فهرست عامالسورةفهرست قرآن كريم

بسم الله الرحمن الرحیم

آية بعدآية [5376] در مصحف از مجموع [6236]آية قبل

70|1|بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ

القرائة-70|1|سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين(67)




مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏10، ص: 530
أخبرنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثنا أبو عبد الله الشيرازي قال حدثنا أبو بكر الجرجاني قال حدثنا أبو أحمد البصري قال حدثنا محمد بن سهل قال حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار قال حدثنا محمد بن أيوب الواسطي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه ع قال لما نصب رسول الله ص عليا (ع) يوم غدير خم و قال من كنت مولاه فعلي مولاه طار ذلك في البلاد فقدم على النبي ص النعمان بن الحرث الفهري فقال أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند الله فقال و الله الذي لا إله إلا هو أن هذا من الله فولى النعمان بن الحرث و هو يقول اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله و أنزل الله تعالى «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ»




البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 482
قوله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ- إلى قوله تعالى- فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا [1- 5]
11056/ [1]- علي بن إبراهيم، قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن معنى هذا؟ فقال: «نار تخرج من المغرب و ملك يسوقها من خلفها حتى تأتي دار [بني‏] سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع دارا لبني امية إلا أحرقتها و أهلها، و لا تدع دارا فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها، و ذلك المهدي (عليه السلام)».
11057/ [2]- و في حديث آخر: «لما اصطفت الخيلان يوم بدر، رفع أبو جهل يديه فقال: اللهم أقطعنا للرحم، و أتانا بما لا نعرفه، فأجنه العذاب، فأنزل الله عز و جل: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ».
11058/ [3]- علي بن إبراهيم: و أخبرنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن علي، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، قال: «سأل رجل عن الأوصياء، و عن شأن ليلة القدر و ما يلهمون فيها؟ فقال: النبي (صلى الله عليه و آله): سألت عن عذاب واقع ثم كفرت «1» بأن ذلك لا يكون، فإذا وقع ف لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ قال:
__________________________________________________
1- تفسير القمي 2: 385.
2- تفسير القمي 2: 385.
3- تفسير القمي 2: 385.
(1) في المصدر: كفر.



البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 483
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ في صبح ليلة القدر إِلَيْهِ من عند النبي (صلى الله عليه و آله) و الوصي (عليه السلام)».
11059/ [4]- علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا أي لتكذيب من كذب إن ذلك لا يكون.
11060/ [5]- محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد ابن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية علي لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ثم قال: «هكذا و الله نزل بها جبرئيل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه و آله)».
11061/ [6]- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال [له‏] رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن فيك شبها من عيسى بن مريم، و لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة، قال: فغضب الأعرابيان و المغيرة بن شعبة و عدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن مريم! فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه و آله): وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ يعني من بني هاشم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ «1» قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري، فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فأنزل الله عليه مقالة الحارث، و نزلت هذه الآية: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «2».
ثم قال: يا بن عمرو، إما تبت، و إما رحلت؟ فقال: يا محمد، بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يدك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم؟ فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): ليس ذلك إلي، ذلك إلى الله تبارك و تعالى.
فقال يا محمد، قلبي ما يتابعني على التوبة، و لكن أرحل عنك، فدعا براحلته فركبها، فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة، فرضت «3» هامته، ثم أتى الوحي إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية علي لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ».
__________________________________________________
4- تفسير القمّي 2: 386.
5- الكافي 1: 349/ 47.
6- الكافي 8: 57/ 18.
(1) الزخرف 43: 57- 60.
(2) الأنفال 8: 33.
(3) في المصدر: فرضخت.



البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 484
قال: قلت: جعلت فداك، إنا لا نقرؤها هكذا، فقال: «هكذا أنزل الله بها جبرئيل على محمد (صلى الله عليه و آله)، و هكذا و الله مثبت في مصحف فاطمة (عليها السلام)، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم، فقد أتاه ما استفتح به، قال الله عز و جل: وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ «1»».
11062/ [7]- محمد بن العباس، قال: حدثنا علي بن محمد بن مخلد، عن الحسن بن القاسم، عن عمرو «2» ابن الحسن، عن آدم بن حماد، عن حسين بن محمد، قال: سألت سفيان بن عيينة، عن قول الله عز و جل: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، فيمن نزلت؟ فقال: يا بن أخي، لقد سألت عن شي‏ء ما سألني عنه أحد قبلك، لقد سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن مثل هذا الذي قلت «3» فقال: «أخبرني أبي، عن جدي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لما كان يوم غدير خم، قام رسول الله (صلى الله عليه و آله) خطيبا، ثم دعا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بضبعيه، ثم رفع بيده حتى رئي بياض إبطيهما، و قال للناس: ألم أبلغكم الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه.
قال: ففشت هذه في الناس، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فرحل راحلته، ثم استوى عليها، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذ ذاك بالأبطح، فأناخ ناقته، ثم عقلها، ثم أتى النبي (صلى الله عليه و آله) ثم قال: يا عبد الله، إنك دعوتنا إلى أن نقول: لا إله إلا الله ففعلنا «4»، ثم دعوتنا إلى أن نقول: إنك رسول الله ففعلنا و القلب فيه ما فيه، ثم قلت لنا: صلوا فصلينا، ثم قلت لنا: صوموا فصمنا، ثم قلت لنا: حجوا فحججنا، ثم قلت لنا: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، فهذا عنك أم عن الله؟ فقال له: بل عن الله، فقالها ثلاثا، فنهض و إنه لمغضب، و إنه ليقول: اللهم إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، تكون نقمة في أولنا و آية في آخرنا، و إن كان ما يقوله محمد كذبا فأنزل به نقمتك، ثم ركب ناقته و استوى عليها، فرماه الله بحجر على رأسه «5» فسقط ميتا، فأنزل الله تبارك و تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ».
11063/ [8]- و عنه، قال: حدثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد السياري، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه تلا: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية علي لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ثم قال: «هكذا في مصحف فاطمة (عليها السلام)».
__________________________________________________
7- تأويل الآيات 2: 722/ 1.
8- تأويل الآيات 2: 723/ 2. [.....]
(1) إبراهيم 14: 15.
(2) في المصدر: عمر.
(3) في المصدر: مثل الذي سألتني.
(4) في المصدر: فقلنا، و كذا التي بعدها.
(5) في المصدر: ثمّ استوى على ناقته فأثارها، فلمّا خرج من الأبطح رماه اللّه بحجر على رأسه فخرج من دبره.



البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 485
11064/ [9]- شرف الدين النجفي: عن محمد البرقي، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله عز و جل: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية علي لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، ثم قال: «هكذا و الله نزل بها جبرئيل على النبي (صلى الله عليه و آله)، و هكذا هو مثبت في مصحف فاطمة (عليها السلام)».
11065/ [10]- أبو علي الطبرسي، في (مجمع البيان)، قال: أخبرنا السيد أبو الحمد، قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني، قال: أخبرنا أبو أحمد البصري، قال حدثنا محمد بن سهل، قال: حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار، قال: حدثنا محمد بن أيوب الواسطي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «لما نصب رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم، و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، شاع «1» ذلك في البلاد، فقدم على النبي (صلى الله عليه و آله) النعمان بن الحارث الفهري، فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله، و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام، فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شي‏ء منك أو أمر من الله؟ فقال: بلى و الله الذي لا إله إلا هو، إن هذا من الله، فولى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، و أنزل الله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ».
قلت و تقدم ذلك في حديث طويل، في قوله تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ من سورة الأنعام، رواه المفضل بن عمر، عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) «2».
11066/ [11]- محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب (الغيبة)، قال: أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة، قال:
حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدثنا عبد الله بن حماد الأنصاري، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال:
قال أبو جعفر (عليه السلام): «كيف تقرءون هذه السورة؟» قال: قلت: و أي سورة؟ قال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ.
قلت: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ فقال: «ليس هو سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ و إنما هو (سال سيل بعذاب واقع) و هي نار تقع بالثوية، ثم تمضي إلى كناسة، بني أسد، ثم تمضي إلى ثقيف، فلا تدع وترا لآل محمد إلا أحرقته».
11067/ [12]- و عنه: عن محمد بن همام، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول‏
__________________________________________________
9- تأويل الآيات 2: 723/ 3.
10- مجمع البيان 10: 529.
11- الغيبة 272/ 49.
12- الغيبة: 272/ 48.
(1) في المصدر: طار.
(2) تقدّم في الحديث (5) من تفسير الآيات (146- 151) من سورة الأنعام.



البرهان في تفسير القرآن، ج‏5، ص: 486
الله عز و جل: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، فقال: «تأويلها فيما يجي‏ء: عذاب يقع في الثوية- يعني نارا- تنتهي إلى «1» كناسة بني أسد حتى تمر بثقيف، لا تدع وترا لآل محمد إلا أحرقته، و ذلك قبل خروج القائم (عليه السلام)».
11068/ [13]- و من طريق المخالفين: ما رواه الثعلبي بإسناده، قال: و سئل سفيان بن عيينة عن قول الله عز و جل: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، فيمن نزل؟ قال: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «لما كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك و طار في «2» البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) على ناقته حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته و عقلها، ثم أتى النبي (صلى الله عليه و آله) و هو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فقبلناه منك، و أمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، و أمرتنا أن نصوم شهرا فقبلناه، و أمرتنا أن نحج البيت فقبلناه، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا و قلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، و هذا شي‏ء منك أم من الله؟ فقال: و الذي لا إله إلا هو، إنه من أمر الله، فولى الحارث بن النعمان، يريد راحلته، و هو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه بحجر فسقط على هامته، و خرج من دبره فقتله، فأنزل الله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ».
__________________________________________________
13- ....... نور الأبصار: 87، عن الثعلبي.
(1) في المصدر: نارا حتّى تنتهي إلى الكناسة.






تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (10/ 34)
ومعنى الآية: سأل سائل عن عذاب واقع نازل: على من ينزل؟ ولمن هو؟ فقال الله سبحانه مجيبا له:
للكافرين
وهذا قول الحسن وقتادة قالا: كان هذا بمكة، لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم وخوفهم بالعذاب والنكال، قال المشركون بعضهم لبعض: من أهل هذا العذاب اسألوا محمدا لمن هو وعلى من ينزل وبمن يقع، فبين الله سبحانه وأنزل سأل سائل عذابا واقعا للكافرين أي على الكافرين
، اللام بمعنى على، وهو النضر بن الحرث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق لأنه نزل به ما سأل يوم بدر، فقتل صبرا ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره وغير عقبه بن أبي معيط، وهذا قول ابن عباس ومجاهد،
وسئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه: سأل سائل فيمن نزلت، فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك.
حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه، فقال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم، نادى بالناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» «1» .
فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله تعالى؟
فقال: «والذي لا إله إلا هو هذا من الله» فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول:
اللهم إن كان ما يقوله حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله سبحانه: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع [32] «2» .
ومن قرأ بغير همز فله وجهان: أحدهما أنه لغة في السؤال، تقول العرب: سال سائل وسأل سال مثل نال ينال، وخاف يخاف، والثاني: أن يكون من السيل، قال زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، سال واد من أودية جهنم يقال له سائل.
من الله ذي المعارج. قال ابن عباس: يعني ذي السماوات، وقال ابن كيسان:
المعارج الفتق الذي بين سمائين وأرضين، قتادة: ذي الفواصل والنعم، سعد بن جبير: ذي الدرجات، القرطبي: ذي الفضائل العالية، مجاهد: معارج الملائكة.
__________
(1) مسند أحمد: 1/ 84، و 5/ 347، والمستدرك: 3/ 110، ومصنف ابن أبي شيبة: 7/ 495.
(2) تفسير القرطبي: 18/ 279 مورد الآية.




تفسير ابن أبي حاتم - محققا (10/ 3373)
قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع
18983 - عن ابن عباس في قوله: سأل سائل قال: هو النضر بن الحارث، قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، وفي قوله: بعذاب واقع قال: كائن للكافرين ليس له دافع. من الله ذي المعارج قال: ذي الدرجات «1» .

18984 - عن السدي في قوله: سأل سائل قال: نزلت بمكة في النضر بن الحارث، وقد قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، الآية، وكان عذابه يوم بدر «2» .




تفسير القرطبي (18/ 278)
قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع) قرأ نافع وابن عامر سأل سائل بغير همزة. الباقون بالهمز. فمن همز فهو من السؤال. والباء يجوز أن تكون زائدة، ويجوز أن تكون بمعنى عن. والسؤال بمعنى الدعاء، أي دعا داع بعذاب، عن ابن عباس وغيره. يقال: دعا على فلان بالويل، ودعا عليه بالعذاب. ويقال: دعوت زيدا، أي التمست إحضاره. أي التمس ملتمس عذابا للكافرين، وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة. وعلى هذا فالباء زائدة، كقوله تعالى: تنبت بالدهن «1» [المؤمنون: 20]، وقوله. وهزي إليك بجذع النخلة «2» [مريم: 25] فهي تأكيد. أي سأل سائل عذابا واقعا.
(للكافرين) أي على الكافرين. وهو النضر ابن الحارث حيث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم «3» [الأنفال: 32] فنزل سؤاله، وقتل يوم بدر صبرا «4» هو وعقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبرا غيرهما، قاله ابن عباس ومجاهد.
وقيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري. وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك، ونزكي أموالنا فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك، وأن نحج فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا! أفهذا شي منك أم من الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله) فولى الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله، فنزلت: سأل سائل بعذاب واقع الآية.
وقيل: إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك، قاله الربيع. وقيل: إنه قول جماعة من كفار قريش. وقيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين. وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار، وهو واقع بهم لا محالة. وامتد الكلام إلى قوله تعالى: فاصبر صبرا جميلا [المعارج: 5] أي لا تستعجل فإنه قريب. وإذا كانت الباء بمعنى عن- وهو قول قتادة- فكأن سائلا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع. قال الله تعالى: فسئل به خبيرا «1» [الفرقان: 59] أي سل عنه. وقال علقمة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النسا طبيب
أي عن النساء. ويقال: خرجنا نسأل عن فلان وبفلان. فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون فقال الله: للكافرين. قال أبو علي وغيره: وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما. وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر، فيكون التقدير سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب. ومن قرأ بغير همز فله وجهان: أحدهما: أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش، تقول العرب: سال يسال، مثل نال ينال وخاف يخاف. والثاني أن يكون من السيلان، ويؤيده قراءة ابن عباس" سال سيل". قال عبد الرحمن بن زيد: سال واد من أودية جهنم يقال له:
__________
(1). راجع ج 13 ص 63.




تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 220)
تفسير سورة سأل سائل
وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{سأل سائل بعذاب واقع (1) للكافرين ليس له دافع (2) من الله ذي المعارج (3) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (4) فاصبر صبرا جميلا (5) إنهم يرونه بعيدا (6) ونراه قريبا (7) }
{سأل سائل بعذاب واقع} فيه تضمين دل عليه حرف "الباء"، كأنه مقدر: يستعجل سائل بعذاب واقع. كقوله: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده} أي: وعذابه واقع لا محالة.
قال النسائي: حدثنا بشر بن خالد، حدثنا أبو أسامة، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {سأل سائل بعذاب واقع} قال: النضر بن الحارث بن كلدة.
وقال العوفي، عن ابن عباس: {سأل سائل بعذاب واقع} قال: ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: تعالى {سأل سائل} دعا داع بعذاب واقع يقع في الآخرة، قال: وهو قولهم: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32] .
وقال ابن زيد وغيره: {سأل سائل بعذاب واقع} أي: واد في جهنم، يسيل يوم القيامة بالعذاب. وهذا القول ضعيف، بعيد عن المراد. والصحيح الأول لدلالة السياق عليه.
وقوله: {واقع للكافرين} أي: مرصد معد للكافرين.
وقال ابن عباس: {واقع} جاء {ليس له دافع} أي: لا دافع له إذا أراد الله كونه؛ ولهذا قال {من الله ذي المعارج} قال الثوري، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {ذي المعارج} قال: ذو الدرجات.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {ذي المعارج} يعني: العلو والفواضل.
وقال مجاهد: {ذي المعارج} معارج السماء. وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم.




تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (5/ 481)
بسم الله الرحمن الرحيم
سأل سائل بعذاب واقع (1) للكافرين ليس له دافع (2) من الله ذي المعارج (3)
قوله عز وجل: سأل سائل بعذاب قرأ جمهور السبعة: سأل بهمزة محققة، قالوا: والمعنى دعا داع، والإشارة إلى من قال من قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ... [الأنفال: 32] الآية، وقولهم: عجل لنا قطنا [ص: 16] ونحو ذلك، وقال بعضهم: المعنى بحث باحث واستفهم مستفهم، قالوا: والإشارة إلى قول قريش: متى هذا الوعد [الملك: 25] وما جرى مجراه قاله الحسن وقتادة، والباء على هذا التأويل في قوله: بعذاب بمعنى «عن» وقرأ نافع وابن عامر «1» : «سال سائل» ساكنة الألف، واختلف القراء بها/ فقال بعضهم: هي «سأل» المهموزة إلا أن الهمزة سهلت، وقال بعضهم هي لغة من يقول: سلت أسال ويتساولان، وهي لغة مشهورة، وقال بعضهم في الآية: هي من سال يسيل إذا جرى، وليست من معنى السؤال، قال زيد بن ثابت وغيره: في جهنم واد يسمى سائلا «2» والإخبار هنا عنه، وقرأ ابن عباس «3» : «سال سيل» - بسكون الياء- وسؤال الكفار عن العذاب- حسب قراءة الجماعة- إنما كان على أنه كذب، فوصفه الله تعالى بأنه واقع وعيدا لهم.
وقوله: للكافرين قال بعض النحاة: اللام بمعنى «على» ، وروي: أنه كذلك في مصحف «1» أبي: «على الكافرين» والمعارج في اللغة الدرج في الأجرام، وهي هنا مستعارة في الرتب والفضائل، والصفات الحميدة قاله ابن عباس وقتادة «2» ، وقال الحسن: هي المراقي في السماء «3» ، قال عياض، في «مشارق الأنوار» : قوله صلى الله عليه وسلم «فعرج بي إلى السماء» ، أي: ارتقى بي، والمعراج الدرج وقيل: سلم تعرج فيه الأرواح، وقيل: هو أحسن شيء لا تتمالك النفس إذا رأته أن تخرج، وإليه يشخص بصر الميت من حسنه، وقيل: هو الذي تصعد فيه الأعمال، وقيل: قوله: ذي المعارج معارج الملائكة، وقيل: ذي الفواضل، انتهى.
__________
(1) ينظر: «السبعة» (650) ، و «الحجة» (6/ 317) ، و «إعراب القراءات» (2/ 389) ، و «حجة القراءات» (720) ، و «معاني القراءات» (3/ 88) ، و «شرح الطيبة» (6/ 68) ، و «العنوان» (197) ، و «شرح شعلة» (608) . و «إتحاف» (2/ 560) .
(2) ذكره ابن عطية (5/ 364) .
(3) قال أبو الفتح: السيل هنا: الماء السائل، وأصله المصدر، من قولك: سال الماء سيلا، إلا أنه أوقع على الفاعل، كقوله: إن أصبح ماؤكم غورا [الملك: 30] ، أي: غائرا.
ينظر: «المحتسب» (2/ 330) ، و «مختصر الشواذ» ص: (162) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 365) . [.....]
__________
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 365) .
(2) أخرجه الطبري (6/ 226) ، رقم: (34853- 34854) بنحوه، وذكره ابن عطية (5/ 365) ، وابن كثير (4/ 418) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 416) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وعزاه أيضا لعبد بن حميد.
(3) ذكره ابن عطية (5/ 365) .




الدر المنثور في التفسير بالمأثور (8/ 277)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {سأل سائل} قال: هو النضر بن الحارث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء وفي قوله: {بعذاب واقع} قال: كائن {للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج} قال: ذي الدرجات
وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم مثله
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {سأل سائل} قال: نزلت بمكة في النضر بن الحارث وقد قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية وكان عذابه يوم بدر
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {بعذاب واقع} قال: يقع في الآخرة قولهم في الدنيا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك هو النضر بن الحارث
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: {سأل سائل بعذاب واقع} فقال الناس: على من يقع العذاب فأنزل الله {للكافرين ليس له دافع}
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {سأل سائل} قال: دعا داع وفي قوله: {بعذاب واقع} قال: يقع في الآخرة وهو قولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم
أخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: رجل من عبد برار ويقال له الحارث بن علقمة: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فقال الله: (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) (سورة ص الآية 86) وقال الله: (ولقد جئتمونا فرادى) (سورة الأنعام الآية 94) وقال الله: {سأل سائل بعذاب واقع} هو الذي قال: إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر وهو الذي قال: (ربنا عجل لنا قطنا) وهو الذي سأل عذابا هو واقع به
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {سأل سائل} قال: سأل واد في جهنم
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ذي المعارج} قال: ذي العلو والفواضل
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله: {ذي المعارج} قال: معارج السماء
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ذي المعارج} قال: ذي الفضائل والنعم
وأخرج أحمد وابن خزيمة عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلا يقول: لبيك ذي المعارج فقال: إنه لذو المعارج ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول ذلك
أخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ {تعرج الملائكة} بالتاء
وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحق رضي الله عنه قال: كان عبد الله يقرأ يعرج الملائكة بالياء




البحر المحيط في التفسير (10/ 270)
هذه السورة مكية. قال الجمهور: نزلت في النضر بن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك «1» الآية. وقال الربيع بن أنس: في أبي جهل. وقيل: في جماعة من قريش قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق الآية.
وقيل: السائل نوح عليه السلام، سأل العذاب على الكافرين.
وقيل: السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، سأل الله أن يشدد وطأته على مضر الحديث، فاستجاب الله دعوته.
ومناسبة أولها لآخر ما قبلها: أنه لما ذكر وإنا لنعلم أن منكم مكذبين «2» ، أخبر عن ما صدر عن بعض المكذبين بنقم الله، وإن كان السائل نوحا عليه السلام، أو الرسول صلى الله عليه وسلم. فناسب تكذيب المكذبين أن دعا عليهم رسولهم حتى يصابوا فيعرفوا صدق ما جاءهم به.
وقرأ الجمهور: سأل بالهمز: أي دعا داع، من قولهم: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، فالباء على أصلها. وقيل: المعنى بحث باحث واستفهم. قيل: فالباء بمعنى عن.
وقرأ نافع وابن عامر: سال بألف، فيجوز أن يكون قد أبدلت همزته ألفا، وهو بدل على غير قياس، وإنما قياس هذا بين بين، ويجوز أن يكون على لغة من قال: سلت أسال، حكاها سيبويه. وقال الزمخشري: هي لغة قريش، يقولون: سلت تسال وهما يتسايلان. انتهى.
وينبغي أن يتثبت في قوله إنها لغة قريش. لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز أو أصله الهمز، كقراءة من قرأ: وسلوا الله من فضله، إذ لا يجوز أن يكون من سال التي عينها واو، إذ كان يكون ذلك وسلوا الله مثل خافوا الأمر، فيبعد أن يجيء ذلك كله على لغة غير قريش، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم إلا يسيرا فيه لغة غيرهم. ثم جاء في كلام الزمخشري: وهما يتسايلان بالياء، وأظنه من الناسخ، وإنما هو يتساولان بالواو. فإن توافقت النسخ بالياء، فيكون التحريف من الزمخشري وعلى تقدير أنه من السؤال، فسائل اسم فاعل منه، وتقدم ذكر الخلاف في السائل من هو.
وقيل: سال من السيلان، ويؤيده قراءة ابن عباس: سال سايل. وقال زيد بن ثابت: في جهنم واد يسمى سايلا وأخبر هنا عنه. قال ابن عطية: ويحتمل إن لم يصح أمر الوادي أن يكون الإخبار عن نفوذ القدر بذلك العذاب قد استعير له السيل لما عهد من نفوذ السيل وتصميمه. وقال الزمخشري: والسيل مصدر في معنى السائل، كالغور بمعنى الغائر، والمعنى: اندفع عليهم وادي عذاب، فذهب بهم وأهلكهم. انتهى. وإذا كان السائل هم الكفار، فسؤالهم إنما كان على أنه كذب عندهم، فأخبر تعالى أنه واقع وعيدا لهم. وقرأ أبي وعبد الله: سال سال مثل مال بإلقاء صورة الهمزة وهي الياء من الخط تخفيفا. قيل: والمراد سائل. انتهى. ولم يحك هل قرأ بالهمز أو بإسقاطها البتة. فإن قرأ بالهمز فظاهر، وإن قرأ بحذفها فهو مثل شاك شايك، حذفت عينه واللام جرى فيها الإعراب، والظاهر تعلق بعذاب بسال.
وقال أبو عبد الله الرازي: يتعلق بمصدر دل عليه فعله، كأنه قيل: ما سؤاله؟ فقيل: سؤاله بعذاب، والظاهر اتصال الكافرين بواقع فيكون متعلقا به، واللام للعلة، أي نازل بهم لأجلهم، أي لأجل كفرهم، أو على أن اللام بمعنى على، قاله بعض النحاة، ويؤيده قراءة أبي: على الكافرين، أو على أنه في موضع، أي واقع كائن للكافرين. وقال قتادة والحسن: المعنى: كأن قائلا قال: لمن هذا العذاب الواقع؟ فقيل: للكافرين. وقال الزمخشري: أو بالفعل، أي دعاء للكافرين، ثم قال: وعلى الثاني، وهو ثاني ما ذكر من توجيهه في الكافرين. قال هو كلام مبتدأ جواب للسائل، أي هو للكافرين، وكان قد قرر أن سال ضمن معنى دعا، فعدي تعديته كأنه قال: دعا داع بعذاب من قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى: يدعون فيها بكل فاكهة آمنين «1» . انتهى. فعلى ما قرره أنه متعلق بدعا، يعني بسال، فكيف يكون كلاما مبتدأ جوابا للسائل أي هو للكافرين؟ هذا لا يصح. فقد أخذ قول قتادة والحسن وأفسده، والأجود أن يكون من الله متعلقا بقوله: واقع. وليس له دافع: جملة اعتراض بين العامل والمعمول. وقيل: يتعلق بدافع، أي من جهته إذا جاء وقته.




تفسير الألوسي = روح المعاني (15/ 62)
سورة المعارج
وتسمى سورة المواقع وسورة سأل وهي مكية بالاتفاق على ما قال القرطبي وفي مجمع البيان عند الحسن إلا قوله تعالى والذين في أموالهم حق معلوم [المعارج: 24] وآيها ثلاث وأربعون في الشامي واثنتان وأربعون في غيره وهي كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف القيامة والنار وقد قال ابن عباس إنها نزلت عقيب سورة الحاقة.
بسم الله الرحمن الرحيم سأل سائل بعذاب واقع أي دعا داع به فالسؤال بمعنى الدعاء ولذا عدي بالباء تعديته بها في قوله تعالى: يدعون فيها بكل فاكهة [الدخان: 55] والمراد استدعاء العذاب وطلبه وليس من التضمين في شيء. وقيل الفعل مضمن معنى الاهتمام والاعتناء أو هو مجاز عن ذلك فلذا عدي بالباء. وقيل إن الباء زائدة وقيل إنها بمعنى عن كما في قوله تعالى فسئل به خبيرا [الفرقان: 59]
والسائل هو النضر بن الحارث كما روى النسائي وجماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس. وروي ذلك عن ابن جريج والسدي والجمهور حيث قال إنكارا واستهزاء اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [الأنفال: 32] وقيل هو أبو جهل حيث قال فأسقط علينا كسفا من السماء [الشعراء: 187]
وقيل هو الحارث بن النعمان الفهري وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي كرم الله تعالى وجهه: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: اللهم إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقا فأمطر علينا حجارة من السماء فما لبث حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته.
وأنت تعلم أن ذلك القول منه عليه الصلاة والسلام في أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه كان في غدير خم وذلك في أواخر سني الهجرة فلا يكون ما نزل مكيا على المشهور في تفسيره. وقد سمعت ما قيل في مكية هذه السورة وقيل هو الرسول صلى الله عليه وسلم استعجل عذابهم وقيل هو نوح عليه السلام سأل عذاب قومه.
وقرأ نافع وابن عامر «سال» بألف كقال سايل بياء بعد الألف فقيل يجوز أن يكون قد أبدلت همزة الفعل ألفا وهو بدل على غير قياس وإنما قياس هذا بين بين ويجوز أن يكون على لغة من قال سلت أسال حكاها سيبويه وفي الكشاف هو من السؤال وهو لغة قريش يقولون سلت تسال وهما يتسايلان وأراد أنه من السؤال المهموز معنى لا اشتقاقا بدليل وهما يتسايلان وفيه دلالة على أنه أجوف يأتي وليس من تخفيف الهمزة في شيء. وقيل السؤال بالواو الصريحة مع ضم السين وكسرها وقوله يتسايلان صوابه يتساولان فتكون ألفه منقلبة عن واو كما في قال وخاف وهو الذي ذهب إليه أبو علي في الحجة وذكر فيها أن أبا عثمان حكى عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول هما يتساولان ثم إن في دعوى كون سلت تسال لغة قريش ترددا والظاهر خلاف ذلك وأنشدوا لورود سال قول حسان يهجو هذيلا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيح لهم الزنا:
سالت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما قالت ولم تصب
وقول آخر:
سالتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مالي قد جئتماني بنكر
وجوز أن يكون سال من السيلان وأيد بقراءة ابن عباس «سال سيل» فقد قال ابن جني السيل هاهنا الماء السائل وأصله المصدر من قولك سال الماء سيلا إلا أنه أوقع على الفاعل كما في قوله تعالى إن أصبح ماؤكم غورا [الملك: 30] أي غائرا وقد تسومح في التعبير عن ذلك بالوادي فقيل: المعنى اندفع واد بعذاب واقع والتعبير بالماضي قيل للدلالة على تحقيق وقوع العذاب إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر وقد قتل يومئذ النضر وأبو جهل. وإما في الآخرة وهو عذاب النار وعن زيد بن ثابت أن سائلا اسم واد في جهنم وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس ما يحتمله للكافرين صفة أخرى لعذاب أي كائن للكافرين أو صلة لواقع واللام للتعليل أو بمعنى على ويؤيده قراءة أبي «على الكافرين» وإن صح ما روي عن الحسن وقتادة أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بعذاب سألوا عنه على ما ينزل وبمن يقع فنزلت كان هذا ابتداء كلام جوابا للسائل أي هو للكافرين وقوله تعالى ليس له دافع صفة أخرى لعذاب أو حال منه لتخصيصه بالصفة أو بالعمل أو من الضمير في للكافرين على تقدير كونه صفة لعذاب على ما قيل أو استئناف أو جملة مؤكدة لهو للكافرين على ما سمعت آنفا فلا تغفل وقوله سبحانه من الله متعلق بدافع ومن ابتدائية أي ليس له دافع يرده من جهته عز وجل لتعلق إرادته سبحانه به وقيل متعلق بواقع فقيل إنما يصح على غير قول الحسن وقتادة وعليه يلزم الفصل بالأجنبي لأن للكافرين على ذلك جواب سؤال ثم إن التعلق ب واقع على ما عدا قولهما إن جعل للكافرين من صلته أيضا كان أظهر وإلا لزم الفصل بين المعمول وعامله بما ليس من تتمته لكن ليس أجنبيا من كل وجه ذي المعارج هي لغة الدرجات والمراد بها على ما روي عن ابن عباس السماوات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء ولم يعينها بعضهم فقال أي ذي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة بالأوامر والنواهي وقيل هي مقامات معنوية تكون فيها الأعمال والاذكار أو مراتب في السلوك كذلك يترقى فيها المؤمنون السالكون أو مراتب الملائكة عليهم السلام. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة تفسيرها بالفضائل والنعم وروى نحوه ابن المنذر وابن أبي عباس وقيل هي الغرف التي جعلها الله تعالى لأوليائه في الجنة والأنسب بما يقتضيه المقام من التهويل ما هو أدل على عزه عز وجل وعظم ملكوته تعالى شأنه تعرج الملائكة والروح أي جبريل عليه السلام كما ذهب إليه الجمهور أفرد بالذكر لتميزة وفضله بناء على المشهور من أنه عليه السلام أفضل الملائكة. وقيل...






مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (6/ 442)
شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله المعروف بـ «سبط ابن الجوزي» (581 - 654 هـ)
وروي أنه شهد له اثنا عشر من أهل بدر بذلك.
واتَّفق علماء السِّير على أنّ قصة الغَدير كانت بعد رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجّة الوَداع، في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وكان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرون ومئة ألف، ممن كان يسكن مكة والمدينة وما حولهما وما بينهما من الأعراب، وقد ذكرنا هذا.
وقال أبو إسحاق الثعلبي (2): ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كنتُ مولاه فعليّ مَولاه" شاع ذلك في الأمصار، وطار في الأقطار، فبلغ الحارث بن النُّعمان الفِهريّ، فقدم المدينة، فأناخ راحلتَه عند باب المسجد، فدخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس وحوله أصحابُه، فجاء حتى جثا بين يديه، ثم قال: يا محمد، إنك أمرتَنا أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقبلنا ذلك منك، وإنك أمرتنا أن نُصلّي في اليوم والليلة خمس صلوات، ونصوم شهر رمضان، ونُزكي أموالنَّا، ونحجَّ البيت، فقبلنا منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعتَ بضَبْعَي ابنِ عمك ففضَّلتَه وقلت: "من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه" فهذا شيءٌ من الله أو منك؟
فاحمرَّت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "والله الذي لا إله إلا هو، إنه من الله وليس مني"، فقام الحارث وهو يقول: اللهمَّ إن كان هذا هو الحق من عندك، وفي رواية: اللهمَّ إن كان ما يقول محمد حقًّا فأنزل علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم.
قال: فو الله ما بلغ باب المسجد حتى رماه الله بحَجَر من السماء، فوقع على هامته، فخرج من دُبُره فمات، وأنزل الله تعالى {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيسَ لَهُ دَافِعٌ} الآية [المعارج: 1].
حديث في محبَّته:
قال أحمد في "المسند" (3) بإسناده عن علي كرم الله وجهه قال: والله؛ إنه لمما عَهَد إليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يُحبّني إلا مؤمن، ولا يُبغضني إلا مُنافق.
__________
(1) مسند أحمد (19325).
(2) في تفسيره 10/ 35.
(3) مسند أحمد (642).





اللباب في علوم الكتاب (19/ 350)
المؤلف: أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (المتوفى: 775هـ)
قيل: هو النضر بن الحارث حيثُ قال: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] ، فنزل سؤاله، وقتل يوم «بدر» صبراً هو وعقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبراً غيرهما، قاله ابن عباس ومجاهد.
وقيل: «إنَّ السائل هنا هو الحارثُ بن النعمان الفهري، وذلك أنه لما بلغه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:» مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ «ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح، ثم قال: يا محمدُ، أمرتنا عن الله، أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله، فقبلناه منك، وأن نصلي خمساً، ونزكي أموالنا، فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام، فقبلناه منك، وأن نحج، فقبلناه منك، ثُمَّ لم ترض بهذا، حتى فضَّلت ابن عمك علينا، أفهذا شيءٌ منك أم من الله؟ .
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» واللَّهِ الَّذي لا إِلهَ إلاَّ هُوَ، ما هُوَ إلاَّ مِنَ اللَّه «فولى الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقًّا، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذابٍ أليم، فوالله ما وصل إلى ناقته، حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه، فخرج من دبره فقتله، فنزلت {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} » .



السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (4/ 380)
المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ)
{سأل سائل} أي: دعا داع {بعذاب واقع} فضمن سأل معنى دعا، فلذلك عدى تعديته، وقيل: الباء بمعنى عن كقوله تعالى: {فاسأل به خبيراً} (الفرقان: 59) ، أي: عنه، أي: سأل سائل عن عذاب واقع، والأول أولى لأن التجوز في الفعل أولى منه في الحرف لقوتّه.
واختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو النضر بن الحارث حيث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل سؤاله وقتل يوم بدر صبراً هو وعتبة بن أبي معيط لم يقتل صبراً غيرهما، وقيل: هو الحارث بن النعمان، وذلك «أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالإبطح، ثم قال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه وأن نصلي خمساً ونزكي أموالنا فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في عام فقبلناه منك وأن نحج فقبلناه منك ثم لم ترض حتى فضلت ابن عمك علينا، أفهذا شيء منك أم من الله تعالى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «والذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله» فولى الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره




تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (9/ 29)
المؤلف: أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: 982هـ)
{سأل سائل} أي دعا داع {بعذاب واقع} أي استدعاه وطلبه وهو النضر بن الحرث حيث قال إنكارا واستهزاء إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وقيل أبو جهل حيث قال أسقط علينا كسفا من السماء وقيل هو الحرث بن النعمان الفهري وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه من كنت مولاه فعلي مولاه قال اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء فما لبث حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه مخرج من أسفله فهلك من ساعته وقيل هو الرسول صلى الله عليه وسلم استعجل عذابهم وقرىء سأل وهو إما من السؤال على لغة قريش فالمعنى ما مر أو من السيلان ويؤيده أنه قرىء سال سيل أي اندفع واد بعذاب واقع وصيغة الماضي للدلالة على تحقق وقوعه إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر فإن النضر قتل يومئذ صبرا وقد مر حال الفهري وإما في الآخرة فهو عذاب النار والله أعلم




سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي (4/ 161)
المؤلف: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى: 1111هـ)
فليس لهم في ذلك حجة إذ مفهوم العدد غير معتبر دليلا يبطل معنى الحث والتمسك إذ لو لم نقل بوجود ذلك التمسك به لم يتعقل الحث على التمسك بمعدوم وأخرج أبو الحسن بن المغازلي من طريق موسى بن القاسم عن علي بن جعفر سألت الحسن عن قوله تعالى {كمشكوة فيها مصباح} النور 35 قال المشكاة فاطمة والشجرة المباركة إبراهيم لا شرقية ولا غربية لا يهودية ولا نصرانية {يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور} النور 35 قال منها إمام بعد إمام يهدي الله لنوره من يشاء قال يهدي لولايتنا من يشاء وقوله منها إمام بعد إمام يعني أئمة يقتدى بهم في الدين ويتمسك بهم فيه ويرجع إليهم وهذا أوضح دليل على صحة إمامة غيرهم بل تعينها وههنا نقل غريب وهو إن كان لا تعلق له بما نحن فيه من وجه فله تعلق من وجه آخر إذ هو في شأن العترة الطاهرة الذين الكلام في شأنهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ونصه روى الثعلبي في تفسيره أن سفيان بن عيينة رحمه الله سئل عن قوله تعالى {سأل سائل بغذاب واقع} المعارج 1 فيمن نزلت فقال للسائل سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك حدثني أبي عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن آبائه عليهم السلام أن رسوم الله
لما كان بغدير خم فنادى في الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه إلى آخر الحديث فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله
على ناقة له فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها فقال يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك وأمرتنا بالزكاة فقبلنا وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا وأمرتنا بالحج فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتى ترفع بضبعي ابن عمك تفضله علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أو من الله عز وجل فقال رسول الله
والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله عز وجل فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة} الأنفال 32 الآية فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله فأنزل الله عز وجل {سأل سائل بعذاب واقع} المعارج 1 كذا في جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي وشرف النسب العلي وها أنا أذكر من قام منهم من لدن علي بن أبي طالب إلى زماننا اليوم وهو عام سبع وتسعين وألف فأقول أولهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وبعده ابناه الحسن في زمن معاوية ثم الحسين في زمن يزيد وقد سبق ذكرهما بما لا مزيد عليه ثم بعد الحسين الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب قام في زمان عبد الملك بن مروان ثم استتر فلما ولي الأمر الوليد بن عبد الملك شدد في طلبه فلم يظفر به وكان مستترا بالحجاز فدس إليه من سقاه السم فمات مسموما وحمل إلى المدينة المنورة ودفن بالبقيع وكان قيامه سنة ثلاث وثمانين ووفاته سنة ست وثمانين وعمره ثمان وثلاثون سنة قلت قد تقدم في الرواية السابقة أن الحسن المثنى لم يدع الإمامة ولم يدع إلى مبايعة ولم يدعها له أحد فعده ههنا في الدعاة على غير تلك الرواية ثم قام بالدعوة الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ظهر زيد بالكوفة خارجا على هشام بن عبد الملك داعيا للكتاب والسنة وإلى






البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (7/ 133)
المؤلف: أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفى: 1224هـ)
سورة المعارج
يقول الحق جل جلاله: {سأل سائل} ، قرأ نافع والشامي بغير همز، إما من السؤال، على لغة قريش، فإنهم يسهلون الهمز، أو من السيلان، ويؤيده أنه قرىء " سال سيل " أي: سال واد {بعذاب واقع للكافرين} يوم القيامة، والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه، أو في الدنيا، وهو عذاب يوم بدر، وقرأ الباقون بالهمز، من السؤال، أي: طلب طالب، وهو النضر بن الحارث، حيث قال استهزاء: {إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السمآء} [الأنفال: 32] وقيل: أبو جهل، حيث قال: {فأسقط علينا كسفا من السمآء} [الشعراء: 187] ، وقيل: هو الحارث بن النعمان الفهري، وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، قال: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السمآء، فما لبث حتى رماه الله بحجر، فوقع على دماغه، فخرج من أسفله، فهلك من ساعته.




فتح القدير للشوكاني (5/ 344)
المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ)
سأل سائل بعذاب واقع (1)
سورة المعارج
وهي مكية. قال القرطبي: باتفاق. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال:
نزلت سورة سأل بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]
بسم الله الرحمن الرحيم
سأل سائل بعذاب واقع (1) للكافرين ليس له دافع (2) من الله ذي المعارج (3) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (4)
فاصبر صبرا جميلا (5) إنهم يرونه بعيدا (6) ونراه قريبا (7) يوم تكون السماء كالمهل (8) وتكون الجبال كالعهن (9)
ولا يسئل حميم حميما (10) يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه (11) وصاحبته وأخيه (12) وفصيلته التي تؤويه (13) ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه (14)
كلا إنها لظى (15) نزاعة للشوى (16) تدعوا من أدبر وتولى (17) وجمع فأوعى (18)
قوله: سأل سائل بعذاب واقع قرأ الجمهور: سأل بالهمزة، وقرأ نافع وابن عامر بغير همزة، فمن همز فهو من السؤال، وهي اللغة الفاشية، وهو إما مضمن معنى الدعاء، فلذلك عدي بالباء، كما تقول: دعوت لكذا، والمعنى: دعا داع على نفسه بعذاب واقع، ويجوز أن يكون على أصله، والباء بمعنى عن، كقوله: فسئل به خبيرا «1» ومن لم يهمز، فهو إما من باب التخفيف بقلب الهمزة ألفا، فيكون معناها معنى قراءة من همز، أو يكون من السيلان، والمعنى: سال: واد في جهنم يقال له سائل، كما قال زيد بن ثابت. ويؤيده قراءة ابن عباس: سال سيل وقيل: إن سال بمعنى التمس، والمعنى: التمس ملتمس عذابا للكفار، فتكون الباء زائدة، كقوله: تنبت بالدهن والوجه الأول هو الظاهر. وقال الأخفش:
يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان. قال أبو علي الفارسي: وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما ويتعدى إليه بحرف الجر، وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم «2» وهو ممن قتل يوم بدر صبرا، وقيل: هو أبو جهل، وقيل: هو الحارث بن النعمان الفهري. والأول أولى لما سيأتي. وقرأ أبي وابن مسعود سال سال مثل مال مال على أن الأصل سائل، فحذفت العين تخفيفا، كما قيل: شاك في: شائك السلاح. وقيل: السائل هو نوح عليه السلام، سأل العذاب للكافرين، وقيل:
__________
(1) . الفرقان: 59.
(2) . الأنفال: 32.





مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد (2/ 561)
المؤلف: محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا (المتوفى: 1316هـ)
سورة المعارج
وتسمى سورة سأل سائل، مكية، أربع وأربعون آية، مائتان وست عشرة كلمة، ثمانمائة وأحد وستون حرفا
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ أي طلب طالب عذابا هو واقع بالكافرين في الدنيا والآخرة ليس لذلك العذاب من يدفعه عنهم من جهة الله تعالى، لأنه إذا أوجبت الحكمة وقوعه امتنع أن لا يفعله الله.
قال ابن عباس: هو النضر بن الحارث حيث قال إنكارا واستهزاء: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فقتل يوم بدر صبرا هو وعقبة ابن أبي معيط. وقال الربيع: هو أبو جهل حيث قال: أسقط علينا كسفا من السماء. وقيل: وهو الحارث بن النعمان الفهري وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في علي رضي الله عنه: «من كنت مولاه فعلي مولاه» «1» ، قال: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، فما لبث حتى رماه الله تعالى بحجر، فوقع على دماغه، فخرج من دبره، فمات من ساعته، فنزلت هذه الآية.
وقال الحسن وقتادة: لما بعث الله محمدا وخوف المشركين بالعذاب قال المشركون بعضهم لبعض: سلوا محمد لمن هذا العذاب، وبمن يقع؟ فأخبره الله عنهم بقوله: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ أي عن عذاب، فعلى هذا فقوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ حكاية لسؤالهم المعتاد على طريقه قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ [الأعراف: 187] وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ [يس: 48] .
قال أبو السعود: ولعل هذا القول أقرب وقرأ نافع وابن عامر «سال» بألف محضة. وقرأ ابن عباس: «سال سيل بعذاب واقع للكافرين» أي اندفع عليهم واد من أودية جهنم بعذاب واقع،
__________
(1) رواه أحمد في (م 1/ ص 84، 118) ، وابن ماجة في المقدّمة، باب: في فضائل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.




تفسير المنار (6/ 384)
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ)
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) تقدم أن نداء النبي صلى الله عليه وسلم بلقب الرسول لم يرد إلا في موضعين من هذه السورة، وهذا ثانيهما، وكلاهما جاء في سياق الكلام في دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام، ومحاجتهم في الدين. وقد اختلف مفسرو السلف في وقت نزول هذه الآية، فروى ابن مردويه، والضياء في المختارة، عن ابن عباس، وأبو الشيخ، عن الحسن، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد ما يدل على أنها نزلت في أوائل الإسلام وبدء العهد بالتبليغ العام، وكأنها على هذا القول وضعت في آخر سورة مدنية للتذكير بأول العهد بالدعوة في آخر العهد بها، وروى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
وروت الشيعة عن الإمام محمد الباقر أن المراد بما أنزل إليه من ربه النص على خلافة علي بعده، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يشق ذلك على بعض أصحابه، فشجعه الله تعالى بهذه الآية. وفي رواية عن ابن عباس أن الله أمره أن يخبر الناس بولاية علي فتخوف أن يقولوا: حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه. فلما نزلت الآية عليه في غدير خم أخذ بيد علي وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، ولهم في ذلك روايات وأقوال في التفسير مختلفة، ومنها ما ذكره الثعلبي في تفسيره أن هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم في موالاة علي شاع وطار في البلاد، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته، وكان بالأبطح، فنزل وعقل ناقته وقال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقبلنا منك، ثم ذكر سائر أركان الإسلام وقال: ثم لم ترض بهذا حتى مددت بضبعي ابن عمك وفضلته علينا وقلت: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فهذا منك أم من الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " والله الذي لا إله إلا هو، هو أمر الله "، فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) (8: 32) فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، وأنزل الله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين) (70: 1، 2) . . . إلخ. وهذه الرواية موضوعة، وسورة المعارج هذه مكية، وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) كان تذكيرا بقول قالوه قبل الهجرة، وهذا التذكير في سورة الأنفال، وقد نزلت بعد غزوة بدر، قبل نزول المائدة ببضع سنين، وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلما فارتد، ولم يعرف في الصحابة، والأبطح بمكة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع من غدير خم إلى مكة، بل نزل فيه منصرفه من حجة الوداع إلى المدينة.
أما حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقد رواه أحمد في مسنده من حديث البراء،




السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (3/ 385)
رجل سمعت أذناه ووعى قلبه، فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا، وفي المعجم الكبير ستة عشر. وفي رواية اثنا عشر، فقال: هاتوا ما سمعتم، فذكروا الحديث، ومن جملته «من كنت مولاه فعلي مولاه» وفي رواية «فهذا مولاه» وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه: وكنت ممن كتم، فذهب الله ببصري، وكان علي كرم الله وجهه دعا على من كتم.
قال بعضهم: ولما شاع قوله صلى الله عليه وسلم «من كنت مولاه فعليّ مولاه» في سائر الامصار وطار في جميع الأقطار، بلغ الحارث بن النعمان الفهري، فقدم المدينة فأناخ راحلته عند باب المسجد، فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله أصحابه، فجاء حتى جثا بين يديه، ثم قال: يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا ذلك منك، وإنك أمرتنا أن نصلي في اليوم والليلة خمس صلوات ونصوم شهر رمضان ونزكي أموالنا ونحج البيت فقبلنا ذلك منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته، وقلت: من كنت مولاه، فعلى مولاه، فهذا شيء من الله أو منك؟ فاحمرت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله وليس مني، قالها ثلاثا، فقام الحارث وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك» وفي رواية «اللهم إن كان ما يقول محمد حقا «فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) [الأنفال: الآية 32] ، فو الله ما بلغ باب المسجد حتى رماه الله بحجر من السماء فوقع على رأسه فخرج من دبره فمات، وأنزل الله تعالى سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) [المعارج: الآية 1- 2] الآية، وكان ذلك اليوم الثامن عشر من ذي الحجة» وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيدا فكانت تضرب فيه الطبول ببغداد في حدود الأربعمائة في دولة بني بويه. وما جاء: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا. قال بعضهم قال الحافظ الذهبي هذا حديث منكر جدا أي بل كذب.
فقد ثبت في الصحيح ما معناه: «أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر» فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل سني شهرا هذا باطل، هذا كلامه فليتأمل.
وقد رددت عليهم في ذلك بما بسطته في كتابي المسمى بالقول المطاع في الرد على أهل الابتداع لخصت فيه الصواعق للعلامة ابن حجر الهيتمي، وذكرت أن الرد عليهم في ذلك من وجوه:
أحدها: أن هؤلاء الشيعة والرافضة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على الإمامة من الأحاديث، وهذا الحديث مع كونه آحاد طعن في صحته جماعة من أئمة الحديث كأبي داود وأبي حاتم الرازي كما تقدم، فهذا منهم مناقضة، ومن ثم قال بعض أهل السنة: يا سبحان الله من أمر الشيعة والرافضة إذا استدللنا عليهم بشيء



منهاج السنة النبوية (7/ 32)
ومن تفسير الثعلبي (1) : «لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فشاع ذلك وطار في البلاد (2) ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته، حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته وأناخها فعقلها، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم (3) - وهو في ملأ من الصحابة، فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ; فقبلنا (4) منك. وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك. وأمرتنا أن نزكي أموالنا (5) فقبلناه منك. وأمرتنا أن نصوم شهرا (6) فقبلناه منك. وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه منك. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي (1) ابن عمك وفضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه (2) . وهذا منك (3) أم من الله؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - والله (4) الذي لا إله إلا هو هو من أمر الله (5) ، فولى الحارث (6) يريد راحلته، وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق (7) من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج (8) من دبره فقتله، وأنزل (9) الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع} . {للكافرين ليس له دافع من الله} » [سورة المعارج: 1 - 3] . وقد روى هذه الرواية النقاش من علماء الجمهور في تفسيره ".
والجواب من وجوه: أحدها: ...


منهاج السنة النبوية (7/ 44)
الوجه الثاني: أن نقول (1) : في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة ; فإن فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان بغدير يدعى خما نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيدي علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأن هذا قد شاع وطار بالبلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، وأنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناقته وهو في الأبطح وأتى وهو في ملأ من الصحابة، فذكر أنهم امتثلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم قال: " ألم ترضى بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا " وقلت: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ؟ وهذا منك أم (2) من الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هو من أمر الله (3) ، فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته، وهو يقول: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته، وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله: {سأل سائل بعذاب واقع - للكافرين} [سورة المعارج: 1، 2] الآية. فيقال لهؤلاء الكذابين: أجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - بغدير خم (4) كان مرجعه من حجة الوداع. والشيعة تسلم هذا، وتجعل ذلك اليوم عيدا وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرجع إلى مكة بعد ذلك، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم وصفر، وتوفي في أول ربيع الأول.
وفي هذا الحديث يذكر أنه بعد أن قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد، جاءه الحارث وهو بالأبطح، والأبطح (1) بمكة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم.
وأيضا (2) فإن هذه السورة - سورة سأل سائل - مكية باتفاق أهل العلم، نزلت بمكة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك، فكيف [تكون] (3) نزلت بعده؟ .
وأيضا قوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} [سورة الأنفال: 32] في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر (4) بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة، وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة، كأبي جهل وأمثاله، وأن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه (5) بقوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} أي اذكر قولهم، كقوله: {وإذ قال ربك للملائكة} [سورة البقرة: 30] ، {وإذ غدوت من أهلك} [سورة آل عمران: 121] ، ونحو ذلك: يأمره بأن يذكر كل ما تقدم. فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة.
وأيضا فإنهم لما استفتحوا بين الله أنه لا ينزل عليهم العذاب ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فيهم ; فقال: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [سورة الأنفال: 32] ثم قال الله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [سورة الأنفال: 33] واتفق الناس على أن أهل مكة لم تنزل عليهم حجارة من السماء لما قالوا ذلك، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله.
ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم، فلما كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم: لا المسند، ولا الصحيح، ولا الفضائل، ولا التفسير، ولا السير ونحوها، إلا ما يروى بمثل هذا الإسناد المنكر - علم (1) أنه كذب وباطل.
وأيضا فقد ذكر (2) في هذا الحديث أن هذا القائل أمر بمباني الإسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلما فإنه قال: " فقبلناه (3) منك. ومن المعلوم بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصبه هذا.
وأيضا فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي يذكرها الطرقية، من جنس الأحاديث التي في سيرة عنتر ودلهمة. وقد صنف الناس كتبا كثيرة في أسماء الصحابة الذين ذكروا في شيء من الحديث، حتى في الأحاديث الضعيفة، مثل كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر، وكتاب ابن منده، وأبي نعيم الأصبهاني، والحافظ أبي موسى، ونحو ذلك. ولم يذكر أحد منهم هذا الرجل، فعلم أنه ليس له ذكر في شيء من الروايات، فإن هؤلاء لا يذكرون إلا ما رواه أهل العلم، لا يذكرون أحاديث الطرقية، مثل " تنقلات الأنوار " للبكري الكذاب (1) وغيره.




مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع (ص: 104)
ويبقى بعد هذا ما يتعلق بأول سورة المعارج " سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ".
والسورة الكريمة " مكية " بالاتفاق، وما ذكره بعضهم (1) يستلزم أن تكون مدنية بل من أواخر ما نزل بالمدينة بعد حجة الوداع قبيل الوفاة: وشيخ طائفتهم الطوسي لم يقع في هذا الخطأ، ولذا قال: سورة المعارج مكية في قول ابن عباس والضحاك وغيرهما. وفسرها بما يتفق مع جمهور المفسرين، ولم يشر إلى أن التكذيب كان بالولاية، ولا أن جزءاً من هذه السورة نزل بالمدينة فضلاً عن كونه بعد حجة الوداع (2) .
وفى مجمع البيان ذكر الطبرسي مثل هذا التفسير، ثم زاد رواية عن جعفر ابن محمد عن آبائه، قال: لما نصب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً عليه السلام يوم غدير خم، وقال: من كنت مولاه فعلى مولاه، طار ذلك في البلاد، فقدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النعمان بن الحرث الفهرى فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة ففعلناها، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلى مولاه: فهذا شىء منك أو أمر من عند الله؟ فقال: والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله، فولى النعمان ابن الحرث وهو يقول: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء "، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، وأنزل الله تعالى: " سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ".
ولكن هذه الرواية تتعارض مع ما ذكره الطبرسي نفسه حيث قال: "سورة المعارج مكية، وقال الحسن: إلا قوله " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ" (1) .
وفى موضع آخر ذكر روايات تبين ترتيب نزول سور القرآن الكريم، وبحسب هذا الترتيب نجد سورة المعارج مكية، وبعدها سبع سور مكية أخرى، ثم ذكر السور المدنية. وفى إحدى هذه الروايات: " وكانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة، ثم يزيد الله فيها ما يشاء بالمدينة ".
ومعنى هذا أن سورة المعارج مكية وبالأخص فاتحتها، والطبرسي في تفسيره الآخر " جوامع الجامع " الذي كتبه بعد أن اطلع على تفسير الكشاف للزمخشرى وأعجب به (2) ، ذكر أن سورة المعارج مكية، وفسرها بما يتفق مع مكيتها، ولم يشر للرواية المنسوبة للإمام الصادق. وفى تفسير الآية الخامسة وهى" فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا " قال: فاصبر يتعلق بسأل سائل لأنهم استعجلوا العذاب استهزاء وتكذيباً بالوحي (1) .
فالطبرسي هنا لم يأخذ بالرواية المنسوبة للإمام الصادق، وما ذكره الطوسي موافقاً به جمهور المفسرين فيه ما يكفى لرد ما ذهب إليه بعض الجعفرية.









الأعلام للزركلي (5/ 176)
قال عبد الله بن طاهر: علماء الإسلام أربعة: عبد الله بن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والقاسم بن معن في زمانه، والقاسم بن سلّام في زمانه. وقال الجاحظ: " لم يكتب الناس أصح من كتبه، ولا أكثر فائدة ". وقال أبو الطيب اللغوي: أبو عبيد مصنف حسن التأليف إلا أنه قليل الرواية، أما كتابه " الغريب المصنف " فانه اعتمد فيه على كتاب معمر بن المثنى، وكذلك كتابه في " غريب القرآن " منتزع من كتاب معمر (1) .

************
الغدير، ج‏1، ص: 460
العذاب الواقع‏
و من الآيات النازلة بعد نصِّ الغدير قوله تعالى من سورة المعارج:
(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ‏) «1»
و قد أذعنت له الشيعة، و جاء مثبتاً في كتب التفسير و الحديث لمن لا يُستهان بهم من علماء أهل السنّة، و دونك نصوصها:
1-
الحافظ أبو عُبيد الهرويّ: المتوفّى بمكّة (223، 224)، المترجم (ص 86).
روى في تفسيره غريب القرآن قال: لمّا بلّغ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم في غدير خُمّ ما بلّغ، و شاع ذلك في البلاد أتى جابر «2» بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري. فقال:
يا محمد أمرتَنا من اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنَّك رسول اللَّه، و بالصلاة، و الصوم، و الحجّ، و الزكاة، فقبلنا منك، ثمّ لم ترضَ بذلك حتى رفعتَ بضَبْع ابن عمِّك ففضّلته علينا، و قلت: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، فهذا شي‏ء منك، أم من اللَّه؟ فقال رسول اللَّه: «و الذي لا إله إلّا هو إنَّ هذا من اللَّه».
فولّى جابر يريد راحلته، و هو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حجارةً من السماء، أَو ائْتِنا بعذاب أَليم.
فما وصل إليها حتى رماه اللَّه بحجر، فسقط على هامته، و خرج من دبره،
______________________________
(1). المعارج: 1- 3.
(2). في رواية الثعلبي الآتية التي أصفق العلماء على نقلها أسمته: الحارث بن النعمان الفِهْري، و لا يبعد صحّة ما في هذه الرواية من كونه جابر بن النضر؛ حيث إنَّ جابراً قتل أميرُ المؤمنين عليه السلام والدَه النضر صبراً بأمر من رسول اللَّه، لمّا أُسِر يوم بدر الكبرى، كما يأتي (ص 241)، و كانت الناس- يومئذٍ- حديثي عهد بالكفر، و من جرّاء ذلك كانت البغضاء محتدمةً بينهم على الأوتار الجاهليّة. (المؤلف)




************
الغدير، ج‏1، ص: 461
و قتله، و أنزل اللَّه تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏) الآية.
2- أبو بكر النقّاش الموصليّ، البغداديّ: المتوفّى (351)، المترجم (ص 104).
روى في تفسيره شفاء الصدور حديث أبي عبيد المذكور، إلّا أنَّ فيه مكان جابرِ ابن النضر الحارثَ بنَ النعمان الفهري، كما يأتي في رواية الثعلبي، و أحسبه تصحيحاً منه.
3-
أبو إسحاق الثعلبيّ، النيسابوريّ: المتوفّى (427، 437).
قال في تفسيره الكشف و البيان‏ «1»: إنَّ سفيان بن عيينة سُئل عن قوله- عز و جل‏ «2»-: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏) في منْ نزلت؟
فقال للسائل‏ «3»: سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك، حدّثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه- صلوات اللَّه عليهم- قال:
لمّا كان رسول اللَّه بغدير خُمّ نادى الناس، فاجتمعوا فأخذ بيد عليٍّ، فقال: «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه»، فشاع ذلك و طار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم على ناقة له حتى أتى الأبطح ()، فنزل عن ناقته فأناخها، فقال:
يا محمد أمرتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنَّك رسول اللَّه فقبلناه، و أمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، و أمرتنا بالزكاة فقبلنا، و أمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، و أمرتنا بالحجّ فقبلنا، ثمّ لم ترضَ بهذا حتى رفعتَ بضَبعَيْ ابن عمِّك ففضّلته علينا، و قلت: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، فهذا شي‏ءٌ منك، أم من اللَّه؟
______________________________
(1). الكشف و البيان: الورقة 234 سورة المعارج آية: 1- 2.
(2). في رواية فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره [ص 190]، و الكراجكي في كنز الفوائد: إنَّ السائل هو الحسين بن محمد الخارقي. (المؤلف)
(3). يأتي الكلام فيه بأبسط وجه إن شاء اللَّه تعالى. (المؤلف)




************
الغدير، ج‏1، ص: 462
فقال: «و الذي لا إله إلّا هو إنَّ هذا من اللَّه». فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته و هو يقول:
اللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّا فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه اللَّه تعالى بحجر، فسقط على هامته، و خرج من دُبُره و قتله، و أنزل اللَّه (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏) الآيات.
4-
الحاكم أبو القاسم الحَسكانيّ: المترجم (ص 112).
روى في كتاب دعاء الهداة إلى أداء حقّ الموالاة «1»، فقال:
قرأت على أبي بكر محمد بن محمد الصيدلاني فأقرَّ به، حدّثكم أبو محمد عبد اللَّه ابن أحمد بن جعفر الشيباني، حدّثنا عبد الرحمن بن الحسين الأسدي، حدّثنا إبراهيم ابن الحسين الكسائي- ابن ديزيل- حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا سفيان بن سعيد الثوري، حدّثنا منصور «2»، عن ربعي‏ «3»، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم لعليّ عليه السلام: «من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه».
قال النعمان بن المنذر- فيه تصحيفٌ- الفهري: هذا شي‏ء قلتَه من عندك، أو شي‏ء أمرك به ربّك؟
قال: «لا، بل أمرني به ربّي».
فقال: اللّهمّ أنزل- كذا في النسخ- علينا حِجارةً من السماء! فما بلغ رَحْله حتى‏
______________________________
(1). و رواه في كتابه شواهد التنزيل أيضاً: 2/ 383 برقم 1033 بطريقين عن ابن ديزيل. (الطباطبائي)
(2). منصور بن المعتمر بن ربيعة الكوفي، يروي عن ربعي بن حراش، مُجمَع على ثقته، تُوفِّي (132)، ذكره الذهبي في تذكرته: 1/ 127 [1/ 142 رقم 135]، و أثنى عليه بالإمام الحافظ الحجّة. (المؤلف)
(3). ربعي بن حراش أبو مريم الكوفي المتوفّى (100، 101، 104) من رجال الصحيحين، قال الذهبي في تذكرته: 1/ 60 [1/ 69 رقم 65]: متفق على ثقته و إمامته و الاحتجاج به. (المؤلف)




************
الغدير، ج‏1، ص: 463
جاءه حجرٌ فأدماه، فخرّ ميِّتاً، فأنزل اللَّه تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏) «1».
و قال: حدّثنا أبو عبد اللَّه الشيرازي، قال: حدّثنا أبو بكر الجرجرائي، قال: حدّثنا أبو أحمد البصري، قال: حدّثنا محمد بن سهل، قال: حدّثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار، قال: حدّثنا محمد بن أيّوب الواسطي، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه عليهم السلام:
لمّا نصب رسول اللَّه عليّا يوم غدير خُمّ، و قال: من كنتُ مولاه، طار ذلك في البلاد، فقدم على النبيِّ صلى الله عليه و سلم النعمان بن الحارث الفهري قال: أمرتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنَّك رسول اللَّه، و أمرتنا بالجهاد و الحجّ و الصوم و الصلاة و الزكاة، فقبلناها، ثمّ لم ترضَ حتى نصبتَ هذا الغلام فقلت: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه. فهذا شي‏ء منك، أو أَمرٌ من عند اللَّه؟
فقال: «و اللَّه الذي لا إله إلّا هو إنَّ هذا من اللَّه».
فولّى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطِرْ عَلَينا حجارَةً من السماء! فرماه اللَّه بحجر على رأسه، فقتله، و أنزل اللَّه تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏) الآيات‏ «2».
5-
أبو بكر يحيى القرطبيّ‏ «3»: المتوفّى (567)، المترجم (ص 115) قال في‏
______________________________
(1). إسناد هذا الحديث صحيح رجاله كلّهم ثقات. (المؤلف)
(2). و أخرجه في كتابه شواهد التنزيل: 2/ 381 رقم 1030، كما رواه بطرق أخرى بالأرقام: 1031 و 1032 و 1034 أيضاً. (الطباطبائي)
(3). القرطبي صاحب التفسير هو أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح المتوفّى سنة 671، له الجامع لأحكام القرآن، المطبوع المشتهر بتفسير القرطبي، و القصّة مذكورة فيه في سورة المعارج: 18/ 278 و إليك نصّه: ()
قيل إنَّ السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري، و ذلك أنَّه لمّا بلغه قول النبيّ صلى اللَّه عليه و آله و سلم في عليّ رضى اللَّه عنه «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» ركب ناقته، فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح، ثم قال: يا محمد، أمرتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أنّك رسول اللَّه، فقبلناه منك، و أن نصوم شهر رمضان في كلّ عام فقبلناه منك، و أن نحجّ فقبلناه منك. () ثم لم ترضَ بهذا حتى فضّلت ابن عمّك علينا، أ فهذا شي‏ء منك أم من اللَّه؟! فقال النبيّ صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «و اللَّه الذي لا إله إلّا هو ما هو إلّا من اللَّه». () فولّى الحارث و هو يقول: اللّهمّ إنْ كان ما يقول محمد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! () فو اللَّه ما وصل إلى ناقته حتى رماه اللَّه بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله، فنزلت (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذابٍ وَاقِعٍ) الآية.
(الطباطبائي)



************
الغدير، ج‏1، ص: 464
تفسيره‏ «1» في سورة المعارج:
لمّا قال النبيّ صلى الله عليه و سلم: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» قال النضر بن الحارث‏ «2» لرسول اللَّه صلى الله عليه و سلم: أمرتنا بالشهادتين عن اللَّه فقبلنا منك، و أمرتنا بالصلاة و الزكاة، ثمّ لم ترضَ حتى فضّلتَ علينا ابن عمّك، آللَّه أمرك، أم من عندك؟
فقال: «و الذي لا إله إلّا هو إنَّه من عند اللَّه».
فولّى و هو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأَمطر علينا حجارةً من السماءِ! فوقع عليه حجر من السماء فقتله.
6-
شمس الدين أبو المظفّر سبط ابن الجوزيّ الحنفيّ: المتوفّى (654).
رواه في تذكرته‏ «3» (ص 19) قال: ذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده: أنَّ النبيّ صلى الله عليه و سلم لمّا قال ذلك- يعني حديث الولاية- طار في الأقطار، و شاع في البلاد
______________________________
(1). الجامع لأحكام القرآن: 18/ 181.
(2). هو النضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن كلدار، و في الحديث تصحيف؛ إذ النضر أُخذ أسيراً يوم بدر الكبرى، و كان شديد العداوة لرسول اللَّه، فأمر بقتله، فقتله أمير المؤمنين صبراً، كما في سيرة ابن هشام: 2/ 286 [2/ 298]، و تاريخ الطبري: 2/ 286 [2/ 459]، و تاريخ اليعقوبي: 2/ 34 [2/ 46]، و غيرها. (المؤلف)
(3). تذكرة الخواص: ص 30.




************
الغدير، ج‏1، ص: 465
و الأمصار، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتاه على ناقة له، فأناخها على باب المسجد «1»، ثمّ عقلها و جاء فدخل في المسجد، فجثا بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم فقال:
يا محمد إنَّك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنَّك رسول اللَّه، فقبلنا منك ذلك، و إنَّك أمرتنا أن نصلّي خمس صلوات في اليوم و الليلة، و نصوم رمضان، و نحجّ البيت، و نزكّي أموالنا، فقبلنا منك ذلك، ثمّ لم ترضَ بهذا حتى رفعت بضَبْعي ابن عمِّك و فضّلته على الناس، و قلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي‏ء منك، أو من اللَّه؟
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم و قد احمرّت عيناه: «و اللَّه الذي لا إله إلّا هو إنَّه من اللَّه، و ليس منّي». قالها ثلاثاً.
فقام الحارث و هو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّا فأرسل من السماء علينا حجارةً أو ائتنا بعذاب أليم!
قال: فو اللَّه ما بلغ ناقته حتى رماه اللَّه من السماء بحجر، فوقع على هامته، فخرج من دُبره و مات، و أنزل اللَّه تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏) الآيات.
7- الشيخ إبراهيم بن عبد اللَّه اليمنيّ، الوصّابيّ، الشافعيّ:
روى في كتابه الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء حديث الثعلبي المذكور (ص 240).
8-
شيخ الإسلام الحمّوئي: المتوفّى (722).
______________________________
(1). لعلّه مسجد رسول اللَّه بغدير خُمّ بقرينة سائر الأحاديث. (المؤلف) () بل الظاهر أنَّه مسجده صلى اللَّه عليه و آله و سلم بالمدينة المنوّرة؛ لأنّ الروايات تقول إنَّه أتى بعد ما طار النبأ في الأقطار و شاع في البلاد و الأمصار، و ذلك لا يكون إلَّا بعد عدّة أيام، و بعد رجوع الحاجّ كلٌّ إلى أرضه و وطنه، و بعد انتشار نبأ هذا الحادث الجلل في الأحياء و القبائل. (الطباطبائي)




************
الغدير، ج‏1، ص: 466
روى في فرائد السمطين في الباب الخامس عشر «1» قال: أخبرني الشيخ عماد الدين [عبد] الحافظ بن بدران بمدينة نابلس فيما أجاز لي أن أرويه عنه، إجازةً عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد الأنصاري، إجازةً عن عبد الجبار بن محمد الخواري البيهقي، إجازةً عن الإمام أبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي، قال: قرأت على شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره: أنَّ سفيان بن عيينة سُئل عن قوله (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏) في من نزلت؟ فقال... الحديث‏ إلى آخر لفظ الثعلبي المذكور (ص 240).
9- الشيخ محمد الزرَنديّ، الحنفيّ: المترجم (ص 125).
ذكره في كتابيه معراج الوصول و نظم درر السمطين‏ «2».
10-
شهاب الدين أحمد الدولت‏آباديّ: المتوفّى (849).
روى في كتابه: هداية السعداء في الجلوة الثانية من الهداية الثامنة: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم قال يوماً: «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، و عادِ من عاداه، و انصُر من نَصَره، و اخذُل من خذله».
فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج‏ «3»، فجاء إلى النبيّ صلى الله عليه و سلم فقال: يا محمد هذا من عندك أو من عند اللَّه؟ فقال صلى الله عليه و سلم: «هذا من عند اللَّه».
فخرج الكافر من المسجد، و قام على عتبة الباب و قال: إن كان ما يقوله محمد حقّا فأنزِلْ عليَّ حجراً من السماء!
قال: فنزل حجر، و رضخ رأسه فنزلت (سَأَلَ سائِلٌ...).
11- نور الدين ابن الصبّاغ المالكيّ، المكيّ: المتوفّى (855).
______________________________
(1). فرائد السمطين: 1/ 82 ح 53.
(2). نظم درر السمطين: ص 93.
(3). أراد من الخوارج المعنى الأعمّ من محاربٍ لحجّة وقته أو مجابهه بردّ، نبيّا كان أو خليفة. (المؤلف)



************
الغدير، ج‏1، ص: 467
رواه في كتابه الفصول المهمّة «1» (ص 26).
12- السيِّد نور الدين الحسنيّ، السمهوديّ، الشافعيّ: المتوفّى (911)، المترجم (ص 133).
رواه في جواهر العقدين‏ «2».
13-
أبو السعود العماديّ‏ «3»: المتوفّى (982).
قال في تفسيره‏ «4» (8/ 292): قيل: هو- أي سائل العذاب- الحارث بن النعمان الفهري، و ذلك أنَّه لَمّا بلغه قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في عليّ رضى الله عنه: «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه»، قال: اللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّا فأَمطِرْ علينا حجارةً من السماء! فما لبث حتى رماه تعالى بحجر، فوقع على دماغه، فخرج من أسفله، فهلك من ساعته.
14-
شمس الدين الشربينيّ، القاهريّ، الشافعيّ: المتوفّى (977)، المترجم (ص 135).
قال في تفسيره السراج المنير «5» (4/ 364): اختلف في هذا الداعي: فقال ابن عبّاس: هو النضر بن الحارث. و قيل: هو الحارث بن النعمان.
و ذلك أنَّه لمّا بلغه قول النبيّ صلى الله عليه و سلم: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه»، ركب ناقته، فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح، ثمّ قال: يا محمد أمرتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أنَّك رسول اللَّه فقبلناه منك، و أن نصلّي خمساً و نزكّي أموالنا فقبلناه منك، و أن‏
______________________________
(1). الفصول المهمّة: ص 41.
(2). جواهر العقدين: الورقة 179.
(3). المولى محمد بن محمد بن مصطفى الحنفيّ، ولد (898) بقرية قريبة من قسطنطينية، و أخذ العلم، و قُلّد القضاء و الفتيا، و تُوفِّي بالقسطنطينية مُفتياً (982). ترجمه أبو الفلاح في شذرات الذهب: 8/ 398- 400 [10/ 584 حوادث سنة 982 ه‏]. (المؤلف)
(4). إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: 9/ 29.
(5). السراج المنير: 4/ 380.




************
الغدير، ج‏1، ص: 468
نصوم شهر رمضان في كلِّ عام فقبلناه منك، و أن نحجّ فقبلناه منك، ثمّ لم ترضَ حتى فضّلتَ ابن عمك علينا، أ فهذا شي‏ء منك أم من اللَّه تعالى؟
فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم: «و الذي لا إله إلّا هو ما هو إلّا من اللَّه». فولّى الحرث و هو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقول محمد حقّا فأَمطر علينا حجارةً من السماء أَو ائْتِنا بعذابٍ أَليمٍ!
فو اللَّه ما وصل إلى ناقته حتى رماه اللَّه تعالى بحجر، فوقع على دماغه، فخرج من دُبره، فقتله، فنزلت: (سَأَلَ سائِلٌ‏) الآيات.
15-
السيِّد جمال الدين الشيرازي: المتوفّى (1000).
قال في كتابه الأربعين في مناقب أمير المؤمنين: الحديث الثالث عشر «1» عن جعفر بن محمد، عن آبائه الكرام:
أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم لمّا كان بغدير خُمّ نادى الناس، فاجتمعوا فأخذ بيد عليٍّ، و قال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، و عادِ من عاداه، و انصر من نصره، و اخذُل من خذله، و أدر الحقَّ معه حيث كان- و في رواية- اللّهمّ أَعِنْهُ و أعِنْ به، و ارحمه و ارحم به، و انصره و انصر به».
فشاع ذلك، و طار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم على ناقة له...،
و ذكر إلى آخر حديث الثعلبي.
16- الشيخ زين الدين المناويّ، الشافعيّ: المتوفّى (1031)، المترجم (ص 138).
رواه في كتابه فيض القدير في شرح الجامع الصغير (6/ 218) في شرح حديث الولاية.
______________________________
(1). الأربعين في فضائل أمير المؤمنين: ص 40.



************
الغدير، ج‏1، ص: 469
17- السيّد ابن العيدروس الحسينيّ، اليمنيّ: المتوفّى (1041)، المترجم (ص 138).
ذكره في كتابه العقد النبويّ و السرّ المصطفويّ.
18- الشيخ أحمد بن با كثير المكيّ، الشافعيّ: المتوفّى (1047)، المترجم (ص 139).
نقله في تأليفه وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل‏ «1».
19- الشيخ عبد الرحمن الصّفوريّ:
روى في نزهته‏ «2» (2/ 242) حديث القرطبي.
20-
الشيخ برهان الدين عليّ الحلبيّ، الشافعيّ: المتوفّى (1044).
روى في السيرة الحلبية «3» (3/ 302) و قال: لمّا شاع قوله صلى الله عليه و سلم: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» في سائر الأمصار، و طار في جميع الأقطار، بلغ الحارث بن النعمان الفهريّ، فقدم المدينة، فأناخ راحلته عند باب المسجد، فدخل و النبيُّ جالسٌ و حوله أصحابه، فجاء حتى جثا بين يديه، ثمّ قال: يا محمد...
إلى آخر لفظ سبط ابن الجوزي المذكور (ص 242).
21-
السيّد محمود بن محمد القادري، المدنيّ:
قال في تأليفه الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ: قد مرّ مراراً قوله صلى الله عليه و سلم: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه». الحديث.
قالوا: و كان الحارث بن النعمان مسلماً، فلمّا سمع حديث «من كنتُ مولاه فعليٌ‏
______________________________
(1). وسيلة المآل: ص 119- 120.
(2). نزهة المجالس: 2/ 209.
(3). السيرة الحلبية: 3/ 274.




************
الغدير، ج‏1، ص: 470
مولاه» شكّ في نبوّة النبيّ، ثمّ قال: اللّهمّ إن كان ما يقوله محمد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم! ثمّ ذهب ليركب راحلته فما مشى نحو ثلاث خطوات حتى رماه اللَّه بحجر فسقط على هامته، و خرج من دُبره فقتله، فأنزل اللَّه تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏). الآيات.
22-
شمس الدين الحفنيّ، الشافعيّ: المتوفّى (1181)، المترجم (ص 144).
قال في شرح الجامع الصغير للسيوطي (2/ 387) في شرح قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه»: لمّا سمِع ذلك بعض الصحابة، قال: أما يكفي رسول اللَّه أن نأتي بالشهادة و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة... حتى يرفع علينا ابن أبي طالب، فهل هذا من عندك أم من عند اللَّه؟ فقال صلى الله عليه و سلم: «و اللَّه الذي لا إله إلّا هو إنَّه من عند اللَّه»،
فهو دليل على عظم فضل عليٍّ عليه السلام.
23-
الشيخ محمد صدر العالم سبط الشيخ أبي الرضا:
قال في كتابه معارج العُلى في مناقب المرتضى: إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم قال يوماً: «اللّهمّ من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، و عادِ من عاداه». فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج، فجاء إلى النبيّ صلى الله عليه و سلم فقال: يا محمد هذا من عندك أو من عند اللَّه؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه و سلم: «هذا من عند اللَّه».
فخرج الكافر من المسجد، و قام على عتبة الباب، و قال: إن كان ما يقوله حقّا فأنزِلْ عليَّ حجراً من السماء! قال: فنزل حجر، فرضخ رأسه.
24- الشيخ محمد محبوب العالم:
رواه في تفسيره الشهير بتفسير شاهي.
25- أبو عبد اللَّه الزرقانيّ، المالكيّ: المتوفّى (1122).
حكاه في شرح المواهب اللدنيّة (7/ 13).



************
الغدير، ج‏1، ص: 471
26- الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظيّ، الشافعيّ:
ذكره في كتابه ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل.
27- السيّد محمد بن إسماعيل اليمانيّ: المتوفّى (1182).
ذكره في كتابه الروضة النديّة في شرح التحفة العلويّة «1».
28- السيّد مؤمن الشبلنجيّ، الشافعيّ، المدنيّ:
ذكره في كتابه نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار «2» (ص 78).
29- الأستاذ الشيخ محمد عبده المصريّ: المتوفّى (1323).
ذكره في تفسير المنار (6/ 464) عن الثعلبيّ، ثمّ استشكل عليه بمختصر ما أورد عليه ابن تيميّة، و ستقف على بطلانه و فساده.
(وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏) «3»
______________________________
(1). الروضة الندية في شرح التحفة العلوية: ص 156.
(2). نور الأبصار: ص 159.
(3). العنكبوت: 18.



************
الغدير، ج‏1، ص: 472
نظرة في الحديث‏
قد عرفت مصافقة التفسير و الخبر في سبب نزول الآية الكريمة، و مطابقة النصوص و الأسانيد في إثبات الحديث و الإخبات إليه، و قد أفرغته الشعراء في بوتقة النظم منذ عهد متقادم كأبي محمد العَوني الغسّاني، المترجَم في شعراء القرن الرابع في قوله:
يقول رسول اللَّه: هذا لأمّتي‏ هو اليومَ مولىً ربِّ ما قلتُ فاسمعِ‏
فقال جَحودٌ ذو شقاقٍ منافقٌ‏ يُنادي رسولَ اللَّه من قلبِ مُوجَعِ‏
أَ عَن ربِّنا هذا، أَم انتَ اخْتَرعتَهُ؟ فقال: معاذَ اللَّه لستُ بمُبدِعِ‏
فقال عدوُّ اللَّه: لا هُمَّ إن يكنْ‏ كما قالَ حقّا بي عذاباً فَأوقعِ‏
فعُوجلَ من أُفْق السماءِ بكفرِهِ‏ بجندلةٍ فانكبّ ثاوٍ بمصرعِ‏


و قال آخر في أُرجوزته:
و ما جرى لحارث النعمانِ‏ في أمره من أوضح البرهانِ‏
على اختيارِهِ لأمرِ الأُمّهْ‏ فمِن هناك ساءه و غَمَّهْ‏
حتى أتى النبيَّ بالمدينه‏ مُحْبَنْطِئاً من شدّة الضغينهِ‏
و قال ما قال من المقالِ‏ فباءَ بالعذابِ و النكال‏


و لم نجد من قريبٍ أو مناوئٍ غمزاً فيه أو وقيعةً في نقله، مهما وجدوا رجال إسناده ثقات فأخبتوا إليه، عدا ما يُؤثر عن ابن تيميّة «1» في منهاج السنّة (4/ 13) فقد
______________________________
(1). ابن تيمية الدائب على إنكار الضروريات، و المتجرّئ على الوقيعة في المسلمين، و على تكفيرهم و تضليلهم، و لذلك عاد غرضاً لنبال الجرح من فطاحل علماء أهل السنّة منذ ظهرت مخاريقه و إلى هذا اليوم، و حسبك قول الشوكاني في البدر الطالع: 2/ 260 [رقم 515]: صرّح محمد البخاري الحنفي- المتوفّى (841)- بتبديعه ثمّ تكفيره، ثمّ صار يصرّح في مجلسه: إنَّ من أطلق القول على ابن تيميّة أنَّه شيخ الإسلام، فهو بهذا الإطلاق كافر. (المؤلف)



************
الغدير، ج‏1، ص: 473
ذكر وجوهاً في إبطال الحديث كشف بها عن سوأته، كما هو عادته في كلِّ مسألة تفرّد بالتحذلق فيها عند مناوأة فِرق المسلمين، و نحن نذكرها مختصرةً و نجيب عنها:
الوجه الأوّل: أنَّ قصّة الغدير كانت في مرتجع رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم من حجّة الوداع، و قد أجمع الناس على هذا، و في الحديث: أنَّها لَمّا شاعت في البلاد جاءه الحارث و هو بالأبطح بمكّة، و طبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة فالمفتعِل للرواية كان يجهل تاريخ قصّة الغدير.
الجواب:
أوّلًا: ما سلف- في رواية الحلبي في السيرة «1»، و سبط ابن الجوزي في التذكرة «2»، و الشيخ محمد صدر العالم في معارج العُلى- من أنَّ مجي‏ء السائل كان في المسجد- إن أُريد منه مسجد المدينة- و نصَّ الحلبي على أنَّه كان بالمدينة، لكن ابن تيميّة عزب عنه ذلك كلّه، فطفِق يُهملج في تفنيد الرواية بصورة جزميّة.
ثانياً: فإنّ مغاضاة الرجل عن الحقائق اللغويّة، أو عصبيّته العمياء التي أسدلت بينه و بينها ستور العمى ورّطته في هذه الغمرة، فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكّة، و لو كان يراجع كتب الحديث و معاجم اللغة و البلدان، و الأدب لَوجد فيها نصوص أربابها بأنّ الأبطح: كلُّ مسيل فيه دِقاق الحصى، و قولهم في الإشارة إلى بعض مصاديقه: و منه بطحاء مكّة، و عَرف أنَّه يطلق على كلِّ مسيل يكون بتلك الصفة، و ليس حِجْراً على أطراف البلاد و أكناف المفاوز أن تكون فيها أباطح.
روى البخاري في صحيحه‏ «3» (1/ 181)، و مسلم في صحيحه‏ «4» (1/ 382) عن‏
______________________________
(1). السيرة الحلبية: 3/ 274، تذكرة الخواص: ص 30.
(2). السيرة الحلبية: 3/ 274، تذكرة الخواص: ص 30.
(3). صحيح البخاري: 2/ 556 ح 1459.
(4). صحيح مسلم: 3/ 154 ح 430 كتاب الحجّ.




************
الغدير، ج‏1، ص: 474
عبد اللَّه بن عمر: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم أناخ بالبطحاء بذي الحُلَيفة فصلّى بها.
و في الصحيحين‏ «1» عن نافع: أنَّ ابن عمر كان إذا صدر عن الحجّ أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان النبيُّ صلى الله عليه و سلم يُنيخ بها.
و في صحيح مسلم‏ «2» (1/ 382) عن عبد اللَّه بن عمر: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم أتى في مُعرَّسه‏ «3» بذي الحُليفة «4» فقيل له: إنَّك ببطحاء مباركة.
و في إمتاع المقريزي‏ «5» و غيره: أنَّ النبيّ إذا رجع من مكّة دخل المدينة من معرَّس الأبطح، فكان في معرَّسه في بطن الوادي، فقيل له: إنَّك ببطحاء مباركة.
و في صحيح البخاري‏ «6» (1/ 175) عن ابن عمر: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم كان ينزل بذي الحُليفة حين يعتمر، و في حجّته حين حجَّ تحت سَمُرةٍ في موضع المسجد الذي بذي الحُليفة، و كان إذا رجع من غزوٍ- كان في تلك الطريق- أو حجٍّ أو عمرةٍ هبط ببطن وادٍ، فإذا ظهر من بطنٍ أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقيّة، فعرّس ثَمَّ حتى يصبح. و كان ثَمَّ خليجٌ يصلّي عبد اللَّه عنده، و في بطنه كُثُبٌ كان رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ثَمَّ يُصلّي، فدحا فيه السيل بالبطحاء. الحديث.
و في رواية ابن زبالة: فإذا ظهر النبيُّ من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقيّة.
و في مصابيح البغوي‏ «7» (1/ 83): قال القاسم بن محمد: دخلت على عائشة رضي الله عنها
______________________________
(1). صحيح مسلم: 3/ 154 ح 432 كتاب الحجّ، صحيح البخاري: 2/ 556 ح 1459.
(2). صحيح مسلم: 3/ 155 ح 433 كتاب الحجّ.
(3). التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم و الاستراحة. (المؤلف)
(4). ذو الحُلَيْفة: قرية بينها و بين المدينة ستة أميال أو سبعة. معجم البلدان: 2/ 295.
(5). إمتاع الأسماع: ص 534.
(6). صحيح البخاري: 1/ 183 ح 470.
(7). مصابيح السنّة: 1/ 560 ح 1218.



************
الغدير، ج‏1، ص: 475
فقلت: يا أُمّاه اكشفي لي عن قبر النبيّ صلى الله عليه و سلم، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة «1» و لا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.
و روى السمهودي في وفاء الوفا «2» (2/ 212) من طريق ابن شبّة و البزّار عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه و سلم أنَّه قال: بطحان على ترعةٍ من ترع الجنّة.
و قبل هذه الأحاديث كلّها ما ورد في حديث الغدير من طريق حذيفة بن أُسَيد و عامر بن ليلى قالا: لمّا صدر رسول اللَّه من حجّة الوداع و لم يحجّ غيرها، أقبل حتى كان بالجُحْفة، نهى عن سَمُرات مُتقاربات بالبطحاء؛ أن لا ينزل تحتهنّ أحدٌ... الحديث. راجع (ص 26، 46).
و أمّا معاجم اللغة و البلدان:
ففي معجم البلدان‏ «3» (2/ 213): البطحاء في اللغة مسيلٌ فيه دقاق الحصى، و الجمع: الأباطح و البِطاح على غير قياس، إلى أن قال: قال أبو الحسن محمد بن عليّ ابن نصر الكاتب: سمعت عوّادة تغنّي في أبيات طريح بن إسماعيل الثقفي في الوليد بن يزيد بن عبد الملك و كان من أخواله:
أنت ابنُ مُسْلَنْطِحِ‏ «4» البطاحِ و لم‏ تطرقْ عليك الحنيُّ و الولجُ‏ «5»


فقال بعض الحاضرين: ليس غير بطحاء مكّة، فما معنى الجمع؟
فثار البطحاوي العلويّ، فقال: بطحاء المدينة، و هو أجلُّ من بطحاء مكّة،
______________________________
(1). أصله من الشرف: العلوّ، و اللاطئة من لطئ بالأرض: لزق. (المؤلف)
(2). وفاء الوفا: 3/ 1071.
(3). معجم البلدان: 1/ 444.
(4). المسلنطح: الفضاء الواسع.
(5). الحنيّ: ما انخفض من الأرض، الولج جمع وِلاج بالكسر: النواحي، الأزقة، ما اتّسع من الأودية؛ أي لم تكن بينهما فيخفى حسبك. (المؤلف)



************
الغدير، ج‏1، ص: 476
و جدّي منه، و أنشد له:
و بَطْحا المدينةِ لي منزلٌ‏ فيا حبَّذا ذاك من منزلِ‏


فقال: فهذان بطحاوان فما معنى الجمع؟
قلنا: العرب تتوسّع في كلامها و شعرها فتجعل الاثنين جمعاً، و قد قال بعض الناس: إنَّ أقلّ الجمع اثنان، و ممّا يؤكّد أنَّهما بطحاوان قول الفرزدق:
و أنت ابنُ بَطْحاوَيْ قريشٍ فإن تشأْ تكن في ثقيفٍ سيلَ ذي أدبٍ عَفْرِ


ثمّ قال:
قلت أنا: و هذا كلّه تعسّفٌ. و إذا صحَّ بإجماع أهل اللغة أنَّ البطحاء: الأرض ذات الحصى فكلُّ قطعة من تلك الأرض بطحاء، و قد سُمِّيت قريش البطحاء، و قريش الظواهر، في صدر الجاهليّة و لم يكن بالمدينة منهم أحد.
و أمّا قول الفرزدق و ابن نباتة، فقد قالت العرب: الرقمتان ورامتان، و أمثال ذلك كثيرٌ تمرُّ في هذا الكتاب، قصدهم بها إقامة الوزن فلا اعتبار به.
البُطاح- بالضمّ-: منزل لبني يربوع، و قد ذكره لبيد، فقال:
تربّعتِ الأشرافُ ثمّ تصيّفتْ‏ حِساءَ البطاحِ و انْتجعْنَ السلائلا


و قيل: البُطاح ماءٌ في ديار بني أسد، و هناك كانت الحرب بين المسلمين- و أميرُهم خالد بن الوليد- و أهل الردّة، و كان ضرار بن الأزور الأسدي قد خرج طليعة لخالد بن الوليد، و خرج مالك بن نويرة طليعة لأصحابه، فالتقيا بالبُطاح فقتل ضرار مالكاً، فقال أخوه متمِّم يرثيه:
سأبكي أخي ما دام صوتُ حمامةٍ توَرّقُ في وادي البُطاح حماما


و قال وكيع بن مالك يذكر يوم البُطاح:



************
الغدير، ج‏1، ص: 477

فلمّا أتانا خالدٌ بلوائِهِ‏ تخطّتْ إليه بالبطاحِ الودائعُ‏


و قال في‏ «1» (ص 215):
البطحاء: أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى. و قال النضر: الأبطح و البطحاء بطن الميثاء و التلعة و الوادي، هو التراب السهل في بطونها ممّا قد جرّته السيول، يقال: أتينا أبطح الوادي، و بطحاؤه مثله، و هو ترابه و حصاه السهل الليّن. و الجمع الأباطح.
و قال بعضهم: البطحاء كلّ موضع متّسع. و قول عمر رضى الله عنه: بطِّحوا المسجد؛ أي ألقوا فيه الحصى الصغار، و هو موضع بعينه قريب من ذي قار. و بطحاء مكّة و أبطحها ممدودٌ، و كذلك بطحاء ذي الحُليفة.
قال ابن إسحاق: خرج النبيُّ صلى الله عليه و سلم غازياً فسلك نقب بني دينار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق، فصلّى تحتها فثَمَّ مسجده.
و بطحاء- أيضاً- مدينة بالمغرب قرب تلمسان.
بُطْحان- روي فيه الضمّ و الفتح- وادٍ بالمدينة، و هو أحد أوديتها الثلاثة، و هي: العقيق، و بطحان، و قتاة، قال الشاعر- و هو يقوّي رواية من سكّن الطاء-:
أبا سعيدٍ لم أزلْ بعدكُمْ‏ في كُرَبٍ للشوق تغشاني‏
كم مجلسٍ ولّى بلذّاتِهِ‏ لم يهنني إذ غاب نُدْماني‏
سقياً لسَلْعٍ و لساحاتِها و العيشِ في أكْنافِ بُطْحانِ‏


و قال ابن مقبل في قول من كسر الطاء:
عَفى بَطِحانٌ من سُليمى فيثربُ‏ فملقى الرمالِ من منى فالمحصَّب‏


______________________________
(1). معجم البلدان: 1/ 446.



************
الغدير، ج‏1، ص: 478
و قال أبو زياد: بطحان من مياه الضباب.
و قال في‏ «1» (ص 222): البَطيحة- بالفتح ثمّ الكسر- و جمعها البطائح، و البطيحة و البطحاء واحد. و تبطّح السيل إذا اتّسع في الأرض، و بذلك سُمِّيت بطائح واسط؛ لأنّ المياه تبطّحت فيها أي سالت، و اتّسعت في الأرض، و هي أرضٌ واسعةٌ بين واسط و البصرة، و كانت قديماً قرىً متّصلة و أرضاً عامرة، فاتّفق في أيّام كسرى ابرويز أن زادت دجلة زيادة مفرطة، و زاد الفرات أيضاً بخلاف العادة، فعجز عن سدّها فتبطّح الماء في تلك الديار و العمارات و المزارع فطرد أهلها عنها... الخ.
و قال ابن منظور في لسان العرب‏ «2» (3/ 236)، و الزبيدي في تاج العروس (2/ 124) ما ملخّصه: بطحاء الوادي تراب ليِّن ممّا جرّته السيول.
و قال ابن الأثير «3»: بطحاء الوادي و أبطحه حصاه الليِّن في بطن المسيل، و منه الحديث: أنَّه صلّى بالأبطح؛ يعني أبطح مكّة. قال: هو مسيل واديها.
و عن أبي حنيفة: الأبطح لا يُنبت شيئاً، إنَّما هو بطن المسيل.
و عن النضر: البطحاء بطن التلعة و الوادي، و هو التراب السهل في بطونها ممّا قد جرّته السيول، يقال: أتينا أبطح الوادي فنمنا عليه. و بطحاؤه مثله و هو ترابه و حصاه السهل الليّن.
و قال أبو عمرو: سُمّي المكان أبطح؛ لأنّ الماء ينبطح فيه؛ أي يذهب يميناً و شمالًا، الجمع أباطح و بطائح.
و في الصحاح‏ «4»: تبطّح السيل: اتّسع في البطحاء. و قال ابن سيدة «5»: سال سيلًا عريضاً، قال ذو الرّمّة:
______________________________
(1). معجم البلدان: 1/ 450.
(2). لسان العرب: 1/ 428.
(3). النهاية في غريب الحديث و الأثر: 1/ 134.
(4). الصحاح للجوهري: 1/ 356.
(5). المخصّص: 2/ 129 السفر التاسع.



************
الغدير، ج‏1، ص: 479

و لا زال من نَوْءِ السِّماكِ عليكما و نَوْءِ الثريّا وابلٌ متبطِّحُ‏


و قال لبيد:
يزع الهيام عن الثرى و يمدّه‏ بطحٌ يهايلُهُ عن الكُثْبانِ‏


و قال آخر:
إذا تبطَّحنَ على المحاملِ‏ تبطُّحَ البطِّ بجنب الساحلِ‏


و بطحاء مكّة و أبطحها معروفة لانبطاحها، بُطْحان- بالضمّ و سكون الطاء- و هو الأكثر، قال ابن الأثير في النهاية «1»: و لعلّه الأصحّ. و قال عياض في المشارق‏ «2»: هكذا يرويه المحدِّثون. و كذا سمعناه من المشايخ، و الصواب الفتح و كسر الطاء كقَطران كذا قيَّد القالي في البارع‏ «3»، و أبو حاتم و البكري في المعجم، و زاد الأخير: و لا يجوز غيره. هو أحد أودية المدينة الثلاثة: و هو العقيق و بَطحان و قتاة، و روى ابن الأثير فيه الفتح أيضاً و غيره بالكسر، و في الحديث كان عمر أوّل من بطّح المسجد و قال: ابطحوه من الوادي المبارك. تبطيح المسجد إلقاء الحصى فيه و توثيره، و في حديث ابن الزبير: فأهاب بالناس إلى بطحه، أي تسويته. و انبطح الوادي في هذا المكان و استبطح، أي استوسع فيه، و يقال في النسبة إلى بطحان المدينة: البطحانيون. انتهى‏ «4».
و قال اليعقوبي في كتاب البلدان (ص 84): و من واسط إلى البصرة في البطائح؛ لأنّه تجمع فيها عدّة مياه، ثمّ يصير من البطائح في دجلة العوراء، ثمّ يصير إلى البصرة
______________________________
(1). النهاية في غريب الحديث و الأثر: 1/ 135.
(2). مشارق الأنوار إلى صحيح الآثار: 1/ 87.
(3). البارع في اللغة: ص 712.
(4). و لهذه المذكورات شواهد في الصحاح و القاموس و النهاية و الصراح و الطراز و غيرها من معاجم اللغة. (المؤلف)



************
الغدير، ج‏1، ص: 480
فيرسي في شط نهر ابن عمر. انتهى.
و يوم البطحاء: من أيّام العرب المعروفة منسوب إلى بطحاء ذي قار، وقعت الحرب فيها بين كسرى و بكر بن وائل.
و هناك شواهد كثيرة من الشعر لمن يُحتج بقوله في اللغة العربيّة، منها ما يُعزى إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من قوله يخاطب به الوليد بن المغيرة:
يُهدِّدني بالعظيمِ الوليدُ فقلتُ: أنا ابنُ أبي طالبِ‏
أنا ابنُ المُبجَّلِ بالأبطَحَيْنِ‏ و بالبيت من سَلَفي غالبِ‏


و ذكر المَيْبُذي في شرحه‏ «1»: أنَّه عليه السلام يريد أبطح مكّة و المدينة.
و قال نابغة بني شيبان‏ «2»- في ديوانه (ص 104) من قصيدةٍ يمدح بها عبد الملك ابن مروان-:
و الأرضُ جمُّ النباتِ منهُ بها مثل الزرابيّ للونه صبحُ‏
و ارتدّت الأكمُ من تهاويل ذي‏ نورٍ عميمٍ و الأسهل البطحُ‏


و للسيّد الحميري يصف الكوثر الذي يسقي منه أمير المؤمنين عليه السلام شيعته يوم القيامة قوله من قصيدة تأتي في ترجمته في شعراء القرن الثاني:
بطحاؤه مسكٌ و حافاتُهُ‏ يهتزُّ منها مونِقٌ مربعُ‏


و قال أبو تمام المترجَم في شعراء القرن الثالث في المديح في ديوانه (ص 68):
قومٌ همُ آمنوا قبل الحمام بها من بين ساجعِها الباكي و نائحِها
كانوا الجبالَ لها قبل الجبالِ و همْ‏ سالوا و لم يكُ سيلٌ في أَباطحِها


______________________________
(1). شرح ديوان أمير المؤمنين عليه السلام: ص 197.
(2). عبد اللَّه بن المخارق بن سليم. (المؤلف)



************
الغدير، ج‏1، ص: 481
و قال الشريف الرضي‏ «1» من قصيدة في ديوانه‏ «2» (1/ 205):
دَعُوا وِرْدَ ماءٍ لستُمُ من حلاله‏ و حُلّوا الروابي قبلَ سَيْلِ الأباطحِ‏


و له من قصيدة أخرى توجد في ديوانه (ص 198) قوله:
متى أرى البيضَ و قد أمطرتْ‏ سيلَ دمٍ يغلبُ سيل البطاحْ‏


و يقول من أخرى (ص 194):
فَلَرُبَّ عيشٍ فيك رقَّ نسيمُهُ‏ كالماء رقَّ على جُنُوبِ بِطاحِ‏


و له من أخرى (ص 191):
بكلِّ فلاةٍ تقودُ الجيادَ تَعثّرُ فيها ببيض الأداحي‏ «3»
فَيُلْجِمُ أعناقَها بالجبالِ‏ و يُنْعِلُ أرساغَها بالبطاحِ‏


و قال مهيار الديلمي‏ «4» في قصيدة كتبها إلى النهرواني يهنِّئه بعقد نكاح‏ «5»:
فما اتَّفق‏السعدان حتى تكافآ أَعزُّ بطونٍ في أعزِّ بطاحِ‏
و لو قيل: غير الشمس سِيقَتْ هديّةً إلى البدر لم أفرحْ له بنكاحِ‏


و له في ديوانه (1/ 199) من قصيدة كتبها إلى الصاحب أبي القاسم قوله:
فكن سامعاً في كلّ نادي مسرّةٍ شواردَ في الدنيا و لسنَ بَوارحا
حوامل أعباء الثناءِ خفائفاً صعدن الهضابَ أو هبطنَ الأباطحا


______________________________
(1). أحد شعراء الغدير في القرن الرابع، تأتي هناك ترجمته. (المؤلف)
(2). ديوان الشريف الرضي: 1/ 265، 255، 250، 247.
(3). الدحية- بكسر المهملة-: رئيس الجند. (المؤلف)
(4). أحد شعراء الغدير في القرن الخامس، تأتي هناك ترجمته. (المؤلف)
(5). ديوان مهيار الديلمي: 1/ 186.



************
الغدير، ج‏1، ص: 482
و قال‏ «1» في مستهلّ قصيدة كتبها إلى ناصر الدولة بعمّان:
لمن صاغياتٌ‏ «2» في الجبالِ طلائحُ‏ «3» تسيلُ على نُعمانَ منها الأباطحُ‏


و قال أبو إسحاق بن خفاجة الأندُلسي: المتوفّى (533) من مقطوعة:
فإن أنا لم أشكُرْكَ و الدارُ غَرْبةٌ «4» فلا جادني غادٍ من المُزْن رائحُ‏
و لا استشرفَتْ يوماً إليَّ به الربى‏ جلالًا و لا هشّتْ إليَّ الأباطحُ‏


و له من قصيدة أخرى في ديوانه (ص 37):
تَخايلُ نَخْوةً بهمُ المذاكي‏ «5» و تعسلُ هزّةً لهُمُ الرماحُ‏
لهم هِممٌ كما شَمَختْ جبالٌ‏ و أخلاقٌ كما دَمِثَتْ بِطاحُ‏


و من مقطوعة له يصف الكلب و الأرنب في ديوانه (ص 37):
يجول بحيثُ يكشّر عن نصالٍ‏ مؤلّلةٍ و تحملُه رماحُ‏
و طوراً يرتقي حُدْبَ الروابي و آونةً تسيلُ به البطاحُ‏


و يقول في قصيدة يهنِّئ بها قاضي القضاة:
بشرى كما أسفرَ وجهُ الصباحْ‏ و استشرف الرائدُ برقاً ألاحْ‏
و ارتجزَ الرعدُ بلجِّ الندى‏ ريّا و يحدو بمطايا الرياحْ‏
فدنَّرَ الزهرُ متونَ الربى‏ و دَرْهَمَ القَطْرُ بُطونَ البِطاحْ‏ «6»


______________________________
(1). ديوان مهيار الديلمي: 1/ 221.
(2). الصاغيات: المائلات. (المؤلف)
(3). طلح البعير طلحاً: إذا أعيا و كلّ، و الطلح: الإعياء و السقوط من السفر.
(4). غَربة: نائية.
(5). المذاكي: الخيل.
(6). دَنَّر الزهر: أي صار يشبه الدينار في حمرة لونه، وَ دَرْهَمَ القطر: أي يشبه الدرهم في نصاعته و بياض لونه.



************
الغدير، ج‏1، ص: 483
و له من قصيدة يصف معركاً قوله:
زَحمتْ مناكبه الأعادي زحمةً بَسَطَتْهُمُ فوق البطاحِ بِطاحا


و له من أخرى قوله:
غلامٌ كما استخشنت جانب هضبة و لان على طشٍ‏ «1» من المزنِ أبطح‏


و للأرّجاني المتوفّى (544) من قصيدة يمدح بها الوزير شمس الملك في ديوانه (ص 80) قوله:
لا غرو إن فاضت دماً مقلتي‏ و قد غدت مل‏ءَ فؤادي جِراحْ‏
بل يا أخا الحيِّ إذا زرتَهُ‏ فحيِّ عنّي ساكناتِ البطاحْ‏

و لشهاب الدين المعروف بحيص بيص- المتوفّى (574) المدفون في مقابر قريش- في رثاء أهل البيت عليهم السلام عن لسانهم يخاطب من ناوأهم، و تجرّأ على اللَّه بقتلهم قوله‏ «2»:
مَلكْنا فكانَ العفوُ منّا سجيّةً فلمّا مَلكتمْ سالَ بالدمِ أبطحُ‏
و حلّلتمُ قتلَ الأسارى و طالما غدونا عن الأسرى نعِفُّ و نصفحُ‏ «3»


و أنت جدّ عليم أنَّ مصارع أهل البيت عليهم السلام نوعاً كانت بالعراق في مشهد الطفّ‏
______________________________
(1). الطشّ: المطر الضعيف، و هو فوق الرذاذ.
(2). ديوان حيص بيص: 3/ 404.
(3). هذه الأبيات خمّسها جماعة و شطّرتْها، فممّن خمّسها: () السيّد راضي ابن السيّد صالح القزويني المتوفّى سنة (1287)، و العلّامة الأكبر السيّد ناصر بن أحمد بن عبد الصمد الغريفي المتوفّى سنة (1331)، و الشيخ عبد الحسين بن القاسم الحلّي النجفي المعاصر، و له تشطيرها أيضاً. (المؤلف) () و طبع ديوانه في بغداد سنة 1394 في ثلاثة أجزاء بتحقيق مكي السيّد جاسم و شاكر هادي شكر، و الأبيات موجودة في الجزء الثالث منه. (الطباطبائي)



************
الغدير، ج‏1، ص: 484
و غيره، و منهم مَن قُتِل بفخّ من أعمال مكّة، غير أنَّه واقعٌ بينها و بين المدينة يبعد عنها نحو ستّة أميال، لا في جهة الأبطح الذي هو وادي المحصّب بمقربة من منى في شرقي مكّة. و لبعضهم يرثي الإمام السبط الشهيد عليه السلام قوله من قصيدة:
تئنُ نفسي للربوعِ و قد غدا بيتُ النبيِّ مقطَّعَ الأطنابِ‏
بيتٌ لآل المصطفى في كربلا ضربوه بين أباطحٍ و روابي‏


الوجه الثاني: أنَّ سورة المعارج مكيّة باتّفاق أهل العلم، فيكون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين، أو أكثر من ذلك.
الجواب:
إنَّ المتيقّن من معقد الإجماع المذكور هو نزول مجموع السورة مكيّا، لا جميع آياتها، فيمكن أن يكون خصوص هذه الآية مدنيّا كما في كثير من السور.
و لا يرد عليه: أنَّ المتيقّن من كون السورة مكيّة أو مدنيّة هو كون مفاتيحها كذلك، أو الآية التي انتزع منها اسم السورة؛ لِما قدّمناه من أنَّ هذا الترتيب هو ما اقتضاه التوقيف، لا ترتيب النزول، فمن الممكن نزول هذه الآية أخيراً و تقدّمها على النازلات قبلها بالتوقيف، و إن كنّا جهلنا الحكمة في ذلك كما جهلناها في أكثر موارد الترتيب في الذكر الحكيم، و كم لها من نظير، و من ذلك:
1- سورة العنكبوت: فإنّها مكيّة، إلّا من أوّلها عشر آيات، كما رواه الطبري في تفسيره‏ «1» في الجزء العشرين (ص 86)، و القرطبي في تفسيره‏ «2» (13/ 323)، و الشربيني في السراج المنير «3» (3/ 116).
______________________________
(1). جامع البيان: مج 11/ ج 20/ 133.
(2). الجامع لأحكام القرآن: 13/ 214.
(3). السراج المنير: 3/ 123.



************
الغدير، ج‏1، ص: 485
2- سورة الكهف: فإنّها مكيّة، إلّا من أوّلها سبع آيات، فهي مدنيّة و قوله: (وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ‏) الآية. كما في تفسير القرطبي‏ «1» (10/ 346)، و إتقان السيوطي‏ «2» (1/ 16).
3- سورة هود: مكيّة، إلّا قوله: (وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)، كما في تفسير القرطبي‏ «3» (9/ 1) و قوله: (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ‏)، كما في السراج المنير «4» (2/ 40).
4- سورة مريم: مكيّة إلّا آية السجدة، و قوله: (وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)، كما في إتقان السيوطي‏ «5» (1/ 16).
5- سورة الرعد: فإنَّها مكيّة إلّا قوله: (وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) و بعض آيها الأُخَر، أو بالعكس، كما نصَّ عليه القرطبي في تفسيره‏ «6» (9/ 278)، و الرازي في تفسيره‏ «7» (6/ 258)، و الشربيني في تفسيره‏ «8» (2/ 137).
6- سورة إبراهيم: مكيّة إلّا قوله: (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ...) الآيتين.
نصّ به القرطبي في تفسيره‏ «9» (9/ 338)، و الشربيني في السراج‏
______________________________
(1). الجامع لأحكام القرآن: 10/ 225.
(2). الإتقان في علوم القرآن: 1/ 41.
(3). الجامع لأحكام القرآن: 9/ 3.
(4). السراج المنير: 2/ 42.
(5). الإتقان في علوم القرآن: 1/ 42.
(6). الجامع لأحكام القرآن: 9/ 183.
(7). التفسير الكبير: 18/ 230.
(8). السراج المنير: 2/ 143.
(9). الجامع لأحكام القرآن: 9/ 222.



************
الغدير، ج‏1، ص: 486
المنير «1» (2/ 159).
7- سورة الإسراء: مكيّة إلّا قوله (وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ‏) إلى قوله: (وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)، كما في تفسير القرطبي‏ «2» (10/ 203)، و الرازي‏ «3» (5/ 540)، و السراج المنير «4» (2/ 261).
8- سورة الحجّ: مكيّة إلّا قوله: (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى‏ حَرْفٍ‏)، كما في تفسير القرطبي‏ «5» (12/ 1)، و الرازي‏ «6» (6/ 206)، و السراج المنير «7» (2/ 511).
9- سورة الفرقان: مكيّة إلّا قوله: (وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ)، كما في تفسير القرطبي‏ «8» (13/ 1)، و السراج المنير «9» (2/ 617).
10- سورة النحل: مكيّة إلّا قوله: (وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا) الآية. إلى آخر السورة.
نصّ على ذلك القرطبي في تفسيره‏ «10» (15/ 65)، و الشربيني في تفسيره‏ «11» (2/ 205).
11- سورة القصص: مكيّة إلّا قوله: (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ‏)، و قيل:
______________________________
(1). السراج المنير: 2/ 167.
(2). الجامع لأحكام القرآن: 10/ 134.
(3). التفسير الكبير: 20/ 145.
(4). السراج المنير: 2/ 273.
(5). الجامع لأحكام القرآن: 12/ 3.
(6). التفسير الكبير: 23/ 2.
(7). السراج المنير: 2/ 535.
(8). الجامع لأحكام القرآن: 13/ 3.
(9). السراج المنير: 2/ 646.
(10). الجامع لأحكام القرآن: 10/ 44.
(11). السراج المنير: 2/ 214.



************
الغدير، ج‏1، ص: 487
إلّا آية: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ‏) الآية، كما في تفسيري القرطبي‏ «1» (13/ 247)، و الرازي‏ «2» (6/ 585).
12- سورة المدّثّر: مكيّة غير آية من آخرها على ما قيل، كما في تفسير الخازن‏ «3» (4/ 343).
13- سورة القمر: مكيّة إلّا قوله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ).
قاله الشربيني في السراج المنير «4» (4/ 136).
14- سورة الواقعة: مكيّة إلّا أربع آيات، كما في السراج المنير «5» (4/ 171).
15- سورة المطفّفين: مكيّة إلّا الآية الأولى، و منها انتزع اسم السورة، كما أخرجه الطبري في الجزء الثلاثين من تفسيره‏ «6» (ص 58).
16- سورة الليل: مكيّة إلّا أوّلها، و منها اسم السورة، كما في الإتقان‏ «7» (1/ 17).
17- سورة يونس: مكيّة إلّا قوله: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ...) الآيتين، أو الثلاث، أو قوله: (وَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ‏)، كما في تفسير الرازي‏ «8» (4/ 774)، و إتقان السيوطي‏ «9» (1/ 15)، و تفسير الشربيني (2/ 2).
______________________________
(1). الجامع لأحكام القرآن: 13/ 164.
(2). التفسير الكبير: 24/ 224.
(3). تفسير الخازن: 4/ 326.
(4). السراج المنير: 4/ 142.
(5). السراج المنير: 4/ 178.
(6). جامع البيان: مج 15/ ج 30/ 91.
(7). الإتقان في علوم القرآن: 1/ 47.
(8). التفسير الكبير: 17/ 2.
(9). الإتقان في علوم القرآن: 1/ 40.



************
الغدير، ج‏1، ص: 488
كما أنَّ غير واحد من السور المدنيّة فيها آيات مكيّة:
منها: سورة المجادلة، فإنّها مدنيّة إلّا العشر الأُوَل، و منها تسمية السورة، كما في تفسير أبي السعود «1» في هامش الجزء الثامن من تفسير الرازي (ص 148)، و السراج المنير «2» (4/ 210).
و منها: سورة البلد مدنيّة إلّا الآية الأولى- و بها تسميتها بالبلد- إلى غاية الآية الرابعة كما قيل في الإتقان‏ «3» (1/ 17) و سور أخرى لا نُطيل بذكرها المجال.
على أنَّ من الجائز نزول الآية مرّتين، كآيات كثيرة نصَّ العلماء على نزولها مرّةً بعد أخرى عظةً و تذكيراً، أو اهتماماً بشأنها، أو اقتضاء موردين لنزولها غير مرّة، نظير البسملة، و أوّل سورة الروم، و آية الروح، و قوله: (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ‏) «4» و قوله: (وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ‏) «5»... إلى آخر النحل. و قوله: (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ‏) «6» الآية، و قوله: (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) «7»، و قوله: (أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ‏) «8»، و سورة الفاتحة، فإنّها نزلت مرّةً بمكّة حين فرضت الصلاة، و مرّة بالمدينة حين حُوِّلت القبلة. و لتثنية نزولها سُمِّيت بالمثاني‏ «9».
الوجه الثالث: إنَّ قوله تعالى: (وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‏
______________________________
(1). إرشاد العقل السليم: 8/ 215.
(2). السراج المنير: 4/ 219.
(3). الإتقان في علوم القرآن: 1/ 47.
(4). التوبة: 113.
(5). النحل 126.
(6). البقرة: 98.
(7). هود: 114.
(8). الزمر: 36.
(9). راجع إتقان السيوطي 1/ 60 [1/ 31]، و تاريخ الخميس 1/ 11. (المؤلف)



************
الغدير، ج‏1، ص: 489
فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) «1» نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل يوم الغدير بسنين.
الجواب:
كأنّ هذا الرجل يحسب أنَّ من يروي تلك الأحاديث المتعاضدة يرى نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الكافر- من الآية الكريمة السابق نزولها، و أفرغها في قالب الدعاء- في اليوم المذكور، و القارئ لهاتيك الأخبار جِدّ عليم بمَيْنه في هذا الحسبان، أو أنَّه يرى حَجراً على الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحد، فهل في هذه الرواية غير أنَّ الرجل المرتدّ- الحارث أو جابر- تفوّه بهذه الكلمات؟ و أين هو من وقت نزولها؟ فدعْها يكن نزولها في بدر أو أُحد، فالرجل أبدى كفره بها، كما أبدى الكفّار قبله إلحادهم بها. لكن ابن تيميّة يريد تكثير الوجوه في إبطال الحقِّ الثابت.
الوجه الرابع: أنَّها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكّة، و لم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبيّ صلى الله عليه و سلم بينهم؛ لقوله تعالى: (وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏) «2».
الجواب:
لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مكّة على المشركين، و بين عدم نزوله هاهنا على الرجل؛ فإنّ أفعال المولى سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحكمة، فكان في سابق علمه إسلام جماعة من أولئك بعد حين، أو وجود مسلمين في أصلابهم، فلو أبادهم بالعذاب النازل لأُهملت الغاية المتوخّاة من بعث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.
و لمّا لم يرَ سبحانه ذلك الوجه في هذا المنتكس على عقبه عن دين الهدى بقيله ذلك، و لم يكن لِيَلِدَمؤمناً، كما عرف ذلك نوح عليه السلام من قومه، فقال: (وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً
______________________________
(1). الأنفال: 32.
(2). الأنفال: 33. و يمكن القول إنَّ الآية في عصاة المسلمين، و أما من ارتدّ عن الإسلام و كذّب النبيَّ صلى اللَّه عليه و آله و سلم و طلب العذاب من اللَّه تحدّياً و استخفافاً فعلى اللَّه أن يعجّل عليه نقمته. (الطباطبائي)



************
الغدير، ج‏1، ص: 490
كَفَّاراً) «1»، قطع جرثومة فساده بما تمنّاه من العذاب الواقع.
و كم فرق بين أولئك الذين عوملوا بالرفق رجاء هدايتهم، و تشكيل أمّةٍ مرحومةٍ منهم و من أعقابهم، مع العلم بأنّ الخارج منهم عن هاتين الغايتين سوف يُقضى عليه في حروب دامية، أو يأتي عليه الخزي المبير، فلا يسعه بثُّ ضلالةٍ، أو إقامة عيثٍ، و بين هذا الذي أخذته الشدّة، مع العلم بأنّ حياته مثار فتن، و منزع إلحاد، و ما عساه يتوفّق لهدايته، أو يُستفاد بعقبه.
و وجود الرسول صلى الله عليه و آله و سلم رحمةٌ تَدْرأ العذاب عن الأُمّة، إلّا أنَّ تمام الرحمة أن يكون فيها مكتسح للعراقيل أمام السير في لاحب الطريق المَهْيع، و لذلك قمَّ سبحانه ذلك الجَذْم‏ «2» الخبيث، للخلاف عمّا أبرمه النبيُّ الأعظم في أمر الخلافة، كما أنَّه في حروبه و مغازيه كان يجتاح أصول الغيّ بسيفه الصارم، و كان يدعو على من شاهد عتوّه، و يئس من إيمانه، فتُجاب دعوته:
أخرج مسلم في صحيحه‏ «3» (2/ 468) بالإسناد عن ابن مسعود: أنَّ قريشاً لمّا استعصت على رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم و أبطئوا عن الإسلام، قال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف»، فأصابتهم سنةٌ فحصّت كلّ شي‏ء، حتى أكلوا الجِيَف و المَيْتة، حتى إنَّ أحدهم كان يرى ما بينه و بين السماء كهيئة الدخان من الجوع، فذلك قوله: (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ‏) «4»، و رواه البخاري‏ «5» (2/ 125).
و في تفسير الرازي‏ «6» (7/ 467): أن النبيّ صلى الله عليه و سلم دعا على قومه بمكّة لمّا كذّبوه، فقال:
______________________________
(1). نوح: 27.
(2). جذْم الشي‏ء: أصله.
(3). صحيح مسلم: 5/ 342 ح 39 كتاب صفة القيامة و الجنّة و النار.
(4). الدخان: 10.
(5). صحيح البخاري: 4/ 1730 ح 4416.
(6). التفسير الكبير: 27/ 242.




************
الغدير، ج‏1، ص: 491
«اللّهمّ اجعل سنيّهم كسنيّ يوسف»، فارتفع المطر، و أجدبت الأرض، و أصابت قريشاً شدّة المجاعة حتى أكلوا العظام و الكلاب و الجِيَف، فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه و بين السماء كالدخان، و هذا قول ابن عبّاس و مقاتل و مجاهد و اختيار الفرّاء و الزجّاج، و هو قول ابن مسعود.
و روى ابن الأثير في النهاية «1» (3/ 124): أنَّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: «اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر مثل سني يوسف»، فجهدوا حتى أكلوا العَلْهَز «2».
و رواه السيوطي في الخصائص الكبرى‏ «3» (1/ 257) من طريق البيهقي‏ «4» عن عروة و من طريقه و طريق أبي نعيم‏ «5» عن أبي هريرة.
و قال ابن الأثير في الكامل‏ «6» (2/ 27):
كان‏أبو زمعة الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى و أصحابه يتغامزون بالنبيّ صلى الله عليه و سلم فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم أن يعمى و يثكل ولده، فجلس في ظلِّ شجرةٍ، فجعل جبريل يضرب وجهه و عينيه بورقة من ورقها و بشوكها حتى عمي.
و قال: دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم على مالك بن الطلالة بن عمرو بن غبشان، فأشار جبريل إلى رأسه، فامتلأ قيحاً فمات.
و روى ابن عبد البَرّ في الاستيعاب‏ «7» هامش الإصابة (1/ 318): أنَّ النبيّ صلى الله عليه و سلم كان إذا مشى يتكفّأ، و كان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت النبيّ صلى الله عليه و سلم يوماً فرآه‏
______________________________
(1). النهاية في غريب الحديث الأثر: 3/ 293، 5/ 200.
(2). دم كانوا يخلطونه بأوبار الإبل، ثمّ يشوونه بالنار، و يأكلونه. (المؤلف)
(3). الخصائص الكبرى: 1/ 246.
(4). دلائل النبوّة: 2/ 324.
(5). دلائل النبوّة لأبي نعيم: ص 575 ح 369.
(6). الكامل في التاريخ: 1/ 495.
(7). الاستيعاب: القسم الأوّل/ 359 رقم 529.




************
الغدير، ج‏1، ص: 492
يفعل ذلك، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: «فكذلك فلْتكن»، فكان الحكم مختلجاً يرتعش من يومئذٍ، فعيّره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:
إنَّ اللعينَ أبوكَ فارمِ عظامَهُ‏ إنْ ترْمِ ترْمِ مُخَلَّجاً مجنونا
يُمسي خَميصَ البطنِ من عملِ التقى‏ و يظلُّ من عملِ الخبيثِ بَطينا


و روى ابن الأثير في النهاية «1» (1/ 345) من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر:
أنَّ الحكم بن أبي العاص بن أميّة- أبا مروان- كان يجلس خلف النبيّ صلى الله عليه و سلم فإذا تكلّم اختلج بوجهه، فرآه فقال له: «كن كذلك»، فلم يزل يختلج حتى مات.
و في رواية:
فضرب به شهرين ثمّ أفاق خليجاً: أي صرع، ثمّ أفاق مختلجاً «2»، قد أُخذ لحمه و قوّته. و قيل: مرتعشاً.
و روى ابن حجر في الإصابة (1/ 345) من طريق الطبراني‏ «3»، و البيهقي في الدلائل‏ «4»، و السيوطي في الخصائص الكبرى‏ «5» (2/ 79) عن الحاكم‏ «6» و صحّحه، و عن البيهقي و الطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق قال:
كان الحكم بن أبي العاص يجلس إلى النبيّ صلى الله عليه و سلم فإذا تكلّم النبيّ صلى الله عليه و سلم اختلج بوجهه، فقال له النبيّ: «كن كذلك». فلم يزل يختلج حتى مات.
و روى مثله بطريق آخر.
و في الإصابة (1/ 346): أخرج البيهقي‏ «7» من طريق مالك بن دينار:
______________________________
(1). النهاية في غريب الحديث و الأثر: 2/ 60.
(2). الحَلَج بالمهملة، و الخَلَج بالمعجمة: بمعنىً واحد؛ أي الحركة و الاضطراب. (المؤلف)
(3). المعجم الكبير: 3/ 214 ح 3167.
(4). دلائل النبوّة: 6/ 239.
(5). الخصائص الكبرى: 2/ 132.
(6). المستدرك على الصحيحين: 2/ 678 ح 4241.
(7). دلائل النبوّة: 6/ 240.




************
الغدير، ج‏1، ص: 493
حدّثني هند بن خديجة زوج النبيّ صلى الله عليه و سلم: مرّ النبيّ صلى الله عليه و سلم بالحكم، فجعل الحكم يغمز النبيّ صلى الله عليه و سلم بإصبعه فالتفت فرآه، فقال: «اللّهمّ اجعله وزغاً»، فزحف مكانه.
و في الإصابة (1/ 276)، و الخصائص الكبرى‏ «1» (2/ 79):
ذكر ابن فتحون عن الطبري: أنَّ النبيّ صلى الله عليه و سلم خطب إلى الحارث بن أبي الحارثة ابنته جمرة بنت الحارث، فقال: إنَّ بها سوءً. و لم تكن كما قال، فرجع فوجدها قد برصت.
و في الخصائص الكبرى‏ «2» (2/ 78) من طريق البيهقي‏ «3» عن أُسامة بن زيد قال:
بعث رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم رجلًا، فكذب عليه، فدعا عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم، فوجد ميّتاً قد انشقّ بطنه، و لم تقبله الأرض.
و في الخصائص‏ «4» (1/ 147): أخرج البيهقي‏ «5» و أبو نعيم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال:
أقبل لهب بن أبي لهب يسبُّ النبيّ، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم: «اللّهمّ سلِّط عليه كلبك».
قال: و كان أبو لهب يحتمل البزَّ إلى الشام، و يبعث بولده مع غلمانه و وكلائه، و يقول: إنَّ ابني أخاف عليه دعوة محمد فتعاهدوه.
فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلى الحائط و غطّوا عليه الثياب و المتاع، ففعلوا ذلك به زماناً، فجاء سبع، فتلّه فقتله.
______________________________
(1). الخصائص الكبرى: 2/ 133.
(2). الخصائص الكبرى: 2/ 130.
(3). دلائل النبوّة: 6/ 245.
(4). الخصائص الكبرى: 1/ 244.
(5). دلائل النبوّة: 2/ 338.



************
الغدير، ج‏1، ص: 494
و أخرج البيهقي عن قتادة: أنَّ عتبة «1» بن أبي لهب تسلّط على رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم، فقال رسول اللَّه: «أما إنِّي أسأل اللَّه أن يسلِّط عليه كلبه»، فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلًا، فأطاف بهم الأسد، فغدا- أي وثب- عليه الأسد من بين القوم، و أخذ برأسه فضغمه‏ «2» ضغمة فذبحه.
و أخرج البيهقي‏ «3» عن عروة: أنَّ الأسد لمّا كان بهم تلك الليلة انصرف عنهم، فقاموا و جعلوا عتبة في وسطهم، فأقبل الأسد يتخطّاهم، حتى أخذ برأس عتبة ففدغه‏ «4».
و روي عن أبي نعيم‏ «5» و ابن عساكر «6» من طريق عروة مثله، و أخرجه ابن إسحاق و أبو نعيم‏ «7» من طريق آخر عن محمد بن كعب القرظي و غيره. و زاد: أنَّ حسّان بن ثابت قال في ذلك:
سائلْ بني الأشقرِ إن جئتَهم‏ «8» ما كان أنباءُ أبي واسعِ‏ «9»
لا وسّع اللَّه له قبرَهُ‏ بل ضيّقَ اللَّهُ على القاطعِ‏
رحْمَ نبيٍّ جدُّهُ ثابتٌ‏ يدعو إلى نورٍ له ساطعِ‏
أسبل بالحجرِ لتكذيبهِ‏ دون قريشٍ نهزة القارعِ‏
فاستوجب الدعوةَ منه ما بيّنَ للناظر و السامعِ‏


______________________________
(1). و رواه ابن الأثير في النهاية: 3/ 21 [3/ 91] في عتبة بن عبد العزّى. (المؤلف)
(2). ضغم ضغماً: عضّ بمل‏ء فمه، يقال: ضغمه ضِغمة الأسد. (المؤلف)
(3). دلائل النبوّة: 2/ 339.
(4). الفدغ- معجمة الآخر و مهملته-: الشّدْخ و الكسر. (المؤلف)
(5). دلائل النبوّة لأبي نعيم: ص 585 ح 380.
(6). تاريخ مدينة دمشق: 11/ 65.
(7). دلائل النبوّة لأبي نعيم: ص 586 ح 381.
(8). في ديوان حسّان [ص 145]: بني الأشعر. (المؤلف)
(9). أبو واسع: كنية عتبة بن أبي لهب. (المؤلف)




************
الغدير، ج‏1، ص: 495

أنْ سلّطَ اللَّهُ بها كلبَهُ‏ يمشي الهُوَينا مِشية الخادعِ‏
حتى أتاهُ وسْطَ أصحابه‏ و قد علتهمْ سِنةُ الهاجعِ‏
فالتقم الرأسَ بيافوخه‏ و النحر منه فغرةَ الجائعِ‏


قلت: لا يوجد في ديوان حسّان من هذه الأبيات إلّا البيت الأوّل، و فيه بعده قوله:
إذ تركوهُ و هو يدعوهُمُ بالنسب الأقصى و بالجامعِ‏ و الليثُ يعلوه بأنيابهِ مُنْعفِراً وسْط دمٍ ناقعِ‏
لا يرفعِ الرحمنُ مصروعَهُمْ و لا يُوَهِّنْ قُوّة الصارعِ‏

و أخرج أبو نعيم‏ «1» عن طاووس قال:
لمّا تلا رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم (وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏) قال عتبة بن أبي لهب: كفرتُ بربِّ النجم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم: «سلّط اللَّه عليك كلباً من كلابه»... الحديث.
و أخرج أبو نعيم عن أبي الضحى قال: قال ابن أبي لهب: هو يكفر بالذي قال (وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏) فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم... الحديث.
و بهذه كلِّها تعلم أنَّ العذاب المنفي في الآيتين بسبب وجوده المقدّس يراد به النفي في الجملة لا بالجملة، و هو الذي تقتضيه الحكمة، و يستدعيه الصالح العام، فإنّ في الضرورة ملزماً لقطع العضو الفاسد، اتّقاء سراية الفساد منه إلى غيره، بخلاف الجثمان الدنف‏ «2») بعضه؛ بحيث لا يُخشى بِدارُه إلى غيره، أو المُضنى كلّه و يؤمّل فيه الصحّة، فإنّه يعالج حتى يبرأ.
و إنَّ اللَّه سبحانه هدّد قريشاً بمثل صاعقة عاد و ثمود إن مردوا عن الدين جميعاً،
______________________________
(1). دلائل النبوّة: ص 588 ح 383.
(2). الدَّنِف: المريض.



************
الغدير، ج‏1، ص: 496
و قال: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ) «1»، و إذ كان مناط الحكم إعراض الجميع لم تأتِهم الصاعقة بحصول المؤمنين فيهم، و لو كانوا استمرّوا على الضلال جميعاً لأتاهم ما هُدّدوا به، و لو كان وجود الرسول صلى الله عليه و آله و سلم مانعاً عن جميع أقسام العذاب بالجملة لما صحَّ ذلك التهديد، و لَما أُصيب النفر الذين ذكرناهم بدعوته، و لَما قُتل أحدٌ في مغازيه بعضبه الرهيف، فإنَّ كلّ هذه أقسام العذاب أعاذنا اللَّه منها.
الوجه الخامس: أنَّه لو صحَّ ذلك لكان آيةً كآية أصحاب الفيل، و مثلها تتوفّر الدواعي لنقله، و لَما وجدنا المصنِّفين في العلم من أرباب المسانيد و الصحاح و الفضائل و التفسير و السير و نحوها قد أهملوه رأساً، فلا يُروى إلّا بهذا الإسناد المنكر، فعُلِم أنَّه كذبٌ باطلٌ.
الجواب: إنَّ قياس هذه التي هي حادثة فرديّة لا تُحدِث في المجتمع فراغاً كبيراً يؤبه له، و وراءها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها، كما أسدلوها على نصِّ الغدير نفسه، و هملجوا «2» وراء إبطاله حتى كادوا أن يبلغوا الأمل بصور خلّابة، و تلفيقات مموّهة، و أحاديث مائنة، بيدَ أنَّ اللَّه أبى إلّا أن يُتمّ نوره.
إنَّ قياسها بواقعة أصحاب الفيل تلك الحادثة العظيمة التي عدادها في الإرهاصات النبويّة، و فيها تدمير أُمّة كبيرة يشاهد العالم كلّه فراغها الحادث، و إنقاذ أُمّةٍ هي من أرقى الأُمم، و الإبقاء عليها و على مقدّساتها، و بيتها الذي هو مطاف الأُمم، و مقصد الحجيج، و تعتقد الناس فيه الخير كلّه و البركات بأسرها، و هو يومئذٍ أكبر مظهر من مظاهر الصقع الربوبيّ.
إنَّ قياس تلك بهذه في توفّر الدواعي لِنقلها مجازفةٌ ظاهرةٌ، فإنّ من حكم‏
______________________________
(1). فصّلت: 13.
(2). هملج: أسرع.



************
الغدير، ج‏1، ص: 497
الضرورة أنَّ الدواعي في الأولى دونها في الثانية، كما تجد هذا الفرق لائحاً بين معاجز النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، فمنها ما لم يُنقل إلّا بأخبار آحاد، و منها ما تجاوز حدّ التواتر، و منها ما هو المتسالم عليه بين المسلمين بلا اعتناء بسنده، و ما ذلك إلّا لاختلاف موارد العظمة فيها أو المقارنات المحتفّة بها.
و أمّا ما ادّعاه ابن تيميّة من إهمال طبقات المصنِّفين لها فهو مجازفة أخرى؛ لما أسلفناه من رواية المصنِّفين لها من أئمّة العلم و حملة التفسير، و حفّاظ الحديث، و نقلة التاريخ الذين تضمّنت المعاجم فضائلهم الجمّة، و تعاقب من العلماء إطراؤهم.
و إلى الغاية لم نعرف المشار إليه في قوله: بهذا الإسناد المنكر، فإنّه لا ينتهي إلّا إلى حذيفة بن اليمان- المترجم (ص 27)- الصحابيِّ العظيم، و سفيان بن عيينة المعروف إمامته في العلم و الحديث و التفسير وثقته في الرواية- المترجم (ص 80).
و أمّا الإسناد إليهما فقد عرفه الحفّاظ و المحدِّثون و المفسِّرون المنقِّبون في هذا الشأن، فوجدوه حريّا بالذكر و الاعتماد، و فسّروا به آيةً من الذكر الحكيم من دون أيِّ نكير، و لم يكونوا بالذين يفسِّرون الكتاب بالتافهات. نعم، هكذا سبق العلماء و فعلوا، لكن ابن تيميّة استنكر السند، و ناقش في المتن؛ لأنّ شيئاً من ذلك لا يلائم دعارة خطّته.
الوجه السادس: أنَّ المعلوم من هذا الحديث أنَّ حارثاً المذكور كان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلاميّة، و من المعلوم بالضرورة أنَّ أحداً من المسلمين لم يصبه عذابٌ على العهد النبويّ.
الجواب:
إنَّ الحديث كما أثبت إسلام الحارث فكذلك أثبت ردّته بردّه قول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و تشكيكه فيما أخبر به عن اللَّه تعالى، و العذاب لم يأته على حين إسلامه، و إنَّما جاءه بعد الكفر و الارتداد، و قد مرّ- في (ص 245)- أنَّه بعد سماعه الحديث شكّ في نبوّة



************
الغدير، ج‏1، ص: 498
النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم على أنَّ في المسلمين من شملتْه العقوبة لمّا تجرّءوا على قدس صاحب الرسالة كجمرة ابنة الحارث التي أسلفنا حديثها (ص 260)، و بعض آخر مرّ حديثه في جواب الوجه الرابع.
و روى مسلم في صحيحه‏ «1» عن سلمة بن الأكوع: أنَّ رجلًا أكل عند النبيّ صلى الله عليه و سلم بشماله، فقال: «كُلْ بيمينك».
قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت». قال: فما رفعها إلى فيه بعدُ.
و في صحيح البخاري‏ «2» (5/ 227): إنَّ النبيّ دخل على أعرابي يعوده، قال: و كان النبيُّ صلى الله عليه و سلم إذا دخل على مريض يعوده قال: «لا بأس طهورٌ».
قال: قلتَ: طهور، كلّا بل هي حُمّىً تفور- أو تثور- على شيخ كبير تُزيره القبور.
فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم: «فنعم إذاً». فما أمسى من الغد إلّا ميِّتاً.
و في أعلام النبوّة للماوردي‏ «3» (ص 81) قال: «نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم أن يُنقّي الرجل شعره في الصلاة، فرأى رجلًا يُنقّي شعره في الصلاة، فقال: «قبّح اللَّه شعرك» فصلع مكانه.
الوجه السابع: أنَّ الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، و لم يذكره ابن عبد البَرّ في الاستيعاب، و ابن مندة و أبو نعيم الأصبهاني و أبو موسى في تآليف ألّفوها في أسماء الصحابة، فلم نتحقّق وجوده.
الجواب:
إنَّ معاجم الصحابة غير كافلة لاستيفاء أسمائهم، فكلّ مؤلِّف من أربابها جمع‏
______________________________
(1). صحيح مسلم: 4/ 259 ح 107 كتاب الأشربة.
(2). صحيح البخاري: 3/ 1324 ح 3420.
(3). أعلام النبوّة: ص 134.



************
الغدير، ج‏1، ص: 499
ما وسعته حيطته‏ «1»، و أحاط به اطِّلاعه، ثمّ جاء المتأخِّر عنه فاستدرك على من قبله بما أوقفه السير في غضون الكتب و تضاعيف الآثار، و أوفى ما وجدناه من ذلك كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، و مع ذلك فهو يقول في مستهلّ كتابه‏ «2»:
فإنّ من أشرف العلوم الدينيّة علم الحديث النبويِّ، و من أجلِّ معارفه تمييز أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ممّن خلف بعدهم، و قد جمع في ذلك جمعٌ من الحفّاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه اطلاع كلٍّ منهم.
فأوّل من عرفته صنّف في ذلك أبو عبد اللَّه البخاري، أفرد في ذلك تصنيفاً، فنقل منه أبو القاسم البغوي و غيره، و جمع أسماء الصحابة مضمومةً إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه، كخليفة بن خيّاط، و محمد بن سعد، و من قرنائه كيعقوب بن سفيان، و أبي بكر بن أبي خيثمة.
و صنّف في ذلك جمعٌ بعدهم كأبي القاسم البغوي، و أبي بكر بن أبي داود، و عبدان، و من قبلهم بقليل كمطين، ثمّ كأبي عليّ بن السكن، و أبي حفص بن شاهين، و أبي منصور الماوردي، و أبي حاتم بن حبّان، و كالطبراني ضمن معجمه الكبير، ثمّ كأبي عبد اللَّه بن مندة، و أبي نعيم، ثمّ كأبي عمر بن عبد البَرّ، و سمّى كتابه الاستيعاب؛ لظنِّه أنَّه استوعب ما في كتب من قبله، و مع ذلك ففاته شي‏ءٌ كثير، فذيّل عليه أبو بكر ابن فتحون ذيلًا حافلًا، و ذيّل عليه جماعة في تصانيف لطيفة، و ذيّل أبو موسى المَدِيني على ابن مندة ذيلًا كبيراً.
و في أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممّن صنّف في ذلك- أيضاً- إلى أن كان في أوائل القرن السابع، فجمع عزّ الدين بن الأثير كتاباً حافلًا سمّاه أُسد الغابة،
______________________________
(1). كذا.
(2). الإصابة: 1/ 2- 4.



************
الغدير، ج‏1، ص: 500
جمع فيه كثيراً من التصانيف المتقدِّمة إلّا أنَّه تبع من قبله، فخلط من ليس صحابيّا بهم، و أغفل كثيراً من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم.
ثمّ جرّد الأسماء التي في كتابه- مع زيادات عليها- الحافظ أبو عبد اللَّه الذهبيّ، و علّم لمن ذكر غلطاً و لمن لا تصحّ صحبته، و لم يستوعب ذلك و لا قارب.
و قد وقع لي بالتتبّع كثيرٌ من الأسماء التي ليست في كتابه و لا أصله على شرطهما، فجمعتُ كتاباً كبيراً في ذلك ميّزتُ فيه الصحابة من غيرهم، و مع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العُشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي:
قال: تُوفِّي النبيُّ صلى الله عليه و سلم و من رآه و سمِع منه زيادةٌ على مائة ألف إنسان من رجل و امرأة، كلّهم قد روى عنه سماعاً أو رؤيةً.
قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد أن ذكر ذلك: أجاب أبو زرعة بهذا سؤالَ من سأله عن الرواة خاصّة، فكيف بغيرهم؟! و مع هذا فجميع من في الاستيعاب- يعني بمن ذكر فيه باسم أو كنية- و هما ثلاثة آلاف و خمسمائة، و ذكر أنَّه استدرك عليه على شرطه قريباً ممّن ذكر.
قلت: و قرأت بخطّ الحافظ الذهبي من ظهر كتابه التجريد: لعلّ الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا. ثمّ رأيت بخطّه: أنَّ جميع من في أُسد الغابة سبعة آلاف و خمسمائة و أربعة و خمسون نفساً.
و ممّا يؤيّد قول أبي زرعة ما ثبت في الصحيحين‏ «1» عن كعب بن مالك في قصّة تبوك: و الناس كثيرٌ لا يحصيهم ديوان.
و ثبت عن الثوري فيما أخرجه الخطيب‏ «2» بسنده الصحيح إليه قال: من قدّم‏
______________________________
(1). صحيح البخاري: 4/ 1603 ح 4156، صحيح مسلم: 5/ 301 ح 53 كتاب التوبة.
(2). تاريخ بغداد: 4/ 29 رقم 1632.



************
الغدير، ج‏1، ص: 501
عليّا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم و هو عنهم راض.
فقال النووي: و ذلك بعد النبيّ باثني عشر عاماً بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردّة و الفتوح الكثير ممّن لم يضبط أسماؤهم، ثمّ مات في خلافة عمر في الفتوح و في الطاعون العامّ و عمواس‏ «1» و غير ذلك من لا يُحصى كثرةً، و سبب خفاء أسمائهم أنَّ أكثرهم أعراب و أكثرهم حضروا حجّة الوداع. و اللَّه أعلم. انتهى.
و قد أسلفنا في (ص 9):
أنَّ الحضور في حجّة الوداع مع رسول اللَّه كانوا مائة ألف أو يزيدون، إذاً فأين لهذه الكتب استيفاء ذلك العدد الجمِّ؟ و ليس في مجاري الطبيعة الخبرة بجميع هاتيك التراجم بحذافيرها، فإنّ أكثر القوم كانوا مبثوثين في البراري و الفلوات تُقِلّهم مهابط الأودية و قُلل الجبال، و يقطنون المفاوز و الحُزوم‏ «2»، و لا يختلفون إلى الأوساط و الحواضر إلّا لغايات وقتيّة تقع عندها الصحبة و الرواية في أيّام و ليالٍ تُبطئ بهم الحاجات فيها، و ليس هناك ديوانٌ تُسَجَّل فيه الأسماء، و يتعرّف أحوال الوارد و الصادر.
إذاً فلا يسع أيّ باحث الإحاطةُ بأحوال أُمّة هذه شئونها، و إنَّما قيّد المصنِّفون أسماء كَثُر تداولها في الرواية، أو لأربابها أهميّة في الحوادث، و بعد هذا كلّه فالنافي لشخص لم يجد اسمه في كتب هذا شأنها خارجٌ عن ميزان النصفة، و متحايدٌ عن نواميس البحث. على أنَّ من المحتمل قريباً أنَّ مؤلفي معاجم الصحابة أهملوا ذكره لردّته الأخيرة.
(وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ) «3»
______________________________
(1). كورة على ستّة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، منها كان ابتداء الطاعون في سنة (18 ه)، ثمّ فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة [معجم البلدان: 4/ 157]. (المؤلف)
(2). الحزوم: جمع حزم، و هو الغليظ المرتفع من الأرض.
(3). لقمان: 20.











آيات الغدير 285 الفصل الخامس آية: سأل سائل بعذاب واقع
نويسنده: مركز مصطفى‏
************
آيات الغدير، ص: 285
الفصل الخامس آية: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏
قال الله تعالى في مطلع سورة المعارج:
سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج ... الى آخر السورة الكريمة التي تبلغ 44 آية.
أحداث كانت وراءها قريش‏
نمهد لتفسير الآية بذكر فهرس عددٍ من الأحداث الخطيرة في أواخر حياة النبي صلى الله عليه و آله .. ثبت أن قريشاً كانت وراء بعضها، و توجد مؤشرات توجب الظن بأنها كانت وراء الباقي.
الأولى‏: محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه و آله في حنين .. و قد تقدم في البحث الخامس اعتراف بعض زعماء قريش بها! الثانية: محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه و آله في العقبة في طريق رجوعه من تبوك، و قد كانت محاولة متقنةً، نفذتها مجموعةٌ منافقة بلغت نحو عشرين شخصاً، و قد عرفوا أن النبي صلى الله عليه و آله سيمر ليلًا من طريق الجبل بينما يمر الجيش من طريقٍ حول الجبل، و كانت خطتهم أن يكمنوا فوق الطريق الذي سيمر فيه الرسول صلى الله عليه و آله، حتى إذا وصل‏



************
آيات الغدير، ص: 286
الى المضيق ألقوا عليه ما استطاعوا من صخورٍ لتنحدر بقوةٍ و تقتله، ثمّ يفرون و يضيعون أنفسهم في جيش المسلمين، و يبكون على الرسول، و يأخذون خلافته! و قد تركهم الله تعالى ينفذون خطتهم، حتى إذا بدءوا بدحرجة الصخور، جاء جبرئيل و أضاء الجبل عليهم، فرآهم الرسول صلى الله عليه و آله و ناداهم بأسمائهم، و أراهم لمرافقيه المؤمنيْن: حذيفة بن اليمان و عمار بن ياسر، و أشهدهما عليهم، فسارع المنافقون و نزلوا من الجهة الثانية من الجبل، و ضيعوا أنفسهم في المسلمين!! أما لما ذا لم يعلن الرسول أسماءهم؟! فلا جواب إلا أنهم من قريش، و من المعروفين فيها .. و إعلان أسمائهم يعني معاقبتهم، و معاقبتهم تعني خطر ارتداد قريش عن الإسلام، و إمكان إقناعها بعض قبائل العرب بالارتداد، بحجة أن محمداً أعطى كل شي‏ء من بعده لبني هاشم، و لم يعط لقريشٍ و العرب شيئاً! و هذا يعني السمعة السيئة للإسلام، و أن نبيه صلى الله عليه و آله بعد أن آمن به أصحابه اختلف معهم، و قاتلهم و قاتلوه! و يعني الحاجة من جديد الى بدرٍ و أحدٍ و الخندق و فتح مكة! و لن تكون نتائج هذه الدورة للإسلام أفضل من الدورة الأولى! فالحل الإلَهي هو: السكوت عنهم ما داموا يعلنون قبول الإسلام، و نبوة الرسول صلى الله عليه و آله، و ينكرون فعلتهم.
و من الملاحظ أن روايات مؤامرة العقبة ذكرت أسماء قرشية معروفة، و قد ضعَّفها رواة قريش طبعاً، لكن أكثرهم وثقوا ابن جميْع و غيره من الرواة الذين نقلوا عن حذيفة بن اليمان أسماء هؤلاء الزعماء المشاركين فيها! كما أنهم رووا عن حذيفة و عمار رواياتٍ فاضحةٍ لبعض الصحابة الذين كانوا يسألونهما عن أنفسهم: هل رأياهم في الجبل ليلة العقبة؟! و يحاولون أن يأخذوا منهما براءةً من النفاق و المشاركة في المؤامرة!



************
آيات الغدير، ص: 287
و رووا أنهم كانوا يعرفون الشخص أنه من المنافقين أم لا، عند ما يموت .. فإن صلى حذيفة على جنازته فهو مؤمن، و إن لم يصل على جنازته فهو منافق.
و رووا أن حذيفة لم يصل على جنازة أي زعيمٍ من قريشٍ مات في حياته!! الثالثة: قصة سورة التحريم، التي تنص على أن النبي صلى الله عليه و آله أسرَّ بحديثٍ خطيرٍ الى بعض أزواجه، و أكد عليها أن لا تقوله لأحد، و لا بد أن الله تعالى أمره بذلك لحِكَمٍ و مصالح يعلمها سبحانه .. فخالفت (أم المؤمنين) حكم الله تعالى، و أفشت سر زوجها رسول الله صلى الله عليه و آله، و عملت مع صاحبتها لمصلحة (قريش) ضد مصلحة زوجها الرسول .. فأطْلع الله تعالى نبيه على مؤامرتهما، فأخبرهما بما فعلتا، و نزل القرآن بكشف سرهما و سر من ورائهما، و هددهما و ضرب لهما مثلًا بامرأتي نوح و لوط، اللتين خانتاهما، فدخلتا النار!! أما رواة الخلافة القرشية فيقولون إن المسألة كانت عائلية، تتعلق بغيرة النساء من بعضهن، و ببعض الأخطاء الفنية الخفيفة لهن مع النبي صلى الله عليه و آله! إنهم يريدونك أن تغمض عينيك عن آيات الله تعالى في سورة التحريم، التي تتحدث عن خطرٍ عظيمٍ على الرسول صلى الله عليه و آله و الرسالة، و تحشد أعظم جيشٍ جرارٍ لمواجهة الموقف فتقول (إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما، و إن تظاهرا عليه، فإن الله هو مولاه، و جبريل، و صالح المؤمنين، و الملائكة بعد ذلك ظهير) فلمن صغت قلوبهما، و لمصلحة من تعاونتا على الرسول صلى الله عليه و آله؟! و ما هي القضية الشخصية التي تحتاج معالجتها الى هذا الجيش الإلَهي الجرار، الذي لا يستنفره الله تعالى إلا لحالات الطواري القصوى؟! أما ابن عباس الذي يصفونه بحبر الأمة، فكان يقرأ الآية (زاغت قلوبكما) و بذلك تكون اثنتان من أمهات المؤمنين احتاجتا الى تجديد إسلامهما! الرابعة: حادثة هجر النبي صلى الله عليه و آله لنسائه شهراً، و شيوع خبر طلاقه لهن .. و ذهابه بعيداً عنهن و عن المسجد، الى بيت مارية القبطية الذي كان في طرف المدينة أو خارجها ..



************
آيات الغدير، ص: 288
فقد صورت الروايات القرشية هذه الحادثة على أنها حادثةٌ شخصية .. شخصيةٌ بزعمهم و شغلت النبي صلى الله عليه و آله و الوحي و المسلمين! و ادعوا أن سببها كثرة طلبات نسائه المعيشية منه صلى الله عليه و آله، و أكدوا أنه لا ربط للحادثة بقضايا الإسلام المالئة للساحة السياسية آنذاك، و الشاغلة لزعماء قريش خاصة ..
الخامسة: تصعيد عمل قريشٍ ضد علي بن أبي طالب عليه السلام لإسقاط شخصيته، و غضب النبي صلى الله عليه و آله و شدته عليهم في دفاعه عن علي، و تركيزه لشخصيته .. و لهذا الموضوع مفرداتٌ عديدة في حروب النبي و سلمه و سفره و حضره صلى الله عليه و آله، و نلاحظ أنها كثرت في السنة الأخيرة من حياته صلى الله عليه و آله، و غضب بسببها مراراً، و خطب أكثر من مرة، مبيناً فضل علي عليه السلام و فسق أو كفر من يؤذيه! و لو لم يكن من ذلك إلا قصة بريدة الأسلمي الكاسحة، التي روتها مصادر السنيين بطرقٍ عديدة، و أسانيد صحيحة عالية، و كشفت عن وجود شبكة عملٍ منظم ترسل الرسائل و تضع الخطط ضد علي عليه السلام، و سجلت إدانة النبي صلى الله عليه و آله الغاضبة لهم، و تصريحه بأن علياً وليكم من بعدي، و حُكمه بالنفاق على كل من ينتقد علياً و كل من لا يحب علياً، و لا يطيعه ..!
و هي حادثةٌ تكفي دليلًا على ظلم زعماء قريش و حسدهم لعلي عليه السلام ... الخ.!
السادسة: منع تدوين سنة النبي صلى الله عليه و آله في حياته .. أما القرآن فقد كان عامة الناس يكتبونه من حين نزوله، و كان النبي صلى الله عليه و آله يأمر بوضع ما ينزل منه جديداً بين منبره و الحائط، و كان يوجد هناك ورقٌ و دواةٌ، لمن يريد أن يكتبه.
و كان علي عليه السلام يكتب القرآن، و حديث النبي صلى الله عليه و آله الذي يأمره بكتابته.
و كان آخرون يكتبون حديث النبي صلى الله عليه و آله، و منهم شبانٌ قرشيون يعرفون الكتابة مثل عبد الله بن عمرو بن العاص ..
و قد أحست قريش بأن ذلك يعني تدوين مقولات النبي صلى الله عليه و آله العظيمة في حق عترته و بني هاشم، و مقولاته في ذم عددٍ كبيرٍ من فراعنة قريش و شخصياتها ..



************
آيات الغدير، ص: 289
فعملت على منع كتابة سنة النبي صلى الله عليه و آله في حياته، في حين أن بعض زعمائها كان يكتب أحاديث اليهود، و يحضر درسهم في كل سبت!! و قد وثقنا ذلك في كتاب تدوين القرآن.
و قد روت مصادر السنيين أن عبد الله بن عمرو شكا الى النبي صلى الله عليه و آله أن (قريشاً) نهته عن كتابة حديثه، لأن أحاديثه التي فيها غضبٌ عليها ليست حجة شرعا! قال أبو داود في سننه: 176 2: عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شي‏ءٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم، أريد حفظه، فنهتني قريش (؟) و قالوا: أ تكتب كل شي‏ء تسمعه؟! و رسول الله صلى الله عليه و سلم بشرٌ يتكلم في الغضب و الرضا؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم، فأومأ بإصبعه الى فيه فقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق!. انتهى. و رواه أحمد في مسنده: 192 2، و 215، و الحاكم في المستدرك: 105 1 و: 528 3، و صححه.
السابعة: محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه و آله في طريق عودته من حجة الوداع عند عقبة هرشى، و قد كشف الوحي المؤامرة، و كانت شبيهةً الى حد كبيرٍ بمؤامرة اغتياله صلى الله عليه و آله في العقبة، في طريق رجوعه من مؤتة! الثامنة: تصعيد قريش انتقادها لأعمال النبي صلى الله عليه و آله لتركيز مكانة عترته عليهم السلام و أسرته بني هاشم في الأمة، و اعتراض عددٍ منهم عليه بصراحةٍ و وقاحةٍ، و مطالبتهم بأن يجعل الخلافة لقريش تدور في قبائلها، أو يشرك مع علي غيره من قبائل قريش، و قد رفض النبي صلى الله عليه و آله كل مطالبهم، لأنه لا يملك شيئاً مع الله تعالى، و لم يعط شيئاً من عنده حتى يمنعه، و إنما هو عبدٌ و رسولٌ مبلغ!! صلى الله عليه و آله.
و قد تقدم نص‏ تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى 167، و فيه (جاءه قوم من قريش فقالوا له: يا رسول الله صلى الله عليه و آله إن الناس قريبو عهد بالإسلام، لا يرضون أن تكون النبوة فيك و الإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب. فلو عدلت به الى غيره لكان أولى.



************
آيات الغدير، ص: 290
فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله: ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به و فرضه علي.
فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلًا من قريش تركن الناس اليه، ليتم لك أمرك، و لا يخالف الناس عليك.
التاسعة: أن النبي صلى الله عليه و آله عند ما كان مريضاً شكل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد، و جعل تحت إمرته كل زعماء قريش غير بني هاشم، و عقد اللواء لأسامة بن زيد، و أمره أن يسير الى مؤتة في الأردن لمحاربة الروم .. أراد بذلك أن يرسخ قدرة الدولة الإسلامية و يأخذ بثار شهداء مؤتة، و أراد أن يفرغ المدينة من المعارضين لعلي عليه السلام قبيل وفاته صلى الله عليه و آله! فخرج أسامة بمن معه و عسكر خارج المدينة، و لكن زعماء قريش أحبطوا خطة النبي صلى الله عليه و آله بتتثاقلهم عن الانضمام الى جيش أسامة، و تأخيرهم من استطاعوا عنه، ثمّ طعنوا في تأمير النبي صلى الله عليه و آله لأسامة الأفريقي الشاب، بحجة صغر سنه، و واصلوا تسويفهم الوقت، و الذهاب الى معسكر أسامة ثمّ الرجوع الى المدينة .. حتى صعد النبي صلى الله عليه و آله المنبر و شدد على إنفاذ جيش أسامة، و أبلغ المسلمين صدور اللعنة من ربه عز و جل و منه صلى الله عليه و آله على كل من تخلف عن جيش أسامة!! العاشرة: تصعيد قريش فعاليتها في مواجهة النبي صلى الله عليه و آله، و قرارها الخطير بمواجهته صلى الله عليه و آله مباشرةً إذا أراد أن يستخلف علياً و أهل بيته من بعده رسمياً! و بالفعل فقد قام بمهمة المواجهة زعيم قريش الجديد عمر بن الخطاب، و ذلك عند ما جمع النبي صلى الله عليه و آله زعماء قريش و الأنصار في مرض وفاته، و أخبرهم أنه قرر أن يكتب لأمته كتاباً لن تضل بعده أبداً، فعرفوا أنه يريد أن يثبت ولاية علي و أهل بيته عليهم السلام على الأمة بصورة مكتوبة، فواجهه عمر بصراحة: لا نريد كتابك و أمانك من الضلال، و لا سنتك و لا عترتك، و حسبنا كتاب الله! و حتى تفسيره من حقنا نحن لا من حقك، و حق عترتك!!



************
آيات الغدير، ص: 291
و أيده القرشيون الحاضرون و من أثَّروا عليه من الأنصار، و صاحوا في محضر نبيهم صلى الله عليه و آله: القول ما قاله عمر!! و انقسم المودعون لنبيهم في آخر أيامه، و تشادوا بالكلام فوق رأسه صلى الله عليه و آله!! منهم من يقول قربوا له قلماً و قرطاساً يكتب لكم أماناً من الضلال. و أكثرهم يصيح: القول ما قاله عمر، لا تقربوا له شيئاً، و لا تدَعُوهُ يكتب!! و لعل جبرئيل حينذاك كان عند النبي صلى الله عليه و آله فقد كثر نزوله عليه في الأيام الأخيرة، فتشاور معه و أخبره أن الحجة قد تمت، و الإصرار على الكتاب يعني دفع قريش نحو الردة، و الحل هو الإعراض عنهم، و إكمال تبليغهم بطردهم!! فطردهم النبي صلى الله عليه و آله و قال لهم: قوموا فما ينبغي عند نبي تنازع! قوموا، فما أنا فيه خير مما تدعوني اليه ..!!
و حديث ايتوني بدواةٍ و قرطاسٍ حديث معروفٌ، و قد سمى ابن عباس تلك الحادثة (رزية يوم الخميس)، و قد رواها البخاري في ست مواضع من صحيحه! الحادية عشرة: كان النبي صلى الله عليه و آله مصاباً بحمى شديدة في مرضه، و كان يغشى عليه لدقائق من شدة الحمى و يفيق .. فأحس بأن بعض من حوله أرادوا أن يسقوه دواء عند ما أغمي عليه، فأفاق و نهاهم، و شدد عليهم النهي بأن لا يسقوه أي دواء إذا أغمي عليه .. و لكنهم اغتنموا فرصة الإغماء عليه بعد ذلك، و صبوا في فمه دواء فرفضه، و لكنهم سقوه إياه بالقوة!! فأفاق النبي صلى الله عليه و آله، و وبخهم على عملهم! و أمر كل من كان حاضراً أن يشرب من ذلك الدواء، ما عدا بني هاشم!! و رووا أن الجميع شربوا من (ذلك) الدواء!! هذه الحادثة المعروفة في السيرة بحادثة (لَدّ النبي) صلى الله عليه و آله ينبغي أن تعطى حقها من البحث و التحقيق، فربما كانت محاولةً لقتل النبي صلى الله عليه و آله بالسم!!



************
آيات الغدير، ص: 292
إن كل واحدة من هذه الحوادث تصلح أن تكون موضوعاً لرسالة دكتوراه .. و لكنا أردنا منها التمهيد لتفسير آية (سأل سائل) في مطلع سورة المعارج.
و إذا أردت أن تعرف الأبطال الحقيقيين لهذه الحوادث، و الأدمغة المخططة لها .. فابحث عن قريش!! و إذا أردت أن تفهم أكثر و تتعمق أكثر، فابحث .. عن علاقة قريش باليهود!! فاعجب من ذلك، و افهم كيف عصم الله تعالى رسوله صلى الله عليه و آله من أن ترتد قريش في حياته، و تعلن كفرها بنبوته! و لكنه لم يعصمه من أذاها و مؤامراتها .. فذلك هو طريق الأنبياء عليهم السلام و تكاليفه .. لا تغيير فيها!
استنفار قريش بعد الغدير
تحركت قافلة النبوة و الإمامة من غدير خمٍ نحو المدينة .. و سكن قلب النبي صلى الله عليه و آله و اطمأن .. و لكن قريشاً لم تسكن، بل صارت في حالة غليانٍ من الغيظ! هكذا تقول الأحاديث، و منطق الأحداث .. فقريش لا تسكت حتى ترى العذاب الأليم! و قد قال لهم الصادق الأمين الذي لا ينطق إلا وحياً صلى الله عليه و آله: لا أراكم منتهين يا معشر قريش!! إن آية العصمة من الناس كما قدمنا، لا تعني أن الله تعالى جعل الطريق أمام رسوله صلى الله عليه و آله ناعماً كالحرير، و لا أنه جعل له قريشاً فرساً ريِّضاً طائعاً ..
إن قدرته تعالى لا يمتنع منها شي‏ء .. و لكنه أراد للأمور أن تجري بأسبابها، و للأمة أن تجري عليها سنن الأمم الماضية، فتمتحن بإطاعة نبيها من بعده، أو معصيته ..
و هذا يستوجب أن تبقى لها القدرة على معصيته .. أما على الردة في حياته و في وجهه .. فلا.
إن قدرتها تصل الى حد قولها لنبيها صلى الله عليه و آله: لا نريد وصيتك و لا سنتك و لا عترتك، حسبنا كتاب الله!!



************
آيات الغدير، ص: 293
لكن ما بعدها ذلك خطٌّ أحمر .. هكذا أراد الله تعالى!! لقد تحققت عصمة النبي صلى الله عليه و آله من قريش في منعطفات كثيرة في حجة الوداع .. في مكة، و عرفات، و في ثلاث خطبٍ في منى، خاصةً خطبة مسجد الخيف ..
و ما تنفست قريش الصعداء إلا برحيله صلى الله عليه و آله دون أن يطالبها بالبيعة لعلي! و لكن الله تعالى لم يكتف بذلك، حتى أمر نبيه صلى الله عليه و آله أن يوقف المسلمين في طريق عودتهم في حر الظهيرة، في صحراء ليس فيها كلأ لخيولهم و جمالهم، و لا سوق ليشتروا منه علوفة و طعاماً، إلا دوحةٌ من بضع أشجار على قليل من ماء .. و ذلك بعد مسير ثلاثة أيام، و لم يصبر عليهم حتى يصلوا الى مدينة الجحفة التي لم يبق عنها إلا ميلان أو أقل، بل كان أول القافلة وصل الى مشارفها، فبعث اليهم و أرجعهم الى صحراء الغدير! كل ذلك لكي يصعد الرسول صلى الله عليه و آله المنبر في غير وقت صلاة، ليرفع بيد ابن عمه و صهره علي عليه السلام و يقول لهم: هذا وليكم من بعدي، ثمّ من بعده ولداه الحسن و الحسين، ثمّ تسعة من ذرية الحسين! عليهم السلام هنا تجلت آية العصمة من الناس مجسمةً للعيان .. فقد كمَّمَ الله تعالى أفواه قريش عن المعارضة، و فتح أفواههم للموافقة، فقالوا جميعاً: نشهد أنك بلغت عن ربك .. و أنك نعم الرسول .. سمعنا و أطعنا .. و تهافتوا مع المهنئين الى خيمة علي .. و كبروا مع المكبرين عند ما نزلت آية (اليوم أكملت لكم دينكم)! ثمّ أصغوا جميعاً الى قصيدة حسان بن ثابت في وصف نداء النبي صلى الله عليه و آله، و إبلاغه عن ربه ولاية علي عليه السلام من بعده.
و استمرت التهنئة من بعد صلاة العصر الى ما شاء الله .. و من بعد صلاة المغرب و العشاء تتابع عدد من المهنئين في العتمة، حتى طلع قمر ليلة التاسع عشر من ذي الحجة .. فقد بات النبي صلى الله عليه و آله في غدير الإمامة، و تحرك الى المدينة بعد صلاة فجره .. و قيل بقي فيه يومان!



************
آيات الغدير، ص: 294
أما كيف سلب الله تعالى قريشاً القدرة على تخريب مراسم الغدير .. و كيف كف ألسنتها .. و هي السليطةُ بالاعتراض .. الجريئةُ على الأنبياء؟! و كيف جعلها تفكر بأن تمرر هذا اليوم لمحمد صلى الله عليه و آله يفعل لبني هاشم و عليٍّ ما يشاء؟! فذلك من عمله عز و جل، و قدرته المطلقة .. المطلقة! هذا هو الأسلوب الأول الذي عصم الله به رسوله من ارتداد قريش، و لا بد أن ما خفي عنا من ألطافه تعالى أعظم.
أما الأسلوب الثاني فكان لغة العذاب السماوي، التي تفهمها قريش جيداً، كما كان يفهمها اليهود في زمان أنبيائهم!!
أحجار من السماء للناطقين باسم قريش‏
ورد في أحاديث السنة و الشيعة أسماءٌ عديدةٌ لأشخاصٍ اعترضوا على إعلان النبي صلى الله عليه و آله ولاية علي عليه السلام في غدير خم.
و يفهم منها أن عدداً منها تصحيفات لاسم شخص واحد، و لكن عدداً آخر لا يمكن أن يكون تصحيفاً، بل يدل على تعدد الحادثة، خاصة أن العقاب السماوي في بعضها مختلف عن الآخر .. و هم:
جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري ..
و الحارث بن النعمان الفهري ..
و الحرث بن النعمان الفهري و عمرو بن عتبة المخزومي ..
و النضر بن الحارث الفهري ..
و الحارث بن عمرو الفهري و النعمان بن الحارث اليهودي و النعمان بن المنذر الفهري‏



************
آيات الغدير، ص: 295
و عمرو بن الحارث الفهري و رجل من بني تيم و رجل أعرابي ...
و رجل أعرابي من أهل نجد من ولد جعفر بن كلاب بن ربيعة.
و كل هؤلاء قرشيون إلا الربيعي و اليهودي إذا صحت روايتهما! و ليس فيهم أنصاري واحد، إذ لم يعهد من الأنصار اعتراضٌ على الامتيازات التي أعطاها الله تعالى لعترة رسوله صلى الله عليه و آله! و إن عهد منهم عدم الوفاء لهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و خلاصة الحادثة: أن أحد هؤلاء الأشخاص أو أكثر من واحد اعترض على النبي صلى الله عليه و آله و اتهمه بأن إعلانه علياً عليه السلام ولياً على الأمة، كان عملًا من عنده و ليس بأمر الله تعالى! و لم يقتنع بتأكيد النبي صلى الله عليه و آله له، بأنه ما فعل ذلك إلا بأمر ربه! و ذهب المعترض من عند النبي صلى الله عليه و آله مغاضباً و هو يدعو الله تعالى أن يمطر الله عليه حجارة من السماء إن كان هذا الأمر من عنده .. فرماه الله بحجرٍ من سجيلٍ فأهلكه! أو أنزل عليه ناراً من السماء فأحرقته! و هذه الحادثة تعني أن الله تعالى استعمل التخويف مع قريش أيضاً، ليعصم رسوله صلى الله عليه و آله من تكاليف حركة الردة التي قد تُقْدِم عليها .. و بذلك تعزز عند زعماء قريش الاتجاه القائل بفشل المواجهة العسكرية مع النبي صلى الله عليه و آله، و ضرورة الصبر حتى يتوفاه الله تعالى!
و في هذا الحديث النبوي، و الحادثة الربانية،
مسائل و بحوث عديدةٌ أهمها:
المسألة الأولى: في أن مصادر السنيين روت هذا الحديث‏
لم تختص بروايته مصادرنا الشيعية بل روته مصادر السنيين أيضاً، و أقدم من رواه من أئمتهم: أبو عبيد الهروي في كتابه: غريب القرآن.



************
آيات الغدير، ص: 296
قال في مناقب آل أبي طالب 240 2: أبو عبيد، و الثعلبي، و النقاش، و سفيان بن عينيه، و الرازي، و القزويني، و النيسابوري، و الطبرسي، و الطوسي في تفاسيرهم، أنه لما بلَّغَ رسول صلى الله عليه و آله بغدير خم ما بلَّغ، و شاع ذلك في البلاد، أتى الحارث بن النعمان الفهري و في رواية أبي عبيد: جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال:
يا محمد! أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إلَه إلا الله و أن محمداً رسول الله، و بالصلاة، و الصوم، و الحج، و الزكاة، فقبلنا منك، ثمّ لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا و قلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شي‏ء منك أم من الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: و الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله.
فولى جابر يريد راحلته و هو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل اليها حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته و خرج من دبره و قتله، و أنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع .. الآية. انتهى.
و قد أحصى علماؤنا كصاحب العبقات، و صاحب الغدير، و صاحب إحقاق الحق، و صاحب نفحات الأزهار، و غيرهم .. عدداً من أئمة السنيين و علمائهم الذين أوردوا هذا الحديث في مصنفاتهم، فزادت على الثلاثين .. نذكر منهم اثني عشر:
1 الحافظ أبو عبيد الهروي المتوفى بمكة 223، في تفسيره (غريب القرآن) 2 أبو بكر النقاش الموصلي البغدادي المتوفى 351، في تفسيره.
3 أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427، في تفسيره (الكشف و البيان) 4 الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب (أداء حق الموالاة) 5 أبو بكر يحيى القرطبي المتوفى 567، في تفسيره 6 شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرته 7 شيخ الإسلام الحمويني المتوفى 722، روى في فرائد السمطين في الباب‏



************
آيات الغدير، ص: 297
الثالث عشر قال: أخبرني الشيخ عماد الدين الحافظ بن بدران بمدينة نابلس، فيما أجاز لي أن أرويه عنه إجازة، عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد الأنصاري إجازة، عن عبد الجبار بن محمد الحواري البيهقي إجازة، عن الإمام ابي الحسن علي بن أحمد الواحدي قال: قرأت على شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره: أن سفيان بن عيينة سئل عن قوله عز و جل: سأل سائل بعذاب واقع فيمن نزلت فقال ....
8 أبو السعود العمادي المتوفى 982، قال في تفسيره 292 8: قيل هو الحرث بن النعمان الفهري، و ذلك أنه لما بلغه قول رسول الله عليه السلام في علي رضي الله عنه: من كنت مولاه فعلي مولاه، قال ....
9 شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفى 977، قال: في تفسيره السراج المنير: 364 4: اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس: هو النضر بن الحرث، و قيل: هو الحرث بن النعمان ....
10 الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي المتوفى 1044، روى في السيرة الحلبية: 302 3 و قال: لما شاع قوله صلى الله عليه و سلم: من كنت مولاه فعلي مولاه في ساير الأمصار و طار في جميع الأقطار، بلغ الحرث بن النعمان الفهري .... الى آخر لفظ سبط ابن الجوزي.
11 شمس الدين الحفني الشافعي المتوفى 1181، قال في شرح الجامع الصغير للسيوطي: 387 2 في شرح قوله صلى الله عليه و آله: من كنت مولاه فعلي مولاه.
12 أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى 1122، في شرح المواهب اللدنية، 13. انتهى. و سيأتي ذكر بقية مصادر الحديث في بحث أسانيده.
المسألة الثانية: هل أن سورة المعارج مكية أو مدنية
يلاحظ القاري أن الجو العام للسورة الشريفة الى آية 36، أقرب الى جو السور



************
آيات الغدير، ص: 298
المدنية و تشريعات سورة النور و المؤمنين، و أن جو الآيات 36 الى آخر السورة أقرب الى جو السور المكية، التي تؤكد على مسائل العقيدة و الآخرة.
و لذلك لا يمكن معرفة مكان نزول السورة من آياتها، حسب ما ذكروه من خصائص للسور المكية و المدنية، و ضوابط للتمييز بينها .. على أن هذه الخصائص و الضوابط غير دقيقة و لا علمية! و إذا صح لنا أن نكتفي بها، فلا بد أن نقول إن القسم الأخير من السورة من قوله تعالى (فما للذين كفروا قبلك مهطعين) الى آخرها، نزلت أولًا في مكة، ثمّ نزل القسم الأول منها في المدينة، و وضع في أولها!! و لكن ذلك ليس أكثر من ظن! و الطريق الصحيح لتعيين مكيتها أو مدنيتها هو النص، و النص هنا متعارضٌ سواءً في مصادرنا أو مصادر السنيين، و لكن المفسرين السنيين رجحوا مكيتها وعدوها في المكي.
و لا يبعد أن ذلك هو المرجح حسب نصوص مصادرنا أيضاً.
فقد روى القاضي النعمان في شرح الأخبار 241 1 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: نزلت و الله بمكة للكافرين بولاية علي عليه السلام. انتهى.
و الظاهر أن مقصوده عليه السلام: أنها نزلت في مكة و كان مقدراً أن يأتي تأويلها في المدينة عند اعتراضهم على إعلان النبي صلى الله عليه و آله ولاية علي عليه السلام.
و قال الكليني في الكافي 450 5: قال: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق، فقال له: يا أبا جعفر ما تقول في المتعة، أ تزعم أنها حلال؟
قال: نعم.
قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يستمتعن و يكتسبن عليك؟
فقال له أبو جعفر: ليس كل الصناعات يرغب فيها، و إن كانت حلالًا، و للناس أقدار و مراتب يرفعون أقدارهم. و لكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ، أ تزعم أنه حلال؟



************
آيات الغدير، ص: 299
فقال: نعم.
قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك؟
فقال أبو حنيفة: واحدةٌ بواحدة، و سهمك أنفذ.
ثمّ قال له: يا أبا جعفر إن الآية التي في سأل سائل، تنطق بتحريم المتعة و الرواية عن النبي صلى الله عليه و آله قد جاءت بنسخها؟
فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة إن سورة سأل سائل مكية، و آية المتعة مدنية، و روايتك شاذة ردية.
فقال له أبو حنيفة: و آية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة؟
فقال أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث.
قال أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟
فقال أبو جعفر: لو أن رجلًا من المسلمين تزوج امرأة من أهل الكتاب، ثمّ توفي عنها ما تقول فيها؟
قال: لا ترث منه.
قال: فقد ثبت النكاح بغير ميراث. ثمّ افترقا. انتهى.
و قول أبي حنيفة إن سورة سأل سائل تنطق بتحريم المتعة، يقصد به قوله تعالى في السورة (و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم).
فأجابه مؤمن الطاق بأن السورة مكية و آية (فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن) مدنية، فكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟
و لكن الجواب الأصح: أن المتمتع بها زوجةٌ شرعية، فهي مشمولةٌ لقوله تعالى (إلا على أزواجهم) و قد أفتى عدد من علماء السنيين بأنه يجوز للرجل أن يتزوج امرأة حتى لو كان ناوياً أن يطلقها غداً، و هو نفس المتعة التي يشنعون بها علينا.
بل أفتى أبو حنيفة نفسه بأن الرجل لو استأجر امرأة لخدمته و كنْس منزله و غسل ثيابه، فقد جاز له مقاربتها بدون عقد زواج، لا دائمٍ و لا منقطع!! بحجة أن عقد



************
آيات الغدير، ص: 300
الإجارة يشمل ذلك! و هذا أوسع من المتعة التي يقول بها الفقه الشيعي، لأن عقد الزواج شرطٌ فيها، و إلا كانت زنا.
و النتيجة أن المرجح أن تكون سورة المعارج مكية، و لكن ذلك لا يؤثر على صحة الحديث القائل بأن العذاب الواقع هو العذاب النازل على المعترض على النبي صلى الله عليه و آله عند ما أعلن ولاية علي عليه السلام، لأن ذلك يكون تأويلًا لها، و إخباراً من جبرئيل عليه السلام بأن هذه الحادثة هي من العذاب الواقع الموعود.
فقد تقدمت رواية شرح الأخبار في ذلك، و ستأتي منه رواية فيها (فأصابته الصاعقة فأحرقته النار، فهبط جبرئيل و هو يقول: اقرأ يا محمد: سأل سائلٌ بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع). و هي كالنص في أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه و آله بتطبيق الآية أو تأويلها.
بل يظهر من أحاديثنا أن ما حل بالعبدري و الفهري ما هو جزءٌ صغيرٌ من (العذاب الواقع) الموعود، و أن أكثره سينزل تمهيداً لظهور الإمام المهدي عليه السلام أو نصرةً له ..
و قد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام: 458 5 عدة أحاديث عن الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السلام في تفسير العذاب الواقع بأحداثٍ تكون عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
منها ما رواه علي بن ابراهيم القمي في تفسيره: 385 2 قال: سأل سائلٌ بعذاب واقع، قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن معنى هذا، فقال: نارٌ تخرج من المغرب، و ملكٌ يسوقها من خلفها حتى تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أمية إلا أحرقتها و أهلها، و لا تدع داراً فيها وترٌ لآل محمدٍ إلا أحرقتها، و ذلك المهدي عليه السلام.
و منها ما رواه النعماني في كتاب الغيبة 272 قال: حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد



************
آيات الغدير، ص: 301
الله جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، قال: تأويلها فيما يأتي عذابٌ يقع في الثوية يعني ناراً حتى تنتهي الى الكناسة كناسة بني أسد، حتى تمر بثقيف لا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته، و ذلك قبل خروج القائم عليه السلام. انتهى.
و الأمكنة التي ذكرتها الروايتان، من أمكنة الكوفة التي ثبت أن الإمام المهدي عليه السلام سيتخذها عاصمةً له.
و قول الإمام الصادق عليه السلام (تأويلها فيما يأتي) يدل على أن مذهب أهل البيت عليهم السلام أن العذاب الواقع في الآية وعيدٌ مفتوحٌ منه ما وقع فيما مضى على المشركين و المنافقين، و منه ما يقع فيما يأتي على بقيتهم .. و هو المناسب مع إطلاق التهديد في الآية، و مع سنة الله تعالى و انتصاره لدينه و أوليائه.
المسألة الثالثة: هل العذاب في سورة المعارج دنيوي أم أخروي‏
المتأمل في السورة نفسها بقطع النظر عن الأحاديث و التفاسير .. يلاحظ أن موضوعها و محور كل آياتها هو العذاب الأخروي و ليس الدنيوي.
كما أن آياتها لا تنص على ذم السائل عن ذلك العذاب، فقد يكون مجرد مستفهمٍ لا ذنب له، و قد يكون السائل بالعذاب هنا بمعنى الداعي به، و قد رأيت أن القرطبي ذكر قولًا بأن السائل بالعذاب نبي الله نوح عليه السلام، و قولًا آخر بأنه نبينا صلى الله عليه و آله! و لذلك يرد في الذهن سؤال: من أين أطبق المفسرون الشيعة و السنة على أنها تشمل العذاب الدنيوي، و أن ذلك السائل بالعذاب سأل متحدياً و مكذباً؟! و الجواب: أن سر ذلك يكمن في (باء) العذاب، و أن (سأل به) تعني التساؤل عن الشي‏ء المدعى و طلبه، استنكاراً و تحدياً! فكلمة: سأل به، تدل على أن السائل سمع بهذا العذاب، لأن النبي صلى الله عليه و آله كان ينذرهم بالعذاب الدنيوي و الأخروي معاً .. فتساءل عنه، و أنكره، و تحدى أن يقع! و قد أجابه الله تعالى بالسورة، و لم ينف سبحانه العذاب الدنيوي لأعدائه، و إن كان ركز على العذاب الأخروي و أوصافه، لأنه الأساس و الأكثر أهميةً و استمراراً،



************
آيات الغدير، ص: 302
و لأن صفته الجزائية أكثر وضوحاً.
فكأن السورة تقول: أيها المستهزءون بالعذاب الذي ينذركم به رسولنا .. إن كل ما أنذركم به من عذاب دنيوي أو أخروي سوف يقع، و لا دافع له عن الكفار .. فآمنوا بالله ليدفعه عنكم، بحسب قوانينه تعالى في دفع عذابه عن المؤمنين.
فقوله تعالى (للكافرين ليس له دافع) ينفي إمكان دفعه عن الكافرين، فهو ثابت لمن يستحقه منهم، و هو أيضاً ثابتٌ لمن يستحقه من الذين قالوا آمنا، لكن دافعٌ هو التوبة و الاستغفار مثلًا.
كما أن (الكافرين) في الآية لا يبعد أن تكون بالمعنى اللغوي، فتشمل الكافرين ببعض آيات الله تعالى، أو بنعمه، و لو كانوا مسلمين.
و عند ما نشك في أن كلمة استعملت بمعناها اللغوي أو الاصطلاحي، فلا بد أن نرجح المعنى اللغوي، لأنه الأصل، و الاصطلاحي يحتاج الى قرينة.
و قد وقع المفسرون السنيون في تهافتٍ في تفسير السورة، لأنهم جعلوا (العذاب الواقع) عذاباً أخروياً أو لغير المسلمين، و في نفس الوقت فسروه بعذاب النضر بن الحارث العبدري بقتله يوم بدر، فصار بذلك شاملًا للعذاب الدنيوي! و يلاحظ الباحث في التفاسير السنية أنه يوجد منهجٌ فيها، يحاول أصحابه دائماً أن يفسروا آيات العذاب الواردة في القرآن الكريم خاصة التي نزلت في قريش بالعذاب الأخروي، أو يرموها على أهل الكتاب، و يبعدوها عن المسلمين، حتى المنافقين منهم! و قد أوجب عليهم هذا المنهج في تبرئة قريش، أن يتهموا النبي صلى الله عليه و آله بأنه دعا ربه بالعذاب على قومه، فلم يستجب له! بل وبخه الله تعالى بقوله: ليس لك من الأمر شي‏ء .. الخ ..
و هكذا ركزت الدولة القرشية مقولة اختيار الله لقريش، و عدم سماحه بعذابها، و جعلتها أحاديث نبوية، و لو كان فيها تخطئةٌ و إهانةٌ للنبي صلى الله عليه و آله، و أدخلتها في مصادر التفسير و الحديث.



************
آيات الغدير، ص: 303
أما عند ما يضطرون الى الاعتراف بوقوع العذاب الدنيوي لأحد فراعنة قريش، فيقولون إنه خاصٌ بحالة معينة، مثل حالة النضر بن الحارث، و قد وقعت في بدر و انتهى الأمر! فقد اختار الفخر الرازي في تفسيره: 122 30 أن العذاب المذكور في مطلع السورة هو العذاب الأخروي، و أن الدنيوي مخصوص بالنضر بن الحارث، قال: (لأن العذاب نازل للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد، و قد وقع بالنضر لأنه قتل يوم بدر) ثمّ وصف هذا الرأي بأنه سديد .. و هو بذلك يتبع جمهور المفسرين السنيين، مع أن السورة لا تشير الى انتهاء أي نوع من العذاب الموعود!! على أن منهج المفسرين في إبعاد العذاب عن قريش، أقل تشدداً من منهج المحدثين الرسميين، فهؤلاء لا يقبلون (العذاب الواقع) لأحدٍ من قريش، حتى للنضر بن الحارث، و حتى لأبي جهل! بل هم الذين فتحوا باب تهمة النبي صلى الله عليه و آله بأنه دعا على قومه، فخطَّأَهُ الله تعالى و وبخه!! فقد روى البخاري في صحيحه: 199 5 عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون. و رواه البخاري في عدة أماكن أخرى، و رواه مسلم في: 129 8 ..
و إذا أردت أن تقرأ ما لا تكاد تصدقه عيناك، فاقرأ ما رووه في تفسير قوله تعالى (ليس لك من الأمر شي‏ء) فهي آيةٌ تنفي عن النبي صلى الله عليه و آله كل أنواع الألوهية و الشراكة لله تعالى، و لكنها في نفس الوقت لا تسلب عنه شيئاً من مقامه النبوي و خلقه العظيم و حكمته، و حرصه على هداية قومه .. و لكن انظر كيف صور المحدثون النبي صلى الله عليه و آله في تفسيرها بأنه ضيق الصدر، مبغضٌ لقريش، يريد الاعتداء عليها و ظلمها ..!!



************
آيات الغدير، ص: 304
فنزل الوحي مدافعاً عن هذه القبائل المقدسة، ورد عدوانية نبيها!! و لا يتسع المجال للإفاضة في هذا الموضوع، و لكن القاري السني يجد نفسه متحيراً بين ولاء المفسرين لقريش كمجاهد الذي يسمح بكون قتل بعض فراعنتها كالنضر عذاباً لها، و بين ولاء المحدثين لقريش كالبخاري الذي يقول إن قتل النضر و أبي جهل ليس هو العذاب الإلَهي، فهؤلاء قومٌ برزوا الى مضاجعهم، فقد رفع الله عذابه عن قريش، و وبخ رسوله، لأنه دعا عليها!!
و أخيراً يمكن للباحث أن يستدل لنصرة رأي المفسرين القائل بأن العذاب السورة يشمل العذاب الدنيوي، بما رواه ابن سعد في الطبقات، من قصة اختلاف طلحة و الزبير و ابنيهما على إمامة الصلاة في معسكر عائشة في حرب الجمل، قال:
و لما قدموا البصرة أخذوا بيت المال، و ختماه جميعاً طلحة و الزبير، و حضرت الصلاة فتدافع طلحة و الزبير حتى كادت الصلاة تفوت، ثمّ اصطلحا على أن يصلي عبد الله بن الزبير صلاةً و محمد بن طلحة صلاةً، فذهب ابن الزبير يتقدم فأخره محمد بن طلحة، و ذهب محمد بن طلحة يتقدم فأخره عبد الله بن الزبير عن أول صلاة!! فاقترعا فقرعه محمد بن طلحة، فتقدم فقرأ: سأل سائل بعذاب واقع!! انتهى. فقد فهم محمد بن طلحة القرشي التيمي من السورة أنها تهديدٌ بعذاب دنيوي و لذلك هدد بها ابن الزبير. و هو دليلٌ على أن الارتكاز الذهني عند الصحابة المعاصرين للنزول، أن العذاب في السورة يشمل العذاب الدنيوي أيضاً.
المسألة الرابعة: موقف السنيين من الحديث‏
و لكن الذين ذكروا الحديث من السنيين ليس موقفهم منه واحداً، فمنهم من قبله و رجحه على غيره كأبي عبيد و الثعلبي و الحمويني، و منهم من نقله بصيغة: روي أو قيل. و منهم من رجح غيره عليه، و لكن أحداً منهم لم يطعن فيه .. و أقل موقفهم منه أنه حديثٌ موجودٌ، قد يكون سنده صحيحاً، و لكن غيره أرجح منه، كما سترى.



************
آيات الغدير، ص: 305
إن العالم السني يرى نفسه ملزماً باحترام هذا الحديث، بل يرى أنه بإمكانه أن يطمئن اليه و يأخذ به، لأن الذين قبلوه من أئمة العلم و الدين قد يكتفي العلماء بمجرد نقل أحدهم للحديث و قبوله له، كأبي عبيد و سفيان بن عيينة ..
و قد رأينا المحدث الألباني الذي يعتبره الكثيرون المجتهد الأول في التصحيح و التضعيف في عصرنا، ربما يكتفي في سلسلته أحاديثه الصحيحة للحكم بصحة الحديث بتصحيح عالمين أو ثلاثة من قبيل: ابن تيمية و الذهبي و ابن قيم.
مضافاً الى أن المحدثين السنة ذكروا له طرقاً أخرى، عن حذيفة، و عن أبي هريرة و غيرهما.
و تجد ترجمات هؤلاء الأئمة مفصلةً في مصادر الجرح و التعديل السنية، و في عبقات الأنوار، و الغدير، و نفحات الأزهار، من مصادرنا.
نماذج من تفسيرات السنيين لآية: سأل سائل‏
قال الشوكاني في فتح القدير: 352 5: و هذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجار من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. و هو ممن قتل يوم بدر صبراً.
و قيل: هو أبو جهل. و قيل: هو الحارث بن النعمان الفهري. و الأول أولى لما سيأتي. انتهى.
و قصده بما يأتي ما ذكره في ص 356، من رواياتهم التي تثبت أن السورة مكية و أن صاحب العذاب الواقع هو النضر، و ليس ابنه جابراً، و لا الحارث الفهري قال: و قد أخرج الفريابي و عبد بن حميد و النسائي و ابن أبي حاتم و الحاكم و صححه و ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: سأل سائل، قال: هو النضر بن الحارث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجار من السماء. انتهى.
و لم يذكر الشوكاني الحديث المروي في جابر و الحارث، و من رووه، و لما ذا رجح عليه حديث النضر؟ هل بسبب السند أو الدلالة ... الخ.



************
آيات الغدير، ص: 306
و لو أنه اقتصر على ذكر ما اختاره في سبب نزولها لكان له وجهٌ، و لكنه ذكر القولين، و ذكر رواية أحدهما دون الآخر، و بذلك ابتعد عن إنصاف العالم الباحث.
لكن شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفى سنة 977، صاحب التفسير المعروف، كان أكثر إنصافاً من الشوكاني، فقد ذكر السببين معاً، فقال كما نقل عنه‏ صاحب عبقات الأنوار: 398 7: سأل سائل بعذاب واقع: اختلف في هذا الداعي، فقال ابن عباس: هو النضر بن الحارث. و قيل: هو الحارث بن النعمان، و ذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه و آله من كنت مولاه فعلي مولاه، ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته في الأبطح ثمّ قال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله و أنك رسول الله فقبلناه منك ... الخ .. انتهى.
أما أبو عبيد المتوفى سنة 223، فقد جعل الحديث سبباً لنزول الآية على نحو الجزم، لأنه ثبت عنده، و لعله لم يثبت عنده غيره حتى يذكره، فقال كما في نفحات الأزهار: 291 7 لما بلَّغَ رسول الله صلى الله عليه و سلم غدير خم ما بلَّغَ، و شاع ذلك في البلاد، أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال:
يا محمد! أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله و أنك رسول الله، و بالصلاة، و الصوم و الحج، و الزكاة، فقبلنا منك .. ثمّ لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا و قلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شي‏ء منك أم من الله؟! فقال رسول الله: و الله الذي لا إلَه إلا هو إنَّ هذا من الله.
فولى جابر يريد راحلته و هو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره و قتله، و أنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع .. الآية. انتهى.
و قال القرطبي في تفسيره: 278 18 أي سأل سائل عذاباً واقعاً. للكافرين: أي على الكافرين. و هو النضر بن الحارث‏



************
آيات الغدير، ص: 307
حيث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزل سؤاله. و قتل يوم بدر صبراً هو و عقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبراً غيرهما، قاله ابن عباس و مجاهد.
و قيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري، و ذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه و سلم في علي رضي الله عنه (من كنت مولاه فعلي مولاه) ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح .. الى آخره، بنحو رواية أبي عبيد. ثمّ قال:
و قيل: إن السائل هنا أبو جهل، و هو القائل لذلك، قاله الربيع.
و قيل: إنه قول جماعةٍ من كفار قريش.
و قيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين.
و قيل: هو رسول الله صلي الله عليه و سلم أي دعا عليه السلام بالعقاب، و طلب أن يوقعه الله بالكفار، و هو واقع بهم لا محالة، و امتد الكلام الى قوله تعالى: فاصبر صبراً جميلًا أي: لا تستعجل فإنه قريب. انتهى.
و بذلك نلاحظ أن المفسرين السنيين و إن كانوا يرجحون تفسير الآية بالنضر بن الحارث العبدري، و يرجحون أن العذاب الموعود فيها هو قتله في بدر .. و لكنهم في نفس الوقت يذكرون تفسيرها بوقوع العذاب على من اعترض على النبي صلى الله عليه و آله لإعلانه ولاية علي عليه السلام من بعده في غدير خم.
و مجرد ورود هذا التفسير في مصادرهم بصفته قولًا محترماً في تفسير الآية، و لو رجحوا عليه غيره، يدل على وجود إعلان نبوي رسمي بحق علي، و وجود اعتراضٍ عليه! فالمسلم لا يحتاج الى أكثر من اعتراف المفسرين بذلك، سواءً وقعت الصاعقة على المعترض أم لم تقع، و سواء نزلت سورة المعارج عند هذه الحادثة أو لم تنزل!! فلا بد للشيعي من توجيه الشكر لهم، و إن ناقشهم في الوجه الآخر الذي رجحوه. و أهم الإشكالات التي ترد عليه: أن روايته ليست مرفوعة الى النبي صلى الله عليه و آله، بينما تفسير الشيعة مرفوع.



************
آيات الغدير، ص: 308
و رواية تفسيرهم عن ابن عباس و مجاهد لا تحل المشكلة، خاصةً إذا كانت من راويه عكرمة المجروح عندنا و عندهم.
و يرد على تفسيرهم أيضاً: أن من المتفق عليه عندهم تقريباً أن السؤال في الآية حقيقي و ليس مجازياً، فقد حدث أن سأل النضر بن الحارث بالعذاب، و طلب نزوله فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فعذبه الله في بدرٍ بالقتل.
مع أن آية مطر الحجارة من سورة الأنفال التي نزلت مع أحكام الأنفال، بعد بدر و بعد قتل النضر .. و من البعيد أن يكون جواب قول النضر نزل في سورة مكية قبل الهجرة، و نفس قوله نزل في سورة مدنية، بعد هلاكه.
و يرد عليه أيضاً: أن قولهم (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأنزل علينا حجارة من السماء) أكثر تناسباً و انطباقاً على تفسيرنا، و أصعب انطباقاً على تفسيرهم .. لأن معناه على تفسيرهم: اللهم إن كان هذا الدين منزلًا من عندك فأمطر علينا حجارة. و معناه على تفسيرنا: اللهم إن الحكم لآل محمد صلى الله عليه و آله من بعده منزلًا من عندك، فأمطر علينا حجارة .. و هذا أكثر تناسباً، لأن الدعاء بحجارة من السماء لا يقوله قائله إلا في حالة اليأس من التعايش مع وضع سياسي جديد، يتحدى وضعه القبلي المتجذر في صميمه!! و يرد عليه أيضاً: أنه لو صح، فهو لا يمنع من تفسيرنا، فلا وجه لافتراضهم التعارض بينهما .. فأي تعارض بين أن يكون العذاب الواقع هو العذاب الذي وقع على النضر بن الحارث في بدر، ثمّ وقع على ولده جابر بن النضر، كما في رواية أبي عبيد، ثمّ وقع و يقع لى آخرين من مستحقيه! و ينبغي أن نشير هنا الى قاعدة مهمة في تفسير القرآن و النصوص عامة، و هي: ضرورة المحافظة على إطلاقات النص ما أمكن و عدم تضييقها و تقييدها .. فالآية الكريمة تقول إن أحدهم تحدى و تساءل عن العذاب الموعود، الذي أنذر به‏



************
آيات الغدير، ص: 309
النبي صلى الله عليه و آله، فأجابه الله تعالى إنه واقعٌ بالكفار لا محالة كما أنذركم به رسولنا صلى الله عليه و آله حرفياً، في الدنيا و الآخرة، و أنه جارٍ في الكفار و في من آمن، حسب القوانين الخاصة التي وضعها له الله تعالى.
و عليه فيكون عذاب الله تعالى لقريش في بدر و الخندق من ذلك العذاب الواقع الموعود، و عذابهم بالجوع و القحط منه أيضاً، و عذابهم بفتح مكة و تسليمهم و خلعهم سلاحهم منه أيضاً .. و يكون عذاب المعترضين على النبي صلى الله عليه و آله لإعلانه ولاية عترته من بعده منه أيضاً! فلا موجب لحصر الآية بالنضر وحده، و لا لتضييق العذاب المنذر به بقتل شخص، و لو كان من الفراعنة، و لا حصره في عصر دون العصور الآتية، الى أن يرث الله الأرض و من عليها ..
و كم تجد عند المفسرين السنيين من هذه التضييقات في آيات العذاب و الرحمة حيث يحصرون أنفسهم فيها بلا موجب، و يحصرون فيها كلام الله المطلق، بلا دليل!
المسألة الخامسة: موقف النواصب من حديث حجر السجيل‏
أما النواصب المبغضون لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله فلم نعثر على أحدٍ منهم رد هذا الحديث و كذبه قبل ابن تيمية، فقد هاجمه بعنف و تخبط في رده! و تبعه على ذلك من المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار .. و من الملاحظ أن هذا الشخص متأثرٌ بابن تيمية و تلميذه ابن قيم المدرسة الجوزية، بل مقلدٌ لهما في كثير من أفكارهما، و قد أدخلها في تفسيره، و استفاد لذلك من اسم أستاذه الشيخ محمد عبده رحمه الله و ادعى أنه ميز بين أفكاره و أفكار أستاذه! و من يقرأ تفسير المنار يلمس الفرق بين الجزءين الأولين اللذين كتبهما في حياة الشيخ محمد عبده، و استفاد مما سجله من دروسه، و فيهما من عقلانيته رحمه الله و اعتقاده بولاية أهل البيت عليهم السلام .. و بين الأجزاء التي أخرجها الشيخ رشيد رضا بعد



************
آيات الغدير، ص: 310
وفاة الشيخ محمد عبده، أو أعاد طباعتها، و فيها الكثير من الأفكار الجامدة و الناصبة لأهل البيت عليهم السلام.
و قد نقل صاحب تفسير المنار في 464 6 و ما بعدها عن تفسير الثعلبي: أن هذا القول من النبي صلى الله عليه و آله في موالاة علي شاع و طار في البلاد، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري فأتى النبي صلى الله عليه و آله على ناقة و كان بالابطح فنزل و عقل ناقته و قال للنبي صلى الله عليه و آله و هو في ملأ من أصحابه: يا محمد أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله و أنك رسول الله فقبلنا منك ... ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام ... ثمّ لم ترض بهذا حتى مددت بضبعي ابن عمك و فضلته علينا و قلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا منك أم من الله! فقال صلى الله عليه و آله: و الله الذي لا إلَه إلا هو هو أمر الله.
فولى الحارث يريد راحلته و هو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم! فما وصل الى راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره و أنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع الحديث ...
و هذه الرواية موضوعةٌ، و سورة المعارج هذه مكية، و ما حكاه الله من قول بعض كفار قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك كان تذكيراً بقول قالوه قبل الهجرة و هذا التذكير في سورة الأنفال، و قد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين، و ظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتد، و لم يعرف في الصحابة، و الأبطح بمكة و النبي صلى الله عليه و آله لم يرجع من غدير خم الى مكة، بل نزل فيه منصرفه من حجة الوداع الى المدينة. انتهى.
و كأن رشيد رضا اغتاظ من هذا الحديث، و حاول تكذيبه من ناحية سنده فلم يجد ما يشفي غليله، و لما وجد تكذيب ابن تيمية له بنقد متنه فرح به و تبناه، و لكنه لم ينسبه اليه! و عمدة ما قاله ابن تيمية و صاحب المنار: أن مكان الرواية الأبطح، و هو مكان في‏



************
آيات الغدير، ص: 311
مكة، و النبي صلى الله عليه و آله لم يرجع بعد الغدير الى مكة .. و قد جهلا أو تجاهلا أبطح المدينة المشهور! ثمّ قالا: إن الرواية تدعي أن الآية نزلت في المدينة، مع أن سورة المعارج مكية .. و قد تجاهلا أن جوَّ السورة الى الآية 36 على الأقل مدني، و أن هذا الحديث دليل على مدنيتها.
ثمّ لو صح كونها مكية، فقد يتكرر نزول الآية لبيان تفسيرها أو تأويلها، فتكون الحادثة تأويلًا لها. و قد روى المفسرون نزول آية (إنا أعطيناك الكوثر) في عدة مواضع تسليةً لقلب الرسول صلى الله عليه و آله.
فما المانع أن يكون تأويلها قد تحقق في (عشيرة العذاب الواقع) فتحقق في الأب النضر بن الحارث عند ما قتله النبي صلى الله عليه و آله في بدر، ثمّ تحقق في الابن جابر عند ما قتله الله بحجر من السماء في أبطح المدينة، و أن يكون جبرئيل عليه السلام أكد الآية كلما تحقق تأويلها.
ثمّ من حق الباحث أن يقول لهما: لو سلمنا أن ذكر نزول الآية في الحادثة خطأ، أو زيادة، فما ذنب بقية الحديث! و لما ذا يردونه كله و لا يقتصرون على رد زيادته و هو نزول الآية بمناسبته؟! و قد ناقش صاحب تفسير الميزان 54 6 تضعيف صاحب المنار للحديث فقال: و أنت ترى ما في كلامه من التحكم. أما قوله إن الرواية موضوعة و سورة المعارج هذه مكية، فيعول في ذلك على ما في بعض الروايات عن ابن عباس و ابن الزبير أن سورة المعارج نزلت بمكة، وليت شعري ما هو المرجح لهذه الرواية على تلك الرواية، و الجميع آحاد.
سلمنا أن سورة المعارج مكية كما ربما تؤيده مضامين معظم آياتها، فما هو الدليل على أن جميع آياتها مكية؟ فلتكن السورة مكية و الآيتان خاصة غير مكيتين.
كما أن سورتنا هذه أعني سورة المائدة مدنية نازلة في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و قد



************
آيات الغدير، ص: 312
وضعت فيها الآية المبحوث عنها، أعني قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، الآية، و هو كغيره من المفسرين مصرون على أنها نزلت بمكة في أول البعثة! ...
و أما قوله و ما حكاه الله من قول بعض كفار قريش الى آخره، فهو في التحكم كسابقه، فهب أن سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين، فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التأليف بعض الآيات النازلة بعدها فيها، كما وضعت آيات الربا و آية: و اتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله: البقرة 281، و هي آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه و آله عندهم، في سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة، و قد نزلت قبلها ببضع سنين؟
ثمّ قوله إن آية: و إذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق، الآية، تذكيرٌ لما قالوه قبل الهجرة، تحكمٌ آخر من غير حجة، لو لم يكن سياق الآية حجة على خلافه، فإن العارف بأساليب الكلام لا يكاد يرتاب في أن هذا أعني قوله: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، لاشتماله على قوله: إن كان هذا هو الحق من عندك بما فيه من اسم الاشارة و ضمير الفصل و الحق المحلى باللام، و قوله من عندك، ليس كلام وثني مشرك يستهزى‏ء بالحق و يسخر منه، إنما هو كلام من أذعن بمقام الربوبية، و يرى أن الأمور الحقة تتعين من لدنه و أن الشرائع مثلًا تنزل من عنده، ثمّ إنه يتوقف في أمر منسوب الى الله تعالى يدعي مدع أنه الحق لا غيره، و هو لا يتحمل ذلك و يتحرج منه، فيدعو على نفسه دعاء منزجر ملول سئم الحياة.
و أما قوله: و ظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتد، و لم يعرف في الصحابة، تحكمٌ آخر، فهل يسع أحداً أن يدعي أنهم ضبطوا أسماء كل من رأى النبي صلى الله عليه و آله، و آمن به، أو آمن به فارتد! و إن يكن شي‏ء من ذلك فليكن هذا الخبر من ذلك القبيل.
و أما قوله و الأبطح بمكة و النبي صلى الله عليه و آله لم يرجع من غدير خم الى مكة، فهو يشهد



************
آيات الغدير، ص: 313
على أنه أخذ لفظ الأبطح اسماً للمكان الخاص بمكة، و لم يحمله على معناه العام و هو كل مكان ذي رمل .. و لا دليل على ما حمله عليه، بل الدليل على خلافه و هو القصة المسرودة في الرواية و غيرها ...
قال في مراصد الاطلاع: أبطح بالفتح ثمّ السكون و فتح الطاء و الحاء المهملة: كل مسيل فيه رقاق الحصى فهو أبطح ....
على أن الرواية بعينها رواها غير الثعلبي، و ليس فيه ذكر من الأبطح، و هي ما يأتي من رواية المجمع من طريق الجمهور و غيرها.
و بعد هذا كله، فالرواية من الآحاد و ليست من المتواترات، و لا مما قامت على صحتها قرينة قطعية، و قد عرفت من أبحاثنا المتقدمة أنا لا نعول على الآحاد في غير الأحكام الفرعية، على طبق الميزان العام العقلائي، الذي عليه بناء الإنسان في حياته، و إنما المراد بالبحث الآنف بيان فساد ما استظهر به من الوجوه التي استنتج منها أنها موضوعة. انتهى.
و كلام صاحب الميزان في رد تضعيف رشيد رضا للحديث كلامٌ قوي، لكن ليته بدل أن يضعِّفه هو بدعوى أنه من أخبار الآحاد، اطلع على مصادره و رواته .. و على بحث الأميني حوله في المجلد الأول من الغدير، و بحث السيد النقوي الهندي في عبقات الأنوار: 7 و 8، و غيرهما.
و نورد فيما يلي خلاصةً لما كتبه صاحب الغدير رحمه الله في: 239 1، قال: و من الآيات النازلة بعد نص الغدير، قوله تعالى من سورة المعارج: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.
و قد أذعنت به الشيعة و جاء مثبتاً في كتب التفسير و الحديث لمن لا يستهان بهم من علماء أهل السنة، و دونك نصوصها.



************
آيات الغدير، ص: 314
ثمّ أورد صاحب الغدير نصوص ثلاثين مؤلفاً رووا الحديث بعدة طرق، و فيهم محدثان أقدم من الثعلبي كما تقدم .. ثمّ أفاض في رد الوجوه التي ذكرها ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: 13 4، و أجاب عنها، و نورد فيما يلي خلاصتها، قال:
الوجه الأول: إن قصة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع، و قد أجمع الناس على هذا، و في الحديث: أنها لما شاعت في البلاد جاءه الحارث، و هو بالأبطح بمكة، و طبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة، فالمفتعل للرواية كان يجهل تاريخ قصة الغدير.
الجواب: أولًا ما سلف في رواية الحلبي في السيرة، و سبط ابن الجوزي في التذكرة، و الشيخ محمد صدر العالم في معارج العلى، من أن مجي‏ء السائل كان في المسجد إن أريد منه مسجد المدينة و نص الحلبي على أنه كان بالمدينة، لكن ابن تيمية عزب عن ذلك كله، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزمية .... فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكة، و لو كان يراجع كتب الحديث و معاجم اللغة و البلدان و الأدب لوجد فيها نصوص أربابها بأن الأبطح كل مسيل فيه دقاق الحصى‏ روى البخاري في صحيحه: 181 1، و مسلم في صحيحه: 382 1 عن عبد الله ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها.
الوجه الثاني: أن سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم، فيكون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين أو أكثر من ذلك.
الجواب: أن المتيقن من معقد الإجماع المذكور هو نزول مجموع السورة مكياً، لا جميع آياتها، فيمكن أن يكون خصوص هذه الآية مدنياً، كما في كثير من السور.
و لا يرد عليه أن المتيقن من كون السورة مكية أو مدنية، هو كون مفاتيحها كذلك أو الآية التي انتزع منها اسم السورة، لما قدمناه من أن هذا الترتيب هو ما اقتضاه التوقيف، لا ترتيب النزول، فمن الممكن نزول هذه الآية أخيراً، و تقدمها



************
آيات الغدير، ص: 315
على النازلات قبلها بالتوقيف، و إن كنا جهلنا الحكمة في ذلك، كما جهلناها في أكثر موارد الترتيب في الذكر الحكيم، و كم لها من نظير و من ذلك:
1 سورة العنكبوت، فإنها مكية إلا من أولها عشرة آيات، كما رواه الطبري في تفسيره في الجزء العشرين 86، و القرطبي في تفسيره 323 13. 2 سورة الكهف، فإنها مكية إلا من أولها سبع آيات، فهي مدنية ... كما في تفسير القرطبي 346 10، و إتقان السيوطي 16 1 ...
ثمّ عدد الأميني سبع عشرة سورة مكية فيها آيات مدنية، و سوراً مدنية فيها آيات مكية ..
الوجه الثالث: أن قوله تعالى: و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل يوم الغدير بسنين.
الجواب: كأن هذا الرجل يحسب أن من يروي تلك الأحاديث المتعاضدة يرى نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الكافر من الآية الكريمة ... في اليوم المذكور.
و القارئ لهاتيك الأخبار جد عليم بمينه في هذا الحسبان، أو أنه يرى حجراً على الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحدٌ، فهل في هذه الرواية غير أن الرجل المرتد الحارث أو جابر تفوه بهذه الكلمات؟ و أين هو من وقت نزولها، فدعها يكن نزولها في بدر أو أحد، فالرجل أبدى كفره بها كما أبدى الكفار قبله إلحادهم بها! لكن ابن تيمية يريد تكثير الوجوه في إبطال الحق الثابت.
الوجه الرابع: أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكة، و لم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي صلى الله عليه و آله، لقوله تعالى: و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم، و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون.
الجواب: لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مكة على المشركين، و بين عدم نزوله هاهنا على الرجل، فإن أفعال المولى سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحكمة.



************
آيات الغدير، ص: 316
ثمّ أورد الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه و آله فعذبهم الله تعالى، ثمّ قال: و لو كان وجود الرسول صلى الله عليه و آله مانعاً عن جميع أقسام العذاب بالجملة، لما صح ذلك التهديد، و لما أصيب النفر الذين ذكرناهم بدعوته، و لما قتل أحد في مغازيه بعضبه الرهيف، فإن كل هذه من أقسام العذاب، أعاذنا الله منها.
الوجه الخامس: أنه لو صح ذلك لكان آيةً كآية أصحاب الفيل، و مثلها تتوفر الدواعي لنقله، و لما وجدنا المصنفين في العلم من أرباب المسانيد و الصحاح و الفضائل و التفسير و السير و نحوها، قد أهملوه رأساً فلا يروى إلا بهذا الإسناد المنكر، فعلم أنه كذب باطل.
الجواب: إن قياس هذه التي هي حادثة فردية، لا تحدث في المجتمع فراغاً كبيراً يؤبه له، و ورائها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها كما أسدلوها على نص الغدير نفسه ... مجازفةٌ ظاهرةٌ، فإن من حكم الضرورة أن الدواعي في الأولى دونها في الثانية ....
و أما ما ادعاه ابن تيمية من إهمال طبقات المصنفين لها، فهو مجازفة أخرى، لما أسلفناه من رواية المصنفين لها من أئمة العلم، و حملة التفسير، و حفاظ الحديث، و نقلة التاريخ ....
لم نعرف المشار إليه في قوله: بهذا الإسناد المنكر! فإنه لا ينتهي إلا الى حذيفة بن اليمان الصحابي العظيم، و سفيان بن عيينة المعروف بإمامته في العلم و الحديث و التفسير، و ثقته في الرواية.
و أما الإسناد إليهما، فقد عرفه الحفاظ و المحدثون و المفسرون المنقبون في هذا الشأن، فوجدوه حرياً بالذكر و الاعتماد، و فسروا به آيات من الذكر الحكيم، من دون أي نكير، و لم يكونوا بالذين يفسرون الكتاب بالتافهات.
نعم: هكذا سبق العلماء و فعلوا، لكن ابن تيمية استنكر السند، و ناقش في المتن لأن شيئاً من ذلك لا يلائم دعارة خطته.



************
آيات الغدير، ص: 317
الوجه السادس: أن المعلوم من هذا الحديث أن حارثاً المذكور كان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلامية، و من المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين لم يصبه عذاب على العهد النبوي.
الجواب: إن الحديث كما أثبت إسلام الحارث، فكذلك أثبت ردته برده قول النبي صلى الله عليه و آله و تشكيكه فيما أخبر به عن الله تعالى، و العذاب لم يأته حين إسلامه، و إنما جاءه بعد الكفر و الارتداد ... على أن في المسلمين من شملته العقوبة لما تجرءوا على قدس صاحب الرسالة ... ثمّ ذكر الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه و آله من المسلمين، منهم من ذكره مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع: أن رجلًا أكل عند النبي صلى الله عليه و آله بشماله، فقال: كل بيمينك. قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت! قال: فما رفعها الى فيه بعد .. الخ.!
الوجه السابع: أن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، و لم يذكره ابن عبد البر في الاستيعاب و ابن مندة و أبو نعيم الأصبهاني و أبو موسى في تآليف ألفوها في أسماء الصحابة، فلم نتحقق وجوده.
الجواب: إن معاجم الصحابة غير كافلةٍ لاستيفاء أسمائهم، فكل مؤلف من أربابها جمع ما وسعته حيطته و أحاط به اطلاعه، ثمّ جاء المتأخر عنه فاستدرك على من قبله بما أوقفه السير في غضون الكتب و تضاعيف الآثار، و أوفى ما وجدناه من ذلك كتاب الإصابة بتمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، و مع ذلك فهو يقول في مستهل كتابه: و مع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة الى ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: توفي النبي صلى الله عليه و سلم و من رآه و سمع منه زيادة على مائة ألف إنسان، من رجل و امرأة، كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية ....
و بعد هذا كله فالنافي لشخصٍ لم يجد اسمه في كتب هذا شأنها خارجٌ عن ميزان النصفة، و متحايد عن نواميس البحث، على أن من المحتمل قريباً أن مؤلفي معاجم الصحابة أهملوا ذكره لردته الأخيرة. انتهى.



************
آيات الغدير، ص: 318
و نضيف الى ما ذكره صاحب الغدير رحمه الله و ما تقدم:
أولًا: أن من الأدلة القوية على صحة هذا الحديث أنه لا يمكن أن ينشأ من فراغ، و أن احتمال وضعه من قبل رواة الخلافة القرشية غير معقول، لأنهم لا يقدمون على وضع حديث يثبت أن ولاية علي عليه السلام نزلت من السماء قبل بيعة أبي بكر في السقيفة و أن الله تعالى عاقب من اعترض عليها بحجر من السماء، كما عاقب أصحاب الفيل الكفار! كما أن القول بتسرب الحديث من مصادر الشيعة الى مصادر السنة بابٌ خطيرٌ عليهم .. فلو قبلوا بفتحه لانهار بناء صحاحهم كلها، ثمّ انهارت الخلافة القرشية و سقيفتها! و ذلك لأن رواة هذه الأحاديث (الشيعية) هم رواة أصول عقيدة الخلافة القرشية و بناة قواعدها .. فهم مجبورون على توثيقهم و قبول رواياتهم، و منها هذه الروايات التي تضر أصول مبانيهم! ثانياً: أن المتفق عليه في مصادر الشيعة و السنة أقوى من المختلف فيه .. لأنك عند ما ترى أن مذاهب المسلمين كلها تروي حديثاً، يقوى عندك احتمال أن يكون صدر عن النبي صلى الله عليه و آله، و عند ما يرويه بعضها و يرده بعضها تنزل عندك درجة الاحتمال و مما يزيد في درجة احتمال الصحة: أن يكون الطرف الراوي للحديث متضرراً منه ضرراً مؤكداً، و متحيراً في كيفية التخلص منه! و حديثنا من هذا النوع، فهو حديثٌ يتضرر منه أتباع خلافة قريش من المسلمين و يبغضه عَبَدَةُ قبيلة قريش من النواصب.
أما أتباع أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله فيحتجون به، و تخبت له قلوبهم.
ثالثاً: أن الاختلاف في اسم الشخص الذي نزل عليه حجر السجيل، لا يضر في صحة الحديث، إذا تمت بقية شروطه .. خاصةً أن اسمه صار سوأةً على أقاربه و عشيرته، و لا بد أنهم عملوا على إخفائه و نسيان أمره، حتى لا يعيرهم به المسلمون، كما قال الاميني.



************
آيات الغدير، ص: 319
على أن للباحث أن يرجح أن اسم المعترض هو: جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري، و ليس الحارث بن النعمان الفهري .. بدليل أن الحافظ أبي عبيد الهروي المتوفى سنة 223، ضبطه في تفسيره بهذا الاسم، و كل العلماء السنيين يحترمون علم أبي عبيد، و خبرته بالأحاديث، و قدم عصره.
و جابر بن النضر شخصيةٌ قرشية معروفة، لأنه ابن زعيم بني عبد الدار، حامل لواء قريش يوم بدر .. فلا يبقى لابن تيمية و النواصب حجةٌ في رد الحديث! على أن الباقين الذين وردت أسماؤهم في روايات الحديث، كالحارث الفهري و غيره، ترجم لهم المترجمون للصحابة أيضاً، أو ترجموا لمن يصلحوا أن يكونوا أقارب لهم.
المسألة السادسة: طرق و أسانيد حديث حجر الغدير
أولًا: طرق و أسانيد المصادر السنية
الطريق الأول: حديث أبي عبيد الهروي في كتابه‏
: غريب القرآن، و قد تقدم، و هو بمقاييس أهل الجرح و التعديل السنيين بقوة المسند المقبول.
الطريق الثاني: حديث الثعلبي عن سفيان بن عيينة
.. و له أسانيد كثيرة، و أكثر الذين ذكرهم صاحب الغدير، رووه عن الثعلبي بأسانيدهم اليه، أو نقلوه من كتابه.
و ذكر السيد المرعشي عدداً منهم في إحقاق الحق: 358 6، قال: العلامة الثعلبي في تفسيره (مخطوط): روى بسنده عن سفيان بن عيينة رحمه الله سئل عن قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، فيمن نزلت؟ فقال للسائل: لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي، عن جعفر بن محمد عن آبائه رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك فطار في البلاد، و بلغ ذلك الحارث (خ. الحرث) بن النعمان الفهري، فأتي رسول الله‏



************
آيات الغدير، ص: 320
صلى الله عليه و سلم على ناقة له، فأناخ راحلته و نزل عنها، و قال: يا محمد أمرتنا عن الله عز و جل أن نشهد أن لا إلَه إلا الله و أنك رسول الله فقبلنا منك، و أمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك، و أمرتنا بالزكاة فقبلنا منك، و أمرتنا أن نصوم رمضان و أمرتنا بالحج فقبلنا، ثمّ لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شي‏ء منك أم من الله عز و جل؟! فقال النبي صلى الله عليه و سلم: و الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله عز و جل.
فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته و هو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل الى راحلته حتى رماه الله عز و جل بحجر سقط على هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله عز و جل (سئل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج).
و منهم العلامة الحمويني في فرائد السمطين (المخطوط) قال: أخبرني الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي بمدينة نابلس فيما أجازني أن أرويه عنه، عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد بن محمد الأنصاري إجازة، عن عبد الجبار بن محمد الخوارزمي البيهقي إجازة، عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي رحمه الله قال: قرأت على شيخنا الأستاد أبي إسحاق الثعلبي رحمه الله في تفسيره أن سفيان بن عيينة .. فذكر الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.
و منهم العلامة الزرندي في نظم درر السمطين 93 ط. مطبعة القضاء: روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.
و منهم العلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة 24 ط. الغري‏ روى الحديث نقلًا عن الثعلبي بعين ما تقدم عن تفسيره بلا واسطة.
و منهم العلامة عبد الرحمن الصفوري في نزهة المجالس 209 2 ط. القاهرة:
روى الحديث نقلًا عن تفسير القرطبي بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.



************
آيات الغدير، ص: 321
و منهم العلامة السيد جمال الدين عطاء الله الشيرازي الهروي في الأربعين حديثاً (مخطوط) روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي، لكنه زاد بعد قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله: و أدر الحق معه حيث كان، و في رواية اللهم أعنه و أعن به و ارحمه و ارحم به، و انصره و انصر به.
و منهم العلامة عبد الله الشافعي في المناقب 205 مخطوط روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.
و منهم العلامة القندوزي في ينابيع المودة 274 ط. اسلامبول‏ روى الحديث عن الثعلبي بعين ما تقدم عنه في تفسيره.
و منهم العلامة الأمر تسري في أرجح المطالب 568 ط. لاهور روى الحديث من طريق شهاب الدين الدولت‏آبادي، و السيد السمهودي في جواهر العقدين، و جمال الدين المحدث صاحب روضة الأحباب في أربعينه و عبد الرءوف المناوي في فيض القدير و محمد بن محمد القادري في الصراط السوي و الحلبي في إنسان العيون و أحمد بن الفضل بن محمد باكثير في وسيلة الآمال و محمد بن إسماعيل الامير في الروضة الندية و الحافظ محمد بن يوسف الكنجي في كفاية الطالب بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي. انتهى.
سندا القاضي الحسكاني الى ابن عيينة
قال في شواهد التنزيل: 382 2 1030 أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، حدثنا أبو أحمد البصري قال: حدثني محمد بن سهل حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصاري،



************
آيات الغدير، ص: 322
حدثنا محمد بن أيوب الواسطي، عن سفيان بن عينية، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: عن علي قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علياً يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. طار ذلك في البلاد، فقدم على رسول الله النعمان بن الحرث الفهري فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله و أنك رسول الله، و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصلاة و الزكاة و الصوم فقبلناها منك، ثمّ لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه معلي مولاه، فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند الله؟!! فقال: أمرٌ من عند الله.
قال: الله الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله؟
قال: الله الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله.
قال: فولى النعمان و هو يقول (اللهم) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، فأنزل الله تعالى (سأل سائل).
1031 حدثونا عن أبي بكر السبيعي، حدثنا أحمد بن محمد بن نصر أبو جعفر الضبعي، قال: حدثني زيد بن إسماعيل بن سنان، حدثنا شريح بن النعمان حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر عن أبيه، عن علي بن الحسين قال: نصب رسول الله صلى الله عليه و آله علياً يوم غدير خم (و) قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فطار ذلك في البلاد. الحديث به، سواء معنى.
الطريق الثالث: للقاضي الحسكاني عن جابر الجعفي‏
قال في شواهد التنزيل: 382 2 1032 و (رواه أيضاً) في (التفسير) العتيق (قال): حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي قال: حدثني نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي قال: أقبل الحارث بن عمرو الفهري الى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: إنك أتيتنا



************
آيات الغدير، ص: 323
بخبر السماء فصدقناك و قبلنا منك. فذكر مثله الى قوله: فارتحل الحارث، فلما صار ببطحاء (مكة) أتته جندلة من السماء فشدخت رأسه، فأنزل الله (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين) بولاية علي عليه السلام.
و في الباب عن حذيفة، و سعد بن أبي وقاص، و أبي هريرة، و ابن عباس.
الطريق الرابع: للقاضي الحسكاني عن حذيفة بن اليمان‏
قال في شواهد التنزيل: 383 2 1033 حدثني أبو الحسن الفارسي، حدثنا أبو الحسن محمد بن إسماعيل الحسني، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم.
و أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد البغدادي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم بن الحسن الكسائي، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور، عن ربعي، عن حذيفة بن اليمان قال: لما قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي: من كنت مولاه فهذا مولاه. قام النعمان بن المنذر الفهري (كذا) فقال: هذا شي‏ء قلته من عندك أو شي‏ء أمرك به ربك.
قال: لا، بل أمرني به ربي.
فقال: اللهم أنزل علينا حجارة من السماء. فما بلغ رحله حتى جاءه حجرٌ فأدماه فخر ميتاً، فأنزل الله تعالى (سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع) و (الطريقان) لفظهما واحد.
الطريق الخامس: للقاضي الحسكاني عن أبي هريرة
قال في شواهد التنزيل: 383 2 1034 و أخبرنا عثمان أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البحلي قال: حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهدي، حدثنا



************
آيات الغدير، ص: 324
محمد بن أبي معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعضد علي بن أبي طالب يوم غدير خم، ثمّ قال: من كنت مولاه فهذا مولاه. فقام إليه أعرابي فقال: دعوتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله و أنك رسول الله فصدقناك، و أمرتنا بالصلاة و الصيام فصلينا و صمنا، و بالزكاة فأدينا، فلم يقعنك إلا أن تفعل هذا! فهذا عن الله أم عنك؟
قال: عن الله، لا عني.
قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن الله لا عنك؟! قال: نعم، ثلاثاً، فقام الأعرابي مسرعاً الى بعيره، و هو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، الآية، فما استتم الكلمات حتى نزلت نارٌ من السماء فأحرقته، و أنزل الله في عقب ذلك: سأل سائل، الى قوله دافع. انتهى.
و قد ذكر الحسكاني كما رأيت طريقين آخرين الى سعد بن أبي وقاص، و ابن عباس، و لم يذكر سندهما .. و لعلهما الطريقان الموجودان في تفسير فرات الكوفي.
ثانياً: طرق و أسانيد مصادرنا الى سفيان بن عيينة
أسانيد فرات بن ابراهيم الكوفي الى سفيان بن عيينة
تفسير فرات الكوفي ص 505 3 فرات قال: حدثني محمد بن أحمد ظبيان معنعناً: عن الحسين بن محمد الخارفي قال: سألت سفيان بن عيينة عن: سأل سائل، فيمن نزلت: قال: يا ابن أخي سألتني عن شي‏ء ما سألني عنه أحد قبلك، لقد سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن مثل الذي سألتني عنه، فقال: أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما كان يوم غدير خم، قام رسول الله صلى الله عليه و آله خطيباً فأوجز في خطبته، ثمّ دعا علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بضبعه ثمّ رفع بيده حتى رئي بياض إبطيهما و قال: أ لم أبلغكم‏



************
آيات الغدير، ص: 325
الرسالة؟ أ لم أنصح لكم؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره و اخذل من خذله. ففشت في الناس فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فرحل راحلته ثمّ استوى عليها و رسول الله صلى الله عليه و آله إذ ذاك بمكة حتى انتهى الى الأبطح، فأناخ ناقته ثمّ عقلها ثمّ جاء الى النبي صلى الله عليه و آله فسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه و آله فقال:
يا محمد إنك دعوتنا أن نقول لا إلَه إلا الله فقلنا! ثمّ دعوتنا أن نقول إنك رسول الله فقلنا، و في القلب ما فيه، ثمّ قلت صلوا فصلينا، ثمّ قلت صوموا فصمنا فأظمأنا نهارنا و أتعبنا أبداننا، ثمّ قلت حجوا فحججنا، ثمّ قلت إذا رزق أحدكم مأتي درهم فليتصدق بخمسة كل سنة، ففعلنا.
ثمّ انك أقمت ابن عمك فجعلته علماً و قلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله، أ فعنك أم عن الله؟! قال: بل عن الله قال فقالها ثلاثاً قال: فنهض، و إنه لمغضب و إنه ليقول: اللهم إن كان ما قال محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، تكون نقمة في أولنا و آية في آخرنا، و إن كان ما قال محمد كذباً فأنزل به نقمتك.
ثمّ أثار ناقته فحل عقالها ثمّ استوى عليها، فلما خرج من الأبطح رماه الله تعالى بحجر من السماء فسقط على رأسه و خرج من دبره، و سقط ميتاً فأنزل الله فيه: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج. انتهى.
أسانيد محمد بن العباس الى سفيان بن عيينة
تأويل الآيات: 722 2 قال محمد بن العباس رحمه الله: حدثنا علي بن محمد بن مخلد، عن الحسن بن القاسم، عن عمر بن الأحسن، عن آدم بن حماد، عن حسين بن محمد قال: سألت سفيان بن عيينة عن قول الله عز و جل: سأل سائل، فيمن نزلت؟ فقال ... بنحو رواية فرات الأخيرة.



************
آيات الغدير، ص: 326
سند الشريف المرتضى الى سفيان بن عيينة
مدينة المعاجز: 407 1 270 السيد المرتضى في عيون المعجزات: قال: حدث أبو عبد الله محمد بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثني علي بن فروخ السمان قال: حدثني يحيى بن زكريا المنقري قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثني عمر بن أبي سليم العيسى، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه و آله علياً يوم غدير خم و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه ...
قلت: قد ذكرت في معنى هذا الحديث رواية المفضل بن عمر الجعفي، عن الصادق عليه السلام في كتاب البرهان في تفسير القرآن بالرواية عن أهل البيت في قوله تعالى: قل فلله الحجة البالغة من سورة الأنعام.
و في سورة المعارج في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، رواية اخرى.
سند منتجب الدين الرازي الى سفيان بن عيينة
الأربعون حديثاً لمنتجب الدين الرازي ص 82 الحكاية الخامسة: أنا أبو العلاء زيد بن علي بن منصور الأديب و السيد أبو تراب المرتضى بن الداعي بن القاسم الحسني قال: أنا الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد الواعظ الحافظ املاءً: أنا محمد بن زيد بن علي الطبري أبو طالب بن أبي شجاع البريدي بآمل بقراءتي عليه، أنا أبو الحسين زيد بن إسماعيل الحسني، أنا السيد أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، أنا عبد الرحمن بن الحسن الخاقاني، أنا عباس بن عيسى، نا الحسن بن عبد الواحد الخزاز، عن الحسن بن علي النخعي، عن رومي بن حماد المخارقي قال: قلت لسفيان بن عيينة: أخبرني عن (سأل سائل) فيمن أنزلت ط قال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، سألت عنها جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام قال: لما حج النبي صلى الله عليه و آله حجة الوداع فنزل بغدير خم، نادى في‏



************
آيات الغدير، ص: 327
الناس فاجتمعوا فقال: يا أيها الناس أ لم أبلغكم الرسالة؟ قالوا: اللهم بلى. قال: أ فلم أنصح لكم؟ قالوا: اللهم بلى. قال: فأخذ بضبع علي عليه السلام فرفعه حتى رؤي بياض إبطيهما، ثمّ قال: أيها الناس من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه.
قال: فشاع ذلك، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأقبل يسير على ناقة له حتى نزل بالأبطح فأناخ راحلته و شد عقالها، ثمّ أتى النبي صلى الله عليه و آله و هو في ملأ من أصحابه فقال: يا رسول الله و الله الذي لا إلَه إلا هو إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله فشهدنا، ثمّ أمرتنا أن نشهد أنك رسوله فشهدنا، ثمّ أمرتنا أن نصلي خمساً فصلينا، ثمّ أمرتنا أن نصوم شهر رمضان فصمنا، ثمّ أمرتنا أن نزكي فزكينا، ثمّ أمرتنا أن نحج فحججنا، ثمّ لم ترض حتى نصبت ابن عمك علينا، فقلت: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. هذا عنك أو عن الله تعالى؟! قال النبي صلى الله عليه و آله: لا بل عن الله.
قال: فقام الحارث بن النعمان مغضباً و هو يقول: اللهم إن كان ما قال محمد حقاً فأنزل بي نقمة عاجلة.
قال: ثمّ أتى الأبطح فحل عقال ناقته و استوى عليها، فلما توسط الأبطح رماه الله بحجر فوقع وسط دماغه و خرج من دبره، فخر ميتاً، فأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع. و قد أورد أبو إسحاق الثعلبي إمام أصحاب الحديث في تفسيره هذه الحكاية بغير إسناد.
سند الطبرسي الى سفيان بن عيينة
تفسير الميزان: 58 6 و في المجمع أخبرنا السيد أبو الحمد قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال: أخبرنا أبو بكر الجرجانى قال: أخبرنا أبو أحمد البصرى قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا زيد بن إسماعيل مولى‏



************
آيات الغدير، ص: 328
الأنصار قال: حدثنا محمد بن أيوب الواسطي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه و آله علياً يوم غدير خم قال من كنت مولاه فهذا على مولاه ....
ثالثاً: طرق و أسانيد من مصادرنا من غير طريق سفيان بن عيينة
أسانيد محمد بن يعقوب الكليني‏
الكافي: 422 1 47 علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع.
ثمّ قال: هكذا و الله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه و آله. انتهى.
و معنى قوله عليه السلام (هكذا و الله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه و آله: أنه نزل بتأويلها، و هذا مثل قول ابن مسعود المتقدم في آية التبليغ أنهم كانوا يقرءون على عهد النبي صلى الله عليه و آله (بلغ ما أنزل اليك في علي) و ما ورد عن ابن عباس في آيات الخندق أنه كان يقرأ (و كفى الله المؤمنين القتال بعلي) فهذه ليست قراءات، لأنه لا يجوز إضافة أي حرفٍ الى نص كتاب الله تعالى، بل كلها تفاسير من الصحابة، أو تفسيرٌ نزل به جبرئيل عليه السلام فبلغهم إياها النبي صلى الله عليه و آله فكانوا يقرءونها كالذي يشرح آيةً، أو كتبوها في تفاسيرهم كالهامش.
و في الكافي: 57 8 18 عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول الله صلى الله عليه و آله ذات يوم جالساً إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: إن فيك شبهاً من عيسى بن مريم، و لو لا أن تقول فيك طوائف من‏



************
آيات الغدير، ص: 329
أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولًا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة.
قال: فغضب أعرابيان و المغيرة بن شعبة و عدةٌ من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلًا إلا عيسى ابن مريم، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه و آله فقال: و لما ضرب ابن مريم مثلًا إذا قومك منه يصدون، و قالوا أ آلهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون، إن هو إلا عبد أنعمنا عليه و جعلناه مثلًا لبني إسرائيل. و لو نشاء لجعلنا منكم يعني من بني هاشم ملائكة في الأرض يخلفون. قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلًا بعد هرقل، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم .... الى آخره، و لعل في متنه اضطراباً، و فيه:
ثمّ قال له: يا بن عمرو إما تبت و إما رحلت.
فقال: يا محمد، بل تجعل لسائر قريش شيئاً مما في يديك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم! فقال له النبي صلى الله عليه و آله: ليس ذلك إلي، ذلك إلى الله تبارك و تعالى.
فقال: يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة، و لكن أرحل عنك، فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة، أتته جندلةٌ فرضخت هامته، ثمّ أتى الوحي الى النبي صلى الله عليه و آله فقال: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين بولاية علي ليس له دافع، من الله ذي المعارج.
أسانيد فرات بن ابراهيم الكوفي‏
تفسير فرات الكوفي ص 503 1 قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البجلي قال: حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهتدي قال: حدثنا محمد بن معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: طرحت الأقتاب لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم غدير خم‏



************
آيات الغدير، ص: 330
قال فعلا عليها فحمد الله و أثنى عليه، ثمّ أخذ بعضد علي بن أبي طالب عليه السلام فاستلها فرفعها، ثمّ قال: اللهم من كنت مولاه فعلي فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله.
فقام إليه أعرابي من أوسط الناس فقال: يا رسول الله دعوتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله فشهدنا و أنك رسول الله فصدقنا، و أمرتنا بالصلاة فصلينا، و بالصيام فصمنا، و بالجهاد فجاهدنا، و بالزكاة فأدينا، قال: و لم يقنعك إلا أن أخذت بيد هذا الغلام على رءوس الأشهاد، فقلت: اللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، و انصر من نصره و اخذل من خذله! فهذا عن الله أم عنك؟! قال: هذا عن الله، لا عني.
قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن الله لا عنك؟! قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن الله لا عني.
ثمّ قال ثالثة: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن ربك لا عنك؟
قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن ربي لا عني.
قال: فقام الأعرابي مسرعاً الى بعيره و هو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
قال: فما استتم الأعرابي الكلمات حتى نزلت عليه نارٌ من السماء فأحرقته، و أنزل الله في عقب ذلك: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج.
2 قال فرات: حدثني جعفر بن محمد بن بشرويه القطان معنعناً، عن الأوزاعي، عن صعصعة بن صوحان و الأحنف بن قيس قالا جميعاً: سمعنا ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه و آله إذ دخل علينا عمرو بن الحارث الفهري قال: يا أحمد أمرتنا بالصلاة و الزكاة أ فمنك هذا أم من ربك يا محمد؟ قال: الفريضة من ربي و أداء الرسالة مني، حتى أقول: ما أديت إليكم إلا ما أمرني ربي.



************
آيات الغدير، ص: 331
قال: فأمرتنا بحب علي بن أبي طالب، زعمت أنه منك كهارون من موسى، و شيعته على نوق غر محجلةٍ يرفلون في عرصة القيامة، حتى يأتي الكوثر فيشرب و يسقي هذه الأمة، و يكون زمرة في عرصة القيامة، أ بهذا الحب سبق من السماء أم كان منك يا محمد؟
قال: بلى سبق من السماء ثمّ كان مني. لقد خلقنا الله نوراً تحت العرش! فقال عمرو بن الحارث: الآن علمت أنك ساحر كذاب! يا محمد أ لستما من ولد آدم؟
قال: بلى، و لكن خلقني الله نوراً تحت العرش قبل أن يخلق الله آدم باثني عشر ألف سنة، فلما أن خلق الله آدم ألقى النور في صلب آدم، فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب الى صلب، حتى تفرقنا في صلب عبد الله بن عبد المطلب و أبي طالب، فخلقنا ربي من ذلك النور، لكنه لكن لا نبي بعدي.
قال: فوثب عمرو بن الحارث الفهري مع اثني عشر رجلًا من الكفار، و هم ينفضون أرديتهم فيقولون: اللهم إن كان محمد صادقاً في مقالته فارم عمراً و أصحابه بشواظٍ من نار.
قال فرمي عمرو و أصحابه بصاعقة من السماء، فأنزل الله هذه الآية: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج. فالسائل عمرو و أصحابه.
4 فرات قال: حدثنا أبو أحمد يحيى بن عبيد بن القاسم القزويني معنعناً، عن سعد بن أبي وقاص، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه و آله صلاة الفجر يوم الجمعة، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم الحسن و أثنى على الله تبارك و تعالى، فقال: أخرج يوم القيمة و علي بن أبي طالب أمامي، و بيده لواء الحمد، و هو يومئذ من شقتين شقة من السندس و شقة من الإستبرق، فوثب إليه رجل أعرابي من أهل نجد من ولد جعفر بن كلاب بن ربيعة، فقال: قد أرسلوني إليك لأسألك، فقال: قل يا أخا البادية.
قال: ما تقول في علي بن أبي طالب، فقد كثر الاختلاف فيه؟



************
آيات الغدير، ص: 332
فتبسم رسول الله صلى الله عليه و آله ضاحكاً فقال: يا أعرابي، و لم يكثر الاختلاف فيه؟ عليٌّ مني كرأسي من بدني، وزري من قميصي.
فوثب الأعرابي مغضباً ثمّ قال: يا محمد إني أشد من علي بطشاً، فهل يستطيع علي أن يحمل لواء الحمد؟
فقال النبي صلى الله عليه و آله: مهلًا يا أعرابي، فقد أعطي علي يوم القيامة خصالًا شتى: حسن يوسف، و زهد يحيى، و صبر أيوب، و طول آدم، و قوة جبرئيل. و بيده لواء الحمد و كل الخلائق تحت اللواء، يحف به الأئمة و المؤذنون بتلاوة القرآن و الأذان، و هم الذين لا يتبددون في قبورهم.
فوثب الأعرابي مغضباً و قال: اللهم إن يكن ما قال محمد فيه حقاً فأنزل علي حجراً. فأنزل الله فيه: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.
سندا محمد بن العباس‏
تأويل الآيات: 722 2 و قال أيضاً: حدثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد السياري، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه تلا: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع، ثمّ قال: هكذا هي في مصحف فاطمة عليها السلام.
و يؤيده: ما رواه محمد البرقي، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز و جل: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع، ثمّ قال: هكذا و الله نزل بها جبرئيل على النبي صلى الله عليه و آله. انتهى.
و قد تقدم أن عبارة (بولاية علي عليه السلام) تفسيرٌ للآية، و كانوا يكتبون ذلك في هامش مصاحفهم، كما ورد عن مصحف ابن عباس أنه كان فيه: و كفى الله المؤمنين القتال، بعلي عليه السلام.



************
آيات الغدير، ص: 333
سند جامع الأخبار
بحار الأنوار: 165 33 42 جامع الأخبار: أخبرنا علي بن عبد الله الزيادي، عن جعفر بن محمد الدوريستي، عن أبيه، عن الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زرارة قال: سمعت الصادق عليه السلام قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه و آله الى مكة في حجة الوداع فلما انصرف منها و في خبر آخر: و قد شيعه من مكة اثنا عشر ألف رجل من اليمن و خمسة آلاف رجل من المدينة جاءه جبرئيل في الطريق فقال له:
يا رسول الله إن الله تعالى يقرؤك السلام، و قرأ هذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك .. فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: يا جبرئيل إن الناس حديثو عهد بالإسلام فأخشى أن يضطربوا و لا يطيعوا .....
فقال له: يا جبرئيل أخشى من أصحابي أن يخالفوني، فعرج جبرئيل و نزل عليه في اليوم الثالث و كان رسول الله صلى الله عليه و آله بموضع يقال له غدير خم، و قال له: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، و إن لم تفعل فما بلغت رسالته، و الله يعصمك من الناس.
فلما سمع رسول الله هذه المقالة قال للناس: أنيخوا ناقتي فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربي، و أمر أن ينصب له منبر من أقتاب الإبل و صعدها و أخرج معه علياً عليه السلام و قام قائماً و خطب خطبة بليغة، وعظ فيها و زجر، ثمّ قال في آخر كلامه: يا أيها الناس أ لست أولى بكم منكم؟
فقالوا: بلى يا رسول الله ....
فلما كان بعد ثلاثةٍ، و جلس النبي صلى الله عليه و آله مجلسه أتاه رجل من بني مخزوم يسمى عمر بن عتبة و في خبر آخر حارث بن النعمان الفهري، فقال:
يا محمد أسألك عن ثلاث مسائل.
فقال: سل عما بدا لك.



************
آيات الغدير، ص: 334
فقال: أخبرني عن شهادة أن لا إلا الله و أن محمداً رسول الله، أمنك أم من ربك؟
قال النبي صلى الله عليه و آله: أُوحِيَ إلي من الله، و السفير جبرئيل، و المؤذن أنا، و ما أذنت إلا من أمر ربي.
قال: فأخبرني عن الصلاة و الزكاة و الحج و الجهاد، أمنك أم من ربك؟
قال النبي صلى الله عليه و آله مثل ذلك.
قال: فأخبرني عن هذا الرجل يعني علي بن أبي طالب عليه السلام و قولك فيه: من كنت مولاه فهذا علي مولاه .. الى آخره، أمنك أم من ربك؟
قال النبي صلى الله عليه و آله: الوحي إليَّ من الله، و السفير جبرئيل، و المؤذن أنا، و ما أذنت إلا ما أمرني.
فرفع المخزومي رأسه الى السماء فقال: اللهم إن كان محمد صادقاً فيما يقول فأرسل علي شواظاً من نار، و في خبر آخر في التفسير فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، و ولى، فوالله ما سار غير بعيد حتى أظلته سحابة سوداء، فأرعدت و أبرقت فأصعقت، فأصابته الصاعقة فأحرقته النار! فهبط جبرئيل و هو يقول: اقرأ يا محمد: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع.
فقال النبي صلى الله عليه و آله لأصحابه: رأيتم؟! قالوا: نعم.
قال: و سمعتم؟
قالوا: نعم.
قال: طوبى لمن والاه و الويل لمن عاداه، كأني أنظر الى علي و شيعته يوم القيامة يزفون على نوقٍ من رياض الجنة، شبابٌ متوجون مكحلون لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون، قد أيدوا برضوان من الله أكبر، ذلك هو الفوز العظيم، حتى سكنوا حظيرة القدس من جوار رب العالمين، لهم فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين و هم فيها خالدون، و يقول لهم الملائكة: سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.



************
آيات الغدير، ص: 335
سند مدينة المعاجز للبحراني‏
مدينة المعاجز: 267 2 العلامة الحلي في الكشكول: عن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الباوردي ....
فقال النضر بن الحارث الفهري: إذا كان غداً اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه و آله حتى أقبل أنا و أتقاضاه ما وعدنا به في بدء الإسلام، و انظر ما يقول، ثمّ نحتج، فلما أصبحوا فعلوا ذلك فأقبل النضر بن الحارث فسلم على النبي صلى الله عليه و آله فقال:
يا رسول الله إذا كنت أنت سيد ولد آدم، و أخوك سيد العرب، و ابنتك فاطمة سيدة نساء العالمين، و ابناك الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و عمك حمزة سيد الشهداء، و ابن عمك ذو الجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء. و عمك جلدة بين عينيك و صنو أبيك، و شيبة له السدانة، فما لسائر قومك من قريش و سائر العرب؟! فقد أعلمتنا في بدء الإسلام أنا إذا آمنا بما تقول لنا مالك و علينا ما عليك.
فأطرق رسول الله صلى الله عليه و آله طويلًا ثمّ رفع رأسه فقال:
أما أنا و الله ما فعلت بهم هذا، بل الله فعل بهم هذا فما ذنبي؟! فولى النضر بن الحارث و هو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم.
يعني الذي يقول محمد فيه و في أهل بيته، فأنزل الله تعالى: و إذ قالوا إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم .. الى قوله: و هم يستغفرون.
فبعث رسول الله صلى الله عليه و آله الى النضر بن الحارث الفهري و تلا عليه الآية فقال: يا رسول الله إني قد سررت ذلك جميعه أنا و من لم تجعل له ما جعلته لك و لأهل بيتك من الشرف و الفضل في الدنيا و الآخرة، فقد أظهر الله ما أسررنا به.
أما أنا فأسألك أن تأذن لي أن أخرج من المدينة، فإني لا أطيق المقام بها! فوعظه النبي صلى الله عليه و آله إن ربك كريم، فإن أنت صبرت و تصابرت لم يخلك من مواهبه، فارض‏



************
آيات الغدير، ص: 336
و سلم، فإن الله يمتحن خلقه بضروب من المكاره، و يخفف عمن يشاء، و له الخلق و الأمر، مواهبه عظيمة، و إحسانه واسع.
فأبى الحارث، و سأله الإذن فأذن له رسول الله صلى الله عليه و آله فأقبل الى بيته و شد على راحلته و ركبها مغضباً، و هو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فلما صار بظهر المدينة و إذا بطيرٍ في مخلبه حجرٌ، فأرسله إليه فوقع على هامته، ثمّ دخلت في دماغه و خرج من جوفه و وقع على ظهر راحلته و خرج من بطنها، فاضطربت الراحلة و سقطت و سقط النضر بن الحارث من عليها ميتين، فأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و آل محمد ليس له دافع من الله ذي المعارج. انتهى.
و قال في هامشه: لم نجد كتاب الكشكول للعلامة الحلي رحمه الله بل هو للمحدث الجليل العلامة السيد حيدر بن علي الحسيني الآملي من علماء القرن الثامن الهجري أوله: أما البداية فليس بخفي من علمك و لا يستتر عن فهمك و آخره: و الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين. انتهى.
رواية المناقب لابن شهرآشوب‏
بحار الأنوار: 320 31 17 قب: أبو بصير عن الصادق عليه السلام لما قال النبي صلى الله عليه و آله: يا علي لو لا أنني أخاف أن يقول فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالة لا تمر بملإ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدمك. الخبر.
قال الحارث بن عمرو الفهري لقوم من أصحابه: ما وجد محمد لابن عمه مثلًا إلا عيسى بن مريم يوشك أن يجعله نبياً من بعده. و الله إن آلهتنا التي كنا نعبد خيرٌ منه! فأنزل الله تعالى: و لما ضرب بن مريم مثلًا الى قوله: و إنه لعلم للساعة فلا تمترن بها و اتبعون هذا صراط مستقيم.



************
آيات الغدير، ص: 337
و في رواية: أنه نزل أيضاً: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه الآية. فقال النبي صلى الله عليه و آله:
يا حارث اتق الله و ارجع عما قلت من العداوة لعلي بن أبي طالب.
فقال: إذا كنت رسول الله و علي وصيك من بعدك و فاطمة بنتك سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين ابناك سيدا شباب أهل الجنة، و حمزة عمك سيد الشهداء، و جعفر الطيار ابن عمك يطير مع الملائكة في الجنة، و السقاية للعباس عمك، فما تركت لسائر قريش و هم ولد أبيك! فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ويلك يا حارث ما فعلت ذلك ببني عبد المطلب، لكن الله فعله بهم! فقال: إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية.
فأنزل الله تعالى: و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم، و دعا رسول الله صلى الله عليه و آله الحارث فقال: إما أن تتوب أو ترحل عنا.
قال: فإن قلبي لا يطاوعني الى التوبة، لكني أرحل عنك! فركب راحلته فلما أصحر، أنزل الله عليه طيراً من السماء في منقاره حصاة مثل العدسة فأنزلها على هامته و خرجت من دبره الى الأرض، ففحص برجله و أنزل الله تعالى على رسوله: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي.
رواية علي بن ابراهيم القمي‏
تفسير القمي: 385 2 أخبرنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن علي، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي الحسن عليه السلام في قوله: سأل سائل بعذاب واقع قال: سأل رجل عن الأوصياء و عن شأن ليلة القدر، و ما يلهمون فيها؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله: سألت عن عذابٍ واقع، ثمّ كفرٍ بأن ذلك لا يكون، فإذا وقع فليس له من دافع.



************
آيات الغدير، ص: 338
و هناك أسانيد أخرى، يصعب استقصاؤها فراجع شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي، و كنز الحقائق للكراجكي، و الفضائل لشاذان بن جبرئيل، و تفسير القمي، و المناقب لابن شهرآشوب، و غاية المرام للبحراني .. و غيرها.
النتيجة صحة أصل الحديث، و تعدد العقاب الإلَهي‏
المتأمل في روايات العقاب الإلَهي العاجل لمن اعترض على ولاية علي عليه السلام يصل الى نتيجتين:
الأولى: أن أصل الحديث مستوفٍ لشروط الصحة .. فمهما كان الباحث بطي‏ء التصديق، ميالًا للتشكيك، و أجاز لنفسه القول إن الشيعة وضعوا هذا الحديث و دونوه في مصادرهم .. فلا يمكنه أن يفسر وجوده في مصادر السنة بذلك، لأن عدداً من أئمتهم المحدثين قد رووه و تبنوه، كما رأيت.
نعم قد يعترض متعصبٌ بأن هؤلاء الأئمة السنيين، قد رووا ذلك عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.
و جوابه أولًا، أن مقام أهل البيت عليهم السلام عند السنة لا يقل عن مقام كبار أئمتهم، خاصةً مثل الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام اللذين يروي عنهما مباشرةً أو بالواسطة عددٌ من كبار أئمتهم، مثل أبي عبيد و السفيانين و الزهري و مالك و أحمد .. و غيرهم.
و الحساسية التي قد تراها عند السنيين من أحاديث أهل البيت عليهم السلام إنما هي مما نرويه نحن الشيعة، أما ما يرويه عنهم أئمتهم، فقد قبلوه و دونوا عدداً منه في صحاحهم.
و جوابه ثانياً، أن طرق الحديث ليست محصورةً بأهل البيت عليهم السلام فقد تقدم طريق الحاكم الحسكاني عن حذيفة، و أبي هريرة، و غيرهما أيضاً.
و النتيجة الثانية: أن الحادثة التي وردت في الأحاديث المتقدمة و غيرها لا يمكن أن تكون حادثة واحدة، بل هي متعددة .. و ذلك بسبب تعدد الأسماء، و نوع العقوبة و الأمكنة، و الأزمنة، و الملابسات المذكورة في روايات الحديث.



************
آيات الغدير، ص: 339
فرواية أبي عبيد و الثعلبي و غيرها تقول إن الحادثة كانت في المدينة أو قربها، و أن العذاب كان بحجرٍ من سجيل .. و رواية أبي هريرة و غيرها تقول إن الاعتراض كان في نفس غدير خم بعد خطبة النبي صلى الله عليه و آله، و أن العقوبة كانت بنارٍ نزلت من السماء .. و بعضها يقول إنها كانت بصاعقة ..
و الأسماء الواردة متعددة أيضاً، و التصحيف يصح في بعضها، لكن لا يصح في جميعها.
المسألة السابعة: عشيرة سأل سائل بعذاب واقع‏
بقيت عدة مسائل و بحوث، تتعلق بموضوعنا:
منها، عدد المعترضين على النبي صلى الله عليه و آله بعد الغدير، و هوياتهم .. و نوع العقوبة الالَهية، التي وقعت عليهم ..
و منها، ما أحدثه الإعلان النبوي عن ولاية العترة من تأثيرٍ على المسلمين عامة، و على قريشٍ خاصة .. و ما يتصل به من الجو العام في الشهرين الأخيرين من حياة النبي صلى الله عليه و آله، و الآيات التي نزلت، و الأحداث التي وقعت .. و من أهمها تشاور الأنصار و عرضهم على النبي صلى الله عليه و آله أن يخصصوا له و لعترته ثلث أموالهم لمصارفهم، و نزول آية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏) و زيادة حساسية قريش بسبب ذلك.
و من أهمها أيضاً، أن النبي صلى الله عليه و آله قرر أن يرسل كل شخصيات قريش المؤثرين في جيشٍ الى مؤتة، و أمَّر عليهم شاباً أسود البشرة من أصل إفريقي عمره تسع عشرة سنة، هو أسامة بن زيد! و هدفه من ذلك أن يوجه نظر الأمة الى الجبهة الخارجية، و يفرغ المدينة من المخالفين لعترته، حتى إذا توفي صلى الله عليه و آله لم يكن فيها إلا علي و الأنصار .. الى آخر الأحداث و الأوضاع التي كانت في هذه الفترة الحاسمة ..



************
آيات الغدير، ص: 340
و منها، بحث محاولتي اغتيال النبي صلى الله عليه و آله بعد إعلان الغدير، في طريق رجوعه في عقبة هرشى، و في قصة ولده و إعطائه الدواء عند ما أغمي عليه من الحمى في مرضه رغم أنه كان نهاهم عنه! و منها، قصة الصحيفة الملعونة الثالثة، التي ورد في مصادرنا أن المعارضين لإعلان ولاية علي عليه السلام كتبوها في المدينة، و تعاهدوا ضد آل النبي صلى الله عليه و آله! و من البحوث المفيدة أيضاً، بحث فضل يوم الغدير، و ما ورد في مصادر الفريقين من استحباب صومه، و الشكر و إظهار السرور فيه .. الخ.
و مع أنها جميعاً بحوث مفيدة، ترتبط بموضوعنا .. لكن فضلنا عدم الإطالة بها، و اقتصرنا على أولها، و هو عشيرة بني عبد الدار القرشية، التي ورد عند الفريقين أن آية (سأل سائل بعذاب واقع) نزلت في رئيسها النضر بن الحارث، و في ابنه جابر بن النضر .. و غرضنا من هذا البحث أيضاً أن يكون مكملًا للتصور الصحيح عن قبائل قريش، و حسدها الشديد للنبي و أهل بيته الطاهرين، صلى الله عليه و عليهم.
الحسد القديم و حلف لعقة الدم‏
كانت الجزيرة العربية مجتمعاتٍ قبلية، و معظم مناطقها تحكمها القبائل و ليس فيها حكومةٌ مركزية.
و كانت الصراعات و الحروب، و التحالفات القبلية أمراً شائعاً بين قبائلها، و منها قبائل قريش.
و من أهم الأحلاف القرشية التي سجلتها مصادر التاريخ، حلف الفضول الذي دعا اليه عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه و آله .. وسمي حلف المطيبين، لأنهم أكدوا تحالفهم بغمس أيديهم في جفنة طيبٍ صنعتها لهم بنت عبد المطلب.
و كانت أهم بنود هذا الحلف: أن يحموا الكعبة الشريفة ممن يريد بها شراً، و يمنعوا الظلم فيها، و ينصروا المظلوم حتى يصل الى حقه.



************
آيات الغدير، ص: 341
و هو الحلف الذي شارك فيه النبي صلى الله عليه و آله، و كان عمره الشريف نحو عشرين سنة .. بل تدل بعض الأحاديث على أنه صلى الله عليه و آله أمضاه بعد بعثته، كما في مسند أحمد: 190 1 قال: شهدت حلف المطيبين مع عمومتي و أنا غلامٌ، فما أحب أن لي حمر النعم ... و صححه الحاكم: 220 2 و كان هذا الحلف جواباً لحلف مضادٍ، دعا اليه بنو عبد الدار، فأجابتهم بعض قبائل قريش، و عرف حلفهم باسم (لعقة الدم) لأنهم ذبحوا بقرة، و أكدوا تحالفهم بأن يلعق ممثل القبيلة لعقةً من دمها! و قد اختلفت النصوص في سبب الحلفين و وقتهما، فذكر بعضها أنه عند بناء الكعبة بسبب اختلافهم على القبيلة التي تفوز بشرف وضع الحجر الأسود في موضعه.
و ذكر بعضها أنه كان بسبب شكاية بائع مظلوم، اشترى منه قرشي بضاعة، و أراد أن يأكل عليه ثمنها ..
و الأرجح ما ذكره ابن واضح اليعقوبي من أن بني عبد الدار حسدوا عبد المطلب، فدعوا الى حلف لعقة الدم، فدعا عبد المطلب في مقابلهم الى حلف المطيبين.
قال اليعقوبي في تاريخه: 248 1 و لما رأت قريش أن عبد المطلب قد حاز الفخر، طلبت أن يحالف بعضها بعضاً ليعزُّوا، و كان أول من طلب ذلك بنو عبد الدار لما رأت حال عبد المطلب، فمشت بنو عبد الدار الى بني سهم فقالوا: امنعونا من بني عبد مناف .... فتطيب بنو عبد مناف، و أسد، و زهرة، و بنو تيم، و بنو الحارث بن فهر، فسموا حلف المطيبين.
فلما سمعت بذلك بنو سهم ذبحوا بقرةً و قالوا: من أدخل يده في دمها و لعق منه، فهو منا! فأدخلت أيديها بنو سهم، و بنو عبد الدار، و بنو جمح، و بنو عدي، و بنو مخزوم، فسموا اللعقة.
و كان تحالف المطيبين ألا يتخاذلوا، و لا يسلم بعضهم بعضاً.



************
آيات الغدير، ص: 342
و قالت اللعقة: قد أعتدنا لكل قبيلةٍ قبيلة. انتهى.
و قال اليعقوبي: 17 2 حضر رسول الله صلى الله عليه و آله حلف الفضول و قد جاوز العشرين، و قال بعد ما بعثه الله: حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، ما يسرني به حمر النعم، و لو دعيت اليه اليوم لأجبت.
و كان سبب حلف الفضول أن قريشاً تحالفت أحلافاً كثيرة على الحمية و المنعة، فتحالف المطيبون و هم بنو عبد مناف، و بنو أسد، و بنو زهرة، و بنو تيم، و بنو الحارث بن فهر، على أن لا يسلموا الكعبة ما أقام حراء و ثبير، و ما بلَّ بحرٌ صوفة.
و صنعت عاتكة بنت عبد المطلب طيباً فغمسوا أيديهم فيه ...
فتذممت قريش فقاموا فتحالفوا ألا يظلم غريبٌ و لا غيره، و أن يؤخذ للمظلوم من الظالم، و اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان التيمي.
و كانت الأحلاف هاشم، و أسد، و زهرة، و تيم، و الحارث بن فهر، فقالت قريش:
هذا فضول من الحلف، فسمي حلف الفضول. انتهى.
و في سيرة ابن هشام: 85 1 فكان بنو أسد بن عبد العزى بن قصي، و بنو زهرة بن كلاب، و بنو تيم بن مرة بن كعب، و بنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر، مع بني عبد مناف.
و كان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة، و بنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، و بنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب، و بنو عدي بن كعب، مع بني عبد الدار.
و يفهم من هذه النصوص و غيرها أن حركة التحالف بدأها بنو عبد الدار حسداً لعبد المطلب، فسعوا للتحالف ضده، فبادر عبد المطلب و مؤيدوه الى عقد حلف المطيبين قبلهم، ثمّ عقد بنو عبد الدار و مؤيدوهم حلف لعقة الدم.
و يفهم منها، أن أهداف حلف عبد المطلب حماية الكعبة و نصرة المظلوم، بينما هدف حلف بني عبد الدار مواجهة المطيبين!



************
آيات الغدير، ص: 343
بنو عبد الدار أصحاب لواء قريش‏
و ذكر المؤرخون أن بني عبد الدار ورثوا من جدهم قصي دار الندوة التي كانت شبيهةً بمركز لمجلس شيوخ قريش، تبحث فيها الأمور المهمة، و تتخذ فيها القرارات، كما ورثوا لواء الحرب، فكانوا هم أصحاب لواء قريش في حروبها ..
قال البلاذري في فتوح البلدان 60 فلم تزل دار الندوة لبني عبد الدار بن قصي، حتى باعها عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، من معاوية بن أبي سفيان، فجعلها داراً للإمارة. انتهى.
و قد قتل علي عليه السلام من بني عبد الدار كل من رفع لواء قريش في وجه رسول صلى الله عليه و آله، فبلغوا بضعة عشر، و روي أن بعضهم قتلهم عمه حمزة بن عبد المطلب! قال ابن هشام في: 587 3: واصفاً تحميس أبي سفيان و زوجته لبني عبد الدار في أحد: قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم بذلك على القتال: يا بني عبد الدار إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، و إنما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا لواءنا، و إما أن تخلوا بيننا و بينه فنكفيكموه! فهمُّوا به و تواعدوه، و قالوا: نحن نسلم اليك لواءنا؟!! ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع! و ذلك أراد أبو سفيان.
فلما التقى الناس و دنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، و أخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال و يحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:
ويهاً بني عبد الدار ويهاً حماة الأدبار


ضرباً بكل بتار




************
آيات الغدير، ص: 344
و في سيرة ابن هشام: 655 3 قال ابن هشام: أنشدني أبو عبيدة للحجاج بن علاط السلمي يمدح أبا الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، و يذكر قتله طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، صاحب لواء المشركين يوم أحد:
لله أيُّ مذببٍ عن حرمةٍ أعني ابن فاطمةَ المعم المُخولا
سبقت يداك له بعاجلِ طعنةٍ تركت طليحة للجبين مجدلا
و شددت شدةَ باسلٍ فكشفتهم‏ بالجر إذ يهوون أخول أخولا. انتهى.


و قد تتابع على حمل لواء المشركين يوم أحد تسعة من بني عبد الدار، و قيل أكثر و ركزوا حملاتهم على قتل النبي صلى الله عليه و آله بعد أن تركه المسلمون و هربوا صعوداً في الجبل، و ثبت الرسول صلى الله عليه و آله و معه علي عليه السلام في وجه حملات قريش، التي تواصلت الى ما بعد الظهر! و كان النبي صلى الله عليه و آله يقاتل في مركزه، و علي عليه السلام يحمل عليهم، يضرب مقدمتهم، ثمّ يغوص فيهم يضرب يميناً و شمالًا، حتى يصل الى العبدري حامل لوائهم فيحصد رأسه، فتنكفئ الحملة ..
ثمّ يتحمس عبدريٌّ آخر فيحمل لواء الشرك، و يهجمون باتجاه الرسول صلى الله عليه و آله فيتلقاهم علي عليه السلام و هو راجلٌ و هم فرسان .. حتى قتل من فرسان قريش عشرات، و من العبدريين أصحاب ألويتهم تسعة! فيئسوا و انسحبوا، و نادى مناديهم كذباً: قتل محمد! و قد أصابته صلى الله عليه و آله بضع جراحات، و أصابت علياً عليه السلام بضع و سبعون جراحة! منها جراحاتٌ بليغة، روي أن النبي صلى الله عليه و آله مسح عليها بريقه فبرأت.
بنو عبد الدار علموا قريشاً فناً في الدفاع‏
و من طريف ما ذكره المؤرخون عن بني عبد الدار الشجعان، أنهم أول من علم قريشاً أسلوباً في الدفاع عن نفسها في الحرب أمام بني هاشم، فقد ابتكروا طريقة للاستفادة في الحرب من ترفع بني هاشم وسموهم الأخلاقي!



************
آيات الغدير، ص: 345
روى ابن كثير في السيرة: 39 3، ناقلًا عن ابن هشام: لما اشتد القتال يوم أحد، جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت راية الأنصار، و أرسل الى علي: أن قدم الراية، فقدم علي و هو يقول: أنا أبو القصم، فناداه أبو سعد بن أبي طلحة، و هو صاحب لواء المشركين: هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة؟ قال: نعم.
فبرزا بين الصفين، فاختلفا ضربتين، فضربه علي فصرعه، ثمّ انصرف و لم يجهز عليه! فقال له بعض أصحابه: أ فلا أجهزت عليه؟
فقال: إنه استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم، و عرفت أن الله قد قتله.
و قد فعل ذلك علي رضي الله عنه يوم صفين مع بسر بن أبي أرطاة، لما حمل عليه ليقتله أبدى له عورته، فرجع عنه.
و كذلك فعل عمرو بن العاص حين حمل عليه علي في بعض أيام صفين، أبدى عن عورته، فرجع علي أيضاً. ففي ذلك يقول الحارث بن النضر:
أ في كل يوم فارسٌ غير منتهٍ‏ و عورته وسْطَ العجاجةِ باديه‏
يكفُّ لها عنه عليٌّ سنانه‏ و يضحك منها في الخلاء معاوية


النضر بن الحارث رئيس بني عبد الدار
قال ابن هشام: 195 1 و كان النضر بن الحارث من شياطين قريش، و ممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم و ينصب له العداوة، و كان قدم الحيرة و تعلم بها أحاديث ملوك الفرس و أحاديث رستم و اسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلساً فذكر فيه بالله، و حذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثمّ قال: أنا و الله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، فهلم الي فأنا



************
آيات الغدير، ص: 346
أحدثكم أحسن من حديثه، ثمّ يحدثهم عن ملوك فارس و رستم و اسبنديار، ثمّ يقول: بما ذا محمد أحسن حديثاً مني؟! قال ابن هشام: و هو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثل ما أنزل الله.
قال ابن اسحاق: و كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول فيما بلغني: نزل فيه ثمان آيات من القرآن، قول الله عز و جل: إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين.
و كل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن. انتهى.
و ذكر ابن هشام 239 1 قول النضر عن النبي صلى الله عليه و آله (و ما حديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها!!).
و قال السيوطي في الدر المنثور: 181 3 و أخرج ابن جرير عن عطاء قال: نزلت في النضر: و إذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، و قالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب، و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، و سأل سائل بعذاب واقع! قال عطاء رضي الله عنه: لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله. انتهى.
و روى نحوه في: 297 5، عن عبد بن حميد.
و قال عنه في تفسير الجلالين 540 و هو النضر بن الحارث، كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم و يحدث بها أهل مكة و يقول: إن محمداً يحدثكم أحاديث عادٍ و ثمود، و أنا أحدثكم أحاديث فارس و الروم، فيستملحون حديثه و يتركون استماع القرآن! انتهى.
و قد عرفت أن مصادرنا و عدداً من مصادر السنيين ذكرت أن السائل بالعذاب الواقع هو جابر بن النضر بن الحارث، أو الحارث الفهري. و أن أكثر مصادر السنيين رجحت أنه أبوه النضر بن الحارث، اعتماداً على روايات عن ابن جبير و ابن عباس غير مرفوعة. فقد روى الحاكم في المستدرك: 502 2: عن سعيد بن جبير، سأل سائل‏



************
آيات الغدير، ص: 347
بعذاب واقع، قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة، قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.
و قال السيوطي في الدر المنثور: 263 6: أخرج الفريابي، و عبد بن حميد، و النسائي، و ابن أبي حاتم، و الحاكم و صححه، و ابن مردويه، عن ابن عباس ... الخ.
و لم أجد في مصادر السيرة و التراجم عن الابن غير قصة هلاكه بحجر من السماء، لكفره و بغضه لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله، و لعله كان شاباً، أو أنهم عتَّموا على ذكره حسداً لأهل البيت عليهم السلام. و يدل الموجود في مصادر السيرة على أن الأب أسوأ من الابن بكثيرٍ، لأنه من كبار الفراعنة الذين واجهوا النبي صلى الله عليه و آله، و لعل ابنه لو عاش لفاق أباه في كفراً و عتواً!!
و كان النضر عضو مجلس الفراعنة المتآمرين على النبي صلى الله عليه و آله‏
قال ابن هشام: 191 1 قال ابن اسحاق: ثمّ إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال و النساء، و قريش تحبس من قدرت على حبسه، و تفتن من استطاعت فتنته من المسلمين.
ثمّ إن أشراف قريش من كل قبيلة .... اجتمع عتبة بن ربيعة، و شيبة بن ربيعة، و أبو سفيان بن حرب، و النضر بن الحارث أخو بني عبد الدار، و أبو البختري بن هشام، و الأسود بن المطلب بن أسد، و زمعة بن الأسود، و الوليد بن المغيرة، و أبو جهل بن هشام، و عبد الله بن أبي أمية، و العاص بن وائل، و نبيه و منبه ابنا الحجاج السهميان، و أمية بن خلف، أو من اجتمع منهم ...
قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، قال بعضهم لبعض: ابعثوا الى محمد فكلموه و خاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا اليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فأتهم، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ... فقالوا له:



************
آيات الغدير، ص: 348
يا محمد، إنا قد بعثنا اليك لنكلمك، و إنا و الله ما نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء و عبت الدين و شتمت الآلهة، و سفهت الأحلام و فرقت الجماعة، فما بقي أمرٌ قبيحٌ إلا قد جئته فيما بيننا و بينك أو كما قالوا فان كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، و إن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا، و إن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، و إن كان هذا الذى يأتيك رئياً تراه قد غلب عليك و كانوا يسمون التابع من الجن رئياً فربما كان ذلك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم:
ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، و لا الشرف فيكم، و لا الملك عليكم، و لكن الله بعثني اليكم رسولًا، و أنزل علي كتاباً، و أمرني أن أكون لكم بشيراً و نذيراً، فبلغتكم رسالات ربي و نصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة، و إن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني و بينكم ... الى آخر مناظرتهم.
و قال ابن هشام: 331 2 عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما أجمعوا لذلك و اتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة ... و قد اجتمع فيها أشراف قريش: من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، و شيبة بن ربيعة، و أبو سفيان بن حرب. و من بنى نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدا، و جبير ابن مطعم، و الحارث بن عامر بن نوفل. و من بنى عبد الدار بن قصي: النضر ابن الحارث بن كلدة ... الخ.
فقال أبو جهل بن هشام: و الله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد.
قالوا: و ما هو يا أبا الحكم؟
قال: أرى أن نأخذ من كان قبيلة فتى شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فينا، ثمّ نعطي كل‏



************
آيات الغدير، ص: 349
فتى منهم سيفاً صارماً، ثمّ يعمدوا اليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم. انتهى.
و رواه الطبري في تاريخه: 98 2
و كان النضر رسول قريش الى اليهود
جاء في سيرة ابن هشام: 195 1 قام النضر بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ... فقال:
يا معشر قريش إنه و الله قد نزل بكم أمرٌ ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً، أرضاكم فيكم، و أصدقكم حديثاً، و أعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، و جاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، لا و الله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة و نفثهم و عقدهم. و قلتم كاهن، لا و الله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة و تخالجهم و سمعنا سجعهم. و قلتم شاعر، لا و الله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر و سمعنا أصنافه كلها: هزجه و رجزه. و قلتم مجنون، لا و الله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه، و لا وسوسته، و لا تخليطه.
يا معشر قريش فانظروا في شأنكم، فإنه و الله لقد نزل بكم أمر عظيم ....
فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه، و بعثوا معه عقبة بن أبي معيط الى أحبار يهود بالمدينة، و قالوا لهما: سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته، و أخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، و عندهم علمٌ ليس عندنا من علم الأنبياء.
فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و وصفا لهم أمره، و أخبراهم ببعض قوله و قالا لهم: إنكم أهل التوراة، و قد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا؟.
فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاثٍ نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، و ان لم يفعل فالرجل متقول، فَرَوا فيه رأيكم.



************
آيات الغدير، ص: 350
سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول: ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجيب؟ و سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض و مغاربها، ما كان نبأه؟ و سلوه عن الروح ما هي؟
فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي، و إن لم يفعل فهو رجلٌ متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم ... الى آخر القصة. و رواها في عيون الأثر: 142 1
كاتب الصحيفة الملعونة الأولى ضد بني هاشم‏
قال ابن هشام: 234 1 اجتمعوا بينهم أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم، و بني المطلب، على أن لا ينكحوا اليهم و لا ينكحوهم، و لا يبيعوهم شيئاً و لا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، تعاهدوا و تواثقوا على ذلك، ثمّ علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم، و كان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. قال ابن هشام: و يقال النضر بن الحارث، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فشل بعض أصابعه.
و قال ابن واضح اليعقوبي في تاريخه: 31 2 و همت قريش بقتل رسول الله، و أجمع ملأها على ذلك، و بلغ أبا طالب فقال:
و الله لن يصلوا اليك بجمعهم‏ حتى أغيبَ في التراب دفينا
و دعوتني و زعمت أنك ناصح‏ و لقد صدقت و كنت ثَمَّ أمينا
و عرضت ديناً قد علمت بأنه‏ من خير أديان البرية دينا


فلما علمت قريش أنهم لا يقدرون على قتل رسول الله صلى الله عليه و آله و أن أبا طالب لا يسلمه، و سمعت بهذا من قول أبي طالب، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم، و لا يناكحوهم، و لا يعاملوهم، حتى يدفعوا اليهم محمداً فيقتلوه. و تعاقدوا على ذلك و تعاهدوا، و ختموا على الصحيفة بثمانين‏



************
آيات الغدير، ص: 351
خاتماً، و كان الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، فشلت يده.
ثمّ حصرت قريش رسول الله و أهل بيته من بني هاشم و بني المطلب ابن عبد مناف في الشعب الذي يقال له شعب أبي طالب ست سنين من مبعثه.
فأقام و معه جميع بني هاشم و بني المطلب في الشعب ثلاث سنين، حتى أنفق رسول الله ماله، و أنفق أبو طالب ماله، و أنفقت خديجة بنت خويلد مالها، و صاروا الى حد الضر و الفاقة.
ثمّ نزل جبريل على رسول الله فقال: إن الله بعث الأرضة على صحيفة قريش فأكلت كل ما فيها من قطيعة و ظلم، إلا المواضع التي فيها ذكر الله! فخبَّر رسول الله أبا طالب بذلك، ثمّ خرج أبو طالب و معه رسول الله و أهل بيته حتى صار الى الكعبة فجلس بفنائها، و أقبلت قريش من كل أوب فقالوا: قد آن لك يا أبا طالب أن تذكر العهد و أن تشتاق الى قومك، و تدع اللجاج في ابن أخيك.
فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم فلعلنا أن نجد فرجاً و سبباً لصلة الأرحام و ترك القطيعة، و أحضروها و هي بخواتيمهم.
فقال: هذه صحيفتكم على العهد لم تنكروها؟
قالوا: نعم.
قال: فهل أحدثتم فيها حدثاً؟
قالوا: اللهم لا.
قال: فإن محمداً أعلمني عن ربه أنه بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله، أ فرأيتم إن كان صادقاً ما ذا تصنعون؟
قالوا: نكف و نمسك.
قال: فإن كان كاذباً دفعته اليكم تقتلونه.
قالوا: قد أنصفت و أجملت.



************
آيات الغدير، ص: 352
و فضت الصحيفة فإذا الأرضة قد أكلت كل ما فيها إلا مواضع بسم الله عز و جل.
فقالوا: ما هذا إلا سحر، و ما كنا قطُّ أجدَّ في تكذيبه منا ساعتنا هذه!! و أسلم يومئذ خلق من الناس عظيم، و خرج بنو هاشم من الشعب و بنو المطلب فلم يرجعوا اليه. انتهى.
و قد وردت رواية شعر أبي طالب (و دعوتني و علمت أنك ناصح) و هو الأنسب لجو القصيدة، و إيمان أبي طالب رحمه الله، و قد بحثنا افتراءات قريش عليه في المجلد الثالث من العقائد الإسلامية.
و كان النضر من المطعمين جيش قريش في بدر
و قد تقدم في البحث الخامس أن النضر أحد الرهط الذين كانوا يطعمون جيش قريش في حرب بدر، و قد عده النبي صلى الله عليه و آله من أفلاذ أكباد مكة، عاصمة قريش! (ابن هشام: 488 2، و تاريخ الطبري: 142 2)
نهاية الأول من فراعنة سأل سائل‏
سيرة ابن هشام: 206 2 207 ثمّ أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم قافلًا الى المدينة، و معه الأسارى من المشركين، و فيهم عقبة بن أبي معيط، و النضر بن الحارث .... قال ابن اسحاق: حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصفراء، قتل النضر بن الحارث، قتله علي بن أبي طالب، كما خبرني بعض أهل العلم من أهل مكة.
قال ابن اسحاق: ثمّ خرج حتى إذا كان بعرق الظبية، قتل عقبة ابن أبي معيط.
(راجع أيضا سيرة ابن هشام: 286 2 و 527، و تاريخ الطبري: 157 2 و 286).
و في معجم البلدان: 94 1 الأثيل: تصغير الأثل موضعٌ قرب المدينة، و هناك عين ماء لآل جعفر بن أبي طالب، بين بدر و وادي الصفراء، و يقال له ذو أثيل .... و كان النبي صلى الله عليه‏



************
آيات الغدير، ص: 353
و سلم، قتل عنده النضر بن الحارث بن كلدة، عند منصرفه من بدر، فقالت قتيلة بنت النضر ترثي أباها، و تمدح رسول الله صلى الله عليه و سلم:
يا راكباً إن الأثيل مظنةٌ من صبحِ خامسةٍ، و أنت موفقُ‏
بلغ به ميتاً، فإن تحيةً ما إن تزال بها الركائب تخفق‏
مني اليه، و عبرةً مسفوحةً جادت لمائحها و أخرى تخنق‏
فليسمعن النضر، إن ناديته‏ إن كان يسمع ميت أو ينطق‏
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه‏ لله أرحام هناك تشقق!
أ محمد! و لأنت ضن‏ء نجيبة في قومها، و الفحل فحل معرق‏
لو كنت قابل فدية، فلنأتي ن بأعز ما يغلو لديك و ينفق‏
ما كان ضرك لو مننت و ربما منَّ الفتى، و هو المغيظ المحنق‏
و النضر أقرب من أصبت وسيلةً و أحقهم، إن كان عتق يعتق‏


فلما سمع النبي صلى الله عليه و سلم شعرها رق لها، و قال: لو سمعت شعرها قبل قتله لوهبته لها. انتهى.
و من الثابت عن النبي صلى الله عليه و آله أنه كان أكره الناس للقتل، و أنه لم يقتل أحداً إلا عند اللزوم و الضرورة .. و حسبك أن جميع القتلى في جميع حروبه صلى الله عليه و آله و من أقام عليهم الحد الشرعي لا يبلغون سبع مائة شخص، و بذلك كانت حركته العظيمة صلى الله عليه و آله أعظم حركة في نتائجها، و أقل حركة في كلفتها! لهذا لا يبعد أن يكون قتله للنضر تم بأمر الله تعالى، لأنه جرثومة شر و فساد! و كذلك صديق النضر و شريكه في الشر، عقبة بن معيط الأموي، و كان صاحب خمارة و مبغى في مكة، و كان معروفاً بإلحاده.
و إذا صح ما قاله صلى الله عليه و آله لبنت النضر الشاعرة، فلا ينافي أن قتله لأبيها كان بأمر الله تعالى، لأن معناها أنه صلى الله عليه و آله لو سمع هذا الشعر منها و ما فيه من قيم و استعطاف، قبل أن يقتله، لطلب من ربه عز و جل أن يأذن له بأن يهب هذا الفرعون لابنته، و يكفي المسلمين شره، كما أمكنهم منه فأسروه.



************
آيات الغدير، ص: 354
النضير بن الحارث أخ النضر و وارثه‏
ذكرت مصادر السيرة و التاريخ أن لواء قريش بعد النضر كان بيد آخرين من بني عبد الدار، و لم تذكر أن أخاه النضير كان فارساً مثله، و يظهر أنه صار بعد أخيه النضر رئيس بني عبد الدار، و إن لم يكن شجاعاً صاحب اللواء، فقد وصفه رواة قريش و أصحاب السير بالحلم، إشارة الى أنه كان سياسياً محباً للدعة .. و عدُّوه من رؤساء قريش و المؤلفة قلوبهم، الذين أعطى النبي 9 كل واحد منهم مائة بعيرٍ من غنائم حنين.
قال الطبري في تاريخه: 358 2 فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، و أعطى ابنه معاوية مائة بعير، و أعطى حكيم بن حزام مائة بعير، و أعطى النضير بن الحارث بن كلدة بن علقمة أخا بني عبد الدار مائة بعير، و أعطى العلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير، و أعطى الحارث بن هشام مائة بعير، و أعطى صفوان بن أمية مائة بعير، و أعطى سهيل بن عمرو مائة بعير، و أعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مائة بعير ...
و نحوه في سيرة ابن هشام: 929 4، و ابن كثير: 682 3 و تاريخ اليعقوبي‏ و قد تقدم ذكره في البحث الخامس، و اعترافه بأنه خطط مع زعماء قريش لقتل النبي صلى الله عليه و آله في حنين، و لم يتمكنوا من ذلك! و قد اختلط اسم النضير عند بعضهم باسم أخيه النضر، قال الرازي في الجرح و التعديل: 473 8: النضر بن الحارث بن كلدة العبدري من مسلمة الفتح، و يقال نضير و ليست له رواية، سمعت أبي يقول ذلك.
و قال في هامشه: و هذا هو الصواب إن شاء الله، لأن النضر بن الحارث قتل كافراً إجماعاً، و إنما هذا أخوه، و احتمال أن يكون مسمى باسمه أيضا بعيد، و أثبت ما جاء في الروايات أن هذا هو (النضير) راجع الإصابة الترجمتين. انتهى.



************
آيات الغدير، ص: 355
رواة قريش يجعلون النضير مسلماً مهاجراً شهيداً!
و على عادة رواة قريش، فقد جعلوا من الحارث أو النضير شخصيةً اسلامية، وعدوه في المهاجرين و شهداء اليرموك .. و يظهر أنهم جعلوا كل الذين كانوا في الشام من القرشيين و ماتوا في طاعون عمواس، مثل سهيل بن عمرو و العبدريين، جعلوهم شهداء، وعدوهم في شهداء اليرموك! قال السمعاني المحب لقريش و بني أمية، في أنسابه: 110 3 الرهيني: بفتح الراء و كسر الهاء بعدهما الياء الساكنة آخر الحروف و في آخرها النون، هذه النسبة الى رهين، و هو لقب الحارث بن علقمة و يلقب بالرهين، و من ولده محمد بن المرتفع بن النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي الرهيني، يروي عن عبد الله بن الزبير، روى عنه سفيان بن عيينة.
فأما جده النضير بن الحارث فكان من المهاجرين، و كان يعد من حلماء قريش، قتل يوم اليرموك شهيداً، و هو أخو النضر بن الحارث الذي قتله علي بن أبي طالب بالصفراء صبراً يوم بدر، و كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و فيه نزلت سورة (سأل سائل بعذاب واقع) و قالت بنته أبياتاً من الشعر ...
و تبعه في إكمال الكمال: 327 1، و غيره.
هل اعترض النضير على النبي صلى الله عليه و آله مثل أخيه و ابن أخيه؟
روت مصادرنا مناقشة غريبة لأحدهم مع النبي‏ صلى الله عليه و آله في المدينة، وسمته النضر بن الحارث الفهري، و يحتمل أن تكون كلمة الفهري تصحيف العبدري، نسبةً الى بني عبد الدار، و النضر تصحيف النضير ..
و إذا صحت نسبتها اليه، فتكون صدرت منه في المدينة بعد حجة الوداع.
و قد تقدمت من كتاب مدينة المعاجز للبحراني: 267 2، و فيها: أقبل النضر بن الحارث فسلم على النبي صلى الله عليه و آله فقال:



************
آيات الغدير، ص: 356
يا رسول الله إذا كنت أنت سيد ولد آدم، و أخوك سيد العرب، و ابنتك فاطمة سيدة نساء العالمين، و ابناك الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و عمك حمزة سيد الشهداء، و ابن عمك ذو الجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، و عمك جلدة بين عينيك و صنو أبيك، و شيبة له السدانة .. فما لسائر قومك من قريش و سائر العرب؟! فقد أعلمتنا في بدء الإسلام أنا إذا آمنا بما تقول لنا مالك و علينا ما عليك.
فأطرق رسول الله صلى الله عليه و آله طويلًا، ثمّ رفع رأسه فقال:
أما أنا و الله ما فعلت بهم هذا، بل الله فعل بهم هذا، فما ذنبي؟! ....
فوعظه النبي صلى الله عليه و آله و قال له: إن ربك كريم، فإن أنت صبرت و تصابرت، لم يخلك من مواهبه، فارض و سلم، فإن الله يمتحن خلقه بضروب من المكاره، و يخفف عمن يشاء، و له الخلق و الأمر، مواهبه عظيمة، و إحسانه واسع. فأبى الحارث. انتهى.
و قد نص ابن هشام: 488 2، على أن النضير هذا يسمى الحارث أيضاً باسم أبيه، و سماه اليعقوبي في تاريخه: 63 2 (الحارث بن الحارث بن كلدة) و هو أمر يوجب الشك، لأنه يستغرب أن يكون لشخصٍ اسمان معاً، خاصةً إذا كان أحدهما باسم أبيه، لأن العوائل المالكة في القبائل تحترم اسم الأب و لا تغيره الى اسمٍ آخر، و لا تضيف معه اسماً آخر، لأنه يضعفه! و هذا يفتح باب الاحتمال أن يكون الحارث أخاهم الثالث، و أن يكون هو الذي ورد اسمه في بعض الروايات أنه اعترض على النبي صلى الله عليه و آله لإعلانه ولاية علي و الحسنين من بعده عليهم السلام فرماه الله بصاعقةٍ أو حجرٍ من سجيل! و بذلك يكون العذاب الواقع نزل بثلاثة أشخاص من هذه الأسرة: الأب في بدر، و ولده جابر الذي نص عليه أبو عبيد، و الحارث هذا .. و يكون اسم‏ عشيرة العذاب الواقع‏ مثلث الانطباق على هذه القبيلة!! كما يحتمل أن يكون صاحبنا النضير بن الحارث، أو الحارث بن الحارث‏



************
آيات الغدير، ص: 357
العبدري، هو الحارث المعترض، لكن لم تنزل عليه العقوبة، لأنهم ذكروا وفاته في الشام، و ليس بالعذاب الواقع.
و مهما يكن، فإن من المؤكد أنه يوجد حارثٌ غيره اعترض على النبي صلى الله عليه و آله حيث ورد ذكره في تفسير الثعلبي، و عدد من مصادرنا باسم الحارث بن النعمان الفهري، و أنه هو صاحب حجر السجيل، كما تقدم.
و كذلك تقدم اسم الحارث بن عمرو الفهري، في رواية الحاكم الحسكاني، و رواية الكافي و المناقب.
و مما يؤيد أنه حارثٌ آخر، أنهم ترجموا لشخصٍ و أولاده قد ينطبق عليه، و لم يذكروا عنه شرحاً، و لا ذكروا سبب موته! قال ابن كثير في سيرته: 499 2:
عامر بن الحارث الفهري، كذا ذكره سلمة عن ابن اسحاق و ابن عائذ. و قال موسى بن عقبة و زياد عن ابن اسحاق: عمرو بن الحارث.
و قال في ص 502: عمرو بن عامر بن الحارث الفهري، ذكره موسى بن عقبة. انتهى.
و ذكر نحوه في عيون الأثر: 358 1 و عليه، يكون الحارث صاحب حجر السجيل فهرياً، و ليس عبدرياً.
و يكون جابر بن النضر العبدري الذي ورد في رواية أبي عبيد، صاحب حجر سجيلٍ آخر .. و الله العالم.
الأفجران من قريش أو ... الأفجرون؟
ورد في مصادر الحديث أن أسوأ قبائل قريش، و أشدها على النبي صلى الله عليه و آله هم بنو أمية، و بنو المغيرة، و هم فرع أبي جهل من مخزوم، و ورد وصفهم بالأفجريْن ..
و لا بد أن نضيف اليهم بني عبد الدار فيكونون الأفجرون بالجمع .. و إن كان الإنسان بعد أن يستثني بني هاشم و القلة الذين معهم من قريش، يشك في من هو الأحسن و الأفجر من الباقين!!



************
آيات الغدير، ص: 358
قال السيوطي في الدر المنثور: 85 4 و أخرج البخاري في تاريخه، و ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن مردويه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: أ لم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفراً، قال: هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة و بنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، و أما بنو أمية فمُتِّعُوا الى حين!. انتهى.
و يشبه أن يكون ذلك كلاماً نبوياً ردده عمر، و إذا صح ذلك عنه، يتوجه اليه السؤال: لما ذا ولَّى معاوية الأموي على حكم الشام، و أطلق يده و لم يحاسبه أبداً، ثمّ رتب الخلافة من بعده في شورى جعل فيها حق النقض لصهر عثمان الأموي، فأكمل بذلك تسليم الدولة الإسلامية لأحد الأفجريْن من قريش؟!
تم، و الحمد لله رب العالمين‏










(70:1:1:1) sa>ala V STEM|POS:V|PERF|LEM:sa>ala|ROOT:sAl|3MS -121668-@@@@(70:1:2:1) saA^}ilN[ N STEM|POS:N|ACT|PCPL|LEM:saA^}il|ROOT:sAl|M|INDEF|NOM -121669-@@@@(70:1:3:1) bi P PREFIX|bi+ -121670-@@@@(70:1:3:2) Ea*aAbK N STEM|POS:N|LEM:Ea*aAb|ROOT:E*b|M|INDEF|GEN -121671-@@@@(70:1:4:1) waAqiEK ADJ STEM|POS:ADJ|ACT|PCPL|LEM:waAqiE|ROOT:wqE|M|INDEF|GEN -121672-@@@@





دیتای صرفی-کامپیوتر نور suurabesm1
<Word entry="بِسْمِ" root="وسم" sureh="70" aye="1" id="83644">
<Subword subEntry="بِ" IsBase="0" />
<Subword subEntry="إِسْمِ" IsBase="1" /></Word>
<Word entry="اللَّهِ" root="ءله" sureh="70" aye="1" id="83645">
<Subword subEntry="اللَّهِ" IsBase="1" /></Word>
<Word entry="الرَّحْمَنِ" root="رحم" sureh="70" aye="1" id="83646">
<Subword subEntry="الْ" IsBase="0" />
<Subword subEntry="رَحْمَنِ" IsBase="1" /></Word>
<Word entry="الرَّحِيمِ" root="رحم" sureh="70" aye="1" id="83647">
<Subword subEntry="الْ" IsBase="0" />
<Subword subEntry="رَحِيمِ" IsBase="1" /></Word>
suurabesm2
<Word entry="سَأَلَ" root="سءل" sureh="70" aye="2" id="83648">
<Subword subEntry="سَأَلَ" IsBase="1" /></Word>
<Word entry="سَائِلٌ" root="سءل" sureh="70" aye="2" id="83649">
<Subword subEntry="سَائِلٌ" IsBase="1" /></Word>
<Word entry="بِعَذَابٍ" root="عذب" sureh="70" aye="2" id="83650">
<Subword subEntry="بِ" IsBase="0" />
<Subword subEntry="عَذَابٍ" IsBase="1" /></Word>
<Word entry="وَاقِعٍ" root="وقع" sureh="70" aye="2" id="83651">
<Subword subEntry="وَاقِعٍ" IsBase="1" /></Word>


























آية بعدالفهرستآية قبل