تاریخ الفلسفة الیونانیة، ص 302
الفصل الثامن شراح أرسطو 132 - اسكندر الأفروديسي: أ - ولد في أفروديسيا من أعمال آسيا الصغرى. و تفقه في الفلسفة على أساتذة أرسطوطاليين، أشهرهم أرسطوقليس. و فيما بين سنتي 198 و 211 علّم الأرسطوطالية في أثينا، فكان اكبر شراح أرسطو أثرا و أبعدهم صيتا، حتى لقبه خلفاؤه بأرسطو الثاني. قصد في شروحه الى تفسير آراء أرسطو و تبريرها امام المدارس الاخرى، و بخاصة الرواقية. و لكنه في الواقع انحرف عن أرسطو في مواضع هامة، أخصها متصل بمسائل النفس و العقل. ضاع شرحه على كتاب النفس لأرسطو، و بقي كتاب له في النفس هو الذي استخرج منه اسحق بن حنين رسالة (العقل و المعقول) التي كانت أصلا نسج عليه الفلاسفة الاسلاميون نظرياتهم في العقل. ب - في هذه الرسالة يميز الاسكندر اربعة عقول: احدها العقل الهيولاني، و يقول انه يدعوه كذلك لانه بالقوة كالهيولي، و عقل بالملكة هو العقل الهيولاني و قد حصل على موضوع معقول و لكنه لا يتعقله بالفعل، و العقل الفعال الذي يجرد موضوعات الاحساس من مشخصاتها المادية بفعل نوراني، و يجعلها معقولة، فيخرج العقل الهيولاني من القوة الى الفعل: و في هذا التمييز يعبر الاسكندر بأسماء واضحة عما يقوله أرسطو بألفاظ غير واضحة، و أخيرا يسمى العقل الفعال من جهة اخراجه العقل الهيولاني الى الفعل، بالعقل المستفاد، أو أن العقل المستفاد عبارة عن حال اتصال العقل الهيولاني بالعقل الفعال. ج - الى هنا لا نرى بأسا في الاسماء و مدلولاتها. و لكن الاسكندر يشرح مذهب أرسطو في النفس و العقل كما يأتي: النفس صورة الجسم، و ليس للصورة و الهيولي في المركب وجود خاص أو مفارق، و جميع وظائف النفس مرتبطة بتغيرات عضوية، فالنفس شيء من الجسم، و على ذلك فالعقل الهيولاني فاسد بفساد الجسم، اما العقل الفعال، فلما كان هو الذي يجعل صور الماديات معقولة، فيجب أن يكون معقولا، فهو مفارق و ليس جزءا من النفس، و لكنه يفعل في النفس من خارج، هو اللّه العلة الاولى. (انظر 69 ب د ه و).
الحکمة المتعالیة، ج 3، ص 428-433
فصل (25) في بيان معاني العقل التي نقلها الإسكندر الأفريدوسي على رأي فيلسوف الأول أرسطاطاليس قال في تلك الرسالة
العقل عند أرسطاطاليس على ثلاثة أضرب:
أحدها العقل الهيولاني و قولي هيولاني أعني به شيئا ما موضوعا ممكنا أن يصير شيئا مشارا إليه بوجود صورة ما فيه و لكن إذا كان وجود الهيولى إنما هو في ذاته يمكن أن يصير كلا من طريق الإمكان نفسه كذلك أيضا ما بالقوة نفسه فهو من جهة ما هو كذلك فهو هيولاني فإن العقل أيضا الذي لم يعقل إلا أنه يمكن أن يعقل فهو هيولاني و قوة النفس التي هي هكذا هي عقل هيولاني و ليس هو واحدا من الموجودات بالفعل - إلا أنه قد يمكن فيه أن يصير متصورا للأشياء الموجودة كلها و لا ينبغي المدرك الكل أن يكون بالفعل بطبيعته التي تخصه أن يكون واحدا من المدركات لأنه لو كان كذلك لكان عند إدراكه الأشياء التي من خارج تستعوقه صورته التي تخصه عن تصور الأشياء فإن الحواس أيضا لا تدرك الأشياء التي وجودها إنما هو فيها و كذلك البصر إذ هو مدرك الألوان فإن الآلة التي هو فيها و بها هذا الإدراك - لا لون لها خاص و المشم من الهواء هكذا ليست له رائحة و به يدرك الأرائيح و اللمس لا يحس بما هو مثله في الحرارة و البرودة أو اللين و الخشونة و ذلك لأنه ما كان يمكن إذا كان جسما لا يكون له هذه الأضداد لأن كل جسم طبيعي متكون فهو ملموس و كما لا يمكن في الحواس أن يدرك الحس شيئا هو له و لا أن يميزه كذلك إذا كان للعقل درك ما و تميز ما للمعقولات فليس يمكن أن يكون واحدا من الأشياء التي هو يميزها لكنه مدرك للكل إذا كان يمكن أن يعقل الكل فليس هو إذن واحدا من الموجودات بالفعل و لكنه بالقوة كلها فإن هذا هو معنى أنه عقل هيولاني فإن الحواس و إن كانت إنما تكون بأجسام فليست من الأشياء التي تدركها و لكنها أشياء أخر غيرها بالفعل فإن إدراك الحواس إنما هو قوة لجسم ما ينفعل و لذلك ليس حس مدركا لكل محسوس لأن الحس أيضا هو شيء ما بالفعل فأما العقل فليس يدرك الأشياء بجسم و لا هو قوة لجسم ما و لا ينفعل فليس هو البتة شيئا من الموجودات بالفعل و لا هو شيئا مشارا إليه بل إنما هو قوة ما قابلة للصور و المعقولات هذا إذا استكمل هذه النفس فهذا هو العقل الهيولاني و هو في جميع من له النفس التامة أعني الناس.
للعقل ضرب آخر و هو الذي قد صار يعقل و له ملكة أن يعقل
و قادر أن يأخذ صور المعقولات بقوته في نفسه و قياسه قياس الذين فيهم ملكة الصناعات القادرين بأنفسهم على أن يعملوا أعمالهم فإن الأول ما كان شبيها بهؤلاء بل الذين فيهم قوة يفعلون بها الصناعة حتى يصيروا صناعا و هذا العقل من بعد أن صارت لذلك العقل ملكة و استفاد أن يعقل و أن يفعل فإنما يكون في الذين قد استكملوا صاروا أن يعقلوا فهذا هو العقل الثاني
و أما العقل الثالث و هو غير الاثنين الموصوفين فهو العقل الفعال
و هو الذي به يصير الهيولاني ملكة و قياس هذا الفاعل كما يقول أرسطو قياس الضوء لأنه كما أن الضوء هو علة للألوان المبصرة بالقوة في أن يصير بالفعل - كذلك هذا العقل يجعل العقل الهيولاني الذي بالقوة عقلا بالفعل بأن يثبت فيه ملكة التصور العقلي و هذا هو بطبيعته معقول و هو بالفعل هكذا لأنه فاعل التصور العقلي و سائق العقل الهيولاني إلى العقل بالفعل كذلك هو أيضا عقل لأن الصور الهيولانية إنما تصير معقولة بالفعل إذا كانت بالقوة معقولة - و ذلك أن العقل يفردها من الهيولاني التي معها وجودها بالفعل فيجعلها هو معقولة - و حينئذ إذا عقلت كل واحدة منها فإنها تصير بالفعل معقولا و عقلا و لم يكن من قبل و لا في طبيعتها هكذا لأن العقل بالفعل ليس هو شيئا غير الصورة المعقولة فكذلك كل واحدة الأجزاء الإلهية و يركب و يحلل فيكون هو خالق العقل الهيولاني أيضا و إما أن يكون يعقل ذلك بمكافئة الحركة المنتظمة الأجرام السماوية لأن بها يكون ما هاهنا بقربها و بعدها و لا سيما الشمس و إما أن يكون بهذين و بحركة الأجرام السماوية تكون الطبيعة و تكون الطبيعة هي تدبر الأشياء مع العقل و أظن أنه يضاد ذلك أن العقل و هو الإلهي يوجد في الأشياء التي في غاية الخساسة كما ظن أصحاب المظلمة و أن بالجملة فيما هاهنا عقلا أو عناية يتقدم في المصالح لأن العناية التي هاهنا إنما ترجع إلى الأجسام الإلهية و أنه ليس إلينا أن نعقل و لا هو فعل لنا و لكن مع تكوننا يكون فينا بالطبع قوام العقل الذي بالقوة الأولى و فعل العقل الذي من خارج به و ليس ما صار في شيء من جهة أنه يعقل فقد بدل مكانا دون مكان لأن صور المحسوسات إذا نحن أحسسناها فليس هي في الحواس على أنها تصير مواضع لها و إنما يقال في العقل الذي من خارج أنه مفارق و هو يفارقنا لا على أنه ينتقل و يبدل الأماكن و لكنه يبقى مفارقا قائما بنفسه بلا هيولى و مفارقته إيانا بأنه لا يعقل و لا يكتسب لأنه كذلك كان لما صار فينا انتهت الرسالة و الغرض في نقلها زيادة التحقيق و التأكيد للقول باتحاد النفس بالعقل الفعال و بالمعقولات - و لكون المطلب في غاية الغموض و الدقة مما يحتاج إلى زيادة بسط و تفصيل و لعل السالكين المستعدين يجدون إلى نيل الوصول إليه سبيلامن هذه التي ليست معقولة على الإطلاق إذا عقلت صارت عقلا لأنه كما أن العلم الذي بالفعل إنما هو بالمعلوم الذي بالفعل و المعلوم الذي هو بالفعل إنما هو الكل و هذا العقل إما أن يكون هو وحده يدبرها هاهنا بردها إلى الأجزاء الإلهية و يركب و يحلل فيكون هو خالق العقل الهيولاني أيضا و إما أن يكون يعقل ذلك بمكافئة الحركة المنتظمة الأجرام السماوية لأن بها يكون ما هاهنا بقربها و بعدها و لا سيما الشمس و إما أن يكون بهذين و بحركة الأجرام السماوية تكون الطبيعة و تكون الطبيعة هي تدبر الأشياء مع العقل و أظن أنه يضاد ذلك أن العقل و هو الإلهي يوجد في الأشياء التي في غاية الخساسة كما ظن أصحاب المظلمة و أن بالجملة فيما هاهنا عقلا أو عناية يتقدم في المصالح لأن العناية التي هاهنا إنما ترجع إلى الأجسام الإلهية و أنه ليس إلينا أن نعقل و لا هو فعل لنا و لكن مع تكوننا يكون فينا بالطبع قوام العقل الذي بالقوة الأولى و فعل العقل الذي من خارج به و ليس ما صار في شيء من جهة أنه يعقل فقد بدل مكانا دون مكان لأن صور المحسوسات إذا نحن أحسسناها فليس هي في الحواس على أنها تصير مواضع لها و إنما يقال في العقل الذي من خارج أنه مفارق و هو يفارقنا لا على أنه ينتقل و يبدل الأماكن و لكنه يبقى مفارقا قائما بنفسه بلا هيولى و مفارقته إيانا بأنه لا يعقل و لا يكتسب لأنه كذلك كان لما صار فينا انتهت الرسالة و الغرض في نقلها زيادة التحقيق و التأكيد للقول باتحاد النفس بالعقل الفعال و بالمعقولات - و لكون المطلب في غاية الغموض و الدقة مما يحتاج إلى زيادة بسط و تفصيل و لعل السالكين المستعدين يجدون إلى نيل الوصول إليه سبيلا
نهایة الحکمة، ص 248-249
الفصل السادس في مراتب العقل ذكروا أن مراتب العقل أربع :
إحداها العقل الهيولاني و هي مرتبة - كون النفس خالية عن جميع المعقولات و تسمى العقل الهيولاني لشباهته الهيولى الأولى في خلوها عن جميع الفعليات .
و ثانيتها العقل بالملكة و هي مرتبة تعقلها للبديهيات من تصور أو تصديق .فإن العلوم البديهية أقدم العلوم لتوقف العلوم النظرية عليها
و ثالثتها العقل بالفعل و هي مرتبة تعقلها للنظريات باستنتاجها من البديهيات .
و رابعتها تعقلها لجميع ما حصلته من المعقولات البديهية أو النظرية المطابقة لحقائق العالم العلوي و السفلي باستحضارها الجميع و توجهها إليها من غير شاغل مادي فتكون عالما علميا مضاهيا للعالم العيني و تسمى العقل المستفاد