بسم الله الرحمن الرحیم

مبادی علم اصول

القواعد الفقهیة و الاصولیة
مراتب حکم شرعی




در کلام متقدمین

اصول الفقه= ادله الفقه

 باب الكلام في الخطاب و أقسامه و أحكامه‏
اعلم أنّ الكلام في أصول الفقه إنّما هو على الحقيقة كلام «6» في أدلّة الفقه، يدلّ عليه أنّا إذا تأمّلنا ما يسمّى بأنّه أصول الفقه، وجدناه لا يخرج من أن يكون موصلا إلى العلم بالفقه أو «7» متعلّقا به و طريقا إلى ما هذه صفته، و الاختبار يحقّق «8» ذلك. و لا يلزم على ما ذكرناه «9» أن تكون «10» الأدلّة و الطّرق إلى أحكام فروع الفقه الموجودة في كتب الفقهاء أصولا للفقه، لأنّ الكلام في أصول الفقه إنّما هو كلام في كيفيّة دلالة ما يدلّ من هذه الأصول على الأحكام على طريق الجملة دون التّفصيل، و أدلّة
__________________________________________________
 (1)- ب:- الصيد.
 (2)- ج: أوطاء.
 (3)- ب:+ و.
 (4)- ب و ج:- المعنى.
 (5)- ب و ج: أنيب.
 (6)- ب: كلامه.
 (7)- ب: و.
 (8)- ب: فالاختيار تحقق.
 (9)- ب:+ من.
 (10)- ب و ج: يكون.

                        الذريعة إلى أصول الشريعة، ج‏1، ص: 8
الفقهاء إنّما هي على تعيين المسائل، و الكلام في الجملة غير الكلام في التّفصيل.
و إذا كان مدار الكلام في أصول الفقه إنّما هو على الخطاب وجب أن نبدأ بذكر أحكام الخطاب.
و الخطاب «1» هو الكلام إذا وقع على بعض الوجوه، و ليس كلّ كلام خطابا، و كلّ خطاب كلام. و الخطاب يفتقر في كونه كذلك إلى إرادة المخاطب لكونه خطابا لمن هو خطاب له و متوجّها «2» إليه و الّذي يدلّ على ذلك أنّ الخطاب قد يوافقه «3» في جميع صفاته من وجود و حدوث و صيغة «4» و ترتيب «5» ما ليس بخطاب، فلا بدّ من أمر زائد به كان خطابا، و هو قصد المخاطب. و لهذا قد يسمع كلام الرّجل جماعة «6» و يكون الخطاب «7» لبعضهم دون بعض لأجل القصد الّذي أشرنا إليه المخصّص لبعضهم من «8» بعض، و لهذا جاز أن يتكلّم النّائم، و لم يجز أن يخاطب، كما لم يجز أن يأمر و ينهى.

 

 

                        العدة في أصول الفقه، ج‏1، ص: 7
فصل- 1 «في ماهية أصول الفقه، و انقسامها، و كيفية ترتيب أبوابها»
أصول الفقه هي أدلة الفقه، و إذا «1» تكلمنا في هذه الأدلة فقد نتكلم فيما تقتضيه من إيجاب، و ندب، و إباحة، و غير ذلك من الأقسام على طريق الجملة، و ليس يلزم على ذلك «2» أن تكون الأدلة الموصلة إلى فروع الفقه، الكلام فيها كلاما في أصول الفقه «3»، لأن هذه الأدلة أدلة على تعيين المسائل، و الكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل، و ليس المراد بذلك ما لا يتم العلم بالفقه إلا معه، لأنه لو كان كذلك لزم أن يكون الكلام في حدوث الأجسام، و إثبات الصانع، و العلم بصفاته، و إيجاب عدله، و تثبيت الرسالة، و تصحيح النبوة، كلاما في أصول الفقه، لأن العلم به لا يتم من دون العلم بجميع ذلك، و ذلك لا يقوله أحد، فعلم بهذه الجملة أن المراد بهذه العبارة ما قلناه.
و الأصل في هذه الأصول الخطاب، أو ما كان طريقا إلى إثبات الخطاب، أو ما كان الخطاب طريقا إليه.
فأما الخطاب: فهو الكلام الواقع على بعض الوجوه، و ليس كل كلام خطابا،
__________________________________________________
 (1) فإذا.
 (2) عليها.
 (3) الكلام على ما في أصول الفقه.
              

 

          العدة في أصول الفقه، ج‏1، ص: 8
و كل خطاب كلام.
و الخطاب يفتقر في كونه كذلك إلى إرادة المخاطب، لكونه خطابا لمن هو خطاب له و متوجه إليه، لأنه قد يوافق الخطاب في جميع صفاته من وجود، و حدوث، و صيغة، و ترتيب ما ليس بخطاب، فلا بد من أمر زائد، و هو ما قلناه.
و الكلام في الخطاب، كلام في بيان أدلة الكتاب، و السنة، و ذلك ينقسم خمسة أقسام:
أحدها: الكلام في الأوامر و النواهي.
و الثاني: الكلام في العموم و الخصوص.
و الثالث: الكلام في المطلق و المقيد.
و الرابع: الكلام في المجمل و المبين.
و الخامس: الكلام في الناسخ و المنسوخ.
أما ما هو طريق إلى إثبات الخطاب من هذه الطرق، فهو قسم واحد، و هو الكلام في الأخبار، و بيان أقسامها.
و أما ما الخطاب طريق إليه، فهو أيضا قسم واحد، و هو الكلام في أحكام الأفعال.
و ألحق قوم بهذا القسم الكلام في الإجماع، و القياس، و الاجتهاد، و صفة المفتي و المستفتي، و الحظر، و الإباحة.
و ذلك غير صحيح على قاعدة مذاهبنا، لأن الإجماع عندنا إذا اعتبرناه، من حيث كان فيه معصوم، و لا يجوز عليه الخطأ، و لا يخلو الزمان منه، و طريق ذلك العقل دون السمع، فهو خارج عن هذا الباب.
و أما القياس و الاجتهاد [1] فعندنا أنهما ليسا بدليلين، بل محظور استعمالهما،
__________________________________________________
 [1] يقول العلامة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (ره) في تفسير مصطلح الاجتهاد و بيان الفارق بين مصطلح الاجتهاد عند فقهاء مدرسة الإمامية و عند أهل السنة في كتابه (دروس في علم الأصول: 1- 157- 154).
 [ (الاجتهاد) في اللغة مأخوذة من (الجهد) و هو «بذل الوسع للقيام بعمل ما» و قد استعملت هذه الكلمة- لأول مرة- على الصعيد الفقهي للتعبير بها عن قاعدة من القواعد التي قررتها بعض مدارس الفقه السني و سارت على أساسها و هي القاعدة القائلة «إن الفقيه إذا أراد أن يستنبط حكما شرعيا و لم يجد نصا يدل عليه‏
              

 

 

          العدة في أصول الفقه، ج‏1، ص: 9
...........
__________________________________________________
- في الكتاب أو السنة رجع إلى الاجتهاد بدلا عن النص». و (الاجتهاد) هنا يعني التفكير الشخصي، فالفقيه حيث لا يجد النص يرجع إلى تفكيره الخاصّ و يستلهمه و يبني على ما يرجح في الكتاب أو السنة و يستدل بهما معا، كذلك يستند في حالات عدم توفر النص إلى الاجتهاد الشخصي و يستدل به. و قد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرة في الفقه السني و على رأسها مدرسة أبي حنيفة، و لقي في نفس الوقت معارضة شديدة من أئمة أهل البيت عليهم السلام و الفقهاء الذين ينتسبون إلى مدرستهم. و تتبع كلمة (الاجتهاد) يدل على أن الكلمة حملت هذا المعنى و كانت تستخدم للتعبير عنه منذ عصر الأئمة إلى القرن السابع، فالروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تذم الاجتهاد [وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب صفات القاضي‏] و تريد به ذلك المبدأ الفقهي الّذي يتخذ من التفكير الشخصي مصدرا من مصادر الحكم، و قد دخلت الحملة ضد هذا المبدأ الفقهي دور التصنيف في عصر الأئمة أيضا و الرّواة الذين حملوا آثارهم، و كانت الحملة تستعمل كلمة (الاجتهاد) غالبا للتعبير عن ذلك المبدأ وفقا للمصطلح الّذي جاء في الروايات، فقد صنف عبد اللَّه بن عبد الرحمن الزبيري كتابا أسماه «الاستفادة في الطعون على الأوائل و الرد على أصحاب الاجتهاد و القياس» و صنف هلال بن إبراهيم بن أبي الفتح المدني [الدلفي‏] كتابا في الموضوع باسم كتاب «الرد على من رد آثار الرسول و اعتمد نتائج العقول» و صنف في عصر الغيبة الصغرى أو قريبا منه إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل النوبختي كتابا في الرد على عيسى بن أبان في الاجتهاد، كما نصّ على ذلك كله النجاشي صاحب الرّجال في ترجمة كل واحد من هؤلاء. و في أعقاب الغيبة الصغرى نجد الصدوق في أواسط القرن الرابع يواصل تلك الحملة، و نذكر له- على سبيل المثال- تعقيبه على قصة موسى و الخضر إذ كتب يقول: «...
فإذا لم يصلح موسى للاختيار- مع فضله و محله- فكيف تصلح الأمة لاختيار الإمام و كيف يصلحون لاستنباط الأحكام الشرعية و استخراجها بعقولهم الناقصة و آرائهم المتفاوتة؟!». و في أواخر القرن الرابع يجي‏ء الشيخ المفيد فيسير على نفس الخطّ و يهجم على الاجتهاد و يكتب كتابا في ذلك باسم «النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرّأي». و نجد المصطلح نفسه لدى السيد المرتضى في أوائل القرن الخامس إذ كتب في «الذريعة» يذم الاجتهاد و يقول: «إن الاجتهاد باطل، و إن الإمامية لا يجوز عندهم العمل بالظن و لا الرّأي و لا الاجتهاد»، و استمر هذا الاصطلاح في كلمة (الاجتهاد) بعد ذلك أيضا فالشيخ الطوسي الّذي توفي في أواسط القرن الخامس يكتب في كتاب «العدة» قائلا: «و أما القياس و الاجتهاد فعندنا أنهما ليسا بدليلين، بل محظور في الشريعة استعمالهما» و في أواخر القرن السادس يستعرض ابن إدريس في مسألة تعارض البينتين من كتابه «السرائر» عددا من المرجحات لإحدى البينتين على الأخرى ثم يعقب ذلك قائلا: «و القياس و الاستحسان و الاجتهاد باطل عندنا». و هكذا تدل هذه النصوص بتعاقبها التاريخي المتتابع على أن كلمة (الاجتهاد) كانت تعبيرا عن ذلك المبدأ الفقهي المتقدم إلى أوائل القرن السابع، و على هذا الأساس اكتسبت‏
              

 

          العدة في أصول الفقه، ج‏1، ص: 10
و نحن نبين ذلك فيما بعد، و نبين أيضا ما عندنا في صفة المفتي و المستفتي.
و أما الكلام في الحظر و الإباحة، فعندنا و عند أكثر من خالفنا طريقه العقل أيضا «1»، فهو- أيضا- خارج من هذا الباب.
و الأولى في تقديم هذه الأصول الكلام في الأخبار، و بيان أحكامها، و كيفية
__________________________________________________
- الكلمة لونا مقيتا و طابعا من الكراهية و الاشمئزاز في الذهنية الفقهية الإمامية نتيجة لمعارضة ذلك المبدأ و الإيمان ببطلانه.
و لكن كلمة (الاجتهاد) تطورت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا و لا يوجد لدينا الآن نصّ شيعي يعكس هذا التطور أقدم تاريخا من كتاب «المعارج» للمحقق الحلي المتوفى سنة 676 ه إذ كتب المحقق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد يقول: «و هو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية، و بهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلة الشرع اجتهادا لأنها تبتني على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر، سواء كان ذلك الدليل قياسا أو غيره، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الاجتهاد.
فإن قيل: يلزم- على هذا- أن يكون الإمامية من أهل الاجتهاد؟
قلنا: الأمر كذلك لكن فيه إيهام من حيث إن القياس من جملة الاجتهاد، فإذا استثنى القياس كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس» و يلاحظ على هذا النص بوضوح أن كلمة (الاجتهاد) كانت لا تزال في الذهنية الإمامية مثقلة بتبعة المصطلح الأول، و لهذا يلمح النص إلى أن هناك من يتحرج من هذا الوصف و يثقل عليه أن يسمي فقهاء الإمامية مجتهدين. و لكن المحقق الحلي لم يتحرج من اسم الاجتهاد بعد أن طوره أو تطور في عرف الفقهاء تطويرا يتفق مع مناهج الاستنباط في الفقه الإمامي، إذ بينما كان الاجتهاد مصدرا للفقيه يصدر عنه و دليلا يستدل به كما يصدر عن آية أو رواية، أصبح في المصطلح الجديد يعبر عن الجهد الّذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعي من أدلته و مصادره فلم يعد مصدراً من مصادر الاستنباط، بل هو عملية استنباط الحكم من مصادره التي يمارسها الفقيه. و الفرق بين المعنيين جوهري للغاية، إذ كان على الفقيه- على أساس المصطلح الأول للاجتهاد- أن يستنبط من تفكيره الشخصي و ذوقه الخاصّ في حالة عدم توفر النص، و أما المصطلح الجديد فهو لا يسمح للفقيه أن يبرر أي حكم من الأحكام بالاجتهاد لأن الاجتهاد بالمعنى الثاني ليس مصدرا للحكم بل هو عملية استنباط الأحكام من مصادرها].
__________________________________________________
 (1) زيادة في نسخة الأصل.
              

 

          العدة في أصول الفقه، ج‏1، ص: 11
أقسامها، لأنها الطريق إلى إثبات الخطاب. ثم الكلام في أقسام الخطاب. ثم الكلام في الأفعال لأنها متأخرة عن العلم بالخطاب. ثم الكلام في تتبع ما عده المخالف أصلا و ليس منه.
و لما كان المبتغى «1» بهذه الأصول العلم، فلا بدّ من أن نبين فصلًا يتضمن بيان حقيقته، و «2» الفرق بينه و بين الظن و غيره، و ما يصح من ذلك أن يكون مطلوباً، و ما لا يصح.
و لا بد أيضا من بيان ما لا يتم العلم إلا به: من حقيقة النّظر، و شرائط الناظر، و ما يجب أن يكون عليه، و بيان معنى الدلالة، و سائر متصرفاته، و اختلاف العبارة عنه.
و لما كان الأصل في هذا الباب الخطاب، و كان ذلك كلاما فلا بدّ من بيان فصل يتضمن معنى الكلام، و بيان الحقيقة منه و المجاز، و انقسام أنواعه.
و لما كان الكلام صادرا من متكلم، فلا بدّ من بيان من يصح الاستدلال بكلامه و من لا يصح، و يدخل في ذلك الكلام فيما يجب أن يعرف من صفات اللَّه تعالى و ما لا يجب، و صفات النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم و صفات الأئمة القائمين مقامه الذين يجري قولهم مجرى قوله عليه السلام.
و نحن نبين جميع ذلك في أبوابه على غاية من الاختصار حسب ما تقتضيه الحاجة، و نقتصر «3» فيما نذكره على الإشارة إلى ذكر ما ينبغي أن يعتمد عليه، و يحصل العلم به دون أن يقرن «4» ذلك بالأدلة المفضية إليه، لأن لشرح ذلك موضعا غير هذا، و المطلوب من هذا الكتاب بيان ما يختصه من تصحيح أصول الفقه التي ذكرناها، و بيان الصحيح منها و الفاسد، إن شاء اللَّه تعالى.
***__________________________________________________
 (1) المبتني.
 (2) زاد في الأصل: ثم.
 (3) يفتقر.
 (4) يقترن.










































فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است