فهرست مباحث علوم قرآنی

متن فتح الباری-سبعة أحرف-ابن حجر

متن مقدمه تفسير طبري
سبعة احرف در فضائل القرآن ابوعبید قاسم بن سلام
تلاش طحاوی در مشکل الآثار که مورد علمای اهل سنت شده است


مجلة جامعة أم القرى (8/ 31)
مصادر الحافظ ابن حجر وآراؤه
في مسائل القراءات من خلال كتابه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري)
د. يحيى بن محمد حسن زمزمي
الأستاذ المساعد في قسم القراءات - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى



http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



الكتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري
المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي
الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379
رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي
قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب
عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عدد الأجزاء: 13
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]


(قوله باب أنزل القرآن على سبعة أحرف)
أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة

فإن قيل فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التسهيل والتيسير ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعين في العشرات والسبعمائة في المئين ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه

وذكر القرطبي عن بن حبان أنه بلغ الاختلاف في معنى الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة وقال المنذري أكثرها غير مختار ولم أقف على كلام بن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه من صحيحه

وسأذكر ما انتهى إلي من أقوال العلماء في ذلك مع بيان المقبول منها والمردود إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب

ثم ذكر المصنف في الباب حديثين:

أحدهما حديث بن عباس

[4991] قوله حدثنا سعيد بن عفير بالمهملة والهاء مصغر بن كثير بن
(9/23)




************
عفير ينسب إلى جده وهو من حفاظ المصريين وثقاتهم

قوله أن بن عباس رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا مما لم يصرح بن عباس بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه سمعه من أبي بن كعب فقد أخرج النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن أبي بن كعب نحوه والحديث مشهور عن أبي أخرجه مسلم وغيره من حديثه كما سأذكره

قوله أقرأني جبريل على حرف في أول حديث النسائي عن أبي بن كعب أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة فبينما أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها يخالف قراءتي الحديث ولمسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمر هما فقرآ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما قال فسقط في نفسي ولا إذ كنت في الجاهلية فضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف الحديث وعند الطبري في هذا الحديث فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي فضرب في صدري وقال اللهم اخسأ عنه الشيطان وعند الطبري من وجه آخر عن أبي أن ذلك وقع بينه وبين بن مسعود وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاكما محسن قال أبي فقلت ما كلانا أحسن ولا أجمل قال فضرب في صدري الحديث وبين مسلم من وجه آخر عن أبي ليلى عن أبي المكان الذي نزل فيه ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف الحديث وبين الطبري من هذه الطريق أن السورة المذكورة سورة النحل قوله فراجعته في رواية مسلم عن أبي فرددت إليه أن هون على أمتي وفي رواية له إن أمتي لا تطيق ذلك ولأبي داود من وجه آخر عن أبي فقال لي الملك الذي معي قل على حرفين حتى بلغت سبعة أحرف وفي رواية للنسائي من طريق أنس عن أبي بن كعب أن جبريل وميكائيل أتياني فقال جبريل اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده ولأحمد من حديث أبي بكرة نحوه قوله فلم أزل أستزيده ويزيدني في حديث أبي ثم أتاه الثانية فقال على حرفين ثم أتاه الثالثة فقال على ثلاثة أحرف ثم جاءه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا وفي رواية للطبري على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة وفي أخرى له من قرأحرفا منها فهو كما قرأوفي رواية أبي داود ثم قال ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب وللترمذي من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط الحديث وفي حديث أبي بكرة عند أحمد كلها كاف شاف كقولك هلم وتعال ما لم تختم الحديث

وهذه الأحاديث تقوي أن المراد بالأحرف اللغات أو القراءات أي أنزل القرآن على سبع لغات أو قراءات والأحرف جمع حرف مثل فلس وأفلس فعلى الأول يكون المعنى على سبعة أوجه من اللغات لأن أحد معاني الحرف في اللغة الوجه كقوله تعال ومن الناس من يعبد الله على حرف وعلى الثاني يكون المراد من إطلاق الحرف على الكلمة مجازا لكونه بعضها

الحديث الثاني

[4992] قوله أن المسور بن مخرمة أي بن نوفل الزهري كذا رواه عقيل ويونس وشعيب وبن أخي الزهري عن الزهري واقتصر مالك عنه على عروة فلم يذكر المسور في إسناده واقتصر عبد
(9/24)




************
الأعلى عن معمر عن الزهري فيما أخرجه النسائي عن المسور بن مخرمة فلم يذكر عبد الرحمن وذكره عبد الرزاق عن معمر أخرجه الترمذي وأخرجه مسلم من طريقه لكن أحال به قال كرواية يونس وكأنه أخرجه من طريق بن وهب عن يونس فذكرهما وذكره المصنف في المحاربة عن الليث عن يونس تعليقا قوله وعبد الرحمن بن عبد هو بالتنوين غير مضاف لشيء قوله القارىء بتشديد الياء التحتانية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة والقارة لقب واسمه أثيع بالمثلثة مصغر بن مليح بالتصغير وآخره مهملة بن الهون بضم الهاء بن خزيمة وقيل بل القارة هو الديش بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها معجمة من ذرية أثيع المذكور وليس هو منسوبا إلى القراءة وكانوا قد حالفوا بني زهرة وسكنوا معهم بالمدينة بعد الإسلام وكان عبد الرحمن من كبار التابعين وقد ذكر في الصحابة لكونه أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير أخرج ذلك البغوي في مسند الصحابة بإسناد لا بأس به ومات سنة ثمان وثمانين في قول الأكثر وقيل سنة ثمانين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وقد ذكره في الأشخاص وله عنده حديث آخر عن عمر في الصيام قوله سمعت هشام بن حكيم أي بن حزام الأسدي له ولأبيه صحبة وكان إسلامهما يوم الفتح وكان لهشام فضل ومات قبل أبيه وليس له في البخاري رواية وأخرج له مسلم حديثا واحدا مرفوعا من رواية عروة عنه وهذا يدل على أنه تأخر إلى خلافة عثمان وعلي ووهم من زعم أنه استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر وأخرج بن سعد عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري كان هشام بن حكيم يأمر بالمعروف فكان عمر يقول إذا بلغه الشيء أما ما عشت أنا وهشام فلا يكون ذلك قوله يقرأ سورة الفرقان كذا للجميع وكذا في سائر طرق الحديث في المسانيد والجوامع وذكر بعض الشراح أنه وقع عند الخطيب في المبهمات سورة الأحزاب بدل الفرقان وهو غلط من النسخة التي وقف عليها فإن الذي في كتاب الخطيب الفرقان كما في رواية غيره قوله فكدت أساوره بالسين المهملة أي آخذ برأسه قاله الجرجاني وقال غيره أواثبه وهو أشبه قال النابغة فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع أي واثبتني وفي بانت سعاد إذا يساور قرنا لا يحل له أن يترك القرن إلا وهو مخذول ووقع عند الكشميهني والقابسي في رواية شعيب الآتية بعد أبواب أثاوره بالمثلثة عوض المهملة قال عياض والمعروف الأول قلت لكن معناها أيضا صحيح ووقع في رواية مالك أن أعجل عليه قوله فتصبرت في رواية مالك ثم أمهلته حتى انصرف أي من الصلاة لقوله في هذه الرواية حتى سلم قوله فلببته بردائه بفتح اللام وموحدتين الأولى مشددة والثانية ساكنة أي جمعت عليه ثيابه عند لبته لئلا يتفلت مني وكان عمر شديدا في الأمر بالمعروف وفعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشاما خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال له أرسله قوله كذبت فيه إطلاق ذلك على غلبة الظن أو المراد بقوله كذبت أي أخطأت لأن أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ قوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها هذا قاله عمر استدلالا على ما ذهب إليه من تخطئة هشام وإنما ساغ له ذلك لرسوخ قدمه في الإسلام وسابقته بخلاف
(9/25)




************
هشام فإنه كان قريب العهد بالإسلام فخشي عمر من ذلك أن لا يكون أتقن القراءة بخلاف نفسه فإنه كان قد أتقن ما سمع وكان سبب اختلاف قراءتهما أن عمر حفظ هذه السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قديما ثم لم يسمع ما نزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده ولأن هشاما من مسلمة الفتح فكان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه على ما نزل أخيرا فنشأ اختلافهما من ذلك ومبادرة عمر للإنكار محمولة على أنه لم يكن سمع حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إلا في هذه الوقعة قوله فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لما لببه بردائه صار يجره به فلهذا صار قائدا له ولولا ذلك لكان يسوقه ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما وصلا إليه أرسله

قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف هذا أورده النبي صلى الله عليه وسلم تطمينا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين وقد وقع عند الطبري من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل فغير عليه عمر فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل ألم تقرئني يا رسول الله قال بلى قال فوقع في صدر عمر شيء عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه قال فضرب في صدره وقال أبعد شيطانا قالها ثلاثا ثم قال يا عمر القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذابا رحمة ومن طريق بن عمر سمع عمر رجلا يقرأ فذكره نحوه ولم يذكر نحوه ولم يذكر فوقع في صدر عمر لكن قال في آخره أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف ووقع لجماعة من الصحابة نظير ما وقع لعمر مع هشام منها لأبي بن كعب مع بن مسعود في سورة النحل كما تقدم ومنها ما أخرجه أحمد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو إنما هي كذا وكذا فذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا فيه إسناده حسن ولأحمد أيضا وأبي عبيد والطبري من حديث أبي جهم بن الصمة أن رجلين اختلفا في آية من القرآن كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث عمرو بن العاص وللطبري والطبراني عن زيد بن أرقم قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرأني بن مسعود سورة أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم فبقراءة أيهم آخذ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى إلى جنبه فقال علي ليقرأ كل إنسان منكم كما علم فإنه حسن جميل ولابن حبان والحاكم من حديث بن مسعود أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من آل حم فرحت إلى المسجد فقلت لرجل اقرأها فإذا هو يقرأ حروفا ما أقرؤها فقال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فتغير وجهه وقال إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ثم أسر إلى علي شيئا فقال علي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفا لا يقرؤها صاحبه وأصل هذا سيأتي في آخر حديث في كتاب فضائل القرآن

وقداختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغها أبو حاتم بن حبان إلى خمسة وثلاثين قولا وقال المنذري أكثرها غير مختار

قوله فاقرءوا ما تيسر منه أي من المنزل وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور وأنه للتيسير على القارئ

وهذا يقوي قول من قال المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ولو كان من لغة واحدة لأن لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما نبه على ذلك بن عبد البر ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالأحرف السبعة

وذهب أبو عبيد وآخرون إلى أن المراد اختلاف اللغات وهو اختيار بن عطية وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن بن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة
(9/26)




************
العجز من هوازن قال والعجز سعد بن بكر وجثم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن بن عباس قال نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة قيل وكيف ذاك قال لأن الدار واحدة يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم وقال أبو حاتم السجستاني نزل بلغة قريش وهذيل وتيم الرباب والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر واستنكره بن قتيبة واحتج بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه فعلى هذا فتكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي

وقال أبو عبيد ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم قال وبعض اللغات أسعد بها من بعض وأكثر نصيبا وقيل نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر نزل القرآن بلغة مضر وعين بعضهم فيما حكاه بن عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات

ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال أنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد كل ذلك مع اتفاق المعنى وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة كما تقدم وتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا منهم

قلت وتتمة ذلك أن يقال إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي أي إن كل أحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته بل المراعى في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ويشير إلى ذلك قول كل من عمر وهشام في حديث الباب أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم

لكن ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن مسموعا له ومن ثم أنكر عمر على بن مسعود قراءته حتى حين أي حتى حين وكتب إليه إن القرآن لم ينزل بلغة هذيل فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل وكان ذلك قبل أن يجمع عثمان الناس على قراءة واحدة

قال بن عبد البر بعد أن أخرجه من طريق أبي داود بسنده يحتمل أن يكون هذا من عمر على سبيل الاختيار لا أن الذي قرأ به بن مسعود لا يجوز قال وإذا أبيحت قراءته على سبعة أوجه أنزلت جاز الاختيار فيما أنزل

قال أبو شامة ويحتمل أن يكون مراد عمر ثم عثمان بقولهما نزلا بلسان قريش أن ذلك كان أول نزوله ثم إن الله تعالى سهله على الناس فجوز لهم أن يقرءوه على لغاتهم على أن لا يخرج ذلك عن لغات العرب لكونه بلسان عربي مبين فأما من أراد قراءته من غير العرب فالاختيار له أن يقرأه بلسان قريش لأنه الأولى وعلى هذا يحمل ما كتب به عمر إلى بن مسعود لأن جميع اللغات بالنسبة لغير العربي مستوية في التعبير فإذا لابد من واحدة فلتكن بلغة النبي صلى الله عليه وسلم وأما العربي المجبول على لغته فلو كلف قراءته بلغة قريش لعثر عليه التحول مع إباحة الله له أن يقرأه بلغته ويشير إلى هذا قوله في حديث أبي كما تقدم هون على أمتي وقوله إن أمتي لا تطيق ذلك وكأنه انتهى عند السبع لعلمه أنه لا تحتاج لفظة من ألفاظه إلى أكثر من ذلك العدد غالبا وليس المراد كما تقدم أن كل لفظة منه تقرأ على سبعة أوجه

قال بن عبد البر وهذا مجمع عليه بل هو غير ممكن بل لا يوجد في القرآن كلمة تقرأعلى سبعة أوجه إلا الشيء القليل مثل
(9/27)




************
عبد الطاغوت وقد أنكر بن قتيبة أن يكون في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه ورد عليه بن الأنباري بمثل عبد الطاغوت ولا تقل لهما أف وجبريل

ويدل على ما قرره أنه أنزل أولا بلسان قريش ثم سهل على الأمة أن يقرءوه بغير لسان قريش وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام فقد ثبت أن ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة كما تقدم في حديث أبي بن كعب أن جبريل لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أضاة بني غفار فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك الحديث أخرجه مسلم وأضاة بني غفار هي بفتح الهمزة والضاد المعجمة بغير همز وآخره تاء تأنيث هو مستنقع الماء كالغدير وجمعه أضاكعصا وقيل بالمد والهمزة مثل إناء وهو موضع بالمدينة النبوية ينسب إلى بني غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء لأنهم نزلوا عنده

وحاصل ما ذهب إليه هؤلاء أن معنى قوله أنزل القرآن على سبعة أحرف أي أنزل موسعا على القارئ أن يقرأه على سبعة أوجه أي يقرأ بأي حرف أراد منها على البدل من صاحبه كأنه قال أنزل على هذا الشرط أو على هذه التوسعة وذلك لتسهيل قراءته إذ لو أخذوا بأن يقرءوه على حرف واحد لشق عليهم كما تقدم

قال بن قتيبة في أول تفسير المشكل له كان من تيسير الله أن أمر نبيه أن يقرأ كل قوم بلغتهم فالهذلي يقرأ عني حين يريد حتى حين والأسدي يقرأ تعلمون بكسر أوله والتميمي يهمز والقرشي لا يهمز قال ولو أراد كل فريق منهم أن يزول عن لغته وما جرى عليه لسانه طفلا وناشئا وكهلا لشق عليه غاية المشقة فيسر عليهم ذلك بمنه ولو كان المراد أن كل كلمة منه تقرأ على سبعة أوجه لقال مثلا أنزل سبعة أحرف وإنما المراد أن يأتي في الكلمة وجه أو وجهان أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة

وقال بن عبد البر أنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى الأحرف اللغات لما تقدم من اختلاف هشام وعمر ولغتهما واحدة قالوا وإنما المعنى سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة نحو أقبل وتعال وهلم ثم ساق الأحاديث الماضية الدالة على ذلك

قلت ويمكن الجمع بين القولين بأن يكون المراد بالأحرف تغاير الألفاظ مع اتفاق المعنى مع انحصار ذلك في سبع لغات لكن لاختلاف القولين فائدة أخرى وهي ما نبه عليه أبو عمرو الداني أن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن كلها ولا موجودة فيه في ختمة واحدة ف إذا قرأ القارئ برواية واحدة فإنما قرأ ببعض الأحرف السبعة لا بكلها وهذا إنما يتأتى على القول بأن المراد بالأحرف اللغات وأما قول من يقول بالقول الآخر فيتأتى ذلك في ختمة واحدة بلا ريب بل يمكن على ذلك القول أن تصل الأوجه السبعة في بعض القرآن كما تقدم

وقد حمل بن قتيبة وغيره العدد المذكور على الوجوه التي يقع بها التغاير في سبعة أشياء
الأول ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل ولا يضار كاتب ولا شهيد بنصب الراء ورفعها
الثاني ما يتغير بتغير الفعل مثل بعد بين أسفارنا وباعد بين أسفارنا بصيغة الطلب والفعل الماضي
الثالث ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ثم ننشرها بالراء والزاي
الرابع ما يتغير بإبدال حرف قريب من مخرج الآخر مثل طلح منضود في قراءة علي وطلع منضود
الخامس ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل وجاءت سكرة الموت بالحق في قراءة أبي بكر الصديق وطلحة بن مصرف وزين العابدين وجاءت سكرة الحق بالموت
السادس ما يتغير بزيادة أو نقصان كما تقدم في التفسير عن بن مسعود وأبي الدرداء والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى هذا في النقصان وأما في الزيادة فكما تقدم في تفسير تبت يدا أبي لهب في
(9/28)




************
حديث بن عباس وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين
السابع ما يتغير بإبدال كلمة بكلمة ترادفها مثل العهن المنفوش في قراءة بن مسعود وسعيد بن جبير كالصوف المنفوش

وهذا وجه حسن لكن استبعده قاسم بن ثابت في الدلائل لكون الرخصة في القراءات إنما وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف بمخارجها قال وأما ما وجد من الحروف المتباينة المخرج المتفقة الصورة مثل ننشرها وننشزها فإن السبب في ذلك تقارب معانيها واتفق تشابه صورتها في الخط

قلت ولا يلزم من ذلك توهين ما ذهب إليه بن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقا وإنما اطلع عليه بالاستقراء وفي ذلك من الحكمة البالغة ما لا يخفى

وقال أبو الفضل الرازي الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف
الأول اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع أو تذكير وتأنيث
الثاني اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر
الثالث وجوه الإعراب
الرابع النقص والزيادة
الخامس التقديم والتأخير
السادس الإبدال
السابع اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك

قلت وقد أخذ كلام بن قتيبة ونقحه

وذهب قوم إلى أن السبعة الأحرف سبعة أصناف من الكلام واحتجوا بحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا أخرجه أبو عبيد وغيره

قال بن عبد البر هذا حديث لا يثبت لأنه من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بن مسعود ولم يلق بن مسعود وقد رده قوم من أهل النظر منهم أبو جعفر أحمد بن أبي عمران

قلت وأطنب الطبري في مقدمة تفسيره في الرد على من قال به وحاصله أنه يستحيل أن يجتمع في الحرف الواحد هذه الأوجه السبعة

وقد صحح الحديث المذكور بن حبان والحاكم وفي تصحيحه نظر لانقطاعه بين أبي سلمة وبن مسعود وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن الزهري عن أبي سلمة مرسلا وقال هذا مرسل جيد ثم قال إن صح فمعنى قوله في هذا الحديث سبعة أحرف أي سبعة أوجه كما فسرت في الحديث وليس المراد الأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل هي ظاهرة في أن المراد أن الكلمة الواحدة تقرأ على وجهين وثلاثة وأربعة إلى سبعة تهوينا وتيسيرا والشيء الواحد لا يكون حراما وحلالا في حالة واحدة

وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمداني قوله زاجر وآمر استئناف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة وإنما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق في العدد ويؤيده أنه جاء في بعض طرقه زاجرا وآمرا إلخ بالنصب أي نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة

وقال أبو شامة يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب

قلت ومما يوضح أن قوله زاجر وآمر إلخ ليس تفسيرا للأحرف السبعة ما وقع في مسلم من طريق يونس عن بن شهاب عقب حديث بن عباس الأول من حديثي هذا الباب قال بن شهاب بلغني أن تلك الأحرف السبعة إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام

قال أبو شامة وقد اختلف السلف في الأحرف
(9/29)




************
السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذي بأيدي الناس اليوم أو ليس فيه إلا حرف واحد منها مال بن الباقلاني إلى الأول وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد وقد أخرج بن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال سألت بن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة قال لا وإنما الأحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل أي ذلك قلت أجزأك قال وقال لي بن وهب مثله

والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي تجري من تحتها الأنهار في آخر براءة وفي غيره بحذف من وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابتة في بعضها دون بعض وعدة ها آت وعدة لا مات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته لشخصين أو أعلم بذلك شخصا واحدا وأمره بإثباتهما على الوجهين وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا اختاروا الاقتصار علىاللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي

قال الطبري وصار ما اتفق عليه الصحابة من الاقتصار كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة لأن أمرهم بالقراءة على الأوجه المذكورة لم يكن على سبيل الإيجاب بل على سبيل الرخصة

قلت ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب فاقرءوا ما تيسر منه

وقد قرر الطبري ذلك تقريرا أطنب فيه ووهى من قال بخلافه ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في شرح الهداية وقال أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها وضابطه ما وافق رسم المصحف فأما ما خالفه مثل أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ومثل إذا جاء فتح الله والنصر فهو من تلك القراءات التي تركت إن صح السند بها ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآنا ولا سيما والكثير منها مما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه

وقال البغوي في شرح السنة المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم

وقال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل

وقال بن عمار أيضا لقد فعل مسبع هذه السبعة مالا ينبغي له وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة ووقع له أيضا في اقتصاره عن كل إمام على راويين أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها وقد تكون هي أشهر وأصح وأظهر وربما بالغ من لايفهم فخطأ أو كفر

وقال أبو بكر بن العربي ليست هذه السبعة متعينة الجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم
وكذا قال غير واحد منهم مكي بن أبي طالب وأبو العلاء الهمداني وغيرهم من أئمة القراء وقال أبو حيان ليس في كتاب بن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راويا ثم ساق أسماءهم واقتصر في كتاب بن مجاهد على اليزيدي واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس فكيف
(9/30)




************
يقتصر على السوسي والدوري وليس لهما مزية على غيرهما لأن الجميع مشتركون في الضبط والإتقان والاشتراك في الأخذ قال ولا أعرف لهذا سببا إلا ما قضى من نقص العلم فاقتصر هؤلاء على السبعة ثم اقتصر من بعدهم من السبعة على النزر اليسير

وقال أبو شامة لم يرد بن مجاهد ما نسب إليه بل أخطأ من نسب إليه ذلك وقد بالغ أبو طاهر بن أبي هاشم صاحبه في الرد على من نسب إليه أن مراده بالقراءات السبع الأحرف السبعة المذكورة في الحديث

قال بن أبي هشام إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل قال فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا ما يخالف الخط امتثالا لأمر عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الأمصار مع كونهم متمسكين بحرف واحد من السبعة

وقال مكي بن أبي طالب هذه القراءات التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ثم ساق نحو ما تقدم قال وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما قال ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة غيرهم ووافق خط المصحف أن لا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم فإن الذين صنفوا القراءات من الأئمة المتقدمين كأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل بن إسحاق والقاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء

قلت اقتصر أبو عبيدة في كتابه على خمسة عشر رجلا من كل مصر ثلاثة أنفس فذكر من مكة بن كثير وبن محيصن وحميدا الأعرج ومن أهل المدينة أبا جعفر وشيبة ونافعا ومن أهل البصرة أبا عمرو وعيسى بن عمر وعبد الله بنأبي إسحاق ومن أهل الكوفة يحيى بن وثاب وعاصما والأعمش ومن أهل الشام عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث قال وذهب عني اسم الثالث ولم يذكر في الكوفيين حمزة ولا الكسائي بل قال إن جمهور أهل الكوفة بعد الثلاثة صاروا إلى قراءة حمزة ولم يجتمع عليه جماعتهم قال وأما الكسائي فكان يتخير القراءات فأخذ من قراءة الكوفيين بعضا وترك بعضا وقال بعد أن ساق أسماء من نقلت عنه القراءة من الصحابة والتابعين فهؤلاء هم الذين يحكى عنهم عظم القراءة وإن كان الغالب عليهم الفقه والحديث قال ثم قام بعدهم بالقراءات قوم ليست لهم أسنانهم ولا تقدمهم غير أنهم تجردوا للقراءة واشتدت عنايتهم بها وطلبهم لها حتى صاروا بذلك أئمة يقتدي الناس بهم فيها فذكرهم

وذكر أبو حاتم زيادة على عشرين رجلا ولم يذكر فيهم بن عامر ولا حمزة ولا الكسائي وذكر الطبري في كتابه اثنين وعشرين رجلا

قال مكي وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب وبالكوف على قراءة حمزة وعاصم وبالشام على قراءة اين عامر وبمكة على قراءة بن كثير وبالمدينة على قراءة نافع واستمروا على ذلك فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت بن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب قال والسبب في الاقتصار على السبعة مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدرا ومثلهم أكثر من عددهم أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرا جدا فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الأخذ عنه فأفردوا من كل مصر إماما واحدا ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به كقراءة يعقوب وعاصم الجحدري وأبي
(9/31)




************
جعفر وشيبة وغيرهم قال وممن اختار من القراءات كما اختار الكسائي أبو عبيد وأبو حاتم والمفضل وأبو جعفر الطبري وغيرهم وذلك واضح في تصانيفهم في ذلك وقد صنف بن جبير المكي وكان قبل بن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر إماما وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار ويقال إنه وجه بسبعة هذه الخمسة ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين لكن لم نسمع لهذين المصحفين خبرا وأراد بن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف فاستبدلوا من غير البحرين واليمن قارئين يكمل بهما العدد فصادف ذلك موافقة العدد الذي ورد الخبر بها وهو أن القرآن أنزل على سبعة أحرف فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسألة ولم يكن له فطنة فظن أن المراد بالقراءات السبع الأحرف السبعة ولا سيما وقد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة فقالوا قرأ بحرف نافع بحرف بن كثير فتأكد الظن بذلك وليس الأمر كما ظنه والأصل المعتمد عليه عند الأئمة في ذلك أنه الذي يصح سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية ويوافق خط المصحف وربما زاد بعضهم الاتفاق عليه ونعني بالاتفاق كما قال مكي بن أبي طالب ما اتفق عليه قراء المدينة والكوفة ولا سيما إذا اتفق نافع وعاصم قال وربما أرادوا بالاتفاق ما اتفق عليه أهل الحرمين قال وأصح القراءات سندا نافع وعاصم وأفصحها أبو عمرو والكسائي

وقال بن السمعاني في الشافي التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر رأيهم أنه لا تجوز الزيادة على ذلك قال وقد صنف غيره في السبع أيضا فذكر شيئا كثيرا من الروايات عنهم غير ما في كتابه فلم يقل أحد إنه لا تجوز القراءة بذلك لخلو ذلك المصحف عنه

وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح بعد أن ذكر الشبهة التي من أجلها ظن الأغبياء أن أحرف الأئمة السبعة هي المشار إليها في الحديث وأن الأئمة بعد بن مجاهد جعلوا القراءات ثمانية أو عشرة لأجل ذلك قال واقتفيت أثرهم لأجل ذلك وأقول لو اختار إمام من أئمة القراء حروفا وجرد طريقا في القراءة بشرط الاختيار لم يكن ذلك خارجا عن الأحرف السبعة وقال الكواشي كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف ومتى فقد شرط من الثلاثة فهو الشاذ

قلت وإنما أوسعت القول في هذا لما تجدد في الأعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل التيسير والشاطبية وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبي شامة وأبي حيان

وآخر من صرح بذلك السبكي فقال في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا السبعة شاذ توهما منه انحصار المشهور فيها والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين الأول ما يخالف رسم المصحف فلا شك في أنه ليس بقرآن والثاني مالا يخالف رسم المصحف وهو على قسمين أيضا الأول ما ورد من طريق غريبة فهذا ملحق بالأول والثاني ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما وحديثا فهذا لأوجه للمنع منه كقراءة يعقوب وأبي جعفر وغيرهما ثم نقل كلام البغوي وقال هو أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه فقيه محدث مقرئ ثم قال وهذا التفصيل بعينه وارد في الروايات عن السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا من الشواذ وهو الذي لم يأت إلا
(9/32)




************
من طريق غريبة وإن اشتهرت القراءة من ذلك المنفرد وكذا قال أبو شامة ونحن وإن قلنا إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت فلا يلزم أن جميع ما نقل عنهم بهذه الصفة بل فيه الضعيف لخروجه عن الأركان الثلاثة ولهذا ترى كتب المصنفين مختلفة في ذلك فالاعتماد في غير ذلك على الضابط المتفق عليه

فصل لم أقف في شيء من طرق حديث عمر على تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وقد زعم بعضهم فيما حكاه بن التين أنه ليس في هذه السورة عند القراء خلاف فيما ينقص من خط المصحف سوى قوله وجعل فيها سراجا وقرئ سرجا جمع سراج قال وباقي ما فيها من الخلاف لا يخالف خط المصنف

قلت وقد تتبع أبو عمر بن عبد البر ما اختلف فيه القراء من ذلك من لدن الصحابة ومن بعدهم من هذه السورة فأوردته ملخصا وزدت عليه قدر ما ذكره وزيادة على ذلك وفيه تعقب على ما حكاه بن التين في سبعة مواضع أو أكثر

قوله تبارك الذي نزل الفرقان قرأ أبو الجوزاء وأبو السوار أنزل بألف قوله على عبده قرأ عبد الله بن الزبير وعاصم الجحدري على عباده ومعاذ أبو حليمة وأبو نهيك على عبيد قوله وقالوا أساطير الأولين اكتتبها قرأطلحة بن مصرف ورويت عن إبراهيم النخعي بضم المثناة الأولى وكسر الثانية مبنيا للمفعول وإذا ابتدأ ضم أوله قوله ملك فيكون قرأ عاصم الجحدري وأبو المتوكل ويحيى بن يعمر فيكون بضم النون قوله أو تكون له جنة قرأ الأعمش وأبو حصين يكون بالتحتانية قوله يأكل منها قرأ الكوفيون سوى عاصم نأكل بالنون ونقله في الكامل عن القاسم وبن سعد وبن مقسم قوله ويجعل لك قصورا قرأ بن كثير وبن عامر وحميد وتابعهم أبو بكر وشيبان عن عاصم وكذا محبوب عن أبي عمرو وورش يجعل برفع اللام والباقون بالجزم عطفا على محل جعل وقيل لإدغامها وهذا يجري على طريقة أبي عمرو بن العلاء وقرأ بنصب اللام عمر بن ذر وبن أبي عبلة وطلحة بن سليمان وعبد الله بن موسى وذكرها الفراء جوازا على إضمار أن ولم ينقلها وضعفها بن جني قوله مكانا ضيقا قرأ بن كثير والأعمش وعلي بن نصر ومسلمة بن محارب بالتخفيف ونقلها عقبة بن يسار عن أبي عمرو أيضا قوله مقرنين قرأعاصم الجحدري ومحمد بن السميفع مقرنون قوله ثبورا قرأ المذكوران بفتح المثلثة قوله ويوم نحشرهم قرأ بن كثير وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب والأعرج والجحدري وكذا الحسن وقتادة والأعمش على اختلاف عنهم بالتحتانية وقرأ الأعرج بكسر الشين قال بن جني وهي قوية في القياس متروكة في الاستعمال قوله وما يعبدون من دون الله قرأ بن مسعود وأبو نهيك وعمر بن ذر وما يعبدون من دوننا قوله فيقول قرأ بن عامر وطلحة بن مصرف وسلام وبن حسان وطلحة بن سليمان وعيسى بن عمر وكذا الحسن وقتادة على اختلاف عنهما ورويت عن عبد الوارث عن أبي عمرو بالنون قوله ما كان ينبغي قرأ أبو عيسى الأسواري وعاصم الجحدري بضم الياء وفتح الغين قوله أن نتخذ قرأ أبو الدرداء وزيد بن ثابت والباقر وأخوه زيد وجعفر الصادق ونصر بن عقمة ومكحول وشيبة وحفص بن حميد وأبو جعفر القارئ وأبو حاتم السجستاني والزعفران وروي عن مجاهد وأبو رجاء
(9/33)




************
والحسن بضم أوله وفتح الخاء على البناء للمفعول وأنكرها أبو عبيد وزعم الفراء أن أبا جعفر تفرد بها قوله فقد كذبوكم حكى القرطبي أنها قرئت بالتخفيف قوله بما تقولون قرأ بن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير والأعمش وحميد بن قيس وبن جريج وعمر بن ذر وأبو حيوة ورويت عن قنبل بالتحتانية قوله فما يستطيعون قرأ حفص في الأكثر عنه عن عاصم بالفوقانية وكذا الأعمش وطلحة بن مصرف وأبو حيوة قوله ومن يظلم منكم نذقه قرئ يذقه بالتحتانية قوله إلا أنهم قرئ أنهم بفتح الهمزة والأصل لأنهم فحذفت اللام نقل هذا والذي قبله من إعراب السمين قوله ويمشون قرأ على وبن مسعود وابنه عبد الرحمن وأبو عبد الرحمن السلمي بفتح الميم وتشديد الشين مبنيا للفاعل وللمفعول أيضا قوله حجرا محجورا قرأ الحسن والضحاك وقتادة وأبو رجاء والأعمش حجرا بضم أوله وهي لغة وحكى أبو البقاء الفتح عن بعض المصريين ولم أر من نقلها قراءة قوله ويوم تشقق قرأالكوفيون وأبو عمرو والحسن في المشهور عنهما وعمرو بن ميمون ونعيم بن ميسرة بالتخفيف وقرأالباقون بالتشديد ووافقهم عبد الوارث ومعاذ عن أبي عمرو وكذا محبوب وكذا الحمصي من الشاميين في نقل الهذلي قوله ونزل الملائكة قرأالأكثر بضم النون وتشديد الزاي وفتح اللام الملائكة بالرفع وقرأخارجة بن مصعب عن أبي عمرو ورويت عن معاذ أبي حليمة بتخفيف الزاي وضم اللام والأصل تنزل الملائكة فحذفت تخفيفا وقرأأبو رجاء ويحيى بن يعمر وعمر بن ذر ورويت عن بن مسعود ونقلها بن مقسم عن المكي واختارها الهذلي بفتح النون وتشديد الزاي وفتح اللام على البناء للفاعل الملائكة بالنصب وقرأ جناح بن حبيش والخفاف عن أبي عمرو بالتخفيف الملائكة بالرفع على البناء للفاعل ورويت عن الخفاف على البناء للمفعول أيضا وقرأ بن كثير في المشهور عنه وشعيب عن أبي عمرو وننزل بنونين الثانية خفيفة الملائكة بالنصب وقرئ بالتشديد عن بن كثير أيضا وقرأ هارون عن أبي عمرو بمثناة أوله وفتح النون وكسر الزاي الثقيلة الملائكة بالرفع أي تنزل ما أمرت به وروي عن أبي بن كعب مثله لكن بفتح الزاي وقرأ أبو السمال وأبو الأشهب كالمشهور عن بن كثير لكن بألف أوله وعن أبي بن كعب نزلت بفتح وتخفيف وزيادة مثناة في آخره وعنه مثله لكن بضم أوله مشددا وعنه تنزلت بمثناة في أوله وفي آخره بوزن تفعلت قوله يا ليتني اتخذت قرأأبو عمرو بفتح الياء الأخيرة من ليتني قوله يا ويلتى قرأ الحسن بكسر المثناة بالإضافة ومنهم من أمال قوله إن قومي اتخذوا قرأ أبو عمرو وروح وأهل مكة إلا رواية بن مجاهد عن قنبل بفتح الياء من قومي قوله لنثبت قرأ بن مسعود بالتحتانية بدل النون وكذا روي عن حميد بن قيس وأبي حصين وأبي عمران الجوني قوله فدمرناهم قرأ علي ومسلمة بن محارب فدمرانهم بكسر الميم وفتح الراء وكسر النون الثقيلة بينهما ألف تثنية وعن علي بغير نون والخطاب لموسى وهارون قوله وعادا وثمود قرأحمزة ويعقوب وحفص وثمود بغير صرف قوله أمطرت قرأمعاذ أبو حليمة وزيد بن علي وأبو نهيك مطرت بضم أوله وكسر الطاء مبنيا للمفعول وقرأ بن مسعود أمطروا وعنه أمطرناهم قوله مطر السوء قرأأبو السمال وأبو العالية وعاصم الجحدري بضم السين وأبو السمال أيضا مثله بغير همز وقرأ علي وحفيده زين العابدين وجعفر بن محمد بن زين العابدين بفتح السين وتشديد الواو بلا همز وكذا قرأ الضحاك لكن بالتخفيف قوله هزوا قرأ حمزة وإسماعيل بن جعفر والمفضل بإسكان الزاي
(9/34)




************
وحفص بالضم بغير همز قوله أهذا الذي بعث الله قرأ بن مسعود وأبي بن كعب اختاره الله من بيننا قوله عن آلهتنا قرأ بن مسعود وأبي عن عبادة آلهتنا قوله أرأيت من اتخذ إلهه قرأ بن مسعود بمد الهمزة وكسر اللام والتنوين بصيغة الجمع وقرأالأعرج بكسر أوله وفتح اللام بعدها ألف وهاء تأنيث وهو اسم الشمس وعنه بضم أوله أيضا قوله أم تحسب قرأالشامي بفتح السين قوله أو يعقلون قرأ بن مسعود أو يبصرون قوله وهو الذي أرسل قرأ بن مسعود جعل قوله الرياح قرأ بن كثير وبن محيصن والحسن الريح قوله نشرا قرأ بن عامر وقتادة وأبو رجاء وعمرو بن بن ميمون بسكون الشين وتابعهم هارون الأعور وخارجة بن مصعب كلاهما عن أبي عمرو وقرأ الكوفيون سوى عاصم وطائفة بفتح أوله ثم سكون وكذا قرأ الحسن وجعفر بن محمد والعلاء بن شبابة وقرأ عاصم بموحدة بدل النون وتابعه عيسى الهمداني وأبان بن ثعلب وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي في رواية وبن السميفع بضم الموحدة مقصور بوزن حبلى قوله لنحيى به قرأ بن مسعود لننشر به قوله ميتا قرأ أبو جعفر بالتشديد قوله ونسقيه قرأ أبو عمرو وأبو حيوة وبن أبي عبلة بفتح النون وهي رواية عن أبي عمرو وعاصم والأعمش قوله وأناسي قرأ يحيى بن الحارث بتخفيف آخره وهي رواية عن الكسائي وعن أبي بكر بن عياش وعن قتيبة الميال وذكرها الفراء جوازا لا نقلا قوله ولقد صرفناه قرأ عكرمة بتخفيف الراء قوله ليذكروا قرأ الكوفيون سوى عاصم بسكون الدال مخففا قوله وهذا ملح قرأ أبو حصين وأبو الجوزاء وأبو المتوكل وأبو حيوة وعمر بن ذر ونقلها الهذلي عن طلحة بن مصرف ورويت عن الكسائي وقتيبة الميال بفتح الميم وكسر اللام واستنكرها أبو حاتم السجستاني وقال بن جني يجوز أن يكون أراد مالح فحذف الألف تخفيفا قال مع أن مالح ليست فصيحة قوله وحجرا تقدم قوله الرحمن فاسأل به قرأ زيد بن علي بجر النون نعتا للحي وبن معدان بالنصب قال على المدح قوله فاسأل به قرأ الميمون والكسائي وخلف وأبان بن يزيد وإسماعيل بن جعفر ورويت عن أبي عمرو وعن نافع فسل به بغير همز قوله لما تأمرنا قرأ الكوفيون بالتحتانية لكن اختلف عن حفص وقرأ بن مسعود لما تأمرنا به قوله سراجا قرأ الكوفيون سوى عاصم سراجا بضمتين لكن سكن الراء الأعمش ويحيى بن وثاب وأبان بن ثعلب والشيرازي قوله وقمر قرأ الأعمش وأبو حصين والحسن ورويت عن عاصم بضم القاف وسكون الميم وعن الأعمش أيضا فتح أوله قوله أن يذكر قرأحمزة بالتخفيف وأبي بن كعب يتذكر ورويت عن علي وبن مسعود وقرأها أيضا إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب والأعمش وطلحة بن مصرف وعيسى الهمداني والباقر وأبوه وعبد الله بن إدريس ونعيم بن ميسرة قوله وعباد الرحمن قرأ أبي بن كعب بضم العين وتشديد الموحدة والحسن بضمتين بغير ألف وأبو المتوكل وأبو نهيك وأبو الجوزاء بفتح ثم كسر ثم تحتانية ساكنة قوله يمشون قرأ علي ومعاذ القارئ وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو المتوكل وأبو نهيك وبن السميفع بالتشديد مبنيا للفاعل وعاصم الجحدري وعيسى بن عمر مبنيا للمفعول قوله سجدا قرأ إبراهيم النخعي سجودا قوله ومقاما قرأ أبو زيد بفتح الميم قوله ولم يقتروا قرأ بن عامر والمدنيون هي رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي وعن الحسن وأبي رجاء ونعيم بن ميسرة والمفضل والأزرق والجعفي وهي رواية عن أبي بكر بضم أوله من الرباعي
(9/35)




************
وأنكرها أبو حاتم وقرأ الكوفيون إلا من تقدم منهم وأبو عمرو في رواية بفتح أوله وضم التاء وقرأ عاصم الجحدري وأبو حيوة وعيسى بن عمر وهي رواية عن أبي عمرو أيضا بضم أوله وفتح القاف وتشديد التاء والباقون بفتح أوله وكسر التاء قوله قواما قرأحسان بن عبد الرحمن صاحب عائشة بكسر القاف وأبو حصين وعيسى بن عمر بتشديد الواو مع فتح القاف قوله يلق أثاما قرأ بن مسعود وأبو رجاء يلقى بإشباع القاف وقرأ عمر بن ذر بضم أوله وفتح اللام وتشديد القاف بغير إشباع قوله يضاعف قرأ أبو بكر عن عاصم برفع الفاء وقرأ بن كثير وبن عامر وأبو جعفر وشيبة ويعقوب يضعف بالتشديد وقرأ طلحة بن سليمان بالنون العذاب بالنصب قوله ويخلد قرأ بن عامر والأعمش وأبو بكر عن عاصم بالرفع وقرأ أبو حيوة بضم أوله وفتح الخاء وتشديد اللام ورويت عن الجعفي عن شعبة ورويت عن أبي عمرو لكن بتخفيف اللام وقرأ طلحة بن مصرف ومعاذ القارئ وأبو المتوكل وأبو نهيك وعاصم الجحدري بالمثناة مع الجزم على الخطاب قوله فيه مهانا قرأ بن كثير بإشباع الهاء من فيه حيث جاء وتابعه حفص عن عاصم هنا فقط قوله وذريتنا قرأ أبو عمرو والكوفيون سوى رواية عن عاصم بالإفراد والباقون بالجمع قوله قرة أعين قرأ أبو الدرداء وبن مسعود وأبو هريرة وأبو المتوكل وأبو نهيك وحميد بن قيس وعمر بن ذر قرات بصيغة الجمع قوله يجزون الغرفة قرأ بن مسعود يجزون الجنة قوله ويلقون فيها قرأالكوفيون سوى حفص وبن معدان بفتح أوله وسكون اللام وكذا قرأالنميري عن المفضل قوله فقد كذبتم قرأ بن عباس وبن مسعود وبن الزبير فقد كذب الكافرون وحكى الواقدي عن بعضهم تخفيف الذال قوله فسوف يكون قرأأبو السمال وأبو المتوكل وعيسى بن عمر وأبان بن تغلب بالفوقانية قوله لزاما قرأ أبو السمال بفتح اللام أسنده أبو حاتم السجستاني عن أبي زيد عنه ونقلها الهذلي عن أبان بن تغلب

قال أبو عمر بن عبد البر بعد أن أورد بعض ما أوردته هذا ما في سورة الفرقان من الحروف التي بأيدي أهل العلم بالقرآن والله أعلم بما أنكر منها عمر على هشام وما قرأ به عمر فقد يمكن أن يكون هناك حروف أخرى لم تصل إلي وليس كل من قرأ بشيء نقل ذلك عنه ولكن إن فات من ذلك شيء فهو النزر اليسير كذا قال والذي ذكرناه يزيد على ما ذكره مثله أو أكثر ولكنا لا نتقلد عهدة ذلك ومع ذلك فنقول يحتمل أن تكون بقيت أشياء لم يطلع عليها على أني تركت أشياء مما يتعلق بصفة الأداء من الهمز والمد والروم والإشمام ونحو ذلك

ثم بعد كتابتي هذا وإسماعه وقفت على الكتاب الكبير المسمى بالجامع الأكبر والبحر الأزخر تأليف شيخ شيوخنا أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز اللخمي الذي ذكر أنه جمع فيه سبعة آلاف رواية من طريق غير مالا يليق وهو في نحو ثلاثين مجلدة فالتقطت منه ما لم يتقدم ذكره من الاختلاف فقارب قدر ما كنت ذكرته أولا وقد أوردته على ترتيب السورة

قوله ليكون للعالمين نذيرا قرأ أدهم السدوسي بالمثناة فوق قوله واتخذوا من دونه آلهة قرأسعيد بن يوسف بكسر الهمزة وفتح اللام بعدها ألف قوله ويمشي قرأالعلاء بن شبابة وموسى بن إسحاق بضم أوله وفتح الميم وتشديد الشين المفتوحة ونقل عن الحجاج بضم أوله وسكون الميم وبالسين المهملة المكسورة وقالوا هو تصحيف قوله إن تتبعون قرأ بن أنعم بتحتانية أوله وكذا محمد بن جعفر بفتح المثناة الأولى وسكون الثانية قوله فلا يستطيعون قرأزهير بن
(9/36)

عيسى بن عبد العزيز اللخمي الإسكندراني أبو القاسم(550 - 629 هـ = 1155 - 1232 م)



************
أحمد بمثناة من فوق قوله جنة يأكل منها قرأسالم بن عامر جنات بصيغة الجمع قوله مكانا ضيقا مقرنين قرأ عبد الله بن سلام مقرنين بالتخفيف وقرأ سهل مقرنون بالتخفيف مع الواو قوله أم جنة الخلد قرأأبو هشام أم جنات بصيغة الجمع قوله عبادي هؤلاء قرأها الوليد بن مسلم بتحريك الياء قوله نسوا الذكر قرأأبو مالك بضم النون وتشديد السين قوله فما يستطيعون صرفا قرأ بن مسعود فما يستطيعون لكم وأبي بن كعب فما يستطيعون لك حكى ذلك أحمد بن يحيى بن مالك عن عبد الوهاب عن هارون الأعور وروى عن بن الأصبهاني عن أبي بكر بن عياش وعن يوسف بن سعيد عن خلف بن تميم عن زائدة كلاهما عن الأعمش بزيادة لكم أيضا قوله ومن يظلم منكم قرأيحيى بن واضح ومن يكذب بدل يظلم ووزنها وقرأها أيضا هارون الأعور يكذب بالتشديد قوله عذابا كبيرا قرأشعيب عن أبي حمزة بالمثلثة بدل الموحدة قوله لولا أنزل قرأجعفر بن محمد بفتح الهمزة والزاي ونصب الملائكة قوله عتوا كبيرا قرئ عتيا بتحتانية بدل الواو وقرأ أبو إسحاق الكوفي كثيرا بالمثلثة بدل الموحدة قوله يوم يرون الملائكة قرأ عبد الرحمن بن عبد الله ترون بالمثناة من فوق قوله ويقولون قرأهشيم عن يونس وتقولون بالمثناة من فوق أيضا قوله وقدمنا قرأسعيد بن إسماعيل بفتح الدال قوله إلى ما عملوا من عمل قرأالوكيعي من عمل صالح بزيادة صالح قوله هباء قرأمحارب بضم الهاء مع المد وقرأ نصر بن يوسف بالضم والقصر والتنوين وقرأ بن دينار كذلك لكن بفتح الهاء قوله مستقرا قرأ طلحة بن موسى بكسر القاف قوله ويوم تشقق قرأ أبو ضمام ويوم بالرفع والتنوين وأبو وجرة بالرفع بلا تنوين وقرأعصمة عن الأعمش يوم يرون السماء تشقق بحذف الواو وزيادة يرون قوله الملك يومئذ قرأسليمان بن إبراهيم الملك بفتح الميم وكسر اللام قوله الحق قرأأبو جعفر بن يزيد بنصب الحق قوله يا ليتني اتخذت قرأعامر بن نصير تخذت قوله وقالوا لولا نزل عليه القرآن قرأالمعلى عن الجحدري بفتح النون والزاي مخففا وقرأزيد بن علي وعبيد الله بن خليد كذلك لكن مثقلا قوله وقوم نوح قرأها الحسن بن محمد بن أبي سعدان عن أبيه بالرفع قوله وجعلناهم للناس آية قرأ حامد الرمهرمزي آيات بالجمع قوله ولقد أتوا على القرية قرأ سورة بن إبراهيم القريات بالجمع وقرأ بهرام القرية بالتصغير مثقلا قوله أفلم يكونوا يرونها قرأ أبو حمزة عن شعبة بالمثناة من فوق فيهما قوله وسوف يعلمون حين يرون قرأ عثمان بن المبارك بالمثناة من فوق فيهما قوله أم تحسب قرأحمزة بن حمزة بضم التحتانية وفتح السين المهملة قوله سباتا قرأ يوسف بن أحمد بكسر المهملة أوله وقال معناه الراحة قوله جهادا كبيرا قرأ محمد بن الحنفية بالمثلثة قوله مرج البحرين قرأ بن عرفة مرج بتشديد الراء قوله هذا عذب قرأالحسن بن محمد بن أبي سعدان بكسر الذال المعجمة قوله فجعله نسبا قرأ الحجاج بن يوسف سببا بمهملة ثم موحدتين قوله أنسجد قرأ أبو المتوكل بالتاء المثناة من فوق قوله وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة قرأالحسن بن محمد بن أبي سعدان عن أبيه خلفه بفتح الخاء وبالهاء ضمير يعود على الليل قوله على الأرض هونا قرأ بن السميفع بضم الهاء قوله قالوا سلاما قرأ حمزة بن عروة سلما بكسر السين وسكون اللام قوله بين ذلك قرأ جعفر بن إلياس بضم النون وقال هو
(9/37)




************
اسم كان قوله لا يدعون قرأ جعفر بن محمد بتشديد الدال قوله ولا يقتلون قرأابن جامع بضم أوله وفتح القاف وتشديد التاء المكسورة وقرأها معاذ كذلك لكن بألف قبل المثناة قوله أثاما قرأ عبد الله بن صالح العجلي عن حمزة إثما بكسر أوله وسكون ثانيه بغير ألف قبل الميم وروي عن بن مسعود بصيغة الجمع آثاما قوله يبدل الله قرأ عبد الحميد عن أبي بكر وبن أبي عبلة وأبان وبن مجالد عن عاصم وأبو عمارة والبرهمي عن الأعمش بسكون الموحدة قوله لا يشهدون الزور قرأأبو المظفر بنون بدل الراء قوله ذكروا بآيات ربهم قرأتميم بن زياد بفتح الذال والكاف قوله بآيات ربهم قرأسليمان بن يزيد بآية بالإفراد قوله قرة أعين قرأمعروف بن حكيم قرة عين بالإفراد وكذا أبو صالح من رواية الكلبي عنه لكن قال قرأت عين قوله واجعلنا للمتقين قرأ جعفر بن محمد واجعل لنا من المتقين إماما قوله يجزون قرأ أبي في رواية يجازون قوله الغرفة قرأ أبو حامد الغرفات قوله تحية قرأ بن عمير تحيات بالجمع قوله وسلاما قرأالحارث وسلما في الموضعين قوله مستقرا ومقاما قرأعمير بن عمران ومقاما بفتح الميم قوله فقد كذبتم قرأ عبد ربه بن سعيد بتخفيف الذال

فهذه ستة وخمسون موضعا ليس فيها من المشهور شيء فليضف إلى ما ذكرته أولا فتكون جملتها نحوا من مائة وثلاثين موضعا والله أعلم

واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم فاقرءوا ما تيسر منه على جواز القراءة بكل ما ثبت من القرآن بالشروط المتقدمة وهي شروط لابد من اعتبارها فمتى اختل شرط منها لم تكن تلك القراءة معتمدة

وقد قرر ذلك أبو شامة في الوجيز تقريرا بليغا وقال لا يقطع بالقراءة بأنها منزلة من عند الله إلا إذا اتفقت الطرق عن ذلك الإمام الذي قام بإمامة المصر بالقراءة وأجمع أهل عصره ومن بعدهم على إمامته في ذلك قال أما إذا اختلفت الطرق عنه فلا فلو اشتملت الآية الواحدة على قراءات مختلفة مع وجود الشرط المذكور جازت القراءة بها بشرط أن لا يختل المعنى ولا يتغير الإعراب

وذكر أبو شامة في الوجيز أن فتوى وردت من العجم لدمشق سألوا عن قارئ يقرأ عشرا من القرآن فيخلط القراءات فأجاب بن الحاجب وبن الصلاح وغير واحد من أئمة ذلك العصر بالجواز بالشروط التي ذكرناها كمن يقرأمثلا فتلقى آدم من ربه كلمات فلا يقرألابن كثير بنصب آدم ولأبي عمرو بنصب كلمات وكمن يقرأنغفر لكم بالنون خطاياتكم بالرفع قال أبو شامة لا شك في منع مثل هذا وما عداه فجائز والله أعلم

وقد شاع في زماننا من طائفة من القراء إنكار ذلك حتى صرح بعضهم بتحريمه فظن كثير من الفقهاء أن لهم في ذلك معتمدا فتابعوهم وقالوا أهل كل فن أدرى بفنهم وهذا ذهول ممن قاله فإن علم الحلال والحرام إنما يتلقى من الفقهاء والذي منع ذلك من القراء إنما هو محمول على ما إذا قرأبرواية خاصة فإنه متى خلطها كان كاذبا على ذلك القارئ الخاص الذي شرع في إقراء روايته فمن أقرأرواية لم يحسن أن ينتقل عنها إلى رواية أخرى كما قاله الشيخ محي الدين وذلك من الأولوية لا على الحتم أما المنع على الإطلاق فلا والله أعلم
(9/38)




************
(قوله باب تأليف القرآن)
أي جمع آيات السورة الواحدة أو جمع السور مرتبة في المصحف

[4993] قوله أن بن جريج أخبرهم قال وأخبرني يوسف كذا عندهم وما عرفت ماذا عطف عليه ثم رأيت الواو ساقطة في رواية النسفي وكذا ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث قوله إذ جاءها عراقي أي رجل من أهل العراق ولم أقف على اسمه قوله أي الكفن خير قالت ويحك وما يضرك لعل هذا العراقي كان سمع حديث سمرة المرفوع البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطهر وأطيب وهو عند الترمذي مصححا وأخرجه أيضا عن بن عباس فلعل العراقي سمعه فأراد أن يستثبت عائشة في ذلك وكان أهل العراق اشتهروا بالتعنت في السؤال فلهذا قالت له عائشة وما يضرك تعني أي كفن كفنت فيه أجزأ وقول بن عمر الذي سأله عن دم البعوض مشهور حيث قال انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله أؤلف عليه القرآن فإنه يقرأ غير مؤلف قال بن كثير كأن قصة هذا العراقي كانت قبل أن يرسل عثمان المصحف إلى الآفاق كذا قال وفيه نظر فإن يوسف بن ماهك لم يدرك زمان أرسل عثمان المصاحف إلى الآفاق فقد ذكر المزي أن روايته عن أبي بن كعب مرسلة وأبي عاش بعد إرسال المصاحف على الصحيح وقد صرح يوسف في
(9/39)




************
هذا الحديث أنه كان عند عائشة حين سألها هذا العراقي والذي يظهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة بن مسعود وكان بن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه كما سيأتي بيانه بعد الباب الذي يلي هذا فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان ولا شك أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف وهذا كله على أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور ويدل على ذلك قولها له وما يضرك أيه قرأت قبل ويحتمل أن يكون أراد تفصيل آيات كل سورة لقوله في آخر الحديث فأملت عليه آي السور أي آيات كل سورة كأن تقول له سورة كذا مثلا كذا كذا آية الأولى كذا الثانية إلخ وهذا يرجع إلى اختلاف عدد الآيات وفيه اختلاف بين المدني والشامي والبصري وقد اعتنى أئمة القراء بجمع ذلك وبيان الخلاف فيه والأول أظهر ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين والله أعلم قال بن بطال لا نعلم أحدا قال بوجوب ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة والحج قبل الكهف مثلا وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسا فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر مبالغة في حفظها وتذليلا للسانه في سردها فمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه وقال القاضي عياض في شرح حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته في الليل بسورة النساء قبل آل عمران هو كذلك في مصحف أبي بن كعب وفيه حجة لمن يقول إن ترتيب السور اجتهاد وليس بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول جمهور العلماء واختاره القاضي الباقلاني قال وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم فلذلك اختلفت المصاحف فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن فلذلك اختلف ترتيب مصاحف الصحابة ثم ذكر نحو كلام بن بطال ثم قال ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم قوله إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار هذا ظاهره مغاير لما تقدم أن أول شيء نزل اقرأ باسم ربك وليس فيها ذكر الجنة والنار فلعل من مقدرة أي من أول ما نزل أو المراد سورة المدثر فإنها أول ما نزل بعد فترة الوحي وفي آخرها ذكر الجنة والنار فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية سورة اقرأ فإن الذي نزل أولا من اقرأ كما تقدم خمس آيات فقط قوله حتى إذا ثاب بالمثلثة ثم الموحدة أي رجع قوله نزل الحلال والحرام أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاصي بالنار فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ولهذا قالت ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف وسيأتي بيان المراد بالمفصل في الحديث الرابع قوله لقد نزل بمكة إلخ أشارت بذلك إلى تقوية ما ظهر لها من الحكمة المذكورة وقد تقدم نزول سورة القمر وليس فيها شيء من الأحكام على نزول سورة البقرة والنساء مع كثرة ما اشتملتا عليه من الأحكام وأشارت بقولها وأنا عنده أي بالمدينة لأن دخولها عليه إنما كان بعد الهجرة اتفاقا وقد تقدم ذلك في مناقبها وفي الحديث رد على النحاس في زعمه أن سورة النساء مكية مستندا إلى قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة لكنها حجة واهية فلا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة بمكة
(9/40)




************
إذا نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية بل الأرجح أن جميع ما نزل بعد الهجرة معدود من المدني وقد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية وقد أخرج بن الضريس في فضائل القرآن من طريق عثمان بن عطاء الخرساني عن أبيه عن بن عباس أن الذي نزل بالمدينة البقرة ثم الأنفال ثم الأحزاب ثم المائدة ثم الممتحنة والنساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الإنسان ثم الطلاق ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجاثية ثم التغابن ثم الصف ثم الفتح ثم براءة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن سورة الكوثر مدنية فهو المعتمد واختلف في الفاتحة والرحمن والمطففين وإذا زلزلت والعاديات والقدر وأرأيت والإخلاص والمعوذتين وكذا اختلف مما تقدم في الصف والجمعة والتغابن وهذا بيان ما نزل بعدالهجرة من الآيات مما في المكي فمن ذلك الأعراف نزل بالمدينة منها واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إلى وإذ أخذ ربك يونس نزل منها بالمدينة فإن كنت في شك آيتان وقيل ومنهم من يؤمن به آية وقيل من رأس أربعين إلى آخرها مدني هود ثلاث آيات فلعلك تارك أفمن كان على بينة من ربه وأقم الصلاة طرفي النهار النحل ثم إن ربك للذين هاجروا الآية وإن عاقبتم إلى آخر السورة الإسراء وإن كادوا ليستفزونك وقل رب أدخلني وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ويسألونك عن الروح قل آمنوا به أو لا تؤمنوا الكهف مكية إلا أولها إلى جرزا وآخرها من إن الذين آمنوا مريم آية السجدة الحج من أولها إلى شديد ومن كان يظن وإن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله وأذن للذين يقاتلون ولولا دفع الله وليعلم الذين أوتوا العلم والذين هاجروا وما بعدها وموضع السجدتين وهذان خصمان الفرقان والذين يدعون مع الله إلها آخر إلى رحيما الشعراء آخرها من والشعراء يتبعهم القصص الذين آتيناهم الكتاب إلى الجاهلين وإن الذي فرض عليك القرآن العنكبوت من أولها إلى ويعلم المنافقين لقمان ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ألم تنزيل أفمن كان مؤمنا وقيل من تتجافى سبأ ويرى الذين أوتوا العلم الزمر قل يا عبادي إلى يشعرون المؤمن إن الذين يجادلون في آيات الله والتي تليها الشورى أم يقولون افترى وهو الذي يقبل التوبة إلى شديد الجاثية قل للذين آمنوا يغفروا الأحقاف قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وقوله فاصبر ق ولقد خلقنا السماوات إلى لغوب النجم الذين يجتنبون إلى اتقى الرحمن يسأله من في السماوات والأرض الواقعة وتجعلون رزقكم ن من إنا بلوناهم إلى يعلمون ومن فاصبر لحكم ربك إلى الصالحين المرسلات وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون فهذا ما نزل بالمدينة من آيات من سور تقدم نزولها بمكة وقد بين ذلك حديث بن عباس عن عثمان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا وأما عكس ذلك وهو نزول شيء من سورة بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلا نادرا فقد اتفقوا على أن الأنفال مدنية لكن قيل إن قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية نزلت بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بالمدينة وهذا غريب جدا نعم نزل من السور المدنية التي تقدم ذكرها بمكة ثم نزلت سورة الأنفال بعد الهجرة في العمرة والفتح والحج
(9/41)




************
ومواضع متعددة في الغزوات كتبوك وغيرها أشياء كثيرة كلها تسمى المدني اصطلاحا والله أعلم الحديث الثاني حديث بن مسعود تقدم شرحه في تفسير سبحان وفي الأنبياء والغرض منه هنا أن هذه السور نزلن بمكة وأنها مرتبة في مصحف بن مسعود كما هي في مصحف عثمان ومع تقديمهن في النزول فهن مؤخرات في ترتيب المصاحف والمراد بالعتاق وهو بكسر المهملة أنهن من قيم ما نزل الحديث الثالث حديث البراء تعلمت سورة سبح اسم ربك الأعلى قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم هو طرف من حديث تقدم شرحه في أحاديث الهجرة والغرض منه أن هذه السورة متقدمة النزول وهي في أواخر المصحف مع ذلك الحديث الرابع حديث بن مسعود أيضا قوله عن شقيق هو بن سلمة وهو أبو وائل مشهور بكنيته أكثر من اسمه وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمعت أبا وائل أخرجه الترمذي قوله قال عبد الله سيأتي في باب الترتيل بلفظ غدونا على عبد الله وهو بن مسعود قوله لقد تعلمت النظائر تقدم شرحه مستوفى في باب الجمع بين سورتين في الصلاة من أبواب صفة الصلاة وفيه أسماء السور المذكورة وأن فيه دلالة على أن تأليف مصحف بن مسعود على غير تأليف العثماني وكان أوله الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ولم يكن على ترتيب النزول ويقال إن مصحف علي كان على ترتيب النزول أوله اقرأ ثم المدثر ثم ن والقلم ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني والله أعلم وأما ترتيب المصحف على ما هو عليه الآن فقال القاضي أبو بكر الباقلاني يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بترتيبه هكذا ويحتمل أن يكون من اجتهاد الصحابة ثم رجح الأول بما سيأتي في الباب الذي بعد هذا أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يعارض به جبريل في كل سنة فالذي يظهر أنه عارضه به هكذا على هذا الترتيب وبه جزم بن الأنباري وفيه نظر بل الذي يظهر أنه كان يعارضه به على ترتيب النزول نعم ترتيب بعض السور على بعض أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفا وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم من حديث بن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المبين فقرنتم بهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينزل عليه السورة ذات العدد فإذا نزل عليه الشيء يعني منها دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن وكان قصتها شبيهة بها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها اه فهذا يدل على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفا ولما لم يفصح النبي صلى الله عليه وسلم بأمر براءة أضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادا منه رضي الله تعالى عنه ونقل صاحب الإقناع أن البسملة لبراءة ثابتة في مصحف بن مسعود قال ولا يؤخذ بهذا وكان من علامة ابتداء السورة نزول بسم الله الرحمن الرحيم أول ما ينزل شيء منها كما أخرجه أبو داود وصححه بن حبان والحاكم من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم وفي رواية فإذا نزلت بسم الله الرحمن الرحيم علموا أن السورة قد انقضت ومما يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفا ما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي قال كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف فذكر الحديث وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرأعلي حزبي من القرآن فأردت
(9/42)




************
أن لا أخرج حتى أقضيه قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا كيف تحزبون القرآن قالوا نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتى تختم قلت فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ما عداه فيحتمل أن يكون كان فيه تقديم وتأخير كما ثبت من حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ النساء بعد البقرة قبل آل عمران ويستفاد من هذا الحديث حديث أوس أن الراجح في المفصل أنه من أول سورة ق إلى آخر القرآن لكنه مبني على أن الفاتحة لم تعد في الثلث الأول فإنه يلزم من عدها أن يكون أول المفصل من الحجرات وبه جزم جماعة من الأئمة وقد نقلنا الاختلاف في تحديده في باب الجهر بالقراءة في المغرب من أبواب صفة الصلاة والله أعلم

(قوله باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم)
بكسر الراء من العرض وهو بفتح العين وسكون الراء أي يقرأوالمراد يستعرضه ما أقرأه إياه قوله وقال مسروق عن عائشة عن فاطمة قالت أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن هذا طرف من حديث وصله بتمامه في علامات النبوة وتقدم شرحه في باب الوفاة النبوية من آخر المغازي وتقدم بيان فائدة المعارضة في الباب الذي قبله والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع قوله وأنه عارضني في رواية السرخسي وإني عارضني

[4997] قوله إبراهيم بن سعد عن الزهري تقدم في الصيام من وجه آخر عن إبراهيم بن سعد قال أنبأنا الزهري وإبراهيم بن سعد سمع من الزهري ومن صالح بن كيسان عن الزهري وروايته على الصفتين تكررت في هذا الكتاب كثيرا وقد تقدمت فوائد حديث بن عباس هذا في بدء الوحي فنذكر هنا نكتا مما لم يتقدم قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود
(9/43)




************
الناس فيه احتراس بليغ لئلا يتخيل من قوله وأجود ما يكون في رمضان أن الأجودية خاصة منه برمضان فيه فأثبت له الأجودية المطلقة أولا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان قوله وأجود ما يكون في رمضان تقدم في بدء الوحي من وجه آخر عن الزهري بلفظ وكان أجود ما يكون في رمضان وتقدم أن المشهور في ضبط أجود أنه بالرفع وأن النصب موجه وهذه الرواية مما تؤيد الرفع قوله لأن جبريل كان يلقاه فيه بيان سبب الأجودية المذكورة وهي أبين من الرواية التي في بدء الوحي بلفظ وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل قوله في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ أي رمضان وهذا ظاهر في أنه كان يلقاه كذلك في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن ولا يختص ذلك برمضانات الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة لأنه كان يسمى رمضان قبل أن يفرض صيامه قوله يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن هذا عكس ما وقع في الترجمة لأن فيها أن جبريل كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل وتقدم في بدء الوحي بلفظ وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فيحمل على أن كلا منهما كان يعرض على الآخر ويؤيده ما وقع في رواية أبي هريرة آخر أحاديث الباب كما سأوضحه وفي الحديث إطلاق القرآن على بعضه وعلى معظمه لأن أول رمضان من بعد البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ثم كذلك كل رمضان بعده إلى رمضان الأخير فكان قد نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان في سنة عشر إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومما نزل في تلك المدة قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم فإنها نزلت يوم عرفة والنبي صلى الله عليه وسلم بها بالاتفاق وقد تقدم في هذا الكتاب وكأن الذي نزل في تلك الأيام لما كان قليلا بالنسبة لما تقدم اغتفر أمر معارضته فيستفاد من ذلك أن القرآن يطلق على البعض مجازا ومن ثم لا يحنث من حلف ليقر أن القرآن فقرأ بعضه إلا إن قصد الجميع واختلف في العرضة الأخيرة هل كانت بجميع الأحرف المأذون في قراءتها أو بحرف واحد منها وعلى الثاني فهل هو الحرف الذي جمع عليه عثمان جميع الناس أو غيره وقد روى أحمد وبن أبي داود والطبري من طريق عبيدة بن عمرو السلماني أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الأخيرة ومن طريق محمد بن سيرين قال كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الحديث نحو حديث بن عباس وزاد في آخره فيرون أن قراءتنا أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة وعند الحاكم نحوه من حديث سمرة وإسناده حسن وقد صححه هو ولفظه عرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضات ويقولون إن قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة ومن طريق مجاهد عن بن عباس قال أي القراءتين ترون كان آخر القراءة قالوا قراءة زيد بن ثابت فقال لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل فلما كان في السنة التي قبض فيها عرضه عليه مرتين وكانت قراءة بن مسعود آخرهما وهذا يغاير حديث سمرة ومن وافقه وعند مسدد في مسنده من طريق إبراهيم النخعي أن بن عباس سمع رجلا يقول الحرف الأول فقال ما الحرف الأول قال إن عمر بعث بن مسعود إلى الكوفة معلما فأخذوا بقراءته فغير عثمان القراءة فهم يدعون قراءة بن مسعود الحرف الأول فقال بن عباس إنه لآخر حرف عرض به النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل وأخرج النسائي من طريق أبي ظبيان قال قال لي بن عباس أي القراءتين تقرأ قلت القراءة الأولى قراءة بن أم عبد يعني عبد الله بن مسعود قال بل هي الأخيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض
(9/44)




************
على جبريل الحديث وفي آخره فحضر ذلك بن مسعود فعلم ما نسخ من ذلك وما بدل وإسناده صحيح ويمكن الجمع بين القولين بأن تكون العرضتان الأخيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين فيصح إطلاق الآخرية على كل منهما قوله أجود بالخير من الريح المرسلة فيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أولا وصف الأجودية ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المرسلة بل جعله أبلغ في ذلك منها لأن الريح قد تسكن وفيه الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية وأشار إلى قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرا والله الذي أرسل الرياح ونحو ذلك فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ومن الريح مجاز فكأنه استعار للريح جودا باعتبار مجيئها بالخير فأنزلها منزلة من جاد وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة لطيفة وهي أنه لو أخره لظن تعلقه بالمرسلة وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد بالوصف من الأجودية إلا أنه تفوت فيه المبالغة لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح المرسلة مطلقا وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ثم معارضته ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات مالا يحصى ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير وفيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأكل ليلة جزءا في جزء من الليلة والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي وقد أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أما كان ينزل عليه في سائر السنة قال بلى ولكن جبريل كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم والمنسوخ ويؤيده أيضا الرواية الماضية في بدء الخلق بلفظ فيدارسه القرآن فإن ظاهره أن كلا منهما كان يقرأ على الآخر وهي موافقة لقوله يعارضه فيستدعي ذلك زمانا زائدا على ما لو قرأ الواحد ولا يعارض ذلك قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى إذا قلنا إن لا نافية كما هو المشهور وقول الأكثر لأن المعنى أنه إذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه ومن جملة الإقراء مدارسة جبريل أو المراد أن المنفي بقوله فلا تنسى النسيان الذي لا ذكر بعده لا النسيان الذي يعقبه الذكر في الحال حتى لو قدر
(9/45)




************
أنه نسي شيئا فإنه يذكره إياه في الحال وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب نسيان القرآن إن شاء الله تعالى وقد تقدمت بقية فوائد حديث بن عباس في بدء الوحي

[4998] قوله حدثنا خالد بن يزيد هو الكاهلي وأبو بكر هو بن عياش بالتحتانية والمعجمة وأبو حصين بفتح أوله عثمان بن عاصم وذكوان هو أبو صالح السمان قوله كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كذا لهم بضم أوله على البناء للمجهول وفي بعضها بفتح أوله بحذف الفاعل فالمحذوف هو جبريل صرح به إسرائيل في روايته عن أبي حصين أخرجه الإسماعيلي ولفظه كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان وإلى هذه الرواية أشار المصنف في الترجمة قوله القرآن كل عام مرة سقط لفظ القرآن لغير الكشميهني زاد إسرائيل عند الإسماعيلي فيصبح وهو أجود بالخير من الريح المرسلة وهذه الزيادة غريبة في حديث أبي هريرة وإنما هي محفوظة من حديث بن عباس قوله فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه في رواية إسرائيل عرضتين وقد تقدم ذكر الحكمة في تكرار العرض في السنة الأخيرة ويحتمل أيضا أن يكون السر في ذلك أن رمضان من السنة الأولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي ثم تتابع فوقعت المدارسة في السنة الأخيرة مرتين ليستوي عدد السنين والعرض قوله وكان يعتكف في كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه ظاهره أنه اعتكف عشرين يوما من رمضان وهو مناسب لفعل جبريل حيث ضاعف عرض القرآن في تلك السنة ويحتمل أن يكون السبب ما تقدم في الاعتكاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف عشرا فسافر عاما فلم يعتكف فاعتكف من قابل عشرين يوما وهذا إنما يتأتى في سفر وقع في شهر رمضان وكان رمضان من سنة تسع دخل وهو صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهذا بخلاف القصة المتقدمة في كتاب الصيام أنه شرع في الاعتكاف في أول العشر الأخير فلما رأى ما صنع أزواجه من ضرب الأخبية تركه ثم اعتكف عشرا في شوال ويحتمل اتحاد القصة ويحتمل أيضا أن تكون القصة التي في حديث الباب هي التي أوردها مسلم وأصلها عند البخاري من حديث أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور الشعر التي في وسط الشهر فإذا استقبل إحدى وعشرين رجع فأقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها ثم قال إني كنت أجاور هذه العشر الوسط ثم بدا لي أن أجاور العشر الأواخر فجاور العشر الأخير الحديث فيكون المراد بالعشرين العشر الأوسط والعشر الأخير
(9/46)




************
(قوله باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)
أي الذين اشتهروا بحفظ القرآن والتصدي لتعليمه وهذا اللفظ كان في عرف السلف أيضا لمن تفقه في القرآن وذكر فيه ستة أحاديث الأول عن عمرو هو بن مرة وقد نسبه المصنف في المناقب من هذا الوجه وذهل الكرماني فقال هو عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي وليس كما قال

[4999] قوله عن مسروق جاء عن إبراهيم وهو النخعي فيه شيخ آخر أخرجه الحاكم من طريق أبي سعيد المؤدب عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وهو مقلوب فإن المحفوظ في هذا عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق كما تقدم في المناقب ويحتمل أن يكون إبراهيم حمله عن شيخين والأعمش حمله عن شيخين قوله خذوا القرآن من أربعة أي تعلموه منهم والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبدأ بهما واثنان من الأنصار وسالم هو بن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ هو بن جبل وقد تقدم هذا الحديث في مناقب سالم مولى أبي حذيفة من هذا الوجه وفي أوله ذكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو فقال ذاك رجل لا أزال أحبه
(9/47)




************
بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة فبدأ به فذكر حديث الباب ويستفاد منه محبة من يكون ماهرا في القرآن وأن البداءة بالرجل في الذكر على غيره في أمر اشترك فيه مع غيره يدل على تقدمه فيه وتقدم بقية شرحه هناك وقال الكرماني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعده أي أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر ومات أبي وبن مسعود في خلافة عثمان وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرياسة في القراءة وعاش بعدهم زمانا طويلا فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن بل كان الذين يحفظون مثل الذين حفظوه وأزيد منهم جماعة من الصحابة وقد تقدم في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء وكانوا سبعين رجلا الحديث الثاني

[5000] قوله حدثنا عمر بن حفص حدثناابي كذا للأكثر وحكى الجياني أنه وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني حدثنا حفص بن عمر حدثنا أبي وهو خطأ مقلوب وليس لحفص بن عمر أب يروي عنه في الصحيح وإنما هو عمر بن حفص بن غياث بالغين المعجمة والتحتانية والمثلثة وكان أبوه قاضي الكوفة وقد أخرج أبو نعيم الحديث المذكور في المستخرج من طريق سهل بن بحر عن عمر بن حفص بن غياث ونسبه ثم قال أخرجه البخاري عن عمر بن حفص قوله حدثنا شقيق بن سلمة في رواية مسلم والنسائي جميعا عن إسحاق عن عبدة عن الأعمش عن أبي وائل وهو شقيق المذكور وجاء عن الأعمش فيه شيخ آخر أخرجه النسائي عن الحسن بن إسماعيل عن عبدة بن سليمان عنه عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن بن مسعود فإن كان محفوظا احتمل أن يكون للأعمش فيه طريقان وإلا فإسحاق وهو بن راهويه أتقن من الحسن بن إسماعيل مع أن المحفوظ عن أبي إسحاق فيه ما أخرجه أحمد وبن أبي داود من طريق الثوري وإسرائيل وغيرهما عن أبي إسحاق عن خمير بالخاء المعجمة مصغر عن بن مسعود فحصل الشذوذ في رواية الحسن بن إسماعيل في موضعين قوله خطبنا عبد الله بن مسعود فقال والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة زاد عاصم عن بدر عن عبد الله وأخذت بقية القرآن عن أصحابه وعند إسحاق بن راهويه في روايته المذكورة في أوله ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم قال على قراءة من تأمرونني أن أقرأ وقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفي رواية النسائي وأبي عوانة وبن أبي داود من طريق بن شهاب عن الأعمش عنأبي وائل قال خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر فقال ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وفي رواية خمير بن مالك المذكورة بيان السبب في قول بن مسعود هذا ولفظه لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود فقال من استطاع وقال في آخره أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية له فقال إني غال مصحفي فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل وعند الحاكم من طريق أبي ميسرة قال رحت فإذا أنا بالأشعري وحذيفة وبن مسعود فقال بن مسعود والله لا أدفعه يعني مصحفه أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قوله والله لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وقع في رواية عبدة وأبي شهاب جميعا عن الأعمش أني أعلمهم بكتاب الله بحذف من وزاد ولو أعلم
(9/48)




************
أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه وهذا لا ينفي إثبات من فإنه نفى الأغلبية ولم ينف المساواة وسيأتي مزيد لذلك في الحديث الرابع قوله وما أنا بخيرهم يستفاد منه أن الزيادة في صفة من صفات الفضل لا تقتضي الأفضلية المطلقة فالأعلمية بكتاب الله لا تستلزم الأعلمية المطلقة بل يحتمل أن يكون غيره أعلم منه بعلوم أخرى فلهذا قال وما أنا بخيرهم وسيأتي في هذا بحث في باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه إن شاء الله تعالى قوله قال شقيق أي بالإسناد المذكور فجلست في الحلق بفتح المهملة واللام فما سمعت رادا يقول غير ذلك يعني لم يسمع من يخالف بن مسعود يقول غير ذلك أو المراد من يرد قوله ذلك ووقع في رواية مسلم قال شقيق فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك ولا يعيبه وفي رواية أبي شهاب فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق فما أحد ينكر ما قال وهذا يخصص عموم قوله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بمن كان منهم بالكوفة ولا يعارض ذلك ما أخرجه بن أبي داود من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود فذكر نحو حديث الباب وفيه قال الزهري فبلغني أن ذلك كرهه من قول بن مسعود رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه محمول على أن الذين كرهوا ذلك من غير الصحابة الذين شاهدهم شقيق بالكوفة ويحتمل اختلاف الجهة فالذي نفى شقيق أن أحدا رده أو عابه وصف بن مسعود بأنه أعلمهم بالقرآن والذي أثبته الزهري ما يتعلق بأمره بغل المصاحف وكأن مراد بن مسعود بغل المصاحف كتمها وإخفاؤها لئلا تخرج فتعدم وكأن بن مسعود رأى خلاف ما رأى عثمان ومن وافقه في الاقتصار على قراءة واحدة وإلغاء ما عدا ذلك أو كان لا ينكر الاقتصار لما في عدمه من الاختلاف بل كان يريد أن تكون قراءته هي التي يعول عليها دون غيرها لما له من المزية في ذلك مما ليس لغيره كما يؤخذ ذلك من ظاهر كلامه فلما فاته ذلك ورأى أن الاقتصار على قراءة زيد ترجيح بغير مرجح عنده اختار استمرار القراءة على ما كانت عليه على أن بن أبي داود ترجم باب رضي بن مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان لكن لم يورد ما يصرح بمطابقة ما ترجم به الحديث الثالث

[5001] قوله كنا بحمص فقرأ بن مسعود سورة يوسف هذا ظاهره أن علقمة حضر القصة وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه وأخرجه أبو نعيم من طريق يوسف القاضي عن محمد بن كثير فقال فيه عن علقمة قال كان عبد الله بحمص وقد أخرجه مسلم من طريق جرير عن الأعمش ولفظه عن عبد الله بن مسعود قال كنت بحمص فقرأت فذكر الحديث وهذا يقتضي أن علقمة لم يحضر القصة وإنما نقلها عن بن مسعود وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن الأعمش ولفظه كنت جالسا بحمص وعند أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش قال عن عبد الله أنه قرأ سورة يوسف ورواية أبي معاوية عند مسلم لكن أحال بها قوله فقال رجل ما هكذا أنزلت لم أقف على اسمه وقد قيل إنه نهيك بن سنان الذي تقدمت له مع بن مسعود في القرآن قصة غير هذه لكن لم أر ذلك صريحا وفي رواية مسلم فقال لي بعض القوم اقرأ علينا فقرأت عليهم سورة يوسف فقال رجل من القوم ما هكذا أنزلت فإن كان السائل هو القائل وإلا ففيه مبهم آخر قوله فقال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم فقلت ويحك والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ووجد منه ريح الخمر هي جملة حالية ووقع في رواية مسلم فبينما أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر قوله فضربه الحد في رواية مسلم فقلت لا تبرح حتى أجلدك قال فجلدته الحد قال النووي هذا محمول على أن بن مسعود كانت
(9/49)




************
له ولاية إقامة الحدود نيابة عن الإمام إما عموما وإما خصوصا وعلى أن الرجل اعترف بشربها بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها وعلى أن التكذيب كان بإنكار بعضه جاهلا إذ لو كذب به حقيقة لكفر فقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كفر اه والاحتمال الأول جيد ويحتمل أيضا أن يكون قوله فضربه الحد أي رفعه إلى الأمير فضربه فأسند الضرب إلى نفسه مجازا لكونه كان سببا فيه وقال القرطبي إنما أقام عليه الحد لأنه جعل له ذلك من له الولاية أو لأنه رأى أنه قام عن الإمام بواجب أو لأنه كان ذلك في زمان ولايته الكوفة فإنه وليها في زمن عمر وصدرا من خلافة عثمان انتهى والاحتمال الثاني موجه وفي الأخير غفلة عما في أول الخبر أن ذلك كان بحمص ولم يلها بن مسعود وإنما دخلها غازيا وكان ذلك في خلافة عمر وأما الجواب الثاني عن الرائحة فيرده النقل عن بن مسعود أنه كان يرى وجوب الحد بمجرد وجود الرائحة وقد وقع مثل ذلك لعثمان في قصة الوليد بن عقبة ووقع عند الإسماعيلي إثر هذا الحديث النقل عن علي أنه أنكر على بن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها إذ لم يقر ولم يشهد عليه وقال القرطبي في الحديث حجة على من يمنع وجوب الحد بالرائحة كالحنفية وقد قال به مالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز قلت والمسألة خلافية شهيرة وللمانع أن يقول إذا احتمل أن يكون أقر سقط الاستدلال بذلك ولما حكى الموفق في المغني الخلاف في وجوب الحد بمجرد الرائحة اختار أن لا يحد بالرائحة وحدها بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران أو يتقيأها ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويوجد معهم خمر ويوجد من أحدهم رائحة الخمر وحكى بن المنذر عن بعض السلف أن الذي يجب عليه الحد بمجرد الرائحة من يكون مشهورا بإدمان شرب الخمر وقيل بنحو هذا التفصيل فيمن شك وهو في الصلاة هل خرج منه ريح أولا فإن قارن ذلك وجود رائحة دل ذلك على وجود الحدث فيتوضأ وإن كان في الصلاة فلينصرف ويحمل ما ورد من ترك الوضوء مع الشك على ما إذا تجرد الظن عن القرينة وسيكون لنا عودة إلى هذه المسألة في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى وأما الجواب عن الثالث فجيد أيضا لكن يحتمل أن يكون بن مسعود كان لا يرى بمؤاخذة السكران بما يصدر منه من الكلام في حال سكره وقال القرطبي يحتمل أن يكون الرجل كذب بن مسعود ولم يكذب بالقرآن وهو الذي يظهر من قوله ما هكذا أنزلت فإن ظاهره أنه أثبت إنزالها ونفى الكيفية التي أوردها بن مسعود وقال الرجل ذلك إما جهلا منه أو قلة حفظ أو عدم تثبت بعثه عليه السكر وسيأتي مزيد بحث في ذلك في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى الحديث الرابع قوله حدثنا مسلم هو أبو الضحى الكوفي وقع كذلك في رواية أبي حمزة عن الأعمش عند الإسماعيلي وفي طبقة مسلم هذا رجلان من أهل الكوفة يقال لكل منهما مسلم أحدهما يقال له الأعور والآخر يقال له البطين فالأول هو مسلم بن كيسان والثاني مسلم بن عمران ولم أر لواحد منهما رواية عن مسروق فإذا أطلق مسلم عن مسروق عرف أنه هو أبو الضحى ولو اشتركوا في أن الأعمش روى عن الثلاثة

[5002] قوله قال عبد الله في رواية قطبة عن الأعمش عند مسلم عن عبد الله بن مسعود قوله والله في رواية جرير عن الأعمش عند بن أبي داود قال عبد الله لما صنع بالمصاحف ما صنع والله إلخ قوله فيمن أنزلت في رواية الكشميهني فيما أنزلت ومثله في رواية قطبة وجرير قوله ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل في رواية الكشميهني تبلغنيه وهي رواية جرير قوله لركبت إليه تقدم في الحديث الثاني بلفظ لرحلت إليه ولأبي عبيدة من طريق بن سيرين نبئت
(9/50)




************
أن بن مسعود قال لو أعلم أحدا تبلغنيه الإبل أحدث عهدا بالعرضة الأخيرة مني لأتيته أو قال لتكلفت أن آتيه وكأنه احترز بقوله تبلغنيه الإبل عمن لا يصل إليه على الرواحل إما لكونه كان لا يركب البحر فقيد بالبر أو لأنه كان جازما بأنه لا أحد يفوقه في ذلك من البشر فاحترز عن سكان السماء وفي الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة ويحمل ما ورد من ذم ذلك على من وقع ذلك منه فخرا أو إعجابا الحديث الخامس حديث أنس ذكره من وجهين

[5003] قوله سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة كلهم من الأنصار في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في أول الحديث افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن ثابت فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم قوله وأبو زيد تقدم في مناقب زيد بن ثابت من طريق شعبة عن قتادة قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي وتقدم بيان الاختلاف في اسم أبي زيد هناك وجوزت هناك أن لا يكون لقول أنس أربعة مفهوم لكن رواية سعيد التي ذكرتها الآن من عند الطبري صريحة في الحصر وسعيد ثبت في قتادة ويحتمل مع ذلك أن مراد أنس لم يجمعه غيرهم أي من الأوس بقرينة المفاخرة المذكورة ولم يرد نفي ذلك عن المهاجرين ثم في رواية سعيد أن ذلك من قول الخزرج ولم يفصح باسم قائل ذلك لكن لما أورده أنس ولم يتعقبه كان كأنه قائل به ولا سيما وهو من الخزرج وقد أجاب القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره عن حديث أنس هذا بأجوبة أحدها أنه لا مفهوم له فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعه ثانيها المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراآت التي نزل بها إلا أولئك ثالثها لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك وهو قريب من الثاني رابعها أن المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بواسطة بخلاف غيرهم فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة خامسها أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه وليس الأمر في نفس الأمر كذلك أو يكون السبب في خفائهم أنهم خافوا غائلة الرياء والعجب وأمن ذلك من أظهره سادسها المراد المراد بالجمع الكتابة فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلب وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب سابعها المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أولئك بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك لأن أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آخر آية منه فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع البين ثامنها أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن ابني جمع القرآن فقال اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير وقد أومأت قبل هذا إلى احتمال آخر وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين ومن جاء بعدهم ويحتمل أن يقال إنما اقتصر عليهم أنس لتعلق غرضه بهم ولا يخفى بعده والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تقدم في المبعث أنه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك وهذا مما لا يرتاب فيه
(9/51)




************
مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة كما تقدم في الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشية وقد صحح مسلم حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وتقدمت الإشارة إليه وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض فيدل على أنه كان أقرأهم وتقدم عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأه في شهر الحديث وأصله في الصحيح وتقدم في الحديث الذي مضى ذكر بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وكل هؤلاء من المهاجرين وقد ذكر أبو عبيد القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وبن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة ولكن بعض هؤلاء إنما أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس وعد بن أبي داود في كتاب الشريعة من المهاجرين أيضا تميم بن أوس الداري وعقبة بن عامر ومن الأنصار عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن حارثة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد وغيرهم وصرح بأن بعضهم إنما جمعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وممن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني وعد بعض المتأخرين من القراء عمرو بن العاص وسعد بن عباد وأم ورقة قوله تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس هذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن الفضل بن موسى به ثم أخرجه المصنف من طريق عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة فذكر الحديث فخالف رواية قتادة من وجهين أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الأربعة ثانيهما ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب فأما الأول فقد تقدم الجواب عنه من عدة أوجه وقد استنكره جماعة من الأئمة قال المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك قال وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى واستدل القرطبي على ذلك ببعض ما تقدم من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد قال وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم وأما الوجه الثاني من المخالفة فقال الإسماعيلي هذان الحديثان مختلفان ولا يجوزان في الصحيح مع تباينهما بل الصحيح أحدهما وجزم البيهقي بأن ذكر أبي الدرداء وهم والصواب أبي بن كعب وقال الداودي لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظا قلت وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين فطريق قتادة على شرطه وقد وافقه عليها ثمامة في إحدى الروايتين عنه وطريق ثابت أيضا على شرطه وقد وافقه عليها أيضا ثمامة في الرواية الأخرى لكن مخرج الرواية عن ثابت وثمامة بموافقته
(9/52)




************
وقد وقع عن عبد الله بن المثنى وفيه مقال وإن كان عند البخاري مقبولا لكن لا تعادل روايته رواية قتادة ويرجح رواية قتادة حديث عمر في ذكر أبي بن كعب وهو خاتمة أحاديث الباب ولعل البخاري أشار بإخراجه إلى ذلك لتصريح عمر بترجيحه في القراءة على غيره ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين فذكره مرة أبي بن كعب ومرة بدله أبا الدرداء وقد روى بن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري وإسناده حسن مع إرساله وهو شاهد جيد لحديث عبد الله بن المثنى في ذكر أبي الدرداء وإن خالفه في العدد والمعدود ومن طريق الشعبي قال جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة منهم أبو الدرداء ومعاذ وأبو زيد وزيد بن ثابت وهؤلاء الأربعة هم الذين ذكروا في رواية عبد الله بن المثنى وإسناده صحيح مع إرساله فلله در البخاري ما أكثر اطلاعه وقد تبين بهذه الرواية المرسلة قوة رواية عبد الله بن المثنى وأن لروايته أصلا والله أعلم وقال الكرماني لعل السامع كان يعتقد أن هؤلاء الأربعة لم يجمعوا وكان أبو الدرداء ممن جمع فقال أنس ذلك ردا عليه وأتى بصيغة الحصر ادعاء ومبالغة ولا يلزم منه النفي عن غيرهم بطريق الحقيقة والله أعلم

[5004] قوله وأبو زيد قال ونحن ورثناه القائل ذلك هو أنس وقد تقدم في مناقب زيد بن ثابت قال قتادة قلت ومن أبو زيد قال أحد عمومتي وتقدم في غزوة بدر من وجه آخر عن قتادة عن أنس قال مات أبو زيد وكان بدريا ولم يترك عقبا وقال أنس نحن ورثناه وقوله أحد عمومتي يرد قول من سمى أبا زيد المذكور سعد بن عبيد بن النعمان أحد بني عمرو بن عوف لأن أنسا خزرجي وسعد بن عبيد أوسي وإذا كان كذلك احتمل أن يكون سعد بن عبيد ممن جمع ولم يطلع أنس على ذلك وقد قال أبو أحمد العسكري لم يجمعه من الأوس غيره وقال محمد بن حبيب في المحبر سعد بن عبيد ونسبه كان أحد من جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية الشعبي التي أشرت إليها المغايرة بين سعد بن عبيد وبين أبي زيد فإنه ذكرهما جميعا فدل على أنه غير المراد في حديث أنس وقد ذكر بن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي وتقدم أنه يكنى أبا زيد وسعد بن المنذر بن أوس بن زهير وهو خزرجي أيضا لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد ثم وجدت عند أبي داود ما يرفع الإشكال من أصله فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن قال وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه قال بن أبي داود حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال هو قيس بن السكن من زعوراء من بني عدي بن النجار قال بن أبي داود مات قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا قوله

[5005] يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري قوله عن حبيب بن أبي ثابت عند الإسماعيلي حدثنا حبيب قوله أبي أقرؤنا كذا للأكثر وبه جزم المزي في الأطراف فقال ليس في رواية صدقة ذكر علي قلت وقد ثبت في رواية النسفي عن البخاري فأول الحديث عنده علي أقضانا وأبي أقرؤنا وقد ألحق الدمياطي في نسخته في حديث الباب ذكر علي وليس بجيد لأنه ساقط من رواية الفربري التي عليها مدار روايته وقد تقدم في تفسير البقرة عن عمرو بن علي عن يحيى القطان بسنده هذا وفيه ذكر علي عند الجميع قوله من لحن أبي أي من قراءته ولحن القول فحواه ومعناه المراد به هنا القول وكان أبي بن كعب
(9/53)




************
لا يرجع عما حفظه من القرآن الذي تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أخبره غيره أن تلاوته نسخت لأنه إذا سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل عنده القطع به فلا يزول عنه بإخبار غيره أن تلاوته نسخت وقد استدل عليه عمر بالآية الدالة على النسخ وهو من أوضح الاستدلال في ذلك وقد تقدم بقية شرحه في التفسير

(قوله باب فضل فاتحة الكتاب)
ذكر فيه حديثين أحدهما حديث أبي سعيد بن المعلى في أنها أعظم سورة في القرآن والمراد بالعظيم عظم القدر بالثواب المرتب على قراءتها وإن كان غيرها أطول منها وذلك لما اشتملت عليه من المعاني المناسبة لذلك وقد تقدم شرح ذلك مبسوطا في أول التفسير ثانيهما حديث أبي سعيد الخدري في الرقية بفاتحة الكتاب وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الإجارة وهو ظاهر الدلالة على فضل الفاتحة قال القرطبي اختصت الفاتحة بأنها مبدأالقرآن وحاوية لجميع علومه لاحتوائها على الثناء على الله والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك مما يقتضي أنها كلها موضع الرقية وذكر الروياني في البحر أن البسملة أفضل آيات القرآن وتعقب بحديث آية الكرسي وهو الصحيح

[5007] قوله وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث إلخ أراد بهذا التعليق التصريح بالتحديث من محمد بن سيرين لهشام ومن معبد لمحمد فإنه في الإسناد الذي ساقه أولا بالعنعنة في الموضعين وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن أبي معمر كذلك وذكر أبو علي الجياني أنه وقع عند القابسي عن أبي زيد السند إلى محمد بن سيرين وحدثني معبد بن سيرين بواو العطف قال والصواب حذفها
(9/54)




************
(قوله باب فضل سورة البقرة)
أورد فيه حديثين الأول

[5008] قوله عن سليمان هو الأعمش ولشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور أخرجه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة عنه وأخرجه النسائي من طريق يزيد بن زريع عن شعبة كذلك وجمع غندر عن شعبة فأخرجه مسلم عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي عن بشر بن خالد ثلاثتهم عن غندر أما الأولان فقالا عنه عن شعبة عن منصور وأما بشر فقال عنه عن شعبة عن الأعمش وكذا أخرجه أحمد عن غندر قوله عن عبد الرحمن هو بن يزيد النخعي قوله عن أبي مسعود في رواية أحمد عن غندر عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن أبي مسعود وقال في آخره قال عبد الرحمن ولقيت أبا مسعود فحدثني به وسيأتي نحوه للمصنف من وجه آخر في باب كم يقرأمن القرآن وأخرجه في باب من لم ير بأسا أن يقول سورة كذا من وجه آخر عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن وعلقمة جميعهما عن أبي مسعود فكأن إبراهيم حمله عن علقمة أيضا بعد أن حدثه به عبد الرحمن عنه كما لقي عبد الرحمن أبا مسعود فحمله عنه بعد أن حدثه به علقمة وأبو مسعود هذا هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الذي تقدم بيان حاله في غزوة بدر من المغازي ووقع في رواية عبدوس بدله بن مسعود وكذا عند الأصيلي عن أبي زيد المروزي وصوبه الأصيلي فأخطأ في ذلك بل هو تصحيف قال أبو علي الجياني الصواب عن أبي مسعود وهو عقبة بن
(9/55)




************