بسم الله الرحمن الرحیم
معجم علوم القرآن، ص 116
و ترأس عثمان نفسه هذه اللجنة للاضطلاع بهذه المهمة الجسيمة. و قد وضعت أهداف لهذه اللجنة من أهمها: كتابة القرآن على لسان قريش، و في ذلك قال عثمان للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم و زيد في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم. و أراد عثمان جمع الناس على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم وفق العرضة الأخيرة.
المیزان فی احکام القرآن، ص 23
منشأ القراءات: أراد عثمان رضي اللّه عنه أن يوحد المسلمين على مصحف واحد يرسم بطريقة تتلاءم مع الحروف السبعة التى نزل بها القرآن، و ما لا يحتمله الرسم كتبه فى نسخة بقراءة، و فى الأخرى بقراءة أخرى، و لم يكرره فى النسخة الواحدة لدفع توهم التكرار، فإن لكل منهما وجها من غير تكرار و لم يكتب أحدهما فى الأصل، و الثانى فى الحاشية لأن فى ذلك ترجيحا بلا مرجح، و لدفع توهم أن تكون الكلمة فى الأصل غير صحيحة و التى فى الحاشية هى تصحيح لها. و قد ذهب جمهور العلماء إلى أن المصاحف العثمانية بمجموعها متضمنة برسمها ما ثبت من القراءات المتواترة فى العرضة الأخيرة محتملة للأحرف السبعة و أرسل مع كل نسخة إماما عدلا ضابطا. فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمصحف المدنى، و أرسل عبد اللّه بن السائب مع المصحف المكى، و المغيرة بن أبى شهاب المخزومى مع الشامى، و أبا عبد الرحمن السلمى مع المصحف الكوفى، و عامر بن عبد القيس مع المصحف البصرى. و قد أرسل عثمان رضي اللّه عنه جماعة من قراء الصحابة يعلمون الناس القراءة بالتلقين و قد تغايرت قراءاتهم بتغاير رواياتهم. كما أن المصاحف العثمانية لم تكن ملزمة بقراءة معينة دون الأخرى لخلوها من النقط و التشكيل، بحيث تحتمل عند التلقين الوجوه المروية. و قد تمسك أهل كل مصر من الأمصار بما تلقوه سماعا من الصحابى الذى أقرأهم، و تركوا ما عداه، و كان هذا منشأ القراءات و ظهور الخلاف. و بعد فترة من الزمن مضى جيل الصحابيين، و قام مقامهم جيل التابعين، ثم تفرغ جماعة «للقراءة و الإقراء» حتى صاروا أئمة يقتدى بهم و تعتمد رواياتهم فنسبت القراءة إليهم» . فلما كان القرن الرابع اشتهر الحافظ أبو بكر البغدادى و هو أول من أفرد القراءات السبعة فى كتاب و اختار فيه أشهر سبعة من أئمة القراءة فى عصره.
اذهاب الحزن، ص 457
و هذا الاختلاف و التغليط في أحرف القران حدث في زمن عثمان بن عفان فإن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك الناس قال: و ما ذاك؟ قال: غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرؤون بقراءة أبى بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، و إذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد اللّه بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفر بعضهم بعضا فأراد عثمان أن يبين للناس جواز القراءة بذلك كله دون إنكار أو مراء، و لذا استشهد الناس على سماعهم حديث الأحرف السبعة، كما جاء عن أبي المنهال سيار بن سلامة قال: بلغنا أن عثمان قال يوما - و هو على المنبر -: أذكر اللّه رجلا سمع النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «أنزل القران على سبعة أحرف كلها شاف كاف» لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «أنزل القران على سبعة أحرف كلها شاف كاف» فقال عثمان رضي اللّه عنه: و أنا أشهد معهم . و علمهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم قواعد جامعة في هذا الباب: فسمع صلّى اللّه عليه و سلم قوما يتمارون في القران فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض و إنما ترك كتاب اللّه يصدق بعضه بعضا و لا يكذب بعضه بعضا، ما علمتم منه فقولوا و ما جهلتم فكلوه إلى عالمه» ، و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «نزل القران على سبعة أحرف، المراء في القران كفر ثلاث مرات فما علمتم فاعملوا به و ما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» .
اصول التفسیر، ص 425-426
قال الإمام أبو طالب القيسي في «الإبانة عن معاني القراءات»: «فإن سأل سائل فقال: هل القراءات التي يقرأ بها الناس اليوم، و تنسب إلى الأئمة السبعة كنافع و عاصم و أبي عمرو، و شبههم، هي السبعة الأحرف، التي أباح النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم القراءة بها، و قال: «أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرأوا بما شئتم»، أو هي بعضها أو هي واحدة منها؟ فالجواب عن ذلك: أن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، و صحت روايتها عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و وافق اللفظ بها خطّ المصحف، مصحف عثمان، الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه، و اطّرح ما سواه، مما يخالف خطه، فقرىء بذلك، بموافقة الخط، لا يخرج شيء منها عن خط المصاحف التي نسخها عثمان رضي اللّه عنه، و بعث بها إلى الأمصار، و جمع المسلمين عليها، و منع من القراءة بما خالف خطها، و ساعده على ذلك زهاء اثني عشر ألفا من الصحابة و التابعين، و اتبعه على ذلك جماعة المسملين بعده، و صارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة و خطأ، و إن صحت و رويت. و كان المصحف قد كتب على لغة قريش، على حرف واحد، ليزول الاختلاف بين المسلمين في القرآن، و لم ينقط و لم يشكل، فاحتمل التأويل لذلك. و إذا كان المصحف بلا خلاف كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و على لغة واحدة - أي: لهجة واحدة - و القراءة التي يقرأ بها، و لا يخرج شيء منها عن خط المصحف، فليست هي إذا هي السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن كلها، و لو كانت هي السبعة كلها و هي موافقة للمصحف، لكان المصحف قد كتب على سبع قراءات، و لكان عثمان رضي اللّه عنه قد أبقى الاختلاف الذي كرهه. و إنما جمع الناس على المصحف ليزول الاختلاف، فصح من ذلك أن الذي يقرأ به الأئمة، و كل ما صحّت روايته، مما يوافق خط المصحف، إنما هو كله حرف من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و وافق لفظها على اختلافه خطّ المصحف، و جازت القراءة بذلك، إذ هو غير خارج عن خط المصاحف التي وجّه بها عثمان إلى الأمصار، و جمعهم على ذلك، و سقط العمل بما يخالف خط المصحف من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، بالإجماع على خط المصحف. فالمصحف كتب على حرف واحد، و خطه محتمل لأكثر من حرف، إذ لم يكن منقوطا و لا مشكّلا قال الإمام أبو طالب القيسي في «الإبانة عن معاني القراءات»: «فإن سأل سائل فقال: هل القراءات التي يقرأ بها الناس اليوم، و تنسب إلى الأئمة السبعة كنافع و عاصم و أبي عمرو، و شبههم، هي السبعة الأحرف، التي أباح النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم القراءة بها، و قال: «أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرأوا بما شئتم»، أو هي بعضها أو هي واحدة منها؟ فالجواب عن ذلك: أن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، و صحت روايتها عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و وافق اللفظ بها خطّ المصحف، مصحف عثمان، الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه، و اطّرح ما سواه، مما يخالف خطه، فقرىء بذلك، بموافقة الخط، لا يخرج شيء منها عن خط المصاحف التي نسخها عثمان رضي اللّه عنه، و بعث بها إلى الأمصار، و جمع المسلمين عليها، و منع من القراءة بما خالف خطها، و ساعده على ذلك زهاء اثني عشر ألفا من الصحابة و التابعين، و اتبعه على ذلك جماعة المسملين بعده، و صارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة و خطأ، و إن صحت و رويت. و كان المصحف قد كتب على لغة قريش، على حرف واحد، ليزول الاختلاف بين المسلمين في القرآن، و لم ينقط و لم يشكل، فاحتمل التأويل لذلك. و إذا كان المصحف بلا خلاف كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و على لغة واحدة - أي: لهجة واحدة - و القراءة التي يقرأ بها، و لا يخرج شيء منها عن خط المصحف، فليست هي إذا هي السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن كلها، و لو كانت هي السبعة كلها و هي موافقة للمصحف، لكان المصحف قد كتب على سبع قراءات، و لكان عثمان رضي اللّه عنه قد أبقى الاختلاف الذي كرهه. و إنما جمع الناس على المصحف ليزول الاختلاف، فصح من ذلك أن الذي يقرأ به الأئمة، و كل ما صحّت روايته، مما يوافق خط المصحف، إنما هو كله حرف من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، و وافق لفظها على اختلافه خطّ المصحف، و جازت القراءة بذلك، إذ هو غير خارج عن خط المصاحف التي وجّه بها عثمان إلى الأمصار، و جمعهم على ذلك، و سقط العمل بما يخالف خط المصحف من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، بالإجماع على خط المصحف. فالمصحف كتب على حرف واحد، و خطه محتمل لأكثر من حرف، إذ لم يكن منقوطا و لا مشكّلا
التمهید، ج 1، ص 357-358
كانت المصاحف العثمانية خلوا عن كلّ علامة مائزة بين الحروف المعجمة و الحروف المهملة، وفق طبيعة الخطّ الذي كان دارجا عند العرب آنذاك. فلا تمييز بين الباء و التاء، و لا بين الياء و الثاء. و لا بين الجيم و الحاء و الخاء. و هكذا كان مجردا عن الحركة و الإعراب... و كان على القارئ بنفسه أن يميز بينهما عند القراءة حسب ما يبدو له من قرائن. كما كان عليه أن يعرف هو بنفسه وزن الكلمة و كيفيّة إعرابها أيضا. و من ثم كانت قراءة القرآن في الصدر الأوّل موقوفة على مجرّد السماع و النقل فحسب. و لو لا الإسماع و الإقراء كانت القراءة في نفس المصحف الشريف ممتنعة تقريبا. مثلا: لم تكن كلمة «تبلو» تفترق في المصحف عن كلمة «نبلو» أو «نتلو» أو «تتلو» أو «يتلو»... و هكذا كلمة «يعلمه» لم تكن تتميّز عن كلمة «تعلمه» أو «نعلمه» أو «بعلمه».. و هكذا قوله: «لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً» ربّما قرأه بعضهم: «لمن خلقك». و فيما يلي أمثلة واقعيّة، اختلفت القراءة فيها، مغبّة خلوّ المصاحف من النقط: «ننشزها». «ننشرها». «تنشرها» . «يعلمه». «نعلمه» . «تبلو». «تتلو» . «ننجّيك». «ننحيك» . «لنبوّئنّهم». «لنثوينّهم». «لنبوينهم» . «نجازي». «يجازي» . «فتبيّنوا». «فتثبتوا» . الى غيرها من أمثلة و هي كثيرة.
هذا... و خلوّ المصاحف الأوّلية من علائم فارقة، كان عمدة السبب في اختلاف القراءات فيما بعد. إذ كان الاعتماد على الحفظ و السماع، و بطول الزمان ربّما كان يحصل اشتباه في النقل أو خلط في السماع، ما دام الإنسان هو عرضة للنسيان، و الاشتباه حليفه مهما دقّق في الحفظ، لو لم يقيده بالكتابة. و من ثم قيل: ما حفظ فرّ و ما كتب قرّ. أضف الى ذلك تخلخل الأمم غير العربيّة في الجزيرة و تضخّم جانبهم مطردا مع التوسعة في القطر الإسلامي العريض. فكان على أعضاء المشروع المصاحفي في وقته أنّ يفكروا في مستقبل الامّة الإسلامية، و يضعوا علاجا لما يحتمل الخلل في قراءة القرآن قبل وقوعه. و لكن أنّى و روح الإهمال و التساهل كان مسيطرا تماما على المسئولين آنذاك.
هذا.. و قد أغرب ابن الجزري، فزعم أنّ المسئولين آنذاك تركوا وضع العلائم عن عمد و عن قصد، لحكمة! قال: و ذلك ليحتمل الخطّ ما صحّ نقله و ثبتت تلاوته عن النبي (صلى اللّه عليه و آله) إذ كان الاعتماد على الحفظ و السماع لا على مجرد الخطّ . و وافقه الزرقاني على هذا التبرير المفضوح، قال: كانوا يرسمونه بصورة واحدة خالية من النقط و الشكل، تحقيقا لهذا الاحتمال . لكن لا مجال لهذا التبرير بعد أن نعلم أنّ الخطّ عند العرب حينذاك كان بذاته خاليا عن كلّ علامة مائزة. و كان العرب هم في بداءة معرفتهم بالخطّ و الكتابة، فلم يكونوا يعرفون من شئون الإعجام و التشكيل و سائر العلائم شيئا، لحدّ ذاك الوقت.
رسم المصحف، ص 121-123
و قد أشرنا إلى اختلاف آراء العلماء في ذلك بالنسبة للمصحف العثماني، و هو ما نحاول تجليته - هنا - و اتخاذ موقف واضح منه. و يمكن حصر مذاهب علماء السلف في هذه المسألة في ثلاثة اتجاهات : فقد ذهبت جماعات من الفقهاء و القراء و المتكلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة، و بنت ذلك على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الحروف السبعة التي نزل بها القرآن،
و ذهبت جماهير العلماء من السلف و الخلف و أئمة المسلمين - كما يقول ابن الجزري - إلى أن هذه المصاحف مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى اللّه عليه و سلم على جبريل، متضمنة لها لم تترك حرفا منها .
و من العلماء من ذهب إلى أن المصاحف العثمانية لا تشتمل إلا على حرف واحد . و بملاحظة الأسباب التي دفعت إلى توحيد المصاحف في خلافة عثمان نجد أن من المنطقي أن يأتي المصحف العثماني مكتوبا بطريقة واحدة، حسما للخلاف الذي نشأ عن اتساع الناس في رخصة الأحرف السبعة و ظهور الاختلاف في القراءة، و لما كان كل حرف من الأحرف السبعة غير محدد الأبعاد، و أن تلك الأحرف لا تجد تفسيرها إلا في الوجوه المختلفة للقراءة فإن بالإمكان القول: إن المصحف العثماني قد كتب على حرف واحد، أي: على لفظ واحد، فالكتبة حين يرسمون الكلمات لا يريدون إلا تمثيل نطق معين واحد، و بهذا فقط يمكن أن يحقق ذلك العمل أهدافه من جمع الناس على مصحف واحد، موحد الهجاء و القراءة. و نشير - هنا - إشارة إلى أن رسم المصحف العثماني قد يحتمل من وجوه الأحرف أو وجوه القراءات أكثر من وجه واحد، على أمل أنا سنفرد - إن شاء اللّه - فصلا كاملا عن علاقة القراءات بالرسم و كيف تطور الرسم العثماني الذي كتب - أصلا - لتمثيل قراءة واحدة ليحتمل وجوها من القراءات المتعددة، و كيف اتخذ الرسم شرطا مكملا لشروط القراءة الصحيحة. و كان محمد بن جرير الطبري قد نص - من قبل - أن المصحف العثماني قد كتب على حرف واحد. يقول : «فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية» و هو - بناء على فهمه للأحرف بأنها لغات سبع، في حرف واحد و كلمة واحدة، باختلاف الألفاظ و اتفاق المعاني - يرى أن «ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف و جره و نصبه، و تسكين حرف و تحريكه، و نقل حرف إلى آخر، مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم «أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف - بمعزل»» . و إنها داخلة في الحرف الذي كتب عليه المصحف العثماني. و ذهب مكي بن أبي طالب إلى نفس المذهب الذي قال به الطبري، و هو أن المصحف العثماني، كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، أي على لغة و قراءة واحدة . لكنه يختلف مع الطبري - و الحق معه - في فهم المقصود بالأحرف السبعة، فهي عند مكي وجوه القراءات المختلفة، سواء كان الخلاف بما يزيل الصورة (الخط) و يغيرها - و هو رأي الطبري - أم يشمل أيضا تغير الحركات و اختلاف الحروف بما لا يزيل صور الكلمات أو يغير ترتيبها، و هو بهذا يرى أن ما يقرأ من قراءات موافقة لخط المصحف داخلة في الأحرف السبعة. و مكي - رحمه اللّه - قد تفرد - تقريبا - في فهمه لعلاقة القراءات و الأحرف السبعة بالمصحف العثماني، مما سنشير إليه بعد قليل ثم نفصله في فصل لا حق.
رسم المصحف غانم قدوری، ص 193
4 - تفسير الزيادة و الحذف باحتمال القراءات: ذهب بعض الباحثين إلى أن المصحف العثماني كتب ليشتمل على الأحرف السبعة أو أنه جاء شاملا لما يحتمله رسمه منها - على نحو ما بينا ذلك سابقا - و بناء على ذلك فقد حاول بعض العلماء تعليل حذف و زيادة بعض الحروف، خاصة رموز حروف المد (الحركات الطويلة)، بأن المقصود منه أن تحتمل الكلمة ما ورد فيها من قراءات صحيحة، حتى جعل بعضهم من مزايا الرسم الدلالة على القراءات المتنوعة في الكلمة الواحدة ، ثم إن دارسي الرسم المتأخرين جعلوا أحد الفصول التي درسوا فيها ظواهر الرسم (ما فيه قراءتان فكتب على إحداهما) و قد اعتمد الجعبري كثيرا في شرحه للرائية على هذا الاتجاه في تعليل حذف و إثبات حروف المد و غير ذلك من الظواهر الرسمية ، فنجده يعقب مثلا على الظواهر التي يتحدث عنها بقوله (وجه حذف الألف احتمال القراءتين) أو (وجه الإثبات و الحذف احتمال القراءتين، فقراءة الياء في المرسوم بها قياسية و في محذوفها اصطلاحية) قال بذلك و هو يتحدث عن رسم كلمة (إبراهيم) في البقرة بغير ياء . و جعل اللبيب حذف الألف ثلاثة أنواع أحدها حذفها لأجل القراءات .
و قد بيّنا في فصل سابق الوجه الراجح في مسألة كتابة المصحف العثماني بأحد الأحرف السبعة و مسألة احتماله لأكثر من قراءة، و رجحنا - هناك - أن المصحف العثماني إنما كتب على قراءة معينة، أي أن رسم الكلمات جاء لتمثيل لفظ واحد و نطق معين، بغض النظر عن احتماله لأكثر من قراءة بسبب تجرد الكتابة آنذاك من الشكل و الإعجام، و من ثم فإن هذا الاتجاه في تعليل بعض ظواهر الرسم لا يقوم على أساس راجح - في نظرنا - بل إنه لا يختلف كثيرا عن الاتجاه القائل باختلاف أحوال الرسم لاختلاف المعاني في ضعف الأساس الذي بني عليه.
رسم المصحف، ص 203-205
رجحنا في الفصل الثاني أن المصحف العثماني كتب لتمثيل قراءة واحدة هي القراءة العامة المشهورة في المدينة بين الصحابة، و لكن لأسباب ترجع إلى تاريخ القراءات أصبح من غير اليسير - الآن - أن نتبين أصول تلك القراءة و مفرداتها، و يكون - لذلك - ما جاء موافقا للرسم من وجوه القراءات الصحيحة هو الذي يمكن أن يكون أساسا في دراسة الرسم من غير تخصيص وجه دون آخر لأن الكتبة إنما أرادوا لفظا واحدا، لكنا لا نعلم ذلك اللفظ بعينه، و من ثم جاز لنا أن نعتمد على أي وجه من وجوه القراءة مما يحتمله الرسم في تفسير الظواهر الكتابية و حل مشكلات الرسم مما تتوافر الدواعي على ترجيحه.
و لهذا الاتجاه أثر عملي في تفسير ظواهر الرسم على نحو ما سنرى في بحث رمز الهمزة - مثلا - إلى جانب الإسهام في استبعاد بعض الأمثلة عما خرج على القاعدة العامة مما نص الأئمة على زيادة حرف فيه أو نقصانه منه، و أوضح مثال على ذلك هو ما قيل من زيادة ألف في كلمة (ثمود) فقد جاءت الألف مرسومة بعد الدال في أربع آيات هي: ألا إنّ ثمودا كفروا ربّهم (68) [هود] و و عادا و ثمودا و أصحاب الرّسّ (38) [الفرقان] و و عادا و ثمودا (38) [العنكبوت] و و أنّه أهلك عادا الأولى (50) و ثمودا فما أبقى (51) [النجم]. و يفهم من قول علماء الرسم في هذه الألف أنها زائدة في هذه المواضع الأربعة . و لكن بالرجوع إلى قراءات الأئمة في هذه الكلمات نجد أن كلا من نافع و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و الكسائي قد قرأ الأربعة بالتنوين، و قرأ كل من حمزة و عاصم في رواية حفص بترك التنوين فيها ، و من ثم فإن هذه الألف ما هي إلا الألف التي كتبت في المصحف عوضا عن التنوين المفتوح ما قبله عند الوقف، و هي بذلك تدخل في القاعدة العامة للرسم في مثل تلك الحالة، و نحن لا نرجح - في هذا المجال - قراءة على أخرى، إنما نختار القراءة التي تساعد على تفهم الظاهرة، و يبقى بعد ذلك لكل قارئ أن يقرأ ما رواه عن أساتذته و شيوخه مما يرتفع إلى الصدر الأول، مما أقرأهم به النبي صلى اللّه عليه و سلم. و على أنه لا يجب الاقتصار في النظر إلى ظاهرة ما من ظواهر الرسم على ما جاء فيها من قراءات فحسب، فلعل بعض ظواهر الرسم ترجع إلى فترة تاريخية سبقت نسخ المصاحف، و احتفظت بها الكتابة على نحو ما بيّنا من أن الكتابة أكثر ميلا إلى الاحتفاظ بالظواهر اللغوية الزائلة من الاستعمال الفعلي، و من ثم فإن الاستعانة بأمثلة هجائية أو لغوية من خارج خط المصحف و ما ورد من قراءات أمر مقبول و يساعد على تفهم كثير من ظواهر الرسم و حل كثير من مشكلاته.
شرح طیبة النشر، ج 1، ص 505-506
و اعلم أن الهمزة و إن كان لها مخرج يخصها، و لفظ تتميز به، [فإنه لم يكن لها صورة تتميز بها] - كسائر الحروف - و لتصرفهم فيها بالتخفيف إبدالا، و نقلا، و إدغاما، و بين بين - كتبت بحسب ما تخفف به: فإن خففت بالألف أو كالألف، كتبت ألفا أو ياء، أو كالياء كتبت ياء أو واوا، أو كالواو كتبت واوا، أو تحذف بنقل أو إدغام أو غيره؛ حذفت، ما لم يكن أولا؛ فتكتب حينئذ ألفا إشعارا بحالة الابتداء، هذا قياس العربية و الرسم، و ربما خرجت مواضع عن هذا القياس [المطرد] لمعنى ، و هأنا أتلو عليك المواضع بأسرها، فمنها أصل مطرد: و هو كل همز متوسط متحرك بعد متحرك، و بعد الهمزة واو و ياء، نحو؛ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: 14]، اَلصّٰابِئُونَ [المائدة: 69]، و فَمٰالِؤُنَ [الصافات: 66]، و يَسْتَنْبِئُونَكَ [يونس: 53]، و لِيُطْفِؤُا [الصف: 8]، بِرُؤُسِكُمْ [المائدة: 6]، يَطَؤُنَ [التوبة: 120]، خٰاسِئِينَ [البقرة: 65]، اَلصّٰابِئِينَ [البقرة: 62]، مُتَّكِئِينَ [الكهف: 31]، فكان قياسه أن يرسم واوا أو ياء على الخلاف فى تسهيله، فلم يرسم له صورة؛ إما لأنه يلزم اجتماع المثلين، أو على لغة من يسقط الهمزة رسما، أو لاحتمال القراءتين إثباتا و حذفا.
شرح طبیة النشر، ج 1، ص 508
أى: أثبت [فى] الوقف - مراعاة للرسم - ألف اَلنَّشْأَةَ [العنكبوت: 20]، و واو كُفُواً [الإخلاص: 4]، و [ هُزُواً ] [البقرة: 67]، و يَعْبَؤُا [الفرقان: 77]، و ما سيذكر معه، البلؤا [الصافات: 106]، و اَلضُّعَفٰاءِ [التوبة: 91]، و ما سيذكر معها؛ لكونهما [على] صورة الهمزة . و هذا أيضا مما خرج عن القياس، فما خرج عن قياس المتحرك بعد ساكن غير ألف اَلنَّشْأَةَ : يَسْئَلُونَ [البقرة: 273]، و مَوْئِلاً [الكهف: 58]، اَلسُّواىٰ [الروم: 10]، و أَنْ تَبُوءَ [المائدة: 29]، و لِيَسُوؤُا [الإسراء: 7]، فصورت الهمزة فى الأحرف الخمسة، و كان قياسها الحذف؛ لأن قياس تخفيفها النقل، و ملحق بها كفؤا ، و هزؤا على قراءة حمزة و خلف. و المعنى الذى خرجت عن القياس لأجله:
أما «النشأة»: فكتبت بألف بعد الشين اتفاقا؛ لاحتمال القراءتين، فالألف فى قراءة أبى عمرو و موافقيه: صورة المد، و فى قراءة حمزة: صورة [الهمزة] . و أما «يسألون»: ففي بعض المصاحف بألف بعد السين، و فى بعضها بالحذف، فما كتبت فيه بألف؛ فهى ك «النشأة» لاحتمال القراءتين، فإن يعقوب فى رواية رويس قرأها بالتشديد و ألف، و ما كتبت فيه بالحذف ؛ فعلى قراءة الجماعة.
النشر، ج 1، ص 447-448
و كذلك حذفت فى رُؤْيٰاكَ ، و اَلرُّؤْيَا ، و رؤياى فى جميع القرآن فلم يكتب لها أيضا صورة لأنها لو صورت فى ذلك لكانت واوا و الواو فى الخط القديم الذى كتبت به المصاحف العثمانية قريبة الشكل بالراء فحذفت لذلك. و يحتمل أن تكون كتبت على قراءة الادغام أو لتشمل القراءتين تحقيقا و تقديرا و هو الاحسن و فى المفتوح ما قبلها فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا من سورة البقرة حذفت صورة الهمزة منه. و لو صورت لكانت الفا و كذلك حذفت الألف التى قبلها بعد الدال. و إنما حذفا اختصارا و تخفيفا أو أنهما لو كتبا لاجتمعت الأمثال فان الألف التى بعد الفاء ثابتة بغير خلاف تنبيها عليها لأنها ساقطة فى اللفظ بخلاف الآخرتين فانهما و إن حذفتا خطا فان موضعهما معلوم إذ لا يمكن النطق بالكلمة إلا بهما. و قال بعض ائمتنا فى حذفهما تنبيه على أن اتباع الخط ليس بواجب ليقرأ القارئ بالاثبات فى موضع الحذف، و بالحذف فى موضع الاثبات إذا كان ذلك من وجوه القراءات و كذلك حذفت صورة الهمزة من اِمْتَلَأْتِ فى أكثر المصاحف تخفيفا. و كذلك اِسْتَأْجِرْهُ ، و اِسْتَأْجَرْتَ فيما ذكره أبو داود فى التنزيل و كذلك يَسْتَأْخِرُونَ فى الغيبة و الخطاب. و استثنى بعضهم حرف الأعراف. و مما خرج من الهمز المتحرك بعد ساكن غير الألف النشأة فى الثلاثة المواضع و يَسْئَلُونَ عَنْ فى الأحزاب و مَوْئِلاً فى الكهف و اَلسُّواىٰ فى الروم، و أن تبوأ فى المائدة و لَيْسُوا فى سبحان فصورت الهمزة فى هذه الأحرف الخمسة و كان قياسها الحذف و أن لا تصور لأن قياس تخفيفها النقل و يلحق بها هُزُواً على قراءة حمزة و خلف و كُفُّوا على قراءتهما. و قراءة يعقوب فالنشأة كتبت بألف بعد الشين بلا خلاف لاحتمال القراءتين فهى قراءة أبى عمرو و من معه ممن مد صورة المدة و فى قراءة حمزة و من معه ممن سكن الشين صورة الهمزة و يَسْئَلُونَ اختلفت المصاحف فى كتابتها ففي بعضها بألف بعد السين و فى بعضها بالحذف فما كتبت فيه بألف فهى كالنشأة لاحتمال القراءتين فإنه قرأها بتشديد السين و المد يعقوب من رواية رويس و هى قراءة الحسن البصرى و عاصم الجحدرى و أبى إسحاق السبيعى و ما كتبت فيه بالحذف فإنها على قراءة الجماعة الباقين
النشر، ج 1، ص 457-458
فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ فكتب فى بعضها بألف و هذه الألف هى صورة الهمزة إذ الألف التى بعدها محذوفة على الأصل اختصارا. و الثانية اَلْأَيْكَةِ فى الشعراء و ص رسمت فى جميع المصاحف بغير ألف بعد اللام و قبلها لاحتمال القراءتين فهى على قراءة أهل الحجاز و الشام ظاهرة تحقيقا و على قراءة الكوفيين و البصريين تحتمل تقديرا على اللفظ
النشر، ج 2،ص 143
و كَأَيِّنْ وقعت فى سبعة مواضع: فى آل عمران و يوسف، و فى الحج موضعان و فى العنكبوت و القتال و الطلاق. فحذف النون منها و وقف على الياء أبو عمرو و يعقوب و وقف الباقون بالنون و هو تنوين ثبت رسما من أجل احتمال قراءة ابن كثير و أبى جعفر كما سيأتى و اللّه أعلم.
شرح طبیة النشر، ص 216
و حصرت حرّك و نوّن (ظ) لعا تثبّتوا (ش) فا من الثّبت معا أي قوله «حصرت صدورهم» كما قيده بتحريك الساكن و هو التاء و تنويها فيصير حصرة يعقوب و يقف بالهاء و ليست مخالفة للرسم، لأنهم كتبوا على بينت و من ثمرت بالتاء لاحتمال القراءتين فكذا هنا، و الباقون حصرت كما لفظ به بالإسكان بغير تنوين
لطائف الاشارات، ص 466
و ألف لام هُوَ الْخَلاّٰقُ ، و قرأ المطّوّعي: ((و هو الخالق)) ، فوجه حذف الألف احتمال القراءتين.
لطائف الاشارات، ص 217-218
و ممّا خرج من الهمزة المتحركة بعد ساكن غير الألف: اَلنَّشْأَةَ في الثّلاثة مواضع و يَسْئَلُونَ في «الأحزاب»، و مَوْئِلاً في «الكهف»، و السوئى في «الرّوم»، و أَنْ تَبُوءَ في «المائدة»، وليسوئوا في «الإسراء» لأنّ القياس حذف صورتها لأنّ تخفيفها التّصريفي بالنّقل: فرسموا اَلنَّشْأَةَ بألف بعد الشّين اتّفاقا لاحتمال القراءتين فهي في قراءة أبي عمرو و من معه ممّن مدّ صورة المدّة، و في قراءة حمزة و من معه ممّن سكّن الشّين صورة الهمزة، و كذا أثبتوها في يَسْئَلُونَ في بعض المصاحف، و هي تحتمل قراءة رويس عن يعقوب و غيره ممّن قرأ بتشديد السّين و المدّ و في بعضها، و تحتمل قراءة الباقين فيجوز الوقف بالألف اتباعا للرّسم على تقدير نقل حركة الهمزة فيهما فقط، قال في (النّشر):" و هو وجه مسموع رواه الحافظ أبو العلاء و هو قوي لأجل رسمها بالألف " انتهي، و قال الجعبري:" و أمّا اَلنَّشْأَةَ فيحتمل أن تكون الألف صورة الزّائدة فيتحد القياس و الرسم" .
و موارد متعدد دیگر...