قلت: ومع تبحر ابن الجوزي في العلوم، وكثرة اطلاعه، وسعة دائرته، لم يكن مبرزا في علم من العلوم، وذلك شأن كل من فرق نفسه في بحور العلم، ومع أنه كان مبرزا في التفسير، والوعظ، والتاريخ، ومتوسطا في المذهب، متوسطا في الحديث، له اطلاع تام على متونه، وأما الكلام على صحيحه وسقيمه، فما له فيه ذوق المحدثين، ولا نقد الحفاظ المبرزين، فإنه كثير الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة، مع كونه كثير السياق لتلك الأحاديث في الموضوعات، والتحقيق أنه لا ينبغي الاحتجاج بها، ولا ذكرها في الموضوعات، وربما ذكر في الموضوعات أحاديث حسانا قوية.
ونقلت من خط السيف أحمد ابن المجد، قال: صنف ابن الجوزي كتاب الموضوعات، فأصاب في ذكره أحاديث شنيعة مخالفة للنقل والعقل، ومما لم يصب فيه إطلاق الوضع على أحاديث بكلام بعض الناس في أحد رواتها، كقوله: فلان ضعيف، أو ليس بالقوي، أو لين، وليس ذلك الحديثمما يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفة ولا معارضة لكتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا حجة بإنه موضوع، سوى كلام ذلك الرجل في راوية، وهذا عدوان ومجازفة، وقد كان أحمد بن حنبل يقدم الحديث الضعيف على القياس. [ص:1112]
مختصر تلخيص الذهبي (3/ 1416)
= دراسة الِإسناد:
الحديث صححه الحاكم على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بقوله: "هذا وإن كان رواته ثقات، فهو منكر، ليس ببعيد من الموضع، وإلا لأي شيء حدث به عبد الرزاق سراً، ولم يجسر أن يتفوَّه به لأحمد، وابن معين، والخلق الذي رحلوا إليه؟! ".
وقال الهيثمي في المجمع (9/ 133) بعد أن ذكر الحديث: "رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات، إلا أن في ترجمة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري أن معمراً كان له ابن أخ رافضي، فأدخل هذا الحديث في كتبه، وكان معمر مهيباً، لا يراجع، وسمعه عبد الرزاق".
قلت: وإعلال الحديث بهذه العلة هو من أبي حامد الشرقي -رحمه الله- فإنه سئل عن حديث أبي الأزهر، عن عبد الرزاق، عن معمر، في فضائل علي، فقال أبو حامد: "هذا حديث باطل، والسبب فيه أن معمراً كان له ابن أخ رافضي، وكان معمر يمكِّنه من كتبه، فأدخل عليه هذا الحديث، وكان معمر رجلاً مهيباً، لا يقدر عليه أحد في السؤال، والمراجعة، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخي معمر"./ تاريخ بغداد (4/ 42).
وقال ابن الجوزي في العلل (1/ 219): "هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعناه صحيح، فالويل لمن تكلف في وضعه، إذ لا فائدة في ذلك ... " وذكر كلام أبي حامد السابق.
وقال الذهبي في ترجمة أبي الأزهر في الميزان (1/ 82): "لم يتكلموا فيه إلا لروايته عن عبد الرزاق، عن معمر حديثاً في فضائل علي، يشهد القلب أنه باطل،، وذكر قول أبي حامد، ثم قال: "وكان عبد الرزاق يعرف الأمور، فما جسر يحدث بهذا إلا سراً لأحمد بن الأزهر، ولغيره، فقد رواه محمد بن حمدون النيسابوري، عن محمد بن علي بن سفيان النجار، عن عبد الرزاق، فبرىء أبو الأزهر من عهدته". == وقال ابن عدي (1/ 196): "وأما هذا الحديث عن عبد الرزاق، (فعبد الرزاق) من أهل الصدق، وهو ينسب إلى التشيع، فلعله شُبِّه عليه، لأنه شيعي"./ وانظر التهذيب (1/ 13).
الحكم على الحديث:
الحديث رجاله ثقات كما تقدم عن الذهبي، والهيثمي، فلا مطعن في أحد منهم، لكن استنكره الأئمة، كابن معين، وغيره ممن تقدم ذكرهم، واستنبط أبو حامد الشرقي علته، فأظهرها كما سبق، فالحديث معلول بما ذكر أبو حامد، والله أعلم.