بسم الله الرحمن الرحیم
علم الاخلاق الی نیقوماخوس، ص167-169
الخير هو غرض أفعال الانسان جميعها - اختلاف الغايات التي نبغيها و مراتبها - أهمية الغرض و الخير الأعليين - رفعة علم السياسة، و أنه هو وحده القادر على أن يعلّمنا إياهما - مرتبة الضبط التي يمكن طلبها فى هذا العلم - فى أن الشباب قليل الصلاحية لدرس السياسة. كل الفنون، و كل الأبحاث العقلية المرتبة، و جميع أفعالنا، و جميع مقاصدنا الأخلاقية يظهر أن غرضها شىء من الخير نرغب فى بلوغه. و هذا هو ما يجعل تعريفهم للخير تاما إذ قالوا: إنه هو موضوع جميع الآمال. على أن هذا لا يمنع من وجود الفروق الكبيرة بين الغايات التي يعتزمها الانسان. فأحيانا تكون هذه الغايات هى بالبساطة الأعمال نفسها التي يأتيها. و أحيانا تكون نتائج تلك الأعمال فضلا عن الأعمال. فى جميع الأشياء التي لها غايات ما وراء الأعمال تكون النتائج النهائية هى بالطبع أهم من الأعمال التي تأتى بها.
و من جهة أخرى كما انه يوجد عدد كثير من الأعمال، و من الفنون، و من العلوم المختلفة، توجد بقدره غايات مختلفة: مثلا الصحة هى الغرض من الطب، و السفينة الغرض من العمارة البحرية. و الظفر الغرض من العلم الحربى، و الثروة الغرض من العلم الاقتصادى. - جميع النتائج من هذا القبيل، هى على العموم خاضعة الى علم خاص يسيطر عليها. و على هذا فلعلم الفروسية يتبع فن السروجية و جميع الفنون التي تخص استخدام الحصان. و كذلك هذه الفنون فى دورها و جميع الأعمال الحربية خاضعة للعلم العام للحرب. و أعمال أخرى هى كذلك خاضعة لعلوم أخرى. و فى جميعها بلا استثناء تكون النتائج التي يبغيها العلم الأساسى أرقى من نتائج الفنون التوابع، لأن النتائج الثانية لم يبحث عنها قط إلا من أجل النتائج الأولى. - على أنه لا يهم أن تكون الأعمال ذاتها هى الغاية القصوى التي يعتزمها الانسان عند العمل، أو أن يكون فيما وراء هذه الأعمال بعض نتائج أخرى مقصودة كما فى العلوم التي ذكرت. - اذا كان لجميع أعمالنا غرض نهائى نريد بلوغه لذاته، و من أجله كنا نطلب كل البقية. و اذا كنا من جهة أخرى لا نستطيع فى تصميماتنا أن نرقى دائما الى سبب جديد، و ذلك مما يضيع به المرء فى اللانهاية،
الجوهر النضید، ص 212-213
أحوال العلوم موضوعها قال و لكل علم موضوع كالعدد للحساب و ربما يقارن أمرا غيره كالمعقولات الثانية من جهة ما يتوسل بها من المعقولات الحاصلة إلى المستحصلة لهذا العلم و كالكرة المتحركة لعلم الأكر و ربما يكون أشياء كثيرة مناسبة كموضوعات علم الكلام. أقول لما فرغ من شرائط المقدمات في البرهان شرع الآن في البحث عن أحوال العلوم أعني ما يتوقف كل علم عليه من أجزائه و بيان تناسب العلوم و تباينها إلى غير ذلك. و اعلم أن كل علم على الإطلاق يتقوم من ثلاثة أشياء موضوع و مباد و مسائل فالموضوع هو ما يبحث في ذلك العلم عن أعراضه الذاتية أعني لواحقه التي تلحقه لذاته كالتعجب اللاحق للإنسان لذاته أو لجزئه كالحركة الاختيارية اللاحقة له بحسب [باعتبار] كونه حيوانا أو لعرض ذاتي أولي كالضحك اللاحق له بحسب كونه متعجبا و ذلك مثل العدد لعلم الحساب فإنه يبحث في علم الحساب عن لواحق العدد و عوارضه الذاتية.
إذا عرفت هذا فنقول الموضوع إما أن يكون شيئا واحدا أو أشياء كثيرة. و الأول إما أن يؤخذ على الإطلاق كالعدد للحساب أو مقيدا إما بعرض ذاتي كالجسم الطبيعي من حيث هو متغير لعلم الطبيعة و كالمعقولات الثانية من جهة ما يتوصل بها من المعلومات الحاصلة إلى المستحصلة لعلم المنطق أو بعرض غريب كالكرة المتحركة لعلم الأكر. و الثاني لا بد و أن تكون متناسبة و وجه التناسب أن يتشارك في أمر إما ذاتي كالخط و السطح و الجسم التعليمي إذا جعلت موضوعات الهندسة فإنها تتشارك في المقدار و هو جنس لها و إما عرضي كبدن الإنسان و أجزائه و أحواله و الأدوية و الأغذية إذا جعلت موضوعات علم الطب لاشتراكها في كونها منسوبة إلى الصحة التي هي الغاية في ذلك العلم و كموضوعات علم الكلام من حيث انتسابها إلى مبدإ واحد هو الواجب تعالى. و إنما كانت هذه موضوعات هذه العلوم لأن موضوعات مسائل هذه العلوم ترجع إليه بأن يكون موضوع المسألة نفس موضوع العلم كقولنا العدد إما زوج أو فرد أو يكون جزئيا تحته كقولنا الثلاثة فرد أو جزءا منه كقولنا الصورة تفسد و تتكون أو عرضا ذاتيا له كقولنا الحركة إما مستديرة أو مستقيمة و ما يبحث عن أحوال موضوعه أي عن أعراضه الذاتية فهي محمولات جميع مسائل العلم التي يكون إثباتها للموضوعات هو المطالب في ذلك العلم.
الفصول، ص 10
القول في موضوعه موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية و المراد بالعرض الذاتي ما يعرض الشيء لذاته لا بواسطة في العروض سواء احتاج إلى واسطة في الثبوت و لو إلى مباين أعم أو لا أما الأول فكالأحوال الإعرابية الطارية على الكلمة و الكلام بواسطة الوضع و هو أمر مباين للفظ و إن كان له نوع تعلق به أعم و بحسب الوجود لتحققه في النقوش و غيرها أيضا و كالأحكام الشرعية الطارية على أفعال المكلفين باعتبار و على الأدلة باعتبار بواسطة جعل الشارع و خطابه و هو أمر مباين للأفعال و الأدلة و إن كان له نوع تعلق بهما و أعم من كل منهما لتحققه في الأخرى و أما الثاني فكالحاجة اللاحقة للممكن المبحوث عنه في فن المعقول فإنها يتصف بها من حيث الذات على ما هو التحقيق و كالأحوال الطارية على الأشكال كمعادلة زوايا الثلاث لقائمتين المبحوث عنها في علم الهندسة فإن لحوق تلك الأحوال لموضوعاتها مستندة إلى ذواتها و كذلك الأحوال اللاحقة للعدد المبحوث عنها في علم الحساب و أما ما يعرض للشيء بواسطة في العروض مطلقا و يعبر عنه بالعرض الغريب كالسرعة و الشدة اللاحقتين للجسم بواسطة الحركة و البياض فلا يبحث عنه في علم يكون موضوعه ذلك الشيء بل في علم يكون موضوعه ذلك العرض لأن تلك الصفات في الحقيقة إنما لاحقة له و إن لحقت غيره بواسطته نعم قد يكون موضوع العلم عبارة عن عدة أمور نزلت منزلة أمر واحد لما بينها
من الارتباط و المناسبة من حيث الغاية كموضوع هذا العلم في وجه فيبحث عن كل بحسب ما يعرض له بدون واسطة في العروض و إن عرض للآخر بالواسطة أو لم يعرض له أصلا إذ ليس البحث عنه فيه بهذا الاعتبار هذا ما يساعد عليه النظر الصحيح و المشهور أن المراد بالعرض الذاتي الذي يبحث عنه في العلم هو ما يعرض للشيء لذاته أو لأمر يساويه و أن ما يعرض للشيء بواسطة أمر مباين كالحرارة العارضة للماء بواسطة النار أو أعم كالحركة بالإرادة العارضة للإنسان باعتبار جزئه الأعم و هو الحيوان أو أخص كالتعجب اللاحق للحيوان بواسطة كونه ناطقا فهو من الأعراض الغريبة التي لا يبحث عنها في العلم أقول إن أرادوا بقولهم العرض الذاتي ما يعرض للشيء لذاته أو لأمر يساويه أن يكون العارض عارضا لنفس الذات أو لأمر يساويها أي بلا واسطة غير الذات و غير المساوي فهذا مع عدم مساعدة كلامهم عليه كما يظهر من عدهم لما لا يبحث عنه في العلم و أمثلتهم لها مردود بما عرفت من أن مباحث العلم لا تكون إلا من القسم الأول أعني العوارض اللاحقة
الفصول الغروية في الأصول الفقهية، ص: 11
لذات الموضوع دون ما يعرض له بواسطة أمر و لو مساو فإنه ليس في الحقيقة من عوارض الموضوع بل من عوارض ما يساويه فاللازم أن يبحث عنه في علم يكون موضوعه ذلك المساوي و إن أرادوا أن يكون العروض معلولا للذات أو للأمر المساوي كالزوجية اللاحقة للأربعة المستندة إلى ذاتها و كقوة الضحك المستندة إلى قوة التعجب المساوية للإنسان فهو فاسد أما أولا فلأنه بظاهره يوجب أن يكون كل مبحث من مباحث العلم متناولا لجميع جزئيات موضوعه لامتناع تخلف المعلول عن العلة و هذا مما لا يكاد ينطبق على شيء من العلوم و أما ثانيا فلأن العوارض المحمولة في كثير من العلوم إنما تلحق لموضوعاتها بواسطة أمور مباينة كما في علم اللغة و النحو و الصرف و توابعها و علم الفقه و الأصول و الطب أ لا ترى أن اختصاص كل لفظ بالدلالة على معنى و اختصاص كل معرب بنوع من الإعراب و اختصاص كل صيغة بمادة إنما يلحق الألفاظ بواسطة وضع الواضع و تخصيصه و هو أمر مباين لها و كذلك إنما تعرض الأحكام لفعل المكلف و يعرض الحجية للكتاب و السنة مثلا بواسطة حكم الشارع و وضعه و هو أمر مباين لهما و أما ما سبق إلى بعض الأوهام من أن لواحق الشيء لا تستند إلى ما يباينه و تعسف في عروض الحرارة على الماء بواسطة النار بأنها غير مستندة إلى نفس النار بل إلى مماستها و هي من عوارض الماء فليس مما يصغى إليه و منشأ عدم الفرق بين المقتضي و الشرط هذا فإن قلت ليس موضوع النحو مطلق الكلمة و الكلام بل هما من حيث الإعراب و البناء و كذلك ليس موضوع الفقه مطلق أفعال المكلفين بل هي من حيث الاقتضاء و التخيير مثلا فالأحكام لاحقة لها بهذا الاعتبار بالذات و على قياسه الكلام في موضوع سائر العلوم قلت إن أردت أن الموضوع نفس الحيثية فخطأ أو المركب فكذلك أو بشرط الحيثية يلزم منه أن يكون اللحوق مستندا إلى المشروط مع انتفاء الفائدة في تقييده بها و أما ما اشتهر من أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات و تمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات فمما لم نقف له على وجه لأن موضوع أحد العلمين أن تميز بنفسه عن موضوع الآخر فالتمايز بين العلمين حاصل بنفس الموضوع و لا حاجة إلى اعتبار الحيثية و إن اشترك فاعتبارها لا يوجب التمايز أ لا ترى أن اللفظ العربي الذي هو موضوع لعلوم العربية إذا أخذ من حيث الإعراب و البناء مثلا كما هو المعروف في الكتب النحوية لم يوجب اختصاصه بعلم النحو لأنه حال تقيده بهذا الاعتبار يعرض له أيضا أحوال الأبنية و يلحقه أحكام الفصاحة و البلاغة و غيرها لظهور أن لا منافاة بينها فيصح أن يقع مقيدا بهذه الحيثية موضوعا لتلك العلوم و كذا إذا اعتبر مقيدا بسائر الحيثيات و إن اعتبرت الحيثية تعليلية لم يستقم المعنى كما لا يخفى فالتحقيق في المقام أن يقال تمايز العلوم إما بتمايز الموضوعات كتمايز علم النحو عن علم المنطق و تمايزهما عن علم الفقه أو بتمايز حيثيات البحث كتمايز علم النحو عن علم الصرف و تمايزهما عن علم المعاني فإن هذه العلوم و إن اشتركت في كونها باحثة عن أحوال اللفظ العربي إلا أن البحث في الأول من حيث الإعراب و البناء و في الثاني من حيث الأبنية و في الثالث من حيث الفصاحة و البلاغة فهم و إن أصابوا في اعتبار الحيثية للتمايز بين العلوم لكنهم أخطئوا في أخذها قيدا للموضوع و الصواب أخذها قيدا للبحث و هي عند التحقيق عنوان إجمالي للمسائل التي تقرر في العلم و لك أن تتعسف في كلماتهم بحيث ترجع إلى ما ذكرناه إذا تقرر هذا فنقول لما كان البحث في هذا العلم عن الأدلة الأربعة أعني الكتاب و السنة و الإجماع و دليل العقل و عن الاجتهاد و عن التعادل و التراجيح من حيث استنباط الأحكام الشرعية منها نظر بعضهم إلى ظاهر ذلك فجعل موضوعه هذه الأمور الثلاثة و بعضهم أدرج الثالث في الأول نظرا إلى أن البحث عن التعادل و التراجيح راجع في الحقيقة إلى البحث عن دلالة الأدلة و تعيين ما هو الحجة منها عند التعارض و ذهب بعض المحققين إلى أن موضوعه الأدلة الأربعة و أن سائر المباحث راجعة إلى بيان أحوالها و ذلك لأن البحث عن الأدلة أما من حيث دلالتها في نفسها و هو الأمر الأول أو من حيث دلالتها باعتبار التعارض و هو الأمر الثالث أو من حيث الاستنباط و هو الأمر الثاني و هذا أولى بالضبط إلا أن إرجاع مباحث الاجتهاد إلى بيان أحوال الأدلة لا يخلو من تعسف
و أما التقليد فمباحثه خارجة عن مباحث الفن و إن التزموا بذكرها استطرادا كما مر و لو جعلنا ذكرها فيه بالأصالة أمكن إدراجه في الاجتهاد على التغليب فإن قلت أكثر مباحث الفن باحثة عن أحوال غير الأدلة كمباحث الأمر و النهي و العام و الخاص و المطلق و المقيد و كالمباحث التي يبحث فيها عن حجية الكتاب و خبر الواحد و كالمباحث التي يبحث فيها عن عدم حجية القياس و الاستحسان أما القسم الأول فلأن مباحثها عامة كعموم مباحث النحو و الصرف و اللغة و لا اختصاص لها بالأدلة و أما القسم الثاني فلأن البحث فيها ليس عن الأدلة إذ كونها أدلة إنما تعرف بتلك المباحث و أما القسم الثالث فلأن البحث فيها ليس عن الدليل بل عما ليس بدليل قلت أما المباحث الأول فإنما يبحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب و السنة فعند التحقيق ليس موضوع مباحثهم مطلق تلك الأمور بل المقيد منها بالوقوع في الكتاب و السنة و لا يقدح في ذلك بيانهم لوضعه اللغوي و العرفي إذ المقصود بيان مداليل تلك الألفاظ بأي وجه كان لا يقال يجوز أن يكون بحثهم في الفن عن هذه الأمور عن مطلقها و لا يلزم الإشكال لأن مطلقها جزء من الكتاب و السنة كما أن المقيد منها جزء منهما أو لأن المطلق جزء من المقيد و المقيد جزء من الموضوع فيكون المطلق أيضا جزء منه لأن جزء الجزء و قد علم أن موضوع مسائل الفن قد يكون بعض أجزاء الموضوع لأنا
الفصول الغروية في الأصول الفقهية، ص: 12
نقول إنما يبحث في العلم عن أجزاء الموضوع و جزئياته من حيث كونهما أجزاء أو جزئيات له ليصح رجوع تلك المباحث إلى البحث عن الموضوع و من هنا يتبين أن بحث علماء المعاني مثلا عن وضع الأمر و النهي يمايز بحث علماء الأصول عنه من حيث تمايز الموضوعين لأن علماء المعاني يبحثون عن الأمر و النهي المطلقين و الأصولي إنما يبحث عنهما من حيث كونهما مقيدين و إن أهملوا التصريح بالحيثية تعويلا على الظهور و على هذا القياس بحثهم عن أدوات العموم و المفاهيم و ما أشبه ذلك فإن المطلق المأخوذ بوصف إطلاقه يغاير المقيد المأخوذ بوصف تقييده و إن كان هناك تمايز باعتبار تمايز حيثية البحث أيضا و بعد اعتبار الحيثية المذكورة فيها يرجع الموضوع في تلك المباحث إلى ما ذكرناه ثم كون الأمور المذكورة جزء من الكتاب و السنة إنما يصح إذا جعل الكتاب عبارة عن مجموع الألفاظ المدلول عليها بما بين الدفتين و السنة عبارة عن مجموع الأخبار المنقولة و أما إذا جعل الكتاب عبارة عن القول المنزل للإعجاز و السنة عبارة عن قول المعصوم أو ما قام مقامه كانت تلك الأمور جزئيات له قطعا و أما ما ذكر من أن المطلق جزء من المقيد فليس بسديد بل التحقيق أنه نفسه و إن غايره في وصف اعتبار التقييد معه و عدمه نعم لو اعتبر التقيد جزء من المقيد كان جزء منه كما ذكر هذا و أما بحثهم عن حجية الكتاب و خبر الواحد فهو بحث عن الأدلة لأن المراد بها ذات الأدلة لا هي مع وصف كونها أدلة فكونها أدلة من أحوالها اللاحقة لها فينبغي أن يبحث عنها أيضا و أما بحثهم عن عدم حجية القياس و الاستحسان و نحوهما فيمكن أن يلتزم بأنه استطرادي تتميما للمباحث أو يقال المقصود من نفي كونها أدلة بيان انحصار الأدلة في البواقي فيرجع إلى البحث عن أحوالها أو أن المراد بالأدلة ما يكون دليلا و لو عند البعض أو ما يحتمل عند علماء الإسلام و لو بعضهم أن يكون دليلا فيدخل فيها و فيه تعسف فإن قيل المسائل التي تذكر في الأدلة العقلية هي بنفسها أدلة عقلية فيلزم أن يكون الموضوع من المسائل قلنا الدليل العقلي عبارة عن المفردات العقلية كالاستصحاب و أصل البراءة
34-المطول، ص 33
و قبل الشروع فى مقاصد العلم اشار الى تعريفه و ضبط ابوابه اجمالا ليكون للطالب زيادة بصيرة و لان كل علم فهى مسائل كثيرة تضبطها جهة وحدة باعتبارها تعد علما واحدا تفرد بالتدوين و من حاول تحصيل مسائل كثيرة تضبطها جهة وحدة فعليه ان يعرفها بتلك الجهة لئلا يفوته ما يعنيه و لا يضيع وقته فيما لا يعنيه فقال (و هو علم) اى ملكة يقتدر بها على ادراكات جزئية و يقال لها الصناعة ايضا. بيان ذلك ان واضع هذا الفن مثلا وضع عدة اصول مستنبطة من تراكيب البلغاء تحصل من ادراكها و ممارستها قوة بها يتمكن من استحضارها و الالتفات اليها و تفصيلها متى اريد و هى العلم و لذا قالوا وجه الشبه بين العلم و الحياة كونهما جهتى ادراك ألا ترى انك اذا قلت فلان يعلم النحو لا تريد ان جميع مسائله حاضرة فى ذهنه بل تريد ان له حالة بسيطة اجمالية هى مبدأ لتفاصيل مسائله بها يتمكن من استحضارها. و يجوز ان تريد بالعلم نفس الاصول و القواعد لانه كثيرا ما يطلق عليها ثم المعرفة يقال لادراك الجزئى او البسيط و العلم للكلى او المركب و لذا يقال عرفت اللّه دون علمته. و ايضا المعرفة للادراك المسبوق بالعدم او للاخير من الادراكين لشىء واحد اذا تخلل بينهما عدم بان ادرك اولا ثم ذهل عنه ثم ادرك ثانيا و العلم للادراك المجرد من هذين الاعتبارين و لذا يقال اللّه تعالى عالم و لا يقال عارف و المصنف قد جرى على استعمال المعرفة فى الجزئيات فقال (يعرف به احوال اللفظ العربى) دون يعلم
کشاف اصطلاحات الفنون، ج 2، ص 1219
بالكسر و سكون اللام في عرف العلماء يطلق على معان منها الإدراك مطلقا تصوّرا كان أو تصديقا، يقينيا أو غير يقيني، و إليه ذهب الحكماء. و منها التصديق مطلقا يقينيا كان أو غيره. قال السيّد السّند في حواشي العضدي: لفظ العلم يطلق على المقسم و هو مطلق الإدراك و على قسم منه و هو التصديق إمّا بالاشتراك بأن يوضع بإزائه أيضا، و إمّا بغلبة استعماله فيه لكونه مقصودا في الأكثر، و إنّما يقصد التصوّر لأجله. و منها التصديق اليقيني. في الخيالي العلم عند المتكلّمين لا معنى له سوى اليقين. و في الأطول في باب التشبيه العلم بمعنى اليقين في اللغة لأنه من باب أفعال القلوب انتهى. و منها ما يتناول اليقين و التصوّر مطلقا. في شرح التجريد العلم يطلق تارة و يراد به الصورة الحاصلة في الذهن و يطلق تارة و يراد به اليقين فقط، و يطلق تارة و يراد به ما يتناول اليقين و التصوّر مطلقا انتهى. و قيل هذا هو مذهب المتكلّمين كما ستعرفه. و منها التعقّل كما عرفت. و منها التوهّم و التعقّل و التخيّل. في تهذيب الكلام أنواع الإدراك إحساس و تخيّل و توهّم و تعقّل. و العلم قد يقال لمطلق الإدراك و للثلاثة الأخيرة و للأخير و للتصديق الجازم المطابق الثابت. و منها إدراك الكلّي مفهوما كان أو حكما. و منها إدراك المركّب تصوّرا كان أو تصديقا، و سيذكر في لفظ المعرفة. و منها إدراك المسائل عن دليل. و منها نفس المسائل المدلّلة. و منها الملكة الحاصلة من إدراك تلك المسائل. و البعض لم يشترط كون المسائل مدلّلة و قال العلم يطلق على إدراك المسائل و على نفسها و على الملكة الحاصلة منها. و العلوم المدوّنة تطلق أيضا على هذه المعاني الثلاثة الأخيرة و قد سبق توضيحها في أوائل المقدّمة. و منها ملكة يقتدر بها على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض صادرا عن البصيرة بحسب ما يمكن فيها، و يقال لها الصناعة أيضا كذا في المطول في بحث التشبيه. و رده السيّد السّند بأنّ الملكة المذكورة المسمّاة بالصناعة فإنّما هي في العلوم العملية أي المتعلّقة بكيفية العمل كالطب و المنطق، و تخصيص العلم بإزائها غير محقّق. كيف و قد يذكر العلم في مقابلة الصناعة. نعم إطلاقه على ملكة الإدراك بحيث يتناول العلوم النظرية و العملية غير بعيد مناسب للعرف انتهى.
الحروف، ص 95-96
<الفصل الثاني عشر: العرض> (56) العرض عند جمهور العرب يقال على كلّ ما كان نافعا في هذه الحياة الدنيا فقط؛ <أمّا ما كان نافعا في الحياة الآخرة فقط>، أو نافعا مشتركا <يستعمل لأجل الحياة في الدنيا> و يستعمل لأجل الحياة في الآخرة، فإنّه لا يسمّى عرضا. و قد يقال أيضا على كلّ ما سوى الدراهم و الدنانير و ما قام مقامهما من فلوس و نحاس أو دراهم حديد ممّا استعمل مكان الدراهم و الدنانير. و قد يقال أيضا على كلّ ما توافت أسباب كونه أو فساده القريبة - فإنّه يقال فيه إنّه يعرض كذا - أو أنّه قريب من أن يوجد أو يتلف لحضور سبب ما له قريب لوجوده أو تلفه، أو لتخريب كثير لوجوده أو تلفه، أو لتخريب له كثير. و قد يقال أيضا على كلّ ما يقال عليه العارض، و هو كلّ حادث سريع الزوال.
(57) و أمّا في الفلسفة فإنّ العرض يقال على كلّ صفة وصف بها أمر ما و لم تكن الصفة محمولا حمل على الموضوع، أو لم يكن المحمول داخلا في ماهيّة الأمر الموضوع أصلا، بل كان يعرّف منه ما هو خارج عن ذاته و ماهيّته. و هذان ضربان، أحدهما عرض ذاتيّ <و الثاني عرض غير ذاتيّ>. و العرض الذاتيّ هو الذي يكون موضوعه ماهيّته أو جزء ماهيّته، أو توجب ماهيّة موضوعه أن يوجد له على <النحو> الذي توجب ماهيّة أمر ما أن يوجد له عرض ما. فإنّ ذلك العرض إذا حدّ أخذ ذلك الأمر في حدّ العرض. فما كان من الأعراض هكذا فإنّه يقال إنّه عرض ذاتيّ. و غير الذاتيّ هو الذي لا يدخل موضوعه في شيء من ماهيّته، و ماهيّة موضوعه <لا> توجب أن يوجد <له> ذلك العرض. فهذا هو معنى العرض في الفلسفة.
المنطقیات للفارابی، ج 3، ص 353-356
قوله: اما جنس قريب او بعيد او ما جرى مجراه، و كذلك فى الفعل. اما الجنس القريب و البعيد فبين. و اما ما يجرى مجراه، فالقول فى ذلك الجنس على التحقيق هو صورة الشيء العامة للشىء و غيره. و اما الفصل على التحقيق فهو صورة الشىء الخاصة به. واحد ما يقال على الجنس ما اليه و ما بهاتين الصورتين جميعا و هذا معنى لها..... التي تكون من جهة الصورة. فالذى يجرى مجرى الجنس فهو كل سبب عام يحمل على الشىء و..... بصورته له بل تكون مادة عامة. او فاعل (س 90 پ) عاما او غاية عامة. امّا المادة فمثل قولنا: الانسان ذو لحم و عظم، و الابريق هو من نحاس، و الفخار من طين. و اما الفاعل فمثل قولنا: الحائط مصنوع للبناء، و كذلك الغاية مثل قولنا: النخلة مثمرة للرطب، و الثمر مثمر للبسر، او نحوه. و ما يجرى مجرى الفصل فهى الاسباب الثلاثة: المادة و الفاعل و الغاية. فانا نقول: الابريق من نحاس، و ثوب من صوف. و قولنا: من نحاس فصل من جهة الفاعل. و قولنا شجر يثمر الرطب فصل من جهة الغاية. و لا فرق بين اجزاء هذه الاسباب الثلاثة من حيث تجرى مجرى الجنس او من حيث تجرى مجرى الفصل ابدا. اما اذا تصورت الشيء من جهة مادته، و اخذته من حيث هو الشىء عن تلك المادة، و تلك المادة عامة له و لغيره، كانت تلك المادة جنسا. مثل تصورنا الابريق انها من نحاس، فتصورنا فيه انه نحاس عام له و لغيره افصار جسما. و اما الفصل، فانا اذا تصورنا الشىء بشيء يعمّه، ثم اخذنا اجزاء الانساب الثلاثة مخصصة لذلك الشىء العام؛ سمّيناه فصلا. مثل قولنا فى الابريق انه جسم نحاس او جسم من نحاس، فقد قدمنا الشىء العام و هو الجنس، و خصصناه بالمادة، و كذلك ساير الامور. و قد يجتمع فى حد واحد جميع هذه الاسباب، مثل قولنا فى حد الحائط انه جسم منتصب يصنعه البنّاء من حجارة او لبن او طين ليحمل السقف او ليكون حافظا. فقولنا: جسم منتصب صورة. و قولنا يصنعه البنّاء فاعل، من حجارة مادة، ليحمل السقف غاية. فهذه كلها محمولات ذاتية.
و ما يجرى ايضا مجرى الجنس و الفصل مقولة الجوهر و انواعها اذا اخذت موضوعات لسائر المقولات. مثل قولنا: ركوع و سجود و ضحوك. و جميع هذه و ما اشبهها يؤخذ الانسان موضوعا لها، و يؤخذ فى حدها على انه يجرى مجرى الفصل. فهذه كلها محمولات ذاتية. فمتى كان المحمول سببا من اسباب الموضوع اى سبب كان من الاسباب كان من الاسباب الأربعة، كان الصنف الأول من صنفى المحمولات الذاتية التي يجوز ان يكون جوهر موضوعاتها و طباعها ان يحمل عليها المحمولات التي هى اسباب وجود الموضوعات. و هى ثلاثة اصناف: اما اجناس او ما يجرى مجراها، و اما فصول او ما يجرى مجراها، و اما حدود مؤلفة منهما. و الصنف الثاني من المحمولات الذاتية هو الذي جوهر المحمول و طباعه ان يوجد فى موضوعاته من اجل ان الموضوعات اسباب للمحمولات تجرى على ما قلنا اما مجرى الفصول و اما مجرى الاجناس. فلذلك توجد الموضوعات فى حدود المحمولات فى الوجود و عند التصور. فانك اذا تصورت الضحك او الضحاك، فلا بدّ ان يوجد فى النفس و ان يوجد فى حد الانسان موضوعا يجرى مجرى الفصل و مجرى الجنس. و كذلك اذا تصورنا ساجدا، او راكعا.
و هذه هى الاعراض الذاتية. و هى صنفان: اما ان يؤخذ الموضوع نفسه فى حد المحمول، (س 91 ر) و يكون سببا له على جهة المادة او الفاعل. و اما ان يؤخذ جنس ما هو موضوع فى حده، مثل قوله: الانسان متحرك بارادة. فإن أخذ جنس الانسان و هو الحيوان فى حد قوله: متحرك بارادة. فيكون جميع المحمولات الذاتية خمسة: الجنس و ما يجرى مجراه، و الفصل و ما يجرى مجراه، و الحد المؤلف منهما، و الخاصّة و هو الذي يؤخذ فى حده الموضوع، و العرض الذاتى و هو الذي يؤخذ جنس الموضوع فى حده.
و قوله: و اذ كان المحمول الأول هو هذا، فقد يمكن ان تعلم اى صنف من اصناف الذاتية منها محموله على موضوعها حملا اولا و ايها ليس باول، و ايّها خاص موضوعه، و ايها ليس بخاص. الاصناف الذاتية على ما تحمل هنا خمسة اصناف، و هى الحدّ، و الجنس، و الفصل، و العرض الذاتى الذي يؤخذ موضوعه فى حدّه، و العرض الذاتى الذي يؤخذ جنس موضوعه فى حده. فيجب ان ننظر فى كل واحد من هذه المحمولات الخمسة المنسوبة الى الموضوع على ما ذكرنا منها اول و غير اول، و ما منها اول و خاص، و ما منها ليس باول و لا خاص. اما الحد فاول و خاص، اذ الحد يخص محدوده، و لا يمكن ان يحمل على جنس موضوعه. مثل قولنا: الانسان حيوان ناطق، فانه خاص به، اذ لا يمكن ان يحمل على غير الانسان، و انما يحمل على الانسان. فقط. و هو اول، لانه لا يمكن ان يحمل على الحيوان الذي هو جنس الانسان حملا كليا. و جنس الشىء محمول اول بذاته و ليس بخاص باطلاق، مثل قولنا: الانسان حيوان، فانه يحمل على الانسان حملا اولا، لانه لا يحمل الحيوان على جنس الانسان الذي هو الحيوان، اذ لا يحمل الشىء على نفسه. و ليس بخاص بوجه، اذ يحمل على ما ينقسم اليه الجنس. فان الحيوان يحمل على الانسان و على الفرس و على الحمار و على ساير انواعه.
و اما ما ينسب الى الجنس من هذه النسب الخمس مثل حدّ الشىء و هو حدّ الجنس، و جنس الجنس، و فصل الجنس، و العرض الذي يؤخذ الجنس فى حدّه، و العرض الذي يؤخذ جنس الجنس فى حدّه، و كلها محمولات غير اول، اذ كل واحد من هذه الخمسة يحمل على جنس الموضوع. مثل قولنا: حيوان. فان حدّ الحيوان هو جسم متغيّر حسّاس هو محمول ذاتى غير اول لجميع انواع الحيوان، فانه يحمل على الانسان و الفرس، و يحمل على الحيوان، و ليس باول للانسان و لا للفرس و لا لواحد من انواعه. و كذلك ساير النسب الخمسة. و اما الفصل المقوم الذاتى المساوى للموضوع الذي يحمل عليه، فهو اول و خاص، و كذلك حده.
منطق المشرقیین، ص 28
و المحمولات التي لا تقوم الشيء و تعرض لا لسبب شيء أعم يخص باسم الأعراض الذاتية أي اللواحق الذاتية و هي غير المحمولات الذاتية في المعنى لأن المحمولات الذاتية قد تقال على غير هذا المعنى و إذا قيل لهذه أعراض فليس يعني به العرض الذي يوضع بإزاء الجوهر بل يعني به العرضي و أما العرض الذي بإزاء الجوهر فله حد أو رسم غير هذا و ليس يعني به العرض الذي هو أحد الخمسة الذي من حقه أن يسمى عرضا عاما فإن هذا أيضا يقال على الخاصة المساوية و على الخاصة التي هي أقل مثل الكتابة للإنسان و الحيوان و هذه المعاني يجب أن تكون محققة محصلة
شرح الاشارات، ج 1، ص 57-60
و ربما قالوا في المنطق ذاتي في غير هذا الموضع منه، و عنوا به غير هذا المعنى، و ذلك هو المحمول الذي يلحق الموضوع من جوهر الموضوع و ماهيته.
أقول عنى بغير هذا الموضع كتاب البرهان فإن الذاتي هناك هو ما يعم هذا الذاتي و الأعراض الذاتية، و هي على ما رسمه كل ما يلحق الموضوع من جوهر الموضوع و ماهيته فجوهر الشيء حقيقته، سواء كان بسيطا أو مركبا، و الماهية ربما يخص بالمركبات و كل ما يلحق الموضوع فهو إما أن يلحقه لأنه هو، و إما أن يلحقه لأمر آخر، و ذلك الأمر إما أن يساويه، أو يكون أعم منه، أو أخص منه، و الأول وحده هو العرض الذاتي الأولي، و هو مع القسم الثاني أعني الذي يلحقه بسبب أمر يساويه كالفصل أو العرض الذاتي الأولى إنما يلحقان الموضوع من جوهر الموضوع و مهيته، إلا أن الأول يلحقه من غير واسطة، و الثاني يلحقه بواسطة، فالمجموع هو العرض الذاتي بحسب الرسم المذكور، و هو المحمول الذي يؤخذ الموضوع في حده، إلا أن الاصطلاح يقتضي أن يطلق العرض الذاتي في كتاب البرهان على معنى أعم من ذلك، و السبب في ذلك أن العلوم متمايزة بحسب تباين موضوعاتها، و العرض بهذا المعنى قد يحمل في كل علم على موضوعه، و قد يحمل على أنواع موضوعه، و قد يحمل على أعراض أخر له، و قد يحمل على أنواع الأعراض الآخر، كالناقص في علم الحساب على العدد، و على الثلاثة، و على الفرد، و على زوج الزوج، فالموضوع لا يكون مأخوذا في حد المحمول إلا في الأول بل يكون المأخوذ في الثاني جنسه، و في الثالث معروضه. و في الرابع معروض جنسه، و لما كانت المحمولات البرهانية أعراضا ذاتية كان جميع ذلك من الأعراض الذاتية، و حينئذ يكون رسمها ما يؤخذ في حده موضوعه، أو ما يقوم موضوعه، أو معروضه، أو معروض جنسه، و يقيد ما يقوم موضوعه بما لا يخرج عن العلم الباحث عنه فإن ما يؤخذ فيه جنس الموضوع الخارج عن ذلك العلم لا يسمى عرضا ذاتيا، و حين يطلق العرض الذاتي على جميع ما ذكرناه يخص الأول بقيد الأولى لأن ما عداه إنما يلحق الموضوع لأمر غير ما به هو هو، هذا إذا أريد بالموضوع موضوع القضية، أما إذا أريد به موضوع العلم فيكفي فيه أن يقال ما يؤخذ موضوع العلم في حده.
1] قوله «إشارة إلى الذاتى بمعنى آخر» الذاتى فى كتاب البرهان يطلق على ما يعم الذاتى و العرضى، و الذاتى ما يلحق الموضوع عن ذاته و جوهره و هو يتناول ما يلحقه لامر مسا و إما داخل أو خارج، و أما اللاحق لامر عام داخل فهو ليس بعرض ذاتى، و إن أخذه المتاخرون من العرض الذاتى ظنا منهم أنه أيضا يلحق لذاته و جوهره، و بالجملة لما كان العرض الذاتى ما يلحق الموضوع من جوهره، و يلزم منه أن يكون الموضوع مأخوذا فى حده، كما سيأتى فى الفصل الآتي، فالعرض الذاتى هو المحصول الذي يؤخذ الموضوع فى حده، كما عرف به قدماء المنطقيين، لكن المراد بالموضوع فيه، إما موضوع المسألة، أو موضوع العلم، فان كان المراد موضوع المسألة لم يكن التعريف جامعا؛ لان العرضى فى العلوم يحمل على موضوع و يحمل على أنواعه و على اعراضه الذاتية و على أنواعه كالناقص فى علم الحساب على العدد و على ثلاثة و على الفرد و على زوج الزوج، و نقول لبيانه، العدد إما تام، و إما ناقص أو زائد؛ لان أجزاءه و هى كسوره المفترضة ان كانت مساوية له كالستة، فهو التام و ان كانت زائدة عليه كالاثنى عشر فهو الزائد، و الا فناقص كالاربعه، و أيضا العدد ان لم يكن منقسما بمتساويين فهو الفرد، و ان انقسم فهو الزوج، و لا يخلو إما أن يقبل التنصيف الى الواحد فهو زوج الزوج، كالثمانية، أولا، فان قبل التنصيف أكثر من مرة فهو زوج الزوج و الفرد، و ان لم يقبل التنصيف إلا مرة واحدة فهو زوج الفرد، فالمأخوذ فى تعريف الناقص و هو العدد ان حمل عليه يكون موضوعه، و ان حمل على الثّلاثة يكون جنس موضوعه؛ لان العدد جنس الثّلاثة، و ان حمل على الزوج يكون معروض موضوعه؛ فان العدد معروض الزوج، و هو جنس زوج الزوج، فان أريد بالموضوع فى تعريف العرض الذاتى موضوع المسألة، لم يتناول من هذه الاقسام الأربعة الا العرض المحمول على نفس موضوع العلم، و يخرج عنه الاقسام الثّلاثة الباقية. و أما قوله و السبب فيه أن العلوم متمايزة بحسب تمايز موضوعاتها فلا دخل له فى هذا البيان من حيث الظاهر كما ذكرناه؛ لكن يمكن أن يقال إنه أراد أن يستدل على وجود أعراض ذاتية خارجة عن الحد، فقال المحمولات فى العلوم لا بد أن يكون أعراضا ذاتية فلا يخلو إما أن يؤخذ فى حدودها موضوعاتها، أولا يؤخذ، فان لم يؤخذ موضوعاتها فى حدودها كان هناك من الاعراض الذاتية- ما لا يؤخذ موضوعه فى حده فينتقض التعريف به، و ان أخذت موضوعاتها فى حدودها، فتلك المحمولات تكون أعراضا ذاتية لموضوعاتها؛ لكنها متمايزة، و تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ليكون تلك المسائل علوما منتشرة لا علما واحدا، لان البحث فى مسئلة عن عرض لموضوعها ذاتى له، و موضوع كل علم ما يبحث فيه عن اعراضه الذاتية. فاذن رسمه بحسب ارادة موضوع المسألة ما يؤخذ فى حده موضوعه، أو جنس موضوعه، أو معروضه، أو معروض جنسه، لكن يجب تقييد جنس الموضوع بما لا يخرج من ذلك العلم الباحث عنه؛ لان جنس الموضوع ربما يكون قريبا و ربما يكون بعيدا و اذا كان بعيدا فقد يبحث عن اعراضه فى علم اعلى، فلا بد أن يقال أو جنس موضوعه من حيث أنه يبحث عنه فى العلم الذي تلك المسألة مسئلته، أو بشرط أن لا يكون أعم من موضوع تلك العلم، مثلا يبحث فى العلم الاكر عن الاعراض الذاتية للكرة مطلقا، و فى كرة المتحركة عن أعراضه الذاتية فالاعراض الذاتية فى الاكر يؤخذ فى حد الكرة، و هى جنس الكرة المتحركة، فلو لم يقيد باللاأعراض الذاتية فى علم الكرة الماخوذ فى حدودها جنس موضوع المسألة بما لا يخرج عن العلم، لدخلت فيه سائر الاعراض الذاتية المبحوث عنها فى علم الاكر، فيختلط علم الادنى بالعلم الاعلى، مثال آخر الطبيب يبحث عن الصحة و المرض العارضين لبدن الانسان فلو جعلنا ما اعتبر جنس الموضوع فيه من الاعراض الذاتية فالصحة و المرض اللذان اعتبر فيهما الحيوان يكونان من الاعراض الذاتية المبحوث عنها فى الطب فيجب أن يكون البيطرة من علم الطب، هذا ان أريد بالموضع موضوع المسألة و ان اريد به موضوع العلم يكفى فيه ان يقال ما يؤخذ فى حد موضوع العلم لانه يتناول الاقسام، و فيه نظر أما أولا فلان التعريف دورى؛ لان معرفة موضوع العلم موقوفة على معرفة العرض الذاتى، فتعريفه به دورى، و أما ثانيا فلانه غير جامع؛ لان الاعراض الذاتية ما لا يلحق موضوع العلم، فان للحجر مثلا أعراضا ذاتية و ليس بموضوع. م
مطالع الانوار، ص 18-19
قال الفصل الثاني أقول من مقدّمات الشّروع فى العلم ان يعلم موضوعه لأنّ تمايز العلوم بحسب تمايز الموضوعات فاذا علم انّ اىّ شيء هو موضوعه يتميّز ذلك العلم عند الطّالب فضل تميز حتّى كانّه احاط بجميع ابوابه احاطة ما و لمّا كان التصديق بالموضوعيّة مسبوقا بالتّصوّر وجب تصدير الكلام بتعريف موضوع العلم فموضوع كل علم ما يبحث فى ذلك العلم عن اغراضه الذاتية كبدن الانسان لعلم الطلب فانّه باحث عن احواله من جهة ما يصحّ و يزول عن الصّحة و كافعال المكلّفين لعلم الفقه فانّه ناظر فيها من حيث تحلّ و تحرم و تصحّ و تفسد و هذا التعريف لا يتّضح حقّ اتّضاحه الاّ بعد بيان امور ثلاثة
فالأوّل العرض و هو المحمول على الشيء الخارج عنه
الثاني العرض الذاتى و هو الذي يلحق الشيء لما هو هواى لذاته كلحوق ادراك الأمور الغريبة للإنسان بالقوّة او يلحقه بواسطة جزئه سواء كان اعمّ كلحوقه التحيّز لكونه جسما او مساويا كلحوقه التكلّم لكونه ناطقا او يلحقه بواسطة امر خارج مساو كلحوقه التعجّب لإدراك الأمور العجيبة المستغربة و امّا ما يلحق الشيء بواسطة امر اخصّ كلحوق للضّحك للحيوان لكونه انسانا او بواسطة امر اعمّ خارج كلحوق الحركة للأبيض لأنّه جسم فلا يسمّى عرضا ذاتيا بل عرضا غريبا فهذه اقسام خمسة للعرض حصره المتأخّرون فيها و بيّنوا الحصر بانّ العرض امّا ان يعرض الشيء اوّلا و بالذّات او بواسطة و الواسطة امّا داخل فيه او خارج و الخارج امّا اعمّ منه او اخصّ او مساو و زاد بعض الافاضل قسما سادسا راى عدّه من الاعراض الغريبة اولى و هو ان يكون بواسطة امر مباين كالحرارة للجسم المسخن بالنار او شعاع الشّمس و الصّواب ما ذكره فان قيل نحن نقسم العرض هكذا امّا ان يلحق الشيء لا بواسطة لحوق شيء اخر او بتوسّطه و الوسط امّا ان يكون داخلا فى الشيء او خارجا الى اخر القسمة و حينئذ لا يمكن ان يكون الوسط مباينا لأنّ المباين لا يلحق الشيء و ايضا الوسط على ما عرّفه الشيخ ما يقرن بقولنا لأنّه حين يقال لانّه كذا فلا بدّ من اعتبار الحمل و المباين لا يكون محمولا قلنا السؤال باق لأنّ العرض الّذي يلحق الشيء بلا توسّط لحوق شيء اخر او بلا وسط على ذلك التفسير لا يجب ان يكون عارضا لما هو هو لجواز ان يكون لأمر مباين بل الّذي كان لشيء و لم يكن لآخر و لا يكون للآخر الاّ و قد كان له فهو للشّىء اوّلا و بالذّات و ما لم يكن كذلك بل يكون له بسبب انّه كان لشيء اخر فهو له ثانيا و بواسطة سواء لم يباينه او باينته كما تقول جسم ابيض و سطح ابيض فالسّطح ابيض بذاته و الجسم ابيض لأنّ السّطح ابيض و كما انّ الحركة زمانيّة كذلك الجسم لكن الزمان له ثانيا و لو كان المراد هناك ما ذكروه لم يكن اثبات الأعراض الأوّليّة من المطالب العلمية ضرورة انّ الذي بلا وسط بذلك المعنى بيّن الثّبوت و الشبهة انّما نشأت من عدم الفرق بين الوسط فى التصديق و بين الوسط فى الثبوت و الشيخ صرّح بذلك فى كتاب البرهان من منطق الشّفاء مرارا و قال فرق بين المقدّمة الأولية و بين مقدّمة محمولها اولى لأنّ المقدّمة الأوليّة ما لا يحتاج الى ان يكون بين موضوعها و محمولها واسطة فى التصديق و امّا الّذي نحن فيه فكثيرا ما يحتاج الى وسائط و فى تعريف العرض الذاتى على ما ذكروه نظر لأنّهم عدوّا ما يلحق الشيء على جزئه الأعمّ منه و ليس كذلك لأنّ الاعراض التي تعمّ الموضوع و غيره خارجة عن ان تفيده اثرا من الآثار المطلوبة له اذ تلك الآثار انّما توجد فى الموضوع و هى توجد خارجة عنه او لا يرى انّ علم الحساب انّما جعل علما على حدة لأنّ له موضوعا على حدة و هو العدد فينظر صاحبه فيما يعرض له من جهة ما هو عدد فلو كان الحاسب ينظر فى العدد من جهة ما هو كم لكان موضوعه الكمّ لا العدد فالأولى ان يقال العرض الذاتىّ ما يلحق الشيء لما هو هو او بواسطه امر يساويه كالفصل و العرض الأوّلى او يقال ما يختصّ بذات الشيء و يشمل افراده امّا على الإطلاق كما للمثلّث من تساوى الزّوايا الثّلث لقائمتين او على سبيل التقابل كما للخطّ من الاستقامة و الانحناء فمنه ما يحمل على كليّة الموضوع لكن لا يكون ذلك الحمل لأمر اعمّ و منه ما لا يكون كذلك لكن لا يحتاج فى عروضه الى أن يصير نوعا معيّنا يتهيّأ لقبوله كما لا يحتاج الجسم فى ان يكون متحرّكا او ساكنا الى ان يصير حيوانا او انسانا بخلاف الضحك فانّه يحتاج الى ان يصير انسانا و ايضا منه ما هو لازم مثل قوّة الضحك للإنسان و منه ما هو مفارق كالضّحك بالفعل و وجه التسمية اختصاصه بذات الشيء و ما لا يختصّ بالشيء بل غرض له لامر اعمّ او يختصّ و لا يشمله بل يكون عارضا له لامر اخصّ يسمّى عرضا قريبا لما فيه من الغرابة بالقياس الى ذات الشيء
الثالث البحث عن الاعراض الذاتيّة و المراد منه حملها امّا على موضوع العلم او انواعه او اعراضه الذاتيّة او انواعها كالنّاقص فى علم الحساب على العدد و الثلاثة و الفرد و زوج الزوج فهى من حيث يقع البحث فيها يسمّى مباحث و من حيث يسئل عنها مسائل و من حيث يطلب حصولها مطالب و من حيث يستخرج من البراهين نتائج فالمسمّى واحد و ان اختلف العبارات بحسب اختلاف الاعتبارات و اعلم انّ ما عرّف به المصنف موضوع العلم ليس يتناول الاّ الأعراض الأوّليّة و يخرج عنه التي بواسطة امر مساو داخل او خارج و التعويل على ما شيّدنا اركانه
شرح المطالع مع تعلیقات السید الجرجانی، ص 69-
الثاني: (العرض الذاتي) وهو الذي يلحق الشيء لما هو هو أي لذاته، كلحوق ادراك الامور الغريبة للانسان بالقوة، أو يلحقه بواسطة جزئه سواء كان أعم كلحوقه التحيز لكونه جسماً أو مساوياً كلحوقه التكلم لكونه ناطقاً أو يلحقه بواسطة أمر خارج مساو كلحوقه التعجب لادراك الامور العجيبة المستغربة، واما ما يلحق الشيء بواسطة امر أخص، كلحوق الضحك للحيوان لكونه انساناً أو بواسطة امر اعم خارج كلحوق الحركة للأبيض لأنه جسم فلا يسمى عرضاً ذاتياً بل عرضاً غريباً فهذه اقسام خمسة للعرض حصره المتأخرون فيها، وبينوا الحصر بأن العرض اما ان يعرض الشيء اولاً وبالذات أو بواسطة، والواسطة اما داخل فيه أو خارج، والخارج اما اعم منه أو مساو، وزاد بعض الافاضل قسماً سادساً رأى عده من الاعراض الغريبة أولى وهو ان يكون بواسطة امر مباين كالحرارة للجسم المسخن بالنار، أو شعاع الشمس، والصواب ما ذكره.
فإن قيل: نحن نقسم العرض هكذا اما ان يلحق الشي لا بواسطة لحوق شيء آخر أو بتوسط والوسط اما ان يكون داخلاً في الشيء أو خارجاً، إلى آخر القسمة، وحينئذ لا يمكن ان يكون الوسط مباينا لأن المباين لا يلحق الشيء وايضاً الوسط على ما عرفه الشيخ ما يقرن بقولنا لأنه حين يقال: لأنه كذا فلابد من اعتبار
الحمل والمباين لا يكون محمولاً. قلنا: السؤال باق(1)، لأن العرض الذي يلحق الشيء بلا توسط لحوق شيء
الا انه انتقل عن القسم الثاني الى القسم الأول توسط لحوق شئ بشئ آخر، وحمله عليه قد يكون بانتفاء اللحوق والحمل لا بانتفاء اللحوق المتوسط مطلقا كما اذا توسط هناك امر مباين فليس القسم الأول منحصرا فيما يكون عارضا للشئ .
ص 70
أولا وبالذات، بل هو قسم منه لأن العرض الأولي اللاحق بالشئ لما هو، هــو مـا ثبت لشئ ولم يثبت لآخر، ولا يثبت لآخر إلا وقد ثبت له، ومعناه أنه عارض لذلك
الشئ حقيقة وليس عارضا لغيره كذلك بل لو عرض لغيره كان ذلك بتوسط عروضه
للشئ لا على ان هناك عروضين بل عروض واحد منسوب الى الشئ أولا وبالذات
والى الغير ثانيا وبالعرض كالمشي للحيوان والانسان فانه عارض لهما عروضا واحدا، الا انه عارض للحيوان لذاته والإنسان بتوسطه.
ثم ان المعتبر في العروض الأولي هو انتفاء الواسطة في العروض، وهي التي تكون معروضة لذلك العارض دون الواسطة في الثبوت التي هي أعم، يشهد بذلك انهم صرحوا بأن السطح من الأعراض الأولية للجسم التعليمي، مع ان ثبوته له بواسطة انتهائه وانقطاعه. وكذلك الخط للسطح، والنقطة للخط. وصرحوا بان الألوان ثابتة للسطوح أولا وبالذات مع ان هذه الأعراض قد فاضت على محالها من المبدأ
الفياض.
وعلى هذا فالمعتبر فيما يقابل العرض الأولي أعني سائر الأقسام ثبوت الواسطة في العروض كما يدل عليه قوله وما لم يكن كذلك بل يكون له بسبب انه كان لشئ آخر فهو له ثانيا وبواسطة سواء لم تباينه الواسطة، كما مر من عروض المشي للأنسان بواسطة الحيوان أو باينته كعروض البياض للسطح بتوسط الجسم، ومن البين ان ليست النار ولا مماستها واسطة في عروض الحرارة للماء - وان كانت واسطة في ثبوتها له فلا يكون المثال المذكور للمبائن مندرجا في الأعراض التي اعتبر فيها الواسطة في العروض بل الحرارة عارضة للجسم العنصري عروضا أوليا، فيكون عروضها للماء والنار بواسطة الجزء الأعم. واما ان الصورة النارية تقتضي الحرارة في جسمها دون الصورة المائية فلا اعتبار له هاهنا، اذ الكلام في عروض العوارض
المعروضاتها وانه هل هناك واسطة في ذلك العروض أو لا، فعلى الثاني يكون .
ص 71
قطب الدين الرازي .
ذلك العارض من قبيل وصف الشئ لما هو حاله، وعلى الأول من قبيل وصفه بأحوال ما يتعلق به فالمثال المطابق للقسم السادس هو الأبيض المحمول على الجسم بتوسط حمله على السطح المبائن له - كما صرح به الشارح .. فان قلت الواسطة هو المسطح وذكر السطح مساهلة في التمثيل.
قلت ان اريد بالمسطح ما صدق هو عليه فهو الجسم بعينه وان اريد مفهومه فليس البياض عارضا له بل للسطح الموجود في الخارج فهو الأبيض حقيقة، وكذا
الحال في الحركة التي هي الواسطة في عروض الزمانية للجسم.
ولعلك تقول: قد بحث عن الألوان في العلم الذي موضوعه الجسم الطبيعي مع كونها عارضة له بواسطة مباينة - كما حققته - فكيف يعد العارض بتوسط المبائن عرضا غريبا ؟
فنقول: لا شك ان المقصود في كل علم من العلوم المدونة بيان احوال موضوعه أعني أحواله التي توجد فيه ولا توجد في غيره، ولا يكون وجودها فيه بتوسط نوع مندرج تحته، فإن ما يوجد في غيره أيضا لا يكون من أحوال حقيقته بل من أحوال ما هو أعم منه، والذي أوجد فيه فقط لكنه لا يستعد لعروضه ما لم يصر نوعا مخصوصا من أنواعه كان من أحوال ذلك النوع لا من أحواله الحقيقية، فحق هذين الحالين ان يبحث عنهما في علمين موضوعهما ذلك الأعم والأخص.
ثم الأحوال الثابتة للموضوع على الوجه المذكور على قسمين:
أحدهما: ما هو عارض له وليس عارضا لغيره الا بتوسطه وهو العرض الأولي.
وثانيهما: ما هو عارض لشئ آخر له تعلق بذلك الموضوع بحيث يقتضي عروضه لــه بتوسطه ذلك الآخر الذي يجب ان لا يوجد في غير الموضوع - سواء كان داخلا فيه او خارجا عنه - أما مساويا له في الصدق او مبائنا له فيه ومساويا له في الوجود.
فالصواب ان يكتفى في الخارج بمطلق المساوي فان المبائن اذا قام .
حکمه الاشراق، ج 2، ص 32-33
قوله [الشارح العلاّمة] رحمه اللّه: «[في الفرق بين ما للشيء من ذاته] و هي العوارض [الذاتية، و بين ما له من غيره، و هي العوارض الغريبة]» . (26) [أقول]: قد أشرنا إلى أنّ العوارض و المحمولات منها ما لا واسطة له في الإثبات، و يقال له البيّن و يقابله الغير البيّن. و منها ما لا واسطة له في الثبوت، و يقال له ما للشيء من ذاته بمعنى أنّ موجبه و علّته نفس الحقيقة، و يقال له العرض الذاتي و يقابله ما يكون بينه و بين الذات واسطة أو وسائط. و القول المشتمل على هذا المحمول الذاتي يسمّى «مقدّمة محمولها أوّلي» كما أنّ القول المشتمل على ما لا وسط له في الإثبات يسمّى «مقدمة أوّلية». و منها ما لا وسط له في العروض غير المساوي (لا الأعمّ و الأخصّ)، و يقال له «العرض الذاتي» و هو بهذا المعنى غير العرض الذاتي بالمعنى الأوّل، و يقابله «العرض الغريب» الذي لا يبحث عنه في العلوم. و المراد من العرض الذي يلحق الماهية لا من غيرها هو ما لا وسط له في الثبوت، و هو المذكور في هذه الضابطة بيانه و بيان مقابله. كما أنّ المذكور في الضابطة المقدمة بيان ما لا وسط له في الإثبات و بيان مقابله.
الحکمة المتعالیة، ج 1، ص 32
أي في قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية و الحق في معنى العرض الذاتي أن يقال هو ما يكون عارضا للشيء و وصفا له بالحقيقة بلا شائبة مجاز و كذب أي يكون من قبيل ما يقال له عند أهل العربية الوصف بحال الشيء لا الوصف بحال متعلق الشيء و بعبارة أخرى الغرض الذاتي ما لا يكون له واسطة في العروض - لكن بعض أنحائها التي كحركة السفينة الواسطة لحركة جالسها لا جميع أنحائها فإن لها أنحاء سنذكرها في بحث أصالة الوجود و السبب في أن أحوال الفصل هي أحوال الجنس أن الجنس إذا أخذ لا بشرط كان متحدا مع الفصل فكانت أحوال أحدهما هي أحوال الآخر بالحقيقة فعوارض العقول بالحقيقة عوارض الموجود بما هو موجود - باعتبار أخذه لا بشرط بخلاف عوارض الجسم بما هو واقع في التغير لأن مناط الغيرية لموضوع هذا العلم المادية و الحركة كما أشرنا إليه سابقا و إن كان البحث عن الجسم بما هو موجود و بما هو مركب من الهيولى و الصورة و نحو ذلك من الإلهي و و لعدم الاطلاع على ما ذكر استصعب الأمر على كثير من المتأخرين 32 حتى قال الفاضل الخوانساري رحمه الله في حاشية الشفاء إن ذكر أحوال ما هو أخص من موضوع العلوم فيها لمجرد الاستحسان - لكون ذلك الأخص نوعا منه أو صنفا مثلا. و اعلم أنه كان تفسير العرض الذاتي بالخارج المحمول الذي يلحق الشيء لذاته - أو لأمر يساويه من القدماء فيمكن توجيهه بأن ليس مرادهم من قولهم لذاته العلية و الاقتضاء حتى يقال كلما وجد المقتضي فلا بد أن يوجد المقتضى و يستشكل بأحوال الأخص بل المراد نفي الواسطة في العروض و أن يكون حال نفسه لا حال متعلقه - فالمراد بالأمر المساوي له مفهوم يساويه معه في الحيثية و كانت الاثنينية بمجرد المفهوم - كمفهومي الوحدة و الوجود فإذا عرض عدم القسمة مثلا للوجود لأجل الوحدة كان عرضا ذاتيا و كذا إذا عرض منع الصدق على كثيرين للوجود لأجل التشخص حتى لو كان التساوي بينهما تساويا بحسب التحقق بل بحسب الصدق و لكن كان لهما حيثيتان تقييديتان انضماميتان كان اللاحق لأمر مساو هذا النحو من التساوي عرضا غريبا كاللاحق لأمر أخص و إنما فسروا العرض الذاتي بالخارج المحمول الأعم من المحمول بالضميمة لئلا يخرج مثل الوحدة و الشيئية و الإمكان و غيرها من العوارض العقلية، س ره
مجموعه رسائل علامه طباطبایی، ج 2، ص 208-209
از آنجا كه در قضيه برهانى محمول، عرض ذاتى موضوع است، وتصور عرض ذاتى از تصور موضوع آن بىنياز نيست، يعنى موضوع عرض ذاتى يا مقوم موضوع عرض ذاتى، در حد عرض ذاتى ماخوذ است؛ يا عرض ذاتى در حد موضوع مأخوذ است، بنابراين آنچه عروض آن بر محمول به نحوى است كه در تصور وعروض از موضوع بى نياز نيست، آن هم عرض ذاتى موضوع است؛ و همينطور آنچه كه بر محمول محمول، حمل مىشود نيز چنين است وتاآخر. ودر طرف موضوع نيز چنين است. عرض ذاتى گاهى ازموضوع خود اخص است
****************
مقاله سیر تطوّر الگوهای تمایز علوم در اندیشه متفکران مسلمان
مقاله مفهوم سازی مفهوم علم و کارکرد آن نزد ابن سینا و ابن رشد
مقاله جایگاه و تقسیمات علوم طبیعی در منابع طبقه بندی علوم اسلامی و عوامل موثر بر آن
مقاله مسئله عوارض به واسطه اخص از ابن سینا تا ملاصدرا
مقاله موضوع علم و معیار تمایز علوم
الفصل الأول من التعليم الأول من الفن الأول من الكتاب الأول من كتاب القانون في حدّ الطب
أقول: إن الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة، ليحفظ الصحة حاصلة، ويستردها زائلة. ولقائل أن يقول أن الطب ينقسم إلى نظر وعمل، وأنتم قد جعلتم كله نظراً، إذ قلتم أنه علم. وحينئذ نجيبه ونقول إنه يقال إن من الصناعات ما هو نظري وعملي، ومن الحكمة ما هو نظري وعملي، ويقال إن من الطب ما هو نظري وعملي. ويكون المراد في كل قسمة بلفظ النظري والعملي شيئاً أخر، ولا نحتاج ألان إلى بيان اختلاف المراد في ذلك إلا في الطب. فإذا قيل إن من الطب ما هو نظري، ومنه ما هو عملي، فلا يجب أن يظن أن مرادهم فيه هو أن أحد قسمي الطب هو تعليم العلم، والقسم الآخر هو المباشرة للعمل، كما يذهب إليه وهم كثير من الباحثين عن هذا الموضع، بل يحق عليك أن تعلم أن المراد من ذلك شيء آخر: وهو أنه ليس واحد من قسمي الطب إلا علماً، لكن أحدهما علم أصول الطب، والأخر علم كيفية مباشرته. ثم يخصّ الأوَل منهما باسم العلم، أو باسم النظر، ويخص الأخر باسم العمل. فنعني بالنظر منه، ما يكون التعليم فيه مقيد الاعتقاد فقط، من غير أن يتعرض لبيان كيفية عمل، مثل ما يقال في الطب: إن أصناف الحمّيات ثلاثة، وإن الأمزجة تسعة. ونعني بالعمل منه، لا العمل بالفعل، ولا مزاولة الحركات البدنية، بل القسم من علم الطب الذي يفيد التعليم فيه رأياً. ذلك الرأي متعلق ببيان كيفية عمل مثل ما يقال في الطبّ، إن الأورام الحارة يجب أن يقرب إليها في الابتداء ما يردح ويبرد ويكشف. ثم من بعد ذلك، تمزج الرادعات بالمرخيات. ثم بعد الانتهاء إلى الانحطاط، يقتصر على المرخيات المحللة، إلا في أورام تكون عن مواد تدفعها الأعضاء الرئيسة. فهذا التعليم يفيدك رأياً: هو بيان كيفية عمل، فإذا عملت هذين القسمين، فقد حصل لك علم علميّ، وعلم عمليّ، وإن لم تعمل قط.
شرح عیون الحکمة، ج 2، ص 4-13
المسألة الثانية فى تقسيم الحكمة النظرية و العملية قال الشيخ: «و الحكمة المتعلقة بالأمور النظرية، و التي الينا أن نعلمها، و ليس الينا أن نعملها. تسمى حكمة نظرية. و الحكمة المتعلقة بالأمور العملية التي الينا أن نعملها و نعملها تسمى حكمة عملية»
التفسير: العلم اما أن يكون علما بما لا يكون لقدرتنا تأثير فى وجودها، أو يكون علما بما يكون لقدرتنا تأثير فى وجودها. و الأول: هو الحكمة النظرية. و مثاله: علمنا بأن العالم محدث، و أن العالم له صانع، و أن الصانع قديم قادر عالم، و أن السماء كرة و أن النفس باقية. و الثاني: هو الحكمة العملية. و مثاله: العلم بأنه كيف يمكن اكتساب الملكات الفاضلة النفسانية و ازالة الملكات الخبيثة النفسانية؟ و كيف يمكن ازالتها للمرض و تحصيلها للصحة. و كل واحد من هذين القسمين علم، الا أن الأول علم بشيء لا تأثير لنا البتة فيه، بل المقصود من معرفته: نفس تلك المعرفة فقط. و الثاني علم بشيء يكون المطلوب من تحصيل العلم به، ادخاله فى الوجود أو منعه من الوجود. و الأول هو الحكمة النظرية، و الثاني هو الحكمة العملية. مع أن كل واحد منهما فى الحقيقة: علم. و اعلم: أن الحكمة النظرية أشرف من الحكمة العملية، لأن كل ما يعلم ليعمل، كان العلم فيه وسيلة، و العمل مقصودا. و الوسيلة فى كل شيء أحسن من المقصود. فالعلم بالأعمال يكون أدون منزلة من المعارف الالهية، و الجلايا القدسية. و ذلك يدل على أن الحكمة العملية، أدون منزلة من الحكمة النظرية بكثير. و أيضا: فاستكمال القوة النظرية أشرف من استكمال القوة العملية. و الكتاب الالهى ناطق بحصر الكمالات الانسانية فى هاتين المرتبتين. قال اللّه تعالى حكاية عن الخليل: «رب هب لى حكما، و ألحقنى بالصالحين» فالمراد من الحكم: تكميل القوة النظرية. و المراد من قوله: «و ألحقنى بالصالحين»: تكميل القوة العملية. و قال خطايا لموسى: «فاستمع لما يوحى: اننى أنا اللّه. لا إله الا أنا فاعبدنى» فقوله: «لا إله الا أنا» اشارة الى كمال القوة النظرية. و قوله: «فاعبدنى» اشارة الى كمال القوة العملية. و قال حكاية عن عيسى أنه قال: «انى عبد اللّه آتانى الكتاب. و جعلنى نبيا. و جعلنى مباركا أينما كنت» و كل ذلك اشارة الى كمال القوة النظرية ثم قال «بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا» فهو اشارة الى كمال القوة العملية. و قال خطابا مع الحبيب صلّى اللّه عليه و سلّم: «فاعلم: أنه لا إله الا اللّه» و هو اشارة الى كمال القوة النظرية. ثم قال: «و أستغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات» و هو اشارة الى كمال القوة العملية. فقد ظهر بنور الوحى و بنور الحكمة: أن كمال الانسان محصور فى العلم و العمل.
المسألة الثالثة فى أقسام (الحكمة) العملية قال الشيخ: «و كل واحدة من الحكمتين تنحصر فى أقسام ثلاثة: فأقسام الحكمة العملية هى هذه : حكمة مدنية، و حكمة منزلية، و حكمة خلقية» التفسير:
اعلم: أن جمهور الحكماء اتفقوا على أن اقسام الحكمة العملية ثلاثة. و الحكمة النظرية أيضا ثلاثة. و «الشيخ» جرى على هذا القول فى هذا الكتاب و كذلك فى أكثر كتبه، الا فى كتاب «الحكمة المشرقية» فانه ذكر فيه أن أقسام الحكمة العملية أربعة، و أقسام الحكمة النظرية أربعة أيضا. أما القول المشهور المذكور فى هذا الكتاب فتقريره: أن كل عاقل لا بد و أن يكون له فى فعله غرض. و ذلك أما أن يكون مختصا بذلك الانسان فقط - و هو علم الأخلاق - و اما أن يكون مختصا بذلك الانسان مع خواصه و أهل منزله - و هو علم تدبير المنزل - و اما أن يكون عائدا الى الى الانسان مع عامة الخلق - و هو العلم السياسى - فثبت بهذا: أن العلوم العملية ثلاثة. و أما فى «الحكمة المشرقية» فلما جعل العلوم العملية ثلاثة زاد فيها رابعا، و سماه بعلم تدبير المدينة. و هو علم كيفية ضبط المدينة و رعاية مصالحها. و هذا العلم لا بد منه. لأن الانسان مدنى بالطبع، فما لم يعرف كيفية بناء المدينة و ترتيب أهلها على الدرجات المختلفة و المراتب المتناسبة المؤدية الى تحصيل المصالح و دفع المفاسد، فانه لا يتم المقصود الا به. و على الوجه الأول فان هذا العلم جزء من العلم السياسى.