بسم الله الرحمن الرحیم

شناسنامه حدیث-روایت ابوالاسود دؤلی-الکلام ثلاثة اشیاء

فهرست مباحث حدیث
فهرست شناسنامه حدیث
شناسنامه حدیث-لیتك تعلمت الفلسفة



الفصول المختارة، ص: 91
 [فصل قول الصادق ع أعربوا حديثنا و معنى النحو و أول من وضعه‏]
 (فصل)
و أخبرني الشيخ أدام الله عزه مرسلا قال قال الصادق ع أعربوا حديثنا فإنا قوم فصحاء.
و أخبرني الشيخ أدام الله عزه مرسلا عن محمد بن سلام الجمحي أن أبا الأسود الدؤلي دخل على أمير المؤمنين ع فرمى إليه رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم الكلام ثلاثة أشياء اسم و فعل و حرف جاء لمعنى فالاسم ما أنبأ عن المسمى و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى و الحرف ما أوجد معنى في غيره فقال أبو الأسود يا أمير المؤمنين هذا كلام حسن فما تأمرني أن أصنع به فإنني لا أدري ما أردت بإيقافي عليه فقال أمير المؤمنين ع إني سمعت في بلدكم هذا لحنا كثيرا فاحشا فأحببت أن أرسم كتابا من نظر إليه ميز بين كلام العرب و كلام هؤلاء فابن على ذلك فقال أبو الأسود وفقنا الله بك يا أمير المؤمنين للصواب.

 

مناقب آل أبي طالب عليهم السلام (لابن شهرآشوب)، ج‏2، ص: 46
 و منهم النحاة و هو واضع النحو لأنهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن عمرو الثقفي عن عبد الله بن إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الأفرن «2»
__________________________________________________
 (1) وجم وجما كوعد: اي سكت و عجز من شدة الغيظ، يقال (لم اجم عنه) أي لم اسكت عنه فزعا.
 (2) و في نسخة: ميمون الاقرن بالقاف.
                        

مناقب آل أبي طالب عليهم السلام (لابن شهرآشوب)، ج‏2، ص: 47
عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدؤلي عنه ع و السبب في ذلك أن قريشا كانوا يزوجون بالأنباط «1» فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم حتى أن بنتا لخويلد الأسدي كانت متزوجة بالأنباط فقالت إن أبوي مات و ترك علي مال كثير فلما رأوا فساد لسانها أسس النحو
و روي أن أعرابيا سمع من سوقي يقرأ- أن الله بري‏ء من المشركين و رسوله فشج رأسه فخاصمه إلى أمير المؤمنين فقال له في ذلك فقال إنه كفر بالله في قراءته فقال ع إنه لم يتعمد ذلك.
و روي أن أبا الأسود كان في بصره سوء و له بنية تقوده إلى علي ع فقالت يا أبتاه ما أشد حر الرمضاء تريد التعجب فنهاها عن مقالتها فأخبر أمير المؤمنين ع بذلك فأسس-.
و
روي أن أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفى فقال الله ثم أخبر عليا بذلك فأسس-.
فعلى أي وجه كان وقعه إلى أبي الأسود و قال ما أحسن هذا النحو احش له بالمسائل فسمي نحوا.
قال ابن سلام كانت الرقعة: الكلام ثلاثة أشياء اسم و فعل و حرف جاء لمعنى فالاسم ما أنبأ عن المسمى و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى و الحرف ما أوجد معنى في غيره.

 

                        

تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏1، ص: 324
و روي أن أبا الأسود كان في بصره سوء و له بنية تقوده إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقالت: يا أبتاه ما أشد حر الرمضاء! تريد التعجب، فنهاها عن مقالتها، و أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك فأسس النحو.
و روي أن أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة، فقال قائل: من المتوفي؟
فقال أبو الأسود: الله، ثم إنه أخبر عليا عليه السلام بذلك فأسس النحو و دفعه «1» إلى أبي الأسود، و قال: ما أحسن هذا النحو، فسمي نحوا.
قال ابن سلام: كانت الرقعة: الكلام ثلاثة أشياء: اسم و فعل و حرف جاء لمعنى.
فالاسم: ما أنبأ عن المسمى.
و الفعل: ما أنبأ عن حركة المسمى.
و الحرف: ما أوجد معنى في غيره.

 

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏40، ص: 161

. و منهم النحاة و هو واضع النحو لأنهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن عمرو الثقفي عن عبد الله بن إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الأقرن عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدؤلي عنه ع و السبب في ذلك أن قريشا كانوا يزوجون بالأنباط فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم حتى أن بنتا لخويلد الأسدي كانت متزوجة في الأنباط «5» فقالت إن أبوي مات‏
__________________________________________________
 (1) الرائد: الرسول الذي يرسله القوم لينظر لهم مكانا ينزلون فيه.
 (2) هاهنا سقط و هو على ما في النهج: فخالفوا إلى المعاطش و المجادب ما كنت صانعا؟
قال: كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلا و الماء فقال عليه السلام فامدد اه.
 (3) في المصدر: أبو إسحاق ظ.
 (4) وجم: سكت و عجز عن التكلم من شدة الغيظ أو الخوف.
 (5) في المصدر: بالانباط.
                        

بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏40، ص: 162
و ترك علي مال كثير «1» فلما رأوا فساد لسانها أسس النحو.
و روي أن أعرابيا سمع من سوقي يقرأ إن الله بري‏ء من المشركين و رسوله «2» فشج رأسه فخاصمه إلى أمير المؤمنين ع فقال له في ذلك فقال إنه كفر بالله في قراءته فقال ع إنه لم يتعمد بذلك.
و روي أن أبا الأسود كان في بصره سوء و له بنية تقوده إلى علي ع فقالت يا أبتاه ما أشد حر الرمضاء تريد التعجب فنهاها عن مقالها فأخبر أمير المؤمنين ع بذلك فأسس.
و روي أن أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفي «3» فقال الله ثم إنه أخبر عليا ع بذلك فأسس.
فعلى أي وجه كان دفعه «4» إلى أبي الأسود و قال ما أحسن هذا النحو احش «5» له بالمسائل فسمي نحوا قال ابن سلام كانت الرقعة الكلام ثلاثة أشياء اسم و فعل و حرف جاء لمعنى فالاسم ما أنبأ عن المسمى و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى و الحرف ما أوجد معنى في غيره‏


























فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است



****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Tuesday - 13/5/2025 - 3:5

معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1465)
قال الجاحظ «2» : أبو الأسود معدود في طبقات الناس، وهو في كلّها مقدم مأثور عنه في جميعها. كان معدودا في التابعين والفقهاء والمحدثين والشعراء والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة والبخلاء والصلع الأشراف والبخر الأشراف. وكان أول من وضع علم العربية، وأسس قواعده علي بن أبي طالب، عليه السلام، وأخذه عنه أبو الأسود.
حدث أبو عثمان المازني «3» ما رفعه إلى يحيى بن يعمر الليثي أن أبا الأسود الدئلي دخل على ابنته بالبصرة فقالت: يا أبه، ما أشدّ الحرّ، ورفعت أشد، فظنها

معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1466)
تسأله وتستفهم منه أي زمان الحر أشد؟ فقال لها: شهرا ناجر. فقالت: يا أبه إنما أخبرتك، ولم أسألك، فأتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، ذهبت لغة العرب لمّا خالطت العجم، ويوشك إن طال عليها زمان أن تضمحلّ. فقال له: وما ذاك؟ فأخبره خبر ابنته. فأمر فاشترى صحفا بدرهم وأملى عليه: الكلام كله لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. وهذا القول هو أول كتاب سيبويه. ثم رسم أصول النحو كلها، فنقلها النحويون وفرعوها. فلما كان أيام زياد بن أبيه بالبصرة جاءه أبو الأسود فقال له: أصلح الله الأمير إني أرى العرب قد خالطت الحمراء فتغيرت ألسنتهم. وقد كان علي بن أبي طالب، عليه السلام، وضع شيئا يصلح به ألسنتهم، أفتأذن لي أن أظهره. فقال: لا. ثم جاء زيادا رجل فقال: أصلح الله الأمير، مات أبانا وخلّف بنون، فقال زياد كالمتعجب: مات أبانا وخلّف بنون! هذا ما ذكره أبو الأسود. ثم مرّ برجل يقرأ القرآن حتى بلغ إلى قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ
(التوبة: 3) ، بكسر اللام من رسوله، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هذا والله الكفر. ردّوا إليّ أبا الأسود، فردوه إليه.
فقال له: ضع للناس ما كنت نهيتك عنه. فقال: ابغني كاتبا يفهم عني. فجيء برجل من عبد القيس فلم يرضه، فأتي برجل من قريش، فقال له: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط على أعلاه نقطة، وإذا ضممت فانقط بين يدي الحرف، وإذا كسرت فمي فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت ذلك شيئا من الغنّة فاجعل النقطة نقطتين ففعل. فكان هذا نقط أبي الأسود، وذكر أنه لم يضع إلا باب الفاعل والمفعول به فقط. فجاء بعده ميمون الأقرن فزاد عليه في حدود العربية. ثم زاد فيها عنبسة بن معدان الفيل وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي. فلما كان عيسى بن عمر وضع في النحو كتابين «1» ، ثم أبو عمرو بن العلاء، ثم الخليل بن أحمد ثم سيبويه.
وحدث آخرون «2» في سبب وضع النحو أن أبا الأسود دخل على عليّ، عليه السلام، فوجد في يده رقعة. قال أبو الأسود: فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟

معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1467)
فقال: إني تأملت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء، يعني الأعاجم، فأردت أن أضع لهم شيئا يرجعون إليه، ويعتمدون عليه، ثم ألقى إليّ الرقعة، وفيها مكتوب: الكلام كلّه اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبىء به، والحرف ما جاء لمعنى؛ وقال لي: انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك. واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر. أراد بذلك الاسم المبهم. قال أبو الأسود: فكان ما وقع إليّ إنّ وأخواتها، خلا لكن. فلما عرضتها على عليّ عليه السلام، قال لي: وأين لكن؟ فقلت: ما حسبتها منها. فقال: هي منها، فألحقتها، ثم قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوته. فلذلك سمي نحوا. ثم إن ابنته أخذت في يوم قائظ شديد الحر فقالت: يا أبت، ما أشدّ الحر، وهي تريد التعجب. فقال: القيظ، وما نحن فيه يا بنية، جوابا عن كلامها، لأنه استفهام عنده، فتحيّرت ابنته منه، فعلم أنها أرادت التعجب، فقال: قولي يا بنية ما أشدّ الحرّ. فعمل باب التعجب.
وكان أبو الأسود غاية في الفصاحة، جلس إليه غلام، فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟ قال: أخذته الحمّى ففضخته فضخا، وطبخته طبخا، وفتخته فتخا، فتركته فرخا. قال: فما فعلت امرأته التي كانت تشاره وتهارّه وتضارّه وتجاره وتزارّه؟ قال:
طلّقها فتزوجت غيره فرضيت وحظيت وبضيت. فقال أبو الأسود: وما بضيت يا بني؟
فقال الغلام: حرف من اللغة لم يبلغك. قال أبو الأسود: يا بني ما لم يبلغ عمك فاستره كما تستر الهرة خرءها.
وأخذ النحو عن أبي الأسود جماعة منهم عطاء بن أبي الأسود، ويحيى بن يعمر العدواني، ثم ميمون الأقرن، ثم عنبسة الفيل.
وزوج أبو الأسود بنتا له، فلما أراد إهداءها قالت له: أوصني. فقال: أكرمي عينيه وأنفه وأذنيه.
وقال أبو الأسود لولده «1» : يا بني، إني قد حفظتكم قبل أن تولدوا وبعد مولدكم. فحفظي إياكم قبل أن تولدوا أني لم أضعكم في أرحام تسبّون بها. وحفظي

 

نزهة الألباء في طبقات الأدباء (ص: 18)
وسبب وضع علي رضي الله عنه لهذا العلم، ما روى أبو الأسود، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجدت في يده رقعة، فقت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأملت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء -يعني الأعاجم- فأردت أن أضع لهم شيئاً يرجعون إليه، ويعتمدون عليه؛ ثم ألقى إليّ الرقعة، وفيها مكتوب: "الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبئ به، والحرف ما جاء لمعنى"، وقال لي: "انحُ هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبو الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، واسمٌ لا ظاهر ولا مضمر؛ وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهرٍ ولا مضمر" وأراد بذلك الاسم المبهم.
قال أبو الأسود: فكان ما وقع إليّ: "إن" وأخواتها ما خلا "لكن". فلما عرضتها على علي رضي الله عنه،

 

إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/ 39)
[التراجم]
ذكر أول من وضع النحو وما قاله الرواة فى ذلك
الجمهور من أهل الرواية على أنّ أوّل من وضع النحو أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب- كرم الله وجهه- قال أبو الأسود الدّؤلىّ رحمه الله:
دخلت على أمير المؤمنين علىّ- عليه السلام- فرأيته مطرقا مفكّرا؛ فقلت: فيم «1» تفكر يا أمير المؤمنين؟ فقال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أصنع كتابا فى أصول العربيّة. فقلت له: إن فعلت هذا أبقيت فينا «2» هذه اللغة العربية، ثم أتيته بعد أيام، فألقى إلىّ صحيفة فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. الكلام كلّه اسم وفعل وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل.
ثم قال: تتّبعه وزد فيه ما وقع لك. واعلم أن الأشياء «3» ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشىء ليس بظاهر ولا مضمر؛ وإنما يتفاضل العلماء فى معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر.
فجمعت أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأنّ. ولم أذكر لكنّ، فقال: لم تركتها؟
فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلى هى منها، فزدها فيها.

إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/ 40)
هذا هو الأشهر من أمر ابتداء النحو. وقد تعرّض الزجّاجىّ أبو القاسم إلى شرح هذا الفصل من كلام علىّ، كرم الله وجهه.
ورأيت بمصر فى زمن الطلب بأيدى الورّاقين جزءا فيه أبواب من النحو، يجمعون على أنها مقدّمة علىّ بن أبى طالب التى أخذها عنه أبو الأسود الدّؤلىّ.
وروى أيضا عن أبى الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب- عليه السلام- فأخرج لى رقعة فيها: الكلام كلّه اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. قال: فقلت: ما دعاك إلى هذا؟ قال: رأيت فسادا فى كلام بعض أهلى؛ فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطأ. فأخذ أبو الأسود النحو عن على- عليه السلام- ولم يظهره لأحد.
ثم إن زيادا سمع بشىء مما عند أبى الأسود، ورأى اللحن قد فشا؛ فقال لأبى الأسود: أظهر ما عندك ليكون للناس إماما. فامتنع من ذلك، وسأله الإعفاء، حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولِهِ بالكسر؛ فقال: ما ظننت أمر الناس آل إلى هذا. فرجع إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير؛ فليبغنى «1» كاتبا لقنا «2» يفعل ما أقول، فأتى بكاتب من عبد القيس «3» ، فلم يرضه، فأتى بكاتب آخر- قال المبرّد: أحسبه منهم- فقال له أبو الأسود:
إذا رأيتنى قد فتحت فمى بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن ضممت فمى فانقط نقطة بين يدى الحرف، وإن كسرت فاجعل نقطة من تحت الحرف، وإن مكّنت «4» الكلمة بالتنوين فاجعل أمارة ذلك نقطتين. ففعل ذلك، وكان أوّل ما وضعه لهذا السبب.

إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/ 41)
وقد قيل: إن الذى رآه أبو الأسود ونكره، أنه مرّ به سعد- وكان رجلا فارسيّا من أهل نوبندجان «1» - كان قدم البصرة مع جماعة [من] أهله، فادّعوا لقدامة «2» بن مظعون أنهم أسلموا على يديه؛ فإنّهم بذاك من مواليه. ولما مرّ سعد بأبى الأسود- وكان يقود فرسا له- قال له أبو الأسود: ما لك لا تركبه يا سعد؟
قال: «إن فرسى ظالعا» . وأراد أن يقول: «ظالع» «3» قال: فضحك به بعض من حضر، فقال أبو الأسود: هؤلاء الموالى قد رغبوا فى الإسلام ودخلوا فيه، فصاروا لنا إخوة، فلو علّمناهم الكلام! فوضع باب الفاعل والمفعول.
وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح أنّ أوّل من وضع النحو علىّ بن أبى طالب- كرّم الله وجهه- وأخذ عنه أبو الأسود الدّؤلىّ، وأخذ عن أبى الأسود الدّؤلىّ نصر بن عاصم البصرىّ، وأخذ عن نصر أبو عمرو بن العلاء البصرىّ، وأخذ عن أبى عمرو [الخليل بن أحمد، وأخذ عن الخليل] «4» سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر «5» ، وأخذ عن سيبويه أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط، وأخذ عن الأخفش أبو عثمان بكر بن محمد المازنىّ الشيبانىّ وأبو عمر الجرمىّ، وأخذ عن المازنىّ والجرمىّ أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، وأخذ عن المبرّد أبو إسحق الزجّاج وأبو بكر بن السرّاج، وأخذ عن ابن السّراج أبو على الحسن ابن عبد الغفار الفارسىّ؛ وأخذ عن الفارسىّ أبو الحسن على بن عيسى الرّبعىّ؛ وأخذ عن

إنباه الرواة على أنباه النحاة (1/ 42)
الرّبعىّ أبو نصر القاسم بن مباشر الواسطىّ؛ وأخذ عن ابن المباشر طاهر بن أحمد ابن بابشاذ «1» المصرىّ. وأخذ أيضا عن الزجّاج أبو جعفر النحّاس أحمد بن إسماعيل المصرىّ؛ وأخذ عن النحّاس أبو بكر الأدفوىّ «2» ، وأخذ عن الأدفوىّ أبو الحسن على ابن إبراهيم الحوفىّ؛ وأخذ عن الحوفىّ طاهر بن أحمد بن بابشاذ «3» النحوىّ؛ وأخذ عن ابن بابشاذ أبو عبد الله محمد بن بركات النحوىّ المصرىّ، وأخذ عن ابن بركات وعن غيره أبو محمد بن برّىّ، وأخذ عن ابن برّىّ جماعة من علماء أهل مصر، وجماعة من القادمين عليه من المغرب وغيرها؛ وتصدّر فى موضعه بجامع عمرو بن العاص تلميذه الشيخ أبو الحسين النحوىّ المصرىّ المنبوز بخرء الفيل. ومات فى حدود سنة عشرين وستمائة.
ومن الرواة من يقول: إنّ أبا الأسود هو أوّل من استنبط النحو، وأخرجه من العدم إلى الوجود، وإنه رأى بخطه ما استخرجه، ولم يعزه إلى أحد قبله.
فممّن قال ذلك محمد بن إسحاق أبى يعقوب أبو الفرج المعروف بابن النديم «4» ، وكان كثير البحث والتفتيش عن الأمور القديمة، كثير الرغبة فى الكتب وجمعها وذكر أخبارها وأخبار مصنّفيها، ومعرفة خطوط المتقدمين، قال «5» :
«كان بمدينة الحديثة «6» رجل يقال له محمد بن الحسين، ويعرف بابن أبى بعرة، جمّاعة للكتب، له خزانة لم أر لأحد مثلها كثرة، تحتوى على قطعة من الكتب العربية

 

 

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج‏1، ص: 20
و من العلوم علم النحو و العربية و قد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه و أنشأه و أملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه و أصوله من جملتها
الكلام كله ثلاثة أشياء اسم و فعل و حرف.
و من جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة و نكرة و تقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع و النصب و الجر و الجزم «1» و هذا يكاد يلحق بالمعجزات لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر و لا تنهض بهذا الاستنباط.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (4/ 84)
جدي، عن أبي الأسود، قال:
دخلت على علي، فرأيته مطرقا، فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟
قال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية.
فقلت: إن فعلت هذا، أحييتنا.
فأتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة، فيها:
الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمى، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف: ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل.
ثم قال لي: زده وتتبعه.
فجمعت أشياء، ثم عرضتها عليه.
عمر بن شبة: حدثنا حيان بن بشر، حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم، قال:
جاء أبو الأسود إلى زياد، فقال: أرى العرب قد خالطت العجم، فتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم؟
قال: لا.
قال: فجاء رجل إلى زياد، فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون.
فقال: ادع لي أبا الأسود.
فدعي، فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه.
قال الجاحظ (1) : أبو الأسود مقدم في طبقات الناس، كان معدودا في الفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصلع الأشراف.
ومن (تاريخ دمشق (2)) : أبو الأسود ظالم بن عمرو بن ظالم.
وقيل: جده سفيان.
ويقال: هو عثمان بن عمرو.
ويقال: عمرو بن ظالم، وأنه ولي قضاء البصرة زمن علي.
__________
(1) في البيان والتبيين 1 / 324 بلفظ مختلف وانظر الاغاني 12 / 99 ومعجم الأدباء 12 / 34 وتاريخ الإسلام 3 / 96 وبغية الوعاة 2 / 22 وخزانة الأدب 1 / 136.
(2) لابن عساكر 8 / 303 ب وما بعدها.

 






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Tuesday - 13/5/2025 - 3:17

فوائد الاصول، ج‏1، ص: 50
المفروض انه لا يصح، فلا بد من ان يكون هناك مائز بينهما على وجه يختلف هوية كل منهما عن هوية الأخر، بحيث لا يصح استعمال كل منهما في مقام الأخر و لو على نحو المجازية، لعدم ثبوت علاقة بين المعنيين مصححة للاستعمال.
فتحصل من جميع ما ذكرنا انه لا جامع بين المعنى الحرفي و المعنى الاسمي، و ان الحروف وضعت لإيجاد معنى في الغير بالقيود الأربعة المتقدمة، و الأسماء وضعت بإزاء المفاهيم المقررة في وعاء العقل، فتأمل في المقام فانه مما زلت فيه الأقدام.
و بما ذكرنا ظهر: الخلل في ما عرف به الحرف، من انه ما دل على معنى في الغير وجه الخلل: هو ان الدلالة تستدعى ثبوت المدلول و تقرره، و المفروض انه ليس للمعنى الحرفي تقرر و ثبوت. و نحن لم نجد في تعاريف القوم ما يكون مبينا لحقيقة المعنى الحرفي، على وجه يكون جامعا لأركانه الأربعة، إلا ما روى [1] عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: الاسم ما أنبأ عن المسمى، و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، و الحرف ما أوجد معنى في غيره، على بعض النسخ، و في بعض آخر: و الحرف ما أنبأ عن معنى ليس بفعل و لا اسم، و الظاهر ان يكون الأول هو الصحيح، لأنه هو المناسب لأن يكون عن إفاداته عليه السلام التي يفتتح منها الف باب، و
__________________________________________________
 [1] نقلت هذه الرواية من مآخذ متعددة بعبارات مختلفة:
منها: فالاسم ما أنبأ عن المسمى و الفعل ما أنبأ به و الحرف ما جاء لمعنى.
و منها: فالاسم ما دل على المسمى و الفعل ما دل على حركة المسمى و الحرف ما أنبأ عن معنى و ليس باسم و لا فعل.
و منها: الاسم ما أنبأ عن المسمى و الفعل ما أنبأ حركة المسمى و الحرف ما أوجد معنى في غيره.
راجع لتحقيق مأخذ هذه الرواية «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» تصنيف العالم الجليل السيد حسن الصدر. ص 46 إلى 61 و صنف العالم الجليل السيد علي البهبهاني (ره) كتابا مستقلا في تحقيق معنى الرواية و سماه (بالاشتقاق) و ذكر فيه: «الرواية مشتهرة بين أهل العربية اشتهار الشمس في رابعة النهار».
                        

فوائد الاصول، ج‏1، ص: 51
قد جمع عليه السلام في هذا الحديث تمام علم النحو، و من هنا اعترف المخالف بأنه عليه السلام هو المبتكر لعلم النحو، و لا بأس بشرح الحديث المبارك على وجه الاختصار.
فنقول:
اما قوله عليه السلام الاسم ما أنبأ عن المسمى، فهو عين ما ذكرناه: من ان المعاني الاسمية إخطارية، و الأسماء وضعت لإخطار تلك المعاني في الذهن، فان الإنباء بمعنى الإظهار و الإخطار.
و اما قوله عليه السلام: و الحرف ما أوجد معنى في غيره فكذلك أي انه منطبق على ما ذكرناه: من ان معاني الحروف إيجادية بقيودها الأربعة، إذ لازم كونه ما أوجد معنى في غيره، هو ان يكون المعنى إيجاديا، و ان يكون ذلك المعنى قائما في غيره، و ان لا يكون له موطن غير الاستعمال، و ان يكون مغفولا عنه، على ما عرفت: من ان القيدين الأخيرين من لوازم كون المعنى في الغير.

 

 

وقاية الأذهان، ص: 70
و حاصله على اختلاف تقادير الذاهبين إليه: أن الحروف لا معاني لها أصلا، بل هي كالعلم المنصوب بجنب الأسماء «1» لتعين مواقعها من الكلام، و تربط بعضها ببعض، و ما هي إلا كرفع الفاعل و نصب المفعول، فكما أن رفع (زيد) و نصب (عمرو) في قولك: ضرب زيد عمرا. لا يزيدان في الجملة معنى أصلا، و لا وظيفة لهما إلا تعيين أن موقع (زيد) فيها موقع الفاعل، و (عمرو) موقع المفعول.
كذلك موقع (الباء) و (في) في قولك: ضربت فلانا بالسوط في الدار. فإنه لا
__________________________________________________
 [1] صدر بيت، لم يسم قائله، و تمام البيت هكذا:
         الأم على لو و إن كنت عالما             بأذناب لو لم تفتني أوائله.


 [2] صدر بيت، و تمامه هكذا:
         ليت و هل ينفع شيئا ليت             ليت شبابا بوع فاشتريت‏


من أبيات رؤبة بن الحجاج بن رؤبة التميمي.
__________________________________________________
 (1) شرح الكافية 1: 10.
                        

وقاية الأذهان، ص: 71
حاجة إليهما إلا لربط الاسمين أعني السوط و الدار بالضرب، و بيان أن موقع الأول كونه آلة للضرب، و الثاني محلا له من غير أن يزيدا معنى فيها أو يشيدا مبنى لها، فليست الحروف إلا روابط للأسماء الواقعة في الكلام، تعين مواقعها، و تضعها في مواضعها.
و هذا المسلك في معاني الحروف- على قربه للوجدان- قريب إلى الخبر المأثور المشهور عن واضع علم النحو عليه السلام [1] «1»، و تعريف أئمة الإعراب للحرف، إذ لو كانت للحروف معان قد وضعت لها شاركت الأسماء في الإنباء عن مسمياتها، و لم يكن قوله عليه السلام في حد الاسم، إنه: «ما أنبأ عن المسمى» حدا مانعا، لأن الاختلاف في أنواع المنبأ لا يستلزم عدم صدق النبأ.
و كذلك قوله عليه السلام: «و الحرف ما أوجد معنى في غيره» و قول النحاة:
 «إن الحرف ما دل على معنى في غيره» إذ ظاهرهما أن الحرف يوجد معنى في الغير بوصف كونه معنى، أو يدل عليه كذلك.
هذا إجمال القول في تقريب هذا القول إلى الأفهام، و عليك بكتب أصحابه إن شئت تفصيل الكلام.






****************
ارسال شده توسط:
حسن خ
Saturday - 17/5/2025 - 14:38

کشف المشکل في النحو، جلد: ۱، صفحه: 50-51

(5) كنت أود أن أضيف فصلا أتناول فيه جميع ما ذكره أجلة العلماء قدماء و محدثون حول وضع النحو و واضعه و لكن اقتصر هنا على ذكر أسماء المصادر و المراجع التي ذكرت ذلك، و قد أوردت القاعدة النحوية التي نسبها الحيدرة للامام علي (ع). انظر الايضاح/ 42-43، و معجم الادباء 49/14، انباه الرواة على انباه النحاة للقفطي: 4/1-5 و ذكر قول الزجاجي «رأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي الوراقين جزءا فيه أبواب من النحو يجمعون على انها مقدمة علي بن أبي طالب التي أخذها عنه أبو الأسود الدؤلى» ثم ذكر نص القول و قال «فأخذ أبو الاسود النحو عن علي - عليه السّلام - و لم يظهره لاحد». و قد ذكر ذلك السيوطي أيضا في الاشباه و النظائر: 7/1 و المطالع السعيدة في شرح الفريدة للسيوطي مخطوطة الظاهرية 250 نحو ص 9. و انظر الاغاني لابي الفرج: 30/12-340 و اورد قول الاخفش بان أبا الاسود أخذ النحو عن علي 303/12 و الاقتراح

- للسيوطي/ 100، و أخبار النحويين البصريين/ 15-16 و مراتب النحويين/ 56، و مدرسة البصرة النحوية للدكتور عبد الرحمن السيد/ 41-60 و اللغة و النحو بين القديم و الحديث للاستاذ عباس حسن/ 18-19 و من تاريخ النحو للدكتور سعيد الافغاني/ 26-32 و النحو العربي، العلة النحوية: نشأتها و تطورها للدكتور مازن المبارك/ 7-46 و دراسات في النحو للدكتور طه عبد الحميد طه/ 5 و المدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف/ 14-16. و نشأة النحو و تاريخ اشهر النحاة للشيخ محمد طنطاوي/ 12-13 و قد ألف العلامة المحقق علي البهبهاني كتابا بعنوان «الاشتقاق أو كشف الاستار عن وجه الاسرار المودعة في الرواية الشريفة المسندة الى باب مدينة العلم المنقولة عن أبي الاسود الدؤلي/ 2-3 و قد ذكر قول أبي الاسود: «دخلت على علي بن أبي طالب (ع) فرأيته مطرقا متفكرا فقلت يا أمير المؤمنين. قال: اني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت ان أصنع كتابا في أصول العربية، فقلت: «ان صنعت هذا احييتنا، و بقيت فينا هذه اللغة ثم اتيته بعد ثلاث، فألقى الي صحيفة فيها «بسم اللّه الرحمن الرحيم» الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم و فعل و حرف جاء لمعنى. و الاسم ما انبأ عن المسمى و الفعل ما انبأ عن حركة المسمى و الحرف ما اوجد معنى في غيره. و في بعض النسخ «و الحرف ما انبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل» ثم قال: «تتبعه وزد فيه ما وقع لك و اعلم يا أبا الاسود ان الاشياء ثلاثة: ظاهر و مضمر و شيء ليس بظاهر، و لا مضمر، و انما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر و لا مضمر» نص العبارة في انباه الرواة: 4/1-5 و الاشباه: 7/1-8 و المطالع السعيدة في شرح الفريدة للسيوطي/ 9. (6) المخطوطة/ 10 و العبارة قد ذكرها صاحب الطراز يحيى بن حمزة اليمني/ 28-29 و ذكرها الدكتور عثمان أمين في محاضرته بعنوان «فلسفة اللغة العربية» / 17.
 

 

الجارّة عند جمهور النحاة وعند العلامة

العلامة البهبهاني، سيدعلي بن محمد الموسوي (1303ــ1395هـ)، من کبار العلماء المعاصرين الإماميّين في الفقه والأصول والبلاغة. وفي کثير من آرائه قد تأثر بالعلامة الشيخ هادي الطهراني بشکل غير مباشر وبواسطة تلاميذه مثل آية الله سيدمحسن الکوه‌کمرئي. إن للعلامة آراء بديعة وآثاراً قيّمة وثمينة في العلوم المذکورة قد نفت الآراء السائدة للمحافل العلمية. والالتفات إلى آرائه ينتهي إلى التغييرات الأساسية في هذه العلوم.
هذه المقالة قد سعت أن تبحث عن منظاره في الحروف الجارة، ووجهة نظر الجمهور من النحاة إليها.
يعتقد العلامة بأن الوضع في الحروف آليّ، وفي الاسم والفعل کالمرآة، وليس بإزاء الحروف معانٍ فيهما حتى تدل الحروف عليها، بل الحروف أوجدت فيهما خصوصيات الاستعمال وأنحائه؛ کما نشاهد هذا المعنى في الهيئات الاشتقاقية والترکيبية. وللحروف وما نزلت منزلة الحروف من الهيئات المذکورة دور هامّ في الجمل والکلام؛ بحيث ليس الکلام دونها بکلام. وهذا خلاف رأي الجمهور من النحويين الذين يعتقدون بأن الوضع في الاسم والفعل والحرف على نسق واحد؛ أي کالمرآة، ولکنّ المعنى في الاسم والفعل على نحو الاستقلال، وفي الحرف غير مستقل، وليس للحرف شرف عليهما.
ويعتقد بأن الالتزام بتقدير فعل أو بمعناه لحروف الجر التزام بلا دليل، وأيضاً يعتقد بأن الحروف الجارة إذا تعلقت بفعل، تعلقت بالمعنى الحرفيّ المستفاد من هيئة الفعل، ولا تتعلق بالمعنى الاسميّ المستفاد من مادة الفعل. ويعتقد أن الحرف لم يجئ بمعنى حرف آخر.
 

تقابُل النظرات سبب تنویر الموضوعات والمضامین وخلق الأفکار الحدیثة، وتشجیع أهل العلم على ملازمة المـُرونة الفکریة والمعرفة بصاحبها. وأقل فائدته تنویر هذه النظرات وإصلاحها؛ لأنّ الأشیاء تُعرف بأضدادها، وحیث یکون هؤلاء الأشخاص من العلماء العاملین الذین یُمدحون فی القرآن والسنة، یجب علینا أن نجعلهم فی حیاتهم وسلوکهم العلمی والعملی أُسوة لنا؛ ومن هؤلاء العلماء العلامة البهبهانی t.

بحثنا فی هذه الوجیزة عن الاختلاف بین الجمهور من النحاة وبین العلامة البهبهانی فی حروف الجر. قبل البدء فی البحث، لابد لنا من النظر فی موضوعین: أحدهما فی ترجمة العلامة بنظرة خاطفة، وثانیهمافی معانی الحروف بصورة کلیة ودورها فی الجمل والعبارات.

أما الأول: فالعلامة سیدعلی بن محمد بن علی الموسوی البهبهانی یصل نسبه إلى الإمام موسى الکاظم A. ولد فی سنة 1303 أو 1304 من الهجرة بالبهبهان، وتوفی فی سنة 1395 من الهجرة بالأهواز. ومن أساتذته المولى محمدکاظم بن المولى محمدحسین الطوسی الخراسانی الملقب بـ«الآخوند الخراسانی» صاحب الکفایة فی الأصول، وسیدمحسن الحسینی الکوه‌کمرئی، وهو من أعاظم تلامذة الشیخ هادی الطهرانی، وسیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم الحسنی الطباطبائی الیزدی صاحب العروة‌الوثقى (دوانی 1376هـ. ش؛ المهدوی 1395هـ).کان العلامة من أجلّة الفقهاء والأصولیین والمتکلمین والأدباء المعاصرین، وله مؤلفات ثمینة؛ منها:

1ــ الاشتقاق، المسمّى بـ "کشف الأستار عن وجه الأسرار المودعة فی الروایة الشریفة المسندة إلى باب مدینة العلم المنقولة عن أبی الأسود الدئلى

2ــ أساس النحو فی علم النحو؛

3ــ مقالات حول مباحث الألفاظ فی أصول الفقه؛

4ــ الفوائد العلّیّة للقواعد الکلّیّة؛

5ــ مصباح الهدایة فی إثبات الولایة (دوانی 1376 هـ. ش؛ المهدوی 1395هـ).

أما الثانی:فنقول: إن حدّ الحروف ومعانیها ودورها عند الجمهور على ما یلی:

ــ  «الحرف ما دلّ على معنى فی غیره» (الجرجانی، د. ت، ص 38؛ الغلایینی، د. ت، ص 9؛ الرضی، د. ت، ص 319).

ــ «الحرف کلمة تدلّ على معنى غیر مستقل بالمفهومیة» (المدنی، 1431هـ، ص 75).

ــ «الکلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى لیس باسم ولا فعل» (سیبویه، 1404هـ، ص 9).

ــ «ومراده ــ أی: مراد المصنف وهو ابن هشام ــ بالحروف ما کان معناها فی غیرها» (الدسوقی، د. ت، ص 8).

ــ «لأنها ــ أی: الکلمة ــ إمّا أن تدل على معنى فی نفسها أو لا، الثانی الحرف؛ نقله الرضی عن ابن الحاجب» (الرضی، د. ت، ص 7).

ــ «کلمة لا تدل على معنى فی نفسها، بل تحتاج إلى انضمام کلمة أخرى إلیها» (ملا جامی، 1362هـ. ش، ص 9).

ــ «کلمة لا تدل على معنى فی نفسها، وإنما تدل على معنى فی غیرها ـ بعد وضعها فی جملة ــ دلالة خالیة من الزمن» (حسن ، 1422هـ، ص 63).

ــ «إنما سمّی هذا القسم حرفاً؛ لأن الحرف فی اللغة الطرف، وهو فی طرف؛ أی: فی جانب مقابل للاسم والفعل، حیث یقعان عمدة فی الکلام، وهو لایقع عمدة فیه کما ستعرف» (ملا جامی، 1362هـ. ش، ص 8).

ــ «عطف الناظم (ابن مالک) الحرف بثمّ (کلامنا لفظ مفید کاستقم، واسم وفعل ثمّ حرف الکلم) إشعاراً بتراخی رتبته عما قبله؛ لکونها فضلة دونهما» (السیوطی، د. ت، ص 6).

نستنتج من ملاحظة هذه الآراء:

1ــ أنّ الجمهور یعتقدون بأن للحرف معنى؛ أی بإزائه معنى، لکن لا فی نفسه، بل فی غیره؛ أی: فی الاسم والفعل. بعبارة أخرى، إن وضع الحرف ــ کأخویه ــ وضعٌ کالمرآة  أو المرآتیّ (وفقاً لما جرى على ألسن الأصولیین)، وینعکس فیه المعنى کما ینعکس فی الاسم والفعل. فالکلمات بأقسامها الثلاثة تعکس المعنى والمفهوم وینبئ عنهما، وهی فی هذا المجال سواء، لکن المعنى فی الحرف غیر مستقل، ولا یصلح لأن یُحکم علیه وبه؛ فهو من جنس النِّسب والروابط التی لا تستقل بنفسها. هذا، والأمر یختلف فی أخویه؛ حیث المعنى فی الاسم والحرف مستقل؛ ولهذا یصلح أن یحکم علیهما وبهما.

ببیان آخر، فإن الحرف عاکس معنى غیر مستقل، وکاشف ومنبئ عنه، ولیس وضعه بآلیّ؛ بحیث یوجِد المعنى، ویُحدِث خصوصیات الاستعمال وکیفیاته فی الاسم والفعل. وعلى رأیهم تشبه الحروف إشاراتِ المرور التی ینعکس فیها المعانی للخبیر علیها، ولیست کالأدوات التی توجِد معنًى؛ نحو أدوات النجار مثل المنشار الذی یوجِد الأشکال للخشب.

2ــ أنّ دور الحروف فی الجمل والکلام أقلّ من الاسم والفعل؛ فإن الحرف یصح أن یکون جزءاً من الکلام، ولکن لم یصح أن یکون رکناً. وفی الحقیقة یحتاج الحرف إلى الاسم والفعل فی دلالته على معناه، بخلاف الأخیرین؛ فإنهما مستقلان بأنفسهما.

3ــ أنّ المعنى الحاصل من الحرف حاصل فى المسمّى والمعنوَن، لا فی الاسم والعنوان.

إیضاح: تستعمل الأسماء لبیان المعانی المستقلة، والحروف لبیان المعانی غیر المستقلة؛ أی: تستعمل الحروف لبیان المعانی المتوفرة فی الأسماء والکشف عنها. وهذا المفهوم مستفاد من کلمات النحاة، کما نراه عند تعریفهم لحد الحرف؛ حیث یقولون : «الحرف ما دلّ على معنًى فی غیره»، ولا یقولون ما دل على معنى فی لفظ غیره. ومن جهة أخرى، فإن کلمة «دلّ» فی اللغة والاصطلاح تصل فی النهایة إلى العلم والکشف، وهما من المعانی لا من خصوصیة فی اللفظ. ولهم عبارات أخرى تدل على ما ذکرتُه؛ مثل ما جاء فی الحدائق (المدنی، 1431هـ، ص 75).

4ــ لابدّ لحروف الجر من متعلَّق من الفعل أو بمعناه. فیُفهم من کلمات أکثرهم أن الحروف الجارة توصل الفعل أو معناه إلى ما یلیها من الاسم، وإنما هذا الإیصال إیصال الحدث المستفاد من المادة التی تکون معنى اسمیاً؛ مثل إیصال الدخول إلى الدار فی العبارة «دخلت فی الدار».

 

حدّ الحروف ومعانیها ودورها عند العلامة البهبهانی

یقول العلامة البهبهانی (ب 1381هـ. ش): «الحرف ما أوجد معنًى فی غیره» (ص 3). وهو أخذ هذا التعریف من الروایة المشهورة المنقولة عن المولى علی j بعینه؛ فتقول الروایة: «الاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حرکة المسمّى، والحرف ما أوجد معنى فی غیره». وهو یعتقد بأنّ ما ذکره علی  p أقرب الحدود إلى حقائق المحدودات ــ أی: الاسم والفعل والحرف ــ ،وأوفاها وأتمّها، وسائر ما ذکره أهل الصناعة بین قاصر وفاسد حتى فی الحدود التی قَرُب من هذا الحد وفیه أقلّ التصرف؛ مثل ما نقله شارح الصمدیة ــ سیدعلیخان المدنی ــ فی شرحه عن بعضهم مقتبساً من الحدیث الشریف، فی وجه حصر الکلمة فی الثلاثة من أنها ــ أی الکلمة ــ تابعة للمعانی، وهی، أی المعانی، ثلاثة: ذات، وحدث عن ذات، وواسطة بینهما. فکذا الکلمات (المدنی، 1431هـ، ص58)؛ فإنّه وإن کان أتمّ من سائر الحدود، إلا أنه بسبب تغییر «المسمى» إلى «الذات»، و«حرکة المسمى» إلى «حدث عن ذات»، و«معنى فی غیره» إلى «واسطة بینهما» صار قاصراً لأدلة؛ منها: الاسم فی هذه الصورة لا یدل على أسماء المعانی وعلى العدم والعرَض؛ لأنها لیست بذات وعین، وفی خصوص الحرف، تکون الواسطة مدلول المعنى الحرفی ــ وهو واسطة بین الذات والحدث ــ ، ولکن المعنى الحرفی إنّما هو المعنى الحادث بالحرف فی لفظ آخر من أشکال استعمال اللفظ وأنحائه وکیفیة ترکیب اللفظ؛ مثلاً، لفظ محمد یستعمل بشکل الفاعل أو المفعول أو...  بین الألفاظ والکلمات، ومدلول هذه المعانی أن محمداً فی الواقع والخارج فاعل أو مفعول أو... فهو الواسطة بین اللفظین لا المفهومین، وما نقله شارح الصمدیة، مدلول المعنى الحرفی، وهو من المفاهیم لا الألفاظ (البهبهانی، ب 1381هـ. ش، ص 19 و 20).

عند ما نطالع کتابیه الاشتقاق وأساس النحو، تبدو لنا هذه النقاط:

1ــ لیس بإزاء الحروف معنى، بل الحروف آلة وأداة لإیجاد المعنى فی الاسم والفعل؛ أی: لیس للحروف کشف؛ أی: کشفٌ عن شیء ودلالة علیه، بل آلة لإیجاد خصوصیة من خصوصیات الاستعمال؛ ولذا سمّی آلة وأداة مثل المنشار لحدوث النشر. وتصوُّر بعض بأنّ تسمیته بالآلة باعتبار أنّه آلة إحضار المعنى وإخطاره بالبال ولا باعتبار نفس المعنى، خطأ؛ لانّ هذا المعنى موجود فی الاسم والفعل أیضاً (السابق)؛ فالجمیع آلة وأداة .

2ــ المقصود من المعنى خصوصیات الاستعمال وکیفیاته بعد استعمالهما ــ الاسم والفعل ــ فی المعانی الموضوعة لهما. فإسناد کلمة الدار إلى زید مثلاً على وجه الظرفیة صفة حادثة فی الکلمتین قائمة بهما (زید ــ الدار)، ولابدّ لها ــ الصفة ــ من آلة توجدها وأداة تحدثها، وهی کلمة «فی». فتقول عند ذلک: «زید فی الدار». فلا یصّح أن تقول: «زید الظرفیة الدار»؛ لأنّ الأسماء لا توجد معنى فی الألفاظ، وإنما تنبئ عن المسمیات والمفاهیم المستقلة؛ فلا یعقل أن تُعیّن الأسماء وجه الاستعمال وتتمّ أنحاءه، بل هو دور الحرف وما بمنزلة الحرف؛ أی: الهیئات الترکیبیة والاشتقاقیة (البهبهانی، آ1385هـ، ص 45).

3ــ یرجع عدم الاستقلال فی الحرف بأنّ الحرف وجه من وجوه استعمال لفظ آخر؛ فهو غیر مستقل، وأن الاسم مستعمل فی المعنى الاسمی بنفسه، ولیس وجه من وجوه استعمال لفظ آخر؛ فهو مستقل.(المصدر نفسه، ص 48 ــ50)

4ــ هذه الخصوصیات المذکورة للحروف توجد بواسطتها فی لفظ غیره، لا فی معنى غیره  بمعنى المسمیات والمفاهیم.

إیضاح: إن کلمة «معنى» اسم مکان من العنایة؛ أو مخفف «معنیّ» ــ اسم مفعول ــ ,أو المصدر بمعنى اسم مفعول. وعلى أیّ حال، ینطبق على النِّسب والروابط التی لا تستقل بنفسها؛ لأنّ القصد والعنایة لا یتعلق إلاّ بالنسب، حتى إذا یأتی اللفظ بصورة مفردة ودون الترکیب؛ مثلاً عندما یلفظ شخص بلفظ زید فقط، لا نقدر أن نقول له مقصود دلالی من هذا الکلام، إلا أن نقدّر نسبة؛ مثل النسبة الندائیة، والنسب والروابط على ثلاثة أقسام: لفظیة وذهنیة وخارجیة. وما یوجد باللفظ إنما هی النسبة اللفظیة التی وجه من وجوه استعمال اللفظ وتابعة له (للاستعمال) فی الوجود؛ لأنّ النِسَب فی الخارج والذهن ثابتة فیهما مع قطع النظر عن اللفظ؛ فالموجَد باللفظ هی المعانی المعتَورة على الألفاظ من الفاعلیة والمفعولیة والإلصاق والظرفیة و....لا على المفاهیم ـ مثلاً إیجاد الظرفیة فی لفظ الدار حتى یحکى عن الظرفیة الخارجیة ــ وکما أنّ اللفظ قنطرة للإنباء عن مفهومه وإحضاره فی الذهن، فکذا النسبة اللفظیة التی هی صفة من صفات اللفظ قنطرة للإنباء عن النسبة الذهنیة. والذهنیة قد تُنظر أصالة کما فی الإفتاء والشهادة، وقد تنظر قنطرة للإنباء عن النسبة الخارجیة ــ کما هو الغالب ــ . بعبارة أخرى: إن الحرف فی الحقیقة واسطة بین اللفظین لا المفهومین، ودور الحرف إیجاد المعنى؛ أی: الإسناد لا الإنباء، خلافاً للاسم والفعل، وإیجاد المعنى فی القضیة اللفظیة یعنی القضیة اللفظیة لا بدّ لها من آلة وأداة توجِد النسبة اللفظیة. وحیث إنّ النسبة اللفظیة کالذهنیة والخارجیة على أشکال مختلفة، فلا بدّ لها من آلات متعددة تتکفّل کلّ منها لکلّ من أنحاء النسبة وأنواعها؛ ولولا الحروف أو ما تلحق بها، لم یصلح أمر القضیة اللفظیة.

 

وکانت الألفاظ کالأسماء المعدودة العاریة عن الدلالة والإفادة (کما نشاهد فی عبارة: فلس فرس کتف عضد حبر...)؛ لأن استعمالها فی هذه الحالة لا یفید العلم، بل یوجب إخطار المفاهیم فی الذهن فقط؛ والاستفادة منها تتوقف على تعیین الاستعمال؛ مثلاً بنحو الفاعلیة أو الظرفیة و... وهذه الأنحاء توجِد الحروف وما یلحق بها. فلو لم تکن الحروف وما یلحق بها، لم توجد الکلام والجمل؛ والکلام حینئذٍ ناقص، وفی الحقیقة لیست للاسم والفعل إفادة فی هذه الحالة. وکما تعرفون، فإنّ الأصل فی الکلام الإفادة، وإنما الإفادة تحصل بالمعنى الحرفی الذی توجِده الحروف وما یلحق بها؛ لأنها محل العنایة والقصد. وهذا سر اختصاص إیجاد المعنى بواسطة الحروف فی کلام مولانا علیA (البهبهانی، آ 1385هـ، ص 23ــ25؛ ب 1381هـ، 17ــ20).

استخرج العلامة من الحد المذکور فی الروایة الشریفة نقاطاً أخرى؛ منها: 

1ــ الوضع والاستعمال المصطلحین عند الجمهور لا یتطرّق فی الحروف؛ لأنّ الوضع ــ وهو تخصیص شیء بشیء بحیث متى أُطلق أو أُحِسّ الشیء الأول فُهم منه الشیء الثانی ــ یختص بالوضع المرآتی، وأما الاستعمال ــ أی ذکر اللفظ وإرادة المعنى منه ــ فهو فرع الوضع المرآتی (البهبهانی، ب 1381هـ. ش، ص 156 و 157).

2ــ عدم التطرق وتوارد الحقیقة والمجاز فی الحروف؛ لأنهما فرع الاستعمال، والاستعمال متفرع على الوضع المرآتی. وهذا هو القول المشهور بینهم: «لا مجاز فی الحروف إلّا بتبع مدخولها» (البهبهانی، ب 1381هـ. ش، ص 156 و 158).

أما فیما یخص حروف الجر، فالالتزام بتقدیر فعل أو ما فی معناه لحروف الجر التزام بلا دلیل؛ لأن حرف الجر کما توصل الفعل أو ما بمعناه إلى ما یلیه، توصل الاسم الجامد إلى ما یلیه أیضاً؛ کقولک: «زید فی الدار»، و«المال لزید»، و«به داء»، و«زید على السطح» وغیرها، والقولُ بأنّ المعنى لا یتمّ بدون المتعلق ــ لأنّ الظرف ظرف لأمر من أمور زید من قیامه أو سکونه أو حصوله أو غیر ذلک، فلا بدّ من تقدیره لیتمّ البیان ــ خاطئ؛ لأنّ الحلول فی الظرف لا یختص بالعرَض، بل یجوز للجوهر أیضاً، وفی بعض الأحوال یختص بالعین؛ کقولک: «المال لزید». فهنا لا یجوز أن یتعلق إلاّ بنفس المال. وإن أرید بالمقدر العامُّ؛ أی: الکون التامّ، فهو خُلفٌ للفرض؛ لأنه فعل خاص، وحینئذٍ فی نحو: «زید فی الدار» یلزم من الإخبار عن تقیید وجوده الأصیل بالدار أن لا یکون موجوداً فی غیرها. وبعبارة أخرى: وجوده محقَّق وموجود فی الدار، ومعدوم فی غیرها، ولکن من المعلوم  أن تحقّق وجوده لیس مقیداً بالدار.

وإن أرید به الکونُ الناقص، فحینئذٍ معناه الربط، وهو عین الربط الحرفیّ الثابت بالحرف الجارّ، ولا یکون أمراً زائداً علیه حتى یصلح لتعلق الحرف به. وهذا معنى ما قیل: إن الفعل الناقص لا یدل على الحدث.

وفی المواطن التی متعلَّق الحروف هو الفعل، یکون الإیصال فی الحقیقة إیصال حدوث الحدث إلى ما یلیها. على سبیل المثال، فی العبارة: «دخلت فی الدار» حدوث الدخول. وبعبارة أخرى، الإسناد الموجود فی کلمة «دخلت» ــ أی: إسناد الدخول بذات ما ــ یوصل إلى الدار باستعانة «فی»، لا الدخول فقط (البهبهانی، آ 1385هـ، ص 130ــ135؛ ب 1381هـ. ش، ص 148 و149).

إیضاح: یعتقد العلامة أن الفعل یشتمل على الحدث، وهو مفهوم ومعنى اسمی تدل علیه مادة الفعل. وأیضاً یشتمل على الإسناد الحدوثی، وهو مفهوم ومعنى حرفی تدل علیه هیئة الفعل؛ مثلاً «دخلت» یشتمل على الحدث وهو الدخول، وعلى الإسناد الحدوثی وهو حدوث الدخول بذاتٍ ما. ففی المواطن التی تتعلق الحروف بالفعل وتوصِله إلى ما یلیها، یکون هذا الإیصال إیصالَ حدوث الحدث والإسناد الحدوثی إلى ما یلیها. وفی هذا المثال یوصَل حدوث الدخول باستعانة «فی» إلى الدار، ولیس المقصود إیصال الدخول إلى الدار، کما یعتقد الجمهور. وببیان آخر، یعتقد العلامة أن الحروف الجارّة إذا تعلقت بفعلٍ، تعلقت بالمعنى الحرفی المستفاد من هیئة الفعل، لا بالمعنى الاسمی المستفاد من مادة الفعل.

 

الحروف الجارّة

قال ابن الحاجب:

حروف الجر ما وضع للإفضاء بفعل أو معناه إلى ما یلیه. ومعنى الإفضاء: الوصول، ولـمّا عُدّى بالباء، صار معناه الإیصال. والمراد بإیصال الفعل إلى الاسم تعدیته إلیه حتى یکون المجرور مفعولاً به لذلک الفعل؛ فیکون منصوب المحل. والمراد من معنى الفعل کل شیء استُنبط منه معنى الفعل؛ کاسمی الفاعل والمفعول وغیر ذلک.

(الرضی، د. ت، ص 319؛ ملاجامی 1362هـ. ش، ص 386).

 وجاء فی شرح الجامی:

قال بعضهم سمّیت هذه الحروف حروفَ الإضافة أیضاً؛ لأنها تضیف الفعل أو معناه إلى ما یلیها، وحروف الجر؛ لأنها تجرّ معانی الأفعال إلى ما یلیها، أو لأنّ أثر الحرف فیما یلیه الجرُّ.  والعلامة یستفید من هذه الکلمات ویقول: فإن کلامهما ــ ابن الحاجب والرضی ــ صریح فی أنها (الحروف) موضوعة لإیجاد الربط وإحداثه على حسب وضع الآلات للآثار المقصودة منها.

(البهبهانی، ب 1381هـ. ش، ص140 و141).

عدّ أهل الصناعة معانی کثیرة لحروف الجرّ. فابن هشام عدّ فی مغنی اللبیب فی الباب  الأول لـ«الباء» أربعة عشر معنى، منها: الإلصاق، والتعدیة، والاستعانة، والسببیة، والمصاحبة؛ ولِـ «فی» عشرة معان؛ منها: الاستعلاء، والمصاحبة، والتعلیل، وما یعادل الباء؛ ولـ«على» تسعة معان، ولـ«لام» اثنین وعشرین معنى وهکذا، على اختلافٍ فی بعض؛ مثلاً یعدّ بعضهم لـ«لام» ثلاثین معنى، وهکذا فی بعض الحروف.

والعلامة ینقسم الحروف الجارة الى القسمین:

1ــ ما توجِد مطلق الربط، وهی حرف الباء؛ فإنها لمجرد الربط؛

2ــ ما توجِد ربطاً خاصاً؛ کالظرفیة والاستعلاء وغیرهما. وهذا التقسیم یستفاد من خصوصیات المواطن ــ مواطن الاستعمال ــ. أما الباء: یتّسع فیها ما لا یتسع فی غیرها من الحروف؛ لأنها لمجرد الربط دون خصوصیة فی الربط. فیصح الإتیان بها مع تحقق ربطٍ ما، من دون أن یکون مقصوراً على ربط خاص. فالباء توجِد مطلق الربط، وهذا المعنى یقبل أنواع الربط وموافق معها؛ ولذا تقوم مقام سائر الحروف، حیث أرید مطلق الارتباط. أما الإلصاق، فهو لیس أحد معانیه، بل هو معنى ملازم له؛ لأن الغرض منه الإیصال والربط بأیّ نحو کان، لا الإلصاق الحسّیّ فقط. واستشهد العلامة لتأیید رأیه بقول سیبویه ویقول: «ولذا اقتصر علیه سیبویه ولم یذکر للباء معنى سواه، بل صرّح بحصره فیه حیث قال: "هی للإلصاق والاختلاط"» (البهبهانی، ب1381هـ. ش، ص141).

یعتقد العلامة:

1ــ خصوصیات الموارد لا تنحصر فیما ذکروه، فحصرها فی أربعة عشر للباء لا وجه له، فضلاً عن جعلها معانی للباء؛

2ــ الموارد التی توهموا أنها معان للباء، إنما هی أنحاء الإلصاق المستفاد من الموارد؛

3ــ الخصوصیات المذکورة لا تکون متقابلة، بحیث تمتنع اجتماعها فی محل واحد. فاختلافهم فی مثل باء البسملة لا وجه له؛ لأنه لا مانع من استفادتهم معاً من المورد.

إیضاح: الباء للربط والإلصاق فقط، وهکذا الأمر فی باء بسملة. فاختلافهم فی باء بسملة ــ أ هی للاستعانة أم المصاحبة ــ غیر صحیح؛ لأنهما من خصوصیات مواطن الاستعمال، ولا تفید نفس الباء الاستعانة والمصاحبة، بل تفید مطلق الربط والإیصال. ویمکن أن تجتمع الخصوصیات فی موارد شتى أکثر من خصوصیة واحدة، وفی هذا الموطن لا إشکال من استفادتهما معاً.

4ــ إنکار إفادة التبعیض عن بعض وإثباته عن بعض آخر فی «وَامْسَحُوا برُؤوسِکُمْª  (المائدة 5: 6)، و«عَیْناً یَشْرَبُ بها عِبادُ اللهِª  (الإنسان 76: 6)، و... فی غیر محله؛ لأنه إن أرید التبعیض مع قطع النظر عن خصوصیة المورد والمقام ، فإنکاره صحیح؛ وإن أرید إنکار التبعیض حتى بمعونة المورد والمقام، فلا وجه له؛ لأن الفعل إذا کان المتعدی بنفسه، واقتضى استیعاب المفعول ــ نحو: «غسلت وجهی أو بدنی ومسحت رأسی» ــ ، فحینئذٍ إدخال الباء على المفعول یصرف الکلام عن الاستیعاب، ویفید مجرد الإیصال. وهذا یعنی أن مجرد الإیصال کافٍ فی الصدق.

وروایة زرارة عن الصادق8ناظرة إلى هذا المعنى. جاء فی وسائل الشیعة (ج 1، «أبواب الوضوء»، ص 291). عن زرارة أنه قال: «قلت لأبی جعفر4: ألا تخبرنی من أین علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرِّجلین؟ فضحک فقال: یا زرارة! قاله رسول الله ونزل به الکتاب من الله... فعرفنا حین قال: «برؤوسکمª (المائدة 5: 6)، أن المسح ببعض الرأس لمکان الباء».

إیضاح: جاء فی القرآن الکریم: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْª  (المائدة 5: 6). ففعل «مسح» متعد بنفسه، ولا یحتاج إلى الباء، والکلام مقتضٍ للاستیعاب؛ أی: مسح الرأس کاملاً، ومجیء الباء یصرف الکلام من استیعابه إلى کفایة إیصال الماسح إلى الممسوح، فکفى المسحُ ببعض الرأس؛ وعدم مجیء الباء فی «غسل» یُبقی الکلامَ على استیعابه بالنسبة إلى الوجه.

أما سائر الحروف، فکلٌّ منها لا توجب إلا سنخاً واحداً من الربط؛ لأنها علامات لکیفیة استعمال الاسم وآلاتٌ محدِثة للمعانی المعتَورة علیه، ولا یُتصور الاشتراک والتجوز فی الآلة والعلامة.

ویرفض العلّامة مجیء الحرف بمعنى الحرف الآخر بأدلة؛ منها: إذ لو صحّ ما ذکروه، لزم أن یطّرد ذلک، ویصحّ قولک: «فی زید دَین أو صلوة أو حج؛ أی: علیه»،و«مررت فی زید»؛ أی: به» ،و«کتبت فی قلم؛ أی: به»، و«رکبت عن الفرس؛ أی: علیه»، و«الماء على الکوز؛ أی: فیه»، وهکذا... (البهبهانی، ب 1381هـ. ش، ص 145).

وأجاب عن بعض الموارد المشهورة؛ على سبیل المثال، قال حول «فی» بمعنى «على» فی الآیة الشریفة: «وَلَأُصَلِّبَنَّکُمْ فی جُذوعِ النَّخْلِª  (طه 20: 71): أنّ جذوع النخل کما یکون مستعلًى علیه للمصلوب، یکون ظرفاً له ولو تنزیلاً؛ أی: جُعلت الجذوعُ منزلةَ الظرف، ومصداقاً له، وإن لیست من الأسماء المعدودة للظرف، وفی التنزیل توسیع فی المصداق لا المفهوم والمعنى (المصدر نفسه).

وأجاب عن "فی" بمعنى المصاحبة فی الآیة الکریمة: «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فی زینَتِهِª  (القصص 28: 79) بأنّ الزینة کما تکون مصاحبة للشخص، تکون ظرفاً له ولو توسعاً؛ أی: جُعلت الزینة ظرفاً، للتوسّع فی المعنى والمفهوم. وبعبارة أخرى، توسّعَ معنى الظرف بحیث یشمل الزینةَ فی هذه الآیة؛ کما یقال فی المنصوب بنزع الخافض: المنصوب على التوسع. ولیس فی التنزیل والتوسع مجاز (السابق).

 

وفی الجملة یعتقد العلامة أن اجتماعَ خصوصیات مختلفة باعتبارات متعددة فی موطن واحد ممکنٌ، وفی هذه الحالة یصحّ التعبیر عن کل منها بالحرف التى هی علامة لها، واختلاف التعبیر لا یدلّ على مجیء الحرف بمعنى الحرف الآخر، بل یدلّ على اختلاف المعانی المعتَورة والخصوصیات الطارئة علیه. وردّ أیضاً اتفاق أهل الصناعة على وضع «من» لابتداء الغایة، و«إلى» لانتهائها، بثلاثة أدلّة:

1ــ إذ قد یطلق کل من «من» و«إلى» فی ما لا یُتصور فیه الابتداء والانتهاء. کقولک فی مقام تحدید ملک زید مثلاً: إنّه من هنا إلى هیهنا؛

2ــ إذ قد یطلقان فیما لا یتصور فیه الابتداء والانتهاء، لکنّ المقصود منها مجرد التحدید. کقولک: اِکنِس البیتَ ورشِّحه بالماء من هذا المکان إلى هنا ــ مثلاً من الباب إلى آخر الغرفة ــ ، والغرض مجرد التحدید.

3ــ إذ قد یطلقان بالعکس فی العرف والعادة؛ کقول الطبیب للمریض: إغسل من أصابع رجلیک إلى رکبتیک بالماء البارد مثلاً؛ فإنّ مقتضى العرف والعادة فیه الشروع من الرّکبة إلى الأصابع، وخلافه نکس وقلب فی العرف.

لهذا یرى العلامة أنّ مفاد «من» عدم السبق لمدخولها وضعاً، ومفاد «إلى» عدم التجاوز عن مدخولها وضعاً، وابتداء الغایة وانتهاؤها بدلیل الانصراف؛ لأنّ عدم السبق یمیل طبعاً إلى الابتداء، وعدم التجاوز یمیل إلى الانتهاء؛ ولهذا یستفاد من «سرت من البصرة إلى الکوفة» مبدئیّة البصرة وانتهائیة الکوفة. وهذا جارٍ فی آیة الوضوء کذلک. فإنهما ــ «من» و«إلى» ــ مجردان للتحدید، بل کون المرفق مبدئاً للغسل بمقتضى العرف والعادة، ولا حاجة إلى بعض التوجیهات مثل ما قیل: إن إلى بمعنى مع أو إلى للانتهاء للمغسول لا الغسل وهکذا. فکلمتا «إلى» و«من» تتکفلان بخصوصیة استعمال مدخولهما على الوجه المذکور، وسائر المعانی المذکورة لهما خصوصیات مستفادة من الموارد لا تنافی المعنیین؛ مثلاً یستفاد التعلیل من التعبیر بـ«من» إذا أسند الفعل بکلمة تناسب کونَها علة للفعل؛ نحو: «مِمّا خَطیئاتِهِمْ أُغْرِقوا فَأُدْخِلوا ناراًª (نوح 71: 25)، کما أنه لو عبّر فی مثل الموطن بدل «من» بـ«الباء» التی هی لمجرد الإلصاق، لاستفید منه العلّیّة أیضاً. فمبدئیةُ الخطیئة للغرق وإدخالِ النار، وعدمُ سبقهما لها ثابتة فی الموطن، مع خصوصیة زائدة وهی التعلیل؛ لا أنّه لمجرد التعلیل دون لحاظ المعنى الأصلی. وکذا التبعیض فی «أخذت من الدراهم». والوجه فیه أن ترکیب الفعل مع المفعول فی مثله لـمّا کان ظاهراً فی الاستیعاب والعموم، فالإتیان بـ«من» الدالة على عدم السبق لمدخولها یوجب الصرف عن الاستیعاب، وصدق النسبة مع عدمه؛ فالتبعیض مجامَع مع معناه الأصلی، وهکذا (البهبهانی، ب1381هـ. ش، ص 144ــ149).

 

النتیجة

یبدو لنا أن العلامة قد أصاب بالواقع بالأدلة التالیة:

1ــ عدم توافق أهل الصناعة على إحصاء معان للحروف الجارة، واختلافهم فی هذا الإحصاء، وهذا واضح؛ لأن المعانی کثیرة لکثرة خصوصیات المواطن؛

2ــ عدم استعمال حرف مکانَ حرف آخر فی جمیع المواطن دلیل على أن خصوصیة الموطن عاملة لاستعمال الحرف فیه؛

3ــ اختلاف الأدباء والمفسرین فی تعیین المعنى الخاص للحرف فی کثیر من العبارات ــ مثل باء البسملة ــ، وعدم إمکان إبطال قولهم؛ أی: إمکان صحة کل الأقوال من زوایا وجهات مختلفة دلیل آخر على أن کل شخص منهم نظر إلى خصوصیة من الخصوصیات من مواطن الاستعمال؛

4ــ إمکان صحة وجود المعنى الأصلی فی کل المواطن التی یُذکر المعنى الآخر لها؛ کما شاهدنا فی معانی «الباء