بسم الله الرحمن الرحیم

رساله استاد حسن‌زاده در نفس الامر مشتمل بر رساله خواجه قده در نفس الأمر

فهرست علوم
علوم الحكمة
مباحث نفس الامر
رساله خواجه قده در نفس الأمر
رساله استاد حسن‌زاده در نفس الامر مشتمل بر رساله خواجه قده در نفس الأمر








عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 487
عين في سهو النفس و نسيانها، ثم تذكرها (34)
لد- و من تلك العيون النفيسة النفسية، البحث عن سهو النفس و نسيانها ثم تذكّرها. و البحث ينجر الى تحقيق الحق في معنى نفس الأمر. فاعلم أن من المباحث الرئيسة في الفلسفة الإلهية و العرفان الحقيقي، البحث عن نفس الأمر. و يعني بها صور حقائق القضايا الصادقة المتحققة في متن النظام الأحسن الوجودي، التي لها في كل مرتبة من مراتب العوالم الطولية ظهور خاص، و تلك القضايا حاكية عنها. و الكواذب بأسرها عارية عن نفس الأمر.
ثم ان احدى الحجج على تجرّد النفس الناطقة أنها ربما يعرضها ما ينسيها الصور المعلومة، ثم يزول السبب المنسي و لا تحتاج النفس في استرجاع تلك الصور الى استيناف سبب في تحصيلها، بل النفس بذاتها مكتفية في كمالاتها حينئذ. و التذكر بهذه الحجة نافعة في المقام.
و لقد صنّفنا- بحول اللّه سبحانه و مشيته- رسالة في نفس الأمر قبل العيون و شرحها، حافلة لجميع ما يجب أن يشار اليها في هذه العين، فلا بد من الإتيان بها، و درجها هيهنا، و هي ما يلي:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏
الحمد لمن له الخلق و الأمر- تبارك اللّه رب العالمين- و الصلوة و السلام على من اصطفاهم على العالمين سيما على سيدهم و آله آل ياسين. ثم الصلوة و السلام علينا و على جميع عباد اللّه الصالحين.
و بعد فهذه وجيزة عزيزة تبحث عن نفس الأمر و قد حداني على تصنيفها ما اتقنه المحقق الطوسي في المسألة السابعة و الثلاثين من الفصل الأول من المقصد الأول من تجريد



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 488
الاعتقاد، و ما اورده العلامة الحلي في هذا المقام من كشف المراد. فالحريّ أن نصدّرها بكلامهما أولا، ثم نخوض في نفس الأمر ثانيا، مستمدين بمن له غيب السموات و الارض و اليه رجوع الأمر كلّه.
قال المحقق الطوسي- قدّس سرّه القدوسي-: و إذا حكم الذهن على الأمور الخارجية بمثلها وجب التطابق في صحيحه و إلّا فلا. تكون صحيحه باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر لإمكان تصوّر الكواذب.
و قال العلامة الحلي- رضوان اللّه تعالى عليه-: «اقول: الأحكام الذهنية قد تؤخذ بالقياس إلى ما في الخارج، و قد تؤخذ لا بهذا الاعتبار. فاذا حكم الذهن على الأشياء الخارجية باشياء خارجية مثلها كقولنا الانسان حيوان في الخارج وجب أن تكون مطابقة لما في الخارج حتى يكون حكم الذهن حقا و الا لكان باطلا؛ و ان حكم على اشياء خارجية بامور معقولة كقولنا الانسان ممكن، او حكم على الامور الذهنية باحكام ذهنية كقولنا الامكان مقابل للامتناع لم تجب مطابقته لما في الخارج اذ ليس في الخارج امكان و امتناع متقابلان و لا في الخارج انسان ممكن.
اذا تقرر هذا فنقول: الحكم الصحيح في هذين القسمين لا يمكن أن يكون باعتبار مطابقته لما في الخارج لما تقدم من أن الحكم ليس مأخوذا بالقياس الى الخارج و لا باعتبار مطابقته لما في الذهن لأن الذهن قد يتصوّر الكواذب فانّا قد نتصور كون الانسان واجبا مع انه ممكن. فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته لما في الذهن لكان الحكم بوجوب الانسان صادقا لأن له صورة ذهنية مطابقة لهذا الحكم بل يكون باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر.
و قد كان في بعض اوقات استفادتي منه- رحمه اللّه- جرت هذه النكتة و سألته عن معنى قولهم إن الصادق في الاحكام الذهنية هو باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر و المعقول من نفس الأمر إما الثبوت الذهني او الخارجي و قد منع كل منهما هيهنا.
فقال- رحمه اللّه-: المراد بنفس الأمر هو العقل الفعال فكلّ صورة او حكم ثابت في الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعال فهو صادق و الا فهو كاذب.
فاوردت عليه أن الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعال لانهم استدلوا على ثبوته بالفرق بين النسيان و السهو فان السهو هو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل و ارتسامها في الحافظ لها، و النسيان هو زوالها عنهما معا و هذا يتأتى في‏



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 489
الصور المحسوسة أما المعقولة فان سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصورات و التصديقات و هاتان الحالتان قد تعرضان في الاحكام الكاذبة، فلم يأت فيه بمقنع. و هذا البحث ليس من هذا المقام و انّما انجرّ الكلام اليه و هو بحث شريف لا يوجد في الكتب».
فنقول: الامر في معرفة نفس الأمر مبتن على امور:
احدها مرادهم من كلمتي النفس و الأمر و غرضهم من الاضافة و تركيب العبارة و الأقوال التي قيلت في نفس الأمر.
و ثانيها المراد من الخارج في قولنا هذا يطابق الخارج و هذا لا يطابقه كالقضايا الصادقة و الكاذبة، و التحقيق في المطابقة و عدمها.
و ثالثها بيان العقل الفعال و نحو كينونة الحقائق فيه و اشتماله عليها.
فاعلم ان كلمة النفس بمعنى الذات، و الأمر بمعنى الشي‏ء و اطلاق النفس على الذات و الامر على الشي‏ء ذائع نظما و نثرا في منشئات ارباب القلم العربي و محاوراتهم و مقاماتهم و قد اغنانا الشهرة عن الاتيان بالأمثلة و الاستشهاد بها. على أن المعاجم اللغوية وحدها حجة على ذلك و لا حاجة بالنقل. فنفس الأمر بمعنى ذات الشي‏ء و حقيقته فالشي‏ء الذي له حقيقة له نفسية بذاته و واقعية في حدّ ذاته فهو موجود في حدّ ذاته مع قطع النظر عن فرض فارض و اعتبار معتبر مثلا يقول المحقق الطوسي في شرح الفصل الثالث من النمط الثاني من الاشارات في بيان ان المحدد للجهات على ما ذهب اليه المتأخرون من المشاء ما هذا لفظه: «الامر في نفسه هو ان المحدّد الأول لا يكون الا المحيط المطلق» يعني أن حكم المحدد و مسألته النفسية الواقعية انه لا يكون الا المحيط المطلق. فنفس الامر بمعنى الامر في نفسه فهما بمعنى واحد.
فنقول إن تلك الواقعيات في نظام الكون الأحسن الأتم هي صور علمية نطلبها و نبحث عنها و نقيم البرهان عليها فاذا حصلت لناصرنا عالمين بها فيتفرع عليها نتائج حقة نستفيد بها في شئون امورنا الدنيوية و الأخروية لا تتغير عن حقائقها بفرض فارض و تصور متصور و اعتبار معتبر. مثلا الاربعة زوج، و الانسان ممكن، و الجسم المتناهي متشكل، احكام واقعية نفسية لا فرضية اعتبارية، يترتب عليها نتائج علمية حقيقية؛ بخلاف القول بأن الاربعة فرد مثلا فانه لا نفسية له اصلا، و هكذا غيره من الكواذب الأخرى فنفس الامر هي عبارة عن موجود اصيل قويم لا يتطرق اليها بطلان بل هي متن من متون الأعيان،



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 490
و تخم من تخوم الضرورة و البرهان أي حدّ من حدودهما و اصل من اصولهما الثابت ازلا و ابدا، سواء كان ذلك الوجود في الخارج او في الذهن. و الأقوال الأخرى في نفس الامر ستعلمها ايضا، و سيأتي البحث عن تحقيق الخارج ايضا.
و بذلك المعنى المحرر قال المتأله السبزواري في الحكمة المنظومة «1»: «بحدّ ذات الشي‏ء نفس الأمر حدّ». ثم فسره بقوله: «اي حدّ و عرف نفس الأمر بحدّ ذات الشي‏ء».
و المراد بحدّ الذات هنا مقابل فرض الفارض و يشمل مرتبة الماهية و الوجودين الخارجي و الذهني فكون الانسان حيوانا في المرتبة و موجودا في الخارج، او الكلي موجودا في الذهن كلّها من الامور النفس الأمرية اذ ليست بمجرد فرض الفارض كالانسان جماد. فالمراد بالأمر هو الشي‏ء نفسه فاذا قيل الاربعة في نفس الأمر كذا معناه ان الاربعة في حدّ ذاتها كذا فلفظ الأمر هنا من باب وضع المظهر موضع المضمر.»
و أما العقل الفعال فالكلام الحق و القول الصدق فيه هو ما أفاده الشيخ- قدّس سرّه- في كتبه الثلاثة الآتي ذكرها من اطلاقات العقل الفعال على المعلول الأول، و على العقل العاشر، و على كلّ واحد من العقول المفارقة:
قال في التعليقات: «المعلول الاول و هو العقل الأول إمكان وجوده له من ذاته لا من خارج» «2». و قال في الفصل الثالث من المقالة التاسعة من الهيات الشفاء: «و كان عددها- يعني عدد المفارقات- عشرة بعد الأول- تعالى- أوّلها العقل المحرك الذي لا يتحرّك»- الى قوله: «و كذلك حتى ينتهي إلى العقل الفائض على انفسنا و هو عقل العالم الارضي و نحن نسميه العقل الفعال» «3».
و قال في الفصل الخامس من المقالة الثالثة من كتابه في المبدأ و المعاد «4»:
«و لما كان كل ما يخرج من القوة إلى الفعل يخرج بسبب مفيد له ذلك الفعل، و ينتقش صورة في شمع عمّا ليس له تلك الصورة، و يفيد شي‏ء كمالا فوق الذي له، فيجب أن تخرج هذه القوة الى الفعل بشي‏ء من العقول المفارقة المذكورة. إما كلّها، و إما الأقرب اليها في‏
__________________________________________________
(1). الحكمة المنظومة للسبزواري، ص 49.
(2). التعليقات، ط 1، ص 100.
(3). الشفاء، ط 1، ج 2، ص 264.
(4). المبدأ و المعاد، ط 1، ص 98.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 491
المرتبة، و هو العقل الفعال.
و كل واحد من العقول المفارقة عقل فعال، لكن الأقرب منا عقل فعال بالقياس الينا. و معنى كونه فعّالا انّه في نفسه عقل بالفعل، لا انّ فيه شيئا هو قابل للصورة المعقولة، كما هو عندنا، و شيئا هو كمال، بل ذاته صورة عقلية قائمة بنفسها، و ليس فيها شي‏ء ممّا هو بالقوة و ممّا هو مادة البتة. فهي عقل و تعقل ذاتها لأنّ ذاتها أحد الموجودات فهي عقل لذاته و معقول، لأنها موجودات من الموجودات المفارقة للمادة فلا يفارق كونها عقلا كونها معقولا، و لا كونها هذا العقل كونها هذا المعقول. فأمّا عقولنا فيفترق فيها ذلك، لأن فيها ما بالقوة.
فهذا أحد معاني كونه عقلا فعالا.
و هو ايضا عقل فعال بسبب فعله في أنفسنا و إخراجه اياها عن القوة إلى الفعل.
و قياس العقل الفعال الى أنفسنا قياس الشمس إلى أبصارنا، و قياس ما يستفاد منه قياس الضوء المخرج للحس بالقوة الى الفعل و المحسوس بالقوة الى الفعل».
اقول: القول بقبول النفس الصور المحسوسة و المعقولة غير مقبول في الحكمة المتعالية لأنه مبني على أن النفس تنفعل من صور المحسوسات و المعقولات، و اما الحكمة المتعالية فحاكمة بأن النفس تنشي‏ء الصور في مرحلة، و أخرى على النحو الذي فوق الانشاء على ما هو مقرر في محله، و معلوم لأهله و قد استوفينا البحث عنه في كتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول.
و اعلم أن في المقام وجها آخر دقيقا جدا في معنى العقل الفعال يرزق بنيله من وفق له و هو ما أفاده المتاله السبزواري في تعليقته على الفصل السادس و العشرين من المرحلة العاشرة من الاسفار في العقل و المعقول المعنون بقوله: «في دفع اشكال صيرورة العقل الهيولاني عقلا بالفعل، من ان الحقيقة المحمدية عند اهل الذوق من المتشرعة وصلت في عروجها الى العقل الفعال و تجاوز عنه كما قال بعض الاشعة منها بل من هو هي بوجه:
و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة. و قد قرر ان العقول الكلية لا حالة منتظرة لها فكيف يتحول الروح النبوي الختمي صلى اللّه عليه و آله من مقام الى مقام؟
فالجواب أن مصحح التحولات هو المادة البدنيّة، ففرق بين العقل الفعال الذي لم يصادف الوجود الطبيعي، و بين العقل. الفعال المصادف له، فالأول له مقام معلوم و الثاني يتخطّى إلى ما شاء اللّه كما قال- صلّى اللّه عليه و آله-: «لي مع اللّه». الحديث فما دام البدن‏



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 492
باقيا كان التحوّل جائزا. انتهى كلامه الشريف «1».
قوله قال بعض الاشعة منها، هو الامام العسكري- عليه السلام- كما صرّح به- قدّس سرّه- في النبراس «2». ثم من هذا الوجه من معنى العقل الفعال يعلم وجه ما قالوا في معنى نفس الأمر انها قلب الانسان الكامل.
ثم ان روايات باب ان الأئمة- عليهم السلام- يزدادون في ليلة الجمعة من حجة الكافي، و كذا روايات الباب الذي بعده لو لا ان الائمة- عليهم السلام- يزدادون لنفد ما عندهم و نظائر ما في هذين البابين من الروايات الأخرى يعلم مفادها من هذا التحقيق الانيق في العقل الفعّال و بيان الفرق المذكور.
و اعلم أنهم أطلقوا العقل الفعال على رب النوع الانساني ايضا. و ارباب الانواع هي العقول الكلية المرسلة ايضا. و الارباب تسمّى بالمثل الالهية ايضا و في الصحف العرفانية تسمى بالاسماء الالهية كما صرّح به العلامة القيصري في شرح الفص الموسوي من شرحه على فصوص الحكم حيث قال: «حقائق الاسماء الالهية هي الارباب المتكثرة».
و كذا في مصباح الانس حيث قال العلّامة ابن الفناري: «عبّر عن الاسماء بالمثل الافلاطونية». و تعليقتنا في المقام على المصباح هكذا: «ارباب الانواع عند افلاطون و اشياعه مثل نورية و هي عند العارفين اسمائه- تعالى- فان كلّ نوع تحت اسم و هو عبد ذلك الاسم مثلا ان الحيوان عبد السميع و البصير، و الفلك عبد الرفيع الدائم، و الانسان عبد اللّه، و الاشراقيون قائلون بأن كل رب من ارباب الانواع مربوب اسم من اسماء اللّه فمآل الاشراقي و العارف واحد لأن الأمر ينتهي بالأخرة الى الاسماء فتبصر.
ثم ان التسمية بالعبدية بلحاظ غلبة بعض الاسماء على غيره كما في المصباح ايضا «3».
و تفصيل هذه المباحث يطلب في رسالتنا في المثل الالهية.
و قد أفاد المتأله السبزواري في شرح الاسماء «4» في شرح الاسم الشريف «يا من له الخلق و الأمر» بقوله: «أي له عالم المقارنات و عالم المفارقات. انما سمي المفارق امرا اذ يكفي‏
__________________________________________________
(1). الاسفار بتعليقات السبزواري، ط 2، ج 3، ص 636، 473.
(2). النبراس، ط 1، ص 4.
(3). المصباح، ص 148.
(4). شرح الاسماء، الفصل سب، ص 227.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 493
في ايجاده مجرد امر اللّه- تعالى- بلا حاجة الى مادة و صورة و استعداد و حركة. او لانه حيث لا ماهية له على التحقيق فهو عين أمر اللّه فقط يعني كلمة كن فلم يكن هناك يكون»- الى قوله: «و لما كان الامر بهذا الاصطلاح يطلق على المفارق، حدّ نفس الأمر بالعقل الفعال عند بعض الحكماء».
و قد افاد هذا المضمون في شرح الحكمة المنظومة «1».
و بما حررنا في نفس الامر تعلم ان الاسماء موضوعة للمعاني النفس الأمرية ثم تطلق على مراتب تنزلاتها ايضا كما يطلق العالم عليه تعالى و على الانسان.
و اعلم ان الشيخ استدل في الفصل الثالث عشر من النمط الثالث من الإشارات على اثبات العقل الفعال بانه مخرج النفوس من النقص الى الكمال لأنه يفيض المعقولات عليها، و بأنه المرتسم بالصورة المعقولة أي الخزانة الحافظة لها فانسحب الكلام الى البحث عن الذهول و النسيان. و قال المحقق الطوسي في الشرح: «يريد اثبات العقل الفعال و بيان كيفية افاضة المعقولات على النفوس الانسانية»- الى أن قال في نتيجة الكلام: «فاذن يجب أن يكون شيئا غيرها- يعني غير الجسم و القوى الجسمية- بالذات ترتسم فيه المعقولات و يكون هو خزانة حافضة لها»- الى قوله: «فإذن هيهنا موجود مرتسم بصور جميع المعقولات بالفعل ليس بجسم و لا جسماني و لا بنفس و هو العقل الفعال».
غرضنا من نقل كلامهما هذا هو اطلاق العقل الفعال على الموجود المفارق الذي هو مخرج النفوس بلا وصفه بالعاشر و أن وصفوه في عباراتهم الأخرى به. و ذلك الوصف بلحاظ تعلقه بالنفوس كما سمى بعقل العالم الارضي.
و قد سلكوا لاثباته مناهج و ذكرها صدر المتألهين في الفصل الثامن من الموقف التاسع من الهيات الاسفار بهذا العنوان: «تبصرة تفصيلية، المناهج لاثبات هذا الموجود المفارق القدسي المتوسط في الشرف و العلو بينه تعالى و بين عالم الخلق الواسط لافاضة الخير و الوجود على الدوام كثيرة الأول الخ» «2» و قد نقل ثلاثة عشر منهجا، و الحادي عشر منها هو كلام المحقق الطوسي المنقول من رسالته المعمولة في ذلك و نسختان منها موجودتان عندنا، و قد طبعت في مجموعة رسائله «3». و الثالث عشر منها هو المنهج الذي سلكه هو. و الاول من‏
__________________________________________________
(1). شرح الحكمة المنظومة، ص 50.
(2). الاسفار، ط 1، ج 3، 168- 172.
(3). مجموعة رسائل الشيخ الطوسي، ص 479.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 494
تلك المناهج هو طريق النبوة و الالهام كقوله- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-: «أوّل ما خلق اللّه العقل» و قوله: «أوّل ما خلق اللّه القلم» و نحوهما.
و الثاني منها منهج امتناع الكثير عن الواحد، فيجب أن يكون اقرب الاشياء منه تعالى ذاتا واحدة بسيطة بالضرورة.
و الثالث منها سبيل الإمكان الاشرف.
و الرابع منها المناسبة الذاتية بين العلة التامة و معلولها.
و الخامس منها منهج إخراج ما بالقوة الى ما بالفعل للنفوس.
و السادس منها طريق ازدواج الهيولي بالصورة، فلا بد من عاقد لهما و هو الاصل المفارق.
و السابع منها طريق الحركة الجوهرية، فلا بد من جامع و حافظ لوحدتها و هو الجوهر العقلي.
و الثامن منها منهج الأشواق و الأغراض و الشهوات و ميول الاشياء الى كمالاتها، فلا بد ان يكون لها غاية كمالية عقلية فهي عقول البتّة.
و التاسع منها منهج كفاية الإمكان الذاتي للانواع المحصلة التي لا يفتقر فيضانها نوعا و لا شخصا عن المبدأ الواهب الى امكان استعدادي غير امكانها الذاتي.
و العاشر منها سبيل الحركات الفلكية فان حركاتها الدورية توجب لها نفوسا و للنفوس عقولا.
و الحادي عشر منها منهج مطابقة الاحكام الصادقة الحاصلة في هذه الاذهان لما في نفس الامر.
و الثاني عشر منها مسلك التمام و مقابله فان الاشياء بحسب الاحتمال العقلي إما تامّة او ناقصة، و التام اما فوق التمام و هو الواجب- سبحانه- او لا كالعقل، و الناقص اما مستكف بذاته و هي النفوس المستكفية كالنفوس الفلكية و الوسائط البشرية الكاملة، أو مستكف بما لا يخرج عن قوام ذاته كالنفوس البشرية غير الكاملة اي النفوس الناقصة، او ليس بمستكف كالعنصريات فانها ناقصة محضة، فلا بد من موجود تام ليكون متوسطا في ايصال الفيض بين ما هو فوق التمام و بين ما هو ناقص او مستكف و هو العقل.
و الثالث عشر منها من جهة اثبات الخزانة للمعقولات كما قال سبحانه: ان من شي‏ء الا عندنا خزائنه، و كقوله تعالى: و للّه خزائن السموات.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 495
و اقول ان لنا منهجا آخر و هو منهج تجدد الأمثال فانه يعطي اثبات مفارق مفيض الصور على ما حررنا في رسائلنا الأخرى.
و المقام يناسب نقل المنهج الحادي عشر و هو رسالة المحقق نصير الدين الطوسي في إثبات نفس الأمر أي ذلك العقل الفعال كما قال صدر المتألهين في الموضع المذكور من الاسفار: الحادي عشر من منهج الاحكام الصادقة الحاصلة في هذه الاذهان لما في نفس الأمر و قد تصدّى المحقق الطوسي- ره- لسلوك هذا المنهج و عمل في بيانه رسالة.
اقول: الرسالة في الحقيقة تحرير ما أفاده الشيخ الرئيس في الفصل الثالث عشر من النمط الثالث من الاشارات و هي ما يلي:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏
اعلم أنا لا نشك في كون الاحكام اليقينية التي يحكم بها أذهاننا- مثلا كالحاكم بأن الواحد نصف الاثنين، او بان قطر المربع لا يشارك ضلعه، أو يحكم به مما لم يسبقه اليه ذهن أصلا بعد أن يكون يقينيا- مطابقة لما في نفس الأمر.
و لا نشك في أنّ الأحكام التي يعتقدها الجهّال بخلاف ذلك- كما لو اعتقد معتقد أن القطر يشارك الضلع او غير ذلك- غير مطابقة لما في نفى الأمر.
و نعلم يقينا أنّ المطابقة لا يمكن أن يتصور إلا بين شيئين متغائرين بالتشخص و متّحدين فيما يقع به المطابقة، و لا شك في أن الصنفين المذكورين من الأحكام متشاركان في الثبوت الذهني، فاذن يجب أن يكون للصنف الأول منهما دون الثاني ثبوت خارج عن أذهاننا يعتبر المطابقة بين ما في أذهاننا و بينه، و هو الذي يعبّر عنه بما في نفس الأمر.
فنقول: ذلك الثابت الخارج إما أن يكون قائما بنفسه أو متمثلا في غيره، و القائم بنفسه يكون إمّا ذا وضع أو غير ذي وضع. و الأول محال، أما اولا فلان تلك الاحكام غير متعلقة بجهة معيّنة من جهات العالم و الاشخاص، و لا بزمان معيّن من الازمنة، و كل ذي وضع متعلق بها فلا شي‏ء من تلك الأحكام بذي وضع.
لا يقال: انها تطابق ذوات الأوضاع لا من حيث هي ذوات اوضاع، بل من حيث هي معقولات، ثم انها تفارق الأوضاع من حيثية أخرى، كما يقال في الصورة المرتسمة في الأذهان الجزئية انّها كلّية باعتبار و جزئيّة باعتبار آخر.
لانا نقول: الصور الخارجية المطابق بها إذا كانت كذلك كانت قائمة بغيرها، و في‏



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 496
هذا الفرض كانت قائمة بنفسها، هذا خلف.
و اما ثانيا، فلان العلم بالمطابقة لا يحصل الا بعد الشعور بالمطابقين، و نحن لا نشك في المطابقة مع الجهل بذلك الشي‏ء من حيث كونه ذا وضع.
و اما ثالثا، فلأن الذي في أذهاننا من تلك الأحكام إنما ندركه بعقولنا، و أما ذوات الأوضاع فلا ندركها إلّا بالحواس أو ما يجري مجرى الحواس، و المطابقة بين المعقولات و المحسوسات من جهة ما هي محسوسات محال.
و الثاني هو أن يكون ذلك القائم بنفسه غير ذي وضع، و هو ايضا محال، لانه قول بالمثل الالهية.
و اما ان كان ذلك الخارج المطابق به متمثلا في غيره فينقسم أيضا إلى قسمين و ذلك لأن ذلك الغير إما ان يكون ذا وضع او غير ذي وضع، فان كان ذا وضع كان المتمثل فيه مثله، و عاد المحال المذكور فيبقى القسم الآخر، و هو أن يكون متمثلا في شي‏ء غير ذي وضع.
ثم نقول: ذلك المتمثل فيه لا يمكن أن يكون بالقوة، و ان كان ما في الأذهان بالقوة، و ذلك لامتناع المطابقة. بين ما هو بالفعل أو يمكن أن يصير وقتا ما بالفعل و بين ما هو بالقوة، و أيضا لا يمكن أن يزول أو يتغير او يخرج الى الفعل بعد ما كان بالقوة و لا في وقت من الأوقات، لأن الأحكام المذكورة واجبة الثبوت ازلا و ابدا، من غير تغيير و استحالة و من غير تقييد بوقت و مكان فواجب أن يكون محلّها كذلك، و إلّا فامكن ثبوت الحالّ بدون المحلّ.
فاذن ثبت وجود موجود قائم بنفسه في الخارج غير ذي وضع، مشتمل بالفعل على جميع المعقولات التي لا يمكن ان يخرج الى الفعل بحيث يستحيل عليه و عليها التغيير و الاستحالة و التجدد و الزوال، و يكون هو و هي بهذه الصفات ازلا و ابدا.
و اذا ثبت ذلك فنقول: لا يجوز ان يكون ذلك الموجود و هو اول الأوائل أعني واجب الوجود لذاته عزّت اسمائه. و ذلك لوجوب اشتمال ذلك الموجود على الكثرة التي لا نهاية لها بالفعل، و اول الأوائل يمتنع أن يكون فيه كثرة و ان يكون مبدءا اولا للكثرة، و ان يكون محلا قابلا لكثرة تتمثل فيه.
فاذن ثبت وجود موجود غير الواجب الأول- تعالى و تقدس- بهذه الصفة، و نسمّيه بعقل الكل؛ و هو الذي عبّر عنه في القرآن المجيد تارة باللوح المحفوظ، و تارة بالكتاب المبين المشتمل على كل رطب و يابس و ذلك ما اردنا بيانه. و اللّه الموفق و المعين. انتهى كلام المحقق الطوسي- قدّس سرّه القدوسي-.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 497
اقول: قوله «انا لا نشك في كون الاحكام اليقينية- اه-» فلها نفسية و ما هي الا العلوم و الانوار الوجودية في كل موطن و نشأة على سبيل الحقيقية و الرقيقة فالحقيقة هي النشأة العالية، و الرقيقة هي النشأة الظلية.
قوله: «بين شيئين متغايرين بالتشخّص». و التحقيق ان التغاير انما بحسب الحقيقة و الرقيقة و قد دريت ان الأسماء موضوعة للمعاني النفس الأمرية ثم تطلق على مراتب تنزلاتها. فتبصّر.
قوله: «و هو ايضا محال لانه قوله بالمثل الآلهية»، القول بالمثل الآلهية حق على ما حققنا البحث عنها في رسالتنا فيها، و إن هي إلّا الاسماء الكلية المسماة بالخزائن الآلهية و نحوها من الأسماء الحسنى لا كما توهموها و تفوّهوا ببطلانها.
قوله: «باللوح المحفوط- اه-»؛ بل الحق أن كل مرتبة عالية من الوجود الصمدي الذي هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن قلم، و مرتبته الظلية لوح. و الكتاب المبين له مراتب و مظاهر و لا ننكر أنّ الحقائق النورية العلمية لها نفسية في كل واحد منها بحسبها و المطابقة و الصدق و الحق على أصالتها باقية ايضا بحسبها فانها سنة اللّه فلن تجد لسنة اللّه تبديلا و لن تجد لسنة اللّه تحويلا.
و أما قول العلامة الحلّي: و قد كان في بعض اوقات استفادتي منه- الى قوله: فلم يأت فيه بمقنع، (و في بعض النسخ فلم يأت فيه بمشبع) فقد قال المتأله السبزواري في تعليقته على آخر الموقف التاسع من الهيات الأسفار عند نقل صاحب الأسفار هذا المطلب من هذا الكتاب أعني كلام العلامة في شرح التجريد ما هذا لفظه:
قوله: «فلم يأت بمشبع»، لعل الوقت لم يكن مقتضيا للاشباع و افشاء بعض الاسرار كما ستسمعه من المصنف في حلّه و إلا فالمحقق الطوسي أجلّ شأنا من أن يعجز عن ذلك. انتهى كلامه «1».
و اقول: ما افاده المتأله السبزواري حريّ بالمحقق الطوسي و لا ينبغي أن يعتري جلالة شأنه في حلّ دقائق الحقائق الحكمية و غيرها من غوامض الفنون الأخرى دغدغة و مجمجة. ثم أنا نأتي بطائفة ممّا حررناها في تعاليقنا على تمهيد القواعد في شرح قواعد التوحيد للمحقّقين التركة و ابن التركة ثم نتبعها بما حققه العارف القيصري في شرحه على فصوص‏
__________________________________________________
(1). الاسفار بتعليقات السبزواري، ط 1، ج 3، ص 172.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 498
الحكم و صدر المتألهين في الموضع المذكور من الأسفار و غيرهما في نفس الأمر و نحقق الحق بحول من بيده الخلق و الامر فنقول:
ان ما يتصوره العقل من الماهيات: قسم منها ما لا يكون لها تحقق إلّا بحسب الفرض العقلي و هذا القسم في نفسه ليس قابلا لأن يلحقه الوجود، و لا تتفرع عليه مسائل علمية أبدا، و لا يستنبط منها احكام و احوال واقعية، و لا وجود لها إلّا في القوى المدركة فقط كالنسب و الّاضافات الاعتبارية المحضة مثلا، و الصور المختلفة التي من مخترعات الوهم و دعا بات الخيال و تلفيقات المتصرفة كانياب الأغوال و الانسان ذي القرون و الأذناب. و هذا القسم يسمى عند المحققين من أهل التوحيد بالوجود الفرضي و الأمور الاعتبارية معروضاتها فالفرض بمعنى الفرضيات المحضة و الاعتباريات الصرفة التي أبت عناية الفاعل الحكيم أن تكسوها خلعة الوجود لعدم قابليتها لا لنقص الفاعل فانه على كل شي‏ء قدير.
و بذلك يعلم أن ما ذهب اليه الشيخ الإشراقي السهروردي في آخر المقالة الرابعة من حكمة الاشراق، و كذا القطب الشيرازي في شرحه «1» من اثبات العالم المثال المنفصل بطريق الصور الخيالية، خال عن التحقيق و إلا يلزم القول باسناد اللغو و العبث الى فعله- سبحانه-، و إن كنّا نعتقد بذلك العالم اعني عالم المثال المطلق المنفصل نزولا و صعودا بطرق أخرى مبرهنة في رسالتنا في المثال، و لنعد الى ما كنّا فيه فنقول:
هذا القسم أي الوجود الفرضي ممّا لا يبحث عنه في العلوم الحقيقية لأنها ناظرة الى معرفة الموجود الحقيقي و باحثة عنه، و هذا لا حقيقة له.
و قسم منها ما يكون لها تحقق خارج الفرض و الاعتبار أي لا يكون من الوجود الفرضي بمعنى القسم الأول؛ بل هو متحقق مع قطع النظر عن ذلك الفرض الاعتباري، و هذا القسم يسمّى عندهم بالوجود الحقيقي و الموجود الحقيقي و الوجود في نفس الأمر، و الموجود في نفس الأمر. و هو إما متحقق في الخارج عن المشاعر أي الخارج عن القوى المدركة كالاعيان الموجودة في الخارج؛ و امّا متحقق في المشاعر و القوى المدركة كالوجودات الذهنية الحقيقية من النسب و الإضافات الحقيقية، و المعقولات الأولى، و سائر ما يقع في الدرجة الثانية من التعقل أي ليس من المعقولات الأولى فهي من المعقولات الثانية
__________________________________________________
(1). شرح القطب الشيرازي لحكمة الاشراق، ط 1، ص 470.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 499
المنطقية. و القيد بالحقيقية لإخراج القسم الأول أي الوجود الفرضي الاعتباري. فهذا القسم أعني الوجود الحقيقي على قسمين خارجي و ذهني.
ثمّ لما كان وعاء حصول القسم الأول مما يتصوّره العقل أي الوجود الفرضي هو المشاعر، و كذلك وعاء حصول القسم الثاني من الوجود الحقيقي أي الذهني أيضا هو المشاعر، يورد سؤال عن الفرق بينهما و يقال فحينئذ يكون هذا القسم الثاني من الوجود الحقيقي هو ايضا من من اقسام الوجود الفرضي ضرورة أن حصوله انما هو في القوى المدركة.
و الجواب أنّ القسمين كليهما و إن كان ظرف حصولهما هو المشاعر و لكن الاول منهما اعتبارية محضة لا يكون قابلا للحوق الوجود اياه و لا تترتب عليه فائدة علمية و لا يحكم عليه بشي‏ء إلا انه من ملفقّات المتصرفة و مختلقات المتخيّلة، بخلاف الثاني فانه نسب و اضافات و صور حقيقية هي مرايا الأعيان الخارجية و روازنها و عناوينها و السنتها و اظلالها، و موضوعات لمسائل شتى علمية حقة تستنتج منها. و هذا القسم هو الموجود الذهني و هو من اقسام الموجود الحقيقي و الموجود في نفس الأمر. فنفس الأمر اعمّ من الخارج لأنه كلما تحقق امر في الخارج تحقق في نفس الامر، و كذلك كلما تحقق امر في الذهن تحقق ايضا نفس الأمر و لكن يمكن أن يتحقق الموجود الذهني فقط و لا يتحقق الموجود الخارجي فحينئذ يتحقق أمر في نفس الأمر فقط و لا يتحقق امر في الخارج كانسانية زيد المعدوم في الخارج فحيث إن زيدا معدوم في الخارج لا تتحقق انسانيته المقيدة فيه. و ان كانت متحققة في الذهن.
ثم إنّ هيهنا سؤالا آخر و هو أن ما قررتم في معنى نفس الأمر فما الفرق بين القضايا الصادقة و الكاذبة لأن الصادق هو الذي مطابق في الخارج دون الكاذب فاذا لم يكن لانسانية زيد المعدوم في الخارج مطابق- بالفتح- في الخارج اصلا فكما أن انسانيته معدومة فكذلك حماريته معدومة في الخارج فليس لهما مطابق في الخارج فكيف يحكم بصدق انسانية زيد المعدوم في الخاارج و كذب حماريته فان كانت الأولى صادقة فلتكن الثانية ايضا كذلك، و ان كانت الثانية كاذبة فلتكن الاولى ايضا كذلك؟
و الجواب عنه أن قولهم الصادق هو الذي له مطابق في الخارج دون الكاذب، لا يعنون بذلك الخارج، الموجود العيني الخارجي المقابل للذهني أي الخارج عن وعاء الذهن؛ بل مرادهم من ذلك الخارج هو الخارج عن اعتبار العقل أي الخارج عن الفرض العقلي الذي هو الوجود الفرضي المذكور. فكل قضية لها مطابق باحد قسمي الوجود الحقيقي فلها



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 500
خارج فهي صادقة سواء كان ذلك الخارج عن الفرض العقلي المختلق خارج الذهن، أو كان موجودا ذهنيّا. فالخارج على هذا المعنى أعمّ من الخارج المقابل للوجود الذهني فلا يلزم من عدم مطابق للخبر في الخارج بالمعنى الأخص أن لا يكون له مطابق فيه بالمعنى الاعمّ.
فنقول ايضاحا: إن كلّ واحد من الصدق و الكذب من اوصاف القضايا و محمول عليها فالقضية إن كانت لفظية أو كتبيّة و لها مطابق في وعاء الخارج المقابل للذهني فصادقة و إلا فكاذبة، و إن كانت ذهنية فان كان لها مطابق في وعاء الذهن من المعاني الوجودية الحقيقيّة الذهنيّة التي هي خارجة عن الفرض العقلي المختلق فهي صادقة و إلّا فكاذبة.
فان قلت: إن الضرورة قاضية بأن الموجود الحقيقي إمّا خارجي و اما ذهني. و الخارجي شامل لجميع صور الحقائق الوجودية من الواجب و الممكن، و الذهني ايضا شامل لجميع المعاني و الصور الذهنية و ليس وراء الوجودين أي الخارجي و الذهني امر آخر يسمّى بنفس الأمر حتى يحتاج اثباته إلى برهان.
قلنا قد أجاب عنه بعضهم في اثباته بما حاصله انه قد ثبت بالقوانين العقلية وجود العقل المفارق المشتمل على جميع المعقولات المسمى بالعقل الكل و اللوح المحفوظ اما كونه كلّا فلذلك الاشتمال، و اما كونه لوحا فلأن كل صغير و كبير فيه مستطر، و اما كونه محفوظا فلكونه محفوظا بالاسم الحافظ الحفيظ عن التغير، و الزوال، و التبدل، و البوار كما هو شأن جميع المجردات النورية، و هذا العقل هو نفس الامر للموجودات الحقيقية و الذهنية مطلقا.
فاورد على هذا الجواب بعض المتأخرين نقضا بالواجب- تعالى- و العقول و ذلك لان نفس الأمر لو كان بذلك المعنى لكان نفس الأمر للموجودات الحقيقية التي دونه فليزم ان لا يكون للواجب و سائر العقول التي غير اللوح المحفوظ وجود في نفس الامر.
ثم هذا البعض من المتأخرين حاول التحقيق في معنى نفس الأمر و حاصله أنه عبارة عن حقيقة الأشياء بحسب ذواتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجة عنها.
و شارح قواعد التوحيد صائن الدين علي بن التركة تعرض عليه بأن هذا التحقيق انما افاد زيادة اجمال في معنى نفس الأمر. إلّا أن يحمل كلام هذا البعض على مذهب المحققين من اهل التوحيد أعني بهم أهل العرفان بأن أعيان الأشياء بحسب ذواتها ثابتة في ذاته الأحدية سبحانه بلا شوب كثرة و لذلك يسمونها بالأعيان الثابتة، و الفيلسوف يعبّر عنها بالماهيات.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 501
و الاعيان الثابتة في اصطلاح العارف من الممتنعات أي ممتنع تقررها و تمثلها في خارج ذات العالم بها و ان كانت مظاهرها في خارج الذات موجودة بحسب اقتضائها ذلك.
فالاعيان الثابتة ما شمت رائحة الوجود قط أي وجودها الخارجي و لا تشمّها أبدا. فالاعيان في ذاته الأحدية بوجوداتها الأحديّة كالصور العلمية في اصقاع نفوسنا الناطقة.
و اعلم أن التمثل معناه لا يختص بالحقائق التي في قوالب الامثال و الاشباح حتى يستلزم الكثرة و التمايز في ذاته الاحديّة- سبحانه و تعالى-؛ بل معناه يتناول الحقائق النورية المستكنّة في ذات العاقل المجتمعة فيها جمعا أحديا، و الصور المثالية القائمة بغيرها في بعض مراتبه كالاشباح المجردة بالتجرد البرزخي القائمة بالنفس الناطقة في مرتبة خيالها و الخيال مطهر للاسم المصور و لذا جبلت على المحاكاة، يقال تمثل كذا عند كذا اذا حضر منتصبا عنده بنفسه أو بمثاله كما أفاده المحقق الطوسي في شرحه على الفصل السابع من النمط الثالث من الإشارات «1».
و للانتصاب في التعريف شأن لأن العلم الحقيقي هو أنتصاب المعلوم لدى العالم ليس فيه اعوجاج، و لذلك فسرّ الشيخ الادراك في الموضع المذكور من الاشارات بقوله: أن تكون حقيقته متمثلة عند المدرك. و كذا في الفصل التاسع من النمط السادس من الإشارات «2» فسرّ العناية بقوله: «تمثّل النظام الكلي في العلم السابق الخ». فلنرجع الى ما كنا فيه فنقول:
إن ذلك البعض المعترض إن اراد من قوله أن نفس الأمر عبارة عن حقيقة الأشياء بحسب ذواتها مع قطع النظر عن الامور الخارجة عنها، أن قاطبة الاشياء لها وجود في نفس الأمر بمعنى أن حقائقها العلمية أي اعيانها الثابتة بحسب ذواتها مع قطع النظر عن الامور الخارجة عنها كائنة في صقع الذات الأحدّية فله وجه وجيه و إلا فلا يخلو من دغدغة.
ثم افاد صائن الدين في تمهيد القواعد في بيان نفس الأمر على طريقة المحققين من اهل التوحيد و العرفان بقوله: «نفس الأمر عبارة عمّا ثبت فيه الصور و المعاني الحقّة، أعني العالم الأعلى الذي هو عالم المجردات و يؤيده اطلاق عالم الأمر على هذا العالم و ذلك لأن كلّ ما هو حق و صدق من المعاني و الصور لا بد و أن يكون له مطابق- بالفتح- في ذلك كما يلوح تحقيقه من كلام معلّم المشائين ارسطو في الميمر الثاني من كتابه في العلم الآلهي المسمّى‏
__________________________________________________
(1). الاشارات بشرح المحقق الطبرسي، ط 1، ص 76.
(2). الإشارات، ص 148.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 502
باثولوجيا بعد فراغه عن أن العالم الأعلى هو الحيّ التام الذي فيه جميع الاشياء، و ان هذا العالم الحسّي كالصنم و الانموذج لذلك العالم من أن فعل الحق هو العقل الأول فلذلك صار له من القوّة ما ليس لغيره و انه ليس جوهر من الجواهر التي بعد العقل الأول إلّا و هو من فعل العقل الأول. و اذا كان هذا كذا قلنا إن الاشياء كلّها هي العقل و العقل هي الاشياء، و انما صار العقل هو جميع الاشياء لأن فيه جميع كليات الاشياء و صفاتها و صورها و جميع الاشياء التي كانت و تكون مطابقة لما في العقل الأول كما ان معارفنا التي في نفوسنا مطابقة للأعيان التي في الوجود و لا يمكن غير ذلك و لو جوّزنا غير ذلك أعني أن يكون بين تلك الصور التي في نفوسنا و بين الصور التي في الوجود تباين او اختلاف ما عرفنا تلك الصور و لا ادركنا حقائقها لأنّ حقيقة الشي‏ء ما هو به هو، و اذا لم يكن فلا محالة غيره و غير الشي‏ء نقيضه فاذن جميع ما تدركه النفوس و تتصوره من أعيان الوجودات هو تلك الموجودات الا انه بنوع و نوع. و انما اوردت هذا الكلام كلّه لانّه مع انطوائه لما نحن بصدده مشتمل ايضا على تحقيق معنى الحقيقة و معنى الصدق و الحق و سبب تسمية هذا الوجود بالوجود الحقيقي و غيره من اللطائف فليتأمل» «1» انتهى كلام صاحب التمهيد في المقام.
اقول في هذه العبارات المنيفة السامية لطائف عديدة و نكات سديدة يحرى لباغي المعارف الآلهية أن يعتنى بها و يهتمّ بنيلها:
منها أن العالم الأعلى هو متن ما دونها و قضاءها و لا يوجد رقيقة في الداني الّا و هي منها أن العالم الأعلى هو متن ما دونها و قضاءها و لا يوجد رقيقة في الداني الّا و هي مستكنّة فيه على نحو وجود أحديّ، فالرقائق صنم و انموذج لذلك العالم الأعلى، فالحقيقة لا تنزل الى العالم الادنى الحسّي إلّا و هي نازلة من جميع العوالم، قال- عز من قائل-: «وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» «2». و قال- سبحانه-: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» «3».
فكل ما هو حق و صدق من المعاني و الصور فهو مطابق- بالكسر- لما هو متحقق في العالم الأعلى أي فله مطابق- بالفتح- و خزائن. و أما ما ليس بحق و صدق كالصور المختلفة التي هي مخترعات الوهم و دعابات الخيال و الاعتباريات المحضة من النسب و الاضافات‏
__________________________________________________
(1). تمهيد القواعد، ط 1، ص 16.
(2). الحجر: 22.
(3). الم سجده: 6.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 503
غير الحقيقيّة فليس لها مطابق- بالفتح- اصلا لأن الباطل لا يتطّرق في صنع الحق. مثلا لو فرض الوهم غلطا أن الثلاثة نصف العشرة، أو الهواء اثقل من الأرض و اصلب منها، و نحوهما من الاكاذيب، فهي عارية عن أن يكون لها نفس الأمر و بمعزل عنه. فنفس الأمر هو حقيقة الأمر اي حقيقة الشي‏ء في النظام العنائي الحقيقي و تصور أن الثلاثة نصف العشرة ليس امرا حقا فلا يصح ان يقال إن الثلاثة في نفس الامر أي في نفسها و ذاتها نصف العشرة فلا يصّح أن يقال ان للكواذب مطابق- بالفتح- فما هو باطل في موطن و ليس فرض تحقّقه في ذلك الموطن بحق فهو عار عن تلبس خلعة الوجود الحقيقي في جميع المواطن فالكواذب مطلقا ليس لها مطابق اصلا.
على ان المطابقة و اللامطابقة كالإنقسام الى التصور و التصديق من خواص العلم الحصولي دون الحضوري و من كلام صاحب اثولوجيا ان علم المبادى اجل من ان يوصف بالصدق و انما هو الحق بمعنى انه الواقع لا المطابق للواقع.
و منها قوله: «و يؤيده اطلاق عالم الامر على هذا العالم». انّ المحققين من اهل التوحيد اي العارفين باللّه يعبّرون عنه بعالم الأمر، و الحكماء الآلهيين بالعقل. و ديدن أهل التوحيد في أصطلاحاتهم هو الأخذ من كلمات الوحي و اهل بيت الوحي و قال- عز من قائل-: «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ». و التعبير عن هذا العالم بعالم الامر- كما في الحكمة المنظومة- لوجهين:
احدهما من جهة اندكاك انيّته و استهلاكه في نور الأحدية اذ العقول مطلقا من صقع الربوبيّة؛ بل الأنوار الاسفهبدية لا ماهية لها على التحقيق فمناط البينونة الذي هو المادة سواء كانت خارجيّة او عقلية مفقود فيها فهي مجرد الوجود الذي هو امر اللّه و كلمة كن الوجودية النورية.
و ثانيهما انه و ان كان ذا ماهية، يوجد بمجرد امر اللّه و توجه كلمة كن اليه من دون مئونة زائدة من مادة و تخصص استعداد فيكفيه مجرد امكانه الذاتي «1».
و منها قوله هذا العالم الحسي كالصنم و الانموذج لذلك العالم. و يدلك على هذا المطلب الأرفع كلمة الآية و الآيتين و الآيات في القرآن الكريم فتلك الكلمة المباركة ناطقة بأن ما سواه سبحانه على ضرب من التعبير بالسواء مظاهره و مراياه و مجاليه فاحدس من هذا أن الوجود واحد شخصي احدي صمدي مطلق عن الاطلاق و التقييد و هو الاول و الآخر
__________________________________________________
(1). الحكمة المنظومة للسبزواري، ص 50.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 504
و الظاهر و الباطن. و أن جميع اسمائه سبحانه إلّا ما استأثره لنفسه متحقق في كلّ كلمة و آية و ان كان تسمّى بالصفة الغالبة على غيرها و الاسم القاهر على غيره و لذا اشتمل كل شي‏ء على كل شي‏ء. و ذلك الاشتمال كما في مصباح الانس على ثلاثة انواع لأن الظاهر من الآثار إمّا آثار بعض الحقائق و آثار الآخر مستهلكة و هو في غير الانسان؛ و إما آثار جميع الحقائق كما في الانسان فامّا بغلبة بعض الآثار و مغلوبيّة الآثار الباقية كما في غير الكامل أو بالاعتدال كما في الانسان الكامل «1».
فتبصر من هذا الكلام الكامل أنّ المراد من قوله- سبحانه-: «وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» «2» الخ ما هو، و كذا من قوله- عز من قائل- «وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى‏ فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ، «3» ثمّ اقرأ و ارق». ثم اعلم أن جميع الاسماء الحسنى على كمالها و تمامها اسماؤه المستأثرة كالحي و العالم و القادر و غيرها، فتبصر.
و منها قوله: «و اذا كان هذا كذا قلنا إنّ الاشياء كلّها هي العقل و العقل هي الاشياء.
لأن الاشياء كلها من فعل العقل باذنه- سبحانه- و الفعل قائم بفاعله و الفاعل قاهر على فعله و محيط به فانظر ماذا ترى. و كان المتقدمون من أهل التوحيد يسمّون مبدأ المبادي- سبحانه و تعالى- بالعقل و كانوا يقولون إن العقل يدبّر العالم، و العقل موجب وحدة الصنع ازلا و ابدا، و كانوا يسمّون وحدة الصنع من كثرة بهائه و جماله و حسن زينته بقوسموس، فتبارك اللّه احسن الخالقين.
و منها قوله القويم الثقيل: لو جوزنا أن يكون بين تلك الصور التي في نفوسنا و بين الصور التي في الوجود تباين او اختلاف ما عرفنا تلك الصور و لا أدركنا حقائقها. فكلما نطلبه اول الأمر ندركه ادراكا ما لأن طلب المجهول المطلق محال، و قد دريت الكلام في الاشتمال، فافهم. ثم إن الصور التي في نفوسنا لو لم تكن مطابقة لما في الوجود كالامثلة المتقدمة فهي ليست بعلم و لم يكن لها مطابق و لم يصدق عليها عنوان نفس الأمر. فمعنى كون الشي‏ء موجودا في نفس الأمر هو كونه متلبسا خلعة الوجود في حدّ ذاته اي كونه موجودا مع قطع النظر عن فرض فارض و اعتبار معتبر سواء كان موجودا في الخارج، أو في‏
__________________________________________________
(1). مصباح الأنس، ط 1، ص 147.
(2). البقرة: 31.
(3). الواقعة: 62.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 505
الذهن على الوجه الذي حرّرناه. و لا يخفي عليك صدق نفس الأمر على الوجود الحق الصمدي المتعين المطلق عن الاطلاق و التقييد ايضا و ان لم يصدق عليه ما يصدق على شئونه النورية من أن لها خزائن و صورا علمية مسماة بالأعيان الثابتة لأنه- سبحانه- صورة الصور و حقيقة الحقائق و جوهر الجواهر و نور الانوار.
ثم لا يخفى عليك أن هذه الأمر القويم لا يتبدّل في اختلاف الآراء في ادراك النفس الحقائق من أنه هل هو على سبيل رشح الصور على النفوس، او على سبيل الاشراق، او على سبيل الفناء في القدسي كما حقق في الفصل 33 من المرحلة السادسة من الأسفار في العلة و المعلول «1».
و منها ان المراد من الخارج هو خارج الفرض و الاعتبار و ان كان متحققا في المشاعر و القوى المدركة و بعبارة اخصر و ان كان متحققا في الذهن و الخارج بهذا المعنى الدقيق هو نفس الأمر للاحكام الذهنية أي القضايا، الذهنية فلا يجب في صحيحها المطابقة لما في الخارج؛ بل تكون صحّتها باعتبار مطابقتها لما في نفس الأمر بهذا المعنى اي نفس الشي‏ء في حدّ ذاته.
و منها وجه ما قالوا في معنى نفس الأمر من أنها العلم الآلهي. أو من انها النفس الكلية و اللوح المحفوظ، أو من انها عالم المثال. و كل واحد من تلك المعاني حق و لكل وجهة هو مولّيها كما ستعلم ايضا.
و منها معنى الحق و الصدق. و قد اشبعنا البحث عنهما في شرحنا على الفص الواحد و السبعين من شرحنا على فصوص الفارابي فراجع.
تبصرة
: ما قاله العلامة الحلّي في كشف المراد من أن المعقول من نفس الأمر اما الثبوت الذهني و الخارجي الخ، يعني و ما يتصور، و يعقل من لفظ نفس الأمر عندما يقال الشي‏ء مطابق لما في نفس الأمر و يكون الشي‏ء فيه إما هو الوجود الخارجي و كون الشي‏ء في الخارج، أو الذهني و كون الشي‏ء في الذهن، و المفروض أن الأحكام الذهنية التي قلنا ليست بلحاظ ما في الخارج كالإمكان المقابل للامتناع، لا يصح القول بان صحيحها ما لانها في الخارج، و كذا لا يصح القول بأن صحيحها ما لأنها في الذهن، لا مكان كونها كاذبة و مع ذلك موجودة في الذهن، و يلزم على هذا صحة الكواذب. و لكن أنت بما حققنا من معنى نفس‏
__________________________________________________
(1). الأسفار، ط 1، ج 1، ص 200.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 506
الأمر و الخارج و معنى صحّة مطابقة الحكم لنفس الأمر، تعلم أن الشبهة غير واردة اصلا لأن الكواذب لا نفسية لها حتى يتفوّه بها بمطابقتها له و صحّتها. نعم لو قلنا ان نفس الأمر عبارة عن عالم الامر الحكيم فالجواب عن الشبهة المذكورة و ان كان يعلم ايضا بالقياس الى ما حررناه و لكن فيه تحقيقا انيقا آخر ياتي نقله عن الحكمة المتعالية و كلامنا حوله.
ثم إن العلامة القيصري أفاد تحقيقا في معنى نفس الأمر في آخر الفصل الثاني من فصول شرحه على فصوص الحكم على ما ذهب اليه المحققون من اهل التوحيد، و ما تقدم منّا في معنى نفس الأمر و ان كان كافلا لما أفاد و لكنه أجاد بما افاد لا يخلو نقله عن فوائد كثيرة و نتبعها باشارات منيفة منّا حول افاداته انشاء اللّه تعالى. قال:
«و الحق أن كلّ من أنصف يعلم من نفسه أن الذي أبدع الأشياء و أوجدها من العدم الى الوجود سواء كان العدم زمانيا أو غير زماني يعلم تلك الاشياء بحقائقها و صورها اللازمة لها الذهنيّة و الخارجية قبل ايجاده إيّاها و إلا لا يمكن اعطاء الوجود لها فالعلم غيرها- اي غير الاشياء-. و القول باستحالة أن يكون ذاته- تعالى- و علمه الذي هو عين ذاته محلا للأمور المتكثرة إنما يصحّ اذا كانت غيره- تعالى- كما عند المحجوبين عن الحق، أما اذا كانت عينه من حيث الوجود و الحقيقة و غيره باعتبار التعيّن و التقيّد فلا يلزم ذلك و في الحقيقة ليس حالا و لا محلا بل شي‏ء واحد ظهر بصورة المحلّية تارة و الحالية أخرى. فنفس الأمر عبارة عن العلم الذاتي الحاوي لصور الأشياء كلّها كلّيها و جزئيها صغيرها و كبيرها جمعا و تفصيلا عينيّة كانت أو علمية لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء.
فان قلت: العلم تابع للمعلوم و هو الذات الآلهية و كمالاتها فكيف يكون- أي العلم- عبارة عن نفس الأمر؟
قلت: الصفات الاضافية لها اعتباران عدم مغايرتها للذات، و اعتبار مغايرتها لها- اي انها غير الذات- فبالاعتبار الاول العلم و الارادة و القدرة و غيرها من الصفات التي تعرض لها الاضافة ليس تابعا للمعلوم و المراد و المقدور لانها عين الذات و لا كثرة فيها؛ و بالاعتبار الثاني العلم تابع للمعلوم و كذلك الارادة و القدرة تابعة للمراد و المقدور. و في العلم اعتبار آخر و هو حصول صورة الاشياء فيه. فهو- أي العلم- ليس من حيث تبعيته لها عبارة عن نفس الأمر؛ بل من حيث أن صور تلك الاشياء حاصلة فيه عبارة عنه لا من حيث تبعيته لها. يقال الامر في نفسه كذا أي تلك الحقيقة التي يتعلق بها العلم و ليست غير الذات في نفسها كذا- اي و الحال أن تلك الحقيقة ليست غير الذات يقال في نفسها كذا-.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 507
و جعل بعض العارفين العقل الأول عبارة عن نفس الأمر حق لكونه مظهرا للعلم الآلهي من حيث احاطته بالكليات المشتملة على جزئياتها، و لكون علمه مطابقا لما في علم اللّه- تعالى-. و كذلك النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ بهذا الاعتبار عبارة عن نفس الأمر».
اقول: كلامه الشريف شامل على مطالب عديدة سامية ينبغي الاشارة اليها:
منها أنه- سبحانه- عالم بالاشياء على الوجه الكلي و كذلك على الوجه الجزئي من حيث هو جزئي الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير. و هذا المطلب الاسمي مستفاد من وحدة الوجود الشخصية التي هي موضوع الصحف العرفانية و مسائلها. و اطلاق هذه الوحدة على الذات الصمدية على الوجه التام هو ما عبر به امام الكل في الكل- عليه السلام- في خطبة من النهج و هي التي قال الرضي في وصفها و تجمع هذه الخطبة من اصول العلم مالا تجمعه خطبة بقوله: «و لا يقال له حدّ و لا نهاية و لا انقطاع و لا غاية و لا أن الأشياء تحويه فتقله أو تهويه، أو أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله، و ليس في الأشياء بوالج و لا عنها بخارج»؛ بل اهل الذوق يفهمون من قوله- سبحانه- «وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ» «1»، و من قوله: «و هو أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» «2»، هذا المعنى اللطيف. و يفسرون الاسم القيوم بهذا السرّ القويم. و استيفاء البحث عن العلم موكول الى رسالتنا في العلم.
و منها قوله: «و القول باستحالة أن يكون»- إلى قوله: «و الحالية أخرى». كلام كامل متقن في تحقق الأعيان الثابتة في الذات. و من هنا و على هذا المنوال قال صدر المتألهين في آخر الفصل الحادي عشر من الموقف الثالث من الهيات الأسفار «3»:
«و أما تحاشيه (يعني تحاشي الشيخ الاشراقي) و تحاشى من تبعه من القواعد بالصور الآلهية لظّنهم انه يلزم حلول الاشياء في ذاته و في علمه الذي هو عين ذاته فقد علمت أن ذلك غير لازم إلا عند المحجوبين عن الحق الزاعمين أنها كانت غيره- تعالى- و كانت أعراضا حالّة فيه، و اما اذا كانت عينه من حيث الحقيقة و الوجود، و غيره من حيث التعين و التقيد (يعني التقيد بالحدود) فبالحقيقة ليس هناك حالّ و لا محلّ؛ بل شي‏ء واحد متفاوت الوجود في‏
__________________________________________________
(1). الحديد: 4.
(2). ق: 16.
(3). الأسفار، ط 1، ج 3، ص 56.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 508
الكمال و النقص و البطون و الظهور.
و نفس الامر عند التحقيق عبارة عن هذا العلم الآلهي لصور الاشياء كلّيها و جزئيّها و قديمها و حادثها فانه يصدق عليه أنه وجود الاشياء على ما هي عليها فان الاشياء موجودة بهذا الوجود الآلهي الحاوي لكل شي‏ء، اذ الاشياء كما ان لها وجودا طبيعيا و وجودا مثاليا و وجودا عقليا فكذلك لها وجود آلهي عند العرفاء. و هذا الوجود اولى بأن يكون عبارة عن نفس الأمر و لا يلزم من ذلك ثبوت المعدومات اذ ثبوت المعدوم الذي حكم عليه أنه محال عبارة عن انفكاك الشيئية عن الوجود مطلقا لا انفكاكها عن الثبوت الخارجي مع تحققها بالوجود الرباني و ظهورها فيه».
اقول مراد صاحب الاسفار بالكمال هو المرتبة الأحدية، و النقص هو المرتبة الواحدية و لا شك أنها نقص بالاضافة الى الأحدية لوقوع الكثرة في هذه المرتبة، و المرتبة الأحدية هي البطون اي الغيب المطلق الذي لا يخبر عنه الا بانه لا يخبر عنه. و يمكن أن يكون المراد بالنقص نفس الماهيات التي يعبر عنها بالأعيان الثابتة. او الوجودات المقيدة بالحدود من حيث سعة المجال و ضيقها أعني التشكيك في اصطلاح العارف، فتبصر.
ثم العجب من صاحب الحكمة المنظومة حيث قال فيها في غرر في ذكر الاقوال في العلم و وجه الضبط لها ما هذا لفظه: «الشيخ العربي و اتباعه جعلوا الاعيان الثابتة اللازمة لاسمائه- تعالى- في مقام الواحدية علمه- تعالى- و هذا ايضا مزيف من حيث إثباتهم شيئية للماهيات و اسنادهم الثبوت اليها في مقابل الوجود مع أنك قد عرفت أصالة الوجود و لا شيئية الماهية الا أن يصطلحوا أن يطلقوا الثبوت على مرتبة من الوجود و كانهم وضعوا مبانا من حقيقة الوجود مرتبة منها و قابلوها بها» «1». الخ‏
و لست أدري أنه- رحمه اللّه- مع طول باعه في الحكمة المتعالية كيف تفوّه بهذا الرأي الفائل. و قد حققنا في تعليقاتنا على كشف المراد ان الماهيات في اصطلاح الحكيم هي الأعيان الثابتة في اصطلاح العارف و هي الصور العلمية بوجودها الاحدّي الذي هو عين الذات الصمدية و قد اصطلح العارف أن يسمي العلم ثابتا و العين وجودا لا أن الثبوت واسطة بين الوجود و العدم؛ بل واسطة بين وجوده الخارجي و العدم بمعنى أنه وجود علمي إلّا انه يسميه ثبوتا للفرق بين العلم و العين اصطلاحا و تفصيل ذلك يطلب في تعليقتنا على‏
__________________________________________________
(1). غرر الفرائد بتعليقات السبزواري، ط 1، ص 160.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 509
المسألة الثالثة عشرة من الفصل الأول من المقصد الأول من كشف المراد.
ثم ان كلام العلامة القيصري و صدر المتألهين على وزانه من ان نفس الأمر عند التحقيق عبارة عن هذا العلم الآلهي لصور الاشياء في غاية الإحكام و الإتقان لأنّ ماله نفسية حقيقية لابد أن يكون له وجود طبيعي و وجود مثالي و وجود عقلي و وجود الهي و التفاوت بالكمال و النقص كالابدان الانسانية مثلا؛ بل الانسان بالوجودات الاربعة المذكورة، فتدبر في قوله- سبحانه-: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ» «1». و كما ان الوجود حقيقة واحدة اطلاقية و لها درجات بعضها طبيعي و بعضها نفساني و بعضها عقلي و بعضها الهي، كذلك جميع شئونها النفس الأمرية لأنها اطوار حقيقية منتشأة و منفطرة عن ذات واحدة صمديّة سبحانه- و تعالى-.
نعم ان نفس الامر بهذا المعنى لا يصدق عليه- سبحانه- لأنّها كانت عبارة عن العلم الإلهي لصور الاشياء. فالامر على هذا المعنى في مقابلة الخلق من العقل الأول إلى الهيولي الأولى، لا كما قال المحقق الشريف أن يجعل الامر هيهنا في مقابلة الخلق و يراد به عالم المجردات كما نقله عنه صاحب الشوارق «2». و ذلك لأن الخلق، الايجاد على تقدير و ترتيب، و اصل الخلق التقدير، يقال: خلقت الأديم اذا قدّرته قبل القطع. و الخلق هو المنقوش على الصادر الأول و هو فوق الخلق و قد حققّنا البحث عنه في رسالتنا الفارسية المسماة ب وحدت از ديدگاه عارف و حكيم «3» فراجع. فالمجردات من الخلق ايضا.
و الصادر الاول يسمّى في الصحف العرفانية بالنفس الرحماني و النفس الآلهي، و الهيولي الكلي، و الماء الذي هو اصل كل شي‏ء، و البخار العام و التجلي الساري و الرق المنشور و النور المرشوش و الخزانة الجامعة و ام الكتاب المسطور و الوجود العام و مادة الموجودات و الرحمة العامة و الرحمة الذاتية و الامتنانية و صورة العماء و الوجود المنبسط و العنصر و العنصر الاول و اصل الاصول و هيولي العوالم غير المتناهية و اب الاكوان و ام عالم الامكان و الجوهر الهيولاني و غيرها من الأسامي المذكورة في محالّها، فراجع الى الرسالة المذكورة و مصباح الانس «4». و شرح القيصري على الفص العيسوي و اليعقوبي من فصوص‏
__________________________________________________
(1). السجدة: 5.
(2). الشوارق، ط 1، ص 114.
(3). وحدت از ديدگاه عارف و حكيم، ط 1، ص 84- 94.
(4). مصباح الأنس، ص 70- 133- 150- 161.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 510
الحكم «1»
و الصورة العلمية تسمى بالاعيان الثابتة و بالفيض الأقدس ايضا أي الاقدس عن أن يكون المستفيض غير المفيض، و الاقدس من شوائب الكثرة الاسمائية و نقائص الحقائق الامكانية. فهي ليست من جملة العالم و مما سوى اللّه و ليس وجودها وجودا مبائنا لوجود الحق سبحانه، و لا هي موجودات بنفسها لنفسها؛ بل إنما هي من المراتب الآلهية و المقامات الربوبية و هي موجودة بوجود واحد، باقية ببقاء واحد، و العالم انما هو ما سواه كما حرّره صدر المتألهين في الفصل الثامن من الموقف الثاني من آلهيات الأسفار «2».
نعم قد اطلق عليها العالم في الفصل الثالث و الثلاثين من تمهيد القواعد لصائن الدين باعتبار تغايرها الذات فراجع اليه و الى تعليقاتنا على ذلك الفصل منه «3».
و منها قوله: «فان قلت العلم تابع للمعلوم الخ»؛ اقول قد أتى بهذا السؤال و الجواب صاحب الاسفار بعد كلامه المذكور آنفا مع زيادة ايضاح حيث قال: فان قلت العلم تابع للمعلوم فكيف يكون هذا العلم الذي هو الذات الآلهية تابعة للاشياء؟
قلنا: هذا العلم الآلهي لكونه كالقدرة و القدرة و نظائرها من الصفات الاضافية أي من الحقائق الذوات الاضافة الى الاشياء فله اعتباران: أحدهما اعتبار عدم مغايرته للذات الأحدية و هي بهذا الاعتبار من صفات اللّه و غير تابعة لشي‏ء بل الاشياء تابعة له اذ به صدرت وجودات الاشياء في الخارج و لهذه الجهة قيل علمه- تعالى- فعليّ.
و ثانيهما اعتبار اضافته الى الأشياء و هو بهذا الإعتبار تابع للاشياء متكثر بتكثّرها.
و سنشبع القول في تحقيق هذا المقام عند بيان كيفية علمه- تعالى- بالاشياء على طريقة اصحاب المكاشفة الذوقية، و نحن قد جعلنا مكاشفاتهم الذوقية مطابقة للقوانين البرهانية، و الكلام في كون علمه- تعالى- تابعا للمعلوم أم المعلوم تابعا له الأليق بذكره أن يكون هناك من هيهنا «4».
اقول: الموضع المذكور في علمه هو الفصل التالي من الفصل المذكور و هو الفصل الثاني عشر من الموقف الثالث من آلهيات الاسفار «5». و قد حقّقنا في مصنفّنا الموسوم بالعرفان‏
__________________________________________________
(1). شرح القيصري على فصوص الحكم، ص 331- 389.
(2). الأسفار، ط 1، ج 3، ص 48.
(3). تمهيد القواعد، ط 1، ص 95.
(4). الأسفار، ط 1، ج 3، ص 57.
(5). المصدر، ج 3، ص 57- 63.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 511
و الحكمة المتعالية أن امّهات مسائل الحكمة المتعالية أعني بها اسفار صدر المتالهين مأخوذة من الصحف العرفانية كتمهيد القواعد و شرح القيصري على فصوص الحكم و مصباح الانس لابن الفناري و الفتوحات المكية للشيخ العارف محي الدين العربي.
و قد اجاد في كلامه الرفيع من أن المكاشفات الذوقية مطابقة للقوانين البرهانية، كقوله الآخر الثقيل ايضا في أول الفصل الثاني من الباب السادس من نفس الاسفار:
«الشرع، و العقل متطابقان في هذه المسألة- يعني في مسألة أن النفس الناطقة ليست بجسم و لا مقدار و لا منطبعة في مقدار- كما في سائر الحكميات و حاشى الشريعة الحقة الآلهية البيضاء أن يكون احكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية، و تبا لفلسفة يكون قوانينها غير مطابقة للكتاب و السنة» «1».
فالعرفان و البرهان يدوران حيثما دار القرآن و لن يفترق كل واحد منها عن الآخرين قط. و الانسان الكامل قرآن و برهان و عرفان، و هو لن يفترق عن القرآن و البرهان و العرفان قط، كما أن العرفان الأتم و البرهان الأقوم و كذا الحقائق القرآنية بأعلى ذرى مقاماتها لا تنفكّ عنه و لا تفترق قط.
و جملة الأمر في الاعتبارين المأخوذين في الجواب أن علم الواجب بالأشياء هو وجود الواجب بملاحظة اتحاده بالأعيان الثابتة إذا لوحظ بحسب الوجود اي لوحظ وجود الواجب مع قطع النظر عن هذا الاتحاد يكون متبوعا و عين الواجب، و اذا لوحظ العلم من حيث إنه علم اي لوحظ وجوده باعتبار اتحاده بالأعيان يكون تابعا للأعيان بمعنى أن علمه يكون على طبق ما يكون الأعيان عليه في نفسها و يكون متكثرا بتكثر الأعيان بمعنى أن علمه بهذه العين المخصوصة غير علمه بعين اخرى لتغاير العينين بالذات. و قال القيصري في آخر الفصل الأول من الفصول المذكورة في التنبيه المعقود في عينية الصفات للوجود:
«ان الحيوة و العلم و القدرة و غير ذلك من الصفات تطلق على تلك الذات و على الحقيقة اللازمة لها من حيث انها مغائرة بالاشتراك اللفظى «2»». فتدبر.
و نقول ايضاحا: قوله: «اذا كانت غيره- تعالى-»، أي اذا كانت تلك الأمور المتكثرة التي هي الصور المرتسمة غيره- تعالى-، تعالى عن ذلك، ألغيرك من الظهور
__________________________________________________
(1). المصدر، ج 4، ص 75.
(2). شرح القيصري على فصوص الحكم، ط 1، ص 12.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 512
ما ليس لك، غيرتش غير در جهان نگذاشت.
قوله: «فلا يلزم ذلك»، أي لا يلزم كونه محلا للأمور المتكثرة.
قوله: «بل شي‏ء واحد ظهر بصورة المحلية»، أي شي‏ء واحد ظهر في ملابس اسمائه و صفاته فانها قائمة بالفيض الاقدس و لا حالّية و لا محلّية اصلا؛ بل شي‏ء واحد تحقق بصورة البطون تارة و هذا من جهة اعتبار نفس الذات، و تجلّى بصورة الظهور أخرى و ذلك من جهة العلم و الانكشاف أي انكشاف الاشياء عنده بنفس ذاته و هويته البسيطة التي هي كل الاشياء بنحو الأصالة و الوحدة و الصرافة و ليس بشي‏ء منها. و قال القيصري في شرح الفصّ الآدمي: لمّا كان الفاعل و القابل شيئا واحدا في الحقيقة ظاهرا في صورة الفاعلية تارة و القابلية أخرى عبّر عنهما باليدين.
قوله: الحاوي لصور الاشياء كلّها، أي بنحو البساطة الاطلاقية.
قوله: «قلت الصفات الاضافية»، يعنى أنّ الصفات ذات الاضافة لها اعتباران اعتبار عدم مغائرتها للذات بحسب حقائقها الاطلاقية كالعلم و هذا في المرتبة الأحدية، و اعتبار مغائرتها للذات أي اعتبار اضافتها و نسبتها و تعلقها بالغير فتمتاز نسبة و مفهوما ايضا و هذا في المرتبة الواحدية. فالصفات قد تؤخذ اطلاقية فهي عين و اسماء ذاتّية، و قد تؤخذ على وجه التعلق بالتعينات فهنا امتياز نسبي.
قوله: «و في العلم اعتبار آخر». يعني ليس هذا الاعتبار لسائر الصفات الاضافية و هو حصول صور الاشياء فيه لأن بسيط الحقيقة كل الاشياء فنفس الأمر عبارة عنه بهذا الاعتبار.
قوله: «يقال الامر في نفسه كذا» اي تلك الحقيقة العلمية ألتي يتعلق بها العلم و الحال ان تلك الحقيقة ليست غير الذات حقيقة يقال في نفسها و حدّة ذاتها كذا. يعني ان نفس الأمر عين علمه- تعالى- بهذا الاعتبار الآخر الذي ليس لسائر الصفات الاضافية فالعلم ليس من جهة تابعيته للأشياء عبارة عن نفس الأمر؛ بل من جهة ان صور الاشياء حاصلة فيه عبارة عن نفس الأمر.
فذلكة البحث حول كلام القيصري: أنه لما قال فنفس الأمر عبارة عن العلم الذاتي أورد عليه أن العلم تابع للمعلوم و المعلوم هو الذات الآلهية و كمالاتها لأنه ليس في الوجود علم و عين سوى الذات الآلهية و شئونها الذاتية التي هي كمالاتها فنفس الأمر هو



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 513
المعلوم المتبوع لا العلم التابع له المطابق لما في نفس الأمر فاراد دفع ذلك الايراد عن نفسه بقوله: «قلت الصفات الاضافية الخ».
و حاصل الجواب أن العلم من الصّفات الاضافيّة أي ذوات الاضافة، و لها اعتباران:
اعتبار انفسها، و اعتبار اضافتها العارضة لها، فبالاعتبار الأول عين الذات الآلهية لا تابعة لها؛ بل هي متبوعة، و بالاعتبار الثاني العلم و سائر الصفات الاضافية كالقدرة و الارادة تابعة لما تضاف اليه؛ و للعلم اعتبار آخر ليس لسائر الصفات الاضافية هو حصول صور الأشياء فيه التي عبّر عنه بالكمالات تارة و باعتبار، و بالشئون الذاتية تارة و باعتبار، و بالشئون الالهية و الاسماء و صورها تارة و باعتبار و نفس الأمر عين علمه- تعالى- بهذا الاعتبار. فالجواب ينشعب بشعبتين: اوليهما في بيان ان الصفات مطلقا يعتبر فيها الاعتباران، و ثانيتهما في بيان أن العلم خاصة له اعتبار ليس لغيره من الصفات فهو بهذا الاعتبار عبارة عن نفس الامر و هو عين الذات، فتبصرّ.
و منها قوله: «و جعل بعض العارفين العقل الأول عبارة عن نفس الأمر حق الخ» و العقل الأول هو الاسم العليم في الحقيقة و هذا العارف جعل العقل الاول عبارة عن نفس الامر لكون علمه مطابقا لما في علم اللّه- تعالى- فالملاك عن نفس الامر هو العلم الذاتي الحاوي لصور الاشياء كلها و هذا هو الاصل.
قوله و كذلك النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ، أي و هي أيضا عبارة عن نفس الامر لكون علمها مطابقا لما في علم اللّه- تعالى- فالملاك أيضا هو العلم الذاتي. و هذا الكلام في نفس الامر جار في عالم المثال ايضا من انه عبارة عن نفس الامر لكونه مطابقا لما في علم اللّه- تعالى- فحصل أن نفس الأمر يعبر عن كل واحد منها بذلك الاعتبار.
تبصرة
: انت بما حققنا في بيان الوجود الصمدي المساوق للحق دريت أن ما هو الاول و الآخر و الظاهر و الباطن متحقق مع جميع شئونه النورية و مجالى اسمائه الحسنى و مظاهر صفاته العليا بوجوده الحقاني فالوجود حق و ما صدر عنه حق و له نفسية و ليس امر من الأمور النورية الوجودية الا و له نفسية و واقعية و هو حق محض و صدق طلق فنفس الامر في مراتبه النورية ليست الا حقّا و لا يتطرق الكواذب و الاعتباريات المختلفة من الوهم و الخيال الى الحق و شئونه، و رسالتنا الموسومة بأنه الحق تفيدك في المقام جدّا.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 514
تبصرة
: ذهبت الأشاعرة الى القول بالكلام النفسي. قال الشهرستاني في الملل و النحل: «قال ابو الحسن الأشعري: الباري- تعالى- متكلم بكلام و كلامه واحد، و العبارات و الألفاظ المنزلة على لسان الملائكة الى الأنبياء عليهم السلام دلالات على الكلام الأزلي و الدلالة مخلوقة محدثة و المدلول قديم أزلي». الخ‏
أقول: فأن أراد بالكلام النفسي علمه الأزلى الذاتي البسيط الأحدي القرآني الجمعي كما يشعر به قوله: «و كلامه واحد»، و باللفظي الفرقان المخلوق الكتبي أو اللفظي،- حتى تكون الصورة الأولى نفسية الصورة الثانية- فله وجه وجيه، و إلّا فلا فائدة في قيل و قال. و الايراد المهمّ في هذا التوجيه هو أن الأشاعرة جعلت الكلام النفسي مقابل العلم فلا يصحّ بناء الكلام النفسي على العلم و تصحيحه. إلا أن يكون مرادهم من العلم العلم التفصيلي الموافق للفرقان، و مرادهم من الكلام النفسي علمه القرآني الجمعي.
و أما ما قاله صاحب كشف المراد من أن المحقق الطوسي في حل الأشكال لم يأت بمقنع فقد قال الدواني في حلّه كما في الاسفار «1»: «إن شأن العقل الفعال في اختزان المعقولات مع الصوادق الحفظ و التصديق جميعا، و مع الكواذب الحفظ دون التصديق أي الحفظ على سبيل التصور دون الإذعان لبرائته عن الشرور و الاسواء التي هي من توابع المادة».
أقول: الظاهر أن مراده المستفاد من تفسيره بقوله أي الحفظ على سبيل التصور الخ، أن الكواذب منها مختزنة فيه بحسب وجوداتها العارية عن الكذب حقيقة فإن الكواذب من الشرور و الاسواء التي من توابع المادة. مثلا النكاح و السفاح من حيث وجودهما الخارجي على صورة واحدة، و الشرّ إنما نشأ من جهة أخرى ليست بسنّة فطرّية إلهية و صورتهما العلمية الوجودية النفس الأمرية ليست بشر، و لعل وجه التعبير عن التصديق و الحفظ يكون على هذا البيان فعلى هذا لا يرد ما اورد عليه في صاحب الاسفار؛ بل لا يبعد أن يكون ما أفاده- قدّس سره- في تحقيقه الرشيق في حل الأشكال راجعا الى ما قاله الدواني ايضا. فدونك ما اورد عليه في حلّ الاشكال اولا:
قال- قدّس سرّه- بعد نقل كلام الدّواني المذكور آنفا، ما هذا لفظه: «و فيه ما لا يخفى من الخلل و القصور: أما أولا فلأن ما في العقل الفعال هو أشدّ تحصّلا و أقوى ثبوتا ممّا
__________________________________________________
(1). المصدر، ج 3، ص 171.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 515
في أذهاننا فاقتران الموضوع للمحمول اذا حصل في اذهاننا فربما كان الاقتران بينهما اقترانا ضعيفا، و ارتباط أحدهما بالآخر ارتباطا متزلزلا، و ذلك لضعف سببه و كاسبه و دليله حيث لم يكن الأقتران بينهما من برهان ذي وسط لمي أو من تحدس أو حس أو تجربة أو غير ذلك فيكون الحكم منّا باقترانهما غير قاطع فهو شك أو وهم و ربما كان الواقع بخلافه فيكون حكما كاذبا؛ و أما اذا اقترن الموضوع بالمحمول في العقل الفعال فيكون اقتران احدهما بالآخر اقترانا مؤكّدا ضروريا حاصلا عن اسباب وجودهما على هذا الوجه كاقتران أحدهما بالآخر في الظرف الخارج و ليس مصداق الحكم إلّا عبارة عن اقتران الموضوع بالمحمول أو اتحادهما في نحو من الوجود في الواقع.
و أما ثانيا فلأن التصور و التصديق كما تقرر و تبين في مقامه انما هو نوعان من العلم الأنطباعي الحادث في الفطرة الثانية فأما علوم المبادي العالية و علم الحق الاول جل ذكره فليس شي‏ء منهما تصوّرا و لا تصديقا فان علوم المبادي كلّها عبارة عن حضور ذواتها العاقلة و المعقولة بانفسها و حضور لوازمها الوجودية بنفس حضور ذواتها الثابتة لذواتها من غير جعل و تأثير مستأنف و تحصيل ثان حسبما قررناه كعلمنا بذاتنا و لوازم ذاتنا الغير المنسلخة عنّا بحسب وجودنا العيني و هوّيتنا الادراكية التي هي عين الحيوة و الشعور».
اقول: قوله حاصلا عن أسباب وجودهما على هذا الوجه، يعني على هذا الوجه المؤكد. و قوله من العلم الانطباعي يعني به الانفعالي الارتسامي ثم إنّ الدواني لا ينكر أن ما في العقل الفعّال أشدّ حصولا و آكد و أقوى ثبوتا ممّا في أذهاننا، و التعبير بالإختزان على سبيل التصور بيان لتقرّرها فيه على وجودها الأحدي البسيط الذي هو عين الحيوة و الشعور، لا التصور المقابل للتصديق المصطلحين في الميزان، و لا يتفوّه مثل الدواني بما اورده هو- قدّس سره الشريف- عليه.
ثم قال في تحقيق المقال في حلّ الإشكال ما هذا لفظه الجميل:
«و أما حلّ الإشكال و حق المقال فيه على وجه يطمئن به القلب و يسكن إليه النفس فهو يستدعي تمهيد مقدمة هي أن كل ملكة راسخة في النفس الانسانية سواء كانت من باب الكمالات أو الملكات العلمية أو من باب الملكات أو الكمالات العملية كملكة الصناعات التي يحصل بتمرّن الاعمال و تكرر الأفعال كالكتابة و النجارة و الحراثة و غيرها فهي إنما تحصل بارتباط خاصّ من النفس بالعقل الفعال لأجل جهة فعلية من الجهات الموجودة فيه لأن الانواع المختلفة لا تكفي في تكثرها و وجودها تكثر القوابل أو تكثر



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 516
جهاتها القابلية بل يحتاج الى مبادي متعددة عقلية كما رآه الافلاطونيّون من ان علل الانواع المتكثرة في هذا العالم عقول متكثرة هي أربابها، و أمّا إلى جهات متعددة فاعلية في العقل الأخير كما هو رأى المشائين. و بالجملة فجميع الكمالات الوجودية في هذا العالم مبدأها و منشأها من حيث كونها أمرا وجوديا من ذلك العالم سواء سميت خيرات أو شرورا إذ الشرور الوجودية شريّتها راجعة إلى استلزامها لعدم شي‏ء آخر أو زوال حالة وجودية له و هي في حدّ نفسها و من جهة وجودها تكون معدودة من الخيرات كالزنا و السرقة و نظائرهما، و منها الجهل المركب و الكذب فكل منهما في نفسه أمر وجودي و صفة نفسانية يعد من الكمالات لمطلق النفوس بما هي حيوانيّة و إنما يعدّ شرا بالاضافة الى النفس الناطقة لمضادّتها لليقين العلمي الدائم و لملكة الصدق فان الأول خير حقيقي و الثاني نافع في تحصيل الحق.
فاذا تمهدت هذه المقدمة فنقول: لا يلزم أن يكون ما بازاء كل ملكة نفسانية أو امر وجودي في العقل الفعال او في عالم العقل هو بعينه من نوع تلك الملكة او ذلك الامر؛ بل الذي لا بد منه هو أن يكون فيه أمر مناسب لتلك الملكة أو لذلك الأمر، فاذن كما أن النفس اذا تكررت ملاحظتها لعلوم صادقة حقة حصلت لها ملكة الاتصال و الارتباط بشأن من شئون العقل الفعّال متى شاءت من هذه الجهة فكذلك اذا ارتسمت فيها صورة قضية كاذبة و تكرر ارتسامها أو التفتت النفس اليها التفاتا قويا حصلت لها ملكة الاتصال من هذه الجهة بشان آخر من شئونه متى شاءت و لا يلزم أن يكون ذلك الشأن بعينه قضية ذهنية صادقة، و لا هذا قضية كاذبة؛ بل امرا يناسب ذاك و امرا يناسب هذا، فهذا معنى اختزان صور الاشياء في عالم العقل و استرجاع النفس اليه.
و قد اشرنا لك مرارا ان ليس معنى حصول صور الموجودات في العقل البسيط ارتسامها فيه على وجه الكثرة المتمائزة بعضها عن بعض كما أنّ صورها المحسوسة ترتسم في المادة الجسمانية، و كذا صورها النفسانية التفصيلية التي ترتسم في النفس الخيالية على هذا الوجه و ذلك لضيق هذا العالم و ما يتعلق به من المشاعر عن الحضور الجمعي و التمام العقلي و البرائة عن العدم و الغيرية و الكثرة و الإنقسام».
اقول: قوله: «من حيث كونها امرا، وجوديا من ذلك العالم»، أي من ذلك العالم العقلي قوله الاول خير حقيقي أي اليقين، و الثاني نافع أي ملكة الصدق. و قوله من هذه الجهة بشأن آخر، أي من جهة تكرر ملاحظتها بعلوم صادقة.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 517
ثم ان قوله: كما رآه الافلاطونيون، و قد استوفينا الكلام عن هذا المطلب الرفيع المنيع في رسالتنا المصنوعة في المثل الآلهية. و قوله: «و اما الى جهات متعددة فاعلية في العقل الأخير كما هو رأي المشائين»، قد دريت اطلاقات العقل الفعال السائر في السنتهم.
قوله: «و قد اشرنا لك مرارا» آه و بذلك التحقيق الانيق يعلم أن ما قال الفخر الرازي أن العقل الفعال عندهم علة لحدوث الالوان و الصور و المقادير مع عدم اتصافه بها- كما نقله عنه المحقق الطوسي في آخر الفصل الثالث عشر من النمط الثالث من شرحه على الاشارات- ليس على ما ينبغي؛ بل هو رأي فائل و قول باطل فان الكثرة بوجودها الأحديّ موجودة في خزائنها.
ثم بما حققناه في معنى نفس الأمر دريت أن نفس الأمر على بعض وجوه معانيها تشمل الواجب- تعالى- ايضا لو تفوّهنا و قلنا مثلا إن الأمر في الحق- سبحانه- نفسه كذا، أو الحق- تعالى- نفسه الأمرية كذا، و نحوهما من التعبيرات الأخرى. و ذلك الوجه هو نفس الأمر بمعنى ذات الشي‏ء و حقيقته دون غيره من الوجوه الأخرى.
و قالوا «إن نفس الأمر أعم من الخارج مطلقا، و من الذهن من وجه؛ اذ كلّ ما في الخارج فهو في نفس الأمر من غير عكس، و ليس كلّ ما في الذهن فهو في نفس الأمر، اذ بعض ما هو في الذهن إنما هو بمجرد فرض الفارض لا غير كزوجيّة الخمسة مثلا، و ليس جميع ما هو في الذهن دون الخارج بمجرد فرض الفارض اذ بعض ما في الذهن ليس بمجرد فرض الفارض؛ بل له نفسية كجنسية الحيوان مثلا، و بين الخارج و الذهن عموم من وجه فان انيّة الواجب مثلا لا يمكن ان يحصل في ذهن من الأذهان».
و اقول: الخارج في النسبة المذكورة هو الخارج عن وعاء الذهن، و أما الخارج بمعنى خارج الفرض و الاعتبار فلا يخفى عليك استنباط النسب بين نفس الأمر و الخارج و الذهن.
ثم ان هيهنا دقيقة اخرى في ان نفس الأمر اوسع من الواقع، و هي أن الامكان الوقوعي فرض وقوع الشي‏ء في كل عالم و نشأة على حسب ذلك العالم و تلك النشأة، فالإمكان الوقوعي هو نفسية الشي‏ء بحسب النشئات فيمكن أن يكون وقوعه في نشأة طورا، و في أخرى طورا آخر، فنفس الأمر لشي‏ء واحد له عوالم و نشئات عديدة. مثلا أنّ الرؤية لها في هذه النشأة نفسية، و في المنام لها نفسية، و في البرازخ الأخرى لها نفسية، و في المفارقات المرسلة لها نفسية، و في الوجود الواجب الصمدي لها نفسية. فالرؤية لها



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 518
بحسب اعتبار ذاتها بذاتها ماهية، و لتلك الماهية في كل نشأة نفسية هي امكانها الوقوعي، فعلى هذا المعنى السامي تريهم يقولون: «ان نفس الامر اوسع من الواقع، و ذلك لأن الواقع ربما يكون واقعا في مرحلة الوجود و الحال له امكان الوقوع في المراحل التي قبلها و بعدها، فافهم.
و لعلّك بما قدّمناها و حررناها تقدر على ان تعلم ان كينونة الصور الكاذبة المخترعة من اختلاق الوهم و الخيال اعني العلم بها في المبادي العالية سيما مبدى‏ء المبادي على أي نحو كانت فان العلم بها حاصل لهم بلا امتراء، فتدبر. و رسالتنا في العلم مجدية في ذلك، و الفصل الثالث من فصول شرح القيصري على فصوص الحكم ناطق بأن الاعيان بحسب امكان وجودها في الخارج و امتناعها فيه تنقسم الى قسمين: الأول الممكنات، و الثاني الممتنعات و هي قسمان:
قسم يختص بفرض العقل ايّاه كشريك الباري و اجتماع النقيضين و الضدّين في موضوع خاص و محلّ معين و غيرها، و هي امور متوهمة ينتجها العقل المشوب بالوهم؛ و علم الباري جلّ ذكره يتعلق بهذا القسم من حيث علمه بالعقل و الوهم و لوازمهما من توهّم مالا وجود له و لا عين، و فرضهما ايّاه، لا من حيث إن لها ذواتا في العلم، او صورا أسمائية و الّا يلزم الشريك في نفس الامر و الوجود. قال الشيخ (رض) في الباب الثالث و السبعين من الفتوحات: «فلم يكن ثمة شريك له عين اصلا؛ بل هو لفظ ظهر تحته العدم المحض فانكرته المعرفة بتوحيد اللّه الوجودي فيسمّى منكرا من القول و زورا.
و قسم لا يختص بالفرض؛ بل هي امور ثابتة في نفس الامر موجودة في العلم لازمة لذات الحق، الخ» «1».
اقول: ما أتى به في الفصل قول فصل و نطق بالصواب. و مثله ما أفاد في الفرق بين الذهول و النسيان من أن للنفس في الأول ملكة الإقتدار على تصوير الصور الخيالية من غير افتقار إلى إحساس جديد أو غيره، بخلاف الثاني فيحتاج فيه إلى ذلك أو ما هو بمنزلته كالعلامات الدّالة (ج 1 ط 1 ص 74) و قد حان أن نختم الرسالة حامدين للّه ولي الأمر.
و قد فرغنا من تصنيفه و تنميقه يوم الاربعاء الخامس من ربيع الثاني من سنة 1406 ه ق 27- 9- 1364 ه ش، و آخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين.
__________________________________________________
(1). شرح القيصري على فصوص الحكم، ط 1، ص 18.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 519
عين في علمي الحصولي و الحضوري للنفس (35)
له- و من تلك العيون المحصّلة البحث عن العلم الحصولي و الحضوري للنفس.
فنقول: علم النفس مطلقا حضوري و ما من الصور العلمية التي هي مرايا للخارج فهو بهذا الاعتبار حصولي و مقسم للتصور و التصديق و ان كان بحسب جوهر ذاته و تحقق نوريته و صيرورته عين النفس حضوريّا. و ليس من شرط حصول شي‏ء لشي‏ء ان يكون حالا فيه أو وصفا له بل قد يكون كذلك.
قال المتاله السبزواري في اللئالي: العلم حصولي و حضوري: و الحصولي هو الصورة الحاصلة من الشي‏ء عند العقل، و الحضوري هو العلم الذي هو عين المعلوم لا صورته و نقشه كعلم المجرد بذاته او بمعلوله كعلم الحق- تعالى- بمعلولاته عند المحققين، و ليس بتصور و لا بتصديق لأنّ مقسمهما العلم الحصولي.
و في الفصل الثاني من الباب الثاني من نفس الاسفار: «العلم الحصولي صورة كلّية و مقوماتها ايضا امور كلّية. و العلم الحضوري هوية شخصية غير محتاج الحصول الى تقدم معنى جنسي او فصلي» «1».
و في الفصل الأول من الموقف الثالث من الهيات الأسفار: «ان الذي يطلق عليه اسم المعلوم، قسمان؛ أحدهما هو الّذي وجوده في نفسه هو وجوده لمدركه و صورته العينية هي بعينها صورته العلمية و يقال له المعلوم بالذات.
__________________________________________________
(1). الأسفار، ط 1، ج 4، ص 10.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 520
و ثانيهما هو الذي وجوده في نفسه غير وجوده لمدركه و صورته العينية ليست هي بعينها صورته العلمية و هو المعلوم بالعرض.
فاذا قيل: العلم عبارة عن الصورة الحاصلة عن الشي‏ء عند المدرك اريد بالمعلوم به الأمر الخارج من القوة المدركة كالسماء و الارض و البيت و الحجر و الشجر و الفرس و الانسان و سائر الماديات و أحوالها. و كثيرا ما يراد من الخارج في كلامهم نفس الامر، فتدبر.
و اذا قيل: العلم عبارة عن حضور صورة شي‏ء للمدرك عنى به العلم الذي هو نفس المعلوم لا شي‏ء غيره. و في كل من القسمين المعلوم بالحقيقة و المكشوف بالذات هو الصورة التي وجودها وجود نوري ادراكي خالص عن الغواشي المادية غير مخلوط بالأعدام و الظلمات» «1».
و أيضا في هذا الفصل المذكور: «كما أن العلم بالشي‏ء قد يكون صورة ذهنيّة كما في علمنا بالأشياء الخارجة عنّا علما عقليّا و ذلك العلم لا محالة امر كلي و ان تخصصت بالف تخصّص، فكذلك قد يكون امرا عينيا و صورة خارجية كما في علمنا بنفسنا و بصفاتنا اللازمة فانا ندرك ذواتنا بعين صورتنا التي نحن بها نحن لا بصورة زائدة عليها، فان كل انسان يدرك ذاته على الوجه الذي يمتنع فيه الشركة. و لو كان هذا الادراك بصورة حاصلة في نفسنا فهي تكون كلّية، و ان كانت مجموع كلّيات جملتها تختص بذات واحدة اذ مع ذلك لا يخرج نفس تصوره عن احتمال الصدق على كثيرين» «2».
اقول: جملة الأمر في العلم الحصولي و الحضوري على ما هو المحقق في الحكمة المتعالية و الصحف العرفانية أن العلم مطلقا و ان كان من حيث إنه متّحد بالعالم وجودا حضوري و لكن العلم الذي أنشأه النفس على وزان المعلوم الخارجي و هو حاك عنه و مرآة له فهو يسمّى بهذا اللحاظ أعني محاكاته الخارج علما حصوليا، و وجودا ذهنيا أيضا فالوجود الذهني هو حصول صورة الشي‏ء عند النفس محاكية عنه فالعلم الحضوري هو عين المعلوم بخلاف الحصولي فانه محاك عن الخارج و تفصيل البحث عن ذلك الوجود و كذا نقل‏
__________________________________________________
(1). المصدر، ج 3، ص 31.
(2). المصدر، ج 3، ص 32.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 521
الشواهد في ذلك محرر في تعاليقنا على المبحث الوجود الذهني من الأسفار، و في رسالتنا «النور المتجلّي في الظهور الظلّي» أيضا.
اعلم أنّ المعلوم بالذات هو الصورة النورية المتحققة في حاق ذاتك، و أما المعلوم بالعرض هو الشي‏ء الخارج عنك لا مطلقا؛ بل من حيث إنه محكي تلك الصورة المعلومة بالذات، أي وقع بين النفس و بينها نحو اضافة و نسبة. فليطلب تفصيل البحث عنه من الأسفار «1» و من تعليقاتنا على تلك المواضع. و ان شئت فراجع الى الدرس الحادي عشر من كتابنا اتحاد العاقل و المعقول «2».
فبما قدمنا دريت أن الحصولي حضوري محاك، و الحضوري غير محاك لانه عين المعلوم، و الأول مقسم التصور و التصديق بخلاف الثاني.
و اعلم أن العلم الحضوري الذي يقول به اهل الحكمة الذائعة من أن نفس الصورة المنتزعة من الاشياء الخارجية حاضرة عند النفس من دون اتحادها بالعالم فهو بمعزل عن التحقيق، و التحقيق أن معنى كون العلم حضوريا أن تلك الصورة منشأة بانشاء النفس و صارت نور حاق هوّيتها و اتّحدت بها وجودا على التفصيل في مصدريتها و مظهريتها فراجع الى الدرس السادس من كتابنا في الاتحاد «3».
و ممّا حررّنا في ذلك الدرس هو أن الجمهور ذهبوا إلى أن علم النفس بالأشياء الخارجية ارتسامي، أي الأشياء معلومة لها بالعرض و صورها معلومة لها بالذات لا أنها أيضا معلومة لها بالعلم الإرتسامي أي بالعرض أيضا حتى يكون للصور صور أخرى و هلّم جرّا؛ فعلم النفس بتلك الأشياء الخارجية يكون ارتساميا، و بصورها حضوريا أي إنّ نفس صورها حاضرة لدى النفس.
و أما على مشرب التحقيق في الحكمة المتعالية ألذي عليه صدر المتألهين فمعنى كون العلم حضوريا أن تلك الصورة صارت راسخة في متن جوهر النفس بشراشرها و نافذة في ذات هويتها حتى يصير العلم عين النفس و نور حاق هويّتها كما تفطّن به القائلون باتحاد العاقل بالمعقول بل المدرك بالمدرك مطلقا، على أنّ العلم على هذا المشرب المتعالي ليس إلّا
__________________________________________________
(1). الأسفار، ط 1، ج 2، ص 40- 65. و ج 4، 40- 42.
(2). دروس اتحاد العاقل بمعقوله، ط 1، ص 208، تبصرة.
(3). المصدر، ص 111- 130.



عيون مسائل النفس-سرح العيون في شرح العيون، النص، ص: 522
حضوريّا.
و أما العلم الحضوري الذي يقول به أهل الحكمة الذائعة في علم النفس بالصور المنتزعة من الأشياء الخارجية المادية من أن نفس الصورة حاضرة عند النفس من دون الإتحاد فهو بمعزل عن التحقيق، لأنّ ذات النفس على هذا القول غير بصيرة و ليست ذات عين، لأن نور العلم لم يصر عينه كالبياض على الجدار، و لا يخفى أن متن الجدار عار عن البياض و هو ليس بأبيض واقعا و ذاتا، و لست أدري أن النفس العمياء على هذا القول كيف ترى هذه الصورة المجرّدة العلمية و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور؟!