بسم الله الرحمن الرحیم

الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام-ثبوت الهلال-للشهید السید محمدباقر الصدر

فهرست فقه
كتاب الصوم
مباحث رؤیت هلال-كتاب الصوم



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 620‌
ثبوت الهلال‌
64- شهر رمضان و شعبان من الشهور القمرية و هي تتكون تارة من تسعة و عشرين يوما و أخرى من ثلاثين يوما حسب طول الدورة الاقترانية للقمر و قصرها، و هي دورة القمر حول الأرض، حيث ان القمر يتحرك حول الأرض من المغرب إلى المشرق، و هو كالأرض نصفه يواجه الشمس فيكون نيرا و يكون الوقت في المناطق الواقعة فيه نهارا و نصفه الآخر لا يقابل الشمس فيكون مظلما و يكون الوقت في المناطق الواقعة فيه ليلا فإذا ما دار القمر حل الليل في المناطق التي كانت في النصف النير و طلع النهار في المناطق التي كانت في النصف المظلم، و القمر أثناء دورته هذه حول الأرض تارة يصبح في موضع بين الأرض و الشمس على صورة يكون مواجها بموجبها للأرض بوجهه المظلم و مختفيا عنها بوجهه المنير اختفاء كاملا، و أخرى يصبح في موضع على نحو تكون بينه و بين الشمس، و ثالثة يكون بين هذين الموضعين و حينما يكون القمر في الموضع الواقع بين الأرض و الشمس على النحو الذي وصفناه لا يمكن أن يرى منه شي‌ء و هذا هو المحاق، ثم يتحرك عن هذا الموضع فتبدو لنا حافة النصف أو الوجه المضي‌ء المواجه للشمس و هذا هو الهلال، و يعتبر ذلك بداية الحركة الدورية للقمر حول الأرض و تسمى بالحركة الاقترانية لأن بدايتها تقدر من حين اقتران القمر بالأرض و الشمس و توسطه بينهما على النحو الذي وصفناه و ابتداؤه يتجاوز هذه النقطة.
و كلما بعد القمر عن موضع المحاق زاد الجزء الذي يظهر لنا من وجهه أو نصفه المضاء و لا يزال الجزء المنير يزداد حتى يواجهنا النصف المضاء بتمامه في منتصف الشهر و يكون القمر إذ ذاك بدرا و تكون الأرض بينه و بين‌



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 621‌
الشمس، ثم يعود الجزء المضي‌ء إلى التناقص حتى يدخل في دور المحاق ثم يبدأ دورة اقترانية جديدة و هكذا. و على هذا الأساس تعتبر بداية الشهر القمري الطبيعي عند خروج القمر من المحاق و ابتدائه بالخروج عن حالة التوسط بين الأرض و الشمس و ابتداؤه بالخروج هذا يعني أن جزءا من نصفه المضي‌ء سيواجه الأرض و هو الهلال و بذلك كان الهلال هو المظهر الكوني لبداية الشهر القمري الطبيعي. و ظهور الهلال في أول الشهر يكون عند غروب الشمس و يرى فوق الأفق الغربي بقليل و لا يلبث غير قليل فوق الأفق ثم يختفي تحت الأفق الغربي، و لهذا لا يكون واضح الظهور و كثيرا ما تصعب رؤيته، بل قد لا يمكن. أن يرى بحال من الأحوال لسبب أو لآخر، كما إذا تمت مواجهة ذلك الجزء المضي‌ء من القمر للأرض ثم غاب و اختفى تحت الأفق قبل غروب الشمس فإنه لا تتيسر حينئذ رؤيته ما دامت الشمس موجودة، أو تواجد بعد الغروب و لكن كانت مدة مكثه بعد غروب الشمس قصيرة جدا بحيث يتعذر تمييزه من بين ضوء الشمس الغاربة القريبة منه، أو كان هذا الجزء النير المواجه للأرض من القمر (الهلال) ضئيلا جدا لقرب عهده بالمحاق إلى درجة لا يمكن رؤيته بالعين الاعتيادية للإنسان، ففي كل هذه الحالات تكون الدورة الطبيعية للشهر القمري قد بدأت على الرغم من أن الهلال لا يمكن رؤيته.
و لكن الشهر القمري الشرعي في هذه الحالات التي لا يمكن فيها رؤية الهلال لا يبدأ تبعا للشهر القمري الطبيعي بل يتوقف ابتداء الشهر القمري الشرعي على أمرين: أحدهما- خروج القمر من المحاق و ابتداؤه بالتحرك بعد أن يصبح بين الأرض و الشمس، و هذا يعني مواجهة جزء من نصفه المضي‌ء للأرض، و الآخر- أن يكون هذا الجزء مما يمكن رؤيته بالعين الاعتيادية المجردة.



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 622‌
و على هذا الأساس قد يتأخر الشهر القمري الشرعي عن الشهر القمري الطبيعي، فيبدأ هذا ليلة السبت مثلا و لا يبدأ ذاك إلّا ليلة الأحد، و ذلك في كل حالة خرج فيها القمر من المحاق و لكن الهلال كان على نحو لا يمكن أن يرى.
و الشهر القمري الطبيعي- كما مر- قد يكون كاملا يتكون من ثلاثين يوما و قد يكون ناقصا يتكون من تسعة و عشرين يوما، و لا يكون ثمانية و عشرين يوما و لا واحدا و ثلاثين يوما بحال من الأحوال. و اما الشهر القمري الشرعي فهو أيضا قد يكون ثلاثين يوما و قد يكون تسعة و عشرين يوما و لا يكون أقل من هذا و لا أكثر من ذاك.
و قد تقول: أن الشهر القمري الشرعي قد يتأخر ليلة عن الشهر القمري الطبيعي كما تقدم، و ان الشهر القمري الطبيعي قد يكون تسعة و عشرين يوما كما مر، و هذان الافتراضان إذا جمعناهما في حالة واحدة أمكننا أن نفترض شهرا قمريا طبيعيا ناقصا بدأ ليلة السبت و تأخر عنه الشهر القمري الشرعي يوما فبدأ ليلة الأحد نظرا إلى أن الهلال في ليلة السبت لم يكن بالإمكان رؤيته، و في هذه الحالة نلاحظ أن الشهر القمري الشرعي قد يكون ثمانية و عشرين يوما و ذلك:
لأن الشهر القمري الطبيعي بحكم افتراضه ناقصا سينتهي في تسعة و عشرين يوما و يهل هلال الشهر التالي في ليلة الأحد بعد مضي تسعة و عشرين يوما و قد يكون هذا الهلال في ليلة الأحد ممكن الرؤية فيبدأ الشهر القمري التالي طبيعيا و شرعيا في هذه الليلة، و نتيجة ذلك أن يكون الشهر القمري الشرعي الأول مكونا من ثمانية و عشرين يوما لأنه تأخر عن الشهر القمري الطبيعي الناقص يوما و انتهى بنهايته.
و الجواب: أن في حالة من هذا القبيل تعتبر بداية الشهر القمري الشرعي‌



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 623‌
الأول من ليلة السبت على الرغم من عدم رؤية الهلال لكي لا ينقص الشهر الشرعي عن تسعة و عشرين يوما و بهذا أمكن القول أن الشهر القمري الشرعي يبدأ في الليلة التي يمكن أن يرى في غروبها الهلال لأول مرة بعد خروجه من المحاق أو في الليلة التي لم ير فيها الهلال كذلك و لكن رئي هلال الشهر اللاحق في ليلة الثلاثين من تلك الليلة «1».
65- و إمكان الرؤية هو المقياس لا الرؤية نفسها‌
فقد لا تتحقق الرؤية لعدم ممارسة الاستهلال أو لوجود غيم و نحو ذلك غير أن الهلال موجود بنحو يمكن رؤيته لو لا هذه الظروف الطارئة فيبدأ الشهر الشرعي بذلك و بكلمة إن وجود حاجب يحول دون الرؤية كالغيم و الضباب لا يضر بالمقياس لأن المقياس إمكان الرؤية في حالة عدم وجود حاجب من هذا القبيل.
و لا وزن للرؤية المجهرية و بالأدوات و الوسائل العلمية المكبرة و إنما المقياس إمكان الرؤية بالعين الاعتيادية المجردة، و تلك الوسائل العلمية يحسن استخدامها كعامل مساعد على الرؤية المجردة و ممهد لتركيزها.
66- و قد تختلف البلاد في رؤية الهلال‌
فيرى في بلد و لا يرى في بلد آخر فما هو الحكم الشرعي؟
و الجواب: ان هذا الاختلاف يشتمل على حالتين:-
______________________________
(1) و كذلك في الليلة التي لم ير فيها الهلال كذلك و لكن رئي هلال الشهر الذي بعد اللاحق بعد مضي (75) يوما مع افتراض الشهر اللاحق (29) يوما و هكذا فمثلا إذا ثبت أن رجب ثلاثون يوما بموجب إكمال العدة ثم ثبت أن شعبان (29) يوما ثم رئي الهلال بعد مضي (28) يوما من رمضان فلا بد أن نأخذ يوما من شعبان فيقع (28) يوما فنأخذ له يوما من رجب فيثبت أنه كان ناقصا (منه رحمه اللّه).



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 624‌
الأولى:- أن يختلف البلدان لسبب طارئ كوجود غيم أو ضباب و نحو ذلك، و في هذه الحالة لا شك في أن الرؤية في أحد البلدين تكفي بالنسبة إلى البلد الآخر لأن المقياس كما تقدم هو إمكان الرؤية لا الرؤية نفسها و إمكان الرؤية هكذا ثابت في البلدين معا و لا يضر به وجود حاجب في أحد البلدين يمنع عن الرؤية فعلا كغيم و نحوه كما تقدم.
الثانية:- أن يختلف البلدان اختلافا أساسيا لتغايرهما في خطوط الطول أو تغايرهما في خطوط العرض على نحو يجعل الرؤية في أحدهما ممكنة و في الآخر غير ممكنة بذاتها و حتى بدون غيم و ضباب و ذلك يمكن افتراضه في صورتين.
إحداهما: أن يكون هذا التفاوت بسبب اختلاف البلدين في خطوط الطول على نحو يكون الغروب في أحد البلدين قبل الغروب في البلد الآخر بمدة طويلة و بيان ذلك: اننا عرفنا سابقا أن القمر بعد خروجه من المحاق و مواجهة جزء من نصفه النير للأرض يظل هذا الجزء النير يزداد و كلما ابتعد عن المحاق اتسع و ازداد و نضيف إلى ذلك أن الليلة- أي ليلة- تسير تدريجيا بحكم كروية الأرض من المشرق إلى الغرب فتغرب الشمس في بلد بعد غروبها في بلد آخر بدقائق أو ساعات حسب موقع البلدين في خطوط الطول، و الغروب في كل خط يسبق الغروب في الخط الواقع في غربه و يتأخر عن الغروب في الخط الواقع في شرقه فقد تغرب الشمس في بلد كالعراق مثلا و يكون القمر قد خرج من المحاق و لكن الهلال لا يمكن رؤيته لضالته مثلا غير أنه يصبح بعد ساعات ممكن الرؤية لأن الجزء النير من القمر يزداد كلما بعد عن المحاق فحين تغرب الشمس في بلد يقع في غرب العراق بعد ساعات عديدة يكون بالإمكان رؤية الهلال.



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 625‌
و الصورة الأخرى: التي يكون الهلال بموجبها ممكن الرؤية في أحد البلدين دون الآخر ان نفترض البلدين واقعين على خط طول واحد بمعنى ان الغروب فيهما يحدث في وقت واحد و لكنهما مختلفان في خطوط العرض فأحدهما أبعد عن الآخر عن خط الاستواء و نحن نعلم ان طول النهار و قصره يتأثر بخطوط العرض فالنهار الواحد و الليل الواحد يكون في بعض المناطق أطول منه في بعضها تبعا لما تقع عليه من خطوط العرض و يختلف بسبب ذلك أيضا في الغالب طول مكث الهلال في تلك المناطق إذ يمكث في بعضها أطول مما يمكث في بعضها الآخر فاذا افترضنا ان مكثه في أحد هذين البلدين كان قصيرا جدا على نحو لا يمكن رؤيته و مكثه في البلد الآخر كان طويلا نسبيا نتج عن ذلك اختلاف البلدين في إمكان الرؤية.
و قد يتميز بلد عن بلد آخر في إمكان الرؤية على أساس كلا الاعتبارين السابقين بان نفترض انه واقع في خط طول غربي بالنسبة إلى البلد الآخر و واقع أيضا على خط عرض آخر يتيح للهلال مكثا أطول.
و هكذا نلاحظ ان البلاد قد تختلف في إمكان الرؤية و عدم إمكانها فهل يكون الشهر القمري في كل منطقة من الأرض مرتبطا بإمكان الرؤية فيها بالذات فيكون لكل أفق شهره القمري الخاص فيبدأ في هذا الأفق الغربي في ليلة متقدمة و في أفق شرقي في ليلة متأخرة أو ان الشهر القمري له بداية واحدة بالنسبة إلى الجميع فاذا رئي الهلال في جزء من العالم كفى ذلك للآخرين؟
و بكلمة أخرى: هل حلول الشهر القمري الشرعي أمر نسبي يختلف فيه أفق عن أفق فيكون من قبيل طلوع الشمس فكما ان الشمس قد تطلع في‌



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 626‌
سماء بغداد و لا تطلع في سماء دمشق فيكون الطلوع بالنسبة إلى بغداد ثابتا و الطلوع بالنسبة إلى دمشق غير متحقق كذلك بداية الشهر القمري الشرعي، أو ان حلول الشهر القمري الشرعي أمر مطلق و ظاهرة كونية مستقلة لا يمكن ان يختلف باختلاف البلاد؟.
و توجد لدى الجواب على هذا السؤال في مجال البحث الفقهي نظرية تؤكد على الافتراض الثاني و تقول: بان حلول الشهر لا يمكن ان يكون نسبيا و ان يكون لكل منطقة شهرها القمري الخاص و ان من الخطأ قياس ذلك على نسبية الطلوع التي تجعل لكل منطقة طلوعها الخاص، و ذاك لأن طلوع الشمس عبارة عن مواجهة هذا الجزء من الأرض أو ذلك للشمس و لما كانت الشمس تواجه أجزاء الأرض بالتدريج بحكم كرويتها و حركتها (أي الأرض) حول نفسها فمن الطبيعي ان يكون الطلوع نسبيا فتطلع الشمس على هذا الجزء من الأرض قبل ذاك، و اما بداية الشهر القمري فهي بخروج القمر من المحاق اي ابتدائه بالتحرك بعد ان يتوسط بين الشمس و الأرض و هذه ظاهرة كونية محددة تعبر عن موقع جرم القمر من جرمي الشمس و الأرض و لا تتأثر بهذا الجزء من الأرض أو ذاك فلا معنى لافتراض النسبية هنا و للقول بأن الشهر يبدأ بالنسبة الى هذا الجزء من الأرض في ليلة السبت و بالنسبة الى ذلك الجزء في ليلة الأحد.
و هذه النظرية ليست صحيحة من الناحية المنهجية لأنها تقوم على أساس عدم التمييز بين الشهر القمري الطبيعي و الشهر القمري الشرعي، فإن الشهر القمري الطبيعي يبدأ بخروج القمر من المحاق و لا يتأثر بأي عامل آخر و لما كان خروج القمر من المحاق قد يؤخذ كظاهرة كونية محددة لا تتأثر بهذا الموقع أو ذاك‌



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 627‌
فلا معنى حينئذ لافتراض النسبية فيه «1»، و اما الشهر القمري الشرعي فبدايته تتوقف على مجموع عاملين: إحداهما: كونى و هو الخروج من المحاق و الآخر: ان يكون الجزء النير المواجه للأرض ممكن الرؤية، و إمكان الرؤية يمكن ان نأخذه كأمر نسبي يتأثر باختلاف المواقع في الأرض و يمكن ان نأخذه كأمر مطلق محدد لا يتأثر بذلك، و ذلك لأننا إذا قصدنا بإمكان الرؤية إمكان رؤية الإنسان في هذا الجزء من الأرض، و في ذاك كان امرا نسبيا و ترتب على ذلك ان الشهر القمري الشرعي يبدأ بالنسبة الى كل جزء من الأرض إذا كانت رؤية هلاله ممكنة في ذلك الجزء من الأرض فقد يبدأ بالنسبة إلى جزء دون جزء، و إذا قصدنا بإمكان الرؤية إمكان الرؤية و لو في نقطة واحدة من العالم فمهما رئي في نقطة بدأ الشهر الشرعي بالنسبة الى كل النقاط كان امرا مطلقا لا يختلف باختلاف المواقع على الأرض.
و هكذا يتضح ان الشهر القمري الشرعي لما كان مرتبطا اضافة الى الخروج من المحاق بإمكان الرؤية و كانت الرؤية ممكنة أحيانا في بعض المواضع دون بعض كان من المعقول ان تكون بداية الشهر القمري الشرعي نسبية. فالمنهج الصحيح للتعرف على ان بداية الشهر القمري هل هي نسبية أو لا؟ الرجوع الى الشريعة نفسها التي ربطت شهرها الشرعي‌
______________________________
(1) و ذلك إذا فسرنا المحاق بأنه عبارة عن انطباق مركز القمر على الخط الواصل بين مركز الأرض و مركز الشمس على أساس أن هذا الانطباق هو الذي يحقق غيبة القمر عن كل أهل الأرض نظرا لأن حجم الأرض الصغير لا يتيح في هذه الحالة حتى لمن كان في أقصى الأرض أن يواجه شيئا من وجهه المضي‌ء فإذا كان المحاق هو الانطباق المذكور صح ما يقال من أنه ليس نسبيا و أما إذا فسرنا المحاق بأنه مواجهة الوجه المظلم بتمامه لمنطقة ما على الأرض فهذا أمر نسبي (منه رحمه اللّه).



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 628‌
بإمكان الرؤية لنرى انها هل ربطت الشهر في كل منطقة بإمكان الرؤية في تلك المنطقة أو ربطت الشهر في كل المناطق بإمكان الرؤية في أي موضع كان؟
و الأقرب على أساس ما نفهمه من الأدلة الشرعية هو الثاني و عليه فاذا رئي الهلال في بلد ثبت الشهر في سائر البلاد «1».
كيف يثبت أول الشهر:
اتضح أن بداية الشهر القمري الشرعي تتوقف على أمرين خروج القمر من المحاق و كون الهلال ممكن الرؤية بالعين الاعتيادية المجردة في حالة عدم وجود حاجب، و الآن نريد أن نوضح كيف يمكن إثبات هذين الأمرين و احرازهما بطريقة صحيحة شرعا.
إن إثبات ذلك يتم بأحد الطرق التالية:
67- (الأول): الرؤية المباشرة بالعين الاعتيادية المجردة فعلا‌
لأن رؤية الهلال فعلا تثبت للرائي أن القمر قد خرج من المحاق و أن بالإمكان رؤيته و إلا لما رآه فعلا.
68- (الثاني): شهادة الآخرين برؤيتهم‌
فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرة و لكن شهد الآخرون برؤيتهم له كفاه ذلك إذا توفرت في هذه الشهادة أحد الأمرين التاليين:
أولا: كثرة العدد‌
. و تنوع الشهود على نحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان فإذا كثر العدد و لم يحصل العلم أو الاطمئنان من أجل منشأ معقول لم يثبت‌
______________________________
(1) هذا الكلام صحيح لو كان بمعنى أنّ الليل الذي ظهر فيه الهلال في بلد أينما حلّ ثبت أوّل الشهر في ذاك المحلّ، و النتيجة أنّه متى ما رئي الهلال في بلد ثبت أوّل الشهر في ذاك البلد و في كلّ بلد آخر يشترك مع هذا البلد في الليل و لو يسيرا، أمّا البلد الذي لا يصل إليه الليل إلى أن ينتهي ليل البلد الأوّل فيتأخّر أوّل الشهر عندهم لا محالة.



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 629‌
الهلال، فالكثرة العددية عامل مساعد على حصول اليقين و لكنها ليست كل شي‌ء في الحساب بل ينبغي للفطن أن يدخل في الحساب كل ما يلقي ضوءا على مدى صدق الشهود أو كذبهم أو خطأهم، و نذكر الأمثلة التالية على سبيل التوضيح:
1- إذا أحصي أربعون شاهدا بالهلال من بلدة واحدة‌
فقد يكون تواجدهم جميعا في بلدة واحدة يعزز شهادتهم، بينما إذا أحصي أربعون شاهدا من أربعين بلدة استهل أبناؤها فشهد واحد من كل بلدة لم يكن لهم نفس تلك الدرجة من الإثبات، و السبب في ذلك أن تواجد أربعين شخصا على خطأ في مجموعة المستهلين من بلدة واحدة أمر بعيد نسبيا بينما تواجد شخص واحد على خطأ في مجموعة المستهلين من كل بلد أقرب احتمالا.
2- و في نفس الحالة السابقة قد يصبح الأمر على العكس‌
و ذلك فيما إذا كانت تلك البلدة التي شهد من أهاليها أربعون شخصا واقعة تحت تأثير ظروف عاطفية غير موجودة في المدن الأخرى.
3- و كما ينبغي أن يلحظ الشهود بالإثبات كذلك يلحظ نوع و عدد المستهلين‌
الذين استهلوا و عجزوا عن رؤية الهلال فكلما كان عدد هؤلاء الذين عجزوا عن الرؤية كبيرا جدا و متواجدا في آفاق نقية صالحة للرؤية و قريبة من مواضع شهادات الشهود شكل ذلك عاملا سلبيا يدخل في الحساب‌
4- و نوعية الشهود لها أثر كبير إيجابا و سلبا على تقرير النتيجة‌
، ففرق بين أربعين شاهدا يعرف مسبقا أنهم لا يتورعون عن الكذب و أربعين شاهدا مجهولي الحال و أربعين شاهدا يعلم بوثاقتهم بدرجة و أخرى.
5- قد تتحد مجموعة من الشهادات، في المكان‌
بأن يقف عدد المستهلين‌



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 630‌
في مكان مشرف على الأفق فيرى أحدهم الهلال ثم يهدي الآخر إلى موضعه فيراه ثم يهتدي الثالث إليه و هكذا، و في مثل ذلك تتعزز هذه الشهادات لأن وقوعها كلها فريسة خطأ واحد في نقطة معينة من الأفق بعيد جدا و قدرة المشاهد الأول على إراءة ما رآه تعزز الثقة بشهادته‌
6- التطابق العفوي في النقاط التفصيلية بين الشهود‌
بأن يشهد عدد من الأشخاص المتفرقين من بلدة واحدة و يعطي كل منهم نقاطا تطابق النقاط التي يعطيها الآخر من قبيل أن يتفقوا على زمان رؤية الهلال و زمان غروبه عن أعينهم، فإن ذلك عامل مساعد على حصول اليقين.
7- ينبغي أن يلحظ أيضا مدى ما يمكن استفادته من استخدام الوسائل العلمية‌
الحديثة من الأدوات المقربة و الرصد المركز، فإن رؤية الهلال بهذه الوسائل و إن لم تكن كافية لإثبات الشهر و لكن إذا افترضنا أن التطلع إلى الأفق رصديا لم يتح رؤية الهلال فهذا عامل سلبي يزيل من نفس الإنسان الوثوق بالشهادات و لو كثرت إذ كيف يرى الناس بعيونهم المجردة ما عجز الرصد العلمي عن رؤيته.
8- بل يدخل في الحساب أيضا التنبؤ العلمي المسبق بوقت خروج القمر من المحاق‌
، فإنه إذا حدد وقتا و ادعى الشهود الرؤية قبل ذلك الوقت كان التحديد العلمي المسبق عاملا سلبيا يضعف من تلك الشهادات، فإن احتمال الخطأ في حسابات النبوءة العلمية و إن كان موجودا و لكنه قد لا يكون أبعد أحيانا عن احتمال الخطأ في مجموع تلك الشهادات أو على الأقل لا يسمح بسرعة حصول اليقين بصواب الشهود في شهادتهم.
69- ثانيا: تواجد البينة في الشهود‌
.



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 631‌
و البينة على الهلال تكتمل إذا توفر ما يلي:
1- أن يشهد شاهدان رجلان عدلان برؤية الهلال‌
فلا تكفي شهادة الرجل الواحد و لا النساء و إن كن عادلات.
2- أن لا يقع اختلاف بين الشاهدين في شهادتهما‌
على نحو يعني أن ما يفترض أحد الشاهدين أنه رآه غير ما رآه الآخر.
3- أن لا تتجمع قرائن قوية تدل على كذب البينة أو وقوعها في خطأ‌
، و من هذه القرائن أن ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من المستهلين لم يستطيعوا أن يروه مع اتجاههم جميعا إلى نفس النقطة التي اتجه إليها الشاهدان في الأفق و تقاربهم في القدرة البصرية و نقاء الأفق و صلاحيته العامة للرؤية، و هذا معنى قولهم عليهم السلام إذا رآه واحد رآه مائة «1».
70- الثالث: مضي ثلاثين يوما من هلال الشهر السابق‌
لأن الشهر القمري الشرعي لا يكون أكثر من ثلاثين يوما، فإذا مضى ثلاثون يوما و لم ير الهلال الجديد اعتبر الهلال موجودا و يبدأ بذلك شهر قمري جديد.
71- الرابع:- حكم الحاكم الشرعي‌
فإنه نافذ و واجب الاتباع حتى على من لم يطلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلة التي استند إليها في حكمه و ذلك ضمن التفصيل التالي:
أ- أن لا تكون لدى المكلف أي فكره عن صواب الحكم‌
الذي أصدره الحاكم الشرعي و خطأه، و في هذه الحالة يجب عليه الاتباع.
ب- أن تكون لدى المكلف فكره تبعث في نفسه الظن بأن الحاكم [على خطأ في موقفه]
______________________________
(1) وسائل الشيعة 7: 209، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 10.



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 632‌
على خطأ في موقفه على الرغم من اجتهاده و عدالته، و في هذه الحالة يجب عليه الاتباع أيضا.
ج‍- أن تكون لدى المكلف فكره تأكد على أساسها من عدم كفاية الأدلة‌
التي استند إليها الحاكم الشرعي كما إذا كان قد استند إلى شهود وثق بعدالتهم و لكن المكلف يعرف أنهم ليسوا عدولا فهو يرى أن شهادتهم غير كافية ما داموا غير عدول و لكنه لا يعلم بأنهم قد كذبوا في شهادتهم هذه بالذات، و في هذه الحالة يجب عليه الاتباع «1» أيضا ما دام لا يعلم بأن الشهر لم يبدأ فعلا على الرغم من علمه بفسق الشهود.
د- أن يعلم المكلف بأن الشهر لم يبدأ فعلا و أن الحاكم الشرعي وقع فريسة خطأ فأثبت الشهر قبل وقته المحدود‌
، و في هذه الحالة لا يجب الاتباع بل يعمل المكلف على أساس علمه.
و نريد بحكم الحاكم الشرعي اتخاذه قرارا بثبوت الشهر أو أمره للمسلمين بالعمل على هذا الأساس، و أما إذا حصلت لديه قناعة بثبوت الشهر و لكن لم يتخذ قرارا بذلك و لم يصدر أمرا للمسلمين بتحديد موقفهم العملي على هذا الأساس فلا تكون هذه القناعة ملزمة إلا لمن اقتنع على أساسها و حصل لديه الاطمئنان الشخصي بسببها.
و في حالة إصدار الحاكم الشرعي للحكم يجب اتباعه حتى على غير مقلديه ممن يؤمن بتوفر شروط الحاكم الشرعي فيه.
72- الخامس:- كل جهد علمي يؤدي إلى اليقين أو الاطمئنان بأن القمر قد خرج من المحاق‌
و أن الجزء النير منه الذي يواجه الأرض‌
______________________________
(1) وجوب الاتّباع في هذا الفرض لا يخلو من إشكال.



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 633‌
(الهلال) موجود في الأفق بصورة يمكن رؤيته، فلا يكفي لإثبات الشهر القمري الشرعي إن يؤكد العلم بوسائله الحديثة خروج القمر من المحاق ما لم يؤكد إلى جانب ذلك إمكان رؤية الهلال و تحصل للإنسان القناعة بذلك على مستوى اليقين أو الاطمئنان.
73- و هناك حالات تلاحظ في الهلال عند ما يرى لأول مرة‌
كثيرا ما يتخذها الناس قرينة لإثبات أنه في ليلته الثانية و أن الشهر القمري كان قد بدأ في الليلة السابقة على الرغم من عدم رؤيته، من قبيل أن يكون الهلال على شكل دائرة و هو ما يسمى بتطوق الهلال أو سمك الجزء المنير منه و سعته، أو استمرار ظهوره قرابة ساعة من الزمان و عدم غيابه إلا بعد الشفق مثلا إذ يقال حينئذ عادة: ان الهلال لو كان جديد الولادة و لم يكن ابن ليلة سابقة لما كان بهذه الكيفية أو بهذه المدة.
و لكن الصحيح أن هذه الحالات لا يمكن اتخاذها دليلا لإثبات بداية الشهر القمري الشرعي في الليلة السابقة، لأن أقصى ما يمكن أن تثبته هو أن القمر كان قد خرج من المحاق قبل فترة طويلة و لهذا أصبح بهذه الكيفية أو بهذه المدة، لكنه لا يدلل على أنه كان بالإمكان رؤيته في غروب الليلة السابقة، فلو كان القمر مثلا قد خرج من المحاق قبل اثنتي عشرة ساعة من الغروب الذي رئي فيه لأول مرة فسوف يبدو أوضح و أشمل نورا و أطول مدة مما لو كان قد خرج من المحاق قبل دقائق من الغروب على الرغم من أنه ليس ابن الليلة السابقة في كلتا الحالتين.
و على العموم لا يجوز الاعتماد على الظن في إثبات هلال شهر رمضان و إثبات هلال شوال و لا على حسابات المنجمين الذين لا يعول على أقوالهم في هذا المجال عادة.



الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 634‌
أحكام مترتبة:
74- فإذا ثبت هلال شهر رمضان بصورة شرعية‌
وجب الصيام و إذا ثبت هلال شوال كذلك وجب الإفطار، و إذا لم يثبت هلال شهر رمضان بأحد الطرق التالية كما إذا حلت ليلة الثلاثين من شعبان و لم يمكن إثبات هلال شهر رمضان لم يجب صيام النهار التالي بل لا يسوغ صيامه بنية أنه من رمضان ما دام رمضان غير ثابت شرعا، فله أن يفطر في ذلك النهار و له أن يصومه بنية أنه من شعبان استحبابا أو قضاء لصيام واجب في عهدته، و له أن يصومه قائلًا في نفسه إن كان من شعبان فأصومه على هذا الأساس و إن كان من رمضان فأصومه على أنه من رمضان فيعقد النية على هذا النحو من التأرجح فيصح منه الصيام و متى صام على هذه الأوجه التي ذكرناها ثم انكشف له بعد ذلك أن اليوم الذي صامه كان من رمضان أجزأه و كفاه.
75- و إذا حلت ليلة الثلاثين من شهر رمضان و لم يثبت هلال شوال بطريقة شرعية‌
وجب صيام النهار التالي، و إذا صامه و انكشف له بعد ذلك أنه كان من شوال و أنه يوم العيد الذي يحرم صيامه فلا حرج عليه في صيامه ما دام قد صامه و هو لا يعلم بدخول شهر شوال.
و إذا حصل لدى المكلف ما يشبه القناعة بأن غدا أول شوال و لكنه لا يسمح لنفسه بأن يفطره لعدم وجود طريق شرعي واضح، كما يعز عليه أن يصومه خوفا من أن يكون يوم العيد فبامكانه أن يحتاط بالسفر الشرعي فإن سافر ليلا فقد تخلص، و إن أجل سفره إلى النهار وجب عليه أن ينوي الصيام و يمسك إلى حين خروجه من بلده و تجاوزه لحد الترخص بالمعنى المتقدم في الفقرة (20) و قد تقول إذن قد وقع فيما كان يخشاه و هو صيام ذلك اليوم الذي يظن بأنه يوم العيد و صيام يوم العيد حرام؟
و الجواب:- إن الحرام هو صيام نهار يوم العيد بكامله و أما صيام جزء منه فلا يحرم.
الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ص: 635‌
الصّيام‌
الصيام في غير شهر رمضان‌
________________________________________
صدر، شهيد، سيد محمد باقر، الفتاوى الواضحة وفقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، در يك جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، هشتم، 1403 ه‍ ق