بسم الله الرحمن الرحیم
دراسات فی فقه اللغة، ص 142
أما الذي نريد الآن بيانه فهو ما لاحظه علماؤنا من مناسبة حروف العربية لمعانيها، وما لمحوه في الحرف العربي من القيمة التعبيرية الموحية؛ إذ لم يعنهم من كلِّ حرفٍ أنه صوت، وإنما عناهم من صوت هذا الحرف أنه معبر عن غرض، وأن الكلمة العربية مركبة من هذه المادة الصوتية التي يمكن حلّ أجزائها إلى مجموعة من الأحرف الدوالّ المعبرة، كل حرف منها يستقلّ ببيان معنًى خاصٍّ ما دام يستقل بإحداث صوت معين, وكل حرف له ظل وإشعاع؛ إذ كان لكل حرفٍ صدًى وإيقاع!
وإثبات القيمة التعبيرية للصوت البسيط وهو حرف واحد في كلمة، كإثبات هذه القيمة نفسها للصوت المركب وهو ثنائي لا أكثر، أو ثنائي ألحق به حرف أو كثر، أو ثلاثي مجرد ومزيد، أو رباعي منحوت، أوخماسي أو سداسي على طريقة العرب مشتق أو مقيس.
لكل حالٍ من هذه الأحوال التي تبدو لك أول الأمر ألغازًا مقعدة, أو طلاسم محيرة، ذكر علماء العرب الأمثلة، واحتجوا بالشواهد التي لا يسهل دفعها؛ فقد مالوا إلى الاقتناع بوجود التناسب بين اللفظ ومدلوله، في حالتي البساطة والتركيب، وطَوْرَي النشأة والتوليد، وصورتي الذاتية والاكتساب.
...
ص 145
وإذا كان علماء العرب قد استشهدوا بالأمثلة السابقة على القيمة التعبيرية للحرف الواحد، وهو صوت بسيط يقع في أول الكلمة تارةًً، وفي وسطها تارةً أخرى، وفي آخرها أحيانًا، فما جاءوا بشواهدهم تلك سدًى، ولا ألقوا بها جزافًا, بل اعتقدوا أن في تقديم ما قُدِّمَ منها، وتأخير ما أُخِّرَ، وترتيبها على نحوٍ معين، أسرارًا مدهشة يعجب الباحث اليوم كيف تنتبهوا إليها واستنبطوها، ويكاد يسلّم لها ولو استشعر فيها الكثير من التكليف.
فهذا ابن جني يؤكد "أن في تقديم ما يضاهي أول الحدث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسط ما يضاهي أوسطه، سوقًا للحروف على سمت المعنى المقصود، والغرض المطلوب"[2]. ويمثل لذلك بالمواد "بَحَثَ" و"صَدَّ" و"جَرَّ" ونكتفي باللفظة الأولى "بحث"، فالباء فيها لغلظها تشبه بصوته خفقة الكف على الأرض، والحاء فيها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب، ونحوهما إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث، والنبث للتراب، وهذا أمر تراه محصلًا، فأي شبهة تبقى بعده؟ أم أيّ شكٍّ يعرض على مثله؟
...
ص 146
ومن أوضح الأمثلة على هذه الظاهرة اللغوية العجيبة ما ذكره ابن جني من "ازدحام الدال، والتاء، والطاء، والراء، واللام، والنون, إذا مازجتهن الفاء على التقديم والتأخير، فأكثر أحوالها ومجموع معانيها أنها للوهن والضعف ونحوهما"[1]. أما شواهده على ذلك ففيها ما نرضاه ولا يسعنا رَدَّه، كالشي التالف، والشيخ الدالف "الضعيف"، والدنف المريض، والفتور للضعيف، والطَّفْل للرخص، وهو ضد الشين.
وسائرها بعد ذلك إلى التكلف أقرب، وذلك في الألفاظ التي تطورت معانيها بطريقة من طرق المجاز، كالطيف "المجَّان" وليست له عصمة الثمين، والطُّنُف، لما أشرف خارجًا عن البناء وهو إلى الضعف، لأنه ليست له قوة الأساس والأصل، والنَّطَف "العيب" وهو إلى الضعف، والتنوفة, وذلك لأن الفلاة إلى الهلاك، ألا تراهم يقولون لها مهلكة؟ والطرف لأن طرف الشيء، أضعف من قلبه وأوسطه، والفرد لأن المنفرد إلى الضعف والهلاك، والفارط "المتقدم"، وإذا تقدم انفرد، وإذا انفرد هلك، ومنه الفرات؛ لأنه ليس له تمكن الأول، والتَّفْلُ للريح المكروهة، فهي منبوذة مطروحة، والفلتة لضعف الرأي؛ وفتل المغزل؛ لأنه تَثَنٍّ واستدارة، وذاك إلى وَهْيٍ وضَعْفةٍ، والفَطُر الشقّ، وهو إلى الوهن[2].
ص 149
بل نجد ابن جني في موضع آخر من "خصائصه" يبذل جهدًا مشكورًا في توضيح هذا الرأي وتقريره، فيخصه ببحث قيِّمٍ عنوانه: "باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني" ويستهلّ الباب بقوله: "اعلم أنّ هذا موضع شريف لطيف، وقد نبَّه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته. قال الخليل: "كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدًّا فقالوا: صَرَّ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعًا فقالوا: صَرْصَرَ". وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفَعَلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة، نحو: النَّقَزَان[2]، والغَلَيَان والغَثَيَان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حر كات الأفعال، ووجدت أنا "ابن جني" من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حذياه، ومنهاج ما مثّلاه, وذلك أنك تجد المصادر الرباعية، المضعَّفة تأتي للتكرير نحو: الزعزعة والقلقلة والصلصلة والقعقعة والجرجرة والقرقرة[3], ووجدت أيضًا "الفَعَلَى" في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة نحو: البَشَكى والجَمَزى والوَلَقَى6"[7].
...
ص 150
وممن صرَّح بهذه الظاهرة وقرَّرَها عبَّاد بن سليمان الضيمريّ أحد رجال الاعتزل المشهورين في عصر المأمون؛ فقد ذهب "إلى أن بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية حاملة للواضع على أن يضع، قال: "وإلّا لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمّى المعين ترجيحًا من غير مرجّح"[1].
وقد أثَّر عبَّاد في طائفة من اللغويين ظلت تدين بهذه المناسبة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله، وربما تكلف بعضهم في إظهار هذه المناسبة حتى خرجوا على طبيعة العربية نفسها ليقولوا كلمتهم في هذا الموضوع في لغات أعجمية لا نعرف على وجه التحديد مدى إجادتهم لها. ويذكر السيوطي أن بعض من يرى رأي عبّاد "سئل ما مسمى "أذغاغ "؟ وهو بالفارسية الحجر، فقال: أجد فيه يبسًا شديدًا، وأراه الحجر"[2].
فهذه العلاقة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله, لا يقتصر فيها إذن -عند عبّاد وأتباعه- على اللغة العربية، بل تشمل سائر اللغات؛ لأن كلمة "أذغاغ" فارسية، ولكن هذا الذي يرى رأي عبَّاد -وهو يجهل الفارسية أو ربما كان ملمًّا بها إلمامًا خفيفًا- واستنبط المدلول من الصوت.
وقد أشكل على بعض الباحثين إنكار الجمهور مقالة عباد، لما عرفناه
ص 151
آنفًا من أن "الجماعة -كما ينص ابن جني- تلقت هذا المذهب بالقبول".
وليس مرد الخلاف في الحقيقة إلى وجود هذه المناسبة الطبيعية وعدم وجودها، بل إلى ما يراه عبّاد من أن هذه المناسبة ذاتية موجبة، بمعنى أنها لا تتخلف, ولا بد من وجودها, وإن كنا أحيانًا لا نستشعرها أو لا نفهمها. وهذا ما يوضحه السيوطي بعبارته التالية: "وأما أهل اللغة العربية فقد كادوا يطبقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ والمعاني؛ لكن الفرق بين مذهبهم ومذهب عبّاد, أن عبادًا يراها ذاتية موجبة، بخلافهم, وهذا كما تقول المعتزلة بمراعاة الأصلح في أفعال الله تعالى وجوبًا، وأهل السنة لا يقولون بذلك مع قوهم: إنه تعالى يفعل الأصلح, لكن فضلًا منه ومَنًّا لا وجوبًا، ولو شاء لم يفعله"[1].
فقد أكَّد هذا العالم الجليل المتأخر إذن -بعد استيعابه مؤلفات اللغويين السابقين التي فقد منها الكثير- أن أهل اللغة بوجهٍ عامٍّ, والعربية بوجه خاصٍّ, قد كادوا يطبقون على ثبوت المناسبة الطبيعية بين الألفاظ والمعاني.
وبذلك تلاقى مع ابن جني على صعيد واحد، فكان لا بد لنا من الاقتناع بهذه الظاهرة اللغوية التي تبعد فتحًا مبينًا في فقه اللغات عامة.
على أنّ ابن جني يظل رائد اللغوين القدامى الذين لاحظوا هذه الظاهرة وقرروها، فهو يقول: "فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع، ونهج متلئبٌ[2], عند عارفيه مأموم، وذلك أنهم كثيرًا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبّر بها عنها, فيعدلونها بها ويحتذونها عليها، وذلك أكثر مما نقدره, وأضعاف ما نستشعره ... ومن ذلك القد طولًا، والقط عرضًا، وذلك أن الطاء أخفض للصوت وأسرع قطعًا له من الدال, فجعلوا الطاء المناجزة
مکاتب مختلف زبانشناسی(بخش اول)
مطالعات زبانشناسی در هند باستان و توسط فردی بنام پانینی در سده سوم و چهارم پیش از میلاد مسیح آغاز شد. او با نگارش دستور زبان سانسکریت دو ویژگی عمده را در ساختارهای دستوریش رعایت کرد:
۱- به روش عینی و بر پایه مشاهدات مستقیم دستور نوشت.
۲- توصیف داده ها مجزا و دقیق بود.
اما پس از پانینی اولین اندیشه ها درباره زبان در یونان باستان شکل گرفت:
طبیعیون (naturalist) گروهی بودند که اعتقاد داشتند زبان ماهیتی طبیعی دارد و منشا و معنی واژه ها را در صورتهای آنها میتوان جستجو کرد. این گروه که افلاطون نیز جزء آنها بود نام آوا ها را شاهد صدق گفته خود میدانستند.
گروه دوم در یونان باستان قراردادیون بودند که رابطه بین واژه و معنی آن را قراردادی میدانستند. بر پایه نظریه این گروه قیاس پذیری و قاعده دار بودن و قاعده مدار بودن زبان مطرح شد و بر پایه همین نظریات گروهی بنام قیاسیون که ارسطو نیز جزء آن بود درباره زبان مطالبی را بیان نمودند.
مقاله رسالهای شگفتانگیز از افلاطون که رازهای «زبان» را جستجو میکند
مقاله مبادی زبان از نظرگاه سقراط(بر اساس رساله کراتیلوس)
"اما در این میان تأملات برخی حکماهی یونانی حکایت از علایق فلسفی و توجه نظری محض آنان درباره مبادی زبان دارد که به وجهی خاستگاه پژوهشهای مربوط به زبانشناسی فلسفی نیز قرار گرفته است،بدین جهت این نوشتار نیز عمدتا بر یکی از مکتوبات سقراطی-افلاطونی که به نحو خاص به مسئله لفظ و معنا و شرایط و مقتضیات آنها پرداخته است،تمرکز یافته و ضمن عرضه گزارشی فشرده از مضامین آن،ملاحظاتی چند نیز در اطراف موضوعات مطرح شده عنوان گردیده است. دغدغه اصلی ارسطو در اینجا بر مسئله«جوهر»و ضرورت آن متمرکز گردیده است و اینکه چگونه از ساختار زبانی متداول میتوان به وجود آن استنتاج کرد: «بنابراین کسی میتوانست حتی این پرسش را به میان آورد که آیا«راه رفتن»، «تندرست بودن»و«نشستن»و هریک از اینها بر موجود دلالت دارند یا نه؟و به همینسان درباره موارد دیگری از این گونه،زیرا هیچ یک از آنها نه به خود پایا[-قائم بذاته]اعست، و نه میتواند از جوهر جدا شود؛بلکه اگر هم باشد،[باز هم]بیشتر چیز راهرونده و نشسته و تندرست است که«موجود»است. بنابراین پرسش اصلی بدین قرار است که آیا منشأ نامها طبیعت و حیثیت وجودی اشیاء است،یا اینکه آنها از توافق و اجماع انسانها نشئت میگیرند؟از اینجا به بعد سقراط بنابر روش مألوف خویش،با طرح پرسشهایی متعدد و دقیق-و البته به ظاهر ساده و روشن-مسیر بحث را در اختیار گرفته و ضمن ذکر نمونههایی متعدد از اسامی افراد و اشیاء،افقهای جدیدی از ریشهشناسی واژهها را فراروی حاضرین میگشاید."