بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 151
باب 44 حقيقة الرؤيا و تعبيرها و فضل الرؤيا الصادقة و علتها و علة الكاذبة
الآيات يونس الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم «1» يوسف إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك إلى قوله تعالى و كذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الأحاديث «2» و قال تعالى و لنعلمه من تأويل الأحاديث «3» و قال تعالى و دخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا و قال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إلى قوله يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا و أما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان إلى قوله تعالى قال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رءياي إن كنتم للرءيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين و قال الذي نجا منهما و ادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات
__________________________________________________
(1) يونس: 64.
(2) يوسف: 8.
(3) يوسف: 23.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 152
لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون «1» الإسراء و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس «2» الروم و من آياته منامكم بالليل و النهار و ابتغاؤكم من فضله «3» الصافات قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك «4» الفتح لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق «5» المجادلة إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله و على الله فليتوكل المؤمنون «6» النبأ و جعلنا نومكم سباتا «7» تفسير الذين آمنوا أي بجميع ما يجب الإيمان به و كانوا يتقون مع ذلك معاصيه لهم البشرى قال الطبرسي رحمه الله قيل فيه أقوال أحدها أن البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال الصالحة و ثانيها أن البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة للمؤمنين عند موتهم ب ألا تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون و ثالثها أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له و في القيامة إلى أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بها حالا بعد حال و هو المروي عن أبي جعفر ع و روي ذلك في حديث مرفوعا عن النبي ص «8».
لا تقصص رؤياك قال البيضاوي الرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في
__________________________________________________
(1) يوسف: 36- 51.
(2) الإسراء: 60.
(3) الروم: 23.
(4) الصافات: 102.
(5) الفتح: 27.
(6) المجادلة: 10.
(7) النبأ: 9.
(8) مجمع البيان: ج 5، ص 120.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 153
النوم و فرق بينهما بحرف التأنيث كالقربة و القربى و هي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك و الصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها «1» من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها مما يليق من المعاني الحاصلة هناك ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية و الجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير و إلا احتاجت إليه.
من تأويل الأحاديث أي من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة و أحاديث النفس و الشيطان إن كانت كاذبة أو من تأويل غوامض كتب الله و سنن الأنبياء و كلمات الحكماء «2».
و قال الطبرسي رحمه الله قيل إنه كان بين رؤياه و بين مصير أبيه و إخوته إلى مصر أربعون سنة عن ابن عباس و أكثر المفسرين و قيل ثمانون عن الحسن «3» و قال النيسابوري قال علماء التعبير إن الرؤيا الردية يظهر أثرها عن قريب لكيلا يبقى المؤمن في الحزن و الغم و الرؤيا الجيدة يبطئ تأثيرها لتكون بهجة المؤمن أدوم.
قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا قال الطبرسي رحمه الله هو من رؤيا المنام كان يوسف ع لما دخل السجن قال لأهله إني أعبر الرؤيا فقال أحد العبدين و هو الساقي رأيت أصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها و عصرتها في كأس الملك و سقيته إياها و قال صاحب الطعام إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز و أنواع الأطعمة و سباع الطير تنهش منه نبئنا بتأويله أي أخبرنا بتعبيره و ما يئول إليه أمره قال لا يأتيكما طعام ترزقانه في منامكما إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة قبل أن يأتيكما التأويل أما أحدكما فيسقي ربه خمرا روي أنه قال
__________________________________________________
(1) كذا في المصدر، و في بعض نسخ الكتاب «فراغه».
(2) أنوار التنزيل: ج 1 ص 585.
(3) مجمع البيان: ج 5، ص 209.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 154
أما العناقيد الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تبقى في السجن ثم يخرجك الملك في يوم الرابع و تعود إلى ما كنت عليه و الرب المالك و أما الآخر أي صاحب الطعام روي أنه قال بئس ما رأيت أما السلاسل الثلاث فإنها ثلاثة أيام تبقى في السجن فيخرجك الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك فقال عند ذلك ما رأيت شيئا و كنت ألعب فقال يوسف قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أي فرغ من الأمر الذي تسألان و تطلبان معرفته و ما قلته لكما فإنه نازل بكما و هو كائن لا محالة «1».
و قال الملك قال النيسابوري لما دنا فرج يوسف أراه الله في المنام سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس و سبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان و رأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها و سبعا أخر يابسات قد استحصدت و أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاضطرب الملك بسببه لأن فطرته قد شهدت بأن استيلاء الضعيف على القوي منذر بنوع من أنواع الشر إلا أنه لم يعرف تفصيله فجمع الكهنة و المعبرين و قال يا أيها الملأ أفتوني في رءياي ثم إنه تعالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه فأعجز الله أولئك الملأ عن جواب المسألة و عماه عليهم حتى قالوا إنها أضغاث أحلام و نفوا عن أنفسهم كونهم عالمين بتأويلها.
و اعلم أنه سبحانه خلق جوهر النفس الناطقة بحيث يمكنها الصعود إلى عالم الأفلاك و مطالعة اللوح المحفوظ و المانع لها من ذلك هو اشتغالها بتدبير البدن و ما يرد عليها من طريق الحواس و في وقت النوم تقل تلك الشواغل فتقوى النفس على تلك المطالعة فإذا وقفت النفس على حالة من تلك الأحوال فإن بقيت في الخيال كما شوهدت لم تحتج إلى التأويل و إن نزلت آثار مخصوصة مناسبة للإدراك الروحاني إلى عالم الخيال فهناك يفتقر إلى المعبر ثم منها ما هي متسقة منتظمة يسهل على المعبر الانتقال من تلك المتخيلات إلى الحقائق الروحانيات و منها ما تكون مختلطة مضطربة لا يضبط تحليلها و تركيبها لتشويش وقع في ترتيبها و تأليفها فهي المسماة بالأضغاث و بالحقيقة الأضغاث ما يكون مبدؤها تشويش القوة المتخيلة لفساد وقع في القوى البدنية
__________________________________________________
(1) مجمع البيان: ج 5، ص 232- 235 (ملخصا).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 155
و لورود أمر غريب عليه من خارج لكن القسم المذكور قد تعد من الأضغاث من حيث إنها أعيت المعبر عن تأويلها انتهى و قال الذي نجا منهما قال البيضاوي أي من صاحبي السجن و هو الشرابي و ادكر بعد أمة و تذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أو «1» مدة طويلة فأرسلون إلى من عنده علمه أو إلى السجن لعلي أرجع إلى الناس أي إلى الملك و من عنده لعلهم يعلمون تأويله أو فضلك و مكانك دأبا أي على عادتكم المستمرة و انتصابه على الحال بمعنى دائبين أو المصدر بإضمار فعله أي تدأبون دأبا و تكون الجملة حالا فذروه في سنبله لئلا يأكله السوس إلا قليلا مما تأكلون في تلك السنين ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فنسب «2» إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر و المعبر به إلا قليلا مما تحصنون أي تحرزون لبذور الزراعة فيه يغاث الناس أي يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث و فيه يعصرون ما يعصر كالعنب و الزيتون لكثرة الثمار و قيل يحلبون الضروع «3».
و ما جعلنا الرؤيا قيل المراد رؤية العين و الأكثر على أنه رؤية المنام و قال الطبرسي رحمه الله روي عن ابن عباس أنها رؤيا نوم رآها أنه سيدخل مكة و هو بالمدينة فقصدها فصده المشركون في الحديبية عن دخولها حتى شك قوم و دخلت عليهم الشبهة فقالوا يا رسول الله أ ليس قد أخبرتنا أنا ندخل المسجد الحرام آمنين فقال أ و قلت لكم إنكم تدخلونها العام قالوا لا فقال لندخلنها إن شاء الله و رجع ثم دخل مكة في العام القابل فنزل لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق «4» و قيل رأى ص في منامه أن قرودا تصعد منبره و تنزل فساءه ذلك و اغتم به فلم «5»
__________________________________________________
(1) في المصدر: أى.
(2) في المصدر: فأسند.
(3) أنوار التنزيل: ج 1، ص 597- 598.
(4) الفتح: 27.
(5) في المجمع: فلم يسمع بعد ذلك ضاحكا حتى مات.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 156
ير بعد ذلك ضاحكا حتى توفي «1».
أقول و قد مرت أخبار كثيرة في ذلك و قال الرازي قال سعيد بن المسيب رأى رسول الله ص بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك و هذا قول ابن عباس في رواية عطا.
و من آياته منامكم بالليل و النهار أي منامكم في الزمانين لاستراحة القوى النفسانية و قوة القوى الطبيعية و طلب معاشكم فيهما أو منامكم بالليل و ابتغاؤكم بالنهار فلف و ضم بين الزمانين و الفعلين بعاطفين إشعارا بأن كلا من الزمانين و إن اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عند الحاجة و يؤيده سائر الآيات الواردة فيه.
إني أرى في المنام يدل على أن نوم الأنبياء ع بمنزلة الوحي و كذا الآية التالية إنما النجوى من الشيطان قال الطبرسي رحمه الله يعني نجوى المنافقين و الكفار بما يسوء المؤمنين و يغمهم من وساوس الشيطان و بدعائه و إغوائه و قيل المراد بها أحلام المنام التي يراها الإنسان في منامه و يحزنه «2». أقول سيأتي ذلك في الرواية و جعلنا نومكم سباتا قال السيد المرتضى رحمه الله إن سأل سائل عن قوله تعالى و جعلنا نومكم سباتا فقال إذا كان المراد بالسبات هو النوم فكأنه قال و جعلنا نومكم نوما و هذا مما لا فائدة فيه الجواب قلنا في هذه الآية وجوه منها أن يكون المراد بالسبات الراحة و الدعة و قد قال قوم إن اجتماع الخلق كان في يوم الجمعة و الفراغ منه في يوم السبت فسمي اليوم بالسبت للفراغ الذي كان فيه و لأن الله تعالى أمر بني إسرائيل فيه بالاستراحة من الأعمال قيل و أصل السبات التمدد يقال سبتت المرأة شعرها إذا حلته من العقص و أرسلته قال الشاعر و إن سبتته مال جثلا كأنه. سدى واهلات من نواسج خثعما.
أراد إن أرسلته و منها أن يكون المراد بذلك القطع و السبت أيضا الحلق
__________________________________________________
(1) مجمع البيان: ج 6، ص 424.
(2) مجمع البيان: ج 9، ص 251.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 157
يقال سبت شعره إذا حلقه و هو يرجع إلى معنى القطع و النعال السبتية التي لا شعر عليها.
قال عنترة
بطل كأن ثيابه في سرحة يحذي نعال السبت ليس بتوأم.
و يقال لكل أرض مرتفعة منقطعة مما حولها سبتاء و جمعها سباتى فيكون المعنى على هذا الجواب جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم و تصرفكم و منها أن يكون المراد بذلك أنا جعلنا نومكم سباتا ليس بموت لأن النائم قد يفقد من علومه و قصوده و أحواله أشياء كثيرة يفقدها الميت فأراد سبحانه أن يمتن علينا بأن جعل نومنا الذي يضاهي فيه بعض أحوالنا أحوال الميت ليس بموت على الحقيقة و لا يخرج لنا عن الحياة و الإدراك فجعل التأكيد بذكر المصدر قائما مقام نفي الموت و سادا مسد قوله و جعلنا نومكم ليس بموت و يمكن في الآية وجه آخر لم يذكر فيها هو أن السبات ليس هو كل نوم و إنما هو من صفات النوم إذا وقع على بعض الوجوه و السبات هو النوم الممتد الطويل السكون و لهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم إنه مسبوت و به سبات و لا يقال ذلك في كل نائم و إذا كان الأمر على هذا لم يجر قوله تعالى و جعلنا نومكم سباتا مجرى أن يقول و جعلنا نومكم نوما و الوجه في الامتنان علينا بأن جعل نومنا ممتدا طويلا ظاهر و هو لما في ذلك لنا من المنفعة و الراحة لأن التهويم و النوم الغرار لا يكسبان شيئا من الراحة بل يصحبهما في الأكثر القلق و الانزعاج و الهموم هي التي تقلل النوم و تنزره و فراغ القلب و رخاء البال تكون معهما غزارة النوم و امتداده و هذا واضح.
قال السيد قدس الله روحه وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري يطعن على الجواب الذي ذكرناه أولا و يقول إن ابن قتيبة أخطأ في اعتماده لأن الراحة لا يقال لها سبات و لا يقال سبت الرجل بمعنى استراح و أراح و يعتمد على الجواب الذي ثنينا بذكره و يقول في ما استشهد به ابن قتيبة من قوله سبتت المرأة شعرها إن معناه أيضا القطع لأن ذلك إنما يكون بإزالة الشداد الذي كان مجموعا به
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 158
و قطعه و المقدار الذي ذكره ابن الأنباري لا يقدح في جواب ابن قتيبة لأنه لا ينكر أن يكون السبات هو الراحة و الدعة إذا كانتا عن نوم و إن لم توصف كل راحة بأنها سبات و يكون هذا الاسم يخص الراحة إذا كانت على هذا الوجه و لهذا نظائر كثيرة في الأسماء و إذا أمكن ذلك لم يكن في امتناع قولهم سبت الرجل بمعنى استراح في كل موضع دلالة على أن السبات لا يكون اسما للراحة عند النوم و الذي يبقى على ابن قتيبة أن يبين أن السبات هو الراحة و الدعة و يستشهد على ذلك بشعر أو لغة فإن البيت الذي ذكره يمكن أن يكون المراد به القطع دون التمدد و الاسترسال.
فإن قيل فما الفرق بين جواب ابن قتيبة و جوابكم الذي ذكرتموه أخيرا قلنا الفرق بينهما بين لأن ابن قتيبة جعل السبات نفسه راحة و جعله عبارة عنها و أخذ يستشهد على ذلك بالتمدد دون غيره و نحن جعلنا السبات نفسه من صفات النوم و الراحة واقعة عنده للامتداد و طول السكون فيه فلا يلزمنا أن نقول سبت الرجل بمعنى استراح لأن الشيء لا يسمى بما يقع عنده حقيقة و الاستراحة تقع على جوابنا عند السبات و ليس السبات إياها بعينها على أن في الجواب الذي اختاره ابن الأنباري ضربا من الكلام لأن السبت و إن كان القطع على ما ذكره فلم يسمع فيه البناء الذي ذكره و هو السبات و يحتاج في إثبات مثل هذا البناء إلى سمع عن أهل اللغة و قد كان يجب أن يورد من أي وجه إذا كان السبت هو القطع جاز أن يقال سبات على هذا المعنى و لم نره فعل ذلك «1».
1- مجالس الصدوق، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ع عن أبيه عن جده عن علي ع قال: سألت رسول الله ص عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربما كانت حقا و ربما كانت باطلا فقال رسول الله ص يا علي ما من عبد ينام إلا عرج بروحه إلى رب العالمين فما رأى عند رب العالمين فهو حق ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده فصارت الروح بين السماء و الأرض فما
__________________________________________________
(1) الغرر و الدر ج 1 ص 337- 340.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 159
رأته فهو أضغاث أحلام «1».
2- و منه، بإسناده عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان قال و حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محسن بن أحمد عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول إن لإبليس شيطانا يقال له هزع يملأ المشرق و المغرب في كل ليلة يأتي الناس في المنام «2».
3- قرب الإسناد، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله ع قال: من رأى أنه في الحرم و كان خائفا أمن.
4- تفسير علي بن إبراهيم، في قوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة قال في الحياة الدنيا الرؤيا الحسنة يراها المؤمن و في الآخرة عند الموت «3».
5- المحاسن، عن أبيه عن صفوان عن داود عن أخيه عبد الله قال: بعثني إنسان إلى أبي عبد الله ع زعم أنه يفزع في منامه من امرأة تأتيه قال فصحت حتى سمع الجيران فقال أبو عبد الله ع اذهب فقل إنك لا تؤدي الزكاة قال بلى و الله إني لأؤديها فقال قل له إن كنت تؤديها لا تؤديها إلى أهلها «4».
6- الخرائج، روي أن أبا عمارة المعروف بالطيان قال: قلت لأبي عبد الله ع رأيت في النوم كأن معي قناة قال كان فيها زج قلت لا قال لو رأيت فيها زجا لولد «5» لك غلام لكنه «6» تولد جارية ثم سكت ساعة ثم قال كم في القناة من كعب قلت اثنا عشر كعبا قال تلد الجارية اثني عشر بنتا.
قال محمد بن يحيى فحدثت بهذا الحديث العباس بن الوليد فقال: أنا من
__________________________________________________
(1) الأمالي: 89.
(2) الأمالي: 89. و زاد: «و لهذا يرى الاضغاث».
(3) تفسير القمي: 289.
(4) المحاسن: 87.
(5) يولد (خ).
(6) لكن (خ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 160
واحدة منهن و لي إحدى عشرة خالة و أبو عمارة جدي.
7- المناقب، عن ياسر الخادم قال: قلت لأبي الحسن الرضا ع رأيت في النوم كأن قفصا فيه سبع عشرة قارورة إذ وقع القفص فتكسرت القوارير فقال إن صدقت رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ثم يموت فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا فمكث سبعة عشر يوما ثم مات «1».
الكافي، عن الحسين عن أحمد بن هلال عن ياسر مثله «2» بيان إن صدقت رؤياك أي لم تكن من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها أو لم تكذب في نقلها و الأول أظهر و محمد بن إبراهيم هو طباطبا بايعه أولا أبو السرايا و خرج و لما مات بايع محمد بن زيد و قال الطبري في تاريخه كان اسم أبي السرايا سري بن منصور و كان من أولاد هاني بن قبيصة الذي عصى على كسرى أبرويز و كان أبو السرايا من أمراء المأمون ثم عصى في الكوفة على أمير العراق و بايع محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ع ثم أرسل إليه حسن بن سهل أمير العراق جندا فقاتلوه و أسر و قتل.
8- الكشي، عن علي بن محمد عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى قال قال لي ياسر الخادم إن أبا الحسن الثاني ع أصبح في بعض الأيام قال فقال لي رأيت البارحة مولى لعلي بن يقطين و بين عينيه غرة بيضاء فتأولت ذلك على الدين.
9- دعوات الراوندي، حدث أبو بكر بن عياش قال: كنت عند أبي عبد الله ع فجاءه رجل فقال رأيتك في النوم كأني أقول لك كم بقي من أجلي فقلت لي بيدك هكذا و أومأ إلى خمس و قد شغل ذلك قلبي فقال ع إنك سألتني عن شيء لا يعلمه إلا الله عز و جل و هي خمس تفرد الله بها إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ما ذا تكسب غدا و ما تدري
__________________________________________________
(1) المناقب: ج 4، ص 352.
(2) روضة الكافي: 275.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 161
نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير «1».
بيان قال الطبرسي رحمه الله
جاء في الحديث أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله و قرأ هذه الآية.
و قد روي عن أئمة الهدى أن هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل و التحقيق غيره تعالى «2».
أقول هذا لا ينافي ما أخبروا ع به من هذه الأشياء على سبيل الإعجاز لأنه كان بالوحي و الإلهام و كان عدم الإخبار في هذا المقام لعدم وصول الخبر من الله تعالى إليه في تلك الواقعة أو لمصلحة و قد مر القول فيه في كتاب الإمامة.
10- الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة أن رجلا دخل على أبي عبد الله ع فقال رأيت كأن الشمس طالعة على رأسي دون جسدي فقال تنال أمرا جسيما و نورا ساطعا و دينا شاملا فلو غطتك لانغمست فيه و لكنها غطت رأسك أ ما قرأت فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي «3» فلما أفلت تبرأ منها إبراهيم ع قال قلت جعلت فداك إنهم يقولون إن الشمس خليفة أو ملك فقال ما أراك تنال الخلافة و لم يكن في آبائك و أجدادك ملك و أي خلافة و ملوكية أكثر «4» من الدين و النور ترجو به دخول الجنة إنهم يغلطون فقلت «5» صدقت جعلت فداك «6».
بيان بازغة أي طالعة و لعل استشهاده ع كان بأن إبراهيم ع بعد رؤية الشمس و اختلاف أحوالها اهتدى أو أظهر الاهتداء و هدى قومه إلى التوحيد فطلوع الشمس على رأسك علامة لاهتدائك إلى الدين القويم أو بأن الشمس لما
__________________________________________________
(1) لقمان: 34.
(2) مجمع البيان: ج 8، ص 324.
(3) الأنعام: 78.
(4) في المصدر: أكبر.
(5) في بعض النسخ و المصدر: قلت.
(6) روضة الكافي: 291- 292.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 162
كان في عالم المحسوسات أضوأ الأنوار حتى إن إبراهيم ع قال لموافقة قومه و إتمام الحجة عليهم هذا ربي لغلبة نورها و ظهورها و وصفها بالكبر ثم تبرأ منها لتغير أحوالها الدالة على إمكانها و حدوثها و في الرؤيا تتمثل الأمور المعنوية بالأمور المحسوسة المناسبة لها فينبغي أن يكون هذا النور أضوأ الأنوار المعنوية فليس إلا الدين الحق و الأول أظهر لفظا و الثاني معنى قوله ع و لم يكن في آبائك يظهر منه أن تعبير الرؤيا يختلف باختلاف الأشخاص و يحتمل أن يكون الغرض بيان خطإ أصل تعبيرهم بأن ذلك غير محتمل لا أنه لا يستقيم في خصوص تلك المادة.
11- الكافي، بالإسناد المتقدم عن ابن أذينة عن رجل رأى كأن الشمس طالعة على قدميه دون جسده قال ع مال يناله من نبات «1» الأرض من بر أو تمر يطؤه بقدميه و يتسع فيه و هو حلال إلا أنه يكد فيه كما كد آدم ع «2».
12- و منه، عن علي عن أبيه عن الحسن بن علي عن أبي جعفر الصائغ عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله ع و عنده أبو حنيفة فقلت له جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة فقال يا ابن مسلم هاتها فإن العالم بها جالس و أومأ بيده إلى أبي حنيفة قال فقلت رأيت كأني دخلت داري و إذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزا كثيرا و نثرته علي فتعجبت من هذه الرؤيا فقال أبو حنيفة أنت رجل تخاصم و تجادل لئاما في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله فقال أبو عبد الله ع أصبت و الله يا أبا حنيفة قال ثم خرج أبو حنيفة من عنده فقلت جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب فقال يا ابن مسلم لا يسؤك الله فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا و لا تعبيرنا تعبيرهم و ليس التعبير كما عبره قال فقلت له جعلت فداك فقولك أصبت و تحلف عليه و هو مخطئ قال نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطاء قال فقلت له فما تأويلها قال يا ابن مسلم
__________________________________________________
(1) في المصدر: نبات من الأرض.
(2) روضة الكافي: 275.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 163
إنك تتمتع بامرأة فتعلم بها أهلك فتخرق «1» عليك ثيابا جددا فإن القشر كسوة اللب قال ابن مسلم فو الله ما كان بين تعبيره و تصحيح الرؤيا إلا صبيحة الجمعة فلما كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرت بي جارية فأمرت غلامي فردها ثم أدخلها داري فتمتعت بها فأحست بي و بها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب فبقيت أنا فمزقت علي ثيابا جددا كنت ألبسها في الأعياد و جاء موسى الزوار العطار إلى أبي عبد الله ع فقال له يا ابن رسول الله رأيت رؤيا هالتني رأيت صهرا لي ميتا و قد عانقني و قد خفت أن يكون الأجل قد اقترب فقال يا موسى توقع الموت صباحا و مساء فإنه ملاقينا و معانقة الأموات للأحياء أطول لأعمارهم فما كان اسم صهرك قال حسين فقال أما إن رؤياك تدل على بقائك و زيارتك أبا عبد الله ع فإن كل من عانق سمي الحسين ع يزوره إن شاء الله تعالى و ذكر إسماعيل بن عبد الله القرشي قال أتى إلى أبي عبد الله ع رجل فقال «2» يا ابن رسول الله رأيت في منامي كأني خارج من مدينة الكوفة في موضع أعرفه و كأن شيخا «3» من خشب أو رجلا منحوتا من خشب على فرس من خشب يلوح بسيفه و أنا أشاهده فزعا مذعورا مرعوبا فقال ع أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته فاتق الله الذي خلقك ثم يميتك فقال الرجل أشهد أنك قد أوتيت علما و استنبطته من معدنه أخبرك يا ابن رسول الله عما قد فسرت لي إن رجلا من جيراني جاءني و عرض علي ضيعته فهممت أن أملكها بوكس «4» كثير لما عرفت أنه ليس لها طالب غيري فقال أبو عبد الله ع و صاحبك يتولانا و يبرأ من عدونا فقال نعم يا ابن رسول الله رجل جيد البصيرة مستحكم الدين و أنا
__________________________________________________
(1) في المصدر: فتمزق.
(2) في المصدر: فقال له.
(3) فيه: شبحا.
(4) الوكس: النقص.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 164
تائب إلى الله عز و جل و إليك مما هممت به و نويته فأخبرني يا ابن رسول الله لو كان ناصبيا «1» حل لي اغتياله فقال أد الأمانة لمن ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو إلى قاتل الحسين ع «2».
بيان الظاهر أن الراوي عن الزوار و القرشي هو محمد بن مسلم و يحتمل الإرسال من الكليني قوله أو رجلا كأن الترديد من الراوي و يقال لوح بسيفه على بناء التفعيل أي لمع به.
13- الكافي، عن محمد بن يحيى عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال سمعت أبا الحسن ع يقول الرؤيا على ما تعبر فقلت له إن بعض أصحابنا روى أن رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام فقال أبو الحسن ع إن امرأة رأت على عهد رسول الله ص أن جذع بيتها انكسر «3» فأتت رسول الله ص فقصت عليه الرؤيا فقال لها النبي ص يقدم زوجك و يأتي و هو صالح و قد كان زوجها غائبا فقدم كما قال النبي ص ثم غاب عنها زوجها غيبة أخرى فرأت في المنام كأن جذع بيتها قد انكسر «4» فأتت النبي ص فقصت عليه الرؤيا فقال لها يقدم زوجك و يأتي صالحا فقدم على ما قال ثم غاب زوجها ثالثة فرأت في منامها أن جذع بيتها قد انكسر فلقيت رجلا أعسر فقصت عليه الرؤيا فقال لها الرجل السوء يموت زوجك فبلغ النبي ص «5» فقال ألا كان عبر لها خيرا «6».
توضيح أضغاث أحلام أي لم تكن لها حقيقة و إنما وقعت كذلك لتعبير يوسف ع و إنما أورد الراوي تلك الرواية تأييدا لما ذكره قوله ص يقدم
__________________________________________________
(1) فيه: ناصبا.
(2) روضة الكافي: 293.
(3) في المصدر: قد انكسر.
(4) في بعض النسخ «انكسرت» فى المواضع الثلاثة.
(5) في المصدر: قال: فبلغ ذلك النبي.
(6) روضة الكافي: 335.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 165
زوجك لعله ص عبر انكسار أسطوانة بيتها بفوات ما كان لها من التمكن و التصرف في غيبته و قال الفيروزآبادي يوم عسر و عسير و أعسر شديد أو شؤم و أعسر يسر يعمل بيديه جميعا فإن عمل بالشمال فهو أعسر و المراد هنا الشوم أو من يعمل باليسار فإنه أيضا مشوم و يظهر من أخبار المخالفين أن هذا الأعسر كان أبا بكر و لعله ص لم يصرح باسمه تقية قال في النهاية فيه إن امرأة أتت النبي ص فقالت رأيت كأن جائز بيتي انكسر فقال يرد الله غائبك فرجع زوجها ثم غاب فرأت مثل ذلك فأتت النبي ص فلم تجده و وجدت أبا بكر فأخبرته فقال يموت زوجك فذكرت ذلك لرسول الله ص فقال هل قصصتها على أحد قالت نعم قال هو كما قيل لك الجائز الخشبة التي توضع عليها أطراف العوارض في سقف البيت و الجمع أجوزة.
14- الكافي، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن الحلبي عن ابن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر ع قال: رأيت كأني على رأس جبل و الناس يصعدون إليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء و جعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب حتى لم يبق منهم أحد إلا عصابة يسيرة ففعل ذلك خمس مرات في كل ذلك يتساقط عنه الناس و تبقى تلك العصابة أما إن قيس بن عبد الله بن عجلان في تلك العصابة فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من خمس حتى هلك «1».
بيان كأن تأويل الرؤيا الفتن التي حدثت بعده صلوات الله عليه في الشيعة فارتدوا.
و أقول و روى الكشي عن حمدويه بن نصير عن محمد بن عيسى عن النضر مثله و فيه أما إن ميسر بن عبد العزيز و عبد الله بن عجلان في تلك العصابة فما مكث بعد ذلك إلا نحوا من سنتين حتى هلك ع و قيس غير مذكور في كتب الرجال.
15- المحاسن، عن أبيه عن حمزة بن عبد الله عن جميل بن دراج قال قال
__________________________________________________
(1) روضة الكافي: 182- 183.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 166
أبو عبد الله ع إن المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم صعد «1» الله بأرواحهم إليه فمن قضى عليه بالموت جعله في رياض الجنة بنور «2» رحمته و نور عزته و إن لم يقدر عليه الموت بعث بها مع أمنائه من الملائكة إلى الأبدان التي هي فيها «3».
16- العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال: رأت فاطمة ع في النوم كأن الحسن و الحسين ع ذبحا أو قتلا فأحزنها ذلك فأخبرت به رسول الله ص فقال يا رؤيا فتمثلت بين يديه قال أنت أريت فاطمة هذا البلاء قالت لا فقال يا أضغاث و أنت أريت فاطمة هذا البلاء قالت نعم يا رسول الله قال ما «4» أردت بذلك قالت أردت «5» أحزنها فقال ص لفاطمة ع اسمعي ليس هذا بشيء «6».
بيان كأن خطابه ص كان لملك الرؤيا و شيطان الأضغاث لقوله سبحانه إنما النجوى من الشيطان أو تمثل بإعجازه ص لكل منهما مثال و تعلق به روح فسأله و مثل هذا التسلط الذي يذهب أثره سريعا من الشيطان و لم يوجب معصية على المعصومين ع لم يدل دليل على نفيه و لا ينافيه قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان «7» و قد مر بعض القول فيه في كتاب النبوة و سيأتي أيضا إن شاء الله تعالى.
17- فرج المهموم، نقلا من كتاب تعبير الرؤيا للكليني بإسناده عن محمد بن سالم قال قال أبو عبد الله ع قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا و ذلك «8» كانت صحيحة حين لم يرد الشمس على يوشع بن نون و على أمير المؤمنين ع فلما رد الله عز و جل الشمس عليهما ضل فيهما علماء النجوم فمنهم مصيب و منهم مخطئ.
18- البصائر، عن علي بن حسان عن ابن بكير عن زرارة قال: سألت أبا جعفر ع من الرسول و من النبي و من المحدث فقال الرسول الذي يأتيه
__________________________________________________
(1) في المصدر: أصعد.
(2) فيه: فى كنوز رحمته.
(3) المحاسن: 178.
(4) في المصدر: فما اردت.
(5) فيه: اردت أن أحزنها.
(6) تفسير العياشي: ج 2، ص 172.
(7) الحجر: 41.
(8) كذا.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 167
جبرئيل فيكلمه قبلا فيراه كما يرى أحدكم صاحبه الذي يكلمه فهذا الرسول و النبي الذي يؤتى في النوم نحو رؤيا إبراهيم و نحو ما كان يأخذ رسول الله ص من السبات إذا أتاه جبرئيل في النوم فهكذا النبي و منهم من تجمع «1» له الرسالة و النبوة فكان رسول الله ص رسولا نبيا يأتيه جبرئيل قبلا فيكلمه و يراه و يأتيه في النوم و أما المحدث فهو الذي يسمع كلام الملك فيحدثه من غير أن يراه و من غير أن يأتيه في النوم «2».
أقول: قد مضى مثله بأسانيد جمة في كتاب النبوة و كتاب الإمامة و غيرهما.
19- الإختصاص، قال الصادق ع إذا كان العبد على معصية الله عز و جل و أراد الله به خيرا أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر بها عن تلك المعصية و إن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة «3».
20- و منه، عن أبي الفرج عن سهل بن زياد عن رجل عن عبد الله بن جبلة عن أبي المغراء عن موسى بن جعفر ع قال سمعته يقول من كانت له إلى الله حاجة و أراد أن يرانا و أن يعرف موضعه فليغتسل ثلاثة ليال يناجي بنا فإنه يرانا و يغفر له بنا و لا يخفى عليه موضعه قلت سيدي فإن رجلا رآك في المنام و هو يشرب النبيذ قال ليس النبيذ يفسد عليه دينه إنما يفسد عليه تركنا و تخلفه عنا «4» الخبر.
21- مجالس الصدوق، عن الحسين بن إبراهيم بن ناتانة «5» عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم الكرخي قال: قلت للصادق جعفر بن محمد ع إن رجلا رأى ربه عز و جل في منامه فما يكون ذلك فقال ذلك
__________________________________________________
(1) في البصائر: يجتمع.
(2) بصائر الدرجات: 371.
(3) الاختصاص: 241.
(4) المصدر: 90.
(5) بالنون أولا و آخرا و التاء في الوسط كما حكى في التعليقة عن جده المجلسي الأول- ره- و قيل في ضبطه وجوه اخرى.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 168
رجل لا دين له إن الله تبارك و تعالى لا يرى في اليقظة و لا في المنام و لا في الدنيا و لا في الآخرة «1».
22- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما ع قال: أصبح رسول الله يوما كئيبا حزينا فقال له علي ع ما لي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا فقال ص و كيف لا أكون كذلك و قد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم و بني عدي و بني أمية يصعدون منبري هذا يردون الناس عن الإسلام القهقرى فقلت يا رب في حياتي أو بعد موتي فقال بعد موتك «2».
23- و منه، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحسين عن محمد بن الوليد و محسن بن أحمد عن يونس بن يعقوب عن علي بن عيسى القماط عن عمه عن أبي عبد الله ع قال: رأى «3» رسول الله ص بني أمية يصعدون على منبره من بعده و يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا قال فهبط عليه جبرئيل ع فقال يا رسول الله ما لي أراك كئيبا حزينا قال يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى فقال و الذي بعثك بالحق نبيا إن هذا شيء ما اطلعت عليه فعرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال أ فرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون و أنزل عليه إنا أنزلناه في ليلة القدر و ما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله عز و جل ليلة القدر لنبيه ص خيرا من ألف شهر ملك بني أمية «4».
__________________________________________________
(1) البصائر: 363.
(2) روضة الكافي: 345.
(3) في أكثر النسخ: أرى.
(4) لم نجد الرواية بعينها في الكافي، و في الروضة (ص 222) رواية تتحد معها مضمونا و تفترق عنها في مواضع من السند و المتن، اما السند فهي عن سهل بن زياد عن.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 169
24- كتاب سليم بن قيس، عن عبد الله بن جعفر قال: كنت عند معاوية و ساق الحديث إلى أن قال قلت سمعت رسول الله ص و سئل عنهذه الآية و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس و الشجرة الملعونة في القرآن «1» فقال إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلال يصعدون منبري و ينزلون يردون أمتي على أدبارهم القهقرى فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين و ثلاثة من بني أمية و سبعة من ولد الحكم بن العاص إذا بلغوا خمسة عشر رجلا جعلوا كتاب الله دخلا و عباد الله خولا الحديث.
25- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ع الفرق من السنة قال لا قلت هل فرق رسول الله ص قال نعم قلت كيف «2» ذلك قال إن رسول الله ص حين صد عن البيت و قد كان ساق الهدي و أحرم أراه الله الرؤيا التي أخبر الله في كتابه إذ يقول لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم و مقصرين «3» فعلم رسول الله ص أنه سيفي له بما أراه فمن ثم وفر ذلك الشعر الذي كان على رأسه حين أحرم انتظارا لحلقه في الحرم حيث وعده الله عز و جل فلما حلقه لم يعد توفير «4» الشعر و لا كان ذلك من قبله «5».
__________________________________________________
محمد بن عبد الحميد عن يونس .. الخ، و أما المتن فتبتدأ هكذا: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول هبط جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله و رسول الله صلى الله عليه و آله كئيب حزين .. و لعله وقع سهو في ذكر المصدر.
(1) الإسراء: 60.
(2) في المصدر: كيف فرق رسول الله صلى الله عليه و آله و ليس من السنة؟ قال: من أصابه ما أصاب رسول الله صلى الله عليه و آله يفرق كما فرق رسول الله ص فقد أصاب سنة رسول الله ص و الا فلا قلت له: كيف ذلك؟.
(3) الفتح: 27.
(4) في المصدر: فى توفير.
(5) الكافي: ج 6، ص 486.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 170
26- مجالس الصدوق، بإسناده عن ابن عباس قال: كنت مع أمير المؤمنين ع في خروجه إلى صفين فلما نزل نينوى و هو بشط الفرات توضأ و صلى ثم نعس فانتبه فقال رأيت في منامي كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطوا حول هذه الأرض خطة ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض يضطرب بدم عبيط و كأني بالحسين فرخي و مضغتي و مخي قد غرق فيه يستغيث فلا يغاث و كأن الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبرا آل الرسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس و هذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ثم يعزونني «1» و يقولون يا أبا الحسن أبشر فقد أقر الله «2» عينك به يوم يقوم الناس لرب العالمين ثم انتبهت هكذا و الذي نفس علي بيده لقد نبأني الصادق المصدق أبو القاسم ص أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا و هذه أرض كرب و بلاء يدفن فيها الحسين و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة «3» و الحديث مختصر.
27- المكارم، روي أن علي بن الحسين ع قال: كنت أدعو الله سنة عقيب كل صلاة أن يعلمني الاسم الأعظم فإني «4» ذات يوم قد صليت الفجر فغلبتني عيناي و أنا قاعد إذا أنا برجل قائم بين يدي يقول لي سألت الله تعالى أن يعلمك الاسم الأعظم قال «5» [قلت] نعم قال قل اللهم إني أسألك باسمك الله الله الله الله «6» الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم قال فو الله ما دعوت بها لشيء إلا رأيت نجحه «7».
__________________________________________________
(1) يعزونى (خ).
(2) في الأمالي: اقر الله به عينك يوم القيامة.
(3) الأمالي: 356.
(4) في المصدر: فبينا أنا ذات.
(5) في المصدر «قلت» و هو الصواب.
(6) في المصدر تكرر لفظة الجلالة خمس مرات.
(7) مكارم الأخلاق: 408.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 171
أقول: قد مر رؤيا عبد المطلب في بشارة النبي ص أنه رأى أن شجرة قد نبتت على ظهره قد نال رأسها السماء و ضربت بأغصانها الشرق و الغرب و أن نورا يزهر منها أعظم من نور الشمس و أن العرب و العجم ساجدة لها و هي كل يوم تزداد عظما و نورا و أن رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها يأخذهم شاب من أحسن الناس وجها و يكسر ظهورهم و يقلع أعينهم فقالت الكاهنة لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق و الغرب و ينبأ في الناس و قد مر أيضا رؤياه في حفر زمزم و السيوف و هي طويلة و قد مرت منامات آمنة في ولادة النبي ص و مضى رؤيا العباس في بشارة النبي ص أنه رأى أنه خرج من منخر عبد الله بن عبد المطلب طائر أبيض فطار و بلغ المشرق و المغرب ثم رجع حتى سقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها فصار نورا بين السماء و الأرض و امتد حتى بلغ المشرق و المغرب فقالت كاهنة بني مخزوم يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق و المغرب تبعا له و تقدم في غزوة بدر أن عاتكة بنت عبد المطلب رأت أن راكبا قد دخل مكة ينادي ثلاث مرات يا آل عدي يا آل فهر اغدوا إلى مصارعكم فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه فلذة و كان وادي مكة قد صار من أسفله دما فوافى زمزم بعد ثلاث و نادى فيهم أدركوا العير فكانت غزوة بدر
و مر في ولادة الحسين ع أن أم أيمن قالت يا رسول الله رأيت في ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي فقال رسول الله ص تلد فاطمة الحسين فتربينه و تلفينه فيكون بعض أعضائي في بيتك.
و تقدم أيضا أن امرأة حنظلة بن أبي عامر الراهب رأت في المنام كأن السماء انفرجت فوقع فيها حنظلة ثم انضمت فذهب حنظلة إلى أحد فاستشهد و تقدم أيضا منامات غريبة من بختنصر منها أنه رأى في المنام كأن ملائكة السماء هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجب الذي حبس فيه دانيال ع مسلمين عليه يبشرونه بالفرج فندم على ما فعل و أخرجه من الجب و منها أنه رأى في نومه كأن رأسه من حديد و رجليه من نحاس و صدره من ذهب فعبرها دانيال بأنه يذهب ملكه و يقتل بعد ثلاث
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 172
يقتله رجل من ولد فارس فكان كذلك و رأى المؤبدان في ولادة النبي ص في المنام إبلا صعابا يقود خيلا عرابا.
28- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله ع قال: كان في بني إسرائيل رجل فدعا الله أن يرزقه غلاما ثلاث سنين فلما رأى أن الله لا يجيبه قال يا رب أ بعيد أنا منك فلا تسمعني أم قريب أنت مني فلا تجيبني قال فأتاه آت في منامه فقال إنك تدعو الله عز و جل منذ ثلاث سنين بلسان بذي و قلب عات غير تقي و نية غير صادقة فأقلع عن بذائك و ليتق الله قلبك و لتحسن نيتك قال ففعل الرجل ذلك ثم دعا الله فولد له الغلام «1».
29- مجالس الشيخ، بإسناده عن شمر بن عطية قال: كان أبي ينال من علي بن أبي طالب ع فأتي في المنام فقيل له أنت الساب عليا فحنق حتى أحدث في فراشه ثلاثا.
30- قصص الراوندي، بإسناده عن طربال عن أبي عبد الله ع قال: لما أمر الملك بحبس يوسف ع في السجن ألهمه الله تأويل الرؤيا فكان يعبر لأهل السجن رؤياهم.
31- مجالس ابن الشيخ، عن والده عن ابن مخلد عن أبي عمرو عن الحسن بن سلام عن قبيصة عن سفيان عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ص قال: إذا تقارب الزمان لم تكذب رؤيا المؤمن و أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا.
بيان هذه الرواية رواها من طرق المخالفين قال في النهاية فيه إذا تقارب الزمان و في رواية اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب أراد اقتراب الساعة و قيل اعتدال الليل و النهار و تكون الرؤيا فيه صحيحة لاعتدال الزمان و اقترب افتعل من القرب و تقارب تفاعل منه و يقال للشيء إذا ولى و أدبر تقارب و منه حديث المهدي يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر انتهى.
__________________________________________________
(1) الكافي: ج 2، ص 324.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 173
و قال الخطابي في أعلام الحديث قوله إذا اقترب الزمان فيه قولان أحدهما أن يكون معناه تقارب زمان الليل و النهار وقت استوائهما أيام الربيع و ذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبا و كذلك هو في الخريف و المعبرون يقولون أصدق الرؤيا ما كان وقت اعتدال الليل و النهار و إدراك الثمار و ينعها و الوجه الآخر أن اقتراب الزمان انتهاء مدة إذا دنا قيام الساعة.
و أصدقهم رؤيا قال النووي في شرح الصحيح ظاهره الإطلاق و قيد القاضي بآخر الزمان عند انقطاع العلم بموت العلماء و الصالحين فجعله الله جابرا و منبها لهم و الأول أظهر لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه و حكايته إياها.
32- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد قال سمعت أبا الحسن ع يقول ربما رأيت الرؤيا فأعبرها و الرؤيا على ما تعبر «1».
بيان قال في النهاية فيه الرؤيا لأول عابر يقال عبرت الرؤيا أعبرها عبرا و عبرتها تعبيرا إذا أولتها و فسرتها و خبرت بآخر ما يئول إليه أمرها يقال هو عابر الرؤيا و عابر للرؤيا و هذه اللام تسمى لام التعقيب لأنها عقبت الإضافة و العابر الناظر في الشيء و المعبر المستدل بالشيء على الشيء و منه الحديث للرؤيا كنى و أسماء فكنوها بكناها و اعتبروها بأسمائها و منه حديث ابن سيرين كان يقول إني أعتبر الحديث المعنى فيه أنه يعبر الرؤيا على الحديث و يعتبر به كما يعتبرها بالقرآن في تأويلها مثل أن يعبر الغراب بالرجل الفاسق و الضلع بالمرأة لأن النبي ص سمى الغراب فاسقا و جعل المرأة كالضلع و نحو ذلك من الكنى و الأسماء انتهى قوله ع على ما تعبر أي تقع موافقة لما عبرت به.
33- الكافي، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد و علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر ع أن رسول الله ص كان يقول إن رؤيا المؤمن ترف بين السماء و الأرض
__________________________________________________
(1) روضة الكافي: 335.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 174
على رأس صاحبها حتى يعبرها لنفسه أو يعبرها له مثله فإذا عبرت لزمت الأرض فلا تقصوا رؤياكم إلا على من يعقل «1».
بيان في القاموس رف الطائر أي بسط جناحيه كرفرف و الرفرفة تحريك الظليم جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه انتهى و في تشبيه الرؤيا بالطير و إثبات الرفرفة و ترشيحه بالقص الذي هو قطع الجناح و بلزوم الأرض لطائف لا تخفى و في النهاية في حديث الرؤيا لا تقصها إلا على واد يقال قصصت الرؤيا على فلان إذا أخبرته بها أقصها قصا و القص البيان.
34- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن القاسم بن عروة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص الرؤيا لا تقص إلا على مؤمن خلا من الحسد و البغي «2».
بيان إنما اشترط ع ذلك لئلا يتعمد المعبر تعبيرها بالسوء حسدا و بغيا أقول
روى البغوي في شرح السنة عن جابر قال: أتى النبي ص رجل و هو يخطب فقال يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت فسقط رأسي فاتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه فقال رسول الله ص إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثن به الناس.
و
عن أبي سلمة قال: كنت أرى الرؤيا فيهمني حتى سمعت أبي قتادة يقول كنت أرى الرؤيا فيمرضني حتى سمعت رسول الله ص يقول الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب و إذا رأى ما يكره فلا يحدث به و لينقل «3» عن يساره و ليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم و من شر ما رأى فإنها لن تضره.
ثم قال فيه إرشاد للمستعبر لموضع رؤياه فإن رأى ما يكره لا يحدث به حتى لا يستقبله في تعبيرها ما يزداد به هما فإن رأى ما يحبه فلا يحدث به إلا من يحبه لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره حسدا على غير وجهه فيغمه أو يكيده بأمر كما أخبر الله تعالى عن يعقوب حين قص عليه يوسف رؤياه
__________________________________________________
(1) الروضة: 336.
(2) الروضة: 336.
(3) و ليتفل ظ.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 175
لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا
و روي عن أبي رزين قال قال رسول الله ص الرؤيا جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة و هي على رجل طائر فإذا حدثت بها وقعت و أحسبه قال لا تحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا.
و في رواية أخرى الرؤيا على رجل طائر ما لم يعبر فإذا عبرت وقعت قال و أحسبه قال و لا تقصها إلا على واد أو ذي رأي.
الواد لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب و إن لم يكن عالما بالعبارة لم يعجل لك بما يغمك و أما ذو الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب مما تعلم منها و لعله أن يكون في تفسيرها موعظة يردعك عن قبيح ما أنت عليه أو يكون فيها بشرى فتشكر الله عليها قال و روى أبو أيوب مرسلا أن النبي ص قال إن الرؤيا يقع على ما عبر و مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها و إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما انتهى.
و قال في النهاية فيه الرؤيا لأول عابر و هي على رجل طائر لأول عابر أي إذا عبرها بر صادق عالم بأصولها و فروعها و اجتهد فيها وقعت له دون غيره ممن فسرها بعده و هي على رجل طائر أي أنها على رجل قدر جار و قضاء ماض من خير أو شر و إن ذلك هو الذي قسمه الله تعالى لصاحبها من قولهم اقتسموا دارا فطار سهم فلان في ناحيتها أي وقع سهمه و خرج و كل حركة من كلمة أو شيء يجري لك فهو طائر و المراد أن الرؤيا هي التي يعبرها المعبر الأول فكأنها كانت على رجل طائر فسقطت و وقعت حيث عبرت كما يسقط الذي يكون على رجل الطائر بأدنى حركة.
35- غوالي اللئالي، قال رسول الله ص بينا أنا نائم إذا أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من بين أظافيري قالوا بما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم.
بيان قال في فتح الباري و في رواية من أطرافي و يحتمل أن يكون بصر به و هو الظاهر و أن يكون علمه و يؤيد الأول ما في رواية أخرى فشربت منه حتى
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 176
رأيته يجري في عروقي بين الجلد و اللحم على أنه محتمل أيضا و قال في حديث أبي هريرة اللبن في المنام فطرة و في رواية أبي بكرة من رأى أنه يشرب لبنا فهو الفطرة و في حديث الإسراء حين أتي بقدح خمر و قدح لبن فأخذ اللبن فقال له جبرئيل أخذت الفطرة و قال إن من الرؤيا ما يدل على الماضي و الحال و المستقبل و هذه أولت على الماضي فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع لأن الذي أعطيه من العلم كان قد حصل له قال و ذكر الدينوري أن اللبن المذكور فيها يختص بالإبل و أنه لشاربه مال حلال و علم و حكمة قال و لبن البقر خصب السنة و مال حلال و فطرة و لبن السباع غير محمود إلا أن لبن اللبؤة «1» مال مع عداوة لذي أمر.
36- جامع الأخبار، في كتاب التعبير عن الأئمة ع أن رؤيا المؤمن صحيحة لأن نفسه طيبة و يقينه صحيح و تخرج فتتلقى من الملائكة فهي وحي من الله العزيز الجبار و قال ع انقطع الوحي و بقي المبشرات ألا و هي نوم الصالحين و الصالحات و لقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه ع أن رسول الله ص قال من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي و لا في صورة أحد من شيعتهم و إن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة.
37- كمال الدين، يروى في الأخبار الصحيحة عن أئمتنا ع أن من رأى رسول الله ص أو أحدا من الأئمة ع «2» قد دخل مدينة أو قرية في منامه فإنه أمن لأهل المدينة أو القرية مما يخافون و يحذرون و بلوغ لما يأملون و يرجون.
38- الفقيه، قال: أتى رسول الله ص رجل من أهل البادية له جسم و جمال فقال يا رسول الله أخبرني عنقول الله عز و جل الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة «3» فقال أما قوله لهم البشرى في الحياة الدنيا فهي
__________________________________________________
(1) اللبؤة: انثى الأسد.
(2) صلوات الله عليهم (خ).
(3) يونس: 63- 64.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 177
الرؤيا الحسنة يراها المؤمن فيبشر بها في دنياه و أما قول الله عز و جل و في الآخرة فإنها بشارة المؤمن «1» عند الموت يبشر بها عند موته أن الله قد غفر لك و لمن يحملك إلى قبرك «2».
39- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن معمر بن خلاد عن الرضا ع قال: إن رسول الله ص إذا «3» أصبح قال لأصحابه هل من مبشرات يعني به الرؤيا «4».
بيان روت العامة أيضا هذه الرواية بإسنادهم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ص يقول لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا و ما المبشرات قال الرؤيا الصالحة.
40- الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول رأي المؤمن و رؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءا من أجزاء النبوة «5».
بيان لما غيب الله تعالى في آخر الزمان عن الناس حجتهم تفضل عليهم و أعطاهم رأيا في استنباط الأحكام الشرعية مما وصل إليهم من أئمتهم ع و لما حجب عنهم الوحي و خزانه أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد مما كان لغيرهم ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل حدوثها و قيل إنما يكون هذا في زمان القائم ع على سبعين جزءا لعل المراد أن للنبوة أجزاء كثيرة سبعون منها من قبل الرأي أي الاستنباط اليقيني لا الاجتهاد و التظني و الرؤيا الصادقة فهذا المعنى الحاصل لأهل آخر الزمان على نحو تلك السبعين و مشابه لها و إن كان في النبي أقوى و يحتمل أن يكون المعنى على نحو بعض أجزاء السبعين كما ورد أن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين
__________________________________________________
(1) في المصدر: للمؤمن.
(2) الفقيه: 32.
(3) في المصدر: كان إذا ....
(4) روضة الكافي: 90.
(5) روضة الكافي: 90.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 178
جزءا من النبوة و قد روت العامة بأسانيد
عن أنس عن النبي ص أنه قال: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة.
قال البغوي في شرح السنة أراد تحقيق أمر الرؤيا و تأكيده و إنما كانت جزءا من النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي و قرأ إني أرى في المنام الآية و قيل إنها جزء من أجزاء علم النبوة و علم النبوة باق و النبوة غير باقية أو أراد به أنها كالنبوة في الحكم بالصحة كما قال ص الهدى الصالح و السمت الصالح و الاقتصاد جزء من خمسة و عشرين جزءا من النبوة أي هذه الخصال في الحسن و الاستحباب كجزء من أجزاء النبوة و هذه الخلال جزء من شمائل الأنبياء و جزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا فيها بهم لا أنها حقيقة نبوة لأن النبوة لا تتجزى و لا نبوة بعد محمد ص و هو معنى قوله ع ذهبت النبوة و بقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو يرى له و قيل معنى قوله جزء من ستة و أربعين أن مدة الوحي على رسول الله من حين بدأ إلى أن فارق الدنيا كان ثلاثا و عشرين سنة و كان ستة أشهر منها في أول الأمر يوحى إليه في النوم و هو نصف سنة فكانت مدة وحيه في النوم جزء من ستة و أربعين جزءا من أيام الوحي انتهى.
و قال الجزري في النهاية الجزء القطعة و النصيب من الشيء و منه الحديث الرؤيا الصالحة جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة و إنما خص هذا العدد لأن عمر النبي ص في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثا و ستين سنة و كانت مدة نبوته منها ثلاثا و عشرين سنة لأنه بعث عند استيفاء الأربعين و كان في أول العمر يرى الوحي في المنام و دام كذلك نصف سنة ثم رأى الملك في اليقظة فإذا نسب مدة الوحي في النوم و هي نصف سنة إلى مدة نبوته و هي ثلاث و عشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة و عشرين جزءا و ذلك جزء واحد من ستة و أربعين جزءا و قد تعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا بهذا العدد و جاء في بعضها من خمسة و أربعين جزءا و وجه ذلك أن عمره لم يكن قد استكمل ثلاثا و ستين و مات في أثناء السنة الثالثة و الستين و نسبة نصف السنة إلى اثنتين و عشرين سنة و بعض الأخرى نسبة جزء من خمسة و أربعين و في
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 179
بعض الروايات جزء من أربعين و يكون محمولا على من روي أن عمره كان ستين سنة فيكون نسبة نصف سنة إلى عشرين سنة كنسبة جزء إلى أربعين انتهى.
و قال الخطابي في أعلام الحديث هذا و إن كان وجها قد يحتمله الحساب و العدد فإن أول ما يجب من الشرط فيه أن يثبت ما قاله من ذلك بخبر أو رواية و لم نسمع فيه خبرا و لا ذكر قائل هذه المقالة في ما بلغني عنه في ذلك أثرا فهو كأنه ظن و حسبان و الظن لا يغني من الحق شيئا و لئن كانت هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة على ما ذهب إليه من هذه القسمة لقد كان يجب أن يلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه في منامه في تضاعيف أيام حياته و أن تلتقط و تلفق و تزداد في أصل الحساب و إذا صرنا إلى أصل هذه القضية بطلت هذه القسمة و سقط هذا الحساب من أصله و قد ثبت عن رسول الله ص في عدة أحاديث من روايات كثيرة أنه كان يرى الرؤيا المختلفة في أمور الشريعة و مهمات أسباب الدين فيقصها على أصحابه فكان يقول لهم إذا أصبح من رأى منكم رؤيا فيقصونها عليه و قال لهم يوم أحد رأيت في سيفي ثلمة و رأيت كأني مردف كبشا فتأولت ثلمة السيف أنه يصاب في أصحابه و أنه يقتل كبش القوم ثم ذكر رؤيا كثيرة فقال و هذه كلها بعد الهجرة و أعلى هذه كلها ما نطق به الكتاب من رؤيا الفتح في قوله جل و عز لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق الآية «1» و قوله و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس الآية «2» فدل ما ذكرناه من هذا و ما تركناه من هذا الباب على ضعف هذا التأويل و نقول إن هذا الحديث صحيح و جملة ما فيه حق و ليس كل ما يخفى علينا علته لا تلزمنا حجته و قد نرى أعداد ركعات الصلوات و أيام الصيام و رمي الجمار محصورة في حساب معلوم و ليس يمكننا أن نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت هذه الأعداد دون ما هو أكثر منها أو أقل فلم يكن ذهابنا عن معرفة ذلك قادحا في موجب الاعتقاد منا في اللازم من أمرها و معنى الحديث تحقيق أمر الرؤيا و أنها مما كان الأنبياء يثبتونه و يحققونه و أنها كانت جزءا
__________________________________________________
(1) الفتح: 27.
(2) الإسراء: 60.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 180
من أجزاء الذي كان يأتيهم و الأنباء التي كان ينزل بها الوحي عليهم انتهى.
و قال بعض شراح البخاري الرؤيا جزء من النبوة أي في حق الأنبياء فإنهم يوحى إليهم في المنام و قيل الرؤيا تأتي على وفق النبوة لا أنها جزء باق منها و قيل هي من الأنباء أي أنباء صدق من الله لا كذب فيه و لا حرج في الأخذ بظاهره فإن أجزاء النبوة لا تكون نبوة فلا ينافي حينئذ ذهبت «1» النبوة ثم رؤيا الكافر قد يصدق لكن لا يكون جزءا منها إذ المراد الرؤيا الصالحة من المؤمن الصالح جزء منها.
و قال النووي في شرح صحيح مسلم وجه الطبري اختلاف الروايات في عدد ما هو جزء منه باختلاف حال الرائي بالصلاح و الفسق و قيل باعتبار الخفي و الجلي من الرؤيا و قيل إن للمنامات شبها بما حصل له و ميز به من النبوة بجزء من ستة و أربعين.
41- الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر ع قال: قال رجل لرسول الله ص فيقول الله عز و جل لهم البشرى في الحياة الدنيا قال هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه «2».
بيان روي في شرح السنة بإسناده عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله ص عنقوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا قال هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو يرى له و لا تنافي بينه و بين ما ورد في بعض الأخبار أنها هي البشارة عند الموت لاحتمال شمولها لهما.
42- الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سعد بن أبي خلف عن أبي عبد الله ع قال: الرؤيا على ثلاثة وجوه بشارة من الله للمؤمن و تحذير من الشيطان و أضغاث أحلام «3».
__________________________________________________
(1) كذا.
(2) روضة الكافي: 90.
(3) روضة الكافي: 90.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 181
بيان لعل المراد بتحذير الشيطان أنه يحذر و يخوف عن ارتكاب الأعمال الصالحة أو المراد به الأحلام الهائلة المخوفة و الظاهر أنه تصحيف تحزين لآية النجوى و قوله ليحزن الذين آمنوا و لرواية محمد بن الأشعث الآتية
و لما رواه في شرح السنة بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص إذا كان آخر الزمان لم يكد رؤيا المؤمن يكذب و أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا و الرؤيا ثلاثة رؤيا بشرى من الله و رؤيا مما يحدث به الرجل نفسه و رؤيا من تحزين الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به و ليقم و ليصل و القيد في المنام ثبات في الدين و الغل أكرهه.
ثم قال قوله و القيد ثبات في الدين لأن القيد يمنع عن النهوض و التقلب و كذلك الورع يمنعه مما لا يوافق الدين و هذا إذا كان مقيدا في مسجد أو سبيل الخير و إن رآه مسافر فهو إقامة عن السفر و كذلك إذا رأى دابته مقيدة و إن رآه مريض أو محبوس طال مرضه و حبسه أو مكروب طال كربه و الغل كفر لقوله تعالى غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا «1» و قد يكون بخلا قال تعالى و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك «2» و قد يكون كفا عن المعاصي إذا كان في الرؤيا ما يدل على الصلاح بأن يرى ذلك لرجل صالح.
43- مجالس ابن الشيخ، عن والده عن أحمد بن محمد بن الصلت عن ابن عقدة عن علي بن محمد الحسني «3» عن جعفر بن محمد بن عيسى عن عبيد الله بن علي عن الرضا عن علي ع قال: رؤيا الأنبياء وحي.
44- و منه، عن والده عن أبي القاسم بن شبل عن ظفر بن حمدون عن
__________________________________________________
(1) يس: 8.
(2) الإسراء: 29.
(3) في بعض النسخ «الحسيني» و الظاهر ان الصواب ما أثبتناه موافقا لبعض النسخ المخطوطة، و هو علي بن محمد الحسنى الخجندى نزيل الرى، و لم نجد ذكرا من «الحسيني» في كتب الرجال.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 182
إبراهيم بن إسحاق عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن خالد عن علي بن النعمان عن يزيد بن إسحاق شعر عن هارون بن حمزة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن منا لمن ينكت في قلبه و إن منا لمن يؤتى في منامه و إن منا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطشت «1» و إن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل و ميكائيل ع.
45- المكارم، قال: كان رسول الله ص كثير الرؤيا و لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
46- مجالس الصدوق، عن محمد بن عمر البغدادي عن الحسن بن عثمان عن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى عن مريسة بنت موسى بن يونس عن صفية بنت يونس عن بهجة بنت الحارث عن خالها عبد الله بن منصور قال: سألت جعفر بن محمد ع عن مقتل الحسين بن رسول الله ص فقال حدثني أبي عن أبيه و ساق الحديث الطويل في قصة كربلاء و سفره صلوات الله عليه إلى العراق إلى أن قال فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي ص ليودع القبر فقام يصلي فأطال فنعس و هو ساجد فجاء النبي ص و هو في منامه فأخذ الحسين ع و ضمه إلى صدره و جعل يقبل عينيه و يقول بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي ما لهم عند الله من خلاق يا بني إنك قادم على أبيك و أمك و أخيك و هم مشتاقون إليك و إن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة فانتبه الحسين ع من نومه باكيا فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا و ودعهم و ساق إلى أن قال ثم سار حتى نزل العذيب فقال فيها قائلة الظهيرة ثم انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه ما يبكيك يا أبه فقال يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها و إنه عرض لي في منامي عارض فقال تسرعون السير و المنايا تسير بكم إلى الجنة الحديث.
47- ثواب الأعمال، عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن
__________________________________________________
(1) في بعض النسخ «الطست» بالمهملة.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 183
يعقوب بن يزيد عن محمد بن الحسن المثنى عن هشام بن أحمد و عبد الله بن مسكان و محمد بن مروان عن مروان عن أبي عبد الله ع قال: ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صور صورة من الحيوان حتى ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها و الذي يكذب في منامه يعذب حتى يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقدهما و المستمع من قوم و هم له كارهون يصب في أذنيه الآنك و هو الأسرب.
48- الكافي، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال: إن رجلا كان على أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له انطلق فصل على أبي جعفر فإن الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أبا جعفر ع قد توفي «1».
49- توحيد المفضل، فكر يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها فمزج صادقها بكاذبها فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء و لو كانت كلها تكذب لم يكن فيها منفعة بل كانت فضلا لا معنى له فصارت تصدق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي لها أو مضرة يتحذر «2» منها و تكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد.
50- مناقب الخوارزمي، قال: لما كان وقت السحر في الليلة التي حوصر فيها الحسين ع خفق برأسه خفقة ثم استيقظ فقال رأيت في منامي الساعة كأن كلابا قد شدت علي لتنهشني و فيها كلب أبقع «3» رأيته أشدها علي و أظن أن الذي يتولى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم الخبر.
51- دعوات الراوندي، حدث أبو عمر القاضي أن أبا يوسف اعتل فقال ليلة رأيت قائلا يقول كل لا و اشرب لا فإنك تبرأ فأرسلنا إلى أبي علي الخياط فقال ما سمعت بأعجب من هذا و المنامات تعبر من القرآن و الحديث فأنظروني حتى
__________________________________________________
(1) الروضة: 183.
(2) يتحرز (خ).
(3) أي فيه سواد و بياض.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 184
أفكر فلما كان من الغد جاءنا فقال مررت البارحة على هذه الآية شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية فنظرت إلى لا يتردد فيها و هي شجرة الزيتون اسقوه زيتا و أطعموه زيتا قال ففعلنا هذا فكان سبب عافيته.
52- و عن سمرة «1» بن جندب قال: كان رسول الله ص مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى منكم أحد رؤيا فيقص عليه من شاء الله أن يقص و إنه قال لنا ذات غداة إنه أتاني الليلة آتيان فقالا لي انطلق فانطلقت معهم فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فأتينا على رجل مضطجع و إذا آخر قائم عليه بصخرة فإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ «2» رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى قلت لهما سبحان الله ما هذان قالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه و إذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد و إذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه و منخره إلى قفاه و عينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى قلت سبحان الله ما هذان قالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط «3» و أصوات فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال و نساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا- «4» قلت لهما ما هؤلاء قالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على
__________________________________________________
(1) سمرة- بفتح السين المهملة و ضم الميم- ابن جندب بن هلال الفزارى صاحب القضية المعروفة مع الأنصاري، كان واليا على البصرة من قبل زياد بن أبيه، فقتل في أيام امارته- و هي ستة أشهر- ثمانية آلاف رجل من الشيعة، و عن ابن أبي الحديد انه عاش حتى حضر مقتل الحسين عليه السلام و كان من شرطة ابن زياد، و كان أيام مسير الحسين عليه السلام إلى العراق يحرض الناس على الخروج إلى قتاله.
(2) أي يشدخ رأسه و يكسره.
(3) اللغط- بفتحتين-: أصوات مبهمة لا تفهم.
(4) أي أحدثوا ضوضاء، و هو أصوات الناس في الحرب و الازدحام.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 185
نهر أحمر مثل الدم و إذا في النهر رجل سابح يسبح و إذا على شاطئ النهر رجل عنده حجارة كثيرة و إذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «1» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه و كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قلت لهما ما هذان قالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء و إذا هو عنده نار له يحشها و يسعى حولها قلت لهما ما هذا فقالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع و إذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء و إذا حول الرجل من أكثر ولدان ما رأيتهم قط قلت لهما ما هؤلاء قالا لي انطلق فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها و لا أحسن قالا لي ارق فيها فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب و لبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء و شطر كأقبح ما أنت راء قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فإذا نهر معترض يجري كان ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا فذهب السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قالا لي هذه جنة عدن و هناك منزلك فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قالا لي هذا منزلك قلت لهما بارك الله فيكما ذراني أدخله قالا أما الآن فلا و أنت داخله قلت لهما فإني رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه فيثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه و ينام عن الصلاة المكتوبة يفعل به إلى يوم القيامة و أما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه و منخره إلى قفاه و عينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة و أما الرجال و النساء العراة الذين في مثل التنور فإنهم الزناة و الزواني و أما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر و يلقم الحجارة فإنه آكل الربا و أما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها
__________________________________________________
(1) فغرفاه: فتحه.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 186
فإنه مالك خازن النار و أما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ع و أما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة و أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن و شطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا تجاوز الله عنهم و أنا جبرئيل و هذا ميكائيل.
تبيين أقول هذه الرواية رواها الخطابي في كتاب أعلام الدين و زاد بعد قوله مات على الفطرة قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله و أولاد المشركين فقال رسول الله ص و أولاد المشركين و قال الجزري في النهاية الثلغ الشدخ و هو ضربك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتى يتشدخ و منه حديث الرؤيا و إذا هو يهوي بالصخرة فيثلغ بها رأسه و قال في حديث الرؤيا فيتدهدى الحجر فيتبعه فيأخذه أي يتدحرج يقال دهديت الحجر و دهدهته و قال الكلوب بالتشديد حديدة معوجة الرأس و قال فيشرشر شدقه أي يشقه و يقطعه و الشدق طرف الفم و قال اللغط صوت و ضجة لا يفهم معناه و قال ضوضوا أي ضجوا و استغاثوا و الضوضاة أصوات الناس و غلبتهم «1» و هي مصدر و قال فيفغر فاه أي يفتحه و قال كريه المرآة أي قبيح المنظر يقال رجل حسن المنظر و المرآة و حسن في مرآة العين و هي مفعلة من الرؤية و قال يحشها أي يوقدها يقال حششت النار أحشها إذا ألهبتها و أضرمتها و قال على روضة معتمة أي وافية النبات طويلة انتهى.
و قال الخطابي يعني كافية النبات و العميم الطويل من النبات كقول الأعشى
مؤزر بعميم النبت مكتهل
و يقال جارية عميمة أي طويلة القد و في النهاية المحض في اللغة اللبن الخالص غير مشوب بشيء و قال الربابة بالفتح السحابة التي ركب بعضها بعضا و قال الخطابي و أما قوله ص و أولاد المشركين فظاهره أنه ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة و إن كان قد حكم بحكم آبائهم في الدنيا و ذلك أنه سئل عن ذراري المشركين فقال هم من آبائهم و للناس فيهم اختلاف
__________________________________________________
(1) كذا في نسخ الكتاب، و الصواب «جلبتهم»، و الجلبة: الضجة و اختلاط أصوات الناس.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 187
و عامة أهل السنة على أن حكمهم حكم آبائهم في الكفر و قد ذهبت طائفة منهم إلى أنهم في الآخرة من أهل الجنة و قد رويت آثار عن نفر من الصحابة و احتجوا لهذه المقالة
بحديث النبي ص كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه.
و احتجوا بقول الله عز و جل و إذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت «1» و احتجوا بقول الله عز و جل يطوف عليهم ولدان مخلدون «2» قال بعض أهل التفسير إنهم أطفال الكفار و احتجوا لذلك بأن اسم الولدان يشتق من الولادة و لا ولادة في الجنة فكانوا هم الذين نالتهم الولادة في الدنيا و روي عن بعضهم أنهم إن كانوا سبيا و خدما للمسلمين في الدنيا فهم كذلك خدم لهم في الجنة.
53- تفسير علي بن إبراهيم، في قوله تعالى إنما النجوى من الشيطان حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة ع رأت في منامها أن رسول الله ص هم أن يخرج هو و فاطمة و علي و الحسن و الحسين ع من المدينة فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة فتعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله ص ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى رسول الله ص شاة كبراء و هي التي في إحدى أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما أكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله بذلك فلما أصبحت جاء رسول الله ص بحمار فأركب عليه فاطمة ع و أمر أن يخرج أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ع من المدينة كما رأت فاطمة ع في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض له «3» طريقان فأخذ رسول الله ذات اليمين كما رأت فاطمة ع حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل و ماء فاشترى رسول الله ص شاة كبراء كما رأت فاطمة فأمر بذبحها فذبحت و شويت فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة و تنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها
__________________________________________________
(1) التكوير: 9- 10.
(2) الواقعة: 17.
(3) في المصدر: لهم.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 188
رسول الله ص حتى وقع «1» عليها و هي تبكي فقال ما شأنك يا بنية قالت يا رسول الله إني رأيت كذا و كذا في نومي و قد فعلت أنت كما «2» رأيته فتنحيت عنكم فلا أراكم «3» تموتون فقام رسول الله ص فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمد هذا شيطان يقول «4» [يقال] له الدهار «5» و هو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا و يؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به فأمر جبرئيل فجاء به إلى رسول الله ص فقال له أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا فقال نعم يا محمد فبزق «6» عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع ثم قال جبرئيل لمحمد قل يا محمد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون و أنبياؤه «7» المرسلون و عباده الصالحون من شر ما رأيت و من «8» رؤياي و تقرأ الحمد و المعوذتين و قل هو الله أحد و تتفل عن يسارك ثلاث تفلات فإنه لا يضره ما رأى «9» و أنزل الله على رسوله إنما النجوى من الشيطان الآية «10».
بيان ما رأيت الكبراء بهذا المعنى فيما عندنا من كتب اللغة و تعرض الشيطان لفاطمة ع و كون منامها المضاهي للوحي شيطانيا و إن كان بعيدا لكن باعتبار عدم بقاء الشبهة و زوالها سريعا و ترتب المعجز من الرسول ص في ذلك و المنفعة المستمرة للأمة ببركتها يقل الاستبعاد و الحديث مشهور و متكرر في الأصول و الله يعلم.
54 البصائر، عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن فلان الواقفي «11» قال: كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبد الله و كان زاهدا و كان من أعبد أهل زمانه و كان يلقاه السلطان و ربما استقبل السلطان بالكلام الصعب يعظه و يأمر بالمعروف
__________________________________________________
(1) وقف (خ).
(2) في المصدر: كل ما رأيته.
(3) فيه: لان لا أراكم.
(4) كذا.
(5) الزها (خ).
(6) في المصدر: فبصق عليه ثلاث بصقات.
(7) و أنبياء الله (خ).
(8) فيه: من رؤيا ....
(9) فيه فأنزل ....
(10) تفسير القمي: 668- 669.
(11) في بعض النسخ: الرافقى.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 189
و كان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه فلم يزل هذه حاله حتى كان يوما دخل أبو الحسن موسى ع المسجد فرآه فدنا إليه ثم قال له يا با علي ما أحب إلي ما أنت فيه و أسرني بك إلا أنه ليست بك معرفة فاذهب فاطلب المعرفة قال جعلت فداك و ما المعرفة قال له اذهب و تفقه و اطلب الحديث قال عمن قال عن مالك بن أنس و عن فقهاء أهل المدينة ثم اعرض الحديث علي قال فذهب فتكلم معهم ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كله ثم قال له اذهب و اطلب المعرفة و كان الرجل معنيا بدينه فلم يزل يترصد أبا الحسن ع حتى خرج إلى ضيعة له فتبعه و لحقه في الطريق فقال له جعلت فداك إني أحتج عليك بين يدي الله فدلني على المعرفة قال فأخبره بأمير المؤمنين و قال له كان أمير المؤمنين بعد رسول الله ص و أخبره بأمر أبي بكر و عمر فقبل منه ثم قال فمن كان بعد أمير المؤمنين قال الحسن ثم الحسين حتى انتهى إلى نفسه ع ثم سكت قال جعلت فداك فمن هو اليوم قال إن أخبرتك تقبل قال بلى جعلت فداك فقال أنا هو قال جعلت فداك فشيء أستدل به قال اذهب إلى تلك الشجرة و أشار إلى أم غيلان فقل لها يقول لك موسى بن جعفر أقبلي قال فأتيتها قال فرأيتها و الله تجب الأرض جبوبا حتى وقفت بين يديه ثم أشار إليها فرجعت قال فأقر به ثم لزم السكوت فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك و كان من قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة و ترى له ثم انقطعت عنه الرؤيا فرأى ليلة أبا عبد الله ع فيما يرى النائم فشكا إليه انقطاع الرؤيا فقال لا تغتم فإن المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفع عنه الرؤيا.
بيان: الجب القطع.
55- الكافي، عن بعض أصحابه عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن عن أبي الحسن الأول «1» ع قال: إن الأحلام لم تكن في ما مضى في أول الخلق و إنما حدثت فقلت و ما العلة في ذلك فقال إن الله عز ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله و طاعته فقالوا إن فعلنا ذلك فما لنا
__________________________________________________
(1) ليس في المصدر لفظة «الأول».
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 190
فو الله ما أنت بأكثرنا مالا و لا بأعزنا عشيرة فقال إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة و إن عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا و ما الجنة و ما النار فوصف لهم ذلك فقالوا متى نصير إلى ذلك فقال إذا متم فقالوا لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا فازدادوا له تكذيبا و به استخفافا فأحدث الله عز و جل فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا و ما أنكروا من ذلك فقال إن الله عز ذكره أراد أن يحتج عليكم بهذا هكذا تكون أرواحكم إذا متم و إن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان «1».
بيان الرفات كل ما دق و كسر و ما أنكروا من ذلك أي استغرابهم من ذلك أو ما أصابوا من المنكر و العذاب في النوم أو ما أنكروا أولا من عذاب البرزخ و الأول أظهر هكذا تكون أرواحكم كما أن في النوم تتألم أرواحكم بما لم يظهر أثره على أجسادكم و لا يطلع من ينظر إليكم عليه كذلك نعيم البرزخ و عذابه و قد مر الكلام فيه في كتاب المعاد.
56- الدرة الباهرة، قال أبو محمد العسكري ع من «2» أكثر المنام رأى الأحلام.
بيان قال مؤلفه قدس سره الظاهر أنه ع يعني أن طلب الدنيا كالنوم و ما يصير منها كالحلم انتهى.
و أقول يتحمل أن يكون المعنى أن كثرة الغفلة عن ذكر الله و عن الموت و أمور الآخرة موجبة للأماني الباطلة و الخيالات الفاسدة التي هي كأضغاث الأحلام و لا يلتفت إليها الكرام مع أن الحمل على ظاهره أظهر و أصوب بحمل الأحلام على الفاسدة منها كما ورد أن الحلم من الشيطان.
57- كتاب الغايات لجعفر بن أحمد القمي، قال قال رسول الله ص خياركم أولو النهى قيل يا رسول الله و من أولو النهى فقال أولو النهى أولو الأحلام الصادقة.
__________________________________________________
(1) روضة الكافي: 90.
(2) في بعض النسخ «فى».
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 191
كتاب التبصرة لعلي بن بابويه، عن سهل بن أحمد عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه ع قال قال رسول الله ص الرؤيا ثلاثة بشرى من الله و تحزين من الشيطان و الذي يحدث به الإنسان نفسه فيراه في منامه و قال ص الرؤيا من الله و الحلم من الشيطان.
59 كتاب المؤمن للحسين بن سعيد، بإسناده عن أبي عبد الله ع قال: رأي المؤمن و رؤياه جزء من سبعين جزءا من النبوة و منهم من يعطى على الثلث «1».
بيان و منهم من يعطى لعل المعنى أن بعض الكمل من المؤمنين يكون رأيه و رؤياه ثلثا من أجزاء النبوة.
60- الدر المنثور، من عدة كتب بأسانيد عن أبي الدرداء عن النبي ص فيقوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة قال هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له فهي بشراه في الحياة الدنيا و بشراه في الآخرة الجنة «2».
و روي مثله بأسانيد عن عبادة بن الصامت و أبي هريرة و جابر بن عبد الله و غيرهم.
61- و عن عبد الله بن عمر عن النبي ص فيقوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا قال الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها وادا و من رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثا و لا يخبر بها أحدا «3».
14- 62- و عن أبي جعفر ع عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجل من أهل البادية رسول الله ص فقال يا رسول الله أخبرني عنقول الله الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة فقال رسول الله ص أما قوله لهم البشرى في الحياة الدنيا فهي الرؤيا الحسنة ترى للمؤمن فيبشر بها في دنياه و أما قوله و في
__________________________________________________
(1) يحتمل أن يقرأ «الثلاث» و كذا في بيان المؤلف- ره.
(2) الدر المنثور: ج 3، ص 311.
(3) الدر المنثور: ج 3، ص 311.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 192
الآخرة فإنها بشارة المؤمن عند الموت أن الله قد غفر لك و لمن يحملك إلى قبرك «1».
63- و عن ابن عباس لهم البشرى في الحياة الدنيا قال هي الرؤيا الحسنة يراها المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه «2».
64- و عن ابن عباس عن النبي ص قال: ألا إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له «3».
65- و عن أبي الطفيل عنه ص قال: لا نبوة بعدي إلا المبشرات قيل يا رسول الله و ما المبشرات قال الرؤيا الصالحة «4».
66- و عن أبي قتادة قال قال رسول الله ص الرؤيا الصالحة بشرى من الله و هي جزء من أجزاء النبوة «5».
67- و عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب و أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا و رؤيا المسلم جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة و الرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله و الرؤيا من تحزين الشيطان و الرؤيا مما يحدث الرجل نفسه و إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم و ليتفل و لا يحدث به الناس و أحب القيد في النوم و أكره الغل القيد ثبات في الدين فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء و إن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد و ليقم يصلي «6».
68- و عن عبادة بن الصامت أن النبي ص قال: رؤيا المؤمن جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة «7».
و عن أنس مثله.
69- و عن أبي سعيد الخدري عنه ص قال: إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها و ليحدث بها و إذا رأى غيره مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها و لا يذكرها لأحد فإنها لا تضره «8».
70- و عن أبي سعيد أيضا عنه ص قال: الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة «9».
__________________________________________________
(1) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(2) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(3) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(4) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(5) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(6) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(7) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(8) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
(9) الدر المنثور: ج 3، ص 312.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 193
71- و عن عبادة بن الصامت عنه ص فيقوله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا قال هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو ترى له و هو كلام يكلم به ربك عبده في المنام «1».
72- و عن أبي قتادة قال: الرؤيا من الله و الحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات ثم ليستعذ بالله من شرها فإنها لا تضره «2».
73- و عن عوف بن مالك قال قال رسول الله ص الرؤيا على ثلاثة منها تخويف من الشيطان ليحزن به ابن آدم و منها الأمر يحدث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام و منها جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة «3».
74- و عن سليم بن عامر أن عمر بن الخطاب قال: العجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال فيكون رؤياه كأخذ باليد و يرى الرجل الرؤيا فلا يكون رؤياه شيئا فقال علي بن أبي طالب ع أ فلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين إن الله يقول الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى فالله يتوفى الأنفس كلها فما رأت و هي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة و ما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها و أخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها فعجب عمر من قوله «4».
بيان: فلينفث أي فليتفل تفلا خفيفا و إن لم يخرج معه شيء من البزاق.
75- الكافي، عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن درست بن أبي منصور عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك الرؤيا الصادقة و الكاذبة مخرجهما من موضع واحد قال صدقت أما الكاذبة المختلفة فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة و إنما هي شيء
__________________________________________________
(1) المصدر: ج 3، ص 313.
(2) المصدر: ج 3، ص 313.
(3) الدر المنثور: ج 3، ص 313.
(4) المصدر: ج 5: ص 329.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 194
يخيل إلى الرجل و هي كاذبة مخالفة لا خير فيها و أما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة و ذلك قبل السحر فهي صادقة لا تختلف «1» إن شاء الله إلا أن يكون جنبا أو يكون «2» على غير طهر أو لم يذكر الله عز و جل حقيقة ذكره فإنها تختلف و تبطئ على صاحبها «3».
بيان قوله مخرجهما من موضع واحد لعل المراد أن ارتسامهما في محل واحد أو أن علتهما معا الارتسام لكن علة الارتسام فيهما مختلفة و قيل يعني كليهما صورة علمية يخلقها الله تعالى في قلب عباده بأسباب روحانية أو شيطانية أو طبيعية قوله ع في سلطان المردة الفسقة أي في أول الليل يستولي على الإنسان شهوات ما رآه في النهار و كثرت في ذهنه الصور الخيالية و اختلطت بعضها ببعض و بسبب كثرة مزاولة الأمور الدنيوية بعد عن ربه و غلبت عليه القوى النفسانية و الطبيعية فبسبب هذه الأمور تبعد عنه ملائكة الرحمن و تستولي عليه جنود الشيطان فإذا كان وقت السحر سكنت قواه و زالت عنه ما اعتراه من الخيالات الشهوانية فأقبل عليه مولاه بالفضل و الإحسان و أرسل عليه ملائكته ليدفعوا عنه أحزاب الشيطان فلذا أمره الله تعالى في ذلك الوقت بعبادته و مناجاته و قال إن ناشئة الليل هي أشد وطئا و أقوم قيلا «4» فما يراه في الحالة الأولى فهو من التسويلات و التخييلات الشيطانية و من الوساوس النفسانية و ما يراه في الحالة الثانية فهو من الإفاضات الرحمانية بتوسط الملائكة الروحانية ثم ذكر ع علة تخلف بعض الرؤيا مع كونها في السحر فقال إنه إما بسبب جنابة أو حدث أو غفلة عن ذكر الله تعالى فإنها توجب البعد عن الله و استيلاء الشيطان.
و قال في شرح السنة قال أرباب التعبير رؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار و
__________________________________________________
(1) في المصدر: لا تخلف.
(2) فيه: أو ينام على غير طهور و لم يذكر.
(3) روضة الكافي: 91.
(4) المزمل: 6.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 195
أصدق ساعات الرؤيا وقت السحر و روي عن أبي سعيد قال أصدق الرؤيا بالأسحار.
و قال ابن حجر في فتح الباري ذكر الدينوري أن رؤيا أول الليل يبطئ تأويلها و من النصف الثاني يسرع و إن أسرعها تأويلا وقت السحر و لا سيما عند طلوع الفجر و عن جعفر الصادق ع أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة.
تفصيل و تبيين
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 196
أن نذكر هاهنا بعض أقوال المتكلمين و الحكماء ثم نبين ما ظهر لنا فيه من أخبار أئمة الأنام ع.
فأما الحكماء فقد بنوا ذلك على ما أسسوه من انطباع صور الجزئيات في النفوس المنطبعة الفلكية و صور الكليات في العقول المجردة و قالوا إن النفس في حالة النوم قد تتصل بتلك المبادئ العالية فتحصل لها بعض العلوم الحقة الواقعة فهذه هي الرؤيا الصادقة و قد يركب المتخيلة بعض الصور المخزونة في الخيال ببعض فهذه هي الرؤيا الكاذبة و قال بعضهم إن للنفوس الإنسانية اطلاعا على الغيب في حال المنام و ليس أحد من الناس إلا و قد جرب ذلك من نفسه تجارب أوجبته التصديق و ليس ذلك بسبب الفكر فإن الفكر في حال اليقظة التي هو فيها أمكن يقصر عن تحصيل مثل ذلك فكيف في حال النوم بل بسبب أن النفوس الإنسانية لها مناسبة الجنسية إلى المبادئ العالية المنتقشة بجميع ما كان و ما سيكون و ما هو كائن في الحال و لها أن تتصل بها اتصالا روحانيا و أن تنتقش بما هو مرتسم فيها لأن اشتغال النفس ببعض أفاعيلها يمنعها عن الاشتغال بغير تلك الأفاعيل و ليس لنا سبيل إلى إزالة عوائق النفس بالكلية عن الانتقاش بما في المبادئ العالية لأن أحد العائقين هو اشتغال النفس بالبدن و لا يمكن لنا إزالة هذا العائق بالكلية ما دام البدن صالحا لتدبيرها إلا أنه قد يسكن
__________________________________________________
إما أن يكون أمرا عقليا محضا، أو مثاليا برزخيا، و لا يكون أمرا ماديا البتة، للقطع بعدم حصول ارتباط مادى بين الإنسان و بين موجود مادى آخر مما يقع تحت الحواس في حال النوم بحيث يمكن إسناد تلك العلوم إليه بوجه. فعلى فرض جعل المشارك للنفس امرا عقليا يصير الرؤيا اتصالا للنفس بموجود عقلي في المنام و تمثل ما تستفيد منه حسب استعدادها بصور جزئية في عالمها المثالى. و ان شئت قلت: فى ساحة الحواس الباطنة و لوح الذهن و على فرض جعل المشارك أمرا مثاليا بصير الرؤيا إشرافا للنفس على عالم المثال و مشاهدة أمور هناك مباشرة.
و كلاهما مما يصح فرضه عقلا، و لا ينفيه دليل شرعى، بل يوجد في الاخبار ما يؤيدهما بل يدل عليهما، فعليك باجادة التدبر فيها. و سيأتي في المتن أقوال عدة من العلماء و الباحثين تعرف مواقع النظر فيها مما تلونا عليك، فلا نتصدى لنقدها بالتفصيل حذرا من التطويل.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 197
أحد الشاغلين في حالة النوم فإن الروح ينتشر إلى ظاهر البدن بواسطة الشرايين و ينصب إلى الحواس الظاهرة حالة الانتشار و يحصل الإدراك بها و هذه الحالة هي اليقظة فتشتغل النفس بتلك الإدراكات فإذا انخنس الروح إلى الباطن تعطلت هذه الحواس و هذه الحالة هي النوم و بتعطلها يخف إحدى شواغل النفس عن الاتصال بالمبادئ العالية و الانتقاش ببعض ما فيها فيتصل حينئذ بتلك المبادئ اتصالا روحانيا و يرتسم في النفس بعض ما انتقش في تلك المبادئ مما استعدت هي لأن تكون منتقشة به كالمرايا إذا حوذي بعضها ببعض و القوة المتخيلة جبلت محاكيه لما يرد عليها فتحاكي تلك المعاني المنتقشة في النفس بصور جزئية مناسبة لها ثم تصير تلك الصور الجزئية في الحس المشترك فتصير مشاهدة و هذه هي الرؤيا الصادقة.
ثم إن الصور التي تركبها القوة المتخيلة إن كانت شديدة المناسبة لتلك المعاني المنطبعة في النفس حتى لا يكون بين المعاني التي أدركتها النفس و بين الصور التي ركبتها القوة المتخيلة تفاوت إلا في الكلية و الجزئية كانت الرؤيا غنية عن التعبير و إن لم تكن شديدة المناسبة إلا أنه مع ذلك تكون بينهما مناسبة بوجه ما كانت الرؤيا محتاجة إلى التعبير و هو أن يرجع من الصورة التي في الخيال إلى المعنى الذي صورته المتخيلة بتلك الصورة و أما إذا لم تكن بين المعنى الذي أدركته النفس و بين الصورة التي ركبتها القوة المتخيلة مناسبة أصلا لكثرة انتقالات المتخيلة من صورة إلى صورة لا تناسب المعنى الذي أدركته النفس أصلا فهذه الرؤيا من قبيل أضغاث الأحلام و لهذا قالوا لا اعتماد على رؤيا الشاعر و الكاذب لأن قوتهما المتخيلة قد تعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة انتهى.
و لا يخفى أن هذا رجم بالغيب و تقول بالظن و الريب و لم يستند إلى دليل و برهان و لا إلى مشاهدة و عيان و لا إلى وحي إلهي مع ابتنائه على إثبات العقول المجردة و النفوس الفلكية المنطبعة و هما مما نفتهما الشريعة المقدسة كما تقرر في محله.
و قال الرازي في المطالب العالية في بيان طريقة الفلاسفة في كيفية صدور
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 198
المعجزات و الكرامات عن الأنبياء و الأولياء قالوا قد عرفت أن انطباع الصور في الحس المشترك على وجهين أحدهما أن الحواس الظاهرة إذا أخذت صور المحسوسات الموجودة في الخارج و أدتها إلى الحس المشترك فحينئذ تنطبع في الحس المشترك و تصير مشاهدة له و الثاني أن القوة المتخيلة التي من شأنها تركيب الصور بعضها بالبعض إذا ركبت صورة فإن تلك الصورة قد تنطبع في الحس المشترك و متى حصل الانطباع وجب أن تصير مشاهدة و ذلك لأن في القسم الأول إنما صارت تلك الصورة مشاهدة لأجل أن تلك الصور انطبعت في الحس المشترك لا لأجل أنها وردت عليه من الخارج و إذا كان كذلك وجب أيضا في الصور المنحدرة عليه من جانب المتخيلة أن تصير مشاهدة و مثال الحس المشترك المرآة فإن كل صورة تنطبع فيها من أي جانب كان صارت مشاهدة فكذلك الصور المنطبعة في الحس المشترك إذا انطبعت فيه من أي جانب كان وجب أن تصير محسوسة إذا عرفت هذا فنقول الصور التي تشاهدها الأبرار و الكهنة و النائمون و الممرورون ليست موجودة في الخارج فإنها لو كانت موجودة في الخارج لوجب أن يراها كل من كان سليم الحس بناء على أنه متى كانت الحاسة سليمة و كان الشيء الحاضر بحيث تصح رؤيته و لم يحصل القرب القريب و البعد البعيد و اللطافة و الصغر و حصلت المقابلة فعند حضور هذه الشرائط يكون الإدراك و الإبصار واجبا إذ لو جاز أن لا يحصل الإدراك عند حضور هذه الشرائط لجاز أن يصير عندنا جبال عظيمة و أصوات هائلة و لا نراها و لا نسمعها و معلوم أن تجويزه يوجب الجهالات العظيمة فثبت بهذا أن تلك الصور غير موجودة في الخارج فيجب الجزم بأن ورودها على الحس المشترك إنما كان من الداخل و هو أن القوة المتخيلة ركبت تلك الصور فانحدرت إلى الحس المشترك فصارت مرئية و قد كان الواجب أن تحصل هذه الحاصلة أبدا إلا أن العائق عنه أمران الأول أن الحس المشترك إذا حصلت فيه الصور المأخوذة من الخارج لم يتسع للصور التي يركبها المتخيلة فحينئذ تصير الصور التي يركبها المتخيلة بحيث لا يمكن انطباعها في الحس المشترك و الثاني أن القوة
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 199
العاقلة تكون مسلطة على القوة المتخيلة فيمنعها عن تركيب تلك الصور. إذا عرفت هذا فنقول إنه إذا انتفى الشاغلان معا أو أحدهما فإنه يحصل ذلك التلويح و ذاك التشبيح أما في وقت النوم فقد زال أحد الشاغلين و هو الحس الظاهر فلا ينتقل من الحواس الظاهرة إلى الحس المشترك شيء من الصور فيبقى لوح الحس المشترك خاليا عن النقوش الخارجية فيستعد لقبول الصور التي تركبها المتخيلة فتنحدر تلك الصورة من المتخيلة إلى لوح الحس المشترك فتصير محسوسة.
و أما في وقت المرض فإن النفس تصير مشغولة بتدبير البدن فلا تتفرغ لمنع القوة المتخيلة من تركيب تلك الصور فحينئذ تقوى القوة المتخيلة على عملها و إذا قويت على هذا العمل عصت الحس المشترك عن قبول الصور الخارجية فوردت عليه هذه الصور فتصير مشاهدة محسوسة و الصور الهائلة التي تصير مشاهدة في حالة الخوف فهي من هذا الباب فإن الخوف المستولي على النفس يصدها عن تأديب المتخيلة فلا جرم تقدر المتخيلة على رسم صورها في الحس المشترك كصورة الغول و غيرها و كذلك قد يستولي على النفوس الضعيفة العقل قوى أخرى كشهوة شيء فتشتد تلك الشهوة حتى تغلب العقل فالمتخيلة تركب صورة ذلك المشتهى و تنطبع تلك الصورة في لوح الحس المشترك فتصير محسوسة.
إذا عرفت هذا فنقول إنه يتفرع عليه أشياء كثيرة الفرع الأول في سبب المنامات الصادقة و الكاذبة اعلم أن الصور التي تركبها المتخيلة قد تكون كاذبة و قد تكون صادقة أما الكاذبة فوقوعها على ثلاثة أوجه الأول أن الإنسان إذا أحس بشيء و بقيت صورة ذلك المحسوس في خزانة الخيال فعند النوم ترتسم تلك الصورة في الحس المشترك فتصير مشاهدة محسوسة و الثاني أن القوة المفكرة إذا ألفت صورة ارتسمت تلك الصورة في الخيال ثم وقت النوم تنتقل تلك إلى الحس المشترك فتصير محسوسة كما أن الإنسان إذا تفكر في الانتقال من بلد إلى بلد و حصل في خاطره شيء أو خوف عن شيء فإنه يرى تلك الأحوال في النوم و الثالث أن مزاج الروح الحامل للقوة المفكرة إذا تغير فإنه تتغير أحوال القوة
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 200
المفكرة و لهذا السبب فإن الذي يميل مزاجه إلى الحرارة يرى في النوم النيران و الحريق و الدخان و من مال مزاجه إلى البرودة يرى الثلوج و من مال مزاجه إلى الرطوبة يرى الأمطار و من مال مزاجه إلى اليبوسة يرى التراب و الألوان المظلمة فهذه الأنواع الثلاثة لا عبرة بها البتة بل هي من قبيل أضغاث الأحلام.
و أما الرؤيا الصادقة فالكلام في ذكر سببها متفرع على مقدمتين إحداهما أن جميع الأمور الكائنة في هذا العالم الأسفل مما كان و مما سيكون و مما هو كائن موجود في علم البارئ تعالى و علم الملائكة العقلية و النفوس السماوية و الثانية أن النفس الناطقة من شأنها أن تتصل بتلك المبادئ و تنتقش فيها الصور المنتقشة في تلك المبادئ و عدم حصول هذا المعنى ليس لأجل البخل من تلك المبادئ أو لأجل أن النفس الناطقة غير قابلة لتلك الصور بل لأجل أن استغراق النفس في تدبير البدن صار مانعا من ذلك الاتصال العام.
إذا عرفت هذا فنقول النفس إذا حصل لها أدنى فراغ من تدبير البدن اتصلت بطباعها بتلك المبادئ فينطبع فيها بعض تلك الصور الحاضرة عند تلك المبادئ و هو الصور التي هي أليق بتلك النفس و معلوم أن أليق الأحوال بها ما يتعلق بأحوال ذلك الإنسان و بأصحابه و بأهل بلده و إقليمه و أما إن كان ذلك الإنسان منجذب الهمة إلى تحصيل علوم المعقولات لاحت له منها أشياء و من كانت همته مصالح الناس رآها ثم إذا انطبعت تلك الصور في جوهر النفس الناطقة أخذت المتخيلة التي من طباعها محاكاة الأمور في حكاية تلك الصور المنطبعة في النفس بصور جزئية يناسبها «1» ثم إن تلك الصور تنطبع في الحس المشترك فتصير مشاهدة فهذا هو سبب الرؤيا في المنام ثم إن تلك الصور التي ركبتها المتخيلة لأجل تلك المعاني قد تكون شديدة المناسبة لتلك المعاني فتكون هذه الرؤيا غنية عن التعبير و قد لا تكون كذلك إلا أنها أيضا مناسبة لتلك المعاني من بعض الوجوه و هاهنا تحتاج هذه المنامات إلى التعبير و فائدة التعبير التحليل بالعكس يعني أن يرجع المعبر من
__________________________________________________
(1) تناسبها (ظ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 201
هذه الصور الحاضرة في الخيال إلى تلك المعاني و القسم الثالث أن لا تكون هذه الصور مناسبة لتلك المعاني البتة و ذلك يكون لأحد وجهين أحدهما أن يكون حدوث هذا الخيال الغريب إنما كان لوجه واحد من الوجوه الثلاثة المذكورة في سبب أضغاث الأحلام و الثاني أن يكون ذلك لأجل أن القوة المتخيلة ركبت لأجل ذلك المعنى صورة ثم ركبت لأجل تلك الصورة صورة ثانية و للثانية ثالثة و أمعنت في هذه الانتقالات فانتهت بالأخرة إلى صورة لا تناسب المعنى التي أدركته النفس أولا البتة و حينئذ يصير هذا القسم أيضا من باب أضغاث الأحلام و لهذا السبب قيل إنه لا اعتماد على رؤيا الكاذب و الشاعر لأن القوة المتخيلة منهما قد عودت الانتقالات الكاذبة الباطلة و الله أعلم.
الفرع الثاني في كيفية الإخبار عن الغيب اعلم أن النفس الناطقة إذا كانت كاملة القوة وافية في الوصول إلى الجوانب العالية و السافلة و تكون في القوة بحيث لا يصير اشتغالها بتدبير البدن عائقا لها عن الاتصال بالمبادئ المفارقة ثم اتفق أيضا أن كانت قوته «1» الفكرية قوية قادرة على انتزاع لوح الحس المشترك عن الحواس الظاهرة فحينئذ لا يبعد أن يقع لمثل هذه النفس في حال اليقظة مثل ما يقع للنائمين من الاتصال بالمبادئ المفارقة فحينئذ يرتسم عن بعض تلك المفارقات صور تدل على وقائع هذا العالم في جوهر النفس الناطقة ثم إن القوة لأجل قوتها تركب صورة مناسبة لها ثم تنحدر تلك الصورة إلى لوح الحس المشترك فتصير مشاهدة و عند هذه الحال يسمع ذلك الإنسان كلاما منظوما من هاتف و قد يشاهد منظرا في أكمل هيئة و أجل صورة تخاطبه تلك الصورة بما يهمه من أحوال من يتصل به ثم إن كانت هذه الصورة المحسوسة منطبقة على تلك المعاني التي أدركتها النفس الناطقة كان ذلك وحيا صريحا و إن كانت الصورة الخيالية مخالفة لذلك المعنى العقلي من بعض الوجوه كان ذلك وحيا محتاجا إلى التأويل و الصارف للقوة المتخيلة عن هذا التغيير و التبديل أمران
__________________________________________________
(1) كذا، و الظاهر «قوتها».
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 202
الأول أن الصورة المنطبقة «1» في النفس الناطقة الفائضة من جانب المبادئ العالية لما فاضت على غاية الجلاء و الوضوح صارت تلك القوة مانعة للخيال عن التصرف فيها كما أن الصور المحسوسة المأخوذة من الخارج إذا كانت في غاية القوة فحينئذ يقوى على منع القوة المتخيلة من التصرف في تلك الصورة بالتغيير و التبديل.
النوع الثاني أن النفوس التي ليس لها من القوة ما يقوى على الاتصال بعالم الغيب في حال اليقظة فربما استعانت في حال اليقظة بما يدهش الحس و يحير الخيال كما يستعين بعضهم بشد حثيث و بعضهم بتأمل شيء شفاف أو برق لامع يورث البصر ارتعاشا فإن كل ذلك مما يدهش الخيال فيستعد النفس بسبب حيرتها و انقطاعها في تلك اللحظة عن تدبير البدن لانتهاز فرصة إدراك الغيب و الشرط في هذا أن يكون ذلك الإنسان ضعيف العقل مصدقا لكل ما يحكى له من مسيس الجن مثل الصبيان و النسوان و البله فهؤلاء إذا ضعفت حواسهم و كانت أوهامهم شديدة الانجذاب إلى مطلوب معين فحينئذ يقع لنفوسهم التفات في تلك اللحظة إلى عالم الغيب و يتأمل ذلك المطلوب فتارة يسمع خطابا و يظن أنه جني و تارة تتراءى له صور مشاهدة فيظن أنها من إخوان الجن فيلقي إليه من الغيب ما ينطق به في أثناء الغشي فيأخذه السامعون و يبنون عليه تدابيرهم في مهماتهم فهذا ما قرره الشيخ الرئيس في هذا الباب.
و اعلم أن الأصل في جملة هذه التفاريع أمران الأول أن يقال هذه الصور التي تشاهدها الأنبياء و الأولياء و غيرهم ليست موجودة في الخارج لأنها لو كانت موجودة في الخارج لوجب أن يدركها كل من كان له سليم الحس إذ لو جوزنا أن لا يحصل الإدراك مع حصول هذه الشرائط لجاز أن تكون بحضرتنا جبال و رعود و نحن لا نراها و لا نسمعها و ذلك يوجب السفسطة و لا يخفى أن الجهالات التي ألزمتموها على هذا القول هي على قولكم ألزم و ذلك لأنا لو جوزنا أن يرى الإنسان صورا و يشاهدها و يتكلم معها و يسمع أصواتها و يرى
__________________________________________________
(1) المنطبعة (ظ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 203
أشكالها ثم إنها لا تكون موجودة البتة في الخارج جاز أيضا في كل هذه الأشياء التي نراها و نسمعها من صور الناس و الجبال و البحار و أصوات الرعود أن لا يكون لشيء منها وجود في الخارج بل يكون محض الخيالات و محض الصور المرتسمة في الحس المشترك و معلوم أن القول به محض السفسطة بل نقول هذا في البعد عن الحق و الغوص في الجهالة أشد من الأول لأن على القول الذي نقول نحن جازمون بأن كل ما رأيناه فهو موجود حق إلا أنه يلزمنا تجويز أن يكون قد حضر عندنا أشياء و نحن لا نراها و تجويز هذا لا يوجب الشك في وجود ما رأيناه و سمعناه أما على القول الذي يقولونه فإنه يلزم وقوع الشك في وجود كل صورة رأيناها و كل صوت سمعناه و ذلك هو الجهالة التامة و السفسطة الكاملة فثبت أن القول الذي اخترتموه في غاية الفساد.
فإن قالوا إن حصول هذه الحالة لحصول أحوال منها أن يكون كامل النفس قوي العقل كما في حق الأنبياء و الأولياء فإذا لم يحصل شيء من هذه الأحوال و كان الإنسان باقيا على مقتضى المزاج المعتدل لم يحصل شيء من هذه الأحوال فحينئذ يحصل القطع بوجود هذه الأشياء في الخارج فنقول في الجواب إن بالطريق الذي ذكرتم ظهر أنه لا يمتنع أن يحس الإنسان بوجود صور مع أنها لا تكون موجودة أصلا و إذا ظهر جواز هذا المعنى فنحن إنما يمكننا انتفاء هذه الحالة إذا دللنا على أن الأسباب الموجبة لحصول هذه الحالة محصورة في كذا و كذا و نقيم على هذا الحصر برهانا يقينيا ثم نبين في المقام الثاني أنها بأسرها منتفية زائدة بالبرهان اليقيني ثم نبين في المقام الثالث أن الممكن حال بقائه لا يستغني عن السبب فإن «1» بتقدير أن يكون الأمر كذلك لم يلزم من زوال تلك الأسباب زوال هذه الحالة ثم على تقدير إقامة البراهين القاطعة الجازمة على صحة هذه المقدمات يصير جزمنا بحصول هذه المحسوسات في الخارج موقوفا على إثبات هذه المقدمات النظرية الغامضة و الموقوف على النظري الغامض أولى أن يكون نظريا غامضا و حينئذ تبطل هذه العلوم المستفادة
__________________________________________________
(1) فانه (ظ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 204
من الحواس بطلانا كليا فثبت أن القول الذي ذكرتموه قول باطل يوجب التزام السفسطة.
و اعلم أن الذي حمل هؤلاء الفلاسفة على ذكر هذه العلل و الأسباب إطباقهم على إنكار الملائكة و على إنكار الجن و قد بينا في كتاب الأرواح أنه ليس لهم شبهة و لا خيال يدل على نفي هذه الأشياء و إذا كان أصل هذه الأقوال نفي الملائكة و الجن و قد عرفت أنه ليس لهم فيه دليل و فرعه مما يوجب القول بالسفسطة كان هذا القول في غاية الفساد و البطلان فهذا تمام الكلام في هذا الأصل. و أما الأصل الثاني فهو أن هذه الكلمات متفرعة على إثبات إدراك الحواس الباطنة و نحن قد بينا بالبرهان القاهر القاطع أن المدرك لجميع الإدراكات هو النفس الناطقة و أن القول بتوزيع الإدراكات على قوى متفرقة قول باطل و كلام فاسد فثبت بهذه البيانات أن كلامهم في غاية الضعف و الفساد.
و الحق أن هذا الباب يحتمل وجوها كثيرة فأحدها أنا بينا أن النفوس الناطقة أنواع كثيرة ذو طوائف مختلفة و لكل طائفة منها روح فلكي كلي هو العلة لوجودها و هو المتكفل بإصلاح أحوالها و ذلك الروح الفلكي كالأصل و المعدن و الينبوع بالنسبة إليها و سميناه بالطباع التام فلا يمتنع أن يكون الذي يراها في المنامات و في اليقظة أخرى و على سبيل الإلهامات ثالثا هو ذلك الطباع التام و لا يمتنع كون ذلك الطباع التام قادرا على أن يتشكل بأشكال مختلفة بحسب جسم مخصوص هوائي في جميع أعماله و ثانيها أن تثبت طوائف الملائكة و طوائف الجن و نحكم بكونها قادرة على أن تأتي بأعمال مخصوصة عندها يظهرون للبشر و على أعمال أخرى عندها يحتجبون عن البشر فهذا ما نقوله في هذا الباب انتهى.
و قال في المواقف و شرحه و أما الرؤيا فخيال باطل عند المتكلمين أي جمهورهم أما عند المعتزلة فلفقد شرائط الإدراك حالة النوم من المقابلة و إثبات الشعاع و توسط الهواء الشفاف و البنية المخصوصة و انتفاء الحجاب إلى غير ذلك من الشرائط المعتبرة في الإدراكات فما يراه النائم ليس من الإدراكات في شيء بل هو من قبيل الخيالات
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 205
الفاسدة و الأوهام الباطلة و أما عند الأصحاب إذ لم يشترطوا في الإدراك شيئا من ذلك فلأنه خلاف العادة أي لم تجر عادته تعالى بخلق الإدراكات في الشخص و هو نائم و لأن النوم ضد للإدراك فلا يجامعه فلا يكون الرؤيا إدراكا حقيقة بل هو من قبيل الخيال الباطل.
و قال الأستاذ أبو إسحاق إنه إدراك حق بلا شبهه إذ لا فرق بين ما يجده النائم من نفسه في نومه من إبصار المبصرات و سمع المسموعات «1» و ذوق و غيرها من الإدراكات و بين ما يجده اليقظان في إدراكاته فلو جاز التشكيك فيه لجاز التشكيك فيما يجده اليقظان و لزم السفسطة و القدح في الأمور المعلومة حقيقتها بالبديهة و لم يخالف الأستاد في كون النوم ضدا للإدراك لكنه زعم أن الإدراك يقوم بجزء من أجزاء الإنسان غير ما يقوم به النوم من أجزائه فلا يلزم اجتماع الضدين في محل واحد أقول ثم ذكر ما زعمته الفلاسفة في ذلك نحوا مما مر و قال بعض المحققين من الحكماء و الصوفية الجامعين بزعمهم بين الشرع و الحكمة سبب الرؤيا انخناس الروح البخاري من الظاهر إلى الباطن بأسباب شتى مثل طلب الاستراحة عن كثرة الحركة و ميل الاشتغال بتأثيره في الباطن لينفتح السد و لهذا يغلب النوم عند امتلاء المعدة و مثل أن يكون الروح قليلا ناقصا فلا يفي بالظاهر و الباطن جميعا و لزيادته و نقصانه أسباب طبية مذكورة في كتب الأطباء فإذا انخنس الروح إلى الباطن و ركدت الحواس بسبب من الأسباب بقيت النفس فارغة عن شغل الحواس لأنها لا تزال مشغولة بالتفكر فيما تورده الحواس عليها فإذا وجدت فرصة الفراغ و ارتفعت عنها الموانع فإن كانت عالية معتادة بالصدق أو مائلة إلى العالم الروحاني العقلي متوجهة إلى الحق مطهرة عن النقائص معرضة عن الشواغل البدنية متصفة بالمحامد أو غير ذلك مما جب تنويرها و تقويتها و قدرتها على خرق العالم الحسي من الإتيان بالطاعات و العبادات و استعمال القوى و الآلات بموجب الأوامر الإلهية و حفظ الاعتدال بين طرفي الإفراط و التفريط فيها و دوام الوضوء و الذكر خصوصا من أول
__________________________________________________
(1) في أكثر النسخ «للمسموعات».
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 206
الليل إلى وقت النوم و صحة البدن و اعتدال مزاجه الشخصي و الدماغي اتصلت بالجواهر الروحانية الشريفة التي فيها نقوش جميع الموجودات كلية و جزئية المسماة بالكتاب المبين و أم الكتاب فانتقشت بما فيها من صور الأشياء لا سيما ما ناسب أغراضها و يكون مهما لها فإن النفس بمنزلة مرآة ينطبع فيها كل ما قابلها من مرآة أخرى عند حصول الأسباب و ارتفاع الحجاب بينهما و الحجاب هاهنا اشتغال النفس بما تورده الحواس فإذا ارتفع ظهر فيها من تلك المرائي ما يناسبها و يحاذيها فإن كانت تلك الصور جزئية و بقيت في النفس بحفظ الحافظة إياها على وجهها و لم تتصرف فيه القوة المتخيلة الحاكية للأشياء بمثلها فتصدق هذه الرؤيا و لا تحتاج إلى التعبير و إن كانت المتخيلة غالبة و إدراك النفس للصورة ضعيفا صارت المتخيلة بطبعها إلى تبديل ما رأته النفس بمثال كتبديل العلم باللبن و تبديل العدو بالحية و تبديل الملك بالبحر و الجبل إلى غير ذلك و ذلك لما دريت أن لكل معنى صورة في نشأة غير صورته في النشأة الأخرى و أن النشآت متطابقة.
نقل أن رجلا جاء إلى ابن سيرين و قال رأيت كأن في يدي خاتما أختم به أفواه الرجال و فروج النساء فقال إنك مؤذن تؤذن في شهر رمضان قبل الفجر فقال صدقت و جاء آخر فقال كأني صببت الزيت في الزيتون فقال إن كانت تحتك جارية اشتريتها ففتش عن حالها فإنها أمك لأن الزيتون أصل الزيت فهو رد إلى الأصل فنظر فإذا جاريته كانت أمه و قد سبيت في صغره و قال آخر له كأني أعلق الدر في أعناق الخنازير فقال كأنك تعلم الحكمة غير أهلها و كان كما قال.
و ربما تبدل المتخيلة الأشياء المرئية في النوم بما يشابهها و يناسبها مناسبة ما أو ما يضادها كما من رأى أنه ولد له ابن فتولد له بنت و بالعكس و هذه الرؤيا تحتاج إلى مزيد تصرف في تعبيره فيحلل بالعكس أي يرجع من الصور الخيالية الجزئية إلى المعاني النفسانية الكلية و ربما لم تكن انتقالات المتخيلة مضبوطة بنوع مخصوص فانشعبت وجوه التعبير فصار مختلفا بالأشخاص و الأحوال و الصناعات و فصول السنة و صحة النائم و مرضه و صاحب التعبير لا ينال إلا بضرب من الحدس و يغلط فيه كثيرا للالتباس
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 207
و إن كانت النفس سفلية متعلقة بالدنيا منهمكة في الشهوات حريصة على المخالفات مستعملة للمتخيلة في التخيلات الفاسدة و غير ذلك مما يوجب الظلمة و ازدياد الحجب أو سوء مزاج الدماغ فلا تتصل بالجواهر الروحانية بمجرد ذلك فتفعل باختراعها بقوتها المتخيلة في مملكتها و عالمها الباطني صورا و أشخاصا جسمانية بعضها مطابقة لما يوجد في الخارج و بعضها خرافات لا أصل لها في شيء من العوالم بل هو من دعابات المتخيلة و اضطراباتها التي لا تفتر عنها في أكثر الأحوال ثم انتقلت منها و حاكتها بأمور أخرى في النوم فبقيت مشغولة بمحاكاتها كما تبقى مشغولة بالحواس في اليقظة و خصوصا إذا كانت ضعيفة منفعلة عن آثار القوى و هي أضغاث الأحلام و لمحاكاتها أسباب من أحوال البدن و مزاجه فإن غلبت على مزاجه الصفراء حاكاها بالأشياء الصفر و إن كان فيه الحرارة حاكاها بالنار و الحمام الحار و إن غلبت البرودة حاكاها بالثلج و الشتاء و نظائرهما و إن غلبت السوداء حاكاها بالأشياء السود و الأمور الهائلة قال بعض العلماء و إنما حصلت صورة النار مثلا في التخيل عند غلبة الحرارة لأن الحرارة التي في موضع تتعدى إلى المجاور لها كما يتعدى نور الشمس إلى الأجسام بمعنى أنه سيكون سببا لحدوثه إذ خلقت الأشياء موجودة وجودا فائضا بأمثاله على غيره و القوة المتخيلة منطبعة في الجسم الحار فيتأثر به تأثرا يليق بطبعها لأن كل شيء قابل يتأثر من شيء فإنما يتأثر منه بشيء يناسب جوهر هذا القابل و طبعه فالمتخيلة ليست بجسم حتى تقبل نفس الحرارة فتقبل من الحرارة ما في طبعها القبول و هو صورة الحار فهذا هو السبب فيه.
ثم قال و الاتصال بالجواهر الروحانية كما يكون في المنام فكذلك قد يكون في اليقظة أيضا كما أن الاختراعات الخيالية تكون في الحالتين و ذلك لأن رفع الحجاب بين مرآة النفس و ذلك العالم كما يكون في المنام فكذلك قد يكون بأسباب أخر مثل صفاء النفس بسبب أصل الفطرة و مثل انزعاج النفس و انزجارها عن هذا العالم بسبب ما يكدرها و ينقص «1» عيشها الدنياوي من المؤلمات و المنفرات فيتوجه
__________________________________________________
(1) ينغص (ظ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 208
إلى عالمها هربا من هذه الأمور الموحشة فيرتفع الحجاب بينها و بين عالمها و مثل الرياضات العلمية و العملية التي توجب المكاشفات الصورية و المعنوية أي ظهور الحوادث و الحقائق و مثل الموت الإرادي الذي يكون للأولياء و مثل الموت الطبيعي الذي يوجب كشف الغطاء للجميع سواء كانوا سعداء أو أشقياء و مثل ما لو غلب على المزاج اليبوسة و الحرارة و قل الروح البخاري حتى صرفت النفس لغلبة السوداء و قلة الروح عن موارد الحواس فيكون مع فتح العين و سائر أبواب الحواس كالمبهوت الغافل الغائب عما يرى و يسمع و ذلك لضعف خروج الروح إلى الظاهر فهذا أيضا لا يستحيل أن ينكشف لنفسه من الجواهر الروحانية شيء من الغيب فيحدث به و يجري على لسانه فكأنه أيضا غافل عما يحدث به و هذا يوجد في بعض المجانين و المصروعين و بعض الكهنة فيحدثون بما يكون موافقا لما سيكون.
ثم ما تتلقاه النفس في اليقظة على وجهين فإن كانت النفس قوية وافية بضبط الجوانب لا تشغلها المشاعر السفلية عن المدارك العالية و تكون متخيلتها قوية على استخلاص الحس المشترك عن مشاهدة الظواهر إلى مشاهدة ما يراها في الباطن فلا يبعد أن يقع لها ما يقع للنائم من غير تفاوت فمنه ما هو وحي صريح لا يفتقر إلى التأويل و منه ما ليس كذلك فيفتقر إليه أو يكون شبيها بالمنامات التي هي أضغاث أحلام إن أمعنت المتخيلة في الانتقال و المحاكات و إن لم يكن كذلك فلا يخلو إما أن يستعين بما يقع للحس دهشة و للخيال حيرة أو لا بل كانت لضعف طبيعي في الحواس أو مرض طار فالأول كفعل المستنطقين المشغلين للصبيان و النساء ذوات المدارك الضعيفة بأمور مترقرقة أو بأشياء ملطخة سود مدهشة محيرة للحس مرعشة للبصر برجرجتها أو شفيفها و كاستعانة بعض المتصوفة و المتكهنة برقص و تصفيق و تطريب فكل هذه موهنة للحواس مخلة بها و ربما يستعينون أيضا بالإبهام بالعزائم و بأدعية غير مفهومة الألفاظ يوجب الترهيب بالحس «1» إذا استنطقوا غيرهم و الثاني كما للمصروعين و الممرورين و من في قواه ضعف و في دماغه رطوبة قابلة و قد يجتمع الشيئان ضعف
__________________________________________________
(1) بالجن (خ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 209
الفائق «1» و قوة النفس بتطريب و غيره كالكثير من المرتاضين من أولي الكد و هذا حسن و ما للكهنة و الممرورين نقص أو ضلال أو تعطيل للقوى كما خلقت لأجله و أما الفضلاء فرياضاتهم و علومهم مرموزة مكتومة عن المحجوبين.
و قال الكراجكي رحمه الله في كتاب كنز الفوائد وجدت لشيخنا المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه أن الكلام في باب رؤيا المنامات عزيز و تهاون أهل النظر به شديد و البلية بذلك عظيمة و صدق القول فيه أصل جليل و الرؤيا في المنام يكون من أربع جهات أحدها حديث النفس بالشيء و الفكر فيه حتى يحصل كالمنطبع في النفس فيتخيل إلى النائم ذلك بعينه و أشكاله و نتائجه و هذا معروف بالاعتبار.
الجهة الثانية من الطباع و ما يكون من قهر بعضها لبعض فيضطرب له المزاج و يتخيل لصاحبه ما يلائم ذلك الطبع الغالب من مأكول و مشروب و مرئي و ملبوس و مبهج و مزعج قد ترى تأثير الطبع الغالب في اليقظة و الشاهد حتى أن من غلب عليه الصفراء يصعب عليه الصعود إلى المكان العالي يتخيل له من وقوعه منه و يناله من الهلع و الزمع ما لا ينال غيره و من غلبت عليه السوداء يتخيل له أنه قد صعد في الهواء و ناجته الملائكة و يظن صحة ذلك حتى إنه ربما اعتقد في نفسه النبوة و أن الوحي يأتيه من السماء و ما أشبه ذلك.
و الجهة الثالثة ألطاف من الله عز و جل لبعض خلقه من تنبيه و تيسير و إعذار و إنذار فيلقي في روعه ما ينتج له تخييلات أمور تدعوه إلى الطاعة و الشكر على النعمة و تزجره عن المعصية و تخوفه الآخرة و يحصل له بها مصلحة و زيادة فائدة و فكر يحدث له معرفة.
و الجهة الرابعة أسباب من الشيطان و وسوسة يفعلها للإنسان يذكره بها أمورا تحزنه و أسبابا تغمه فيما لا يناله أو يدعوه إلى ارتكاب محظور يكون فيه عطبه أو تخيل شبهة في دينه يكون منها هلاكه و ذلك مختص بمن عدم التوفيق
__________________________________________________
(1) العائق (خ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 210
لعصيانه و كثرة تفريطه في طاعات الله سبحانه و لن ينجو من باطل المنامات و أحلامها إلا الأنبياء و الأئمة ع و من رسخ في العلم من الصالحين.
و قد كان شيخي رضي الله عنه قال لي إن كل من كثر علمه و اتسع فهمه قلت مناماته فإن رأى مع ذلك مناما و كان جسمه من العوارض سليما فلا يكون منامه إلا حقا يريد بسلامة الجسم عدم الأمراض المهيجة للطباع و غلبة بعضها على ما تقدم به البيان و السكران أيضا لا يصح منامه و كذلك الممتلئ من الطعام لأنه كالسكران و لذلك قيل إن المنامات قل ما يصح في ليالي شهر رمضان فأما منامات الأنبياء ع فلا تكون إلا صادقة و هي وحي في الحقيقة و منامات الأئمة ع جارية مجرى الوحي و إن لم تسم وحيا و لا تكون قط إلا حقا و صدقا و إذا صح منام المؤمن فإنه من قبل الله تعالى كما ذكرناه
و قد جاء في الحديث عن رسول الله ص أنه قال: رؤيا المؤمن جزء من سبعة و سبعين جزءا من النبوة.
و روي عنه ع أنه قال: رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلم به الرب عنده.
فأما وسوسة شياطين الجن فقد ورد السمع بذكرها قال الله تعالى من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس «1» و قال و إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم «2» و قال شياطين «3» الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا «4» و ورد السمع به فلا طريق إلى دفعه.
فأما كيفية وسوسة الجني للإنسي فهو أن الجن أجسام رقاق لطاف فيصح أن يتوصل أحدهم برقة جسمه و لطافته إلى غاية سمع الإنسان و نهايته فيوقع فيه كلاما يلبس عليه إذا سمعه و يشتبه عليه بخواطره لأنه لا يرد عليه ورود المحسوسات من ظاهر جوارحه و يصح أن يفعل هذا بالنائم و اليقظان جميعا و ليس هو في العقل
__________________________________________________
(1) الناس: 4- 6.
(2) الأنعام: 121.
(3) صدرها: «و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين» الخ.
(4) الأنعام: 112.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 211
مستحيلا
روى جابر بن عبد الله أنه قال: بينما رسول الله ص يخطب إذ قام إليه رجل فقال يا رسول الله إني رأيت كأن رأسي قد قطع و هو يتدحرج و أنا أتبعه فقال له رسول الله ص لا تحدث بلعب الشيطان بك ثم قال إذا لعب الشيطان أحدكم «1» في منامه فلا يحدثن به أحدا.
و أما رؤية الإنسان للنبي ص أو لأحد الأئمة ع في المنام فإن ذلك عندي على ثلاثة أقسام قسم أقطع على صحته و قسم أقطع على بطلانه و قسم أجوز فيه الصحة و البطلان فلا أقطع فيه على حال فأما الذي أقطع على صحته فهو كل منام رأى فيه النبي ص أو أحد الأئمة ع و هو الفاعل لطاعة أو آمر بها و ناه عن معصية «2» أو مبين لقبحها و قائل لحق أو داع إليه و زاجر عن باطل أو ذام لمن هو عليه و أما الذي أقطع على بطلانه فهو كل ما كان ضد ذلك لعلمنا أن النبي ص و الإمام ع صاحبا حق و صاحب الحق بعيد عن الباطل و أما الذي أجوز فيه الصحة و البطلان فهو المنام الذي يرى فيه النبي و الإمام ع و ليس هو آمرا و لا ناهيا و لا على حال يختص بالديانات مثل أن يراه راكبا أو ماشيا أو جالسا و نحو ذلك و أما الخبر الذي
يروى عن النبي ص من قوله من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي.
فإنه إذا كان المراد به المنام يحمل على التخصيص دون أن يكون في كل حال و يكون المراد به القسم الأول من الثلاثة الأقسام لأن الشيطان لا يتشبه بالنبي ص في شيء من الحق و الطاعات و أما
ما روي عنه ص من قوله من رآني نائما رآني يقظان.
فإنه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد به رؤية المنام و يكون خاصا كالخبر الأول على القسم الذي قدمناه و الثاني أن يكون أراد به رؤية اليقظة دون المنام و يكون قوله نائما حالا للنبي و ليست حالا لمن رآه فكأنه قال من رآني و أنا نائم فكأنما رآني و أنا منتبه و الفائدة في هذا المقال أن يعلمهم بأنه يدرك في الحالتين إدراكا واحدا فيمنعهم ذلك إذا حضروا عنده و هو نائم
__________________________________________________
(1) بأحدكم (ظ).
(2) في أكثر النسخ «معصيته».
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 212
أن يفيضوا فيما لا يحسن أن يذكروه بحضرته و هو منتبه
و قد روي عنه ع أنه غفا ثم قام يصلي من غير تجديد وضوء فسئل عن ذلك فقال إني لست كأحدكم تنام عيناي و لا ينام قلبي.
و جميع هذه الروايات أخبار آحاد فإن سلمت فعلى هذا المنهاج و قد كان شيخي رحمه الله يقول إذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه إله كفرعون و من جرى مجراه مع قلة حيلة البشر و زوال اللبس في اليقظة فما المانع من أن يدعي إبليس عند النائم بوسوسة له أنه نبي مع تمكن إبليس مما لا يتمكن منه البشر و كثرة اللبس المعترض في المنام و مما يوضح لك أن من المنامات التي يتخيل للإنسان أنه قد رأى فيها رسول الله و الأئمة منها ما هو حق و منها ما هو باطل أنك ترى الشيعي يقول رأيت في المنام رسول الله ص و معه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و هو يأمرني بالاقتداء به دون غيره و يعلمني أنه خليفته من بعده و أن أبا بكر و عمر و عثمان ظالموه و أعداؤه و ينهاني عن موالاتهم و يأمرني بالبراءة منهم و نحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة ثم يرى الناصبي يقول رأيت رسول الله في النوم و معه أبو بكر و عمر و عثمان و هو يأمرني بمحبتهم و ينهاني عن بغضهم و يعلمني أنهم أصحابه في الدنيا و الآخرة و أنهم معه في الجنة و نحو ذلك مما يختص بمذهب الناصبية فنعلم لا محالة أن أحد المنامين حق و الآخر باطل فأولى الأشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت الدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه و الباطل ما أوضحت الحجة عن فساده و بطلانه و ليس يمكن الشيعي أن يقول للناصبي إنك كذبت في قولك إنك رأيت رسول الله ص لأنه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه و قد شاهدنا ناصبيا يتشيع و أخبرنا في حال تشيعه بأنه يرى منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه فبان بذلك أن أحد المنامين باطل و أنه من نتيجة حديث النفس أو من وسوسة إبليس و نحو ذلك و أن المنام الصحيحة «1» هو لطف من الله تعالى بعبده على المعنى المتقدم
__________________________________________________
(1) كذا.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 213
وصفه و قولنا في المنام الصحيح إن الإنسان رأى في نومه النبي ص إنما معناه أنه كان قد رآه و ليس المراد به التحقق في اتصال شعاع بصره بجسد النبي ص و أي بصر يدرك به في حال نومه و إنما هي معاني تصورت و في نفسه تخيل له فيها أمر لطف الله تعالى له به قام مقام العلم و ليس هذا بمناف للخبر الذي روي من قوله من رآني فقد رآني لأن معناه فكأنما رآني و ليس يغلط في هذا المكان إلا من ليس له من عقله اعتبار قال المازري من العامة في شرح قول النبي الرؤيا من الله و الحلم من الشيطان مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان و هو سبحانه و تعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه النوم و اليقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها فإذا خلق في قلب النائم الطيران و ليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما يكون خلق الله تعالى الغيم علما على المطر و الجميع خلق الله تعالى و لكن يخلق الرؤيا و الاعتقادات التي جعلها علما على ما يسر بغير حضرة الشيطان و خلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فنسب إلى الشيطان مجازا لحضوره عندها و إن كان لا فعل له حقيقة.
و قال البغوي في شرح السنة ليس كل ما يراه الإنسان صحيحا و يجوز تعبيره بل الصحيح ما كان من الله يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب و ما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها و هي على أنواع قد تكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه و له مكايد يحزن بها بني آدم كما قال تعالى إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و من لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل فلا يكون له تأويل و قد يكون من حديث النفس كما يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر و العاشق يرى معشوقه و نحوه و قد يكون من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد و الحجامة و الحمرة و الرعاف و الرياحين و المزامير و النشاط و نحوه و من غلب عليه الصفراء يرى النار و
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 214
الشمع و السراج و الأشياء الصفر و الطيران في الهواء و نحوه و من غلب عليه السوداء يرى الظلمة و السواد و الأشياء السود و صيد الوحش و الأحوال و الأموات و القبور و المواضع الخربة و كونه في مضيق لا منفذ له أو تحت ثقل و نحوه و من غلب عليه البلغم يرى البياض و المياه و الأنداء و الثلج و الوحل فلا تأويل لشيء منها.
و قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر و الدرر في جواب سائل سأله ما القول في المنامات أ صحيحة هي أم باطلة و من فعل من هي و ما وجه صحتها في الأكثر و ما وجه الإنزال عند رؤية المباشرة في المنام و إن كان فيها صحيح و باطل فما السبيل إلى تمييز أحدهما من الآخر.
الجواب اعلم أن النائم غير كامل العقل لأن النوم ضرب من السهو و السهو ينفي العلوم و لهذا يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة لنقصان عقله و فقد علومه و جميع المنامات إنما هي اعتقادات يبتدئها «1» النائم في نفسه و لا يجوز أن تكون من فعل غيره فيه لأن من عداه من المحدثين سواء كانوا بشرا أو ملائكة أو جنا أجسام و الجسم لا يقدر أن يفعل في غيره اعتقادا ابتداء بل و لا شيئا من الأجناس على هذا الوجه و إنما يفعل ذلك في نفسه على سبيل الابتداء و إنما قلنا إنه لا يفعل في غيره جنس الاعتقادات متولدا لأن الذي يعدي الفعل من محل القدرة إلى غيرها من الأسباب إنما هو الاعتمادات و ليس في جنس الاعتمادات ما يولد الاعتقادات و لهذا لو اعتمد أحدنا على قلب غيره الدهر الطويل ما تولد فيه شيء من الاعتقادات و قد بين ذلك و شرح في مواضع كثيرة و القديم تعالى هو القادر أن يفعل في قلوبنا ابتداء من غير سبب أجناس الاعتقادات و لا يجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا لأن أكثر اعتقادات النائم جهل و يتأول الشيء على خلاف ما هو به لأنه يعتقد أنه يرى و يمشي و أنه راكب و على صفات كثيرة و كل ذلك على خلاف ما هو به و هو تعالى لا يفعل الجهل فلم يبق إلا أن الاعتقادات كلها من جهة النائم و قد ذكر في المقالات أن المعروف بصالح قبة كان يذهب إلى أن ما يراه النائم في منامه على الحقيقة و هذا جهل منه
__________________________________________________
(1) في أكثر النسخ «يبتدئ بها».
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 215
يضاهي جهل السوفسطائية لأن النائم يرى أن رأسه مقطوع و أنه قد مات و أنه قد صعد إلى السماء و نحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كله و إذا جاز عند صالح هذا أن يعتقد اليقظان في السراب أنه ماء و في المردي «1» إذا كان في الماء أنه مكسور و هو على الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة و اللبس فألا جاز ذلك في النائم و هو من الكمال أبعد و من النقص أقرب.
و ينبغي أن يقسم ما يتخيل النائم أنه يراه إلى أقسام ثلاثة منها ما يكون من غير سبب يقتضيه و لا داع يدعو إليه اعتقادا مبتدأ و منها ما يكون من وسواس الشيطان يفعل في داخل سمعه كلاما خفيا يتضمن أشياء مخصوصة فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنه يراه فقد نجد كثيرا من النيام يسمعون حديث من يتحدث بالقرب منها فيعتقدون أنهم يرون ذلك الحديث في منامهم و منها ما يكون سببه و الداعي إليه خاطرا يفعله الله تعالى أو يأمر بعض الملائكة بفعله و معنى هذا الخاطر أن يكون كلاما يفعل في داخل السمع فيعتقد النائم أيضا أنه ما يتضمن ذلك الكلام و المنامات الداعية إلى الخير و الصلاح في الدين يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة كما أنما يقتضي الشر منها الأولى أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة و قد يجوز على هذا في ما يراه النائم في منامه ثم يصح ذلك حتى يراه في يقظته على حد ما يراه في منامه و في كل منام يصح تأويله أن يكون سبب صحته أن الله تعالى يفعل كلاما في سمعه لضرب من المصلحة بأن شيئا يكون أو قد كان على بعض الصفات فيعتقد النائم أن الذي يسمعه هو يراه فإذا صح تأويله على ما يراه فما ذكرناه إن لم يكن مما يجوز أن تتفق فيه الصحة اتفاقا فإن في المنامات ما يجوز أن يصح بالاتفاق و ما يضيق فيه مجال نسبته إلى الاتفاق فهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه.
فإن قيل أ ليس قد قال أبو علي الجبائي في بعض كلامه في المنامات إن الطبائع لا يجوز أن تكون مؤثرة فيها لأن الطبائع لا يجوز على المذاهب الصحيحة أن تؤثر في شيء و إنه غير ممتنع مع ذلك أن يكون بعض المآكل يكثر عندها المنامات بالعادة كما أن فيها ما يكثر عنده بالعادة تخييل الإنسان و هو مستيقظ ما لا
__________________________________________________
(1) خشبة يدفع بها الملاح السفينة.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 216
أصل له قلنا قد قال ذلك أبو علي و هو خطأ لأن تأثيرات المآكل بمجرى العادة على المذاهب الصحيحة إذا لم تكن مضافة إلى الطبائع فهو من فعل الله تعالى فكيف نضيف التخيل الباطل و الاعتقاد الفاسد إلى فعل الله تعالى فأما المستيقظ الذي استشهد به فالكلام فيه و الكلام في النائم واحد و لا يجوز أن نضيف التخيل الباطل إلى فعل الله تعالى في نائم و لا يقظان فأما ما يتخيل من الفاسد و هو غير نائم فلا بد من أن يكون ناقص العقل في الحال و فاقد التمييز بسهو و ما يجري مجراه فيبتدئ اعتقاد الأصل له كما قلناه في النائم.
فإن قيل فما قولكم في منامات الأنبياء ع و ما السبب في صحتها حتى عد ما يرونه في المنام مضاهيا لما يسمعونه من الوحي.
قلنا الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحتها و لا هي مما توجب العلم و قد يمكن أن يكون الله تعالى أعلم النبي بوحي يسمعه من الملك على الوجه الموجب للعلم أني سأريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل عليه فيقطع على صحته من هذا الوجه لا بمجرد رؤيته له في المنام و على هذا الوجه يحمل منام إبراهيم ع في ذبح ابنه و لو لا ما أشرنا إليه كيف كان يقطع إبراهيم ع بأنه متعبد بذبح ولده.
فإن قيل فما تأويل ما يروى عنه ع من قوله من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي و قد علمنا أن المحق و المبطل و المؤمن و الكافر قد يرون النبي ص في النوم و يخبر كل واحد منهم عنه بضد ما يخبر به الآخر فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا.
قلنا هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد و لا معول على مثل ذلك على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة لأن الشيطان لا يتمثل بي لليقظان فقد قيل إن الشيطان ربما تمثلت بصورة البشر و هذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر لأنه قال من رآني فقد رآني فأثبت غيره رائيا له و نفسه مرئية و في النوم لا رائي له في الحقيقة و لا
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 217
مرئي و إنما ذلك في اليقظة و لو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام من اعتقد أنه يراني في منامه و إن كان غير راء له على الحقيقة فهو في الحكم كأنه قد رآني و هذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر و تبديل لصيغته و هذا الذي رتبناه في المنامات و قسمناه أسد تحقيقا من كل شيء قيل في أسباب المنامات و ما سطر في ذلك معروف غير محصل و لا محقق فأما ما يهذي إليه الفلاسفة في هذا الباب فهو مما يضحك الثكلى لأنهم ينسبون ما صح من المنامات لما أعيتهم الحيل في ذكر سببه إلى أن النفس اطلعت إلى عالمها فأشرفت على ما يكون و هذا الذي يذهبون إليه في حقيقة النفس غير مفهوم و لا مضبوط فكيف إذا أضيف «1» إليه الاطلاع على عالمها و ما هذا الاطلاع و إلى أي شيء يشيرون بعالم النفس و لم يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطلاع فكل هذا زخرفة و مخرقة و تهاويل لا يتحصل منها شيء و قول صالح قبة مع أنه تجاهل محض أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة لأن صالحا ادعى أن النائم يرى على الحقيقة ما ليس يراه فلم يشر إلى أمر غير معقول و لا مفهوم بل ادعى ما ليس بصحيح و إن كان مفهوما و هؤلاء عولوا على ما لا يفهم مع الاجتهاد و لا يعقل مع قوة التأمل و الفرق بينهما واضح.
فأما سبب الإنزال فيجب أن يبنى على شيء يحقق سبب الإنزال في اليقظة مع الجماع ليس هذا مما يهذي به أصحاب الطبائع لأنا قد بينا في غير موضع أن الطبع لا أصل له و أن الإحالة فيه على سراب لا يتحصل و إنما سبب الإنزال أن الله تعالى أجرى العادة بأن يخرج هذا الماء من الظهر عند اعتقاد النائم أنه يجامع و إن كان هذا الاعتقاد باطلا «2» انتهى كلامه قدس الله روحه.
و لنكتف بذكر هذه الأقوال و لا نشتغل بنقدها و تفصيلها و لا بردها و تحصيلها لأن ذلك مما يؤدي إلى التطويل الخارج عن المقصود في الكتاب و لنذكر ما ظهر لنا في هذا الباب من الأخبار المنتمية إلى الأئمة الأخيار ع فهو أن الرؤيا تستند إلى أمور شتى.
__________________________________________________
(1) في أكثر النسخ «ضيف».
(2) الأمالي ج 2 ص 392- 395.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 218
فمنها أن للروح في حالة النوم حركة إلى السماء إما بنفسها بناء على تجسمها كما هو الظاهر من الأخبار أو بتعلقها بجسد مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضا بأن يكون للروح جسدان أصلي و مثالي يشتد تعلقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي و يضعف تعلقها بالآخر و ينعكس الأمر في حال النوم أو بتوجهها و إقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف تعلقها بالجسد بنفسها من غير جسد مثالي و على تقدير التجسم أيضا يحتمل ذلك كما يومئ إليه بعض الأخبار بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذا الجسد و إقبالها إلى عالم آخر و توجهها إلى نشأة أخرى و بعد حركتها بأي معنى كانت ترى أشياء في الملكوت الأعلى و تطالع بعض الألواح التي أثبتت فيها التقديرات فإن كان لها صفاء و لعينها ضياء يرى الأشياء كما أثبتت فلا تحتاج رؤياه إلى تعبير و إن استدلت على عين قلبه أغطية أرماد التعلقات الجسمانية و الشهوات النفسانية فيرى الأشياء بصور شبيهة لها كما أن ضعيف البصر و مؤف العين يرى الأشياء على غير ما هي عليه و العارف بعلته «1» يعرف أن هذه الصورة المشبهة التي اشتبهت عليه صورة لأي شيء فهذا شأن المعبر العارف بداء كل شخص و علته و يمكن أيضا أن يظهر الله عليه الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة كما أن الإنسان قد يرى المال في نوم بصورة حية و قد يرى الدراهم بصورة عذرة ليعرف أنهما يضران و هما مستقذران واقعا فينبغي أن يتحرز عنهما و يجتنبهما و قد ترى في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها و يحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ما أنس به من الأمور المألوفة و الشهوات و الخيالات الباطلة و قد مضى ما يدل على هذين النوعين في رواية محمد بن القاسم و رواية معاوية بن عمار و غيرهما.
و منها ما هو بسبب إفاضة الله تعالى عليه في منامه إما بتوسط الملائكة أو بدونه كما يومئ إليه خبر أبي بصير و سعد بن أبي خلف.
و منها ما هو بسبب وسواس الشيطان و استيلائه عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة أو الطاعات التي تركها فيها أو الكثافات و النجاسات الظاهرية و الباطنية التي
__________________________________________________
(1) بعقله (خ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 219
لوث نفسه بها كما مر في رواية هزع و رواية تارك الزكاة و غيرهما و تدل عليه آية النجوى على بعض الوجوه.
و منها ما هو بسبب ما بقي في ذهنه من الخيالات الواهية و الأمور الباطلة و يومئ إليه خبر ابن أبي خلف و غيره.
و أما ما وراء ذلك مما سبق ذكره و إن كان بعضها محتملا و يمكن تطبيق الآيات و الأخبار عليه لكن لم يدل عليه دليل و التجويز و الإمكان لا يقومان مقام البرهان مع أنه ليس من الأمور التي يجب تحقيقها و الإذعان بكيفيتها.
خاتمة
نورد فيها بعض ما ذكره أرباب التعبير و التأويل و إن لم يكن لأكثرها مأخذ يصلح للتعويل.
قال بعضهم السحاب حكمة فمن ركبه علا في الحكمة و إن أصاب منها شيئا أصاب حكمة و إن خالطه و لم يصب شيئا خالط الحكماء فإن كان في السحاب سواد أو ظلمة أو رياح أو شيء من هيئته العذاب فهو عذاب و إن كان فيه غيث فهو رحمة و السمن و العسل قد يكون مالا في التأويل و قد يكون علما و حكمة روي أن رجلا سأل ابن سيرين قال رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر فقال اتق الله و عاود القرآن فقد قرأته ثم نسيته.
و العلو إلى السماء رفعة قال تعالى و رفعناه مكانا عليا «1» و من رأى أنه صعد السماء و دخلها نال شرفا و ذكرا و شهادة.
و الطيران في الهواء عزم سفر أو نيل شرف و قال بعضهم من رأى أنه يطير فإن كان إلى جهة السماء من غير تعريج ناله ضرر و إن غاب في السماء و لم يرجع مات و إن رجع أفاق من مرضه و إن كان يطير عرضا سافر و نال رفعة بقدر طيرانه و إن كان بجناح فهو مال و سلطان يسافر في كنفه و إن كان بغير جناح دل على التعزير في ما
__________________________________________________
(1) مريم: 57.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 220
يدخل «1» فيه و قالوا إن الطيران للشرار دليل ردي و الحبل العهد و الأمان لقوله تعالى و اعتصموا بحبل الله جميعا «2» و اعلم أن التأويل قد يكون بدلالة كتاب أو سنة أو من الأمثال السائرة بين الناس و قد يقع التأويل على الأسماء و المعاني و قد يقع على الضد فالتأويل بدلالة القرآن كالحبل يعبر بالعهد كما مر و السفينة بالنجاة قال تعالى فأنجيناه و أصحاب السفينة «3» و الخشبة بالنفاق لقوله تعالى كأنهم خشب مسندة «4» و الحجارة بالقسوة لقوله تعالى أو أشد قسوة «5» و المرض بالنفاق لقوله في قلوبهم مرض «6» و الماء بالفتنة في حال لقوله لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم «7» و أكل اللحم الني بالغيبة لقوله أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا «8» و دخول الملك محلة أو بلدا أو دارا يصغر عن قدره و ينكر دخول مثله مثلها يعبر بمصيبة و ذل ينال أهله لقوله إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها «9» و البيض بالنساء لقوله كأنهن بيض مكنون «10» و كذلك اللباس لقوله هن لباس لكم «11» و استفتاح الباب بالدعاء لقوله إن تستفتحوا «12» أي تدعوا.
و التأويل بدلالة الحديث كالغراب بالرجل الفاسق لأن النبي ص سماه فاسقا و الفأرة بالمرأة الفاسقة لأنه ص سماه فويسقة و الضلع بالمرأة
لقوله ص إنها خلقت من ضلع أعوج.
و القوارير بالنساء
لقوله ص رويدك سوقا بالقوارير.
و التأويل بالأمثال كالصائغ بالكذاب لقولهم أكذب الناس الصواغون و حفر الحفرة بالمكر لقولهم من حفر حفرة لأخيه وقع فيها قال تعالى و لا يحيق
__________________________________________________
(1) يدخله فيه (خ).
(2) آل عمران: 103.
(3) العنكبوت: 15.
(4) المنافقون: 4.
(5) البقرة: 74.
(6) البقرة: 10.
(7) الجن: 16.
(8) الحجرات: 12.
(9) النمل: 34.
(10) الصافات: 49.
(11) البقرة: 187.
(12) الأنفال: 19.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 221
المكر السيئ إلا بأهله «1» و الحاطب بالنمام لقولهم لمن نم و وشى إنه يحطب عليه و فسروا قوله حمالة الحطب «2» بالنميمة و طول اليد بصنائع المعروف لقولهم فلان أطول يدا من فلان و يعبر الرمي بالحجارة و السهم بالقذف لقولهم رمى فلانا بفاحشة قال الله تعالى و الذين يرمون المحصنات «3» و غسل اليد باليأس عما يؤمل «4» لقولهم غسلت يدي عنك و التأويل بالأسامي كمن رأى من يسمى راشدا يعبر بالرشد و سالما بالسلامة
و روي عن أنس قال قال رسول الله ص رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا و العافية في الآخرة و أن ديننا قد طاب.
و قال ابن سيرين نوى التمر نية السفر و قد يعبر السفرجل بالسفر إذا لم يكن في الرؤيا ما يدل على المرض و السوسن بالسوء لأن أوله سوء إذا عدل به مما ينسب إليه في التأويل.
و التأويل بالمعنى كالأترج يعبر بالنفاق لمخالفة باطنه ظاهره إذا لم يكن في الرؤيا ما يدل على المال و كالورد و النرجس بقلة البقاء إن عدل به عما نسب إليه لسرعة ذهابه و الآس بالبقاء لأنه يدوم روي أن امرأة بالأهواز رأت كأن زوجها ناولها نرجسا و ناول ضرتها آسا فقال المعبر يطلقك و يتمسك بضرتك أ ما سمعت قول الشاعر
ليس للنرجس عهد إنما العهد للآس.
و أما التأويل بالضد فكما أن الخوف يعبر بالأمن لقوله و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا «5» و الأمن بالخوف و البكاء بالفرح إذا لم يكن معه رنة و الضحك بالحزن إلا أن يكون تبسما و الطاعون بالحرب و الحرب بالطاعون و العجلة بالندم و الندم بالعجلة و العشق بالجنون و الجنون بالعشق و النكاح بالتجارة و التجارة بالنكاح و الحجامة بكتبة الصك و الصك بالحجامة و التحول عن المنزل بالسفر
__________________________________________________
(1) فاطر: 43.
(2) المسد: 4.
(3) النور: 4.
(4) يأمل (خ).
(5) النور: 55.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 222
و السفر بالتحول عن المنزل و من هنا أن العطش خير من الري و الفقر من الغنى و المضروب و المجروح و المقذوف أحسن حالا من الفاعل.
و قد يتغير بالزيادة و النقصان كالبكاء إنه فرح و إن كان معه صوت و رنة فمصيبة و في الضحك إنه حزن فإن كان تبسما فصالح و في الجوز مال مكنون فإن سمعت له قعقعة فهو خصومة و الدهن في الرأس زينة فإن سال عن الوجه فهو غم و الزعفران ثناء حسن فإن ظهر له لون فهو مرض أو هم و المريض يخرج من منزله و لا يتكلم فهو موته فإن تكلم برأ و الفأر نساء فإن اختلفت ألوانها إلى البيض و السود فهي الأيام و الليالي و السمك نساء فإذا عرف عددها فإن كثر فغنيمة.
و قد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي كالغل في النوم مكروه و هو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر و قال ابن سيرين نقول في الرجل يخطب على المنبر يصيب سلطانا فإن لم يكن من أهله يصلب و سأل رجل ابن سيرين عن الأذان فقال الحج و سأله آخر فأول بقطع السرقة و قال رأيت الأول في سيماء حسنة فتأولت و أذن في الناس بالحج «1» و لم أرض هيئة الثاني فأولت ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون «2» و قد يرى فيصيبه عين ما رأى حقيقة من ولاية أو حج أو قدوم غائب أو خير أو نكبة و قد رأى النبي ص عام الفتح فكان كذلك قال تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا «3» و روى الزهري عن ابن خزيمة بن ثابت عن عمه أن خزيمة رأى أنه سجد على جبهة النبي ص فأخبره فاضطجع له و قال صدق رؤياك فسجد على جبهته و قد يرى في المنام الشيء فيكون لولده أو قريبه أو سميه فقد أري [رأى] النبي ص متابعة أبي جهل معه فكان لابنه عكرمة فلما أسلم قال ص هو هذا و رأى لأسيد بن العاص ولاية مكة فكان لابنه عتاب ولاه النبي ص مكة و روى البخاري بإسناده عن ابن سيرين عن قيس بن عباد قال كنت جالسا في مسجد المدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبي ص فدخل
__________________________________________________
(1) الحج: 27.
(2) يوسف: 70.
(3) الفتح: 27.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 223
رجل على «1» وجهه أثر الخشوع فقال بعض القوم هذا رجل من أهل الجنة فصلى ركعتين تجوز فيهما ثم خرج و تبعته فقلت له إنك حين دخلت المسجد قالوا هذا من أهل الجنة قال و الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم و سأحدثك بم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي ص فقصصتها عليه رأيت كأني في روضة ذكر من سعتها و خضرتها في وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض و أعلاه في السماء و أعلاه عروة فقيل لي ارقه قلت لا أستطيع فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت بالعروة فقيل استمسك فاستيقظت و إنها لفي يدي فقصصتها على النبي ص فقال تلك الروضة الإسلام و ذلك العمود عمود الإسلام و تلك العروة العروة الوثقى فأنت على الإسلام حتى تموت و الرجل عبد الله بن سلام.
قال في النهاية في الحديث تجوزوا في الصلاة أي خففوها و أسرعوا بها و قيل إنه من الجواز القطع و السير و قال المنصف بكسر الميم الخادم و قد يفتح.
و قال في شرح السنة من رأى في النوم أنه قد صعد السماء فدخلها نال شرفا و ذكرا و نال الشهادة فإن رأى نفسه فيها لا يدري متى صعد إليها فهو شرف معجل و شهادة مؤجلة و الشمس ملك عظيم و من رأى فيها من تغير أو كسوف فهو حدث بالملك من هم أو مرض أو نحوه و القمر وزير الملك في التأويل و الزهرة امرأته و عطارد كاتبه و المريخ صاحب حربه و زحل صاحب عذابه و المشتري صاحب ماله و سائر النجوم العظام أشراف الناس و إنما يكون القمر وزيرا ما رئي في السماء فإن رآه عنده أو في حجره أو في بيته تزوج زوجا يغلب ضوؤه رجلا كان أو امرأة و كانت الشمس في تأويل رؤيا يوسف أباه و القمر أمه أو خالته و الكواكب الأحد عشر إخوته كما قال تعالى و رفع أبويه على العرش الآية «2» و كان رؤياه في صباه فظهر تأويلها بعد أربعين سنة و يقال بعد ثمانين سنة. و روي أن ابن سيرين رأى في المنام كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في
__________________________________________________
(1) في (خ).
(2) يوسف: 100.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 224
الوصية و قال يموت الحسن و أموت بعده و هو أشرف مني و سأل رجل ابن سيرين فقال رأيت كأني أطير بين السماء و الأرض فقال أنت رجل كثير المنى و قالوا من رأى القيامة قد قامت في موضع فإن العدل يبسط في ذلك المكان فإن كانوا مظلومين نصروا و إن كانوا ظالمين انتقم منهم لأنه العدل و يوم القيامة يوم الفصل و العدل قال تعالى و نضع الموازين القسط ليوم القيامة «1» و من رأى دخل الجنة فهو البشرى من الله بالجنة فإن أكل شيئا من ثمارها أو أصابها فهو خير يناله في دينه و دنياه و علم ينتفع به فإن أعطاها غيره ينتفع بعلمه غيره و دخول جهنم إنذار للعاصي ليتوب فإن رأى أنه تناول شيئا من طعامها أو شرابها فهو خلاف أعمال البر منه أو علم يصير عليه وبالا و الغسل و الوضوء بالماء البارد توبة و شفاء من المرض و خروج من الحبس و قضاء للدين و أمن من الخوف غير أن الغسل أقوى من الوضوء قال تعالى لأيوب ع هذا مغتسل بارد و شراب «2» فلما اغتسل خرج من المكاره و الغسل و الوضوء بالماء المسخن هم أو مرض و الأذان حج لقوله تعالى و أذن في الناس بالحج «3» و ربما كان سلطانا في الدين و قوة و الصلاة في النوم استقامة الرأي في الدين و السنة إذا كانت إلى الكعبة و الإمامة رئاسة و ولاية إن استقامت قبلته و تمت صلاته و الركوع توبة لقوله تعالى خر راكعا و أناب «4» و السجود قربة لقوله تعالى و اسجد و اقترب «5» و إن صلى منحرفا عن سمت القبلة شرقا أو غربا فانحراف عن السنة فإن جعلها وراء ظهره فهو نبذه الإسلام لقوله تعالى فنبذوه وراء ظهورهم «6» فإن رأى أنه لا يعرف القبلة فهو حيرة منه في الدين و من رأى نفسه فوق الكعبة فلا دين له و الكعبة الإمام العادل فمن أم الكعبة فقد أم الإمام و المسجد الجامع هو السلطان و من رأى نفسه بالكعبة أو يأتي بشيء من المناسك فهو صلاح في دينه بقدر عمله و دخول الحرم أمن لقوله و من دخله كان آمنا «7»
__________________________________________________
(1) الأنبياء: 47.
(2) ص: 42.
(3) الحج: 27.
(4) ص: 24.
(5) العلق: 20.
(6) آل عمران: 185.
(7) آل عمران: 91.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 225
و الأضحية فك الرقبة فمن ضحى و كان عبدا أعتق و إن كان أسيرا نجا أو خائفا أمن أو مديونا قضى دينه أو مريضا شفاه الله أو صرورة حج.
و قال من رأى في المنام أنه تزوج امرأة عاينها أو عرفها أو نسبت إليه أصاب سلطانا و إن تزوج امرأة لم يعاينها و لم يعرفها و لم تنسب إليه إلا أنه يسمي عروسا فهو موته أو يقتل إنسانا و من طلق امرأة عزل عن سلطنته و من تزوج امرأة ميتة ظفر بأمر ميت و من رأى أنه نكح امرأة من محارمها يصل رحمها و من أصاب زانية أصاب دنيا حراما فإن رآه رجل من الصالحين أصاب علما فإن رأت امرأة أنها تزوجت أصابت خيرا فإن رأت أن زانيا نكحها فهو نقصان مالها و تشتت أمرها.
و روى البخاري عن ابن عمر أن النبي ص قال: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة فتأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة و هي الجحفة.
و قال أصحاب التعبير الرجل المعروف في النوم هو ذلك الرجل أو سميه أو نظيره و المجهول إن كان شابا فهو عدو و إن كان شيخا فهو جدة و المرأة العجوزة المجهولة هي الدنيا فإن كانت ذات هيئة و سمت حسن كانت حلالا و إن كانت على غير سمت الإسلام كانت دنيا حراما و إن كانت شعثة قبيحة فلا دين و لا دنيا و المرأة سنة و الجارية خير و الصبي هم و المرأة الزانية هي الدنيا لطالب الدنيا و علم لأهل الصلاح و العلم و الخصيان هم الملائكة إذا رآهم في سمت حسن و سأل رجل ابن سيرين فقال رأيت في النوم صبيا في حجري يصيح فقال اتق الله و لا تضرب بالعود.
فأما الأعضاء فرأس الرجل رئيسه و الوجه جاهه و الشيب وقاره و طول الشعر هم إلا أن يكون ممن يلبس السلاح «1» فهو له زينة و حلق الرأس كفارة الذنوب إن كان في حرم أو أيام موسم و إن كان مديونا أو في كرب ففرج و إن لم يكن
__________________________________________________
(1) الصلاح (خ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 226
شيئا منها فهو هتك أو عزل رئيسه و طول اللحية فوق القدر دين أو هم و خضاب الرأس و اللحية تغطية أمر و شعر الشارب و الإبط زيادة مكروهه «1» و نقصانه محمود و الأذن امرأة الرجل و ابنته و السمع و البصر دينه و الصوت صيته في الناس و ما حدث عن شيء منه كان ذلك فيما ينسب إليه و العين دين فإن رأى أنه أعمى ضل عن الإسلام و إن رأى أنه أعور ذهب نصف دينه أو أصاب إثما عظيما و الرمد حدث في الدين و أشفار العين وقاية الدين و كذا الاكتحال و الجبهة و الأنف من الجاه و الفم مفتاح أمره و خاتمته و القلب القائم بأمره و مدبره و اللسان ترجمانه و المبلغ عنه و قد يكون حجته و قطعه انقطاع حجته في المنازعة و قد يكون اللسان ذكره قال تعالى و اجعل لي لسان صدق في الآخرين «2» و قطع اللسان للنساء محمود يدل على الستر و الحياء و الأسنان أهل البيت و القرابات لتقاربها و تلاصقها و الثنايا أقربهم و الأبعد منها أبعدهم و العليا رجال القرابة و السفلى نساؤها و ما حدث فيها من حسن أو فساد أو كلال ففي القرابة فإن رأى أن أسنانه سقطت فصارت في يده تكثر نساء أهله فإن سقطت و ذهبت فهو موتهم قبله و العنق موضع الأمانة و الدين و ضعفه عجز عن احتمال الأمانة و الدين و العضد أخ أو ولد قد أدرك و اليد أخ و قطعها موته و قد يؤول طول اليد بصنائع المعروف و إذا نسبت اليد إلى الأخ كانت الأصابع أولادا لأخ و إذا انفردت الأصابع عن ذكر اليد فهي الصلوات الخمس و نقصانها حدث في الصلاة فالإبهام الصبح و السبابة الظهر و الوسطى العصر و البنصر المغرب و الخنصر العشاء و الصدر حلم الرجل و احتماله و الثدي البنت و البطن و الأمعاء مال و ولد فإن رأى ظهور شيء من أمعائه من جوفه فهو ظهور ماله و الكبد كنز و في الحديث يخرج الأرض أفلاذ كبدها أي كنوزها و كذلك الدماغ و المخ و الأضلاع النساء لأن المرأة خلقت من ضلع و الظهر سند الرجل و قوته و من المملوك سيده و
__________________________________________________
(1) في بعض النسخ «زيادته مكروهة».
(2) الشعراء: 84.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 227
الصلب القوة و قد يكون الولد لأن الولد يخرج منه و الذكر ذكره و قد يكون ولده و الخصيتان الأعداء فإن رأى قطعهما ظفر به أعداؤه فإن «1» عظمتا كان منيعا و قد يكون انقطاع الخصيتين انقطاع إناث الولد و الفخذ عشيرة الرجل و قومه و الركبة موضع كده و نصبه في المعيشة و القروح و البثر و الجراح و الورم في البدن و الجنون و الجذام كلها مال و البرص مال و كسوة
و روي أن رسول الله ص سأل عن ورقة فقالت خديجة إنه قد صدقك و لكن مات قبل أن تظهر فقال رسول الله ص رأيته «2» في المنام و عليه ثياب بيض و لو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك.
قال المعبرون القميص على الرجل دينه على لسان صاحب الشرع و قد يعبر القميص بشأنه في مكسبه و معيشته و ما رأى في قميصه صفاقة أو خرق أو وسخ فهو صلاح معيشته أو فساده و السراويل جارية أعجمية و الإزار امرأة و أفضل الثياب ما كان جديدا صفيقا واسعا و البياض في الثياب جمال في الدين و الدنيا و الحمرة في الثياب صالحة للنساء و تكره للرجال إلا أن تكون في ملحفة أو إزار أو فراش فهو حينئذ سرور و فرح و الصفرة في الثياب مرض و الخضرة حياة في الدين لأنها لباس أهل الجنة و السواد سود «3» و سلطان لمن يلبس السواد في اليقظة و لمن لا يلبسها مكروه و الصوف مال كثير و البرد من القطن يجمع خير الدين و الدنيا و أجود البرود الحبرة فإن كان البرد من إبريشم فهو مال حرام و فساد من الدين و القطن و الكتان و الشعر و الوبر كلها مال و العمامة ولاية و الفراش امرأة حرة أو أمة و الوسائد و المرافق و المقادم و المناديل خدم و السرير سلطان إذا كان ممن يصلح لذلك و إلا فهو شهرة.
و يقال المرأة فضيحة و الستور على الأبواب هم و حزن و النعل امرأة و خمار
__________________________________________________
(1) و إن (خ).
(2) في أكثر النسخ «اريته».
(3) سودد (خ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 228
المرأة زوجها فإن لم يكن لها زوج فوليها.
و روي عن أم العلا الأنصارية قالت رأيت في النوم لعثمان بن مظعون رضي الله عنه بعد موته عينا تجري فقصصتها على رسول الله ص فقال ذاك علمه «1».
و قال أصحاب التعبير الساقية التي لا يغرق في مثلها حياة طيبة و البحر الملك الأعظم فإن استقى منه ماء أصاب من الملك مالا و النهر رجل يقدر «2» عظمته و الماء الصافي إذا شرب خير و حياة طيبة و إن كان كدرا أصابه مرض و شرب الماء المسخن و دخول الحمام هم و مرض و الماء الراكد أضعف في التأويل من الجاري و المطر غياث و رحمة إن كان عاما و إن كان خاصا في موضع فهو أوجاع يكون «3» في ذلك الموضع و الطين و الوحل و الماء الكدر هم و حزن و السيل عدو يتسلط و الثلج و البرد و الجليد هم و عذاب إلا أن يكون الثلج قليلا في موضعه و حينه فيكون خصبا لأهل ذلك الموضع و السباحة احتباس أمر و المشي على الماء قوة نفس و من غمره الماء أصابه هم غالب و الغرق فيه إذا لم يمت غرق في أمر الدنيا و انفجار العيون من الدار و الحائط و حيث ينكر انفجارها هم و حزن و مصيبة بقدر قوة العين و الخمر مال حرام فإن سكر منها أصاب معه سلطانا و السكر من غير الشراب خوف و من اعتصر خمرا خدم السلطان و أخصب و جرت على يده أمور عظام قال تعالى إني أراني أعصر خمرا «4» فأوله يوسف بأنه يسقي ربه خمرا و شرب اللبن فطرة و هو يكون مالا حلالا
و قد ورد في الخبر أن النبي ص أول اللبن بالعلم.
و روي أن امرأة رأت في المنام أنها كانت تحلب حية فسألت ابن سيرين فقال هذه يدخل عليها أهل الأهواء.
اللبن فطرة و الحية عدو و ليست من الفطرة في شيء و الأشجار رجال أحوالهم
__________________________________________________
(1) في بعض النسخ «عمله» و هو أظهر.
(2) في بعض النسخ «بقدر».
(3) كذا.
(4) يوسف: 36.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 229
كأحوال الشجر في الطبع و النفع و طيب الريح فمن رأى شجرا أو أصاب شيئا من ثمره أصاب من رجل في مثل حال ذلك الشجر و النخل رجل شريف و التمر مال و شجر الجوز رجل أعجمي شحيح و الجوز نفسه مال مكنون و شجرة السدر رجل شريف و شجرة الزيتون رجل مبارك نفاع و ثمر الزيتون هم و حزن و الكرم و البستان امرأة و العنب الأبيض في وقته غضارة الدنيا و خيرها و في غير وقته مال يناله قبل وقته الذي يرجوه و الأشجار العظام التي لا ثمر لها كالدلب و الصنوبر إن رأى فهو رجل ضخم بعيد الصوت قليل الخير و المال و الشجرة ذات الشوك رجل صعب المرام و الصفر من الثمار مثل المشمش و الكمثرى و الزعرور الأصفر و نحوها أمراض و الحامض منها هم و حزن و الحبوب كلها مال و الحشيش مال و الزرع عمله في دينه أو دنياه و الثوم و البصل و الجزر و الشلجم هم و حزن و الرياحين كلها بكاء و حزن إلا ما يرى منها ثابتا في موضعه من غير أن يمسه و هو يجد ريحه.
و روى البخاري و غيره من المخالفين بإسنادهم عن النبي ص قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض لها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب و رأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح و اجتماع المؤمنين و رأيت أيضا فيها بقرا و الله «1» خير فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد و إذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد و ثواب الصدق الذي أتانا الله بعد يوم بدر.
قال في النهاية وهل إلى الشيء بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمه إليه انتهى و ضبطه النووي بالتحريك و قال الوهل بالتحريك معناه الوهم و الاعتقاد و سائر اللغويين على الأول.
و رووا أيضا عن جابر في خبر غزوة أحد أن النبي ص قال: رأيت كأني في درع حصينة و رأيت بقرا تنحر فأولت الدرع الحصينة بالمدينة و البقر بقرة و الله
__________________________________________________
(1) كذا في جميع النسخ، و لعله سقط منه شيء.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 230
خير. و أولوا ذبح البقرة بالمسلمين الذين استشهدوا يوم أحد.
قال ابن حجر هذه اللفظة الأخيرة هي بفتح الموحدة و سكون القاف مصدر بقره بقرا و منهم من ضبطها بفتح النون و الفاء.
و قال أهل التعبير السيف سلطان في المنام و إن رآه قد رفعه فوق رأسه نال سلطانا مشهورا و إن لم يكن ممن ينبغي له فهو ولد و كذلك كل من أعطي سكينا أو رمحا أو قوسا ليس معه سلاح فهو ولد و إن كان معه سلاح فهو سلطان و ما حدث في السيف من انكسار أو ثلمة أو كدورة فهو حدث فيما ينسب السيف إليه و إن رأى أنه سل سيفا من غمد ولدت امرأته غلاما فإن انكسر السيف في الغمد مات الولد فإن انكسر الغمد دون السيف ماتت الأم و سلم الولد و الرمي عن القوس نفوذ كتبه في السلطان «1» بالأمر و النهي و انكسار القوس مصيبة و البقر سنون فإن كانت سمانا كانت مخاصب و إن كانت عجافا كانت مجادب كما في تأويل يوسف ع و من ركب ثورا أصاب مالا من عمل السلطان أو استمكن من عامل و إن رأى ثورا من العوامل ذبح و قسم لحمه فهو موت عامل و قسمة تركته فإن كان من غير العوامل كان رجلا ضخما و البعير رجل ضخم و الناقة امرأة و ما رأى أنه راكب بعير مجهول سافر و إن نزل عنه مرض و إن دخل جماعة من الإبل أرضا دخلها عدو و ربما كان أوجاعا و من رأى أنه يرعى غنما سودا فهو أناس من أناس العرب و إن كانت بيضا فمن العجم
و روي عن رسول الله ص قال: رأيت غنما كثيرة سودا دخل فيها غنم كثير بيض قالوا فما أولته يا رسول الله قال العجم يشاركونكم في دينكم و أنسابكم و الذي نفسي بيده لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم فأسعدهم به فارس.
و الكبش رجل ضخم و النعجة امرأة شريفة و العنز يجري مجرى النعجة إذا كان في الرؤيا ما يدل على المرأة إلا أن العنز دون النعجة في الشرف و الحسب و قد يجري مجرى النعجة «2» في كونها سنة مخصبة إن كانت سمينة و مجدبة إن كانت عجافا
__________________________________________________
(1) في بعض النسخ: فى سلطانه.
(2) البقر (ظ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 231
و الفرس عز و سلطان و الأنثى امرأة شريفة و البغل سفر و الحمار جد الرجل الذي يسعى به فمن رأى أنه ذبح حماره ليأكل من لحمه أصاب مالا يجده و الفيل سلطان أعجمي فإن ركبه في أرض حرب كانت الدبرة على أصحاب الفيل قال تعالى أ لم تر كيف فعل ربك و من أصاب حمار وحش أو وعلا و صغيره «1» أنه يريد أكله يصيب غنيمة و من رأى أنه راكب حمار وحش يصرفه كيف شاء فهو راكب معصية أو يفارق رأي الجماعة و الأسد عدو قاهر و الخنزير رجل دني شديد الشوكة و الضبع امرأة قبيحة سوء و الدب عدو دني أحمق و الذئب سلطان غشوم أو لص ضعيف كذاب و الثعلب كثير الاختلاف فمن رأى أنه ينازعه خاصم ذا قرابة و إن طلب ثعلبا أصابه وجع و إن طلبه ثعلب أصابه فزع و من رأى ثعلبا يهرب منه فهو عزيمة يراوغه و من أصاب ثعلبا أصاب امرأة يحبها حبا ضعيفا و ابن آوى كالثعلب و أضعف و السنور لص و ابن عرس في معناه و أضعف و الكلب عدو دني غير مبالغ في العداوة و القرد عدو ملعون و الحية عدو مكاتم للعداوة و العقرب عدو ضعيف لا تجاوز عداوته لسانه و كذلك سائر الهوام أعداء على منازلهم و ذو السم أبلغ و النسر و العقاب سلطان قوي و الحدأة ملك خامل الذكر شديد الشوكة و البازي سلطان غشوم و الصقر قريب منه و الغراب إنسان فاسق كذوب و العقعق إنسان لا عهد له و لا حفاظ و لا دين و الطاوس الذكر ملك أعجمي و الأنثى امرأة حسناء أعجمية و الحمامة امرأة أو خادمة و الفاختة امرأة غير آلفة و الدجاج خدم و الديك رجل أعجمي من نسل الملوك.
قال عمر رأيت أن ديكا نقر بي نقرتين فأولت أن رجلا من العجم سيقتلني فقتله أبو لؤلؤة و العصفور رجل صخاب «2» دني و البلبل غلام صغير و الببغاء ولد يناغي و الخفاش عابد مجتهد و الزرزور صاحب أسفار و الهدهد كاتب يتعاطى دقيق العلم و لا دين له و الثناء عليه قبيح لنتن ريحه و الزنابير و الذباب سفلة الناس و غوغاؤهم
__________________________________________________
(1) ضميره (خ).
(2) الصخاب: الشديد الصياح.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 232
و النحلة إنسان كسوب عظيم الخطر و البركة و طير الماء أفضل الطير في التأويل لأنها أكثرها ريشا و أقلها غائلة و لها سلطانان في البر و الماء و السمك الطري الكبار إذا كثر عددها مال و غنيمة و صغارها هموم كالصبيان و من أصاب سمكة طرية أو سمكتين أصاب امرأة أو امرأتين فإن أصاب في بطنها لؤلؤة أصاب منها غلاما و الضفدع إنسان عابد مجتهد فإن كثر من الضفادع فعذاب و الجراد جند و الجنود إذا دخلوا موضعا فهو خراب
و روى مسلم و البخاري في صحيحيهما بإسنادهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص نحن الآخرون السابقون بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا علي و أهماني فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما صاحب صنعاء و صاحب اليمامة.
و في رواية الترمذي قال: رأيت في المنام كأن في يدي سوارين فأولتهما كاذبين يخرجان من بعدي يقال لأحدهما مسيلمة صاحب اليمامة و العبسي صاحب صنعاء.
و قال علماء التعبير من رأى عليه سوارين من ذهب أصابه ضيق في ذات يده و من الفضة خير من الذهب فإن رأى عليه خلخالا من ذهب أو فضة أصابه حبس أو خوف أو قيد و ليس يصلح للرجال في المنام من الحلي إلا القلادة و التاج و العقد و القرط و الخاتم و للنساء كله زينة و القلادة ولاية و أمانة و اللؤلؤ المنظوم كلام الله أو من كلام البر و إن كان منثورا فهو ولد و غلمان و ربما كان اللؤلؤ جارية أو امرأة و القرط زينة و جمال و الخاتم إذا كان معروف الصياغة و النقش سلطان صاحبه فإن أعطي خاتما فتختم به ملك شيئا و ربما كان الخاتم امرأة و مالا أو ولدا.
و فص الخاتم وجه ما يعبر الخاتم به و إن كان الخاتم من ذهب كان ما نسب إليه حراما فإن رأى حلقته انكسرت و سقطت و بقي الفص ذهب سلطانه و بقي الذكر و الجمال و من رأى أنه أصاب ذهبا يصيبه غرم و يذهب ماله فإن كان الذهب معمولا من إناء أو نحوه كان أضعف في التأويل و الدراهم مختلفة التأويل على اختلاف الطبائع فمنهم من يراها في المنام فيصيبها في اليقظة و منهم من يعبرها بالكلام فإن كانت بيضا فهي كلام حسن و إن كانت ردية فكلام سوء و منهم من
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 233
لا يوافقه شيء منهما و الدراهم في الجملة خير من الدنانير فقد يكون الدينار الواحد و الدرهم الواحد يكون ولدا صغيرا.
انتهى ما أخرجناه من كتبهم المعتبرة عندهم و لا يعتمد على أكثرها لابتنائها على مناسبات خفية و أوهام ردية و الأخبار التي رووها أكثرها غير ثابتة و قد جرت التجربة في كثير منها على خلاف ما ذكروه فكثيرا ما رأينا ماء صافيا فأصبنا علما و دخلنا بستانا أخضر فأصبنا معرفة و وجدنا الحية دنيا كما شبه أمير المؤمنين ع الدنيا بها فإنها لين لمسها و في جوفها السم الناقع يهوي إليها الصبي الجاهل و يهرب منها الفطن العاقل و كثيرا ما ترى العذرة في المنام يقع على الإنسان أو يتلوث يده بها فيصيب مالا و سقوط الأسنان العليا لموت أقارب الأب و السفلى لأقارب الأم و كسر الظهر لفوت الأخ.
كما قال سيد الشهداء ع حين استشهد العباس قدس الله روحه الآن انكسر ظهري.
و كثيرا ما يرى الإنسان أنه يدخل الحمام فيوفق لزيارة أحد الأئمة ع فإنها موجبة لتطهير الأرواح عن لوث الخطايا و الذنوب كالحمام لتطهير الأجساد و تناثر النجوم لكثرة فوت العلماء و لذا سموا ابتداء الغيبة الكبرى سنة تناثر النجوم لفوت كثير من أكابر العلماء فيها كالكليني و علي بن بابويه و السمري آخر السفراء و غيرهم رضي الله عنهم.
ثم إنها تختلف كثيرا باختلاف الأشخاص و الأحوال و الأزمان و لذا كان هذا العلم من معجزات الأنبياء و الأولياء «1» ع و ليس لغيرهم من ذلك إلا حظ يسير لا يسمن و لا يغني من جوع و أما أضغاث الأحلام الناشئة من الأغذية الردية و الأخلاط البدنية فهي كثيرة معلومة بالتجارب و لقد أتى رجل والدي قدس سره فزعا مهموما و قال رأيت الليلة أسدا أبيض في عنقه حية سوداء يحملان علي و يريدان قتلي فقال والدي رحمه الله لعلك أكلت البارحة طعام الأقط مع رب الرمان قال نعم قال لا بأس عليك الطعامان المؤذيان صورا لك في المنام و أمثال ذلك كثيرة جربها كل إنسان من نفسه و الله ولي التوفيق.
__________________________________________________
(1) في بعض النسخ: الأوصياء.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 234
باب 45 آخر في رؤية النبي ص و أوصيائه ع و سائر الأنبياء و الأولياء في المنام
1 العيون، و المجالس، للصدوق عن محمد بن إبراهيم الطالقاني عن ابن عقدة عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا ع قال له رجل من أهل خراسان يا ابن رسول الله رأيت رسول الله ص في المنام كأنه يقول لي كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي «1» و استحفظتم وديعتي و غيب في ترابكم «2» نجمي فقال له الرضا ع أنا المدفون في أرضكم و أنا بضعة من نبيكم و أنا الوديعة و النجم ألا فمن زارني و هو يعرف ما أوجب الله تبارك و تعالى من حقي و طاعتي فأنا و آبائي شفعاؤه يوم القيامة و من كنا شفعاءه يوم القيامة نجا و لو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن و الإنس و لقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه ع أن رسول الله ص قال من رآني «3» في منامه فقد رآني «4» لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي و لا في صورة أحد من شيعتهم و إن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة «5».
تبيان يدل الخبر على عدم تمثل الشيطان في المنام بصورة النبي ص و الأئمة بل بصورة شيعتهم أيضا و لعله محمول على خلص شيعتهم كسلمان و أبي ذر و المقداد و أضرابهم و قد روى المخالفون أيضا مثله بأسانيد عن ابن «6» عمر و أبي
__________________________________________________
(1) في المجالس: بضعتى.
(2) في بعض النسخ و في المصدرين: ثراكم.
(3) في العيون: زارنى.
(4) في العيون: زارنى.
(5) العيون: ج 2، ص 257. الأمالي: 39.
(6) في أكثر النسخ: أبى عمر.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 235
هريرة و ابن مسعود و جابر و أبي سعيد و أبي قتادة عن النبي ص برواية أبي داود و البخاري و مسلم و الترمذي بألفاظ مختلفة منها من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة و لا يتمثل الشيطان بي و منها من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي و منها من رآني في النوم فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي و في رواية أن يتشبه بي و منها من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتراءى بي.
و قال في النهاية الحق ضد الباطل و منه الحديث من رآني فقد رأى الحق أي رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام و قيل فقد رآني حقيقة غير مشتبه انتهى.
و اعلم أن العلماء اختلفوا في أن المراد رؤيتهم ع في صورهم الأصلية أو بأي صورة كانت و لا يخفى أن ظاهر حديث الرضا ع التعميم لأن الرائي لم يكن رأى النبي ص و لم يسأله ع في أي صورة رأيته و حمله على أنه ع علم أنه رآه بصورته الأصلية بعيد عن السياق فإن من رأى أحدا من الأئمة ع في المنام لم يحصل له علم في المنام بأنه رآه و يقال في العرف و اللغة إنه رآهم و إن رأى الشخص الواحد بصور مختلفة فيقال رآه بصورة فلان و لا يعدون هذا الكلام من المتناقض.
و العامة أيضا اختلفوا في ذلك فمنهم من قال المراد رؤيته ص بصورته الأصلية و أيدوه عن ابن سيرين أنه إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي ص قال صف لي الذي رأيته فإن وصف له صفة لا يعرفها قال لم تره و بعضهم قال بالتعميم و أيده بما رووه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص من رآني في المنام فقد رآني فإني أرى في كل صورة.
و قال القرطبي اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال و هذا قول يدرك فساده بأوائل العقول و يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها و أن لا يراه رائيان في آن
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 236
واحد في مكانين و أن يحيا «1» الآن و يخرج من قبره و يمشي في الأسواق و يخاطب الناس و يخاطبونه و يلزم من ذلك أن يخلو قبره عن جسده فلا يبقى فيه منه شيء و يزار مجرد القبر و يسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل و النهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره و هذه جهالات لا يلتزمها من له أدنى مسكة من العقل «2» و قالت طائفة معناه أن من رآه على صورته التي كان عليها و يلزم منه أن من رآه على غير صفته أن يكون رؤياه من الأضغاث و من المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حاله في الدنيا من الأحوال اللائقة و تقع تلك الرؤيا حقا كما لو رأى امتلاء دارا «3» [دار] بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير و لو تمكن الشيطان من التمثل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله فإن الشيطان لا يتمثل بي فالأولى تنزه رؤياه و كذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب إليه عن ذلك فهو أبلغ في الحرمة و أليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته قال و الصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة و لا أضغاث أحلام بل هي حق في نفسها و لو رأى على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله قال و هذا قول القاضي أبي بكر و غيره و يؤيده قوله فقد رأى الحق أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي فيه فإن كانت على ظاهرها و إلا سعى في تأويلها و لا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر و إما تنبيه على حكم ينفع له في دينه أو دنياه.
و قال الغزالي لا يريد أنه رأى بل رأى مثالا صار آلة يتأدى بها معنى في نفسي إليه و صار واسطة بيني و بينه في تعريف الحق إياه بل البدن في اليقظة أيضا ليس إلا آلة النفس و الحق أن ما يراه حقيقة روحه المقدس ص و يعلم الرائي كونه ص بخلق علم لا غير.
__________________________________________________
(1) في أكثر النسخ: يجىء.
(2) عقل (خ).
(3) دار (ظ).
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 237
و قال الكرماني في شرح البخاري فقد رآني أي رؤيته ليست أضغاث أحلام و لا تخييلات الشيطان كما روي فقد رأى الحق ثم الرؤية بخلق الله لا يشترط فيها مواجهة و لا مقابلة فإن قيل كثيرا ما يرى على خلاف صفته و يراه شخصان في حالة في مكانين قلت ذلك ظن الرائي أنه كذلك و قد يظن الظان بعض الخيالات مرئيا لكونه مرتبطا بما يراه عادة فذاته الشريفة هي مرئية قطعا لا خيال فيه و لا ظن فإن قلت الجزاء هو الشرط قلت أراد لازمه أي فليستبشر فإنه رآني و قال الطيبي اتحاد الشرط و الجزاء يدل على المبالغة أي رأى حقيقتي على كمالها قال و قال القاضي لعله مقيد بما رآه على صفته فإن خالف كان رؤيا تأويل رؤيا حقيقة و هو ضعيف انتهى كلماتهم الواهية.
و الظاهر أنها ليست رؤية بالحقيقة و إنما هو بحصول الصورة في الحس المشترك أو غيره بقدرة الله تعالى و الغرض من هذه العبارة بيان حقيقة الرؤيا و أنها من الله لا من الشيطان و هذا المعنى هو الشائع في مثل هذه العبارة كأن يقول رجل من أراد أن يراني فلير فلانا أو من رأى فلانا فقد رآني أو من وصل فلانا فقد وصلني فإن كل هذه محمولة على التجوز و المبالغة و لم يرد بها معناها حقيقة.
و أما التأويل الذي ذكره المفيد قدس الله روحه فيما نقلنا عنه في الباب السابق فلا يخفى بعده مع أنه غير محتمل في خبر الرضا ع أصلا بل في بعض ألفاظ الروايات العامية أيضا بقي الكلام في أنه هل يكون حجة في الأحكام الشرعية فيه إشكال فإنه
قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق ع في حديث الأذان أن دين الله تبارك و تعالى أعز من أن يرى في النوم.
و يمكن أن يقال المراد أنه لا يثبت أصل شرعية الأحكام بالنوم بل إنما هي بالوحي الجلي و مع ذلك ينبغي أن يخص بنوم غير الأنبياء و الأئمة ع لما مر أن نومهم بمنزلة الوحي لكن هذه الأخبار ليست بصريحة في وجوب العمل به إذ لعله مع العلم بكونه منهم ع لم يجب العمل به إذ مناط الأحكام الشرعية العلوم الظاهرة كما أن النبي و الأئمة ع كانوا يعرفون كفر
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 238
المنافقين و فسق الفاسقين و نجاسة أكثر الأشياء لكن الظاهر أنهم لم يكونوا مأمورين بالعمل بهذا العلم بل كانوا يستندون في تلك الأحكام إلى الأمور الظاهرة من المشاهدة و سماع البينة مع أن الظاهر أن هذا من مسائل الأصول و لا بد فيه من العلم و لا يثبت بأخبار الآحاد المفيدة للظن و أيضا ما يرى في المنام قد يحتاج إلى تعبير و تأويل فلعل ما رآه مما له تعبير و هو لا يعرفه و إن لم يكن من قبيل الأضغاث.
و لقد سأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي قدس الله روحه ما يقول سيدنا فيمن رأى في منامه رسول الله ص أو بعض الأئمة ع و هو يأمره بشيء و ينهاه عن شيء هل يجب عليه امتثال ما أمره به أو اجتناب ما نهاه عنه أم لا يجب ذلك مع ما صح عن سيدنا رسول الله ص أنه قال من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لم يتمثل بي و غير ذلك من الأحاديث.
و ما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة هل بين الحالين فرق أم لا أفتنا في ذلك مبينا جعل الله كل صعب عليك هينا.
فأجاب نور الله ضريحه أما ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه و أما ما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب لأن رؤيته ع لا يعطي وجوب الاتباع في المنام انتهى.
و قال البغوي في شرح السنة رؤية النبي ص في المنام حق و كذلك جميع الأنبياء و الملائكة و كذلك الشمس و القمر و النجوم المضيئة و السحاب الذي فيه الغيث و من رأى نزول الملائكة بمكان فهو نصرة لأهله إن كانوا في كرب و جدب و كذلك رؤية الأنبياء و من رأى ملكا يكلمه ببر أو عظة أو بصلة أو يبشره فهو شرف في الدنيا و شهادة في العاقبة و رؤية الأنبياء كالملائكة إلا في الشهادة لأن الأنبياء كانوا يخالطون الناس كما قال إن الذين عند ربك لا يستكبرون «1» الآية و قال في
__________________________________________________
(1) الأعراف: 206.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 239
الشهداء و الشهداء عند ربهم «1» و رؤية النبي ص في مكان سعة لأهله إن كانوا في ضيق و نصرة إن كانوا في ظلم و كذلك الصحابة و التابعين لهم بإحسان و رؤية أهل الدين بركة و خير على قدر منازلهم في الدين و من رأى النبي كثيرا في المنام لم يزل خفيف الحال مقلا في دنيا «2» من غير حاجة فادحة و لا خذلان قال النبي ص إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه و رؤية الإمام إصابة خير و شرف.
2- قرب الإسناد عن معاوية بن حكيم عن الحسن بن علي بن بنت إلياس قال: قال أبو الحسن الرضا ع بخراسان رأيت رسول الله ص و التزمته «3».
3- و بهذا الإسناد عنه ع قال: قال لي ابتداء إن أبي كان عندي البارحة قلت أبوك قال أبي قلت أبوك قال في المنام إن جعفرا كان يجيء إلى أبي فيقول يا بني افعل كذا يا بني افعل كذا قال فدخلت عليه بعد ذلك فقال لي يا حسن إن منامنا و يقظتنا واحدة «4».
4- الكافي، عن محمد بن يحيى «5» عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان عن سويد القلا [القلاء] عن بشير عن أبي عبد الله ع قال: قلت له إني رأيت في المنام أني قلت لك إن القتال مع غير الإمام المفترض الطاعة حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير فقلت لي نعم هو كذلك فقال أبو عبد الله ع هو كذلك «6».
5- تفسير الفرات، عن سعيد بن عمر القرشي عن الحسين بن عمر الجعفري عن أبيه قال: كنت أدمن الحج فأمر على علي بن الحسين ع فأسلم عليه فدخلت «7»
__________________________________________________
(1) الحديد: 19.
(2) دنياه (ظ).
(3) قرب الإسناد: 203. و فيه: رايت رسول الله صلى الله عليه و آله هاهنا و التزمته.
(4) المصدر: 202.
(5) في الكافي: محمد بن الحسن الطاطرى، عمن ذكره، عن علي بن النعمان، عن سويد القلانسى- الخ-
(6) الكافي: ج 5، ص 23. و فيه: هو كذلك، هو كذلك.
(7) في المصدر: ففى بعض حججى غدا علينا علي بن الحسين (ع) و وجهه مشرق فقال:
جاءنى رسول الله ....
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 240
في بعض حججي عليه فقال رأيت رسول الله ص في ليلتي هذه حتى أخذ بيدي فأدخلني الجنة فزوجني حوراء فواقعتها فعلقت فصاح بي رسول الله ص يا علي بن الحسين سم المولود منها زيدا قال فما قمنا «1» من ذلك المجلس حتى أرسل المختار بن أبي عبيد هدية إلى علي بن الحسين ع شراها بثلاثين ألفا فلما رأينا إشعافه بها تفرقنا من المجلس فلما كان من قابل حججت و مررت على علي بن الحسين لأسلم عليه فخرج بزيد على كتفه الأيسر و له ثلاثة أشهر و هو يتلو هذه الآية و يومئ بيده إلى زيد و هو يقول هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا.
6- مجالس الصدوق، عن محمد بن بكران النقاش عن أحمد بن محمد البرد الهمداني عن المنذر بن محمد عن أحمد بن رشيد عن عمه سعيد بن خثيم عن أبي حمزة الثمالي قال: حججت فأتيت علي بن الحسين ع فقال يا حمزة أ لا أحدثك عن رؤيا رأيتها رأيت كأني أدخلت الجنة فأوتيت بحوراء لم أر أحسن منها فبينا أنا متكئ على أريكتي إذ سمعت قائلا يقول يا علي بن الحسين ليهنئك زيد ليهنئك زيد قال أبو حمزة ثم حججت بعده فأتيت علي بن الحسين فقرعت الباب ففتح لي و دخلت فإذا هو حامل زيدا على يده أو قال حاملا غلاما على يده فقال لي يا أبا حمزة هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا «2».
7- كتاب سليم بن قيس، قال: قال أمير المؤمنين ع لعبد الله بن عمر ما قال لك أبوك حين دعانا رجلا رجلا فقال أما أدنى شهادتي فإنه قال إن بايعوا أصلع بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء و أقامهم على كتاب ربهم و سنة نبيهم ثم قال يا ابن عمر فما قلت أنت عند ذلك قال قلت له فما يمنعك أن تستخلفه قال فما رد عليك قال و رد علي شيئا أكتمه قال علي ع فإن رسول الله ص قد أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي و من رأى رسول الله ص فقد رآه في اليقظة قال فما أخبرك قال أنشدك الله يا ابن عمر لئن حدثتك لتصدقن
__________________________________________________
(1) في المصدر:
(2) الأمالي: 202.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 241
قال أو أسكت قال فإنه قال لك حين قلت له فما يمنعك أن تستخلفه قال الصحيفة التي كتبناها بيننا و العهد في الكعبة في حجة الوداع فسكت ابن عمر و قال أسألك بحق رسول الله ص لما أمسكت عني الخبر.
8- و منه، عن عبد الرحمن بن غنم الأزدي و ساق قصة وفاة معاذ بن جبل و أبي بكر إلى أن قال دعا بالويل و الثبور و قال هذا محمد و علي صلوات الله عليهما يبشراني بالنار بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة و هو يقول لقد وفيت بها فظاهرت على ولي الله [أنت] و أصحابك فأبشر بالنار في أسفل السافلين قال سليم فقلت لمحمد بن أبي بكر فمن ترى حدث أمير المؤمنين عن هؤلاء الخمسة بما قالوا قال رسول الله ص إنه يراه في منامه كل ليلة و حديثه إياه في المنام مثل حديثه إياه في اليقظة فإن رسول الله ص قال من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم و لا يقظة و لا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة قال سليم فقلت لمحمد بن أبي بكر من حدثك بهذا قال علي ع فقلت سمعت أنا أيضا كما سمعت أنت قلت لمحمد فلعل ملكا من الملائكة حدثه قال أو ذاك و ساقه إلى أن قال سليم فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر و عزينا أمير المؤمنين ع حدثته بما حدثني به محمد و خبرته بما خبرني به عبد الرحمن بن غنم قال صدق محمد رحمه الله أما إنه شهيد يرزق الحديث.
9- مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن المفيد عن الصدوق عن أبيه عن محمد بن القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عمن سمع حنان بن سدير الصيرفي قال سمعت أبي يقول رأيت رسول الله ص فيما يرى النائم و بين يديه طبق مغطى بمنديل فدنوت منه و سلمت عليه فرد السلام ثم كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فدنوت منه فقلت يا رسول الله ناولني رطبة فناولني واحدة فأكلتها ثم قلت يا رسول الله ناولني أخرى فناولنيها فأكلتها فجعلت كلما أكلت واحدة سألته أخرى حتى أعطاني ثمانية رطبات فأكلتها ثم طلبت منه أخرى فقال لي حسبك قال فانتبهت من منامي فلما كان من
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 242
الغد دخلت على جعفر بن محمد الصادق ع و بين يديه طبق مغطى بمنديل كأنه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله ص فسلمت عليه فرد علي السلام ثم كشف الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فعجبت لذلك و قلت جعلت فداك ناولني رطبة فناولني فأكلتها ثم طلبت أخرى حتى أكلت ثماني رطبات ثم طلبت منه أخرى فقال لي لو زادك جدي رسول الله ص لزدناك فأخبرته فتبسم تبسم عارف بما كان.
10- و منه، بإسناده عن سلمان في أجوبة أمير المؤمنين ع عن مسائل الجاثليق و ساق إلى أن طلب الجاثليق منه ع المعجز فقال أمير المؤمنين خرجت أيها النصراني من مستقرك مضمرا خلاف ما أظهرت الآن من الطلب و الاسترشاد فأريت في منامك مقامي و حدثت فيه كلامي و حذرت فيه من خلافي و أمرت فيه باتباعي قال صدقت و الله الذي بعث المسيح ما اطلع على ما أخبرتني به غير الله تعالى ثم أسلم و أسلم الذين كانوا معه.
أقول: قد مر في أبواب معجزات الأئمة ع أخبار كثيرة في ذلك تركناها مخافة الإطناب و التكرار و ستأتي رؤيا أم داود في باب عمل الاستفتاح.
11- التوحيد للصدوق، بإسناده عن وهب بن وهب القرشي عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع رأيت الخضر ع «1» قبل بدر بليلة فقلت له علمني شيئا أنصر به على الأعداء فقال «2» يا هو يا من لا هو إلا هو فلما أصبحت قصصتها على رسول الله ص فقال يا علي علمت الاسم الأعظم و كان على لساني يوم بدر «3» الخبر.
12- مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن ابن حشيش عن محمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن مخلد عن أحمد بن ميثم عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن
__________________________________________________
(1) في المصدر: فى المنام.
(2) فيه: قل يا هو ....
(3) التوحيد: 49.
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 243
أبي بكر بن عياش قال: إني رأيت في منامي حين وجه موسى بن عيسى إلى قبر الحسين ع من كربه و كرب جميع أرض الحائر و زرع الزرع فيها كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضتني خنازير عشرة تريدني فأغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني فمضيت لوجهي فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق فرأيت هناك عجوزا فقالت لي أين تريد أيها الشيخ قلت أريد الغاضرية قالت لي تنظر هذا الوادي فإنك إذا أتيت إلى آخره اتضح لك الطريق فمضيت و فعلت ذلك فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك فقلت من أين أنت أيها الشيخ فقال لي أنا من أهل هذه القرية فقلت كم تعد من السنين قال ما أحفظ ما مر من سني و عمري و لكن أبعد ذكري أني رأيت الحسين بن علي ع و من كان معه من أهله و من تبعه يمنعون الماء الذي تراه و لا تمنع الكلاب و لا الوحوش شربه فاستفظعت ذلك و قلت له ويحك أنت رأيت هذا قال إي و الذي سمك السماء لقد رأيت هذا أيها الشيخ و عاينته و إنك و أصحابك الذين تعينون على ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين إن كان في الدنيا مسلم فقلت ويحك و ما هو قال حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه قلت و ما جرى قال أ يكرب قبر ابن النبي ص و يحرث أرضه قلت و أين القبر قال ها هو ذا أنت واقف في أرضه و أما القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه قال ابن عياش و ما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قط و لا أتيته في طول عمري فقلت من لي بمعرفته فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حير له باب و آذن و إذا جماعة كثيرة على الباب فقلت للآذن أريد الدخول على ابن رسول الله ص فقال لا تقدر على الوصول في هذا الوقت قلت و لم قال هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله و محمد رسول الله و معهما جبرئيل و ميكائيل في رعيل من الملائكة كثير قال ابن عياش فانتبهت و قد دخلني روع شديد و حزن و كآبة و مضت بي الأيام حتى كدت أن أنسى المنام ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين
بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج58، ص: 244
كان لي على رجل منهم فخرجت و أنا لا أذكر الحديث حتى صرت بقنطرة الكوفة و لقيني عشرة من اللصوص فحين رأيتهم ذكرت الحديث و رعبت من خشيتي لهم فقالوا لي ألق ما معك و انج بنفسك و كان معي نفيقة فقلت ويحكم أنا أبو بكر بن عياش و إنما خرجت في طلب دين لي و الله لا تقطعوني عن طلب ديني و تصرفاتي في نفقتي فإني شديد الإضافة فنادى رجل منهم مولاي و رب الكعبة لا تعرض له ثم قال لبعض فتيانهم كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن قال أبو بكر فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام و أتعجب من تأويل الخنازير حتى صرت إلى نينوى فرأيت و الله الذي لا إله إلا هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته و هيئته رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء فحين رأيته ذكرت الأمر و الرؤيا فقلت لا إله إلا الله ما كان هذا إلا وحيا «1» ثم سألته كمسألتي إياه في المنام فأجابني بما كان أجابني ثم قال لي امض بنا فمضيت فوقفت معه على الموضع و هو مكروب فلم يفتني شيء من منامي إلا الآذن و الحير فإني لم أر حيرا و لم أر آذنا ثم قال أبو بكر إن أبا حصين حدثني أن رسول الله ص قال من رآني في المنام فإياي رأى فإن الشيطان لا يتشبه بي تمام الخبر.
بيان: تقول كرب الأرض إذا قلبتها للحرث و الرعيل القطعة من الخيل و الإضافة الضيافة.
أقول و قد مضت أخبار كثيرة من هذا الباب في أبواب معجزات الأئمة و معجزات ضرائحهم المقدسة.
__________________________________________________
(1) في أكثر النسخ «وصيا» و الظاهر أنه تصحيف.
منهج الرشاد لمعرفة المعاد، ج 3، ص 116-130
المؤلف: ملا نعیما طالقانی 1160
من جملة الشواهد على وجود العالم المثاليّ ما يشاهد في النوم
و قد جعل بعض من القائلين بوجود هذا العالم المثاليّ و انتقال الروح إلى بدن مثالي بعد المفارقة عن البدن العنصريّ، من جملة الشواهد على ذلك ما يشاهده النائم في نومه من الصور، كما ورد في الأخبار من تشبيه حالة البرزخ و ما يجري فيها بحالة الرؤيا و ما يشاهد فيها، و أنّ النوم أخو الموت. و كان وجه هذه الشهادة، أنّ الصورة التي يراه الانسان في منامه من صورة ذاته، أو صورة غيره من الإنسان أو غيره إمّا أن تكون هي الصورة المحسوسة بحسّ البصر الظاهريّ المنتزعة من المحسوس العينيّ الموجود في الخارج، فهذا باطل، لأنّ البصر الظاهريّ معطّل في حالة النوم باتّفاق العلماء من الحكماء و غيرهم، بل إنّ تعطّله معلوم بالضرورة، فكيف يفعل فعلا؟ و أيضا فعلم بالضرورة أنّ تلك الصور ليست صورا محسوسة منتزعة من أعيان خارجيّة، و إلاّ لترتّب الآثار الخارجيّة المترتّبة عليها، و ليس كذلك. و إمّا أن تكون هي صورا موجودة في الخيال أو في القوة المتخيّلة، فهذا و إن كان ممّا قال به جمع من الحكماء، و لا سيّما الطبيعيّين منهم، لكنّه ممّا لا يكاد يتمّ، لأنّه مبنيّ على تعطّل الحواس الظاهرة و عدم تعطّل الحواس الباطنة في المنام، و هذا غير معلوم، بل إنّ ما ذكروه في سبب تعطّل الحواس الظاهرة في المنام يجري في تعطّل الحواس الباطنة أيضا، حيث إنّ سبب التعطّل سواء كان هو نوعا من قطع العلاقة مع البدن الذي يحصل للنفس حالة النوم، حيث إنّها في تلك الحالة يصير علاقتها مع البدن قليلة و منقطعة في الجملة، أو كان استيلاء رطوبة على أعصاب الدماغ التي هي مبادئ الحواسّ كما قالوا، أو أمر آخر غير ذلك، فهذا السبب كما أنّه يجري في تعطّل الحواسّ الظاهرة يجري في تعطّل الباطنة منها أيضا. و لا دليل على اختصاصه بالظاهرة منها، بل الظاهر جريانه في الباطنة و كونه سببا لتعطّلها أيضا. و أيضا إنّ الصور الخياليّة يجب أن تكون منتزعة من محسوس خارجيّ، تبقى تلك الصورة في خزانة الخيال، و نحن قد نرى في المنام صورة لم نر ذا صورتها قطّ، و إنّ القوة المتخيّلة و إن كانت قد تخترع صورا، لا تكون ذوات صورها موجودة، و لم تجيء تلك الصور إليها من جهة الحواسّ الظاهر و الخيال، إلاّ أنّ أكثر ما تخترعه هي الصورة الكاذبة التي لا حقيقة لها، و إن كان مكن نادرا أن تخترع بمحض تعمّلها صورة توافق ما في الخارج من بعض الوجوه، و أندر منه الموافقة من كلّ الوجوه، و الحال إنّا كثيرا ما نرى في المنام رؤيا صادقة، بل نرى صورة لم نر ذا صورتها قطّ، ثمّ يتّفق أن نرى بعد ذلك ذا صورتها أيضا موافقا لما رأيناه في المنام من كلّ الوجوه، و مستبعد جدّا أن تكون تلك الصورة من مخترعات المتخيّلة، اتّفقت موافقتها من كلّ الوجوه، و على هذا فمن قال بأنّها خيال منفصل، إن أراد أنّها صورة مشابهة للصورة الخياليّة منفصلة عن المادّة الجسمانيّة فله وجه، و إن أراد أنّها نفس الصورة الخياليّة المنفصلة عن المواد، فعليه البيان، بل فيه نظر لا يخفى. و أمّا أن تكون الصورة المشاهدة في المنام صورة مرتسمة في جسم فلكيّ أو عنصريّ أو في النفوس المنطبعة الفلكيّة مثلا يشاهدها النفس فيه بسبب ارتباطها به نوعا من الارتباط مشاهدة عقليّة كأنّها مشاهدة حسّيّة، فذلك أيضا ممّا لا يكاد يتمّ، لأنّه حينئذ كان ينبغي أن تشاهدها النفس في ذلك المحلّ المنطبع هي فيه مشاهدة الحالّ في محلّه، و الحال في الصور المرئيّة في المنام بخلاف ذلك، حيث إنّا نراها موجودة بوجود منفرد غير متعلّق بشيء آخر من جرم فلكيّ أو جسم عنصريّ أو نفس منطبعة فلكيّة.
و حيث بطلت تلك الاحتمالات فبقي أن تكون الصورة المرئيّة في المنام موجودة
في عالم آخر هو عالم المثال، كما تبيّن حاله. و أمّا وجه كون الصورة المرئيّة فيه تارة موافقة لما في الخارج، كما في الرؤيا الصادقة، و تارة غير موافقة كما في الرؤيا الكاذبة، فكأنّه لأجل أنّ النفس إذا كانت صافية من شوب كدورات الطبيعة، فبصرها الذي لها في بدنها المثاليّ صحيحة، فهي ترى بتلك العين الصحيحة الأشياء على ما هي عليها، و إن لم تكن صافية عن ذلك، فعينها التي لها في ذلك البدن عليلة، و هي ترى بتلك العين العليلة الأشياء على خلاف ما هي عليه كما في العين الظاهريّة للأحول مثلا. و هذا الذي ذكرنا هو إشارة إجماليّة إلى الرؤيا الصادقة و الكاذبة، و لتفصيلها مقام آخر يطول بذكره الباب. و بما ذكرنا يتمّ الشهادة، و به يظهر سرّ ما ورد من تشبيه حالة البرزخ بحالة الرؤيا و أنّ النوم أخو الموت، و إن كان بين الحالتين فرق ما، حيث إنّ مفارقة النفس عن البدن في الموت مفارقة تامّة و في النوم مفارقة في الجملة، و بهذا الاعتبار أيضا يكون هذا الشاهد شاهدا على المطلوب، فتبصّر. ثمّ إنّه ربّما عدّ بعض القائلين بهذا القول من الشواهد عليه ما يحكى من أنّ السفلة و الأوباش إذا قتلوا إنسانا و أحرقوه في أتّون الحمّام، فكثيرا ما يشاهد في سطح الماء الذي في خزينة ذلك الحمّام شبح مثل صورة إنسان، و يرى ذلك فيه ما دام ذلك الماء ساكنا غير متحرّك، و ذلك قد جرّب كثيرا، و لذلك كان ديدن الحمّاميّ و صاحب ذلك الحمّام أن يحتاط في ذلك و يلاحظ لكي يعلم أنّه في تلك الليلة هل أحرق في أتّون الحمّام إنسان أم لا؟ و ما ذلك الشبح إلاّ قالبا مثاليّا لذلك الشخص المحترق تعلّق نفسه به بعد مفارقتها عن قالبها العنصريّ. و نحن أيضا قد سمعنا ذلك في عصرنا و هو - على تقدير الوقوع - لا يخفى أنّه ممّا يمكن أن يكون شاهدا على المطلوب. ثمّ إنّه ممّا يؤيّد هذا المطلوب، و يكون شاهدا عليه ما نقل أنّه روى بعض الأعاظم من العلماء كالسيّد الداماد طاب ثراه في «الجذوات»: «أنّ مظهر العجائب و مظهر الغرائب سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب عليه و على أولاده المعصومين أجمعين سلام اللّه تعالى إلى يوم الدين كان ليلة من ليالي شهر اللّه الأعظم شهر رمضان ضيفا لعدّة من الصحابة، و أفطر في بيوتهم المتعدّدة، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ عليّا أفطر في بيته». فإنّ توجيه هذا الحدیث إنّما يمكن على القول بعالم المثال، و بوجود البدن المثاليّ، حيث إنّ حضور عليّ عليه السّلام ببدنه العنصريّ في بيوت عدّة من الصحابة مع كونه في بيته بذلك البدن ممتنع بالذات، فإنّ جسم واحد بالشخص لا يمكن أن يكون في زمان واحد و في آن واحد إلاّ في مكان واحد لا أزيد، و ادّعاء أنّ ذلك لعلّه كان من معجزته و كرامته عليه السّلام لا يكاد يصحّ، فإنّ المعجزة و الكرامة إنّما تمكن في شيء يكون ممكنا ذاتيّا، و يكون ممتنعا عاديّا، لا في الممتنع بالذات. كما أنّ ادّعاء أنّ ذلك لعلّه كان لأجل أنّ اللّه تعالى خلق ملائكة بصورة عليّ عليه السّلام، و أنّ أولئك الملائكة أفطروا في بيوت الصحابة و ظنّ الصحابة أنّهم عليّ عليه السّلام، و الحال أنّه عليه السّلام نفسه أفطر في بيته غير مستقيم، لأنّ المفروض في الحديث إفطار عليّ عليه السّلام في بيوت الصحابة، لا إفطار الملائكة. نعم، يصحّ توجيه ذلك على القول بالبدن المثاليّ، فإنّه لا مانع من أن يكون لروحه الشريف المقدّس أبدان مثاليّة، و يكون قد ظهر في ضمن كلّ بدن مثاليّ في بيت واحد من الصحابة، و ظهر ببدنه العنصريّ في بيته، و على هذا فيكون في الحديث الشريف شهادة على المطلوب. و فيه - مع الشهادة على ثبوت أصل عالم المثال و وجود البدن المثاليّ - شهادة على أمرين آخرين أيضا:
الأوّل إمكان تعلّق الروح في عالم اليقظة أيضا ببدن مثاليّ، و أنّه لا يلزم أن يكون ذلك بعد المفارقة التامّة كما في حالة الموت، أو المفارقة في الجملة كما في حالة النوم. و الثاني: جواز تعلّق روح واحد، و خصوصا إذا كان مقدّسا شريفا بأكثر من بدن واحد مثاليّ. و لا امتناع أيضا في كلّ منهما. بل يشهد على الأوّل منهما أنّه روي عن الصادقين عليه السّلام أنّهم قالوا في تفسير قولهم: «يا من أظهر الجميل و ستر القبيح»: إنّ للمؤمن مثالا في العرش، و إنّه إذا فعل فعلا جميلا، فعله ذلك المثال أيضا في حضور الملائكة فيظهره اللّه تعالى عليهم، و إذا فعل فعلا قبيحا لم يقم بذلك القبيح ذلك المثال فيستره اللّه تعالى عنهم. فإنّ الظاهر، أنّ ذلك المثال هو القالب المثاليّ الذي تعلّق به روح المؤمن لا أمر آخر، و لا ملك من الملائكة كان بصورة ذلك المؤمن، و حيث كان ذلك قالبا مثاليّا، كان فيه شهادة على جواز تعلّق الروح في حالة اليقظة و في حال التعلّق التامّ بالبدن العنصريّ بذلك البدن المثاليّ، و لا امتناع في ذلك، حيث إنّ البدن المثاليّ ليس كالبدن العنصريّ حتّى لا يجوز تعلّق الروح الواحد في زمان واحد بأكثر من بدن واحد، بل هو كالظلّ و الشبح للبدن الأصليّ العنصريّ، و موجود بالعرض بوجود البدن الأصليّ، و تعلّق الروح به و بالبدن الأصليّ تعلّق واحد، إلاّ أنّه بالبدن الأصليّ بالذات، و بالمثاليّ بالعرض، فعلى هذا فلا امتناع في أن يتعلّق النفس الواحدة مع تعلّقها بالبدن الأصليّ بالبدن المثاليّ الواحد أو الأكثر من الواحد. و هذا بخلاف تعلّقها ببدنين عنصريّين أو أكثر، حيث إنّ أحدهما منفصل الذات و مباين الحقيقة عن الآخر، فإنّه لا يجوز تعلّق النفس الواحدة في زمان واحد بشيئين مبايني الذات تعلّق التدبير و التصرّف. و كذلك يشهد على الثاني من الأمرين ما ذكره بعضهم من أنّ البدن المثاليّ كالشبح الذي يرى في المرآة، بل إنّ ما يرى في المرآة فهو كوّة مفتوحة إلى عالم المثال، و كما جاز انطباع صورة واحدة في مرايا متعدّدة متكثّرة في زمان واحد، فلم لا يجوز تعلّق روح واحد و خصوصا إذا كان مقدّسا شريفا بقوالب مثاليّة متعدّدة في زمان واحد؟ و بما ذكرنا يمكن توجيه ظواهر ما دلّ على ظهور ملك الموت في زمان واحد في أمكنة متكثّرة لقبض الأرواح، و إن كان يمكن أن يكون له وجه آخر لم نعلمه.و اللّه و رسوله و أولو العلم أعلم به. و كذا توجيه ما قيل أنّ إلياس عليه السّلام هو إدريس النبيّ عليه السّلام، و هو عليه السّلام مع كونه في السماء
يظهر بصورة إلياس في الأرض، و اللّه تعالى يعلم. و قد حكى بعض الصوفية أنّ بعض مشايخهم و هو قضيب البان الموصليّ كان يرى في زمان واحد في مجالس متعدّدة مشتغلا في كلّ مجلس بأمر غير ما في الآخر. و هذه الحكاية على تقدير صحّتها يمكن توجيهها بما ذكرنا. ثمّ إنّك حيث عرفت بيان الشواهد على هذا المطلوب، و توجيه الأخبار الواردة في كيفيّة حال الروح بعد المفارقة عن البدن، و كذا توجيه غير ذلك من الأخبار على القول بوجود عالم المثال.
فاعلم أنّ العمدة في مستند هذا القول هو الأخبار الدالّة عليه، فلنتكلّم في دلالتها حتّى يتّضح لك ثبوت هذا العالم، و كذا كيفيّة حالاته و أوصافه. فنقول: إنّ دلالة تلك الأخبار التي نقلناها دلائل على ثبوت العالم المثاليّ و وجود البدن المثاليّ، و إن كانت ظاهرة غنيّة عن البيان لدى التأمّل الصادق، إلاّ أنّا لا نبالي بالتنبيه عليه. فنقول: إنّ ما تضمّنه بعض تلك الأخبار من أنّ الأرواح في صفة الأجساد، و أنّهم على صور أبدانهم و نحو ذلك، ليس المراد به أنّ ذوات تلك الأرواح بأعيانها أجسام كثيفة أو لطيفة على صفة الأجساد و هيئتها و شكلها، لأنّه مع عدم كونه مذهبا لأحد من المليّين و الفلاسفة، ينفيه ما مرّ من الدليل على تجرّد الروح و على كونها مغايرة للبدن بتمامه و أجزائه، بل المراد كما هو صريح بعض الأخبار الأخر من تلك الأخبار أنّ تلك الأرواح ذوات أخر وراء الأجساد يصيّرها اللّه في قوالب و أجساد مثل قوالبها و أجسادها في الدنيا، بحيث يكون لها نوع تعلّق بتلك الأجساد، و هذا بظاهره و إن كان أعمّ من أن يكون ذلك التعلّق تعلّق التدبير و التصرّف، أو التعلّق بوجه آخر من الحلول أو الدخول أو الانضمام أو نحو ذلك إلاّ أنّ تشبيه تلك القوالب بالقوالب الدنيويّة يدلّ على أنّ ذلك التعلّق ليس سوى تعلق التدبير و التصرّف، فإنّ هذا كان لها مع القوالب الدنيويّة لا غير. مع أنّ القول بتجرّدها - كما هو الحقّ و عرفت الدليل عليه - ينفي ما سوى تعلّق التدبير و التصرّف. و حينئذ نقول: إنّ ذلك القالب الذي يصيّر اللّه تعالى الروح فيه بعد المفارقة ظاهر أنّه ليس عين القالب العنصريّ الذي كان للروح حين التعلّق به في النشأة الدنيويّة، لأنّه باطل بالاتّفاق و لم يقل به أحد، حيث إنّ المفروض بطلان ذلك القالب و مفارقة الروح عنه و إعادته بعينه، أي بأجزائه الأصليّة، و إن كانت ممكنة كما دلّ الدليل عليه، إلاّ أنّ تلك الإعادة إنّما تكون عند قيام الساعة لا في النشأة البرزخيّة المتوسّطة بين النشأة الدنيويّة و الأخرويّة. و أيضا التشبيه بالقالب الدنيويّ كما تضمّنته تلك الأخبار ينفي كونه عين ذلك القالب الدنيويّ، بل يدلّ على أنّه قالب آخر مثل قالبها في الدنيا. و ظاهر أيضا أنّه ليس ذلك القالب الآخر قالبا عنصريّا جماديا او نباتيّا أو حيوانيّا أو إنسانيّا شبيها بقالبها في الدنيا، لأنّ كلّ ذلك متضمّن للتناسخ الذي عرفت الدليل على بطلانه كما مرّ. و منه يظهر أنّه ليس قالبا جسمانيا فلكيّا أيضا، لأنّ مفسدة التناسخ لازمة على تقديره أيضا كما يقتضيه التدبّر في دليل بطلانه. مع أنّ الجرم الفلكيّ كما تقرّر عندهم غير قابل لصيرورته قالبا لروح ما و لتشكّله أشكالا مختلفة على هيئات القوالب البدنيّة العنصريّة. و ظاهر أيضا أنّ ذلك القالب ليس شيئا من جرم فلكيّ، أو جرم إبداعيّ غير منخرق، أو جسم عنصريّ يكون للروح الإنسانيّ تعلّق به وراء تعلّق التدبير و التصرّف، بل بأن يكون ذلك موضوعا لتصوّرات الروح و تخيّلاتها، فإنّ ذلك مع كونه باطلا - كما مرّ الدليل عليه - ينفيه ظاهر تلك الأخبار الدالّة علی التشبيه بالقالب الدنيويّ، و على أنّ التعلّق به تعلّق التدبير و التصرّف لا غير. و ظاهر أيضا أن ليس ذلك القالب شيئا مجرّدا عن المادّة في ذاته مطلقا و أمرا عقليّا، لأنّ المفروض كونه قالبا للروح كقالبها في الدنيا و ذا هيئة و شكل مثله، و الشيء المجرّد و الأمر العقليّ لا يمكن أن يكون كذلك؛ فحيث ظهر أنّ ذلك القالب ليس أمرا مجرّدا عقليّا و لا قالبا جسمانيّا عنصريّا أو فلكيّا، ظهر أنّه من عالم آخر غير العالم الحسّيّ و العقليّ متوسّط بين العالمين، يسمّيه القائلون به عالم المثال و عالم البرزخ، و سيجيء شرح معنى توسّطه بينهما. ثمّ نقول: إنّ ما تضمّنه تلك الأخبار، من أنّ الأرواح في صفة الاجساد و أنّهم على صور أبدانهم، و أنّ الروح يصيّر في قالب كقالبه في الدنيا، حيث يدلّ على أنّ القالب المثاليّ البرزخيّ مثل القالب الدنيويّ في الصفة و الصورة، لا ينافيه ما تضمّنه بعض الأخبار التي قدّمنا ذكرها آنفا، من أنّ الميّت يجيء لزيارة أهله بصورة طائر لطيف، و يجلس على جدار أهله و ينظر إلى أحوالهم، فإنّه يمكن أن يكون المراد به - و اللّه أعلم - أنّ القالب الذي أعدّه اللّه تعالى للأرواح و صيّرها فيه في الأصل، إنّما هو قالب كقالبه في الدنيا في الصورة و الصفة، إلاّ أنّ ذلك القالب لمّا كان قالبا مثاليّا متوسّطا بين العالمين قابلا للتشكّل بالأشكال المختلفة، و من جملتها شكل الطائر و صورته، فربّما يجيء بحسب مصلحة من المصالح و بحسب مرتبته و منزلته في صورة طائر لطيف. و منه يظهر أن لا منافاة بين ذلك الخبر، و خبر يونس بن ظبيان ، عن الصادق عليه السّلام المتضمّن لقوله عليه السّلام: «سبحان اللّه، المؤمن أكرم على اللّه من ذلك أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر»، لأنّ القائلين بجعله في حوصلة طائر أخضر، لعلّهم قالوا بذلك زعما منهم أنّ الأصل فيما أعدّه اللّه تعالى للأرواح هو حواصل الطيور الخضر، لا القوالب التي هي أمثال قوالبهم في الدنيا، فردّه عليه السّلام لذلك، و لأنّ فيه توهّم التناسخ المحال، و هذا لا ينافي جواز تشكّلهم بعد تعلّقهم بقوالبهم المثاليّة التي هي مثل قوالبهم في الدنيا بصورة طائر أخضر مثلا. و كذلك لا ينافيه ما تضمّنه بعض الأخبار التي قدّمنا ذكرها في صدر الرسالة: أنّ الأرواح في حجرات، فإنّه يمكن أن يكون المراد به - و اللّه اعلم - أنّهم مع تعلّقهم بتلك القوالب المثاليّة يكونون في حجرات، أي مثاليّة برزخيّة. ثمّ إنّ الأخبار الواردة في ذلك كما تدلّ على وجود الأبدان المثاليّة لأرواح المؤمنين، كالأخبار التي نقلناها هاهنا، كذلك تدلّ على وجودها لأرواح الكافرين المستضعفين و الأطفال، سواء كانوا أطفال المؤمنين أو أطفال الكفّار، كما يظهر ذلك على من تصفّح الأخبار، و قد نقلنا جملة منها في صدر الرسالة، فتذكّر. و بالجملة، فمدلول الأخبار وجود البدن المثالي لكلّ روح انسانيّ من الأرواح بعد مفارقته عن البدن. ثمّ إنّ ما دلّ من تلك الأخبار على أنّ أرواح المؤمنين في شجرة من الجنّة، أو في الجنّة، لعلّ المراد به - و اللّه أعلم - الجنّة الجنّة المثاليّة و الشجرة المثاليّة، لا أصل الجنّة الموعودة و شجرتها، كما سنوضّح ذلك فيما بعد إن شاء اللّه تعالى. كما أنّ ما دلّ منها على أنّ أرواح المؤمنين في بستان في المغرب في شاطئ الفرات يأكلون من ثماره، و أرواح الكفّار في نار في المشرق أحرّ من نار الدنيا، و هم فيها يأكلون من زقّومها و يشربون من حميمها، لعلّ المراد بتلك الثمار في ذلك البستان الثمار المثاليّة، و البستان المثاليّ، و بتلك النار النار المثاليّة و كذا الزقّوم و الحميم. و لا منافاة بين ما دلّ على أنّ أرواح المؤمنين في الجنّة أو في شجرة من الجنّة، و ما دلّ على أنّ أرواحهم في وادي السلام، أي ظهر الكوفة يعني النجف الأشرف، الذي هو وادي السلامة، و ورد في بعض الأخبار أنّه بقعة من جنّة عدن، و ما دلّ على أنّهم في بستان في جانب المغرب على شاطئ الفرات، لأنّه يمكن أن يكون كلّ تلك الأمكنة مساكن لهم، فيكونون تارة في هذا و تارة في ذاك، و تارة في ذلك، حيث لا مانع منه، و خصوصا في الأبدان المثاليّة. مع أنّه يمكن حمل بعض تلك الأماكن على بعض بحيث يؤول إلى أمر واحد، فتدبّر. كما أنّه لا منافاة بين ما دلّ على أنّ أرواح الكفّار في نار في المشرق، و بين ما دلّ على أنّهم في وادي برهوت، و هو واد في اليمن، لما ذكرنا من الوجه أيضا، و اللّه سبحانه أعلم بحقيقة الحال. ثمّ إنّك حيث عرفت ما ذكرنا، فاعلم أنّ تلك الأخبار الواردة الدالّة على وجود أصل تلك القوالب المثاليّة، مع دلالتها على ذلك، تدلّ أيضا على أحوالها و صفاتها و كيفيّاتها، و أنّها ممّا ينتفي عنها بعض لوازم الجسميّة، و يثبت لها بعض لوازمها الأخر، و أنّ اللوازم المثبتة ما ذا؟ و المنفيّة ما هي؟ و يستفاد منها معنى كون العالم المثاليّ متوسّطا بين العالمين ليس في كثافة الماديّات و لا في لطافة المجرّدات. و بيان ذلك أنّ ما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ الأرواحفي النشأة البرزخيّة على صفة الأجساد، و أنّهم على صور أبدانهم، و أنّهم في قوالب مثل قوالبهم الدنيويّة، يدلّ على أنّ القالب المثاليّ ثابت له الشكل و الهيئة و الصورة و الوضع و أمثال ذلك ممّا هو كان ثابتا للبدن العنصريّ مشابها له، و كلّها من لوازم الجسميّة، و هذا ظاهر. بل إنّه ربّما يشعر ذلك من جهة إشعاره بأنّ لكلّ روح قالبا مثاليّا مناسبا له في الصفات كما في النشأة الدنيويّة، بأنّ تلك القوالب المثاليّة بعضها نورانيّة كما للسعداء، و بعضها ظلمانيّة كما للأشقياء، و هذا موافق لما ذكره القائلون بوجود هذا العالم من الحكماء أيضا حيث قالوا: بأنّ الأشباح الموجودة في هذا العالم ذوات أوضاع مقداريّة، منها ظلمانيّة يتعذّب بها الأشقياء، و هي صور زرق مكروهة يتألّم النفوس بمشاهدتها، و منها مستنيرة يتنعّم بها السعداء، و هي صور حسنة بهيّة بيض كأمثال اللؤلؤ المكنون، و ما ذكروه يعمّ الأشباح الموجودة في ذلك العالم مطلقا، سواء كانت أشباحا هي قوالبالأرواح، أو أشباحا أخر هي صور الأعمال قرينة للأرواح. و قد دلّ عليه ما نقله الشيخ البهائيّ (ره) عنهم أيضا كما نقلناه سابقا، و لا امتناع في أن يكون لها مقدار و وضع و شكل مع عدم ثبوت جسميّة لها، و لذلك يتمثّلون في ذلك بالصور المرئيّة في المرآة، و يقولون أنّها كوّة مفتوحة إلى عالم المثال. و كذلك ما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ الأرواح في ضمن تلك القوالب المثاليّة البرزخيّة يجلسون حلقا حلقا على صور أبدانهم العنصريّة الدنيويّة و يتحدّثون و يتنعّمون بالأكل و الشرب، و أنّهم ربّما يكونون في الهواء بين الأرض و السماء يتعارفون في الجوّ و يتلاقون، و أنّهم ربّما يجيئون لزيارة أهلهم و يذهبون و ينظرون إلى أحوال أهلهم، فربّما يفرحون و يسرّون، و ربّما يكرهون و يغتمّون، و أنّهم إن رأوا عملا صالحا منهم شكروا، و إن رأوا عملا سيّئا اغتمّوا و تألّموا، و نحو ذلك من الحالات الواردة في شأنهم في ذلك العالم، يدلّ على أمور: منها أنّ لتلك الأبدان المثاليّة حواسّا ظاهرة و باطنة، و كذا للنفس فيه آلات مثاليّة، كما كانت لها في النشأة الدنيويّة آلات بدنيّة جسمانيّة، و بالجملة قوى مدركة حيوانيّة و آلات مثاليّة، تدرك تلك الأرواح في ضمن تلك القوالب بتوسّط تلك القوى و بتلك الآلات المثالية إدراكات جزئيّة ملائمة أو غير ملائمة، فتلتذّ لذّة بدنيّة، أو تتألّم ألما بدنيّا، كما كانت تدرك في النشأة الدنيويّة بتوسّط القوى و الآلات البدنيّة، مضافا إلى ما هو ثابت لتلك الأرواح بالقياس إلى ذواتها المجرّدة الباقية من القوة العقليّة التي بها تدرك المعقولات، فتلتذّ لذّة عقليّة أو تتألّم ألما عقليّا. و هذا نظير ما قاله الحكماء من أنّ للنفوس المنطبعة الفلكيّة إدراكات جزئيّة مضافا إلى الإدراكات الكلّيّة للنفوس المجرّدة المتعلّقة بها، مع كون أجسام الأفلاك و أجرامها لطيفة غير كثيفة، فاللطافة لا تمنع أن تكون لها قوى مدركة جزئيّة، و آلات لذلك لطيفة. و منها: أنّ في ذلك العالم أصواتا و طعوما و روائح و نحوها من مدركات الحواس، و إن كانت هي مثلا قائمة بذواتها لا أعراضا، أو كانت أعراضا قائمة بمثل قائمة بذواتها لا كالأعراض الموجودة في العالم الحسّيّ القائمة بالأجسام، و كذلك فيه مأكولات و مشروبات هي غذاء الأرواح في ذلك العالم.
و منها: أنّ للأرواح في ضمن تلك القوالب حركات و سكنات في الأين، بل في الكيف أيضا، و إن كانت الأينيّة منها في ذلك العالم ليست مثل الأينيّة منها في العالم الحسّيّ. و بذلك، و كذا بما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ لهم فيه أكلا و شربا و شوقا إليهما، و تنعّما بهما، و كذا كراهة و سرورا، يظهر أنّ لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب قوى محرّكة حيوانيّة فاعلة للحركة، و كذا باعثة عليها من الشوقيّة الشهوانيّة، بل الغضبيّة أيضا. حيث إنّ النفس التي لها القوة المحرّكة الشوقيّة لا تخلو عن قوّة غضبيّة أيضا. و إنّ ما ورد من سرورهم و كراهتهم كما يدلّ على ثبوت القوّة الشوقيّة لهم، كذلك يدلّ على ثبوت القوّة الغضبيّة لهم، حيث إنّ تلك الكراهة أعمّ من الكراهة النفسانيّة و من الكراهة البدنيّة التي هي الغضب.
و بذلك يظهر أنّ لتلك الأرواح في ذلك العالم جميع القوى الحيوانيّة، مدركة كانت أم محرّكة، فاعلة للحركة أم باعثة عليها، مضافا إلى ما كان ثابتا لها بالقياس إلى ذواتها الباقية من القوى العقليّة النظريّة و العمليّة و العلوم و الملكات. و هذا بيان جملة من لوازم الجسميّة التي يستفاد من تلك الأخبار ثبوتها لتلك القوالب المثاليّة و لذلك العالم. و يستفاد منه أيضا أنّ اللوازم الأخر الجسمانيّة منتفية عنها و عن ذلك العالم، و ذلك على وجوه: الأوّل: أنّه لو كانت كلّ اللوازم الجسمانيّة ثابتة لها لكانت هي قوالب جسمانيّة عنصريّة أو فلكيّة، و هذا خلاف المفروض. و الثاني: أنّه حيث تضمّنت تلك الأخبار لثبوت ما بيّنّا ثبوتها لها مع السكوت عن ثبوت اللوازم الأخر الجسمانيّة، فتدلّ بفحاويها على انتفائها عنها، إذ لو كانت هي أيضا ثابتة لها، لكان ينبغي أن يكون في تلك الأخبار دلالة عليها أو إشعار بها، و إذ ليس فليس. لا يقال: إنّ ما تضمّنته تلك الأخبار، من أنّ لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب أكلا و شربا ربّما يشعر، بل يدلّ على أنّ لها قوى نباتيّة أيضا، إذ الأكل و الشرب لا يكونان إلاّ بها. لأنّا نقول: إنّ القوى النباتيّة لا تكون إلاّ لجسم له تغذية و تنمية و توليد، و لا يظهر من تلك الأخبار أنّ هذه الأفعالالثلاثة ثابتة لتلك القوالب حتّى يثبت لها القوى النباتيّة. بل الظاهر منها أنّ فيها دلالة على خلاف ذلك، كما سنشير إليه. و حينئذ نقول: إنّ ما دلّ على الأكل و الشرب لا يدلّ على أكثر من أنّ لها قوّة شوقيّة و شهوانيّة من القوى الحيوانيّة، و قد ذكرنا أنّ القوّة الحيوانيّة ثابتة لها، بل ربّما يدّعى أنّ فيه إشعارا، بأنّ لذّة الأكل و الشرب التي في ذلك العالم لذّة حقيقيّة، ليست مثل اللّذة التي في العالم الدنيويّ حيث إنّها في النشأة الدنيويّة إنّما هي رفع ألم الجوع و العطش اللذين هما مع التحلّل البدنيّ، ليكون المأكول و المشروب بدلين عمّا يتحلّل من البدن، و أمّا هي في ذلك العالم فليست كذلك، حيث إنّ التحلّل البدنيّ لا يكون فيه حتّى يقارنه ألم جوع أو عطش و يحتاج إلى بدل ما يتحلّل، بل هي لذّة حقيقيّة. و أمّا أنّ التحلّل البدنيّ لا يكون فيه فسنشير إليه. الثالث: أنّ تلك الأخبار حيث تدلّ بفحاويها على أنّ تلك القوالب المثاليّة لطيفة في الغاية، روحانيّة جدّا، باقية دائمة كائنة على صفة صفة الأجساد الدنيويّة دائما لا تتطرّق إليها شائبة تغيّر أو تبدّل أو زوال أو نحوها، و بالجملة الحالات التي هي من جهة المادّة الجسمانيّة، فتدلّ على أنّ كلّ اللوازم الجسمانيّة التي هي من جهة المادّة منتفية عن تلك القوالب و عن ذلك العالم، فيظهر منه أنّه ينتفي عنها ما في العالم الحسّيّ من صفات البسائط العنصريّة و الاسطقسّات كالحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الثقل و الخفّة و أمثال ذلك. و كذا صفات المركّبات منها من المعدنيّات و غيرها. و كذا صفات النبات و أفعالها، من الجذب و الإمساك و الهضم و الدفع و التصوير و التشكيل و التخليق و الإنماء و التوليد و التحلّل و نحو ذلك. و بذلك يظهر أن ليس لها قوى نباتيّة، و أنّ الأكل و الشرب الواردين في الأخبار ليسا ليكونا بدلين عمّا يتحلّل. و أنّ لذّتهما في ذلك العالم لذّة حقيقيّة ليست مثل ما في النشأة الحسّيّة. و كذا ينتفي عنها الصفات التي للأفلاك من جهة موادّها التي هي متغيّرة في حدّ ذاتها، مع أن بعض ما تضمّنته تلك الأخبار من الحالات التي لتلك الأرواح في ضمن تلك القوالب كالأكل و الشرب و الحركة الأينيّة و نحوها، ينفي أيضا كونها أجراما فلكيّة، إذ ليس لها ذلك. و ما فصّلناه جملة من أحوال هذا العالم استفدناها من تلك الأخبار بحسب فهمنا القاصر. و به يظهر وجه تسمية هذا العالم بعالم المثال من جهة كونه مماثلا للعالم المحسوس الجسمانيّ المادّيّ في كثير من الصفات و اللوازم، و إن كان مغايرا له في بعض آخر. و كذا يظهر وجه كون هذا العالم عالما متوسّطا بين العالم الحسّيّ و العقليّ من جهة أنّه ليس في كثافة المادّيّات و لا في لطافة المجرّدات، و أنّه ينتفي عنه بعض لوازم الجسميّة و يثبت لها بعض آخر منها. و هذا مطابق أيضا لما قال به الحكماء القائلون بهذا العالم كما يظهر على من تصفّح كلامهم في ذلك، إلاّ أنّهم زادوا على ذلك، و قالوا: إنّ المحسوسات بالحواسّ من الأجسام و الأعراض ثابتة في هذا العالم، قائمة بذاتها. و إنّ كلّ ما في عالمنا هذا من الأفلاك و الكواكب و العناصر و المركّبات و الأرض و البرّ و البحر و الإنسان و الحيوان و الجماد و المعادن و النبات و الحركات و سائر الأعراض إلى غير ذلك من الموجودات، موجود في العالم المثاليّ إلاّ أنّها إليه ألطف و أحسن و أشرف و أفضل ممّا في عالمنا، لقربها من المبدأ الأوّل. و إنّ العالم المثاليّ عالم عظيم الفسحة لا ضيق فيه، لأنّ الضيق إنّما يكون في الأمكنة و الأبعاد الهيولانيّة. و الصور هناك قائمة بنفسها لا تحتاج إلى مادّة، فلا تحتاج إلى مكان، لأنّ المكان إنّما يحتاج إليه ذو المادّة فلا يزاحم على مادّة و لا مكان و لا محل، بل إنّ ما في العالم العقليّ من المجرّدات و المفارقات و العقول، لها أشباح و مظاهر مثالية أيضا موجودة في العالم المثاليّ، يظهر تلك المجرّدات في عالمنا هذا بحسب ما يقتضيه المصلحة و الحال في ضمن تلك المظاهر و الأشباح اللطيفة في الغاية القابلة للتشكّل بأشكال مختلفة على أشكال و صور مختلفة، فقد تشاهد أحيانا و تغيب و تحضر بصورة أخرى كالبرق الخاطف، فيتوهّم الرائي أنّه انقلبت و ليس كذلك. و إنّ العالم المثاليّ له طبقات كثيرة لا يحصيها إلاّ الباري تعالى، و كلّ طبقة منه فيها أشخاص غير متناهية، و هذه الطبقات منها نورانيّة ملذّة، هي طبقات الجنان بعضها أشرف و أفضل و أنور، و بعضها دون ذلك، و منها طبقات مظلمة موحشة مؤلمة هي طبقات الجحيم متفاوتة أيضا في شدّة الظلمة و الوحشة، فالطبقة الفاضلة متاخمة لعالم العقل، فهي في أفقه، و الطبقة السافلة متاخمة لعالم الحسّيّ، فهي في أفقه، و باقي الطبقات التي لا تحصى كثرتها محصورة بين هاتين الطبقتين، و كلّ طبقة منها يسكنها قوم من الملائكة و الجنّ و الشياطين لا يتناهى عددهم. و إنّ هذا العالم المثاليّ لا تتناهى عجائبه، و لا يمكن إدراك غرائبه في العالم الدنيويّ الظلمانيّ، بل لا يحيط بحقائقه إلاّ اللّه تعالى و مقرّبو حضرته. و إنّ هذا العالم عالم مقداريّ، غير العالم الحسّيّ و غير العالم العقليّ و النفسيّ، فيه مدن لا تحصى، من جملة ذلك ما سمّاه الشارع جابرصا و جابلقا، و هما مدينتان من مدائنه، لكلّ واحدة منها ألف باب لا يحصى ما فيها من الخلائق، و أعظم تلك المدائن هورقليا التي هي مدينة مثاليّة فلكيّة، فيها مثل الأفلاك و ما فيها، إلى غير ذلك من الأقوال التي قالوا بها و نسبوا القول بها إلى أساطين الحكمة، كأفلاطون و من قبله كسقراط و فيثاغورس و انباذقلس و غيرهم، بل إلى الأنبياء عليه السّلام أيضا، و ادّعوا أنّ أرباب الكشف منهم وصلوا إلى هذا العالم و أحواله، و شاهدوه بكثرة الرياضات و خلع نواسيت الأبدان. و اللّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.