الاجزاء و التصویب

فهرست علوم
فهرست فقه
القواعد الفقهیة و الاصولیة
اجزاء امر اضطراری
اجزاء امر ظاهری






تمهید القواعد، ص 321-323

فائدة، و هي خاتمة القسم الأول:
ليس كل مجتهد في العقليات مصيبا، بل الحق فيها واحد. فمن أصابه أصاب، و من أخطأه أخطأ و أثم إجماعا.
و أما المجتهد في المسائل الفرعية ففيه خلاف يبنى على أنّ كل صورة هل لها حكم معيّن أم لا؟
و قد لخّص الرازي هذا الخلاف «4» فقال: اختلف العلماء في الواقعة التي لا نصّ فيها على قولين:
أحدهما: و به قال الأشعري و جمهور المتكلمين، أنه ليس لله تعالى فيها
__________________________________________________
 (1) نقل الأول عن القاضي أبي بكر و اختاره في الإحكام 4: 242، و اختار الثاني في المحصول 2:
533، و نقله الآمدي عن أحمد و ابن سريج و القفال.
 (2) الكافي 7: 412 باب كراهية الارتفاع إلى قضاء الجور حديث 5، الفقيه 3: 9 حديث 3233، التهذيب 6: 301 حديث 845، الاحتجاج: 94، الوسائل 18: 75 أبواب صفات القاضي باب 9 حديث 1.
 (3) المحصول 2: 533.
 (4) راجع المحصول 2: 503.

 

                        تمهيد القواعد، ص: 322
قبل الاجتهاد حكم معيّن، بل حكمه تعالى فيها تابع لظن المجتهد. و هؤلاء هم القائلون بأن «كل مجتهد مصيب».
و اختلف هؤلاء فقال بعضهم: لا بد أن يوجد في الواقعة ما لو حكم اللَّه تعالى فيها بحكم لم يحكم إلا به، و قال بعضهم: لا يشترط ذلك.
و القول الثاني: أنّ له تعالى في كل واقعة حكما معينا.
و على هذا فثلاثة أقوال:
أحدها: و هو قول طائفة من الفقهاء و المتكلمين، يحصل الحكم من غير دلالة و لا أمارة، بل هو كدفين يعثر عليه الطالب اتفاقا، فمن وجده فله أجران، و من أخطأه فله أجر.
و القول الثاني: عليه أمارة، أي دليل ظني، و القائلون به اختلفوا فقال بعضهم: لم يكلف المجتهد بإصابته لخفائه و غموضه، فلذلك كان المخطئ فيه معذورا مأجورا، و هو قول جمهور الفقهاء؛ و ينسب إلى الشافعي و أبي حنيفة.
و قال بعضهم: إنه مأمور بطلبه أولا، فإن أخطأ و غلب على ظنه شي‏ء آخر تغير التكليف، و صار مأمورا بالعمل بمقتضى ظنه.
و القول الثالث: أن عليه دليلا قطعيا، و القائلون به اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه، لكن اختلفوا، فقال الجمهور: إن المخطئ فيه لا يأثم و لا ينقض قضاؤه، و قال بشر المريسي بالتأثيم، و الأصم بالنقض.
و الّذي نذهب إليه: أنّ له تعالى في كل واقعة حكما معينا عليه دليل ظني، و أنّ المخطئ فيه معذور، و أنّ القاضي لا ينقض قضاؤه «1».
إذا علمت ذلك فللمسألة فروع:
منها: أنّ المجتهد في القبلة إذا ظهر خطؤه، هل يجب عليه القضاء أم لا؟
__________________________________________________
 (1) هذا حاصل كلام الرازي في المحصول 2: 503.

 

 

                        تمهيد القواعد، ص: 323
المنصوص عندنا وجوب الإعادة إن علم في الوقت، لا في خارجه مطلقا «1».
و لنا «2» قول آخر: أنّ المستدبر يعيد مطلقا «3» و هذا كله مبني على أن المجتهد قد لا يكون مصيبا.
و منها: لو صلّى خلف من لا يرى وجوب السورة أو التسليم أو نحو ذلك، و لم يفعله، أو فعله على وجه الاستحباب حيث يعتبر الوجه، ففي صحة الاقتداء به قولان مرتبان. و ينبغي على القول بالتخطئة عدم الجواز.
و منها: إنفاذ المجتهد حكم مجتهد آخر يخالفه في مأخذ الحكم، و في جوازه أيضا وجهان مرتبان. إلى غير ذلك من الفروع، و اللَّه ولي التوفيق.

 

 

شیخ انصاری

 [وجوه السببيّة:]
و أمّا القسم الثاني، فهو على وجوه:
أحدها: أن يكون الحكم- مطلقا «1»- تابعا لتلك الأمارة
، بحيث لا يكون في حقّ الجاهل- مع قطع النظر عن وجود هذه الأمارة و عدمها- حكم، فتكون الأحكام الواقعيّة مختصّة في الواقع بالعالمين بها، و الجاهل- مع قطع النظر عن قيام أمارة عنده على حكم العالمين- لا حكم له أو محكوم بما يعلم اللّه أنّ الأمارة تؤدّي إليه، و هذا تصويب باطل عند أهل الصواب من التخطئة «2»، و قد تواتر بوجود الحكم المشترك بين العالم و الجاهل الأخبار و الآثار «3».
__________________________________________________
 (1) في (ت)، (ل) و (ه) بدل «مطلقا»: «من أصله»، و شطب في (ص) على «من أصله».
 (2) في (ه): «المخطئة».
 (3) انظر الفصول: 406- 407، و راجع الكافي 1: 40، باب سؤال العالم و تذاكره، و الصفحة 58، الحديث 19، و الصفحة 59، الحديث 2، و الصفحة 199، الحديث الأوّل، و البحار 1: 178، الحديث 58.

 

                        فرائد الأصول، ج‏1، ص: 114
الثاني: أن يكون الحكم الفعلي تابعا لهذه الأمارة
، بمعنى: أنّ للّه في كلّ واقعة حكما يشترك فيه العالم و الجاهل لو لا قيام الأمارة على خلافه، بحيث يكون قيام الأمارة المخالفة مانعا عن فعليّة ذلك الحكم؛ لكون مصلحة سلوك هذه الأمارة غالبة على مصلحة الواقع، فالحكم الواقعيّ فعليّ في حقّ غير الظانّ بخلافه، و شأنيّ في حقّه، بمعنى وجود المقتضي لذلك الحكم لو لا الظنّ على خلافه.
و هذا أيضا كالأوّل في عدم ثبوت الحكم الواقعيّ للظانّ بخلافه؛ لأنّ الصفة المزاحمة بصفة اخرى لا تصير منشأ للحكم ، فلا يقال للكذب النافع: إنّه قبيح واقعا.
 [الفرق بين هذين الوجهين:]
و الفرق بينه و بين الوجه الأوّل- بعد اشتراكهما في عدم ثبوت الحكم الواقعي «2» للظانّ بخلافه-: أنّ العامل بالأمارة المطابقة حكمه حكم العالم، و لم يحدث في حقّه بسبب ظنّه حكم، نعم كان ظنّه مانعا عن المانع، و هو الظنّ بالخلاف.

...

فإن قلت: ما الفرق بين هذا الوجه الذي مرجعه إلى المصلحة في‏
__________________________________________________
في الوجه الثالث كانت هكذا: ...» ثمّ قال- بعد نقل العبارة كما أوردناه في المتن-: «و لم يكن في أصل العبارة لفظ" الأمر" و إنّما أضافها بعض أصحابه، و على ذلك جرت نسخ الكتاب»، فوائد الاصول 3: 98.
 (1) في (ظ)، (ل) و (م): «ترتّب».
 (2) العبارة في (ظ) هكذا: «استحباب شي‏ء أو وجود تخيير أو إباحة».
 (3) لم ترد «و معنى- إلى- كما لو قطع بهما» في (ه)، و في (ت) أنّها «غلط»، و كتب في (ص) عليها: «زيادة».
 (4) لم ترد «لو كان- إلى- من العلم» في (ت) و (ه).
 (5) راجع الصفحة 109.
                        فرائد الأصول، ج‏1، ص: 116
العمل «1» بالأمارة «2» و ترتيب «3» أحكام الواقع على مؤدّاها، و بين الوجه السابق الراجع إلى كون قيام الأمارة سببا لجعل مؤدّاها «4» على المكلّف؟
مثلا: إذا فرضنا قيام الأمارة على وجوب صلاة الجمعة مع كون الواجب في الواقع هي الظهر، فإن كان في فعل الجمعة مصلحة يتدارك بها ما يفوت بترك صلاة الظهر، فصلاة الظهر في حقّ هذا الشخص خالية عن المصلحة الملزمة، فلا صفة تقتضي وجوبها الواقعي، فهنا وجوب واحد- واقعا و ظاهرا- متعلّق «5» بصلاة الجمعة. و إن لم تكن في فعل الجمعة صفة كان الأمر بالعمل بتلك الأمارة قبيحا؛ لكونه مفوّتا للواجب مع التمكّن من إدراكه بالعلم.
فالوجهان مشتركان في اختصاص الحكم الواقعيّ بغير من قام عنده الأمارة على وجوب صلاة الجمعة، فيرجع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني، و هو كون الأمارة سببا لجعل مؤدّاها هو الحكم الواقعي لا غير و انحصار الحكم في المثال بوجوب «6» صلاة الجمعة، و هو التصويب الباطل.
 [الفرق بين الوجهين الأخيرين:]
قلت: أمّا رجوع الوجه الثالث إلى الوجه الثاني فهو باطل؛ لأنّ‏
__________________________________________________
 (1) في (ص) و (ه): «في الأمر بالعمل».
 (2) في (ت) و (ه): «على الأمارة».
 (3) في (ظ)، (ل) و (م): «ترتّب».
 (4) في (ت) و (ه) زيادة: «هو الحكم الواقعي».
 (5) في (ظ) و (م): «يتعلّق»، و في (ر) و (ه): «متعلّقا».
 (6) في نسخة بدل (ص): «في وجوب».

 

                        فرائد الأصول، ج‏1، ص: 117
مرجع جعل مدلول الأمارة في حقّه- الذي هو مرجع الوجه الثاني- إلى أنّ صلاة الجمعة واجبة «1» عليه واقعا، كالعالم بوجوب صلاة الجمعة، فإذا صلّاها فقد فعل الواجب الواقعي، فإذا انكشف مخالفة الأمارة للواقع فقد انقلب موضوع الحكم واقعا إلى موضوع آخر، كما إذا صار المسافر بعد فعل «2» صلاة القصر حاضرا إذا قلنا بكفاية السفر في أوّل الوقت لصحّة القصر واقعا.
 [معنى وجوب العمل على طبق الأمارة:]
و معنى وجوب العمل «3» على طبق الأمارة «4»: وجوب ترتيب «5» أحكام الواقع «6» على «7» مؤدّاها من دون أن يحدث في الفعل مصلحة على تقدير مخالفة الواقع- كما يوهمه ظاهر عبارتي العدّة و النهاية المتقدّمتين «8»- فإذا أدّت إلى وجوب صلاة الجمعة واقعا، وجب ترتيب أحكام الوجوب الواقعي و تطبيق العمل على وجوبها الواقعي، فإن كان في أوّل الوقت جاز الدخول فيها بقصد الوجوب و جاز تأخيرها، فإذا فعلها جاز له فعل النافلة و إن حرمت في وقت الفريضة المفروض كونها في الواقع هي‏
__________________________________________________
 (1) في (ت)، (ر)، (ل) و (ه): «هي واجبة»، و في (ص): «هي الواجبة».
 (2) لم ترد «فعل» في (ر)، (ظ) و (م).
 (3) في (ه): «و معنى الأمر بالعمل».
 (4) في (ظ)، (ل) و (م) زيادة: «على أنّ مضمونها هو الحكم الواقعي».
 (5) في (ص) بدل «وجوب ترتيب»: «الرخصة في ترتيب».
 (6) في (ت) و (ه): «أحكام الواجب الواقعي».
 (7) لم ترد «الواقع على» في (م).
 (8) لم ترد «من دون- إلى- المتقدّمتين» في (ظ)، (ل) و (م).

 

                        فرائد الأصول، ج‏1، ص: 118
الظهر؛ لعدم وجوب الظهر عليه فعلا و رخصته في تركها. و إن كان في آخر وقتها حرم تأخيرها و الاشتغال بغيرها

...

119

ثمّ إنّ هذا كلّه على ما اخترناه من عدم اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء، واضح.
و أمّا على القول باقتضائه له، فقد يشكل «2» الفرق بينه و بين القول بالتصويب، و ظاهر شيخنا في تمهيد القواعد استلزام القول بالتخطئة لعدم الإجزاء، قال قدّس سرّه «3»: من فروع مسألة التصويب و التخطئة، لزوم الإعادة للصلاة بظنّ القبلة و عدمه «4». و إن كان تمثيله لذلك بالموضوعات محلّ نظر.

 

 

کفایه الاصول(طبع آل البیت)، ص 88

الثاني [الفرق بين التصويب و الإجزاء]
لا يذهب عليك أن الإجزاء في بعض موارد الأصول و الطرق و الأمارات على ما عرفت تفصيله لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها فإن الحكم المشترك بين العالم و الجاهل و الملتفت و الغافل ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية بحسب ما يكون فيها من المقتضيات و هو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات و إنما المنفي فيها [- 1- 232- 8] ليس إلا الحكم الفعلي البعثي و هو منفي في غير موارد الإصابة و إن لم نقل بالإجزاء فلا فرق بين الإجزاء و عدمه إلا في سقوط التكليف بالواقع ب موافقة الأمر الظاهري و عدم سقوطه بعد انكشاف عدم الإصابة و سقوط التكليف ب حصول غرضه أو ل عدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه و هو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الأمارة كيف و كان الجهل بها بخصوصيتها أو بحكمها مأخوذا في موضوعها فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها كما لا يخفى.
                       

 

مقدمه نهایه الوصول علامه

نهاية الوصول الى علم الأصول ؛ ج‏5 ؛ ص67

4 التخطئة و التصويب‏ في الأصول و الفروع‏

عقد المصنّف رحمه اللّه فصلا في حكم المجتهدين في الأصول و عقد فصلا آخر في حكم الاجتهاد في المسائل الشرعية، و الّذي يجمع هذين الفصلين هو هل المصيب في الأصول و الفروع واحد، أو أكثر، و قلما يتفق من يقول بتصويب عامّة الآراء في الأصول و من قال به فإنّما يقول به في الفروع، و نحن نطرح المسألة هنا على صعيد التحقيق في كلا الجانبين.

التخطئة و التصويب في الأصول‏

اختلفت أنظار الفقهاء في التخطئة و التصويب، و هل أنّ كلّ مجتهد مصيب في اجتهاده أو لا؟ و اتفقوا على أنّ الحقّ واحد في موارد و هي:

الأوّل: إنّ الحقّ في الأصول و المعارف أمر واحد، و ما وافقه هو الحقّ و الصّواب و ما خالفه هو الخطأ و لم يقل أحد من المسلمين إلّا من شذّ بالتّصويب في العقائد

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 68

قال المرتضى قدّس سرّه: «و لا شبهة في أنّ العبادة بالمذاهب المختلفة إنّما يجوز فيما طريقه العمل دون العلم، و أنّ الأصول المبنية على العلم نحو التوحيد و العدل و النبوّة، لا يجوز أن يكون الحقّ فيها إلّا واحدا، لأنّ اللّه تعالى لا يجوز أن يكون جسما أو غير جسم و يرى و لا يرى على وجهين مختلفين، و بإضافة إلى مكلّفين متغايرين، و قد يجوز أن يكون الشي‏ء الواحد حراما على زيد و حلالا على عمرو- إلى أن قال:- فمن جمع بين أصول الدّين و فروع الشرع، في هذا الباب فقد ضلّ و أبعد عن الصّواب»2.

و قال الشيخ الطوسيّ رضى اللّه عنه: «اعلم أنّ كلّ أمر لا يجوز تغييره عما هو عليه من وجوب إلى حظر أو من حسن إلى قبح، فلا خلاف بين أهل العلم المحصّلين أنّ الاجتهاد في ذلك لا يختلف و أنّ الحقّ في واحد و أنّ من خالفه ضال فاسق، و ربّما كان كافرا و ذلك نحو القول بأنّ العالم قديم أو محدث، و إذا كان محدثا هل له صانع أم لا، و الكلام في صفات الصّانع و توحيده و عدله و الكلام في النبوّة و الإمامة و غير ذلك».3

الثاني: لا شك أنّ الحقّ في الموضوعات، كالقبلة و أروش الجنايات و قيم المتلفات واحد، فأحد الظنون حقّ و غيره باطل. و أمّا إطلاق التصويب‏

 

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 69

فيها، فإنّما لغاية كفاية الظنّ في صحّة الصلاة و عدم الإعادة4.

قال المرتضى قدّس سرّه بعد التمثيل بما ذكرناه: «و كلّ مجتهد فيما جرى هذا المجرى مصيب، أ لا ترى أنّ من أدّاه اجتهاده إلى أمارة ظهرت له أنّ القبلة في جهة من الجهات، لزمته الصلاة إلى تلك الجهة بعينها، فإذا أدّى غيره اجتهاده إلى أنّ القبلة في غيرها، لزمته الصلاة إلى ما غلب في ظنّه أنّه جهة القبلة، و كلّ منهما مصيب و إن اختلف التكليف».5

الثالث: و مثل الأمرين المتقدّمين، الموضوعات التي ثبتت أحكامها ببداهة، فلا يتطرّق إليها التصويب بل الحقّ فيها واحد. قال الشيخ قدّس سرّه:

«و كذلك الكلام في أنّ الظلم و العبث و الكذب قبيح على كل حال، و أنّ شكر المنعم و ردّ الوديعة و الإنصاف حسن على كلّ حال و ما يجري مجرى ذلك، و إنّما قالوا ذلك، لأنّ هذه الأشياء لا يصحّ تغيّرها في نفسها و لا خروجها عن صفتها التي هي عليها ... و حكي عن قوم شذاذ لا يعتمد بأقوالهم أنهم قالوا: إنّ كلّ مجتهد فيها مصيب و قولهم باطل».6

الرابع: إذا كان في المسألة نصّ قطعي السّند و الدّلالة فلا موضوع للاجتهاد و بالتالي لا موضوع للتصويب و التّخطئة. قال ابن القيّم ناقلا عن الشافعي

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 70

«أجمع النّاس على أنّ من استبانت له سنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس و تواتر عنه (أي الشافعيّ) أنّه قال: و إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط، و صحّ عنه أنّه قال: إذا رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديثا و لم آخذ به، فاعلموا أنّ عقلي قد ذهب، و صحّ عنه أنّه قال:

لا قول لأحد مع سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».7

إذا تبيّن موضع النّقاش و علم أنّ النزاع في التخطئة و التصويب في أمر آخر و هو هل أنّ للّه في كلّ حادثة حكما معيّنا قبل اجتهاد المجتهد أو لا؟

نقول: مذهب أصحابنا و جماعة من أهل السنّة و الأباضيّين‏8 إلى أنّ للّه سبحانه في كلّ واقعة حكما معينا يتّجه إليه المجتهد فيصيبه تارة و يخطئه أخرى فالحقّ واحد قد يدرك و قد لا، و يبدو أنّ النزاع في التصويب و التخطئة نشأ من تجويز العمل بالقياس و بأخبار الآحاد، قال الطوسيّ رضى اللّه عنه:

 اعلم أنّ الأصل في هذه المسألة القول بالقياس و العمل بأخبار الآحاد، لأنّ ما طريقه التواتر و ظواهر القرآن فلا خلاف بين أهل العلم أنّ الحقّ فيما هو معلوم من ذلك، و إنّما اختلف القائلون بهذين الأصلين فيما ذكرناه»

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 71

إذا عرفت ما ذكرناه، فاعلم أنّه يظهر من الشيخ أنّ أكثر المتكلّمين و الفقهاء من غير الشيعة على التصويب و أنّ المخالف منهم بشر المريسيّ و أبو بكر الأصمّ، و الأباضيّة و الظّاهريّة10.

قال رضى اللّه عنه: «ذهب أكثر المتكلّمين و الفقهاء إلى أنّ كلّ مجتهد مصيب في اجتهاده و في الحكم، و هو مذهب أبي علي و أبي هاشم و أبي الحسن (الأشعري) و أكثر المتكلّمين، و إليه ذهب أبو حنيفة و أصحابه فيما حكاه أبو الحسن عنهم.

و قد حكى غيره من العلماء عن أبي حنيفة.

و ذهب الأصمّ‏11 و بشر المريسيّ‏12 إلى أنّ الحقّ في واحد من ذلك و هو ما يقولون به و أنّ ما عداه خطأ، حتى قال الأصمّ: إنّ حكم الحاكم ينقض به و يقولون: إنّ المخطئ غير معذور في ذلك إلّا أن يكون خطاؤه صغيرا و إنّ سبيل ذلك سبيل الخطأ في أصول الدّيانات.

و ذهب أهل الظاهر- فيما عدا القياس من الاستدلال و غيره- أنّ الحقّ‏

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 72

من ذلك في واحد، و أمّا الشافعيّ فكلامه مختلف في كتبه ...

- إلى أن قال رضى اللّه عنه:- و الذي أذهب إليه و هو مذهب جميع شيوخنا المتكلّمين من المتقدّمين و المتأخّرين و هو الّذي اختاره سيّدنا المرتضى (قدّه) و إليه كان يذهب شيخنا أبو عبد اللّه، أنّ الحقّ في واحد».13

و يظهر من الغزالي أنّ مورد النزاع في التصويب و التخطئة هو الواقعة التي لا نصّ فيها، و ليس للّه سبحانه فيها حكم معيّن بل الحكم يتبع الظنّ قال:

و قد اختلف الناس فيها و اختلفت الرواية عن الشافعيّ و أبي حنيفة، و على الجملة قد ذهب قوم إلى أنّ كلّ مجتهد في الظنّيات مصيب، و قال قوم:

المصيب واحد، و اختلف الفريقان جميعا في أنّه هل في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن للّه تعالى هو مطلوب المجتهد، فالّذي ذهب إليه محقّقو المصوّبة أنّه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن يطلب بالظنّ بل الحكم يتبع الظنّ و حكم اللّه تعالى على كلّ مجتهد ما غلب على ظنّه و هو المختار و إليه ذهب القاضي.

و ذهب قوم من المصوبة إلى أنّ فيه حكما معيّنا يتوجّه إليه الطّلب إذ لا بدّ للطلب من مطلوب، لكن لم يكلّف المجتهد إصابته، فلذلك كان مصيبا و إن أخطأ ذلك الحكم المعيّن الذي لم يؤمر بإصابته بمعنى أنّه أدّى ما كلّف فأصاب ما عليه.

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 73

و على ذلك فالمصوّبة على فرقتين: فرقة تنكر وجود الحكم المشترك، و فرقة تثبته و لكن تنكر الأمر بإصابته، و لكن في عدّ الفرقة الثانية من المصوبة نوع خفاء، فإنّ المخطّئة تقول بنفس المقالة لأنّ المفروض عدم وجود نصّ في الواقعة، فمعه كيف يكون مأمورا بإصابته، و عليه يصير الحكم الواقعي حينئذ حكما إنشائيّا (لا فعليا).

و على كلّ تقدير: فإنّ فتوى المفتي على قول الفرقة الأولى أشبه بالأحكام الأوّليّة الثانويّة15 عندنا إذ للّه سبحانه في ذلك المجال حكم مشخص تابع للمصالح و المفاسد، و لأجل ذلك تختلف الأحكام الأوّلية وجوبا و حرمة باختلاف الأزمنة و الأمكنة، كما أنّها على قول الفرقة الثانية أشبه بالأحكام الظاهرية التي توافق الواقع تارة و تخالفه أخرى، فعند الموافقة يكون المؤدّى نفس الواقع، و عند المخالفة لا يكون مأمورا بإصابته.

و لمّا كان القول بإنكار الحكم الإلهيّ في الوقائع التي لا نص فيها، يحبط من جامعيّة الإسلام في مجال العقيدة و الشريعة، حاول بعض أهل السنّة تفسير التصويب بمعنى لا يخالف ذلك، و مجمل ما أفاد: إنّ القول بالتّصويب ليس بمعنى نفي حكم اللّه في الواقع، و إنّ حكم اللّه تابع لرأي المفتي، بل هو في قبال القول بالتأثيم و أنّ المجتهد إذا أخطأ يأثم، فصار القائل بالتصويب- بردّ ذلك المتقدّم- يعني نفي الإثم لا إصابة الواقع، فعليه يصير النزاع في التصويب و التخطئة لفظيا، و إليك توضيحه

 

:

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 74

إنّ أهل السنّة في مجال فتوى المفتي على طوائف:

الأولى: إنّ المجتهد لم يكلّف بإصابة الواقع لخفائه و غموضه فلذلك لم يكن مأمورا به.

الثانية: أمر المجتهد بطلبه و إذا أخطأ لم يكن مأجورا لكن حطّ الإثم عنه تخفيفا.

الثالثة: إنّ المجتهد الذي أخطأ الدليل القطعيّ آثم غير فاسق و لا كافر.

و هذا قول بشر المريسي، و نسبه الغزالي و الآمدي إلى ابن علّية16 و أبي بكر الأصمّ، و هؤلاء هم المؤثّمة17.

و على ضوء ذلك: فالمراد من التصويب هو نفي القول بالإثم الذي أصرّ عليه بشر المريسيّ، لا إصابة كلّ مجتهد للحقّ الملازم لنفي الحكم المشترك، و كيف يمكن نسبة القول بالتصويب بمعنى نفي حكم اللّه في الواقعة مع أنّهم‏

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 75

رووا في كتبهم عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، و إذا أخطأ فله أجر.18

و ممّن جزم بذلك الشوكاني فقال: «إنّ المجتهد لا يأثم بالخطإ بل يؤجر على الخطأ بعد أن يوفي الاجتهاد حقّه، و لم نقل: إنّه مصيب للحق الذي هو حكم اللّه في المسألة، فإنّ هذا خلاف ما نطق به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الحديث حيث قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران و إن أخطأ فله أجر.

فقسّم ما يصدر عن المجتهد في الاجتهاد في مسائل الدّين إلى قسمين: أحدهما هو مصيب فيه، و الآخر هو مخطئ، فكيف يقول قائل: إنّه مصيب للحق سواء أصاب أو أخطأ، و قد سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مخطئا ...

فمن زعم أنّ مراد القائل بتصويب المجتهد من الإصابة للحق مطلقا فقد غلط عليهم غلطا بيّنا ... إنّ مقصودهم: إنّهم مصيبون من الصواب الذي لا ينافي الخطأ لا من الإصابة التي هي مقابلة للخطإ، فهذا لا يقول به عالم و من لم يفهم هذا المعنى فعليه أن يتّهم نفسه.19

فتبيّن لنا ممّا تقدّم أمران

 

 

نهاية الوصول الى علم الأصول، ج‏5، ص: 76

الأوّل: إنّ القدر المتيقّن من القول بالتصويب هو الأحكام التي لم يرد فيها نصّ و عوّل أمرها إلى المجتهدين، و بما أنّه ليس فيها واقع محفوظ، يكون الكلّ مصيبا كالأحكام الحكوميّة.

الثاني: إنّه من المحتمل جدّا أنّ المراد من التصويب هو نفي الإثم عن المجتهد، لا إصابة الواقع.

نعم، ما ذكره الشوكاني ربما لا ينطبق على بعض تعبيراتهم، و على كلّ تقدير فالتصويب بالمعنى المشهور باطل عند الإمامية لتضافر الروايات على أنّ حكم اللّه مشترك بين العالم و الجاهل‏20.

ثمّ إنّ الدّاعي إلى القول بالتصويب هو الإشكال الموجود في الجمع بين الأحكام الواقعيّة و الأمارات الظنّية التي ثبتت حجيّتها، مع العلم بأنّ بعضها على خلاف الحكم الواقعي، فزعموا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقات الأدلّة القائلة بعدم اختصاص مداليلها بالعالمين بل شمولها للجاهلين، و إلّا لزم اجتماع الضدّين و تفويت المصلحة أو الإبقاء في المفسدة، و قد أوضحنا الحال في باب الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري و أنّ المفاسد كلّها خطابيّة كانت أو ملاكيّة، مرتفعة، فلاحظ.21

 

 























فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است