بسم الله الرحمن الرحیم

الحجّة بن الحسن عجّل اللّه تعالی فرجه الشریف

پنج سؤال و جواب در کتاب بهجة الحجة عج

هم فاطمة و
الحجّة بن الحسن عجّل اللّه تعالی فرجه الشریف
شرح حال حضرت خضر ع
پنج سؤال و جواب در کتاب بهجة الحجة عج



1. هل تُعدّ فكرة المهدويّة عقيدة شيعيّة تختصّ بهم؟ و هل الروايات الواردة فيها توجد في كُتبهم فقط؟ و على فرض وجود بعض الروايات في كتب أهل السُنّة، فهل هي مُتواترة حتّى يتوجّب عليهم الالتزام بها و بالتالي يُعدّ مُنكرها في سلك الكافرين؟ لأنّ بناء عقيدة المسلمين إنّما يكون بالاعتماد على مصادر متواترة و مُستفادة من الكتاب و السنّة. و عليه هل يمكن لسنيّ أن يرفض الفكرة المهدويّة عن الإسلام و يقول إنّه لا يجب الاعتقاد بظهور الإمام المهدي(عج)؟

في بيان الجواب عن هذا السؤال فقد أغنانا أحد أعيان علماء السلفيّة. فقد تكفّل الجواب عن شبهاتٍ واهيةٍ و آراءٍ فاشلةٍ طُرِحَت في الآونة الأخيرة من بعض علماء أهل السنّة الذين لا خبرة لهم بفنّ الحديث، حول لزوم الاعتقاد بظهور الإمام المهديّ(عج)، إذ قالوا إنّه من الأمور الغيبيّة و يلزم فيها أن تكون أحاديثها متواترة!
و قد وصفهم الشيخ ناصر الدين الألباني (المتوفّي سنة ۱۴۲۰ هـ.ق) في «موسوعة الألباني في العقيدة» بأنّهم جاهلون بالحديث و فنّه، و يؤكّد و يكرّر مرّاتٍ عديدةٍ بأنّ أحاديث ظهور الإمام المهديّ(عج) متواترةٌ ثابتةٌ عن رسول الله(ص). و لئلّا يتجافى عن أهل السنّة و لا يميل إلى التشيّع فرّق بين مهدي السنّة و مهديّ الشيعة!!
و من الطريف أنّه ختم كلامه بخلاصةِ القول في الإمام المهديّ(عج) بلحنٍ يُشبه لحن الشيعة، يقول: «و خلاصة القول إنّ عقيدة خروج المهديّ عقيدةٌ ثابتةٌ متواترةٌ عنه(صلى الله عليه و آله و سلّم)، يجب الإيمان بها لأنّها من أمور الغيب، و الإيمان بها من صفات المتّقين كما قال تعالى: «الم ذلك الكتاب لاريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب»، و إنّ إنكارها لا يصدر إلّا من جاهل أو مكابر. أسأل الله تعالى أن يتوفّانا على الإيمان بها و بكلّ ما صحّ في الكتاب و السنّة»1 انتهى.
بل نراه يصرّح في صدر كلامه بكُفر المُنكر لظهور الإمام المهديّ(عج)، فإنّ أبحاثه حول ظهور الإمام(عج) و ما يناسبه، تَقرُب من ثمانين صفحة من الكتاب المذكور في باب أشراط الساعة الكبرى، يقول: «و قد تبيّن لكلّ عالمٍ بالحديث إنّ هذه الأحاديث، أحاديث نزول عيسى(علیه السلام) و خروج المهديّ(عج)، أحاديث صحيحة لا يجوز إنكارها، و إنّ أنكارها يُعرض منكرها و لا شكّ لمفسدتين أحلاهما مرّ: إمّا الكفر لأنّه جحد ما ثبت عن النّبي(صلى الله عليه و آله و سلّم) بالتواتر، أو الفسق إذا كان لم يقم بواجب البحث و التحقيق و هو عالم يستطيع القيام بذلك» 2 انتهى.
و إنّ هذا الشيخ ناصر الدين الألباني هو من أعيان علماء السلفيّة، و قد نال الجائزة الدولية من السعودية، جائزة الملك فیصل العالميّة سنة ۱۴۱۹ هـ.ق. بعنوان الجهود العلميّة التي تعنی بالحديث النبوي تحقيقًا و تخريجًا و دراسًة. و ليس الرّجل ممّن لا يُعتنى بكلامه، و قد تبيّن له بخبرته تواتر هذه الأحاديث، و أنّه إن أنكرها حذراً من رواج التشيّع فقد كفر و ضلّ و أضلّ، فاعترف بالحقّ، لكنّه كأكثر أهل السنّة أنكر ولادة الإمام(عج)، و جعل مهديّ الشيعة موهوماً (نعوذ بالله تعالى) و شبّهه بالعنقاء!! بل أجرى الله سبحانه على لسانه تشبيهه(عج) بالخِلّ الوفيّ، و نِعْمَ ما قال! فإنّه لا يوجد خِلّ وفيّ إلّا هو عجل الله تعالى فرجه.
و أمّا من علمائنا الأبرار فقد أجاب عن هذا السؤال الشيخ المفيد(قده) في سالف الزمان في رسالته الموجزة في غيبة الإمام(عج) بأنّ التواتر له ملاك عامّ يعرفه كلّ البشر لا يفرّق فيه بين المسلم و الكافر و الشيعة و السنّة، و هو کون المُخبرين بحيث يمتنع تواطؤهم و تبانيهم على الكذب. فلمّا سُئل الشيخ: ما الدليل على وجود الإمام صاحب الغيبة(عج) فقد اختلف الناس في وجوده اختلافًا ظاهرًا؟ أجاب الشيخ(قده): " الدليل على ذلك أنّا وجدنا الشيعة الإماميّة فرقة قد طبقت الأرض شرقًا و غربًا، مختلفي الآراء و الهمم، متباعدي الديار لا يتعارفون، متديِّنين بتحريم الكذب، عالمين بتقبيحه، ينقلون نقلًا متواترًا عن أئمّتهم(علیهم السلام) عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنّ الثاني عشر يغيب غيبةً يرتاب فيها المبطلون، و يحكون أنّ الغيبة تقع على ما هي عليه. فليس تخلو هذه الأخبار أن تكون صدقاً أو كذباً، فإن كانت صدقاً فقد صحّ ما نقول، و إن كانت كذباً استحال ذلك، لأنّه لو جاز على الإماميّة و هم على ما هم عليه، لجاز على سائر المسلمين في نقلهم معجزات النبي(ص) مثلُ ذلك، و لجاز على سائر الأمم و الفرق مثله، حتّى لا يصحّ خبر في الدنيا، و كان ذلك إبطال الشرائع كلّها" إلى آخر ما أفاده في الرسالة المذكورة(رسائل في الغيبة ج۲ ص۱۱ للشيخ المفيد قده الرسالة الثانية).
هل يمكن لأحدٍ سواء كان مسلمًا أو كافرًا، شيعيًّا أو سنيًّا، أن يُنكر إشخاص المتوكّل الإمام العاشر(علیه السلام) إلى بلدة سامرّاء التى يعبّر عنها أحمد بن حنبل في ذلك الزمان بالحبس! يقول محقّق كتاب مسند أحمد: ثمّ بدا للمتوكّل أن يعيده ... و اضطر الإمام أحمد للذهاب إليه و لكنّه اكتشف أنه سيكون في سامرّاء في سجنٍ من نوعٍ جديدٍ فانقبض ... قال الامام أحمد: إنّما يريدون أحدّث و يكون هذا البلد حبسي!3
سبحان الله! يعبّر ابن حنبل عن كلّ البلد بالحبس، فما ظنّك بمحلّة العسكر في ذلك الحبس! فلماذا أشخص المتوكّلُ الإمامَ الهادي(علیه السلام) من مدينة جدّه(ص) إلى هذا السجن؟! و لماذا فعلوا ذلك بابنه الإمام الحسن العسكري(علیه السلام) أيضًا ؟ و أوقفوا تقسيم إرثه إلى سبع سنين يفتّشون عن ابنه صلوات الله عليه و عجّل الله تعالى فرجه ؟ كما ذكر ذلك عشراتٌ من علماء السنّة. و هل ذلك إلّا لِمَا تبيّن لهم ـ من حديث الاثني عشر إماماً الذين أخبر عنهم رسول الله(ص) ـ أنّهم قد أدركوا العاشر منهم إذ قام مقام آبائه الطاهرين(علیه السلام) في سلسلةٍ نيّرةٍ معجبة شبه المعجز قد اعترف العالم و الجاهل بأنّ كلّ واحدٍ منهم أولى بالخلافة من خليفةِ زمانه المزعوم. فأيّ شكّ يبقى للخليفة المتوكّل أنّ ولادة الثاني عشر منهم(عليه السلام) قد اقتربت؟ سيّما قد انتشر خبر إنشاد دعبل الخزاعي قصیدته المشهورة بمحضر الإمام الرضا علیه السلام و المأمون الخلیفة العباسي حاضر، أفما بلغ خبره المتوکل؟! أفما سمع أنه أخبر دعبل بخروج امام لا محالة خارج؟ فلم يرَ المتوكل بُدًّا من إشخاص الإمام(علیه السلام) إلى عسكر سامرّاء حتّى يجعله(علیه السلام) بمرصد الاطّلاع و يفتّش عن كلّ صغيرٍ و كبيرٍ من أمور الإمام العاشر و ابنه الإمام العسكري(عليهما السلام).
و في إتمام الجواب و إكماله و إحكامه فمن الجديرأن توصف عقائد الشيعة الاثني عشريّة بجدول تلتئم في إطارها أحجية معارف الكتاب و السنّة، أو بسلسلةٍ من الحلقات التي تربط بها و تتشابك فيها متفرّقات عقائد أهل السنّة التي يرونها مفردات لا يرتبط بعضها ببعض. فهل تراهم يرتبط عندهم حديث الخلفاء الاثني عشر بالمهديّ الموعود(عج)؟ و هل المهديّ(عج) منهم؟ فهل تلكم الخلفاء من ولد فاطمة(س)؟ إنّهم لا يرون أيّ ارتباط بين الخلفاء الاثني عشر و سيّدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله عليها! و الأعجب أنّهم لا يرون بين الخلفاء الاثني عشر أنفسهم أيّ ارتباط! و كذا هل يرتبط عندهم حديث الثقلين "كتاب الله و عترتي" بالمهديّ(عج) أو بالخلفاء الاثني عشر؟ و هل يرتبط عندهم اليوم الذي صدر فيه حديث الثقلين، و هو يوم غدير خمّ بنقل صحيح مسلم و عشرات آخرين من المحدّثين، بالمهدي(عج) و تلكم الخلفاء؟
و بالجملة، فالجواب عن السؤال المطروح هو أنّ الاعتقاد بظهور الإمام المهديّ(عج) عقيدة إسلامية لازمة عند أهل السنّة في حدّ نفسها،و حتّى إنّ عندهم عقائد أخرى ترتبط بظهوره(عج) جليًّا أو خفيًّا، بحيث تكون هذه العقائد كلّها في واقع الأمر بمنزلة الأعضاء لبدنٍ واحد، لكنّها تعتبر عند أهل السنّة متفرّقات، لا تجتمع في إطارٍ واحدٍ و لا تكون بمنزلة الأعضاء يُعاضد بعضها بعضاً و يُشكِّل مجموعها بدناً ذا روحٍ واحدة. و أمّا الشيعة الذين لازموا الثقلين و أخذوا عقائدهم من العترة الطاهرة(عليهم السلام)، فهذه العقائد كلّها عندهم مرتبطة كمال الارتباط، و لها نظام بيّنه لهم أهل البيت(علیهم السلام) الذين هم أدرى بما في البيت، و من الواضح أنّ عقيدةً واحدةً منفردةً و مستقلّةً تفترق افتراقاً كثيرًا عن عقيدةٍ منضمّةٍ إلى عقائد أخرى تكون لها شواهد، و قوّة العقائد المتشابكة و المترابطة لا تُقاس بقوّة عقيدةٍ منفردةٍ و لو كانت متواترةً على ما صرّح به الألباني فيما مضى نقله عنه. و الله الهادي.

2. مع قطع النظر عن الروايات، فهل هناك أدلّة عقليّة و شواهد غير روائيّة، تُعيننا على تحقيق تاريخي و دراسة موضوعيّة و فحصٍ حرّ، بحيث تطمئنّ النفوس الكافرة فضلًا عن المُسلمة، بأنّ الصحابة و التابعين و الجيل الذين عاشوا في القرن الأوّل و الثاني من الهجرة، كانوا يعرفون الفكرة المهدويّة و حتّى بعض خصوصيّات الإمام المهديّ(علیه السلام) بالدّقّة؟ يعني هل صحيح ما يُقال بأنّ مسألة ظهور الإمام المهدي(علیه السلام) و غيبته كانت مستحدثة لدى الشيعة في سنة ۲۶۰ للهجرة عند استشهاد الإمام العسكري(علیه السلام) إذ لم يكن له(علیه السلام) ولدٌ ظاهر بين الناس، فاضطرّت الشيعة إلى إبداع فكرة الغيبة و الظهور للإمام المهديّ(علیه السلام)؟

هناك ظاهرة تاريخيّة تُبهر العقول و تبهتها و لا تُبقي ريباً ولا تذر شكًا لأيّ شخصٍ مسلمٍ أو كافرٍ في أنّ الاعتقاد بغيبة الإمام المهدي(عج) كانت موجودة في القرن الأوّل من الهجرة، و لم تكن من المُحدَثات التي ظهرت في القرن الثالث عند استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) في سنة ۲۶۰ للهجرة إذ لم يكن له(علیه السلام) ولدٌ ظاهرٌ بين الناس، فاضطرّوا آنذاك إلى فكرة الغيبة!
كلّا! إنّ فكرة غيبة الإمام(علیه السلام) و ظهوره بعد غیبته قد تجلّت في أشعار القرون السابقة لمولده الشريف، و هنا نشير إلى ثلاثة شواهد واضحةٍ من ثلاثة من الشعراء الذين توفّوا قبل ميلاد الإمام الحجّة(عج) بسنينٍ كثيرة:
أوّلهم الشاعر الشهير المتوفى سنة ۱۰۷ أو ۱۰۵ هـ.ق كُثَيِّر عزَّة الذي نسبوه إلى الكيسانيّة، و الحال أنّ الشواهد تؤكّد أنّه من شعراء أهل البيت(عليهم السلام) القائلين بإمامة الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام)، فقد نقل صاحب المناقب ابن شهر آشوب في كتابه معالم العلماء أنّه كان من أصحاب الإمام الباقر(عليه السلام): معالم العلماء، ص۱۵۲ : فصل في المتقين ... و المتّقون منهم نحوَ كثيّر عزّة، و لمّا مات رفع جنازته الباقر(علیه السلام) و عرقه يجري و كان من أصحابه انتهى.
و كيف كان، و لو قلنا بأنّه كان من الكيسانيّة فإنّ ذلك لا يضرّ بما نحن بصدد بيانه، و هو وجود فكرة غيبة الإمام من آل محمد علیهم السلام في القرن الأول للهجرة، فقد تواتر نقل شعره المتضمّن لفكرة الغيبة في كتب الشيعة و السنّة، حتى إنّ ابن تيمية نقله في كتابه المعروف منهاج السنّة، ج۳ ص۴۷۵ ، و نقله أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين ص ۱۹:
ألا إن الأئمة من قريش *** ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه *** هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان و برّ *** وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى *** يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زمانا *** برضوى عنده عسل وماء
و الأكثر نسبوا هذا الشعر إلى كثيّر عزّة، و بعضهم نسبه إلى السيّد الحميري المتوفّى سنة ۱۷۳ هـ.ق. و هو الشاعر الثاني الذي سنذكره إن شاء الله تعالى، و لعلّ هذا البعض نسبه سهوًا، لاشتهار أمر السيّد الحميري في قوله بالكيسانيّة و رجوعه عنها، فنسب هذا الشعر إليه.
و الغرض أنّ كثيّر عزّة أبقى لنا بشعره الذي قد بقي منذ القرون و خُلِّد، فكرة غيبة الإمام(عج) و قد سمّى الإمام (علیه السلام) سبطاً، و لا ريب في أنّ المقصود ليس ابن الحنفيّة كما زعموا أنّ الشاعر يقصد ابن الحنفيّة من كلمة السبط، إذ لا شكّ في عدم كونه سبطًا لرسول الله(ص) و إن كان ابنًا لأمير المؤمنين(علیه السلام) لكنّه ليس من أبناء السيّدة فاطمة(عليها السلام) ، و من أراد تفصيل حال كثيّر عزّة و تشيّعه و عدم كونه كيسانيّاً فعليه بكتاب السيّد علي خان المدني: الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ص۵۸۱.
و الثاني من الشعراء الذين خلّدوا اشتهار فكرة غيبة الامام المهديّ(عج) قبل ولادته المباركة بعشرات السنين، أبو هاشم اسماعيل بن محمد المعروف بالسيّد الحميري رحمه الله المتوفَّى سنة ۱۷۳ للهجرة، الذي كانت أشعاره تتداول بين الناس و تواتر نقلها من الشيعة و السنّة، حتّى كان من أعيان علماء السنّة من حَفِظَ ديوانه و تكلّموا في ذلك في كتبهم الرجاليّة، فهذا العالم الكبير من أهل السنّة أبو الحسن الدارقطني المتوفَّى سنة ۳۸۵ للهجرة، كان يحفظ ديوان السيّد الحميري، قال الذهبي في معرفة القرّاء الكبار ص ۱۹۷ في توصيف الدارقطني: و منها المعرفة بالأدب و الشعر فقيل إنّه كان يحفظ دواوين جماعة، و نسب إلى التشيّع لحفظه ديوان السيّد الحميري، قلت: هو بريء من التشيّع انتهى.
فانظر أيّها المُنصف كيف حفظ الدارقطني ديوان السيّد الحميري و هو لا يُحتمل في حقّه التشيّع، ثمّ انظر كيف كان تواتر أشعاره و تداولها بين الناس منذ قرنين إلى زمان الدار قطني، فلذا قال الشيخ المفيد(قده) المتوفّى سنة ۴۱۳ هـ.ق. في كتاب الإرشاد: ج۲، ص ۲۰۶ بعد نقله شعر السيّد: و في هذا الشعر دليل على ... وجود الدعوة ظاهرة من الشيعة في أيّام أبي عبد الله عليه السلام إلى امامته و القول بغيبة صاحب الزمان(عج) و إنّها إحدى علاماته، و هو صريح قول الإمامية الاثني عشرية انتهى.
و نِعْمَ ما قال، فإنّ المتواتر ظاهرة منطقيّة ذات تشكيك، و الشعر ظاهرة إجتماعيّة يتحقّق التواتر فيه بسرعةٍ و بمرتبةٍ عاليةٍ من التداول الجماعي و التواتر النقلي، فبنظمه الصوري يحفظ محتواه، و يقذف بمعناه في بطون التاريخ المستقبل جيلاً بعد جيل، فنحن في القرن الخامس عشر إذا نظرنا إلى أشعار الحميري، المتداولة بين الشيعة و السنّة منذ القرون الماضية، فلا نشكّ في وجود فكرة غيبة الإمام المهديّ(عج) في زمان هذا الشاعر، و قصّته و قوله بالكيسانية ثم رجوعه عنها معروفة بين الخاصّة و العامّة، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج۸ ص ۴۵ : كان يرى رأي الكيسانيّة ... فقيل إنّه اجتمع بجعفر الصادق فبيّن له ضلالته فتاب انتهى.
و هو يشير إلى أشعاره المعروفة، مثل قوله:
تجعفرت باسم الله و الله اكبر *** و أيقنت أنّ الله يعفو و يغفر
و هذا الشعر كان في أول رجوعه، فلمّا رجع إلى بلاده قال قصيدة أخرى و أرسلها إلى الإمام الصادق عليه السلام، و هي قصيدة رائعة مشهورة معجبة يذكر فيها تفصيل القصّة، و يصرّح بوجود رواية ناطقة بغيبة الإمام المهديّ من آل محمّد عليهم السلام، و أنّ هذه الرواية وقع السيّد بسببها في الاشتباه فظنّ أنّ الغائب هو ابن الحنفيّة، و قد ذكرها جمع في كتبهم، و هي موجودة في ديوانه، و في مواقع على شبكة الإنترنت مثل بوابة الشعر العربي و غيرها، مطلعها قوله:
أيا راكباً نحو المدينة جسرة *** عذافرة يطوى بها كل سبسب
من أراد تفصيلها فليراجعها فإنها معجبة جدّاً، و لكن مقصودنا منها تصريحه بوجود الرواية في غيبة الإمام(عج) في قوله:
ولكن روينا عن وصيّ محمد *** وما كان فيما قال بالمتكذّب
بأنّ ولي الأمر يفقد لا يرى *** ستيرًا كفعل الخائف المترقّب
فيقسم أموال الفقيد كأنما *** تغيبه بين الصفيح المنصب
....... * .......
له غيبة لا بدّ من أن يغيبها *** فصلّى عليه الله من متغيّب
فالسيّد الحميري بشعره المتواتر هذا، قد أوجب تواتر الرواية الناطقة بلزوم غيبة الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و ألزم كلّ عاقلٍ من البشر، مسلمٍ أو كافرٍ، أن يطمئنّ بوجود فكرة الغيبة قبل ولادة الإمام صاحب الزمان(عج) في سنة ۲۵۵ للهجرة، فإنّ السيّد قال هذه القصيدة في زمان الإمام الصادق(علیه السلام) المستشهد سنة ۱۴۷ هـ.ق. ، و السيّد نفسه قد توفّي في سنة ۱۷۳ هـ.ق.، فهل يبقى ذو مُسكَة يشكّ في وجود فكرة الغيبة و تداولها بعد وقوفه على هذه القصيدة المتواترة بين الشيعة و السنّة؟! كلّا ثم كلّا، إلّا مُكابرٍ مُعاندٍ مُتجاهلٍ، نعوذ بالله تعالى من الشّقاء.
و الثالث من الشعراء، الذين قذفوا بشعرهم في بطون التواريخ، ما يوضّح بيئتهم الفكريّة للأجيال القادمة، الشاعر السامي دعبل الخزاعي رحمه الله، (المتوفّى ۲۴۶) و تمتاز قصيدته بأنّه آلی على نفسه أن لا ينشدها لأحدٍ قبل الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحيّة و الثّناء، فكان محضر الإمام(علیه السلام) هنالك من أروع المجالس، و من نقل الفريقين الشيعة و السنّة يظهر تواتره لكلّ أحد، و ما ظهر فيه من تأييد الإمام(علیه السلام) و بكائه و إقطاعه و سائر ما جرى بعده يعرفها و ينقلها كلّ من الشيعة و السنّة، و من أراد التفصيل فعليه الرجوع إلى أعيان الشيعة للسيّد الأمين(قده)، و نقلها من العامّة: المقدسي (المتوفّى ۳۵۵ هـ.ق.) في البدء و التاريخ، و ياقوت الحموي (المتوفّى ۶۲۶ هـ.ق.) في معجم الأدباء، و ابن العديم (المتوفّى ۶۶۰ هـ.ق.) في بغية الطلب في تاريخ حلب، و المزى (المتوفّى ۷۴۲ هـ.ق.) في تهذيب الكمال، و العصامى (المتوفى ۱۱۱۱ هـ.ق.) في سمط النجوم العوالي ، و غيرهم.
و قد وصف قصيدته ياقوت الحموي في معجم أدبائه: إرشاد الأريب الى معرفة الأديب، بأنّها من أحسن الشعر و أسنى المدائح فقال: (معجم الأدباء ج۳ ص۱۲۸۴) دعبل بن علي بن رزين بن سليمان، و كان من مشاهير الشيعة و قصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر و أسنى المدائح قصد بها علي بن موسى الرضا بخراسان فأعطاه عشرة آلاف درهم و خلع عليه بردة من ثيابه، فأعطاه بها أهل قمّ ثلاثين ألف درهم فلم يبعها، فقطعوا عليه الطريق ليأخذوها فقال لهم إنها تراد لله عزّ و جلّ و هي محرّمة عليكم، فدفعوا له ثلاثين ألف درهم فحلف أن لا يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في كفنه فأعطوه كمّاً واحداً فكان في أكفانه، و یقال انه كتب القصيدة في ثوب و أحرم فيه و أوصی بأن یكون في أکفانه، ثمّ استمرّ ياقوت الحموي في كلامه، و أتى بما يشيّد ما نحن بصدده من وجود العقيدة المهدوية قبل ولادة الامام (عج)، فإنّه قال: و نُسَخُ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظنّ أنّها مصنوعة ألحقها بها أناسٌ من الشيعة، و إنّا موردون هنا ما صحّ منها، قال:
مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ *** و منزل وحي مقفرُ العَرَصاتِ
إلى قوله:
خروجُ إمامٍ لا محالة خارجٌ *** يقوم على اسم الله والبركاتِ
يميّز فينا كلَّ حقٍّ وباطلٍ *** ويَجزي على النَّعماء والنَّقِماتِ
فليُحدق العاقلون المُنصفون إلى قوله: «إنّا موردون هنا ما صحّ منها»، و يلتفتوا أن إخبار دعبل بخروج الإمام المهديّ(عج)، الذي كان قبل ولادته بسنين (قريب من خمسين سنة)، من النقل الصحيح الذي لا يظنّ كونه ممّا صنعه الشيعة، بل ممّا لا يستريب فيه عاقل، بل قال السيّد الأمين(قده) في أعيان الشيعة (ج۶ ص۴۱۸) جواباً عن ياقوت: و أقول لعلّ .... و لعلّ ظنّه بأنّ الزيادة مصنوعة لأنّ فيها ما لم تألفه نفسه و أورد منها خمسة و أربعين بيتًا»
لكن تفريقه و تبعيضه بعض أبيات القصيدة من بعض، ثمّ ذكره البيتين: خروجُ إمامٍ لا محالة خارجٌ... ممّا يقوّي ما نحن بصدده، و هو اليقين بأنّ دعبل قد ذكر أمر ظهور الامام الحجّة(عج) بمحضر الإمام الرضا(علیه السلام) قبل ولادته(عج) بأكثر من خمسين سنة، فإنّ دعبل و إن كانت وفاته سنة ۲۴۶ هـ.ق. لكنّ إنشاده لقصيدته بمحضر الإمام(علیه السلام) كان قريب سنة ۲۰۰ هـ.ق.، و نزول نور خاتم الولاية(علیه السلام) كان في النصف من شعبان سنة ۲۵۵ للهجرة.
و ممّا تأتلف به و عليه قلوب الشيعة و يرتاحون هو ما ظهر من القول و الفعل من الإمام الرضا(علیه السلام) عند سماعه لبعض أبيات قصيدة دعبل، مثل ما نقل المحدثون أنّه لمّا بلغ إلى قوله "أَرى فَيئَهُم في غيرهم متقسِّمًا" بكى أبو الحسن الرضا(علیه السلام) و قال صدقت يا خزاعي، فلمّا بلغ إلى قوله: "أَكُفّاً عن الأوتار منقبضات"، جعل أبو الحسن(علیه السلام) يقلِّب كفّيه و هو يقول: "أجل و الله منقبضات"، و لمّا بلغ إلى قوله: "وإنِّي لأرجُو الأمنَ بعد وفاتي" قال له الرضا(علیه السلام): "آمنك الله يوم الفزع الأكبر"، فلمّا انتهى إلى قوله: و قبرٌ ببغداد، قال له الرضا(علیه السلام): "أفلا أُلحِقُ لك بهذا الموضع بيتين بِهِمَا تمامُ قصيدتِكَ؟" قال بلی یابن رسول الله، فقال علیه السلام: و قبرٌ بطوس الی آخره ، و لمّا بلغ إلى قوله: "خروج إمام لا محالة خارج"، بكى الرضا(علیه السلام) بكاءً شديدًا ثمّ رفع رأسه فقال: "يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الامام و متى يقوم؟" فقلت لا يا مولاي إلّا أنّي سمعت بخروج إمامٍ منكم يُطهّر الأرض من الفساد و يملأها عدلاً كما ملئت جوراً، فقال يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، و بعد محمد ابنه عليّ، و بعد عليّ ابنه الحسن، و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته المُطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يومٌ واحدٌ لطوّل الله عزّ و جلّ ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، و أمّا متى فإخبارٌ عن الوقت، فقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه(علیهم السلام) أنّ النبيّ(ص) قيل له يا رسول الله متى يخرج القائم من ذرّيتك؟ فقال(ص) مثله مثل الساعة التي لا يجليها لوقتها إلّا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة. (اكمال الدين، ج۲، ص ۳۷۲ _ عيون اخبار الرضا(علیه السلام)، ج ۲، ص ۲۶۶).
و كذا من طريف ما ظهر من الإمام الرضا(علیه السلام) حين إنشاد القصيدة هو ما بقيت آثاره عند الشيعة يستمرّون عليه من دون أن يعلموا مأخذه، و هو ما نقله الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ج ۲۳، ص ۲۴۷ من كتاب مؤجّج الأحزان، أنّ دعبل الخزاعي لمّا بلغ إلى قوله:
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً *** يفرّج عنّا الهمّ و الكربات
تهلّل وجه الرضا(علیه السلام) و طأطأ رأسه إلى الأرض و بسط كفّيه و رمق بطرفه إلى السماء و قال: اللهم عجّل فرجه و سهّل مخرجه و انصرنا به و أهلك عدوّه، إلى قوله: يا دعبل هو قائمنا. و لمّا انتهى إلى قوله:
خروج إمامٍ لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله و البركات
قال أبو الصلت فلمّا سمع الإمام(علیه السلام) ذلك، قام قائمًا على قدميه و طأطأ رأسه منحنياً به إلى الأرض بعد أن وضع كفّه اليمنى على هامته و قال: اللهم عجّل فرجه و سهّل مخرجه و انصرنا به نصراً عزيزاً انتهى.
و بالنتيجة فإنّ محصّلة الجواب عن السؤال الثاني أمر رائع جدًّا، يعترف و يبتهج به كلّ منصف يعرف دور الشعر في الحفاظ على صيانة محتواه و إبقائه عبر التاريخ.

3. يعتقد الشيعة، بناءً على الكثير من الروايات، أنّ عددًا من الآيات القرآنية الشريفة ترتبط بأمر الإمام المهدي(عج)، فهل يوجد عند أهل السنّة ما يُفيد وجود دلالات أو إشارات إلى مسألة ظهور الإمام المهدي(علیه السلام) في آيات القرآن الكريم و أنّها كانت محطّ قبول عامّة المفسّرين السابقين من أهل السنّة؟ يعني هل تُعدّ الآيات القرآنية مصدر انطلاقٍ للفكرة المهدويّة عند الفريقين؟

إنّ دراسة هذا السؤال لها شأن و منهجٌ خاصٌ یرتبط بشأن القرآن الکریم، فإنّه الکتاب الذي أنزله الله بعلمه و جعله تبیانًا لکلّ شيء، و عند الشیعة روایات کثیرة فی ذیل کثیر من الآیات القرآنیة تدل علی ارتباط الآیة بظهور الامام المهدی(عج)، بل کل عاقل قد فهم الفکر الشیعی و العقیدة المهدویة عندهم، اذا راجع الآیات الشریفة القرآنیة و تأمل سیاقها، ینسبق ذهنه بلا عنایة خاصة منه، الی البشارة بظهور کلمة الدین و الاسلام فی المستقبل.
فای شخص من مسلم او کافر فی عصرنا هذا اذا قرأ: «هو الذی ارسل رسوله بالهدی و دین الحق لیظهره علی الدین کله و لو کره المشرکون»، لا یذهب ذهنه الی مستقبل الزمان؟ و اذا واجه توجیهات بعض المفسرین لان یبینوا ظهور الاسلام علی الدین کله فی ما مضی او فی الحال، یراها توجیه من الزم نفسه نسیان الفکرة المهدویة و نبذها وراء ظهره ، و الا فدلالة الایة علی الاشارة فی المستقبل واضحة عند العرف العام المسلم و الکافر.
و کذا کلّ من قرأ في سورة المائدة و هي آخر سورة نزلت: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فسوف یأتي الله بقومٍ الآیة» یری أنّ الله سبحانه في في الأشهر الأخيرة قبل انقطاع الوحي یخاطب المؤمنین آنذاك و یقول لهم من یرتدّ منکم عن دینه فسوف یأتي الله بقوم، أفلم یکن مناسبًا أن یقول لهم من یرتدّ منکم عن دینه فیعذّبه الله، مثلا؟ أفلا تفترق كلمة سوف عن السين؟ أفلا یفرق أن یقال فسیأتي الله بقوم، عن أن يقال فسوف یأتي الله؟ و إن کان هذا "القوم" یأتي هؤلاء المرتدّین أنفسهم، أفلم یکن مقتضی المحاورة أن یُقال: فسيأتي الله بقوم منكم یقتلونکم (مثلا)؟ لکن الله سبحانه في هذه الآیة الشریفة یصرف کلامه عن أشخاص هؤلاء المرتدّین و تعذیبهم و الانتقام منهم إلی البشارة بإتیانه تعالی بقومٍ في المستقبل البعید من خلال كلمة سوف. فما معنى الفاء في قوله تعالى «فسوف» ؟ ولعلّه للإشارة إلى أنّ هذه البشارة و إن لم تكن لقتل أشخاص المرتدّين و لكن تذهب بآثار هذا الارتداد، و يتدارك بها ما فات بسبب هذا الارتداد، و يفهم من هذا أنّ لهذا الارتداد آثاراً فجيعة سوف يرفعها الله بهذا القوم، و ما أعجب إرداف هذه الآية بالآيتين الواردتين بعدها أي آية الولاية و آية التولّي، و ختامه بقوله تعالى: فإنّ حزب الله هم الغالبون.
و كذلك آيات أخر، التي إذا التفت الناظر فيها إلى الفكرة المهدويّة، يرى لوائح الإشارات إلى مستقبل الزمن للإسلام و المؤمنين، مثل قوله تعالى { و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون}(الأنبياء ۱۰۵)، و قوله تعالى {و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمّة و نجعلهم الوارثين}(القصص۵).
أفلا تُجذَب القلوب إذا استمعت إلى قول الله تعالى {و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} (النساء ۱۵۹) و قوله تعالى { و إنّه لعلم للساعة فلا تمترنّ بها و اتبعون}(الزخرف ۶۱). ثمّ رأت في صحيح البخاري(ج۴ ص۱۶۸) و مسلم(ج۱ ص ۱۳۶) إدراج باب نزول عيسى(عليه السلام) مستشهدين بقوله تعالى {و إن من أهل الكتاب...}، أو إذا رأت في أقدم تفسير بين المسلمين و هو تفسير مجاهد (المتوفّى سنة ۱۰۴ هـ.ق) ذيل قوله تعالى {و إنّه لعلم للساعة } يقول: «يعني نزول عيسى بن مريم قبل يوم القيامة»، أفلا تطمئن هذه القلوب أنّ لنزول عيسى(عليه السلام) شاهدٌ قرآنيّ لا روائيّ فحسب؟ ثمّ إذا لاحظت في نفس هذين البابين لصحيح البخاري و مسلم قول النبيّ(ص): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم»، سبحان الله! ألا تسأل مَن هذا الإمام؟ أَ هو المهديّ الموعود في هذه الأمّة؟ نعم و لا ريب فيه عند أهل السنّة، إذ نری في عشراتٍ من الكتب الحديثيّة: «المهديّ(عليه السلام) من هذه الأمّة و هو الذي يؤمّ عيسى ابن مريم»، (مصنف ابن أبي شيبة،ج۷ ص۵۱۳ عن ابن سيرين) ( فتن نعيم بن حماد عن عبدالله بن عمرو و ابن سيرين).
و من الطريف أنّا نرى المحدّث الكبير المعاصر ناصر الألباني يحكم بالوضع و الكذب على الرواية التي تقول بأنّ الإمام الذي يصلّي بعيسى هو من ولد العبّاس، بينما يختم كلامه بقوله: «و أمّا صلاة المهديّ بعيسى(عليه السلام) فصحيحٌ ثابتٌ في أحاديثٍ كثيرة» (السلسلة الضعیفة ج۱ ص۱۸۳).
و إذا أردت الاستماع لآيةٍ أخرى في هذا المجال فمنها الآية الشريفة قوله تعالى: {و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت و أخذوا من مكانٍ قريب}(سبأ ۵۱) و قد ذكرنا سابقًا عند دراسة السؤال الأوّل نُكتة هامّة، و ألفتنا نظر قارئنا الكريم الخبير إلى تفاوت العقيدة الشيعيّة الإماميّة مع العقيدة السنيّة في الفكرة المهدويّة، و قلنا إنّها كسلكٍ لدُررٍ منثورةٍ في العقيدة، يراها أهل السنّة مُعتبرة و يلزم الاعتقاد بها، و لكنّها غير مرتبطة بعضها ببعض، أمّا العقيدة الشيعيّة فإنّها تجعل هذه المُنفَرِدات في نظامٍ واحدٍ، كأنّها أعضاء لبدنٍ واحد، روحه فقه حديث الثقلين، فترى ارتباطًا وثيقاً بين ليلة القدر في كلّ سنة و نزول الملائكة فيها، و اقتران القرآن الكريم بالعترة الطاهرة في حديث الثقلين، و الخلفاء الاثني عشر بعضهم ببعض، و نزول عيسى(عليه السلام) و خروج الإمام المهديّ(عج)، و ظهور الإسلام على الدين كلّه، و سائر العقائد المشتركة المذكورة في الكتاب و السنّة الشريفة، و هي الروايات المقبولة عند الشيعة و السنّة.
فترى العقيدة الشيعيّة كلّها مُنسلكة في منظومةٍ تشهد لها الآيات القرآنية، من جملتها قوله تعالى {و لو ترى إذ فزعوا...}(سبأ۵۱) فهل تعلم أنّ هذه الآية تشير إلى خسفٍ ثابت في صحيح البخاري و مسلم و عشراتٍ من الكتب الحديثيّة الأخرى؟
ففي صحيح البخاري: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأوّلهم و آخرهم" (البخاري ج۳ ص۶۵) و أمّا في صحيح مسلم (ج۴ ص۲۲۰۸) فقد عقد بابًا سمّاه: "باب الخسف بالجيش الذي يؤمّ البيت" و أدرج أربع رواياتٍ تصرّح بالخسف بالبيداء، و أخرج الحاكم النيشابوري في المستدرك (ج۴ ص۵۶۵) و قال على شرط الشيخين، و علّق عليه الذهبيّ: علی شرط البخاري و مسلم، روايةً تصرّح بأنّ الخسف بالبيداء يكون لجيش السفياني: «قال رسول الله(ص): يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق... إلى قوله حتّى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم».
ثمّ نذهب إلى كتاب أسبق زمانًا من هذه الكتب، و هو تفسير مقاتل بن سليمان المتوفّى سنة ۱۵۰ هـ.ق.، یقول لنا إنّ آية ۵۱ من سبأ {و أخذوا من مكانٍ قريب} «نزلت في السفياني... فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم» (تفسير مقاتل ج۳ ص۵۸۳). أفلا تطمئن نفسُ الناظر الخبير المُنصف أنّ القرآن يشير إلى خروج السفياني الذي هو من علامات ظهور المهديّ(عج) ؟ و ذلك بتعاضُد القرائن و تشابُك الشواهد من آلاف الكتب و الرسائل و الروايات، جيلًا بعد جيل بين المسلمين، ممّا جعل ملحمة خروج السفياني و خسف جيشه بالبيداء عنصرًا قرآنيًا تكفّل البحث عنه المفسّرون من الشيعة و السنّة.

فهذا الطبري من المفسّرين المتقدّمين المتوفّى سنة ٣١٠ هـ.ق. يذكر الأقوال ذيل هذه الآية الشريفة و يقول: " و قال آخرون عنى بذلك جيش يخسف بهم ببيداء من الأرض" (تفسير الطبري، ج ۲۰، ص ۴۲۲) ثم يذكر الرواية المرفوعة المشتملة على ذكر السفياني عن حذيفة يقول في آخرها: " فذلك قوله في سورة سبأ، و لو ترى إذ فزعوا فلا فوت الآية " و كذا السمعاني (المتوفّى سنة ٤٨٩ هـ.ق.) ينقل في تفسيره (ج٤، ص٣٨٤) كما في تفسیر الطبري ایضا عن التابعي الشهير الشهيد سعيد بن جبير المستشهد سنة ٩٥ هـ.ق. في قوله تعالى من سورة سبأ: "هذه الآية نزلت في جيش السفياني..." و هكذا سائر المفسّرين قرنًا بعد قرن ذكروا هذه الروايات و الأقوال في كتبهم، مثل القرطبي و أبو حيّان و غيرهم.
و الشوكاني في تفسيره فتح القدير(ج٤، ص ٣٨۶) ينقل ذيل هذه الآية قصّة الخسف عن ثمانية أشخاصٍ من الصحابة: ابن عباس، ابن مسعود، حذيفة، حفصة، أم سلمة، عائشة، صفية، و أبي هريرة.
فلينظر قارئنا الكريم إلى اشتهار أمر السفياني و الخسف بالبيداء بين الصحابة و التابعين، فهذا ذكر لثمانيةمن الصحابة ممّا نقل إلينا و ما لم ينقل فأكثر. كما رأينا في تفسير مجاهد و مقاتل و كذا عن سعيد بن جبير في تفسیر الطبري و السمعاني ما یوضح اشتهار أمره ايضا بين التابعين في القرن الأوّل و بداية القرن الثاني، و اشتهار أنّ خروج السفياني ممّا أشير اليه في القرآن الكريم.

و لكن للأسف الشديد، فقد آل الأمر في عصرنا هذا إلى قلّة بل ندرة سماع سنّيٍّ بالسفيانيّ أو الخسف بالبيداء، في حين أنّه من النادر أن تجد شيعيًّا لم يسمع بذلك. كأنّه لا يوجد شيعيٌّ إلّا و تكرّر عنده ذِكر مسألة خروج السفياني مرّاتٍ و مرّات منذ صِباه بل منذ طفولته.
لماذا لا يسمع السنيّ بهذا المطلب بينما هو بمرصدٍ دائمٍ من الشيعيّ ؟
لأنّه عند السنيّ قد صار عنصرًا منفردًا روائيًّا يُذكر أحيانًا في صفحات الكتب، و لكنّه عند الشيعيّ، ببركة روايات أهل البيت(عليهم السلام)، قد صار عنصرًا اعتقاديًّا له ارتباط تامّ بظهور الإمام المهديّ(عج) و العناصر المؤلّفة لنظام اعتقادي متكامل، يحفظ بعضها بعضًا.
هل من مسلمٍ لم يسمع بالمنافق و الكافر؟ لماذا سمع قطعًا بذكرهم؟ لأنّ الإسلام و الإيمان يشكّل مع الكفر و النفاق نظامًا اعتقاديًّا، و هكذا المُعتقِد و المنتظِر لظهور الإمام(عج) ينتظر علامات ظهوره و ما يرتبط بأمره طبقًا لرواياتٍ متظافرةٍ شكّلت نظامًا للفكرة المهدويّة، فلذا لا يوجد شيعيّ لم يسمع بالسفياني و سائر ما يرتبط بعقيدته، و السنيّ يتعجّب إذا قيل له أنّ خسف جيش السفياني له شاهدٌ قرآني!

************************

و أمّا السؤال الرابع فينبغي أولًا النظر في التوقيع الشريف و ملاحظة نكاته، فقد نقل الشيخ الصدوق(قده)1 عن شيخه أنه حضر علي بن محمد السمري النائب الرابع(قدس الله روحه) قبل وفاته بأيام في بغداد، فأخرج إلى الناس توقيعًا و كذا نقل شيخ الطائفة الطوسي(قده)2 عن الشيخ الصدوق بقوله: " أخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه..." المشعر باشتهاره بين المشايخ و علماء الشيعة نقلًاعن الصدوق، مع تلقّيه بالقبول، نسخته:

"بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميّت ما بينك و بين ستة أيّام فاجمع أمرك و لا توصِ إلى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة فلا ظهور إلّا بعد إذن الله عزّ و جلّ و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلوب و امتلاء الأرض جورًا و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّابٌ مفترٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

فليُلاحَظ بدقّة قوله(عج) "المشاهدة" مع الألف و اللام بدلًا عن أن يقول " مشاهدتي" أو "رؤيتي"، فإنّ الألف و اللام هنا للعهد كما يسمّونه أهل الأدب و العربيّة، و المراد بالعهد هنا واضح وضوح الشمس بما سبق من قوله(عج): "و لا توص إلى أحد يقوم مقامك"، يعني أنّ مقامك يقتضي مشاهدتي على نحوٍ يعرفه الشيعة منذ زمن الغيبة الصغرى، لكنّها قد انقضت و انقضت معها المشاهدة المعهودة للنوّاب الأربعة، فلا توصِ يا عليّ بن محمد السمري إلى أحدٍ يقوم مقامك فيكون له المشاهدة التي كانت لك.

و في النسخ القديمة للتوقيع الشريف3:"و سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة" فيُحَذّر أن يأتي المدّعي إلى الشيعة فيضلّهم، يعني المُدّعي الذي يدّعي مقام السمريّ و المشاهدة التي كانت لازمة له، لكن هذه العبارة اختلفت في بعض النسخ، فقد جاءت في الاحتجاج للطبرسي:" و سيأتي إلى شيعتي"، و جاءت في كشف الغمّة: "و سيأتي من شيعتي"، و الحال أنّ كلمة "إلى" تناسب النسخة الأصليّة من حيث المعنى لكن كلمة "من" قد غيّرت المعنى بنحوٍ خفيّ،و مع الأسف فإنّ العبارة المتضمّنة لكلمة "من" صارت الأشهَر في الأزمنة الأخيرة. إذ إنّ العبارة التي كانت تنفي ادّعاء النيابة الخاصّة، صارت الآن تنفي ادّعاء المشاهدة، أفلا يكون الفرق بين العبارتين واضحًا عند كلّ صغيرٍ و كبيرٍ أن يقال:" سيأتي إلى شيعتي من يدّعي مقام السمريّ و المشاهدة التي كانت له" و بين أن يقال:"سيأتي من شيعتي من يدّعي أنّه رآني" ؟ أفلا يفرق أن تكون كلمة "شيعتي" بمنزلة المفعول لقوله "سيأتي" أو أن تكون بمنزلة الفاعل له ؟ كانت "شيعتي" في التوقيع الشريف مفعولًا لـ"سيأتي" و بإضافة "من" انتقلت إلى مقام الفاعل، و هذا هو الفرق الخفيّ الذي أشرنا إليه، فتذكّر.

ثمّ نؤكّد عند قرّائنا الكرام أن يلتفتوا إلى أمرين كانا معًا معلومَيْن واضحين عند الطائفة الإمامية الإثني عشريّة، أحدهما هذا التوقيع الشريف و اشتهاره ـمنذ بداية الغيبة الكبرى ـ بين الشيعة و علمائهم كما نقلنا عن غيبة شيخ الطائفة أنّه قال: "أخبرَنا جماعة"، و الثاني هو حصول التشرّف بمحضره الشريف(عج) و تداوله بين الشيعة و اشتهاره و عدم استنكاره من أحد من العلماء و العوامّ في صدر الغيبة الكبرى.

و إنّ اجتماع هذين الأمرين لدى الشيعة من أقوى الأدلّة على أنّهم لم يفهموا من التوقيع الشريف عدم إمكان رؤيته(عج)، و هما من أهمّ العناصر الثقافيّة للعقيدة الشيعيّة. و لا يخفى أنّ العنصر الثقافي عند كلّ طائفة يحتاج إلى توفّر شروط كثيرة، و ليس بِيَد هذا أو ذاك من آحاد الأفراد، فإنْ كانت رؤيته(عج) بعد الغيبة الصغرى عند الشيعة ممنوعة مُمتنعة لاشتهرت بينهم غاية الاشتهار، و لو ادّعى أحد أو أفتى واحد من علماء الشيعة بإمكانه أو وقوعه لردّ سائر العلماء عليه و بيّنوا خطأه، كما وقعت نظائره من سائر المسائل الكلاميّة و الفقهيّة و غيرها، فكانوا يُقدِمون سريعًا في الردّ و لا يذرون المجال مفتوحًا أمام كلّ دعوى، لكن الأمرين المذكورين صارا معًا من العناصر الثقافيّة لعقيدة الإماميّة، يعتقدون عدم إمكان النيابة الخاصّة و يرجون أن يرزقهم الله سبحانه رؤيته(عج) طرفة عَيْن.

أفلا يكفي للشيعة تصريح الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) من قَبل بأنّ لصاحب الأمر(عج) غيبتين و أنّه يمكن رؤيته(عج)في الغيبة الكبرى لخاصّة مواليه؟4 فإذا كان خاصّة مواليه يعلم بمكانه فبالأَوْلى يمكن لنفسه(عج) أن يُري نفسه بعض شيعته من دون أن يعلم مكانه.

و ممّا يبيّن ما قلناه من أنّ الشيعة من ابتداء الغيبة الكبرى كانوا يعلمون المراد من التوقيع الشريف، و أنّه ليس لنفي إمكان رؤية الإمام(عج) بل لنفي النيابة الخاصّة، أنّ الشيخ الصدوق -و هو من العلماء المشهورين في صدر الغيبة الكبرى، و قد أدرك الغيبة الصغرى أكثر من عشرين سنة، فإنّه وُلد سنة ۳۰۶ هـ.ق. و كانت الغيبة الصغرى انقضت سنة ۳۲۹ هـ.ق- هو الذي نقل لنا هذا التوقيع الشريف في كتاب كمال الدين5، و الحال أنّه هو نفسه قد صرّح في أوائل هذا الكتاب6 بإمكان السؤال من محضره(عج) و إمكان إجابته مَن جاءه مسترشدًا فقال: " فأمّا إجابته إياكم عن معالم الدين، فإن جئتموه مسترشدين متعلّمين عارفين بموضعه مقرّين بإمامته، عرّفكم و علّمكم، و إن جئتموه أعداءً له...إلخ"، فنرى هذا المحدّث الكبير في أقدم كتابٍ نعرفه بعد وقوع الغيبة الصغرى، يبيّن لنا الأرضيّة التي كانت بين الشيعة القمّيين من أنّهم كانوا يجوّزون رؤيته(عج) و لا يرونه منافيًا للتوقيع الشريف، و معروف أنّ معاصر الصدوق، الحسن بن محمد القمّي في كتاب تاريخ قمّ، نقل عن كتاب الصدوق مؤنس الحزين في معرفة الحقّ اليقين، قضيّة حسن بن مثلة الجمكراني و تشرّفه في سنة ۳۷۳ هـ.ق.، و لم ينقل عن أحد من الشيعة المتقدّمين الردّ عليه بأنّ هذا ينافي التوقيع الشريف.

فهذا حال الشيعة القمّيين، و كذا نرى حال الشيعة البغداديّين أنّهم لا يرون مانعًا من رؤيته(عج) في الغيبة الكبرى و عدم منافاته للتوقيع الشريف، فهذا السيّد الأجلّ الشريف المرتضى(قده) يصرّح بإمكان رؤيته(عج)، و كذا تلميذه شيخ الطائفة الطوسي(قده). قال السيّد في كتابه تنزيه الأنبياء(عليهم السلام) ص۱۸۲: "إنّا غير قاطعين على أنّ الإمام لا يصل إليه أحد و لا يلقاه بشر..إلخ" و قال ص۱۸۴ :"و قلنا أيضًا إنّه غير ممتنع أن يكون الإمام(عج) يظهر لبعض أوليائه ممّن لا يخشى من جهته... و إنّما يعلم كلّ واحد من شيعته حال نفسه و لا سبيل له الی العلم بحال غيره" و قال الشيخ في كتاب الغيبة ص۹۹: "إنّا أولًا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يظهر لأكثرهم و لا يعلم كلّ إنسان إلّا حال نفسه فإن كان ظاهرًا له فعلّته مُزاحة و إن لم يكن ظاهرًا له علم أنّه لم يظهر له لأمر يرجع إليه..إلخ".

فانظر إلى هؤلاء العلماء من الشيعة القمّيين و البغداديّين مع اختلافهم في كثيرٍ من المسائل كيف لم يختلفوا في أنّ المراد من التوقيع الشريف لم يكن نفي إمكان رؤية الإمام(عج) في الغيبة الكبرى، و هكذا كان العلماء بعدهم جيلًا بعد جيل. و التفت أيّها القارئ الكريم إلى قول الشيخ "فعلّته مُزاحة" و تذكر عبارة التوقيع الشريف لشيخه و أستاذه الشيخ المفيد(قده)المنقول في الاحتجاج7: " و لو أنّ أشياعنا ـ وفقهم الله لطاعته ـ على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهدعليهم لَمَا تأخر عنهم اليُمن بلقائنا و لتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة و صدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه و لا نؤثره منهم".

هذا بالنسبة إلى من يعرف الإمام(عج)عند تشرّفه، و أمّا من اشتملته عناية الإمام(عليه السلام) و لم يعرف إلّا بعد التشرّف أو عند انتهائه بلحظة فهذا من فضل الله يؤتيه من يشاء، كالذي نقله الصدوق(قده) في كمال الدين8 عن اللغوي الشهير ابن فارس صاحب مقاييس اللغة في سبب تشيع بني راشد من أهل همدان المذكور فيه وصوله ببلد أسد آباذ قرب همدان فراجع.

و على أيّ حال، فإنّ الناظر المُنصف من المسلم و الكافر إذا عرف ما نقلته الشيعة طيلة القرون من تشرّفاتهم لا يشكّ في حصول التواتر المنطقي في هذا الأمر. إذ إنّ امتناع التباني و التواطؤ على الكذب في أفراد مختلفة غاية الاختلاف في الأمكنة و الأزمنة و الشرائط المتشتّتة، لا يخفى على العاقل اللبيب، و إذا رأى بعض الشيعة يُنكر إمكان الرؤية فيفهم أنّه أوقعه في هذا الوهم سوء الفهم للمراد من التوقيع الشريف الذي كان بصدد نفي النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى، و إلّا فهل من السهل أن نرى أعاظم علماء الشيعة يسمّون في كتبهم العلميّة إجماعًا قد يدّعي بعذ العلماء بأنّه إجماع تشرُّفي له ملاك حجّيّة الإجماع و هو القطع بقول المعصوم(عليه السلام).
-----------------------
1- كمال الدين ج۲ ص ۵۱۶
2- الغيبة ص۳۹۵
3- كمال و الغيبة
4- الكافي ج۱، ص۳۴۰ – غيبة النعماني ص ۱۷۰.
5- كمال الدين ج۲، ص ۵۱۶.
6- كمال الدين ج۱، ص۴۸
7- بحار الأنوار ج۵۳، ص ۱۷۷.
8- كمال الدين، ج ۲ ص ۴۵۳.








و أعظم من ذلك مرور الزمن الطويل عليهم جيلًا بعد جيل و قرنًا بعد قرن و هم يعظّمون بعض العلماء بينهم بما يحتملون في حقّه أن يكون فائزًا بلقائه(عج) و متكرّمًا بعنايته الخاصّة، فهل هذا إلّا ناشئًا من أمرٍ عريقٍ ثقافي عند الشيعة، عوامِهم و خواصهم؟ أمرٌ نرى جذوره منذ ابتداء الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا، فهذا الشيخ المفيد(قده) قد وُلد بعد الغيبة الصغرى قريبًا من سبع سنين (۳۳۶ هـ.ق.) ورد عليه توقيعات بالواسطة، لكن الأهمّ من هذا،أنّ كافّة الشيعة قد تلقّتها بالقبول، فهل نجد تعبيرًا أعظم من إجماع الشيعة أو كافّة الشيعة ؟ قال في المستدرك1 : "قد ذكر المحقّق النقّاد ابن بطريق الحلّي المتوفّى (۶۰۰ هـ.ق) في رسالة نهج العلوم كما في اللؤلؤة و غيرها: إنّه ترويه كافّة الشيعة و تتلقّاه بالقبول"، و ابن بطريق الحلّي هذا قد عاش في القرن السادس، و توفّى سنة ۶۰۰ هـ.ق، و المفيد توفّى في القرن الخامس، سنة ۴۱۳ هـ.ق، و كانت ولادة ابن بطريق بعد وفاة المفيد قريبًا من مئة و عشر سنين، فقوله: "ترويه كافّة الشيعة و تتلقّاه بالقبول" يحكي لنا حال الشيعة قريبًا من مئة و خمسين سنة بعد وفاة الشيخ المفيد.

فانظر أيّها القارئ الكريم إلى كلام هذا العالم الخبير المقبول عند جميع الشيعة صاحب كتاب العمدة، و أيّد كلامه بكلام الطبرسي صاحب الاحتجاج الذي نقل التوقيعات المذكورة في أوّل كتابه ، قال: "و لا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إمّا لوجود الإجماع عليه..إلخ"، فإنّ صاحب الاحتجاج توفّي قبل ابن بطريق بإثني عشر سنة (۵۸۸ هـ.ق.) فهذان العالِمان يعكسان لنا ذهنيّة الشيعة آنذاك. و هكذا على مرّ الدهور لم ينقل من علماء الشيعة الإنكار و الاستنكار إلى زمن السيّد بحر العلوم(قده) في القرن الثالث عشر، فإنّه زاد في إحكام هذه التوقيعات، من خلال طرح الإشكال و الإجابة عنه بأجوبة شافية2.

و هكذا تلميذه الشيخ أسد الله التستري جامع التتبع و التحقيق صاحب مقايس الأنوار قد أنهى الأمر إلى منتهاه و عبّر بإجماع الإمامية فقال3: " و منها المفيد... صاحب التوقيعات المعروفة المهدويّة المنقول عليها إجماع الإمامية و المخصوص بما فيها من المزايا و الفضائل السنيّة "، و لعلّه استفاد نقل الإجماع من تعبير ابن بطريق "كافّة الشيعة"، و هكذا تابعه في هذا التعبير صاحب المستدرك4.

هذا حال المفيد و توقيعاته، و لم ينحصر الأمر فيه بل تداوم طيلة القرون احتمال التشرّف لبعض العلماء في أذهان الشيعة و إذا قيل لهم هل يمكن التشرّف؟ يخطر ببالهم سريعًا أسماء علماءٍ عظامٍ أمثال السيّد ابن طاوس و العلّامة الحلّي و المقدّس الأردبيلي و السيّد بحر العلوم، فهل هذا الإخطار السريع أمرٌ هيّنٌ حصل من قول هذا و ذاك ؟ و الكلام عن أشخاصٍ من أجلّاءعلماء الشيعة ليسوا من عوامهم، فهل اشتهار نسبة هذا الأمر العظيم إلى علماء الشيعة بمرأى و مسمعٍ من جميع الشيعة، عوامهم و خواصهم، يحصل بالتسامح و التساهل من أعلام علماء الإماميّة و السكوت من حفّاظ الشرع و الإيمان؟

بل ليس السكوت فحسب، فإنّهم دائمًا يذكرون و يكرّرون ما يعتقدون به من أمثال هؤلاء العلماء. هل من السهل أن نسمع من العلماء الذين لا يجازفون في القول و في نقل الأقوال أمثال سماحة آية الله الشيخ البهجة(قده)، نسمعهم يكرّون مرارًا أنّه يستفاد من كلمات السيّد الجليل ابن طاوس أنّ باب اللقاء كان مفتوحًا له؟ و هل هذا إلّا تأييد مستمرّ لإمكان هذا الأمر؟ قال في المستدرك5: " و يظهر من مواضع من كتبه خصوصًا كتاب كشف المحجّة أنّ باب لقائه إياه(صلوات الله عليه) كان له مفتوحًا"، و قال في كتابه جنّة المأوى6 بعد أن نقل في الحكاية الخامسة و الخمسون، إنّ السيّد قد سمع سَحَرًا دعاء الإمام(عج) في السرداب المقدّس :" بل له في كتاب كشف المحجّة كلمات تنبئ عن أمرٍ عظيمٍ و مقامٍ كريم، منها قوله..."، ثمّ ذكر خمسة موارد من كتابه فقال: " و عليك بالتأمّل في هذه الكلمات التي تفتح لك أبوابًا من الخير و السعادات و يظهر منها عدم استبعاد كلّ ما ينسب إليه من هذا الباب". و كان من جملة ما نقله عن السيّد في كتاب كشف المحجّة قوله :"فإن أباك عرفه أبلغ من معرفة ضياء شمس السماء".

فهذا حال السيّد(قده) في القرن السابع المتوفّى ۶۶۴ هـ.ق، و بعده العلامة الحلّي (قده) في القرن الثامن ۷۲۶ هـ.ق. و بعده بقليل ألّف السيّد بهاء الدين النيلي تلميذ ابن العلّامة الحلّي كتابه : السلطان المفرّج عن أهل الإيمان في من رأى صاحب الزمان(عج)، فوقع موقعه بين تلاميذه، فنقل منه الحسن بن سليمان في مختصر البصائر، حتّى اشتهر و صار من مصادر بحار الأنوار، و نقل صاحب الوسائل منه في كتابه إثبات الهداة، و ختم كلامه7 بعد أن نقل منامات نفسه و ما رآه من المعجزات بقوله: "و قد أخبرني جماعة من ثقات الأصحاب أنّهم رأوا صاحب الأمر(عليه السلام) في اليقظة و شاهدوا منه معجزات متعددات و أخبرهم بعدّة مغيّبات و دعا لهم بدعواتٍ صارت مستجابات و أنجاهم من أخطار مهلكات تضيق عن تفاصيلها الكلمات، و كلّها من أوضح المعجزات، و كلها من أوضح المعجزات فليضف ذلك إلى ما تقدّم من الحكايات و الروايات المتواترات، المشتملة على الآيات البيّنات و البراهين الواضحات أن في ذلك لآيات و الله أعلم".

فانظر إلى كلام هذا المحقّق الجليل الشهير محمد بن الحسن الحر العاملي(رحمه الله) صاحب الوسائل و لاحظ قوله "المتواترات" و هو يعيش في القرن الحادي عشر و المتوفّى ۱۱۰۴ هـ.ق.، فهذا إنّما يعود لِما لديه من وقائع محكية متعدّدة و روايات ضخمة نظير ما ذكرناه ، عبر القرون المتتالية، فمثلًا نرى في القرن اللاحق لتأليف كتاب السلطان المفرّج يأتي المقدّس الأردبيلي(قده) (المتوفّى ۹۹۳ هـ.ق.) فينقل منه ما اشتهر بين الشيعة، فلا عَجَب أن يقول صاحب الوسائل "المتواترات" بعد قرنٍ من ذلك، إذ إنّ أحدًا لا يمكنه أن يخدع نفسه. و هكذا يأتي بعد صاحب الوسائل في القرون اللاحقة إلى يومنا هذا أمثال السيد مهدي بحر العلوم(قده) الذي يشار إليه كلّما ذُكرت عندنا قضيّة التشرّفات، فلاحظ الكتب المعاصرة نظير النجم الثاقب و جنّة المأوى و العبقريّ الحسان و ما بعدها أيضًا. فهل يُمكن أن يكون هذا المدّ المستمرّ طيلة القرون ناجمًا إلّا عن أمرٍ حقّ متواترٍ عند الشيعة عوامهم و خواصهم ؟

1 خاتمة ج۳، ص۲۲۴

2 الفوائد الرجاليّة، ج۳، ص۳۲۰

3 مقايس الأنوار ص٥

4 خاتمة المستدرك، ج۳، ص ۲۲۱

5 خاتمة ج۲، ص۴۴۱

6 المطبوع في البحار ج ۵۳، ص۳۰۴

7 إثبات الهداة، ج،۵ ص۳۴۱










۵- من السؤالات التي تطرح كشبهة في المباحث المرتبطة بالمهدوية هي مسألة طول العمر و أنه كیف يمكن أن يعمّر شخص في الحياة الدنيوي مع البدن المادي العنصري مآت سنين، و الإمام المهدي (عج) قد ولد سنة ۲۵۵ من الهجرة، فيزيد عمره الشریف علی الف سنة، فهل يمكن أن يطول عمر شخص إنساني زائدا علی الف سنة؟ علی أنه و ما ندری كم يطول عمره بعد ذلك؟



أمّا السؤال عن طول العمر و بقاء البدن الدنيوي مئات سنين، فهو و إن كان مشهورًا و يتداول بين الباحثين، لكنّه ليس بالدقّة ممّا ينبغي أن نسمّيه شبهة في العقيدة المهدويّة، لأنّ الناس فيها ثلاثة: من يعتقد بوجود شخصٍ معيّنٍ هو حجّة الله، و من يعتقد بعدمه و ينكره بتاتًا، و من هو متحرٍّ باحثٌ فاحصٌ عن حقيقة الأمر.

فأمّا بالنسبة لمُنكر وجود الإمام المهدي(عج) فإنّ مسألة طول العمر ليست إلّا وسيلةً للإنكار و التشكيك، و هو يعلم أنّ إنكاره ليس من جهة عدم إمكان العمر الطويل لمَن فرضنا أنّه من نوادر الدهور.

و أمّا المتحرّي الباحث فتبعثه فطرته أوّلًا إلى أن يعلم هل هذا الشخص الإلهيّ موجود أم لا ؟ و لا يخفى عند كلّ صغيرٍ و كبيرٍ من البشر أنّ طول العمر ليس مُمتنعًا لا يجوّزه العقل، بل غاية الأمر أنّه أمرٌ مستبعد، تعدّه غالب الناس أمرًا بعيدًا، لكن الناس أنفسهم إذا التفتوا إلى الأمر الأوحد في خلقة الدنيا من أوّلها إلى آخرها و لاحظوا عظمة أمر البشارة الإلهيّة في ظهور الموعود الذي وعده الأنبياء ص و الأوصياء ع و الأديان و الملل الإلهيّة، لا يلحقونه بالأمور العاديّة، و لا يعدّون خرق العادة في مثل هذا الأمر مانعًا عن الاعتقاد به بعد أن كان عليه دليلٌ مُقنع.

و أمّا المعتقد لحضور الإمام المهديّ(عج) اليوم مع البدن الدنيويّ في هذه النشأة فلا يمكن أن تكون مسألة طول العمر له شبهةً يُعتنى بها، فإنّه يعلم أنّ وجوده المبارك(عج) محفوفٌ بالغرائب و الخوارق و المعجزات، قبل ميلاده و بعده، إلى منتهى الأمد، و كيف يكون العمر الطويل بعيدًا عند المعتقد بحضور الإمام(عج) و هو يعلم أنّ أمره(عج) أمرٌ خاصٌّ إلهيٌّ جعله الله سبحانه و تعالى تحت عنايته الخاصّة، فهل يستبعد قدرة الله على أن يهب لعبده الأخصّ من بين الخواصّ، العمر الطويل ؟ كلّا! إنّه قد سمع قول الله تعالى في قصّة يونس(عليه السلام): { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }1، يخبر الله سبحانه ـ في أمرٍ لا يُقاس بظهور الإسلام على الدين كلّه ـ بأنّ يونس(عليه السلام) لو لم يكن من المسبّحين لطَوّل الله عمره في بطن الحوت إلى يوم القيامة، فكيف بأمرٍ هو من أعظم الوعود الإلهيّة و أشرف الغايات الدينيّة.

و كذا يُخبر الله سبحانه عن برهة من عمر نوحٍ(عليه السلام) قبل الطوفان فيقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}2. و في الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّ نوحًا(عليه السلام) عاش ألفَ سنة و خمسمائة سنة3 و تفصيل عمره(عليه السلام) مذكورٌ في هذه الرواية. و أخبر سبحانه و تعالى عن أصحاب الكهف أحياءً نائمين بقوله: { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}4.

و من طريف ما يُستشهد به من القرآن الكريم لطول العمر، ما يُقال في ملاحظة نسبة عُمر الطعام إلى عُمر الإنسان في قوله تعالى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} ثمّ قال { فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ }5 فإذا فرضنا أنّ العمر الطبيعي للطعام و الشراب ثلاثة أيّامٍ مثلًا، ففي مئة عامٍ قد ضاعف الله عمره عشرة آلاف ضعفٍ، فإذا أجرى الله ذلك على الإنسان بالنسبة إلى عمره الطبيعي، فيبقيه حيًا إلى مليون سنة، و ما ذلك على الله بعزيز.

و العجب من أهل السنّة كيف يستشكلون على طول العمر للإمام المهدي(عج) و قد مُلئت كتبهم ـ باختلاف علمائهم ـ في أنّ الخضر(عليه السلام) حيٌّ حتّى الآن؟ و قال النووي و هو من أعاظم العلماء المقبولين عند جميع أهل السنّة في شرحه على صحيح مسلم6: "جمهور العلماء على أنّه [أي الخضر(عليه السلام)] حيٌّ موجودٌ بين أظهرنا"، و كذا عندما قال أبو إسحاق بن سفيان: يقال هذا الرجل هو الخضر(عليه السلام)، قال النووي: "و كذا قال معمر (المتوفّى ۱۵۳) في جامعه و هذا تصريح منه بحياة الخضر(عليه السلام) و هو الصحيح". و كذا قال ابن الصلاح، صاحب المقدّمة، وهو من العلماء المعروفين في فتاواه7: "و أمّا الخضر(عليه السلام) فهو من الأحياء عند جماهير الخاصّة من العلماء و الصالحين و العامّة معهم في ذلك، و إنّما شذّ بإنكار ذلك بعض أهل الحديث".

فانظر إلى نقل هذين العلمين عن جمهور علماء أهل السنّة أنّ الخضر(عليه السلام) حيٌّ الآن موجود بين أظهرنا. و أشار ابن الصلاح إلى إنكار بعض المحدّثين، لكنّ إنكارهم ليس لمسألة طول العمر بل لحديث مئة سنة، و توهّموا المنافاة بينهما، و قد أجاب القرطبي في تفسيره عن إشكالاتهم8، إلى قوله: " قلت : قد ذكرنا هذا الحديث و الكلام عليه و بيّنّا حياة الخضر إلى الآن و الله أعلم".

و ممّا يُتعجّب منه في بادئ النظر أنّ ابن الحجر في كتابه المشهور "الإصابة في تمييز الصحابة"9 فصّل الكلام في شرح حال الخضر(عليه السلام) بعنوان أنّه من أصحاب رسول الله(ص) بقوله: " فهو داخلٌ في تعريف الصحابى على أحد الأقوال، و لم أرَ من ذكره فيهم من القدماء مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره و بقائه"، ثمّ أفرد ما فصّله في الإصابة في كتابٍ سمّاه "الزهر النضر في حال الخضر(عليه السلام)".

و نرى في الدرّ المنثور، التفسير الروائي المعروف للسيوطي10: "و أخرج ابن شاهين عن خصيف قال: أربعة من الأنبياء أحياء: اثنان في السماء عيسى و إدريس، و اثنان في الأرض الخضر و إلياس، فأمّا الخضر فإنّه في البحر و أمّا صاحبه فإنّه في البرّ"، و نقل هذا الحديث أيضًا ابن الحجر في فتح الباري11 عن مكحول عن كعب الأحبار، و في هذين الكتابين، أي فتح الباري و الدرّ المنثور، أنّ الخضر و إلياس(عليهما السلام) يلتقيان كلّ عامٍ بالموسم، و في لقائهما كلّ عام في الموسم روايات متعدّدة في كتب الشيعة و السنّة.

و بالجملة، فالمقصود أنّ مسألة طول العمر لا تكون شبهة علميّة في معتقد الإماميّة، بل بما بيّنّاه ظَهَرَ أنّها لا تكون جديرةً بالاستبعاد أيضًا، و قد صُنّفت في الآونة الأخيرة كتبٌ و مقالاتٌ في هذه المسألة متبنّيًا على الأبحاث الجديدة في العلوم التجريبيّة و علم الأحياء و البيولوجيا، و صرّحت أنّه ممكنٌ، بل واقعٌ، طول العمر لنظام حيويّ سنين مديدة في الحيوان و الإنسان، لكن الأمر بحمد الله تعالى أوضح و أبين من أن يحتاج إليها، فإنّ الفكرة المهدويّة تدور على الإيمان بالغيب و بخرق العادات و المأنوسات و بما وعده الله تعالى عباده وعدًا حسنًا و هو لا يخلف الميعاد.

و من الجدير أن نتبرّك بكلام جميل و مثال لطيف للسيد الجليل علي بن طاوس قده، و نختم البحث به ليكون ختامه مسك، قال في کتابه كشف المحجة:

كشف المحجة لثمرة المهجة، ص: 105
و لقد جمعني و بعض أهل الخلاف مجلس منفرد فقلت لهم: ما الذي تأخذون على الإمامية؟ عرفوني به بغير تقية لأذكر ما عندي فيه، ... و قلت لهم: و أما ما أخذتم عليهم من طول غيبة المهدي عليه السلام، فأنتم تعلمون أنه لو حضر رجل و قال: أنا أمشي على الماء ببغداد فإنه يجتمع لمشاهدته لعل كل من يقدر على ذلك منهم، فإذا مشى على الماء و تعجب الناس منه. فجاء آخر قبل أن يتفرقوا و قال أيضا: أنا أمشي على الماء، فإن التعجب منه يكون أقل من ذلك، فمشى على الماء، فإن بعض الحاضرين ربما يتفرقون و يقل تعجبهم، فإذا جاء ثالث و قال: أنا أيضا أمشي على الماء فربما لا يقف للنظر إليه إلا قليل، فإذا مشي على الماء سقط التعجب من ذلك. فإن جاء رابع و ذكر أنه يمشي أيضا على الماء فربما لا يبقى أحد ينظر إليه و لا يتعجب منه، و هذه حالة المهدي صلوات الله عليه؛ لأنكم رويتم أن إدريس عليه السلام حي موجود في السماء منذ زمانه إلى الآن، و رويتم أن الخضر حي موجود مذ زمان موسى عليه السلام أو قبله إلى الآن، و رويتم أن عيسى عليه السلام حي موجود في السماء و أنه يرجع إلى الأرض مع المهدي عليه السلام، فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم و سقط التعجب بهم من طول أعمارهم. فهلا كان لمحمد بن عبد الله صلوات الله و سلامه عليه و آله اسوة بواحد منهم، أن يكون من عترته آية لله جل جلاله في امته بطول عمر واحد من ذريته، فقد ذكرتم و رويتم في صفته أنه يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت جورا و ظلما، و لو فكرتم لعرفتم أن تصديقكم و شهادتكم أنه يملأ الأرض بالعدل شرقا و غربا و بعدا و قربا، أعجب من طول بقائه، و أقرب إلى أن يكون ملحوظا بكرامات الله جل جلاله لأوليائه. و قد شهدتم أيضا له أن عيسى بن مريم النبي المعظم عليهما السلام يصلي خلفه مقتديا به في صلواته و تبعا له، و منصورا به في حروبه و غزواته، و هذا أيضا أعظم مقاما مما استبعدتموه من طول حياته، فوافقوا على ذلك.


1 الصافات، ۱۴۳

2 العنكبوت، ۱۴

3 أمالي الصدوق، ص ۵۱۲ ، والعبارة فی الروایة: عاش نوح ع ألفي سنة و خمسمائة سنة منها ثمانمائة و خمسون سنة قبل أن يبعث و ألف سنة إلا خمسين عاما و هو في قومه يدعوهم و مائتا سنة في عمل السفينة و خمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة و نضب الماء فمصر الأمصار و أسكن ولده البلدان ثم إن ملك الموت جاءه و هو في الشمس فقال السلام عليك فرد عليه نوح و قال له ما جاء بك يا ملك الموت فقال جئت لأقبض روحك فقال له تدعني أدخل من الشمس إلى الظل فقال له نعم فتحول نوح ع ثم قال يا ملك الموت فكأن ما مر بي في الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به قال فقبض روحه ع.

4 الكهف، ۲۵.

5 سورة البقرة، ۲۵۹

6 شرح النووي، ج ۱۵، ۱۳۵

7 فتاوى ابن الصلاح، ج۱، ۱۸۵

8 تفسير القرطبي، ج۱۱، ص ۵۴

9 الإصابة في تمييز الصحابة، ج۲، ص۲۴۶

10 الدر المنثور، ج۵،ص۴۳۲.

11 فتح الباري، ج۴، ص ۴۳۴











كمال الدين و تمام النعمة، ج‏2، ص: 483
3- حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال سمعت أبا علي محمد بن همام يقول سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول خرج توقيع بخط أعرفه من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله قال أبو علي محمد بن همام و كتبت أسأله عن الفرج متى يكون فخرج إلي كذب الوقاتون.



و أمّا قضيّة النهي عن التصريح بالاسم الخاصّ للإمام المهديّ(عج) و ممنوعيّة التسمية، فمُجمل الكلام فيه أنّه لا ريب في ورود النهي عن التسمية في رواياتٍ متعدّدةٍ، كما أنّه لا ريب في التصريح بالاسم الشريف في رواياتٍ و مواضع متعدّدةٍ أخرى، فما هو وجه الجمع؟

فبعض العلماء مثل صاحب الوسائل(قده) حَمَلَ أخبار النهي على التقيّة و مواضع الخوف، فجعل عنوان الباب1: «باب تحريم تسمية المهديّ(عليه السلام) و سائر الأئمة(عليهم السلام) و ذكرهم وقت التقيّة و جواز ذلك مع عدم الخوف» و أورد ۲۳ حديثًا مع التوضيح و البيان في بعضها، إلى أن قال في آخر الباب: «أقول و الأحاديث في التصريح باسم المهديّ محمد بن الحسن(عليه السلام) و في الأمر بتسميته عمومًا و خصوصًا، تصريحًا و تلويحًا، فعلًا و تقريرًا في النصوص و الزيارات و الدعوات و التعقيبات و التلقين و غير ذلك كثيرة جدًّا قد تقدّم جملة من ذلك و يأتي جملة أخرى و هو دالّ على ما قلناه في العنوان» و جاء في الهامش منه(قده): «قد صرّح باسمه(عليه السلام) جماعةٌ من علمائنا في كتب الحديث و الأصول و الكلام و غيرها، منهم العلّامة و المحقّق و المقداد و المرتضى و المفيد و ابن طاوس و غيرهم و المنع نادر، و قد حقّقناه في رسالة مفردة (منه قده)»، و قد مرّ منه(قده) الإشارة إلى ما جعله من العنوان و مقصوده قوله «و جواز ذلك مع عدم الخوف».

لكن خالفه بشدّة صاحب مستدرك الوسائل، حتّى إنّه قد غيّر العنوان في الوسائل فقال: «باب تحريم تسمية المهديّ و سائر الأئمة(عليهم السلام) و ذكرهم وقت التقيّة، و جواز ذلك مع عدم الخوف إلّا المهدي(عج) فإنّه لا يُسمّى باسمه إلى وقت الظهور»2 فأضاف إلى أحاديث الوسائل ۱۶ رواية أخرى، إلى أن قال في آخر الباب: «قلت و هذه الأخبار و غيرها ممّا يوجد في الأصل (أي الوسائل) بعد حمل ظاهرها على نصّها صريحة في أنّ عدم جواز تسمية مولانا المهديّ صلوات الله عليه باسمه المعهود من خصائصه، كغيبته و طول عمره، و أنّ غاية هذا المنع ظهوره و سطوع نوره و استيلاؤه و سلطنته لا يعلم سرّه و حكمته غيره تعالى ليس لأجل الخوف و التقيّة التي يشارك معه غيره من آبائه الكرام(عليهم السلام)» إلى أن قال: «و من جميع ذلك ظهر أنّ اللازم جعل عنوان الباب ما ذكرناه لا ما ذكره، و الله العالم».

و كذا صاحب البحار رجّح جانب الحرمة، بل جعلها يقينيًّا و لم يعتدّ بالقول بالجواز عند عدم التقيّة و الخوف، بعبارةٍ موجزةٍ في البحار، و مع التفصيل في مرآة العقول.

و الذي ينبغي لنا أن نجعله فصل الخطاب هو عمل الشيعة و السيرة القطعيّة و الطريقة المستمرّة بين جميع الإمامية الاثني عشريّة، و بهذه الملاحظة نقطع بأنّ النهي ليس نهي تحريم بالعنوان الأوّلي، و لكن ليس الأمر كما قال صاحب الوسائل بأنّ النهي جهتيّ معنون و متحيّث بعنوان التقيّة و الخوف، فإنّ في بعض الروايات تصريحٌ بخلاف ذلك، كقول أمير المؤمنين(عليه السلام) في جواب عمر بن الخطاب: «أمّا اسمه فإنّ حبيبي رسول الله(ص) عهد إليّ أن لا أحدّث به حتّى يبعثه الله» و كقول الإمام الكاظم(عليه السلام): «يخفى على الناس ولادته و لا يحلّ لهم تسميته حتّى يظهره الله عزّ و جلّ فيملأ به الأرض قسطًا و عدلًا كما مُلئت جورًا و ظلمًا»، قال في البحار3 «بيان: هذه التحديدات مصرّحة في نفي قول من خصّ ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلًا على بعض العلل المستنبطة و الاستعبادات الوهميّة»، لكن صاحب الوسائل استشهد بعبارات أشارت إلى التقيّة و الخوف، كقوله(عليه السلام): « إنْ دللتم على الاسم أذاعوه و إن عرفوا المكان دلّوا عليه»، و كقول العمريّ: « و إذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله و أمسكوا عن ذلك»4، و هذه لا تنفي أن تكون للنهي جهة أخرى غير الخوف و التقيّة، لأنّها كانت في الغيبة الصغرى و قد وقع التصريح باستدامة النهي إلى زمان ظهوره(عج).

هذا من ناحية، و من ناحيةٍ أخرى لا يمكننا أن نقول بحرمة التسمية، و تدلّ على ذلك السيرة العمليّة المستمرّة حتّى من العلماء القائلين بالتحريم، يعني أنّهم أنفسهم بعملهم يدلّوننا على أنّ النهي ليس نهي تحريم مُطلَق، و العلماء المتقدّمون غالبًا يُعبّرون في عنوان الباب بالنهي أو المنع لا بالتحريم والحرمة،كالكليني و النعماني و الصدوق(قدهم). لكن الصدوق(قده) نقل حديثًا في كتابَيْه عيون أخبار الرضا(عليه السلام) و كمال الدين، ثمّ قال في ذيله: «قال مصنّف هذا الكتاب جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم(عليه السلام)، و الذي أذهب إليه النهي عن تسميته(عليه السلام)»5 .

انظر أيّها القارئ الكريم إلى هذا القول و العمل من الشيخ الصدوق(قده)، إذ إنّه ينقل الرواية التي فيها تصريحٌ باسم الإمام المهدي(عج)، ثمّ يقول: لكنّي أذهب إلى النهي، إنْ كان هذا النهيُ نهيَ تحريمٍ مُطلَق فمن الحريّ أن يُسأل الشيخ: هل نقلُ الرواية المستحبّ يُعارض الحرمة؟ كيف يمكن أن ينقل الصدوق الرواية المشتملة على العمل الحرام؟ و من الطريف أنّه في كتابه المعروف «اعتقادات الإمامية» يُصرّح في موضعين منه باسم الإمام(عج)، و لعلّه رأى في مقام الاعتقادات مناسبة للتأكيد و التعيين، فيظهر جليًّا أنّ موقف الصدوق من النهي لم يكن نهيًا تحريميًا و لو بارتكازه قلبًا و عمله الارتكازي خارجًا، و إلّا لم يرتكب المحرّم.

و هكذا العلّامة المجلسي(قده) نقل الروايات المصرّحة بالاسم الشريف في البحار، و نقل قول الصدوق في ذيلها كما مرّ، لكنّه وجّهها في مرآة العقول6 بتوجيهاتٍ عجيبةٍ، قال: «و ما ورد في الأخبار و الأدعية من التصريح بالاسم فأكثره معلومٌ أنّه إمّا من الرواة أو من الفقهاء المجوّزين للتسمية في زمان الغيبة الكبرى، كالشيخ البهائي(قده) في مفتاح الفلاح و غيره فإنّه لما زعم الجواز صرّح بالاسم، و في سائر الروايات و الأدعية إمّا بالألقاب أو بالحروف المقطّعة، مع أنّ بعض الأخبار المتضمّنة للاسم إنّما يدلّ على جواز ذلك لهم لا لنا إلخ»، و هنا يطرح هذا السؤال نفسه: هل يجوز لصاحب البحار إذا علم صدور الفعل الحرام من الراوي أن يتّبعه و ينقل حديثه؟ أَ لم يسمع هذا الراوي الشيعي، النهي عن الاسم؟ إذا كان التصريح بالاسم جائزًا للأئمة(عليهم السلام) لا لنا ، فكيف التحديث به؟ كيف نقله المحدّثون كتبًا و لفظًا و أبقوه للأجيال القادمة يتحدّثون به كما حدّثوا، و يدعون به كما دعوا في دعواتهم؟ مثلًا أنّه نقل زيارة آل يس في موضعين من البحار7 و فيها: «اللهم صلّ على محمّد حجّتك في أرضك و خليفتك في بلادك و الداعي إلى سبيلك و القائم بقسطك و الثائر بأمرك... المرتقب الخائف... إلى قوله: الذي يملأ الأرض عدلًا إلخ».

فمن هذا الخلاف و الاختلاف بين العلماء و الناظرين في الروايات، نفهم أنّ هناك بعض الإبهامات و نقاط الغموض بعدُ، بيد أنّ السيرة المستمرّة و الطريقة العمليّة للشيعة واضحة لا غُبار عليها، نراهم عبر الغيبة الكبرى قرونًا متمادية لا يصرّحون باسم الإمام(عليه السلام) الخاصّ، و يأتون بألقابه الكثيرة، مثل الحجّة و المهديّ(عج)، حتّى إنّ صاحب الوسائل نفسه أتى في عنوان الباب: «باب تحريم تسمية المهديّ..» فلم يأت باسمه الشريف، هذا من جانب، و من جانب آخر نرى الشيعة جميعهم ينقلون الأحاديث المشتملة على التصريح بالاسم، و يقرؤون الزيارات و الدعوات المشتملة على الاسم، كدعاء العبرات و القاف و المستجاب المذكورة في البلد الأمين، و كزيارة آل يس. و حتّى في غير الدعاء و الزيارة نرى الفقهاء و العلماء يأتون بالاسم الشريف، مثلًا الفقيه العظيم صاحب الجواهر عندما يريد بيان تأكّد استحباب زيارة بقيّة الله(عج) يأتي بهذه العبارة8: «وكذا يُستحبّ مؤكّدًا زيارة الإمام المهديّ الحجّة صاحب الزمان أبي القاسم محمد بن الحسن(عليه السلام) عجّل الله فرجه و سهّل مخرجه الخ»، فهل ترى الشيعة إذا قرأوا هذه العبارة في الجواهر من الفقيه الماهر، يتألّمون و يغضبون و يعاتبونه؟ فكيف نجمع بين الجانبين من هذه السيرة العمليّة و الروايات التي تنهى عن الاسم؟

و ممّا بيّناه ظهر أنّ ليس وجه النهي، صرف التقيّة و الخوف كما ذهب إليه صاحب الوسائل، و كذا ليس النهي تحريمًا مطلقًا يجتنبه عامة الشيعة و يبغضون ممّن أتى به، فما هو الأمر؟

هنا وجهٌ آخر لم يُسمَع من غير سماحة آية الله البهجة(قدس سره الشريف) فيما نعلم، و لعلّه أوفق لِمَا نرى من عمل الشيعة، و هو أنّ وجه النهي عن الاسم هو التقيّة، لكن لا التقيّة من الخوف، بل التقيّة من النصارى، لأنّه مكتوبٌ عندهم و في كتبهم التصريح باسم خاتم النبيّين رسول الله(ص)، كما نطق به القرآن الكريم: «و مبشّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد»، «الذين يتّبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة و الإنجيل»، و إن ترجم في بعض المواضع «مئدمئد» أو «فارقليط» فقد جاء مصرّحًا بكلمة الاسم الشريف «محمّد» في مواضع مكرّرة من إنجيل برنابا، هذا حال اليهود و النصارى، فجاءهم رسول الله(ص) بالإسلام فلم يؤمنوا به، فإذا رأوا أنّ الشيعة يُعلنون في الملأ و يدعون إلى الله تعالى دائماً منتشرًا في البلاد: «اللهم عجّل في ظهور محمّد»، فمن المُرجّح أنّهم سيقولون: إنّ محمّدًا المذكور في التوراة و الإنجيل هو هذا الذي تنتظرونه، فنحن مثلكم ننتظره، و ليس هو نبيّكم الذي آمنتم به.

و هذه التقيّة من أهل الكتاب التي احتملها سماحة الشيخ(قده) تُناسب جانبَيْ عمل الشيعة اللذَيْن ذكرناهما. كما نری أنّ أمّهات الشيعة و آباءهم إذا علّموا أولادهم أسماء أئمّتهم(عليهم السلام)، لم يصرّحوا في الإمام المهديّ(عج) باسمه الشريف، و إذا دعوا في مجالسهم و أنديتهم لظهور الإمام(عج) لم يصرّحوا بالاسم، و مع ذلك يتواصون فيما بينهم بقراءة زيارة آل يس، و يذكرون فضلها و آثارها، مع أنّ فيها التصريح بالاسم الشريف. فشعار الشيعة عبر التاريخ أمر، و زوايا معتقداتهم أمرٌ آخر، و ليس ذاك من تدبيرهم، بل من تدبير الشارع المقدّس و أولياء الدين، و لذا مرّ في الحديث في جواب مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) لعمر بن الخطّاب أنّه عهد إليّ رسول الله(ص) أن لا أحدّث به، و ليس وجه هذه التقيّة الخوف الذي كان في الغيبة الصغرى، بل وجهه يستمرّ إلى ظهور أمره(عج) و نزول عيسى ابن مريم(عليه السلام)، فيلزم أن يكون شعار الشيعة في الدعاء للفرج في كلّ زمان، ألقابه الشريفة التي قال صحاب المستدرك: "تقرب من مئة و اثنين و ثمانين" 9،و في إشارة إليها، في المستدرك 10: " عن حذيفة اليمان عن رسول الله(ص) في خبر صفة المهديّ(عليه السلام) قال: و هو الذي لا يسمّيه باسمه ظاهرًا قبل قيامه إلّا كافرٌ به"، و في الحديث الذي بعده: "عن الريّان بن الصلت سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: القائم المهديّ(عليه السلام) ابن ابني الحسن، لا يُرى جسمه و لا يُسمّي باسمه بعد غيبته أحد حتّى يراه و يعلن باسمه فليسمّه كلّ الخلق، فقلنا له يا سيّدنا فإن قلنا صاحب الغيبة و صاحب الزمان و المهديّ، قال هو كلّه جائز مطلقًا و إنّما نهيتكم عن التصريح باسمه الخفيّ عن أعدائنا فلا يعرفوه"، فما المراد من الأعداء في هذا الحديث؟ هل هم الأعداء في خصوص الغيبة الصغرى؟ و هل المراد من قوله "فلا يعرفوه" أي لا يعرفوه ليقتلوه، أو لا يعرفوه معرفة عالميّة تاريخيّة باسمه الخاصّ الذي هو سميّ رسول الله(ص)؟ بل هنا نكتة دقيقة في رواية كمال الدين11 تبيّن أنّ اسمه الخاصّ أيضًا له مرتبتان: "له اسمان، اسم يخفيّ و اسمٌ يعلن، فأمّا الذي يخفى فأحمد، و أمّا الذي يُعلن فمحمّد".

و خلاصة الكلام أنّ دليلَيْ النهي و الجواز هنا لا يُجمعان بحمل النهي على الكراهة، أفمن صرّح بالاسم أتى بالمكروه؟! أتحسب أنّ صاحب الجواهر أتى بالمكروه في عبارته الماضية ؟! كلّا، إنّما يُحمل النهي على الحرمة بشرائطها، فمثلًا لو فرضنا أن يُعلن الشيعة اسمه الشريف في تعليم الأطفال و في الكتب الدراسيّة التعليميّة لمدارس الشباب و في خطب الجمعة و الجماعات و المنابر و الهيئات حتّى يؤول الأمر إلى تحقّق شعار للشيعة، فهذا لا يجوز و لا يرضاه الشارع، و كلّ ما هو دخيل في التسبيب للشعاريّة فهو حرام، و أمّا التنعُّم و التطيُّب و التبرُّك بالدعوات و الزيارات المشتملة على الاسم الشريف في الخلوات و في مواضع لا تصير سببًا للشعاريّة فمرغوبٌ فيه و نعمةٌ لأصحاب النعيم لا تعادلها نعمة، فهنيئًا لهم و صلوات الله و سلامه على وليّه الحجّة الإمام المنتظر المهديّ و على جدّه و آبائه المعصومين الأطيبين الأطهرين المكرّمين.

1 ج۱۶، ص۲۳۷

2 مستدرك ج١٢ ص ٢٧٩

3 ج٥١ ص٣٢

4 وسائل ج ۱۶ ص۲۴۰

5 كمال الدین ج١ ص۳۰۷، عيون ج۱، ص۴۰

6 ج 14، ص١٧

7 ج ٩١ ص ۴ و ج٩٩ ص۸۳

8 جواهر۲۰،ص١٠٠

9 مستدرك ج ۱۲، ص ۲۸۷ ؛ النجم الثاقب ص۳۷.

10 ج۱۲، ص۲۸۵

11 ج۲، ص۶۵۳.






كمال الدين و تمام النعمة ج‏1 253 23 باب نص الله تبارك و تعالى على القائم ع و أنه الثاني عشر من الأئمة ع ..... ص : 250 3- حدثنا غير واحد من أصحابنا قالوا حدثنا محمد بن همام عن جعفر بن محمد بن مالك الفرازي [الفزاري‏] قال حدثني الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد بن الحارث قال حدثني المفضل بن عمر عن يونس بن ظبيان عن جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول لما أنزل الله عز و جل على نبيه محمد ص يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم قلت يا رسول الله عرفنا الله و رسوله فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك فقال ع هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين من بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن و الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر و ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي و كنيي حجة الله في أرضه و بقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض و مغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان قال جابر فقلت له يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته فقال ع إي و الذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و إن تجللها سحاب يا جابر هذا من مكنون سر الله و مخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله قال جابر بن يزيد فدخل جابر بن عبد الله الأنصاري على علي بن الحسين ع فبينما هو يحدثه إذ خرج محمد بن علي الباقر ع من عند نسائه و على رأسه ذؤابة و هو غلام فلما بصر به جابر ارتعدت فرائصه و قامت كل شعرة على بدنه و نظر إليه مليا ثم قال له يا غلام أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال جابر شمائل رسول الله ص و رب الكعبة ثم قام فدنا منه فقال له ما اسمك يا غلام فقال محمد قال ابن من قال ابن علي بن الحسين قال يا بني فدتك نفسي فأنت إذا الباقر فقال نعم ثم قال فأبلغني ما حملك رسول الله ص فقال جابر يا مولاي إن رسول الله ص بشرني بالبقاء إلى أن ألقاك و قال لي إذا لقيته فأقرئه مني السلام فرسول الله يا مولاي يقرأ عليك السلام فقال أبو جعفر ع يا جابر على رسول الله السلام ما قامت السماوات و الأرض و عليك يا جابر كما بلغت السلام فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه و يتعلم منه فسأله محمد بن علي ع عن شي‏ء فقال له جابر و الله ما دخلت في نهي رسول الله ص فقد أخبرني أنكم أئمة الهداة من أهل بيته من بعده أحلم الناس صغارا و أعلم الناس كبارا و قال لا تعلموهم فهم أعلم منكم فقال أبو جعفر ع صدق جدي رسول الله ص إني لأعلم منك بما سألتك عنه و لقد أوتيت الحكم صبيا كل ذلك بفضل الله علينا و رحمته لنا أهل البيت. الأمالي( للصدوق)، النص، ص: 186 15- حدثنا محمد بن أحمد السنائي [السناني‏] رحمه الله قال حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال حدثنا الفضل بن الصقر العبدي قال حدثنا أبو معاوية عن سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين ع قال: نحن أئمة المسلمين و حجج الله على العالمين و سادة المؤمنين و قادة الغر المحجلين و موالي المؤمنين و نحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء و نحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها و بنا ينزل الغيث* و بنا ينشر الرحمة و يخرج بركات الأرض و لو لا ما في الأرض منا لساخت بأهلها قال ع و لم تخلو [تخل‏] الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور و لا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها و لو لا ذلك لم يعبد الله قال سليمان فقلت للصادق ع فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور قال كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب. كمال الدين و تمام النعمة، ج‏2، ص: 482 11- حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه قال حدثني‏ علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال حدثنا حمدان بن سليمان النيسابوري قال حدثني أحمد بن عبد الله بن جعفر المدائني عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال سمعت الصادق جعفر بن محمد ع يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل فقلت و لم جعلت فداك قال لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم «1» قلت فما وجه الحكمة في غيبته قال وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة «2» في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر ع من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسى ع إلى وقت افتراقهما «3» يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى و سر من سر الله و غيب من غيب الله و متى علمنا أنه عز و جل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف.







فرائد الأصول ( مع حواشى أوثق الوسائل )، ج‏1، ص: 477
جهّال الصوفيّة و لا على الوجه الأخير (346) الذي إن وجد في الأحكام ففي غاية الندرة،....
__________________________________________________
346. قيل: المراد بالوجه الأخير هو الوجه الثاني عشر الذي ذكره في رسالته، و هو أن يرى الفقيه الإمام عليه السّلام في أمثال زماننا و يأخذ منه الفتوى، لكنّه يريد أن يجمع بين إظهار الحقّ و كتمان السرّ، فيدّعي الإجماع في المسألة.
و أقول: قد أشار العلّامة الطباطبائي في فوائده إلى هذا الوجه بقوله: «و ربّما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام عليه السّلام بعينه على وجه لا ينافي الرؤية في هذه الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه، فيؤدّيه في صورة الإجماع جمعا بين إظهار الحقّ و النهي عن إذاعة مثله بقول مطلق» انتهى.





كفاية الأصول ( طبع آل البيت )، ص: 289
و ربما يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه السلام و أخذه الفتوى من جنابه و إنما لم ينقل عنه بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء.




الفوائد الرجالية (للسيد بحر العلوم)؛ ج‌3، ص: 320
و حكي عن الشيخ يحيى بن بطريق الحلي- صاحب كتاب العمدة و غيره-: انه «ذكر في رسالة نهج العلوم لتزكية الشيخ المفيد- رضي اللّه عنه- طريقين: أحدهما- ما يشترك بينه و بين غيره من أصحابنا الثقات، و ثانيهما- ما يختص به، و هو ما ترويه كافة الشيعة و تتلقاه بالقبول: أن مولانا صاحب الأمر- صلوات اللّه عليه و على آبائه- كتب اليه ثلاثة كتب، في كل سنة كتابا، و كان نسخة عنوان الكتاب: للاخ السديد و الولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان أدام اللّه إعزازه»- و ذكر بعض ما تقدم- ثمّ قال-: «و هذا أوفى مدح و تزكية، و أزكى ثناء و تطرية بقول إمام الأمة و خلف الائمة عليهم السلام» «2».
و قد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلغ و دعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى.
و يمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن و اشتمال التوقيع على الملاحم‌ و الاخبار عن الغيب الذى لا يطلع عليه إلا اللّه و أولياؤه باظهاره لهم، و إن المشاهدة المنفية: أن يشاهد الامام و يعلم أنه الحجة- عليه السلام- حال مشاهدته له، و لم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك.
و قد يمنع- أيضا- امتناعها في شأن الخواص، و ان اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، و دلالة بعض الآثار.
______________________________
(1) راجع: في هذين الكتابين تفصيلا-: الاحتجاج للطبرسي (ج 2 ص 318- 325) طبع النجف الأشرف- على ما فيهما من أغلاط مطبعية غير مغتفرة-.
(2) الحاكى عن ابن بطريق في رسالته (نهج العلوم الى نفي المعدوم): هو العلامة المحدث الشيخ يوسف البحراني أستاذ سيدنا- طاب ثراه- راجع (لؤلؤة البحرين: ص 367) طبع النجف الأشرف سنة 1386 ه‍، و نقل ذلك عن (اللؤلؤة) أيضا صاحب (روضات الجنات) في ترجمة الشيخ المفيد (ص 563) أما كتاب نهج العلوم- هذا- فهو من المخطوطات المفقودة في زماننا.




















****************
ارسال شده توسط:

Friday - 10/11/2023 - 20:28

پیشنهاد یا مطلب تحقیقی یا ویرایشی یا هر نوع چیزی که مناسب میدانید ارسال فرمایید تا به متن فعلی فورا ضمیمه شود.