بسم الله الرحمن الرحیم

جایگاه علم اصول

القواعد الفقهیة و الاصولیة
موضوع علم اصول




هدایه الابرار شیخ حسین کرکی، ج 1، ص 232

(الباب السابع) (فى الكلام على علم الأصول)

قد عرفت مما تقدم أن أصحاب الأيمة (ع) و من تبعهم لم يكونوا يأخذون أصول دينهم و فروعه إلا عنهم (عليهم السلام)، (و كانوا يتلقون الأصول- ع-) [1] بطريق يوجب لهم القطع بها إما من اقترانها بالمنبهات على ضرورياتها، و الأدلة القاطعة على نظرياتها أو من اشراق الأنوار الالهية على قلوبهم بسبب إخلاصهم فى طلب الحق بحيث تندفع عنهم ظلم الشكوك و الشبهات و نظير النظريات ضرورية لهم ببركة الايمة (ع) و التسليم لهم.

و من تتبع كلامهم (ع) خصوصا «نهج البلاغة» و «أصول الكافى» و «كتاب التوحيد- للصدوق»، و أخلص النية في التوسل بهم؛ لادراك الهداية و طلب الحق للحق كما هو الحق؛ أدرك من ذلك ما يظهر له صدق ما قلناه، و انطبع في مرأة عقله، و انتقش في لوح بصيرته من المعارف الالهية ما لا يكدره الخواطر الوهمية و لا تمحوه الشبهة الخالية (وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ) [2].

و أما الفروع فكانوا يأخذونها عنهم (ع) على طريق التسليم، و ربما سألوهم عن وجه الحكمة فيها فبينوه لمن له اهلية ذلك، و منعوا من عرفوا منه التعنت أو الشك أو عدم الفهم لانهم خاطبوا كلا بما يليق بحاله

[1]- ما بين القوسين لا يوجد فى (ه).

[2]- سورة النور. آية/ 40.

 

ص 233

و يحتمله عقله، و كانوا ينهون أصحابهم عامة عن العمل «بالرأي و القياس و الاجتهاد» فيما ليس فيه نص، و يأمرونهم بالوقوف عند ما لا يعلمون حكمه و الرد إليهم و سؤالهم عنه.

إلى أن وقعت «الغيبة الصغرى» فأمرهم صاحب الأمر (عليه السلام) بالرجوع إلى رواة أحاديثهم، و أخذ الأحكام عنهم كما نطق به «التوقيع الأشرف» الذي تقدم ذكره، و لم يكن للشيعة في «أصول الفقه» تأليف لعدم احتياجهم إليه؛ لوجود كل ما لا بدّ لهم منه من ضروريات الدين و نظرياته في «الأصول» المنقولة عن أيمة الهدى (ع).

إلى أن جاء ابن الجنيد فنظر فى «أصول العامة و فروعهم» و ألّف الكتب على ذلك المنوال حتى أنه عمل «بالقياس» فلذلك أعرض القدماء عن كتبه.

و لما وصلت النوبة إلى الشيخ المفيد و السيد المرتضى و الشيخ، و أكثروا البحث مع العامة و استدلوا على إثبات بعض «أصول المذهب و فروعه» بالأدلة العقلية الجدليّة الموافقة لطريق العامة؛ لان مرادهم إبطال الباطل و إحقاق الحق بما يعترف به الخصم و إن كان في نفسه باطلا فمهما ظننت فلا تظن بقدمائنا أنهم خرجوا عن طريق أصحاب الأيمة، أو تركوا الحديث و عملوا بغيره.

فان قلت: إن كثيرا من فتاوى الشيخين و المرتضى لا يوافق الحديث فلا بد أن يكون عملهم فيها «بالاجتهاد».

قلت: الأحاديث التي كانت عندهم لم تصل إلينا كلها، فربما اطلعوا على ما لم يطلع عليه فعملوا به مع أن ما ليس له مأخذ من أحاديثنا الموجودة في فتاوى المفيد و المرتضى؛ لا يكاد يوجد، و أما الشيخ فقد نص في أواخر

 

ص 234

«الاستبصار» على أن كل ما في «النهاية» مأخوذ من الحديث، و أما «المبسوط» فحيث أنه لخصه من كتب العامة و رجّح ما اختاره من فتاواهم، فربما أرجع بعض الفروع الغريبة فيه إلى الكتاب و السنة على وجه بعيد فيظن أنه عمل فيه «بالاجتهاد» لا بالنص؛ و ليس كذلك فانه لم يخرج عن طريق القدماء؛ لكن لكثرة ارتكابه للوجوه البعيدة المتكلفة؛ ظن المتأخرون أنه منهم و ليس كذلك؛ بل كان قصده دفع تشنيع المخالفين بكل ما يمكنه، و المعصوم من عصمه اللّه، إذا عرفت هذا:

فاعلم أن «علم الاصول» ملفق من علوم عدة، و مسائل متفرقة بعضها حق و بعضها باطل وضعه العامة لقلة السنن الدالة على الاحكام عندهم، و بنوا عليه استنباط المسائل الشرعية النظرية، و لم يقع في علم من العلوم ما وقع فيه من الخبط و الخلاف، الذي أكثره أشبه شيء بالهذيان، يعلم ذلك من تتبع أقوال قدماء «الاصوليين» و نحن نذكر مقاصده و ما فيها من الاختلاف، مجردا عن الادلة إلا نادرا ليظهر لك أن اختلاف هؤلاء مع قوة أفهامهم يقتضي عدم الاعتماد في أمور الدين إلا على ما ورد عن الايمة الطاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين)،

 

***************

                        الرافد في علم الأصول، ص: 9
المبحث الأول علم الأصول عند المدرسة الإمامية
اختلفت المدرستان- مدرسة المحدثين و مدرسة الأصوليّين- في قيمة علم الأصول عند علماء الإمامية و مدى اهتمامهم به على مدى التاريخ الفقهي، و نحن لا نريد الخوض في هذا البحث بتمام فصوله، لعدم ارتباطه بهدفنا و هو تقديم أطروحتنا العامة في علم الأصول، و لكن من باب التمهيد للدخول في صميم البحوث الأصولية نستعرض بعض الجوانب المفيدة في تجلية واقع علم الأصول و أهميته التاريخية و الفعلية بالنسبة للفقيه،
 [عبارات من كتاب هداية الأبرار للكركي نقلا عن القطيفي و تحليلها]
و نبدأ ذلك بعرض عبارات من كتاب هداية الأبرار للكركي نقلا عن القطيفي «1»- أحد مشايخ صاحب الوسائل- قال: «فأعلم أن علم الأصول ملفق من علوم عدة و مسائل متفرقة بعضها حق و بعضها باطل، وضعه العامة لقلة السنن عندهم الدالة على الأحكام»، و قال:
 «و لم يكن للشيعة في أصول الفقه تأليف لعدم احتياجهم إليه، لوجود كل ما لا بد منه من ضروريات الدين و نظرياته في الأصول المنقولة عن أئمة الهدى، إلى أن جاء ابن الجنيد فنظر في أصول العامة و أخذ عنهم و ألّف الكتب على ذلك المنوال حتى أنه عمل بالقياس». و هذا الكلام ينحل لثلاث دعاوى:
1- إنكار استقلالية علم الأصول، بل هو بنظره مجموعة من المسائل الملفقة.
2- إن الواضع الأول لعلم الأصول هم العامة، و أول من ألّف فيه من‏
__________________________________________________
 (1) هداية الابرار 233 و 234.

                        الرافد في علم الأصول، ص: 10
الشيعة ابن الجنيد حتى أنه عمل بالقياس.
3- الاستغناء عن علم الأصول، لوجود ضروريات الدين و نظرياته في أحاديث الأئمة عليهم السلام.
الدعوى الأولى و نقاشها:
من الواضح أن كثيرا من المسائل المطروحة في علم الأصول لا مناسبة بينها و بين علم آخر، فبحث تعارض الأدلة الشرعية و طرق علاجه، و بحوث حجية الطرق و الأمارات كخبر الواحد و الشهرة و الإجماع، و بحث الظن الانسدادي، و موارد الأصول اللفظية كبحث تعارض العام و الخاص و المطلق و المقيد و الناسخ و المنسوخ، كل هذه البحوث لا علاقة لها بعلم اللغة و لا بعلم الفقه و لا بعلم الرجال و لا غيرها من العلوم، لأنها تتعلق بحجية الدليل الفقهي الذي هو مناط أصولية المسألة، فالمناسب لها هو علم الأصول. و مجرد وجود بعض المسائل اللغوية في علم الأصول كبحث الوضع و الاستعمال و علامات الحقيقة و المجاز مما ذكر تمهيدا لبعض البحوث الأصولية، و كذلك بعض البحوث الكلامية و الفلسفية كبحث اتحاد الطلب و الإرادة و بحث اعتبارات الماهية في المطلق و المقيد مما ذكر تمهيدا لبعض البحوث الأصولية أو استطرادا، فهذه لا تخرج تلك المسائل السابقة عن كونها مسائل أصولية و كون العلم المشتمل عليها علما مستقلا برأسه، ما دام مناط المسألة الأصولية موجودا فيها كما سيأتي تحقيقه.
الدعوى الثانية و جوابها:
و نذكر هنا أمرين:
1- إن أول مؤلّف لمدرسة أهل السنة في علم الأصول هو رسالة الشافعي، و في تلك الفترة كتب الشيعة رسائل مختلفة في علم الأصول أيضا، فقد كتب ابن أبي عمير- المتوفى عام 217 ه- و يونس بن عبد الرحمن- المتوفى عام 208 ه- في علاج الحديثين المختلفين، و كتبا أيضا في العام و الخاص‏

                        الرافد في علم الأصول، ص: 11
و الناسخ و المنسوخ كما يلاحظ عند مراجعة تراجمهم في كتب الرجال، و ليس الشافعي أقدم منهما زمانا، فقد ولد عام 150 ه بعد وفاة الصادق عليه السلام بينما يونس بن عبد الرحمن أدرك الصادق عليه السلام و توفي الشافعي عام 502 ه مقاربا لوقت وفاة يونس بن عبد الرحمن، فلم يثبت أن الواضع الأول لعلم الأصول هو مدرسة أهل السنة، بل الشيعة كتبت في علم الأصول في نفس الفترة الزمنية لولادته عند أهل السنة، ثم جاء أبو سهل النوبختي و كتب رسالتين: احداهما في بطلان القياس و العمل بخبر الواحد، و الأخرى في مناقشة رسالة الشافعي، ثم توسع علم الأصول على يد ابن الجنيد و المفيد و المرتضى في الذريعة و الطوسي في العدة، و بذلك يتبين لنا أيضا عدم كون ابن الجنيد هو أول مؤلف شيعي في علم الأصول.
2- إن نسبة العمل بالقياس لابن الجنيد وردت في عدة كتب و لكننا نحتمل أن تكون النسبة في غير محلها بمقتضى تتبعنا لاستعمال كلمة القياس، فلعل المراد بهذه الكلمة هو ما نعبر عنه بالموافقة الروحية للكتاب و السنة.
بيان ذلك: إن معظم الأصوليين المتأخرين فسروا الأحاديث الآمرة بعرض الخبر على الكتاب و السنة نحو: «ما وافق كتاب اللّه فخذوه و ما خالف فذروه» «1» بالموافقة و المخالفة النصية، بمعنى أن يعرض الخبر على آية قرآنية معينة فإن كانت النسبة بينهما هي التباين أو العموم من وجه طرح الخبر، و إن كانت النسبة هي التساوي أو العموم المطلق أخذ، و لكننا نفهم أن المراد بالموافقة الموافقة الروحية أي توافق مضمون الحديث مع الأصول الإسلامية العامة المستفادة من الكتاب و السنة، فإذا كان الخبر مثلا ظاهره الجبر فهو مرفوض لمخالفته قاعدة الأمر بين الأمرين المستفادة من الكتاب و السنة بدون‏
__________________________________________________
 (1) البحار 2: 235/ 20، الوسائل 27: 118/ 33362.

                        الرافد في علم الأصول، ص: 12
مقارنته مع آية معينة، و هذا المفهوم الذي نطرحه هو الذي يعبر عنه علماء الحديث المتأخرون بالنقد الداخلي للخبر، أي مقارنة مضمونه مع الأصول العامة و الأهداف الإسلامية، و هو المعبر عنه في النصوص بالقياس، نحو:
 «فقسه على كتاب اللّه» «1»، إذن فمن المحتمل كون المراد من عمل ابن الجنيد بالقياس هو كونه من المدرسة المتشددة في قبول الحديث التي تلتزم بنظرية النقد الداخلي للحديث و الموافقة الروحية فيه للكتاب و السنة، في مقابل مدرسة المحدثين التي تعتقد بقطعية صدور أكثر الأحاديث دون مقارنتها مع الأصول الإسلامية، و مما يؤيد ما ذكرناه نسبة العمل بالقياس لأعاظم الإمامية كما في رجال السيد بحر العلوم «2»، قال: «فقد ذكر السيد المرتضى في رسالة له في أخبار الآحاد أنه قد كان في رواتنا و نقلة أحاديثنا من يقول بالقياس، كالفضل بن شاذان و يونس بن عبد الرحمن و جماعة معروفين». و قال في كشف القناع «3»:
 «و حكى- الصدوق- في مواضع متفرقة عن جماعة من أساطينهم العمل بالقياس، و فيهم من الأوائل مثل زرارة بن أعين و جميل بن دراج و عبد اللّه بن بكير». و لا يتصور في حق هؤلاء الأعاظم العمل بالقياس الفقهي مما يشير إلى أن المقصود بالقياس هو التشدد في قبول الحديث بالعمل بنظرية النقد الداخلي، و يؤيده ما حكاه المحقق «4» في المعارج، قال: «المسألة السادسة: قال شيخنا المفيد: خبر الواحد القاطع للعذر هو الذي يقرن بدليل يفضي بالنظر فيه إلى العلم، و ربما يكون ذلك إجماعا أو شاهدا من عقل أو حاكما من قياس».
__________________________________________________
 (1) الوسائل 27: 123/ 33381، البحار 2: 244/ 52.
 (2) رجال السيد بحر العلوم 3: 215.
 (3) كشف القناع: 83.
 (4) معارج الاصول: 187.

                        الرافد في علم الأصول، ص: 13
الدعوى الثالثة و جوابها:
و نقدم هنا ملاحظتين:
أ- إن وجود القواعد الشرعية في روايات أهل بيت العصمة عليهم السلام لا يلغي علم الأصول، فإن استفادة القاعدة و الحكم من الحديث يتوقف على عدة عناصر أصولية، منها تحقيق الظهور من خلال مباحث الألفاظ المطروحة في علم الأصول كالبحث في الأوامر و النواهي و المفاهيم و العام و الخاص و المطلق و المقيد، و منها الاعتراف بكبرى حجية الظهور، و منها الاعتراف بحجية خبر الثقة، و منها إجراء قواعد التعارض لو كان للنص معارض، و هذه العناصر كلها مدونة في علم واحد هو علم الأصول، فمجرد وجود القواعد و الأحكام في النصوص المعصومية لا يلغي الحاجة لعلم الأصول.
ب- إن وجود القواعد الأصولية نفسها في النصوص و الروايات، كالروايات الدالة على حجية خبر الثقة، و عدم حجية القياس، و حجية أصالة البراءة و الاستصحاب، و قواعد التعارض، لا يلغي قيمة علم الأصول بل يؤكد لنا انبثاق هذا العلم من منبعه الصافي و هم أهل البيت عليهم السلام لا من المدارس الأخرى كما ذكر بعض المحدثين. فوجود هذه المسائل الأصولية في النصوص كوجود بعض البحوث الأصولية في ضمن البحوث الفقهية، نحو ما ذكره الكليني في الكافي في كتاب الطلاق عن الفضل بن شاذان أنه استدل على بطلان بعض صور الطلاق بأن النهي يقتضي الفساد «1»، و هي قاعدة أصولية، كذلك ما صنعه صاحب الحدائق عند ما بحث حجية الإجماع ضمن حديثه عن صلاة الجمعة «2»، كل ذلك لا يلغي أهمية علم الأصول و استقلاليته عن غيره من‏
__________________________________________________
 (1) الكافي 6: 93/ 945.
 (2) الحدائق الناضرة 9: 361.
                       

الرافد في علم الأصول، ص: 14
العلوم، فإن ميزان المسألة الأصولية كونها باحثة عن حجية الدليل الفقهي، سواء ذكرت بصورة مستقلة، أم في ضمن كتب الحديث، أو ضمن كتب الفقه، و من طبيعة كل علم تكامله على نحو التدريج لا الدفعة الواحدة، كما في علم المنطق حيث ذكر الشيخ الرئيس في الشفاء بأن أرسطو ما وضع علم المنطق و إنما أكمل ما وصل إليه من هذا العلم «1» فكون بعض مسائل علم الأصول كانت متفرقة في علوم أخرى ثم اجتمعت بصورة تدريجية لاشتراكها في هدف واحد تحت علم واحد يسمى بعلم الأصول لا يضر بأهمية العلم و استقلاليته.
__________________________________________________



















فایل قبلی که این فایل در ارتباط با آن توسط حسن خ ایجاد شده است