلا ريب في أن المتجه ما ذكرنا، بل لو أتلفه البائع أيضا لم يثبت للمشتري فسخ و لا انفساخ، لعدم الدليل و إن رجع عليه بالمثل أو القيمة كالأجنبي.
و لو أتلفه أي المبيع المشتري في يد البائع استقر العقد، و كان الإتلاف‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 89‌
كالقبض، و كذا لو اشترى جارية و أعتقها قبل القبض فإنه بمنزلة القبض منه، ضرورة ظهور ما دل على ضمان البائع في كونه إرفاقا بحال المشتري؛ فلا يشمل ما إذا كان هو المتلف، و في المسالك «إن إتلاف المشتري للمبيع في يد البائع أعم من كونه بإذن البائع و عدمه، فان كان باذنه فهو قبض تترتب عليه أحكامه مطلقا، و إن كان بغير إذنه كما هو الظاهر فهو قبض من حيث انتقال الضمان إلى المشتري، و إن تخلف عنه باقي الاحكام و الفرض هنا انتقال الضمان، و إنما شبه الإتلاف بالقبض و لم يجعله قبضا لأن الإتلاف قد يكون بالتسبيب، فيكون في حكم القبض خاصة، و قد يكون بمباشرة المتلف فيكون قبضا حقيقة» قلت: مقتضى التفصيل الأخير؛ عدم مراعاة الاذن في تحقق القبض و عدمه، و مقتضى التفصيل الأول عدم مراعاة المباشرة و عدمها، على أن قد سمعت في المباحث السابقة ما في التذكرة من عدم تحقق القبض بالإتلاف لو كان جاهلا و لو مع المباشرة، فلاحظ ما أسفلناه سابقا و تأمل.
و كيف كان ففي حواشي الشهيد هنا «أن الاقسام أربعة عشر، لان التلف إما من البائع و المشتري أو من غيرهما، أو من البائع خاصة؛ أو المشتري خاصة، أو من البائع و أجنبي، أو من المشتري و أجنبي، أو منهما و أجنبي، فالأقسام سبعة و حينئذ إما أن يكون قبل القبض، أو بعده، فتبلغ أربعة عشر وجها، فالسبعة التي قبل القبض دركها على البائع إن لم يشاركه المشتري، و إن شاركه المشتري فالدرك على المشتري، و السبعة التي بعد القبض دركها على المشتري، ففي الأول ما أتلفه المشتري فهو قبض، و ما أتلفه البائع فالمشتري بالخيار بين المطالبة بالمثل أو القيمة إن لم يكن مثليا؛ أو يفسخ و يغرم ما أتلف، و في الثاني يتخير بين المطالبة المتلف مع الإجازة؛ أو يفسخ و يرجع بالثمن على البائع، و في الثالث هو بالخيار أيضا؛ و في الرابع قبض منه، و في الخامس يتخير، و في السادس التلف منه و يرجع على الأجنبي بمقدار ما أتلف. و في السابع أيضا كذلك يسقط ما أتلفه بفعله و يرجع عليهما بما قابل فعلهما».
قلت: لا يخفى عليك زيادة الاقسام مع ضم الآفة إليها كما أنه لا يخفى عليك ما في إطلاق قوله إن الدرك على المشتري مع المشاركة، بل ظاهر كلامه عدم الخيار في السادس‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 90‌
و السابع، و الفرق بينه و بين الأول غير واضح، فالمتجه ثبوت الخيار في الجميع، مع كون المراد بالشركة اختصاص كل بتلف البعض على جهة الاستقلال، أما إذا كان الاشتراك على وجه يكون كل منهم بعض العلة بحيث استند التلف إلى المجموع فلا يبعد عدم الخيار في الجميع؛ أى جميع الصور التي يدخل فيها المشتري؛ لعدم الإرفاق فيه حينئذ؛ و الأصل اللزوم، بل لو فرض الاشتراك على هذا الوجه بين المشتري و الآفة أو البائع، بناء على أنه كالافة لم يكن انفساخ؛ لعدم صدق المتلف على كل منهم، بل هو بعض المتلف، و فرق واضح بين متلف البعض و بعض المتلف و التنصيف بالضمان مثلا، لا لأن كلا منهما قد أتلف نصفا بل لكون المجموع مصداق من أتلف، فضمان الكل عليه، لا على كل واحد منهما فينصرف إلى الاشتراك.
أما في نحو المقام فالأصول تقتضي لزوم العقد، فمع فرض تعليق الانفساخ مثلا على التلف بالآفة، لم يصدق مع كونه جزء سبب؛ و كذلك مقتضى الخيار لو فرض كونه كذلك نعم لو اشترك ما يقتضي الانفساخ و ما يقتضي الخيار كالافة و الأجنبي، أمكن ثبوت الخيار في المقام لانه مقتضى كونه مضمونا على البائع مع احتمال عدمه، كما أن الظاهر ثبوت الخيار مع شركة البائع و الأجنبي كذلك أيضا، و لو اشترك البائع و الآفة؛ و قلنا إن إتلاف البائع مثلها في الانفساخ، فالمتجه حصولها معهما إلا أن يفرض كون العنوان في كل منهما على جهة الاستقلال على وجهه لا يندرج فيه حال الاشتراك، و حينئذ يتجه الخيار بناء على أن مقتضية تعذر التسليم و الفرض حصوله، فقد ظهر من ذلك أنه حيث يدخل المشتري يرتفع الانفساخ و الخيار، و يكون جزئيته في الإتلاف بمنزلة القبض، و يرجع على من شاركه على حسب شركته في السببية فتأمل جيدا، فإن المسألة محتاجة مع ذلك إلى التحرير، بل فيه احتمالات آخر هذا.
و الظاهر جريان حكم التلف قبل القبض و بعده بالنسبة إلى ثمرة السنة الثانية لو كانت بعض المعقود عليه و لا يقوم القبض في السنة الأولى عنه فيها، كما أنه لا ينافي ذلك‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 91‌
استقرار الثمن على المشتري لو لم تظهر ثمرة أصلا، كما يشهد لهم‌
قوله عليه السلام «1» «ان لم تخرج في هذه السنة تخرج في قابل»‌
لان ذلك مقتضى العقد على المعدوم الذي صيره الشارع بحكم الموجود في صحة البيع، بل هو غير مندرج في المبيع التالف قبل القبض، لعدم وجوده، بخلاف ما لو ظهرت فتلفت قبل التخلية مثلا، إذ لا ريب في الاندراج، كما أن جميع ما تقدم بالنسبة إلى الثمرة الأولى مما يقتضي الخيار أو الانفساخ جار فيها.
و بذلك ظهر لك الفرق بين ظهور عدم الثمرة و بين تلفها قبل القبض، فلا ضمان على البائع في الأول، بخلاف الثاني و تحقيقه أن المبيع في الأول الثمرة الحاصلة منضما إليها الثمرة المتجددة في السنين- نحو انضمام المعدوم إلى الموجود في الوقف على معنى مشاركته للموجود إن حصل؛ و إلا فلا بطلان للوقف،- و قلنا إن تجددت ثمرة كانت مبيعا، و إلا كان المبيع الموجودة، و مرجعه بيع ثمرة هذا النخل سنين كائنة ما كانت، لا أن المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون ملاحظة مستقلة، و إنما هو ما عرفت و إن لم يعلم مصداقه، فيحتمل كونه الموجود خاصة و يحتمل حصول غيره معه؛ نحو ثمرة الشجرة الواحدة، إذا ظهر بعض ثمرها و لم يظهر الباقي، و أريد بيع ثمرها أجمع، و بما كان في قوله عليه السلام إن لم تخرج هذه، إلى آخره إيماء إليه، و إن كان مورده التعدد من السنين قبل الظهور، و لكن يفيد أن المبيع ثمرة كلية لا يعلم مصداقه و لا زمان وجودها، فهو ينفع فيما نحن فيه و شبهه من الصور الصحيحة.
بل لعل ضم البقلة و الرطبة في موثق سماعة السابق «2» من هذا القبيل بناء على ما ذكرناه من إرادة خصوص البقلة و الرطبة في البستان، فيكون المبيع أحدهما مع ثمرة البستان المحتمل حصولها، فان خرجت كانت من المبيع و إلا كان المبيع البقلة أو الرطبة، و حينئذ تكون من مسألة جواز بيع ثمرة البستان التي ظهر بعضها و لم يظهر الأخر، من غير‌
______________________________
(1) الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.
(2) الوسائل الباب- 3- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 92‌
فرق بين اتحاد النوع و اختلافه، و بين الخضرة و الغلة و غيرهما كما سمعته.
و بالجملة إذا كان المبيع كليا تتعدد مصاديقه في الخارج، و المفروض مشروعيته في بيع الثمار، يتجه عدم ضمان البائع لو لم يحصل المصداق الأخر، ضرورة وجود مصداق آخر له و هو الموجود، نعم لو فرض كون المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون كل منهما مبيعا مستقلا، و قلنا بصحته في الثمار، و لو لإطلاق الأدلة، يتجه حينئذ ضمانه على وجه يقتضي توزيع الثمن، ضرورة عدم حصول بعض المبيع المفروض ارادة مقابلته بالثمن.
و لعل من ذلك البيع خرطتين مثلا مع فرض عدم حصول الخرطة الثانية، و لذا صرح بعضهم بتوزيع الثمن فيه، لأن الخرطة الاولى لا تكون مصداقا للخرطتين اللتين هما متعلق البيع، بخلاف نحو بيع ثمرة النخل إلى سنتين مثلا؛ فالمتجه حينئذ التفصيل و مع الإطلاق لا يبعد تنزيله على الأول، و لا يقدح زيادة الثمن في مقابله، فإنه أعم من ملاحظة كونه مبيعا مستقلا بل كملاحظة الأوصاف و حمل الدابة المحتمل إذا بيعت على ما هي عليه، بل هنا أقوى، للعادة، و ربما يؤيده السيرة المستمرة على عدم رجوع المشتري بما يخص بعض النخل الذي لم يظهر حمله في بعض السنين، اللهم إلا أن يكون وجهه التسامح فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم، و إن كان يلوح منهم الأول، و الله العالم. ثم إن الضمان هنا حيث يتحقق على البائع أو الأجنبي فهو بالمثل؛ حيث يكون مثليا، كما لو كان تمرا و نحوه، أما لو كان من قبيل الطلع و نحوه فضمانه بالقيمة؛ فيقوم حينئذ على حاله، باقيا إلى أو ان بلوغه محتملا للعوارض، و يدفع له قيمته فتأمل جيدا و الله أعلم.









جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌24، ص: 237
[المسألة التاسعة إذا اشترى عبدا في الذمة]
المسألة التاسعة روى ابن مسلم «1» عن الباقر عليه السلام «في الضعيف أنه إذا اشترى رجل من رجل عبدا أي موصوفا في الذمة و كان عنده عبدان ف‍ دفع البائع إليه عبدين و قال: للمشتري اذهب بهما فصلى الله عليه و آله اختر أحدهما و رد الآخر، و قد قبض المال فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده،
فقال عليه السلام ليرد الذي عنده منهما و يقبض نصف الثمن مما أعطى من المبيع؛ و يذهب في طلب الغلام؛ فان وجده اختار أيهما شاء، ورد النصف الذي أخذ و إن لم يجده كان العبد بينهما، نصف للبائع، و نصف للمبتاع»‌
و قد عمل بها الشيخ في نهايته و ابن البراج بل في الروضة نسبة العمل إلى أتباعه، بل في الدروس نسبته إلى الأكثر و إليه أشار المصنف بقوله قيل يكون التالف بينهما و يرتجع نصف الثمن فإن وجده اختار و إلا كان الموجود لهما و هو بناء على انحصار حقه فيهما و زاد في الدروس و على تساويهما في القيمة و مطابقتهما للوصف؛ و عدم ضمان المشتري هنا؛ لانه لا يزيد على‌
______________________________
(1) الوسائل- الباب- 16- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 238‌
المبيع المعين الهالك في مدة الخيار فإنه من ضمان البائع، و قد يشكل الأولين بأن المبيع أمر كلي لا يتشخص بتشخيص البائع، و دفعه الاثنين ليتخير أحدهما ليس تشخيصا و إن حصر الأمر فيهما، لأصالة بقاء الحق في الذمة، إلا أن يثبت شرعا كون ذلك كافيا كما لو حصره في عشرة فصاعدا، و قد يدفع بأنه يكفي فيه دفع البائع ذلك بعنوان كون الحق فيه و رضا المشتري بذلك، فقبضه على هذا؛ فهو في الحقيقة كدفع المتحد و قبضه؛ إلا أنه لما كان التحقيق الذي قد مر في المسألة الصاع من الصبرة، أن الأصل عدم ملك الكلى المعين في غير الذمة، وجب حينئذ تنزيل الكلي فيهما حينئذ على الإشاعة تخلصا من ذلك، فملك المشتري حينئذ نصفا من كل منهما، إلا أن له الخيرة في تعيين النصفين بواحد، بل للبائع إلزامه بذلك، باعتبار أنه هو الذي وقع عليه العقد، فإذا أحدهما قبل التعيين كان مقتضى قاعدة الشركة كونهما منهما، إلا أنهم حكموا بارتجاع النصف، لعدم ضمان المشتري هنا، لانه لا يزيد على المبيع المعين الهالك في مدة الخيار، فلا أقل من أن يكون هذا الخيار كذلك، أو ينزل على كون الإباق في الثلاثة، بناء على إلحاق المدفوع مصداقا بما وقع عليه البيع من الحيوان، أو لأنه باعتبار بقاء الخيار فيه كان كالمقبوض بالسوم بناء على أنه غير مضمون، أو أنه و إن قلنا بضمانه الا انه فرق بينه و بين المقام كما ستعرف.
نعم قد يقال المتجه بناء على ذلك عدم الفرق بين التساوي في القيمة و عدمه، و بين التطابق و عدمه، بعد فرض الرضا منهما جميعا بانحصار الحق في المدفوع، و إن كان ظاهر موضوع الخبر ذلك، لكن الإنصاف أن جميع ذلك دعوى مخالفة لأصول المذهب و قواعده بلا شاهد معتبر حتى الخبر المزبور، لعدم الجابر له، و إذا لاكثرية لم نتحققها، بل المتحقق خلافها فطرحه خير من تنزيله على ذلك، أو على تساوى العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الاجزاء؛ كما عن المختلف فجوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من الصبرة، و ينزل على الإشاعة إذ فيه أولا وضوح الفرق بين العبد و الصاع‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 239‌
لعدم إمكان تساويهما من كل وجه؛ و لذا كان ضمانه لو تلف بقيمته لا مثله، و ثانيا منع التنزيل على الإشاعة في الصاع من المصبرة كما عرفت البحث في محله؛ و ثالثا أنه يحتاج أيضا في عدم ضمان المشتري فيه على هذا التقدير إلى ما عرفت مما هو محل للنظر بل المنع.
مضافا إلى إمكان دعوى صراحة الخبر المزبور في عدمه خصوصا ما في ذيله، و من هنا طرح الخبر غير واحد، بل هو الذي استقر عليه رأي المتأخرين عدا النادر؛ لعدم انطباقه على القواعد، إذ المبيع إن فرض كليا موصوفا بوصف يرفع الجهالة مطبقا على كل من العبدين كما هو الظاهر، ففي شرح الأستاد أن الحكم فيه بقاء التخيير بين قبول التالف و رد الباقي، و بين قبول الباقي و غرامة قيمة التالف، ثم احتمل قويا تارة و لم يستبعده أخرى إلزامه بالتالف، لحصو التقاص قهرا و قد يناقش بأن الحق فيه مختلف؛ لأن البائع مستحق عليه المشترى نفس العبد الموصوف، و هو يستحق عليه قيمة العبد التالف، فلم يحصل شرط التقاص القهري، و منه ينقدح حينئذ أن خياره بين قوبل التالف بمعنى رضاه بما للبائع من القيمة عوض ما يستحقه عليه من العلة لا أن المتجه اعتبار رضاهما معا بذلك ضرورة كونها معاملة جديدة فليس للبائع الاستقلال بذلك و لأعلى المشتري إجابته إليه و بالعكس كما هو واضح، فالموافق للضوابط الذي صرح به غير واحد من الأصحاب ضمان المشتري و استحقاقه المبيع و اليه أشار المصنف بقوله.
و لو قيل التالف مضمون بقيمته و له المطالبة بالعبد و الثابت في الذمة كان حسنا نعم قد يناقش في الضمان لأن الأصل البراءة، إذ الظاهر كونه في يده أمانة فلا يستعقب ضمان، و القياس على المقبوض بالسوم بعد تسليم الحكم في المقيس عليه غير جائز في مذهبنا بل قد يفرق بينهما، بأن المقبوض بالسوم مبيع بالقوة أو مجازا بما يول اليه و صحيح البيت و فاسده مضمون، بخلاف صورة الفرض لان المقبوض ليس كذلك‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 240‌
لوقوع البيع سابقا، و إنما هو محض استيفاء حق.
و تدفع بمنع كون ذلك قياسا بل اتحاد طريق المسألتين و هو إطلاق‌
قوله عليه السلام «1» «على اليد»‌
المشترك بينهما، و لا خصوصية له، على أن المبيع لما كان أمرا كليا و كان كل من المدفوع صالحا لكونه فردا له كان في قوة المبيع، بل دفعهما للتخير حصر له فيهما فيكون بمنزلة المبيع. حيث أنه منحصر فيهما؛ فالحكم بالضمان هنا أولى كما هو واضح، و إن فرض انطباقه على أحدهما فقط، فان كان الموجود صح له أخذه و غرم قيمة التالف، إلا مع التراضي مع الدافع بالمعاوضة و دفع الباقي إليهن و إن كان التالف ضمنه و طالب الدافع بالكلي، بل قد يقال بتعينه حقا له لانه قد قبضه بعنوان الاستيفاء، إلا أنه لم يكن متعينا باعتبار وجود الفرد الأخر، فمع فرض انتفائه تعين هو للحق، فتأمل جيدا.
و في شرح الأستاذ جاز للدافع احتسابه عليه و أخذ الباقي، بل لا يبعد لزوم ذلك بالتقاص القهري، و للمدفوع إليه احتسابه على نفسه لجعل الاختيار إليه، و فيه ما عرفت، و إن فرض عدم انطباقهما معا ضمن قيمة التالف و دفع الباقي، و طالب بما له الا مع التراضي المزبور، و إن كان المبيع نصفا من العبدين مشاعا فيهما فالتالف مضمون نصفه عليه، و عليه رد نصف الباقي، فلا ينطبق الخبر حينئذ على شي‌ء من ذلك إلا على ما سمعته من التكلفات السابقة، التي يرجح الطرح عليها، و تنزيل الخبر على كون المبيع مجهولا لتردده بين العبدين المدفوعين يقضى بضمان التالف بالقيمة، أو المسمى و رد الباقي، لبطلان العقد حينئذ كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا؛ بل هي كذلك، و إليه أشار المصنف بقوله.
و أما لو اشترى عبدا من عبدين لم يصح العقد و فيه قول موهوم و في السرائر بعد أن حكى ما في النهاية الذي هو مضمون الخبر السابق، قال: ما ذكره شيخنا في‌
______________________________
(1) سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 527.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 241‌
نهايته خبر واحد لا يصلح و لا يجوز العمل به، لانه مخالف لما عليه الإمامة بأسرها، مناف لأصول مذهب أصحابنا و فتاواهم و تصانيفهم و إجماعهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف، و قوله يقبض نصف الثمن، و يكون العبد الآبق الذي وقع عليه البيع فهو من مال مشتريه، و الثمن بكماله لبائعه، و إن كان الآبق غير متوقع عليه البيع فالباقي إذا وقع عليه البيع، فلأي شي‌ء يرده، و إنما أورد شيخنا هذا الخبر على ما جاء إيرادا لا اعتقادا؛ لأنه رجع عنه في مسائل خلافه، في كتاب السلم» و هو جيد.
و إن كان قد يوهم ظاهره عدم جواز بيعه كليا موصوفا بصفات ترفع الجهالة، و هو واضح المنع.
و لعله إليه أو غيره أشار في اللمعة بقوله «و يجوز شراء العبد موصوفا سلما، و الأقرب جوازه حالا، إلا ان ظاهره كون غير الأقرب التفصيل بين السلم و غيره، و هو أوضح من الأول فسادا لتساويهما في المعنى المصحح للبيع، و على كل حال فما أبعد هذا القول من القول بجواز بيع أحد العبدين مطلقا؛ كما عساه يظهر في باب البيع من الخلاف ناسبا له إلى رواية الأصحاب و إجماعهم. أو بشرط تساويهما من كل وجه حتى يكون كالصاع من الصبرة، كما سمعته من الفاضل في المختلف، و إن كان هو في غاية الضعف. بل الشيخ كما قيل قد رجع عنه في باب السلم فقال «إذا قال اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا، أو أحد هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز لان هذا غرر يسير، و أما في الأربعة فما زاد فلا يجوز، دليلنا أن هذا بيع مجهول فلا يجب أن يصح بيعه‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌24، ص: 242‌
و لانه بيع غرر لاختلاف قيمة العبدين، فان قلنا به تبعنا فيه الرواية، و لم نقس عليها غيرها و الإجماع الذي ادعاه مظنة العكس، كما سمعته من الحلي» و الرواية التي أشار إليه هي الخبر المزبور على الظاهر، و هو مع عدم تعين تنزيله على ذلك، قد عرفت مخالفته للأصول و القواعد، و الاستدلال بالإطلاقات و العمومات يدفعه ما دل على المنع من بيع الغرر الذي هذا منعه قطعا، كما أنه يدفع الثاني منع التساوي على وجه يحلق بالمثلي على أنك قد عرفت ما في تنزيل الخبر عليه.
و كيف كان فلا ريب في ضعف ذلك كله فالأولى الرجوع إلى ما تقتضيه الضوابط و هو ما عرفت و عليه لا فرق بين العبدين و الأكثر، و لا بين العبيد و الإماء، بل و لا بين الثياب و نحوها و لا بين إباق العبد و موته، أما بناء على العمل بالخبر ففي انسحابه في الزيادة على اثنين تردد؛ من صدق العبدين في الجملة و عدم ظهور تأثير الزيادة مع كون محل التخيير زائدا على الحق؛ و من الخروج عن المنصوص المخالف لأصل، فان سحبنا الحكم و كانوا ثلاثة فأبق واحد فات ثلث المبيع و ارتجع ثلث الثمن إلى آخر ما سمعت، و و قد يحتمل بقاء التخيير و عدم فوات شي‌ء، سواء حكمنا بضمان الآبق أم لا، لبقاء محل التخيير الزائد عن الحق، و كذا التردد لو كان المبيع غير تعبد، كأمه فدفع إليه أمتين أو إماء و ان قطع في الدروس بثبوت الحكم هنا، بل في أية عين كانت؛ كثوب و كتاب من المشاركة في العلة للحكم، و بطلان القياس، و لعله أقوى كما أن الأقوى عدم إلحاق الهلاك بالإباق، و إن جعله بعضهم أحد الوجهين لأولويته منه، لكن قد يفرق بينهما بتنجيز التنصيف معه من غير رجاء لعود التخيير بخلاف الإباق و الله أعلم.












جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌23، ص: 171
و ما عن الشهيد في بعض تحقيقاته- و أنه من لطائف الفقه، و ربما كان التعليل في المتن و غيره موميا إليه- «من أن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة، منطبقة على أفراد لا نهاية لها، فأي فرد عينه المسلم إليه، تشخص ذلك الفرد، و انصب العقد عليه، فكأنه لما قال له الغريم: اكتل من غريمي فلان، قد جعل عقد السلم معه. واردا على ما في ذمة غريمه المستسلف منه؛ و لما يقبضه بعد، و لا ريب أنه مملوك له بالبيع، فإذا جعل مورد السلم الذي هو بيع، يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان، و يلحق بالباب»- لو سلم فإنما هو في الفرد الذي يتشخص بالدفع و القبض، أما الذي تشخص‌ بعقد الحوالة كما في المقام، فقد يمنع صدق اسم المسلم عليه، إذ هي عقد مستقل يحصل به ملك ما في الذمة، و لا ينصب عقد السلم عليه، و لو فرض موضوع البحث وكالة في القبض، زال الإشكال من هذه الحيثية قطعا.
نعم يبقى إشكال تولى الواحد طرفي القبض إذا أراد قبضه لنفسه، بعد القبض عن موكله كما تسمعه في المسألة الآتية، و لعل ما ذكرناه أولى مما في المسالك من مناقشة الشهيد «بان مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة في الذمة، لما كان أمرا كليا، كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلى، و ما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع، و إن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة، فإنها ليست عينه، و من ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا رجع الحق إلى الذمة، و المبيع المعين ليس كذلك، و نظير ذلك ما حققه الأصوليون من ان الأمر بالكلي ليس أمرا بشي‌ء من جزئياته الخاصة، و إن كان لا يتحقق إلا بها، و حينئذ فانصباب العقد على ما قبض و كونه حينئذ مبيعا غير واضح، فالقول بالتحريم عند القائل به في غيره غير متوجه، نعم لا بأس حينئذ بالكراهة، خروجا من خلاف الشيخ و جماعة، و تحرزا مما هو مظنة التحريم».
إذ فيه أن ما ذكره من ظهور الاستحقاق و العيب، يقتضي الفرق بين المبيع المعين و غير المعين لا أنه يقتضي كونه غير مبيع، و لم يدع الشهيد و لا غيره، أنه عين المبيع أولا و بالذات، بل صار بعد التعيين مبيعا، و لا ينبغي إنكار صدق وصف الكلى على الشخصي المدفوع عنه في البيع و الإجارة و غيرهما، و قد صرح به الأصحاب في غير المقام، كالإجارة و الصرف، و العرف شاهد عليه.
نعم قد يتوقف في نحو الدفع بالحوالة كما ذكرناه: و الأمر سهل بعد أن كان الحكم الكراهة المتسامح فيها عندنا في أصل المسألة، إذ ما نحن فيه إن لم يكن من البيع قبل القبض، فهو شبيهه كما عبر به في الدروس ثم على التحريم فلا ريب في البطلان كما‌ قلناه في المسألة السابقة، و حينئذ لا يبر أذمة كل من المحول و المحول عليه بقبض المحتال، و ما عن التذكرة- من أن براءة ذمة الدافع، أصح الوجهين ضعيف، ضرورة كون الدفع و القبض بعنوان صحة العقد، و الفرض فساده، نعم هو صحيح على المختار و تبرأ ذمة كل منهما.






جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌31، ص: 33
و لو أصدقها ظرفا مخصوصا على أنه خل مثلا فبان خمرا فلا خلاف في صحة العقد، بل في جامع المقاصد و غيره هو كذلك قولا واحدا إنما الكلام في المهر ف‍ قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و خلافه كان لها قيمة الخمر عند مستحليه لأنها أقرب شي‌ء إليه عند التعذر، و لأنها عقدا على شخصي باعتبار ماليته، فمع تعذره لظهور بطلان المعاوضة عليه يصار إلى القيمة.
و فيه أن الخمر غير مقصود أصلا، و لا وقع عليه التراضي، فكيف ينتقل إلى قيمته، و اعتبارها فرع صحة العقد على العين، بل هو غير العقد على الخمر عالمين به الذي قد عرفت البحث فيه أيضا، فإنهما قد تراضيا على العين، فلا يمنع الانتقال إلى القيمة لتعذر العين.
و لذا أعرض عنه المصنف و قال و لو قيل: كان لها مثل الخل كان حسنا بل هو المحكي عن ابني الجنيد و إدريس و الفاضل في المختلف، لأنهما عقدا على الخل بهذا القدر و ظناه خلا، فإذا ظهر خمرا لزم مثله، إذ هو مثلي فات،



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌31، ص: 34‌
فيلزم مثله الذي هو أقرب الأشياء إليه، و لأن المعقود عليه خل منحصر في هذا الشخص، فإذا لم يتم الانحصار بقيت الخلية، بل رضاهما بالجزئي المعين الذي يظنان كونه خلا رضا بالخل الكلي مهرا، إذ هو مستلزم للجزئي، فالرضا به مستلزم للرضا به، فإذا فات الجزئي لعدم صلاحية الملك بقي الكلي الذي هو أحد الأمرين الذي وقع التراضي بهما.
و فيه أن المفروض وقوع العقد على خصوص ما في الظرف لا على خل بهذا القدر، فالمعقود عليه حينئذ الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة، و هذا يمتنع بقاؤه إذا ارتفعت المشخصات، و المحكوم بوجوبه هو الكلي في ضمن شخص آخر لم يقع عليه التراضي أصلا، فإيجابه حينئذ إيجاب لما لم يتراضيا عليه، و كونه أقرب إلى المعقود عليه لا يستلزم وجوبه، لأن المهر الذي يجب بالعقد هو ما يتراضيا عليه، و لا يلزم من التراضي بأحد المثلين التراضي على الأخر.
و ما في المسالك- من «ان الجزئي الذي وقع عليه التراضي و إن لم يساوه غيره من أفراد الكلي إلا أن الأمر لما دار بين وجوب مهر المثل أو قيمة الخمر أو مثل الخل كان اعتبار المثل أقرب الثلاثة، لأن العقد على الجزئي المعين اقتضى ثلاثة أشياء: ذلك المعين بالمطابقة، و إرادة الخل الكلي بالالتزام، و كون المهر واجبا بالعقد بحيث لا ينفك المرأة من استحقاقه، حتى لو طلق كان لها نصفه، أو مات أحدهما فجميعه، فإذا فات أحد الثلاثة و هو الأول يجب المصير إلى إبقاء الأخيرين بحسب الإمكان، إذ‌
«لا يسقط الميسور بالمعسور» «1»‌
و عموم «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» «2»‌
و هما لا يوجدان في ضمن وجوب مهر المثل، لأنه لا يجب إلا بالدخول عند القائل به، و إمكان وجودهما في ضمن قيمة الخمر قد عرفت فساده، فلم يبق إلا المثل، و لا شبهة في أن الرضا بالخل المعين في الظرف يستلزم إرادة‌
______________________________
(1) رواه النراقي (قده) في عوائده ص 88 عن غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 326.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌31، ص: 35‌
كون الخمر خلا بخلاف القيمة و نحوها»- من غرائب الكلام، فإنه على طوله لا محصل له، و لا ينطبق على شي‌ء من القواعد الشرعية، بل هي منافية لها، فلا ريب في أن الأحسن من ذلك وجوب مهر المثل، وفاقا للفاضل في أكثر كتبه، لعدم الرضا بالكلي إلا في ضمن الشخصي المعين المفروض بطلانه بخروجه عن المالية، فيرجع الأمر إلى ذكر مهر لم يسلم لهما، فينتقل إلى مهر المثل.
و إشكاله في المسالك- بأن مهر المثل ربما كان زائدا عن قيمة الخل كثيرا فلا يكون مقصودا للزوج أصلا أو ناقصا كثيرا فلا يكون مقصودا للزوجة و لا مرضيا به و قد‌
قال عليه السلام «1»: «المهر ما تراضي عليه الزوجان»‌
و لا يرد مثله في وجوب مثل الخل، لأن ذلك أقرب إلى ما تراضيا عليه، بل ربما لم يخالف ما تراضيا عليه إلا بمشخصات لا دخل لها في المقصود و لا في المالية، فيلغو عند حصول هذا العارض- واضح الفساد، ضرورة عدم القصد و الرضا في وجوب مهر المثل الثابت بالشرع قهرا عليهما، و الأقربية لا دخل لها في إيجاب غير المذكور في العقد، و الكلية التي في ضمن الجزئي بعد فرض وقوع القصد و الرضا عليه غير ملاحظة و لا منظور إليها كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.






جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌33، ص: 23
و أما مع الجهل كما لو خالعها على خل بزعمهما فبان خمرا صح و كان له بقدره خلا بلا خلاف أجده فيه، قيل: لأن تراضيهما على المقدار من الجزئي المعين الذي يظنان كونه متمولا يقتضي الرضا بالكلي المنطبق عليه، لأن الجزئي مستلزم له، فالرضا به مستلزم الرضا بالكلي، فإذا فات الجزئي لمانع صلاحيته للملك بقي الكلي، و لأنه أقرب إلى المعقود عليه.
______________________________
(1) الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.
(2) المستدرك الباب- 15- من أبواب صفات القاضي الحديث 5 من كتاب القضاء و البحار- ج 2 ص 137 ط الحديث.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌33، ص: 24‌
بل في المسالك «لم ينقلوا هنا قولا بفساده، و لا وجوب قيمته عند مستحليه كما ذكروه في المهر، مع أن الاحتمال قائم فيه، أما الأول فلفقد شرط صحته، و هو كونه مملوكا، و الجهل به لا يقتضي الصحة، كما لو تبين فقد شرط في بعض أركان العقد، و أما الثاني فلأن قيمة الشي‌ء أقرب إليه عند تعذره، و لأن المقصود من المعين ماليته، فمع تعذرها يصار إلى القيمة، لأنه لا مثل له في شرع الإسلام فكان كتعذر المثل في المثلي حيث يجب، فإنه ينتقل إلى قيمته- ثم قال-:
و لو ظهر مستحقا لغيره فالحكم فيه مع العلم و الجهل كما فصل».
قلت: كأن ذلك مؤيد لما ذكرناه من عدم المعاوضة حقيقة هنا، و إلا كان مقتضاها الانتفاء من رأس بانتفاء العوض، كما هو واضح، و لكن لما كان إنشاء الطلاق مستقلا أثر أثره، و الفداء لم ينتف بانتفاء ذلك المعين عرفا بعد الإتيان بقدره خلا.
بل يمكن دعوى ذلك فيما لو كان الفداء خنزيرا بزعم أنه بقر مثلا فبان خنزيرا أبدل بما ينطبق عليه من البقر و صح، لأنه قسم من الفداء، و القيمة بعيدة عن مماثلة المبذول فداء، كما هو واضح. و لا يرد ذلك في صورة العلم المنحلة إلى عدم إرادة الفدائية حقيقة، لعلمهما بعدم صلاحيته فداء، اللهم إلا أن يفرض في صورة الجهل بالحكم شرعا، و حينئذ يأتي احتمال مثله، و علم أحدهما كاف في فساد البذل إجراء لحكم المعاوضة، فتأمل جيدا.










جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌28، ص: 15
النظر الثاني: في الشرائط و هي أربعة أقسام:
[القسم الأول في شرائط الموقوف]
القسم الأول: في شرائط الموقوف و هي أربعة الأول أن تكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها، و يصح إقباضها، فلا يصح وقف ما ليس بعين كالدين معجلة و مؤجلة على الموسر و المعسر و كذا الكلي كما لو قال: وقفت فرسا أو ناضحا أو دارا و لم يعين و إن وصفها بأوصاف معلومة، بل و كذا المنفعة، لأن العين تطلق في مقابل الثلاثة التي لا يصح وقف شي‌ء منها للشك في تناول أدلة الوقف لذلك، و لاتفاق الأصحاب ظاهرا، و لأن المستفاد من‌
قوله «1» (صلى الله عليه و آله) «حبس الأصل و سبل الثمرة»‌
و ما وقع من وقوفهم، اعتبار فعليه التهيؤ للمنفعة في الأصل الذي يراد حبسه، و لا ريب في انعدام التهيؤ فعلا للكلي المسلم فيه مثلا، و لذا لا تصح إجارته و لا غير الإجارة مما يقع على المنفعة، لعدم ملكها لمن يملكه.
نعم يصح بيعه و الصلح عليه و غيرهما مما يقتضي نقله نفسه، بل وهبته إن لم يدل دليل على اعتبار الشخصية فيها، و تهيؤه بعد القبض لا يقتضي ذلك قبله الذي هو مورد العقد في الفرض.
و أما وقف كلى موصوف في الذمة على نحو إجارته الذي أشار إليه المصنف بقوله «و كذا»‌
______________________________
(1) المستدرك ج 2 ص 11 د.



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌28، ص: 16‌
إلى آخره فيمنعه أولا: عدم صلاحية عقد الوقف لإثبات نحو ذلك في الذمم، كغيره من عقد الهبة و الصدقة و نحوهما مما هو ليس عقد معاوضة، بل هو غير مملوك. و ثانيا: عدم تحقق الحبس و التسبيل فعلا و تأخره إلى التعيين مناف لاعتبار تنجيزه، و مقارنة الأثر لسببه، و بذلك افترق عن الإجارة المقتضية لملك دابة موصوفة عليه فعلا، و تأخر تعينها للوفاء لا ينافي ذلك، كما لا ينافي ذلك ملك عين الكلي في ذمته، كل ذلك، مضافا إلى ما في جامع المقاصد، من دعوى الاتفاق على ما في القواعد من عدم صحة وقف الدين و المطلق كفرس غير معين و عبد في الذمة و ملك مطلق، قال: و المراد بالأخير أن يقف ملكا من الأملاك أيها كان و لا يشخصه، و يجوز أن يراد به أن يقول وقفت ملكا و يقتصر على ذلك».
قلت: قد يشك في عدم صحة وقف عبد من عبيده المعينين على وجه يكون الموقوف فيها واحدا منهم بخصوصه و شخصه على البدل على نحو مذهب الإمامية في الواجب المخير، و يتعين حينئذ بالقرعة، أو بتعيين الواقف، أو يكون الموقوف عبدا منها الصادق على كل منها، بل لعل هذا هو المتيقن في الفرض على تقدير الصحة، ضرورة عدم وقف كل منها بالخصوص على البدل، و إن جاز ذلك في الواجب المحير لغة و عرفا على وجه لا يحتاج إلى تعيين من الأمر و لا قرعة، بخلافه في المقام المفروض فيه كون أحدهما، لا كل منهما، و في محكي التذكرة عن الشافعية في أحد الوجهين صحته كصحة عتق أحد العبدين، و ربما يشعر به اقتصار المصنف الأولين في التفريع على العين، اللهم إلا أن يريد بقرينة قوله و لم يعين خصوص المفروض أو الأعم منه، و في مفتاح الكرامة «قل من تعرض لعدم الصحة في ذلك، و أول من تعرض له الفاضل في التذكرة» لكن في الرياض عن الغنية الإجماع على عدم الصحة في المنفعة و الدين و المبهم، و إن كنا لم نتحققه، و إنما الموجود فيها و في المحكي عن السرائر الإجماع على كونه معلوما مقدورا على تسليمه مع بقاء عينه في يد الموقوف عليه، مع أنه يمكن إرادة إخراج نحو وقفت شيئا من أملاكي، و بطلانه حينئذ للإبهام المحض الذي يشك معه في صلاحية كونه موردا للعقد ان لم يظن العدم، و لعله المراد من الملك المطلق في القواعد كما سمعته من جامع المقاصد في تفسيرها بل لعله المراد من اعتبار العلم فيما حكيناه عن الغنية و السرائر، ضرورة ارادة‌



جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج‌28، ص: 17‌
إخراج فاقده أصلا و هو المبهم المحض و بالجملة إن لم يكن إجماعا فالقول بالصحة لا يخلو من وجه خصوصا على المختار عندنا من صحة وقف المشاع المنافي لدعوى التشخيص، و لتحقق الحبس و التسبيل فعلا في أحدهما كالوصية به لشخص و الجهل بعينه لا يقدح بعد عدم اعتبار المعلومية فيه كالبيع و الإجارة، فتأمل جيدا فإنه قد تكون المسألة مبنية على جواز ملك الكلي في الخارج بدون الإشاعة بناء على أن الموقوف ملك للموقوف عليه، و قد تقدم الكلام فيها في كتاب البيع و غيره، و الله العالم.










جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌28، ص: 359
و لو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده، استخرج ذلك العدد بالقرعة لأنها العدل بين العبيد الذين قد تعلق لكل منهم حق بالوصية، و لا طريق لتمييزه إلا القرعة و قيل: يجوز للورثة أن يتخيروا بقدر ذلك العدد، و القرعة على الاستحباب حينئذ و هو حسن بل في المسالك أنه أقوى لأنها لكل أمر مشكل، و لا إشكال بعد فرض كون الموصى به من المتواطئ الذي قد عرفت الخيار فيه للوارث.





قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام؛ ج‌2، ص: 391
و لو وقف على أحد الشخصين أو إحدى القبيلتين أو على رجل غير معيّن أو امرأة بطل.
________________________________________
حلّى، علامه، حسن بن يوسف بن مطهر اسدى، قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام، 3 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1413 ه‍ ق




قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام؛ ج‌2، ص: 454
[العاشر]
(ي): في اشتراط التعيين إشكال، فإن لم نقل به لو أوصى لأحد هذين احتمل تخيير الوارث، و القرعة، و في التشريك بعد.
و لو أوصى لمنكّر: كرجل تخيّر الوارث، لتعذّر القرعة. و لو أوصى لمن يصدق عليه بالتواطؤ: كالرجل و لمن شاء عمّ.
....
[الثاني عشر]
(يب): لو أوصى للحمل فوضعت حيّا و ميّتا صرف الجميع إلى الحيّ مع احتمال النصف، و كذا لو أوصى لأحد هذين و جوّزنا الوصيّة المبهمة و مات أحدهما قبل البيان.